منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 ثورة البراق الملف كامل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأربعاء 16 أغسطس 2017, 6:54 am

ثورة البراق الملف كامل
مدونة طارق الجعبري

المقـدمـة 1
الفصـل الأول 3
مدينة الخليل الأهمية التاريخية الدينية 3
تاريخ اليهود في المدينة ورؤيتهم الدينية لها 3
الخليل من مطلع القرن العشرين إلى سنة 1929م 5
الوضع السياسي في المدينة سنة 1929م 6
يهود الخليل من مطلع القرن الحالي إلى سنة 1929م 8
الفصـل الثـاني 12
السياسة البريطانية في فلسطين 12
تصاعد الاضطرابات في فلسطين من عام 1917 – 1929 15
الفصـل الثالـث : مجريات الأحداث 16
بين يدي ثورة البراق 16
الأحداث في القدس 17
الأحداث في الخليل 18
الفصـل الرابـع 22
ردود الفعل حول الأحداث 22
دور الإنجليز في الأحداث 25
الأحداث والقيادة التقليدية 27
نظرات في تقرير (لجنة شو) 28
الخـاتمة 31
المـلاحق 33
قائمة المصادر والمراجع 41
شـكر وتقديـر
وأنا على أبواب التخرج ، وفي لحظات الوداع لموقع احتل محبة كبرى في القلب ، ورجال حفروا في الذاكرة الحياة .
فلا يسعني إلا التقدم بكل الشكر والعرفان
إلى إدارة جامعة الخليل مشكورة
والى الهيئة التدريسية في الجامعة وأخص
أساتذتي المحترمين في قسم التاريخ وعلى رأسهم
رئيس القسم الدكتور عبد القادر الجبارين
كما أتقدم بكل المحبة والتقدير إلى كل العاملين في الجامعة
إلى كل الطلاب والطالبات الذين زاملوني رحلة دراستي الطويلة في الجامعة .
مع كل الاحترام
طـارق الجعـبري
حرّر بتاريخ
الجمعة : 9 / 7 / 1999
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين …
الحديث عن أحداث سنة 1929م والتي عرفت بثورة البراق وتطور الاضطرابات في مدينة الخليل بشكل خاص يقودنا إلى ضرورة وضع هذه الثورة ضمن سلسلة تطور الصراع العربي الفلسطيني اليهودي من بداية هذا القرن . خاصة ان ثورة البراق قد حازت من الأهمية الكبرى استناداً لوقائعها الضخمة والمميزة مما عمل على اعتبارها بحق إحدى المفاصل الرئيسية في الصراع العربي الصهيوني .
وبالرغم أن تاريخ القضية الفلسطينية قد عمد إليه الباحثون دراسة وتمحيصاً ، حتى كادت أن تقتل بحثاً معظم أحداث الصراع ، إلا انه مازال هناك الكثير لبحثه ودراسته ، حتى يتم إدراكه في الوحي الوطني ، ونحن في ذروة الصراع، حيث يلقي كل طرف ظلال رؤاه ومنطقه ومفهومه في تاريخ النزاع وأحداثه.
من هنا رأيت من الأهمية دراسة أحداث سنة 1929م ، متتبعاً وقائع اضطرابات مدينة الخليل التي جاءت تباعاً لأحداث البراق في القدس . ولا يخفى على الباحثين والدارسين أهمية هذا الحدث الذي حوى على وقائع جسام حيث قتل في الخليل وحدها 60 من اليهود ، واعدم ثلاثة فلسطينيين اثنين من مواطني الخليل . حاملة في طياتها مواقف دراماتيكيه ، سواء كان الانقلاب العنيف من قبل أهل الخليل على الجالية اليهودية التي منحته الأمان طوال قرون من الزمن أو أحداث القتل التي طالت اليهود بشكل قاسي مع مقابلة لموقف الكثير من أهالي المدينة الذين قاموا بدفاع وحماية اليهود المجاورين لهم ، مما حال من إبادة اليهود بشكل كلي في المدينة.
لم تعن المراجع والمؤلفات التاريخية العربية بأحداث مدينة الخليل سنة 1929م ، بشكل جدي وتفصيلي وثم التطرق إليها فقط كملحق ثانوي لأحداث البراق في القدس . صيغة بالإجمال والعموم ، وباستقراء العديد من المراجع العربية . لم أكد أجد تأصيلاً وتاريخاً للأحداث وطبيعة سيرها ، ولا نجد تحليلاً لتلك الاضطرابات بشكل يروي ظمأ الدارس رغم ما تضمنته من الأحداث التي تستفز المهتم بشكل كبير . أما على الجهة الأخرى فان الروايات التاريخية اليهودية وتوثيقها والترويج لها قد وجدت عناية فائقة ومتابعة لأدق التفصيلات أهمها كتاب (سيفر حبرون) للمؤلف اليهودي (عوديد أبيشار) ، فقد عني بتحليل وسرد تفصيلات الأحداث حسب الرواية اليهودية والحق انه عني بكتابته بشكل ممتاز باذلاً جهداً جباراً حتى انه استفاد من روايات أهل الخليل وبعض وثائقهم في تدعيم آراؤه والجالية اليهودية بوجه عام .
تكمن الأهمية السياسية في وقتنا الحاضر لهذه الأحداث أنها مرتكز لسياسة الإسرائيلية نحو الخليل في العمل الحثيث نحو تهويدها ، وفيها المبرر لأعمال القتل بالاضطهاد التي يقوم به مستوطنو الخليل اليوم ضد أهل البلد كانتقام لذبح أجدادهم في المدينة ورد اعتبار الجالية اليهودية التي طردت بعد مقتل الكثير من أفرادها في تلك السنة . متوجين اعتداءاتهم الجبانة بمجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف 25/2/94 ، والله وحده يعلم ماذا بعد وما يحمله لأهل المدينة الغد.
وقد استعرضت في هذا البحث ما أوردته المراجع التاريخية حول الأحداث -رغم قلتها- مستفيداً من روايات المعمرين من أهل المدينة إضافة لرواية اليهودي (سيفر حبرون) باذلاً الجهد في عرض الأحداث وتطورها وربط بعضها البعض بصورة سلسلة ، متحرياً الدقة والموضوعية في تحليل الأحداث وسرد مجرياتها ، غير مستبق النتائج والأحكام . منتهج ربط وتحليل العناصر والعوامل المتشابكة في الحدث ، متوقف عند بعض الآراء والروايات مفنداً بعضها ومدعماً أخرى حسب ما توافر لدي من مادة تاريخية .
وحتى نستطيع قراءة أحداث سنة 1929م بصورة صحيحة وواضحة ، كان لزاماً التعرف على مفردات الحياة في ذلك الوقت ، فرأيت أن أبدأ بتعريف مدينة الخليل وأهميتها التاريخية والوجود اليهودي فيها وروايتين الدينية والتاريخية لها . ثم عرجت على وصف أحوال المدينة ما قبل الأحداث وصولا إلى بداية الاضطرابات شامل الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية للمدينة . مع ذكر الحياة اليهودية الوادعة في المدينة قبل الأحداث ، حتى تتضح لنا صورة التفاعلات اللاحقة وتفكيك عناصرها وتبيان رموزها الناتج عن التشابك المعقد لتلك العوامل معاً . ثم تطرقت بالتفصيل لتسلسل الأحداث المبتدأه في القدس والمنتهية بالخليل مع وصف مطول لمجريات قتل وملاحقة اليهود في المدينة . ثم تتبعت سياسة الانتداب البريطاني في فلسطين الداعم بلا حدود للحلم الصهيوني مما أدى إلى خلق أجواء التوتر والصراع والصدامات . أما دور الإنجليز المباشر في أحداث الخليل فقد جمعت الروايات وقارنتها وقلبتها يميناً وشمالاً ، حيث ظهرت بعض ملامح والنتائج خطيرة لكنها لست يقينية باعتبار أن الكثير من الأحداث السياسية رغم تقادم الزمن تبقى في طيات الكتمان .
والحق يقال أن خوض مثل هذه الأحداث يعرض الباحث إلى رياح العاطفة أحيانا ما بين الالتزام الوطني والديني للقضية الوطنية ، وما بين الحقد والتحامل على العدو الغاصب ، ولهذا نؤكد اجتهادنا بالموضوعية والدقة قدر استطاعتنا، لكننا حرصنا على أن تخلو الدراسة من التنظير السياسي أو الإسقاط الفكري للأحداث برؤيتنا المعاصرة بحيث لا نحمل الأمور فوق ما تحتمل مما يعكس صورة مشوهة ممجوجة للتاريخ ، وهذا لأسفي ما تعرضت له الكثير من الدراسات التاريخية التي فقدت مصداقيتها بتميز الكاتب وتنظيره الحزبي في هذا العصر الذي يشهد حالة استقطاب حزبي وفكري شديدين ، بالذات حول العملية السلمية والسلام مع أعداء الأمس ، ولن يكون بأي حال هذا البحث اعتذاراً لليهود أو تبريراً لما فعله الأجداد ، إنما هو التاريخ عبر وحقائق .
وفي نهاية هذا الجهد المقل فإن احسنا فذلك توفيق من الله ومنّه ، وإن أسأنا أو أخطأنا فمن أنفسنا. ولله الأمر من قبل ومن بعد .
 وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون 
طارق الجعبري
1 / 7 /1999م
الفصل الأول
الأهمية الدينية والتاريخية
مدينة الخليل من أقدم وأهم المدن الفلسطينية تاريخياً ، حيث يمتد عمرها إلى الألف الخامس قبل الميلاد ، عندما سكنها الكنعانيون وأطلقوا عليها اسم (قرية أربع) ، وبدأ نجم المدينة يسطع عندما سكنها نبي الله إبراهيم عليه السلام ومن ثم دفن فيها . بعدها تواكبت القبائل العربية لسكن فها كبني عدي ومن ثم لخم وجذام(1).
حازت المدينة على مكانة مرموقة بعد الفتح الإسلامي ، ونالت قدسية كبيرة لدى المسلمين باعتبارها تحتضن قبر سيدنا إبراهيم عليه السلام وقبور زوجاته . إضافة لمقامات الأنبياء اسحق، ويعقوب، ويوسف، ولوط، ويونس ، وبعض مقامات الصحابة كتميم الداري رضي الله عنه وبعض التابعين والصالحين . أما ما يدعيه اليهود وبعض المستشرقين أن الخليل اصلها وجذورها يهودية ، وإن حبرون القديمة مدينه داود هي أصل وبداية الخليل ، فإنه لم يصمد أمام ردود علماء الآثار والمؤرخين الذين ردوا على اليهود بشكل قاطع هذه الآراء(2).
تقع مدينة الخليل – التي سميت على اسم ساكنها إبراهيم الخليل عليه السلام – على بعد 36كم جنوب القدس ، وهي ذات علاقة استراتيجية متينة مع القدس بوابة الخليل سواء من الناحية الدينية أو الاقتصادية أو الاجتماعية . والمدينة جبلية التضاريس تشتهر بالكثير من المزروعات أهمها العنب والزيتون . وهي ذات أهمية استراتيجية ، جغرافياً كبيرة .
تاريخ اليهود في المدينة ورؤيتهم الدينية لها:
يعتبر اليهود الخليل توأم القدس تاريخياً ودينياً ، فقد تم ذكرها في التوراة – الإصحاح الأول – بل إن التاريخ اليهودي يبدأ من الخليل مع أبي اليهود إبراهيم (3). ورد ذكر الخليل في الكتاب المقدس 87 مره باسم حبرون أو قرية أربع أو ممرى أو بلوطات ممرى حيث تجلى الله لإبراهيم .
يحاول اليهود على الدوام ربط الخليل بالتاريخ اليهودي ربطاً عضوياً ملازماً ، وذلك بتفصيل سرد الوجود اليهودي في المدينة منذ بدء تاريخها وحتى وقتنا الحاضر – كمثيلتها القدس – حتى لو اضطروا إلى اختلاق الأكاذيب وسرد الروايات المعوجة ، حتى يبرروا احتلالهم وتهويدهم للمدينة ، مسندين مواقفهم السياسية الحالية إلى تلك الأساطير ، وهذا ما ينتهجه المؤلف اليهودي (ابيشار) في تتبعه لتاريخ الجالية اليهودية في الخليل .
من المعلوم أن الوجود اليهودي في فلسطين هو وجود طارئ ، ارتبط بداية بالأنبياء – خاصة داود وسليمان عليهما السلام – ثم كان لموازين القوى الدور البارز بالوجود اليهودي في فلسطين سلبياً أو إيجابيا ما بين الروم والفرس . ولم يكن اليهود يوماً من الأيام اغلبيه في هذه البلاد وإنما أتوها غزاة على أهلها الأصليين العرب الكنعانيين حوالي الألف قبل الميلاد .
يعترف المؤرخون اليهود أن الفتح الإسلامي لفلسطين زمن سيدنا عمر – رضي الله عنه – أوقف اضطهاد اليهود من قبل البيزنطيين وتم السماح لهم بالعودة إلى القدس والخليل(1) بشكل تدريجي . وفي القرن الثامن والتاسع والعاشر الميلادي يعترف مؤرخيهم انهم لا يملكون بيانات تؤيد الوجود اليهودي في الخليل . وباستيلاء الصليبيون على الخليل سنة 1100م تم طرد اليهود أيضا من المدينة .ولم يبدؤوا بالعودة حتى تحرير الخليل سنة 1260م على يد السلطان المملوكي بيبرس(2). ثم يعود يؤكد المؤلف اليهودي ابيشار أن اليهود تواجدوا في الخليل بصورة متقطعة وجزئية خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر الميلاديين سواء بالسكن أو الزيارة . إلى أن بدأ تواجد يهود الأندلس في المدينة يكبر بعد رحيلهم من الأندلس .
بدأ التواجد اليهودي في الخليل ينشط بشكل جدي خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر ففي سنة 1870م جاء إلى الخليل اليهودي الثري (حاييم رومانو)واشترى أرضا بنى عليها عمارة فخمه ، بينما بدأ تطور الجالية اليهودية في المدينة يتضح سنة 1890م حيث بدؤوا بإنشاء بعض المدارس ، وإرسال بعض طلاب اليهود إلى القدس للتعلم . أما في سنة 1895م فقد أقيم مستوصف طبي خاص بهم ، وشرع اليهود في هذا العام بتعلم الحرف والمهن وإنشاء دكاكين صغيرة . حيث بلغ عددهم في هذا العام حوالي 1429 شخص منهم 810 من يهود الأندلس ، و 619 من الاشكناز(3).
في مطلع القرن العشرين بدأ اليهود ينشطون بشكل واضح حيث أرسلوا وفوداً متعددةً إلى أوروبا لجمع التبرعات لجالية الخليل . وفي سنة 1909م أقام يهودي من بغداد مستشفى لليهود ، أقام (يعقوب ساسون) مدرسة دينية أيضاً سنة 1910م وهو عام شهد تطور مشاركة اليهود في صناعة الأحذية والتجارة والخياطة والحدادة وتصليح الساعات والصياغة والمنسوجات الصوفية ، الإ أن هذه الصناعات لم تصمد طويلاً في المدينة ، فتدهورت معظمها وهاجر معظم حرفيي اليهود من المدينة(4).
الخليل من مطلع القرن العشرين إلى سنة 1929م
عاشت المدينة خلال هذه الفترة حياة بائسة في معظم شؤون حياتها ، مثلها مثل باقي المدن الفلسطينية وذلك انعكاساً للأوضاع السياسية والاقتصادية المتراكمة التي تعاقبت على فلسطين(1). إلا أن الخليل وغزه ونابلس وبعض المدن الأخرى ، كان مستوى المعيشة فيها أدنى مما في القدس ويافا . ويعود ذلك إلى عدم تأثرها بالأسباب التي أدت إلى ارتفاع مستوى المعيشة من هجرة يهودية وحركة سياحية وزيادة عدد سكان(2).
التعليم في المدينة كان في ابسط صوره ، وهو امتداد لنظام الكتاتيب ، وبدخول الإنجليز سنة 1917م بدأت المدارس بالظهور مثل مدارس المعارف والرشديه إضافة لبعض المدارس الخاصة الصغيرة ، وتظهر الصورة لنا واضحة ربما عندما تعرف عدد الطلاب في المراحل النهائية في المدارس (ثاني ثانوي) سنة 1932م كانوا تسعة طلاب فقط(3). في حين أنه سنة 1922م اقتصر عدد المدارس على أربع فقط ، ثلاثة منها ابتدائية ضمت 387 طالباً ، بينما اليهود في المدينة والبالغ عددهم آنذاك (430 يهودياً) مقارنة بالمسلمين البالغ عددهم العام 53689 نسمه . فقد كان لليهود في تلك الفترة أيضاً أربع مدارس ضمت 42 طالباً(4).
والإقبال على المدارس لم يكن بشيء الكثير ، لأن غالبية السكان تحيا حياة تعجز فيها عن توفير الأقلام والدفاتر ناهيك عن الرسوم (5). فالحالة الاقتصادية من السوء بحيث أعوزت الناس وبلغ منهم الفقر مبلغاً عظيماً . وهذا الوضع البائس يبدوا واضحاً بمراجعة بعض ملفات المحكمة الشرعية التي تذكر البيع والشراء فتقارن الأسعار مع دخل الفرد.
غالبية السكان كانت تعتمد على الزراعة بطرقها البدائية ، تحيا وتعتاش على المحاصيل المشهورة في البلد كالعنب والزيتون والقمح والخضار واللوزيات ، إضافة إلى بعض الصناعات والحرفيات الخفيفة ، أما التجار كانت نسبتهم قليلة ولم يكن بمقدورهم منافسة تجار المدن الأخرى بالغنى الفاحش ، أما المواصلات فكانت سيئه ، تعتمد على الدواب ولم تدخل السيارات إلى المدينة إلا في سنة 1923 حيث كان أول دخول سيارة إلى المدينة من قبل أهلها(6).
الوضع السياسي في المدينة سنة 1929م
تناما الشعور الوطني والانتماء والوعي السياسي بتطور القضية الفلسطينية منذ مطلع القرن . ومع أن البداية مع الإنجليز كانت ترحيبية ، كحال التوجه العربي العام ، فإننا نلحظ أن ممثلي أهل الخليل قد علقوا الآمال العظام على بريطانيا ، بل حتى أنهم بالغوا مبالغة غير معهودة .
وفي كتابهم إلى الشريف حسين بتاريخ 8/2/1918م يعلن ممثلي الخليل الولاء له ، ويثنون بالشكر إلى جلالة ملك بريطانيا العظمى بل يزيدوا “فلقد يعلم الله أننا صادقون في محبتها –بريطانيا- متهالكون في خدمتها، أطال الله أيامهما ، وحف بالنصر أعلامهما “(1). إلا أنه أمل مبالغ فيه سرعان ما بدأ بالتلاشي مع أول صدمه من قبل الحليف بريطانيا وذلك بإصدار وعد بلفور سنة 1917م ، الذي لفت الأنظار إلى جدية الصراع مع الحركة الصهيونية .
فقد كان من أهل الخليل من وقعوا على عريضة احتجاج الفلسطينيين إلى هيئة مؤتمر السلم العام ووزارة الخارجية البريطانية محتجين على الحركة الصهيونية والحالة السيئة في فلسطين وذلك بتاريخ 12/2/1918م ، فمن الخليل كان الموقعون داود شكري وموسى شكري وخليل عزت(2).
وأثناء عقد المؤتمر السوري العام في دمشق 2/6/1919م ، كانت مشاركة من الخليل ممثلة بالدكتور أحمد قدري ورفيق التميمي . وفي سنة 1921م شارك من الخليل ممثلين في المؤتمر الفلسطيني الرابع ، وكان من أعضاء اللجنة التنفيذية المنتخبة من الخليل الحاج سليم شنيتر . وعقب تأسيس المجلس الإسلامي الأعلى سنة 1922م وانقسام الفلسطينيين ما بين حسيني ونشاشيبي سرت هذه العدوى في الخليل وقراها وخلقة جو من الخصومات وشجار ما بين العائلات والقرى بعضها البعض .
أما المؤتمر الفلسطيني السابع سنة 1928م فقد كان وفد كبير من الخليل مشاركاً ، وضم كل من : الشيخ طالب مرقه، وأمين الحموري، والحاج سليم حجازي، ومحمد يوسف بدر، وناصر عبد الفتاح، وطالب عبد المجيد، وراشد عرفة، وعبد زيتون، وعبد الله طهبوب، والشيخ صبري عابدين، وعلي العويوي، وعبد الله بشير عمرو، وأمين الجعبري، وعبد الفتاح العزة، ويونس زلوم، والحاج إبراهيم أبو خلف، ومحمد علي الجعبري، وراتب الناظر، وعبد الله الشعراوي . وقد تم انتخاب بعضهم لعضوية اللجنة التنفيذية كلاً من : الشيخ طالب مرقه وناصر الدين ناصر الدين(3).
ويتصاعد التوتر حول حائط البراق بسبب استفزازات اليهود حيث شكل العرب جمعية حراسة البراق الشريف بمشاركة واضحة من أهل الخليل .حيث تلاها تشكيل جمعية الشبان المسلمين لدفاع عن البراق الشريف وكان رئيس فرعها في الخليل الشيخ طالب مرقة(1).
اشتد الصراع حول حائط البراق أواخر سنة1928م، مما دعا المسلمين إلى عقد مؤتمر عربي لدفاع عن حائط البراق الشريف بتاريخ 1/11/1928م في مدينة القدس ، حضر المؤتمر 700مندوباً من سوريا ولبنان والأردن وفلسطين ، قرر المجتمعون فيه تشكيل منظمات لحماية الأقصى المبارك بصورة جمعية أسموها “جمعية حراسة الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة وقد مثل الخليل في المؤتمر كلاً من :الشيخ طلب مرقة ، والشيخ صبري عابدين، ومحمود الحموري ، وأمين الحموري ، وعبد الله طهبوب ، وعبد الحي الخطيب ، ومحمد علي الجعبري ، وسليم حجازي ، وحميدان كاتبة ،وطاهر دعنا ، ورضوان دويك ، وراشد دعنا ، وعيسى حسن(2).
أما عند استطلاع الأحزاب الفلسطينية في العشرينات ومؤسسيها وأعضائها تبدو مدينة الخليل بعيدةً كثيراً عن الجو الحزبي الفلسطيني ، وان مشاركة أهل الخليل في هذه الأحزاب يكاد لا يذكر(3).
يهود الخليل من مطلع القرن الحالي إلى سنة 1929م
تصف الروايات التاريخية يهود الخليل في هذه الفترة بأنهم متدينين ورعين(1). جاءوا للعبادة في جوار قبر إبراهيم علية السلام . وقد عاش يهود الخليل طوال عدة قرون مع أهل الخليل المسلمين بكل راحة وطمأنينة. رغم ذلك يبدوا توجه يهود الخليل نحو الصهيونية قبيل الأحداث – كما سنوضح لاحقاً – قد ساهم من خلال التوجه الصهيوني العام نحو فلسطين والاستيطان فيها لإنشاء الوطن القومي مساهمة فعالة في تأجيج العداء وإبرازه ضد اليهود بمن فيهم يهود الخليل .
هنا يعترضنا سؤال كبير ، فيهود الخليل عشية أحداث سنة 1929م كانت صفتهم واضحة بأنهم من المتدينين تخلوا أطماع الصهيونية من تصرفاتهم . بل إن علاقاتهم مع أهل الخليل فيها كثير من التعاون والقبول(2). فما الذي حدى بأهل الخليل التنكر لهذه الجيرة التي منحوها لليهود ، وارتدادهم عليهم والقيام “بأعمال قتل وحشية بشعة ومذبحة عامة ضد يهود المدينة ” حسب وصف المندوب السامي .
بدأت المخاوف والاحتجاجات الفلسطينية ضد استيطان اليهود تتوالى مع بدء عمليات الاستيطان الأولى من قبل اليهود أواخر القرن التاسع عشر . واعترفت المصادر اليهودية بوجود “احتكاكات واصطدامات منذ بداية العمليات الاستيطانية”(3).
من جهة أخرى كانت الخليل مسلميها ويهودييها تحيا حياة مطمئنة تخلوا من الصراع العربي الصهيوني الواضح على الساحل الفلسطيني . الذي ركز الاستيطان اليهودي علية مستبعداً المناطق الداخلية الفلسطينية .
فمثلا يصف الرحالة (القساطلي سنة 1875م) أهل الخليل أنهم “مسلمون ويهود” ، المسلمون عددهم 15000 نسمة ، واليهود 2000 جميعهم من السكناج(4). أما الباعة المتجولون من تجار اليهود من الخليل فقد كانوا يبيعون منتجات الخليل والزجاج في سائر أنحاء فلسطين ذلك الوقت .
تمتع يهود الخليل وصولاً إلى مطلع القرن العشرين بحماية مزدوجة ، أولها : من سكان المدينة الذين منحوهم الجوار والأمان ، وثانيها : الحماية الأجنبية من بريطانيا والنمسا . تذكر الروايات التاريخية أن اليهود قاموا بالشكوى ضد عبد الرحمن عمرو الذي تمرد على الدولة العثمانية ، وأخذ بجمع الضرائب لصالحه مما مس مصالح يهود الخليل ، فقاموا بالشكوى إلى القنصلين الإنجليزي والنمساوي اللذين ذهبا إلى الخليل ليتفقدا أحوال يهود المدينة المتمتعين بحمايتهم(5).
أمسى الأمان المعطى لليهود من المعلوم الذي لم يخرج عليه أحد ومن الشرعية المتفق عليها ، والذي ما فتئ وجهاء المدينة يحرصون ويؤكدون على تأمين وأمان اليهود المجاورون . عند انسحاب ومجيء الإنجليز إلى البلاد سنة 1917م حيث أصبحت مدينة الخليل بدون حكومة وأحكام ، وقد كان من الممكن أن يتعرض اليهود فيها إلى خطر حقيقي ، حينها عمد وجهاء المدينة إلى الحاخام “سليمان ماني” مؤكدين له بأنهم سيدافعون بأنفسهم عن حيات اليهود وأموالهم ريثما يدخل اليهود المدينة ، وأكثر من ذلك فإن وجهاء المدينة ولمدة أسبوعين متواصلين عملوا على الاجتماع ليلاً في ساحة اليهود حتى دخول الجيش البريطاني الخليل(1).
فسح حكم الإنجليز للخليل المجال للحركة الصهيونية بالتسلل إلى يهودها بشكل أكثر عملي كبناء مدارس والمستوصف ، إنشاء فرع انكلو فلسطينية ، وبعض المنشآت الداعمة لوجود اليهود في المدينة . غير أن أحداث النبي موسى سنة 1920م كانت إحدى محطات الرئيسية والتي أسفرت عن اصطدام المدينة بالحركة الصهيونية و يهود القدس على الأخص ومنها كانت بذرة الصدام والانتقام من اليهود .
اعتاد سكان أهل الخليل وقراها المشاركة السنوية في احتفالات النبي موسى ، الواقع على طريق القدس أريحا . وعادةً ما يكون وفد الخليل من أكبر الوفود المشاركة حيث ينطلق من الحرم الإبراهيمي في المدينة متوحهاً إلى القدس ، ليكون في استقباله سائر الوفود .
تحرك وفد الخليل في نيسان 1920م إلى القدس حيث كان في استقباله وفد القدس ووفد نابلس ، الذين قابلاه بالأناشيد الدينية والتي سرعان ما تحولت إلى أناشد وخطب سياسية ، ألقى خلالها موسى كاظم الحسيني -رئيس بلدية القدس آنذاك – كلمة ترحيبه بوفد الخليل هاجم فيها السياسة البريطانية مما أدى إلى عزله لاحقاً (2).
من هنا بدأ الصدام الأول بين العرب واليهود ، عندما بسق أحد اليهود على المحتفلين واعتدى بعض اليهود على أحد مواطني الخليل المحتفلين ، واشتبك بعدها الطرفان في أحداث استمرت عدة أيام قتل فيها عدة أشخاص .
وصلت أخبار صدامات القدس إلى الخليل مساء يوم الاصطدامات ، بأن الصهاينة هاجموا علم الخليل في القدس فقتلوا رجال الموكب ومزقوا العلم . فهب أهل الخليل واستعدوا للسفر إلى القدس لنجدة إخوانهم، إلا أن الحاكم العسكري البريطاني (الكابتن تشامبيون) أغلق طريق القدس في وجههم مانعهم من السفر . إلا أنه سمح لهم بعد إلحاح طويل بتنظيم مظاهره ضد الصهاينة تخرج من الحرم الإبراهيمي(3).
يظهر هنا بوضوح أن أهل الخليل في احتجاجهم ضد الصهاينة لم يشملوا يهود الخليل بصورة مباشرة، فلم يمسوا يهود الخليل بسوء ، رغم أن مشاعر الحقد والانتقام كانت تتفاعل في النفوس . وهذا ما حمل الألوف من أهالي الخليل بتجمع حول ساحة اليهود صبيحة اليوم التالي ، ولم ينفضوا إلا بمجيء القوات البريطانية المساندة من القدس(1). ثم إن وجهاء الخليل ذهبوا بعد فض المظاهرة إلى بيت الحاخام ماني مؤكدين له أنهم لن يمسوا يهود الخليل بسوء وأن مظاهرتهم ضد الصهيونيين الأجانب(2).
لم تكن أحداث سنة 1920م مستنده إلى تخطيط ، إنما هي ردة فعل وانفجار شعبي على خطر اليهود المتزايد ، وهم البادئين بالتحرش . وتبدو سياسة متبناة من بل اليهود والحركة الصهيونية في توتير الأجواء وتسخين الحالة السياسية في فلسطين للفت أنظار العالم وكسب تأييده . مما دفع بعض المؤرخين المعاصرين للأحداث بالتلميح أن هذه الأحداث “ربما كانت مدبره من اليهود أو الحكومة”(3).
وهنا لابد من التوقف ملياً حول حقيقة تدخل الإنجليز في هذه الأحداث ، والى النهج المتعمد من قبل اليهود الحركة الصهيونية بتوتير الأجواء وتفاعل الصدامات مع العرب ، وربما تتقارب الصورة حول إحداثيات أحداث النبي موسى بأحداث سنة 1929م ، فلا تعد إلا امتداداً لتلك السياسة وتطوير للرؤية اليهودية والاستراتيجية في سيطرتهم على فلسطين .
أيضاً من النقاط الأساسية لأحداث النبي موسى سنة 1920م تفاعل أهل الخليل مع الأحداث بصورة مباشرة وسريعة فور سماعهم أخبار الاصطدامات في القدس ، أما التقاطع مع الحركة الصهيونية والوقوف موقف الصدام معها فكان واضحاً بمسيرة الخليل ومظاهرتهم ضد الصهاينة . إضافة أن أهل الخليل كانوا عنصراً أساسياً في الصراع والأحداث مع اليهود سنة 1920م ، حيث أن رواية فوج معاصر للحدث تشير أن تحرش اليهود كان بجماهير أهل الخليل القادمة إلى القدس للاحتفال بموسم النبي موسى ، فما كان من أهل الخليل إلا أن هاجموهم وقتلوا منهم –اليهود- مقتلة عظيمة(4).
فلا غرو من أن يتناما شعور العداء ما بين أهل الخليل واليهود عامه ، فقد حقنت هذه الصدامات النفوس بالضغينة والحقد الذي أخذ يكبر يوماً بعد يوم .
إضافة إلى ما سبق فإن تلاصق الأحداث أسهم في إزالة القناع عن يهود الخليل المتصفين بالتدين غير الصهيونية ، فوفودهم المتكررة إلى أوروبا نهاية العشرينات لجمع التبرعات ليهود الخليل وتعاونهم مع الوكالة اليهودية التي بنت لهم مدرسة ومرافق أخرى . أيضاً فإن الاعتداءات المتكررة من قبل اليهود طوال العشرينات على الحرم الإبراهيمي . حيث اعتاد المسلمون أن يسمحوا لليهود والأجانب بالصعود إلى درجة السابعة من المسجد ، وكانوا في كل يوم جمعة يبكون وينوحون _كما في حائط البراق- ، إلا أنهم لم يقتنعوا بذلك وبدءوا بمحاولة الصعود أكثر من الدرجة السابعة المسموح لهم بها ، بل إنهم جلبوا أدوات إبادتهم معهم في محاولة لخلق واقع جديد لهم في الحرم الإبراهيمي ، مما جلب نقمة المسلمين عليهم(1).


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الأربعاء 16 أغسطس 2017, 6:57 am عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأربعاء 16 أغسطس 2017, 6:55 am

الفصـل الثـاني
السياسة البريطانية في فلسطين 1917-1929
دخلت القوات البريطانية إلى فلسطين متظاهرة تحالفها مع العرب ،و أنها ما جاءت إلا لتحرر العرب من طغيان الدولة العثمانية ، ساعية جهدها أن يتقبلها العرب بدون معارضه والتي وثقت مع الشريف حسين واعدة إياه بإقامة خلافة عربية مستقلة تحت إمرته ، وفي هذا السياق يأتي كتاب ممثلي أهل الخليل الى الشريف حسين معلنة الولاء له وبريطانية وقد أشرنا إليه سابقا .
إلا أن هذه السياسة المتلونة لم تصمد طويلا أمام الوقائع والحقائق التي أخذت تثبت على الأرض ، في دعم الحركة الصهيونية ومنحها كل المساندة في عملية الاستيطان الصهيوني لفلسطين وأبرزها وأهمها وعد بلفور في 2-11-1917م معلنا التزام بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين(1) .اتخذت بريطانيا والحركة الصهيونية فيما بعد وعد بلفور سندا قانونيا في جميع الإجراءات والخطوات التي قاموا بها على طريق نشاطهم لإنشاء الدولة اليهودية في فلسطين (2). بل أن بريطانيا ما فتأت تعلن التزامها بالوعد وأنها مصممة على ألا توضع أي عقبة في تحقيق هذا الأمل(3).
ومن ثم توالت خطوات الشراكه والتحالف البريطاني والصهيوني في فلسطين ،ففي مؤتمر الصلح في باريس 1919م، بدت مطالبة الوفد الصهيوني في المؤتمر كعملية غزو يهودي صهيوني مخطط ومنظم للسيطرة على فلسطين، وقد أستجيب مطالب الوفد الصهيوني بإجراءات واضحة أهمها قرار المجلس الأعلى للحلفاء 1920م فصل جنوب سوريا –أي فلسطين – عن بقية سوريا كحجر أساس للدولة الصهيونية . ثم تعيين اليهودي هربرت صموئيل – في ما بعد – مندوبا ساميا على فلسطين الحارس الأمين على مشروع الحركة الصهيونية(4).
أما الانتداب البريطاني على فلسطين 1922م ، فقد جاء كأحد الخطوات المتممة للمشروع الصهيوني، فتأثير الصهيونية في بنود الانتداب واضح جلي . ابتداء الاعتراف بالصلة التاريخية التي تربط اليهود بفلسطين والاعتراف بالوكالة اليهودية وشرعية التعامل معها . بالإضافة الى تسهيل الهجرة ومنح اليهود امتيازات خاصة في الإدارة والأشغال العامة في فلسطين ، وأيضا منح الجيش الفلسطيني لليهود واعترافها باللغة العبرية وبالأعياد اليهودية(5).
أصبحت سياسة الحكومة البريطانية في فلسطين تبدو اكثر وضوحا يوما بعد يوم في انحيازها ودعمها للحركة الصهيونية ، كما يؤكد المسؤولين البريطانيون “أن السياسة البريطانية في فلسطين خلال السنوات الخمس الأخيرة مرتكزة الى تصريح بلفور(1). بل انهم لا يتحرجون من سياستهم السافرة وأفعالهم الظالمة للفلسطينيين فيعلنوا أن”قد يكون مبالغا فيه أن نأمل إرضاء الفلسطينيين”(2).
ومن جهة أخرى يقرن الساسة البريطانيون القول بالفعل تجاه مساندة اليهود ، فقد حدد تشر شل السياسة البريطانية في فلسطين في كتابة الأبيض الأول موضحاً أن سكان فلسطين من اليهود ليس عليهم أن يتخوفوا من أن تنحرف حكومة بريطانيا عن التزامها بتصريح بلفور بل يؤكد تشر تشل من جديد أن من الضروري مرة أخرى أن نؤكد بأن هذه المخاوف ليس لها أساس أو أن التصريح “أي تصريح بلفور غير قابل للتبديل(3).
في ظل هذه السياسة البريطانية المساندة على طول المدى للحركة الصهيونية على حساب أهل البلاد الفلسطينية والتي شملت فلسطين طولاً وعرضاً ومنها الخليل في محاولة لوضع قدم في البلد حيث قامت حكومة الانتداب والحركة الصهيونية بإنشاء حزب الزراع بالتعاون مع بعض العملاء الفلسطينية في خطوة مساندة لخططهم . وتتكلم إحدى الوثائق البريطانية بوضوح أن هذا الحزب – الزراع – الذي أنشأه اليهود ووضعوا عليه آل هديب خاص موسى هديب ، الذي كان من المرتزقة المتعاونين حيث تم اغتياله فيما بعد(4).
ولابد من الوقوف ملياً على هذا الحزب ، واستراتيجية إنشائه التي ارتكزت على تأجيج العصبية وإظهار الزراع الفلاحين كأنهم عدو لأهل المدينة ، وللأسف أن بقايا أفكار وترسبات هذا الحزب عاشت حتى يومنا هذا ، بل أن اليوم تبدوا محاولات دنيئة في إرجاع تلك السياسة وإذكاء نارها ، وهذا ما يعطي الانطباع أن سياسة الانتداب كافة ترتكز على إستراتيجية واضحة المعالم مرسومة الخطوات ، وفي المقابل كانت الأوضاع العربية والحركة الوطنية الفلسطينية في ضعف وعجز مقتصرة أفعالهم على ردة الفعل العاطفي والمتشنج بصورة عامة.
وفي سنة 1925م أثناء قيام وزير المستعمرات البريطاني ، قابلته وفود عربية يتقدمها اللجنة التنفيذية والحزب الوطني ، وقد تكلموا خلال اللقاء عن تظلمات الفلسطينية وقدموا الى الوزير تقريراً عما يعانون ويلقونه وأن العرب في فلسطين وهم يطلبون حقهم في الحكم الشرعي ، وأنهم يريدون أن يتمتعوا بحقهم باعتبارهم أكثرية ساحقة في العدد والمصلحة(5). لكنها آمال ومطالب لم تجد آذاناً صاغية بل على العكس فقد كان اليهود بالإدارة البريطانية في فلسطين يتعاملون على أن البلاد بلادهم وما على العرب إلا أن يرحلوا عنها(1).
وقد خلصت الهيئات الفلسطينية الى نتائج السياسة البريطانية في فلسطين ، في الوثائق التي أعدتها أمام لجنة التحقيق البريطانية الأمريكية سنة 1946م ، مجملين هذه الخطوط العريضة للسياسة البريطانية من 1917- 1939م بأنها مرتكزة على الحيلولة دون أن يصبح العرب أو اليهود أقوى مما ينبغي ، مع الحرص على منع الفريقين من أن يتفقا معاً، وبذلك يظلان كلاهما معتمدين على بريطانيا(2).
وأن أسباب حوادث سنة 1919م وسنة 1920م وسنة 1929م وسنة 1936م لم تكن ناجمة عن أسباب مؤقتة أو من مظالم إدارية بل إنها نجمت عن معارضة وطنية لجميع السياسة الصهيونية التي اتخذتها السلطة المنتدبة(3).
وفي الخلاصة يمكننا أن نصف سياسة الانتداب البريطاني في فلسطين في كلمتين بأن ” حكومة فلسطين يهودية اكثر من اليهود”(4).
تصاعد الاضطرابات في فلسطين 1917- 1929
في ظل هذه السياسة البريطانية الواضحة في فلسطين لصالح الحركة الصهيونية كان من الطبيعي أن يواجه بشعور السخط والغضب الفلسطيني ، وان تبدأ الصدامات ما بين الفلسطينيين من جهة وما بين اليهود والقوات البريطانية من جهة أخرى .
وقد كان أول الاضطرابات بين العرب واليهود ، في القدس في نيسان 1920م ، وذلك أثناء احتفال المسلمين بزيارة النبي موسى ، واستمرت هذه الاضطرابات عدة أيام قتل فيها خمسة يهود وأصيب ثمانية عشر إصابات خطرة و 193 إصابات بسيطة ، وتم جرح سبعة جنود بريطانيين وقتل أربعة من العرب وجرح ثمانية وعشرون.
وفي أيار سنة 1921م حدثت صدامات بين العرب واليهود في يافا وتل أبيب ، امتدت الى مستعمرة ملبس وطولكم ووادي الحوارث وعرب أبى كشك ، ودامت الأحداث قرابة خمسة عشر يوماً قتل فيها 48 شخصاً وجرح 73 من العرب و47 قتيلاً و146 جريحاً من اليهود .
وفي آذار سنة 1924م حصلت اضطرابات ايضاً في يافا ، سقط فيها عدد من القتلى من الطرفين وايضاً في آذار سنة 1927م جرى اضطراب عام وظهر في القدس احتجاجاً على زيارة بلفور الى القدس لافتتاح الجامعة العبرية(1).
دلت هذه الأحداث المتقطعة أن جمر الصراع بدأ ينفد تحت الرماد ، وكانت هذه الاضطرابات مجتمعة كانت ارهاصات أحداث ثورة البراق سنة 1929م .
إلا أن هذه الأحداث سوى أحداث سنة 1920م كانت ضعيفة ومتقطعة وغير شاملة ، حيث تميزت هذه المرحلة من سنة 1922 – سنة 1929م بالركود والضعف في المقاومة انعكاساً على حياة الفلسطينيون ، كما يذكر المندوب السامي في تقريره بأنه “يستمر الركود في الدوائر العربية بسبب قلة الأموال والنزاع الداخلي”(2).
ولن تستطع الأحزاب والجمعيات الفلسطينية التي تشكلت في العشرينات الصمود طويلاً أو النهوض بالمقاومة الوطنية ، لما كانت تحياه من صراعات داخلية عملت على حصرها شعبياً وجغرافياً ومن ثم زوالها ، فالجمعيات الوطنية الإسلامية لم تعش سوى ثلاثة سنوات أما الحزب الوطني والحزب الزراعي انتهيا سنة 1927م(3).
الفصـل الثـالث : مجريـات الأحداث
بين يدي ثورة البراق :
كان من الطبيعي أن تصل الأوضاع في فلسطين إلى الانفجار والصدام العنيف ، في ظل الأطماع الصهيونية نحو تهويد البلاد واستلابها ، تحت رعاية الحكومة البريطانية وانحيازها الكامل للحركة الصهيونية واليهود ، وبتصاعد الضغوطات الاقتصادية والسياسية على فلسطين كان مرجل الثورة والغضب قد وصل ذروته في أحداث سنة 29 ، وقد عمدت الحركة الصهيونية واليهود الى قدح زناد الأحداث والاضطرابات عندما طالت أطماعهم المقدسات الإسلامية وتطلعوا نحو المسجد الأقصى وحائط البراق مما أوقعهم في تماس مباشر مع مسلمي فلسطين وهذا ما يفسر ضخامة وقوة الأحداث في ثورة البراق .
بدأت بوادر أحداث ثورة البراق في عام 1918م عندما حاول اليهود شراء ووقف أبو مدين بجانب حائط البراق وذلك بقصد السيطرة على حائط البراق ، ثم توالت استفزازات اليهود بجلبهم أدوات الصلاة الخاصة بهم من طاولات وكراسي وفاصل بين النساء والرجال إلى جانب حائط البراق ، مما أثار سخط المسلمين وغضبهم ، فقاموا بتشكيل ” جمعية حراسة البراق الشريف ” ورد عليهم اليهود بتشكيل ” جمعية أنصار حائط المبكى “(1).
بدأ تهديد اليهود لحائط البراق جدي، مما عمل على استنفار المسلمين فشكلوا جمعية أدنى مساندة وهي ” جمعية الشبان المسلمين ” التي انتشرت فروعها في معظم فلسطين ، وبالرغم أنها لم تكن ذات توجه سياسي واضح فقد كان لها دور كبير في الوعي الديني وإثارة المشاعر الإسلامية فكان يترأس فرعها في الخليل الشيخ طالب مرقة والذي اتهم بقيادة أحداث الخليل(2).
ثم قرر المسلمون بعقد مؤتمر عربي إسلامي عام للدفع عن حائط البراق وتم عقده بتاريخ 1/11/1928م في القدس حيث حضر المؤتمر 700ً مندوبا من سوريا و لبنان و الأردن وفلسطين ، وتم الاتفاق في المؤتمر على تشكيل ” جمعية حراسة الأقصى والأماكن الإسلامية المقدسة لتتولى الدفاع عن الأقصى وحائط البراق وسائر المقدسات الإسلامية في فلسطين من مطامع اليهود، وقد مثل الخليل في المؤتمر كل من ” الشيخ طالب مرقة ، والشيخ صبري عابدين ، ومحمود الحموري ، و د. أمين الحموري ، وعبد الله طهبوب، وعبد الحي الخطيب ، ومحمد علي الجعبري وسليم الغصين ، وسليم حجازي ، وحميدان كاتبة ، وظاهر دعنا ، ورضوان الدويك ، وراشد دعنا ، وعيسى حسن(3) وهو وفد كبير مثل معظم عائلات الخليل تعبيرا عن الاهتمام بما يدور في القدس.
الأحداث في القدس
بدأ الصراع الجدي بين المسلمين واليهود يتبلور ، متمركزاً ومنطلقا من الصراع حول حائط البراق ، وقد انطلقت شرارة الأحداث الأولى في 14/8/1929م عندما قام اليهود باستفزاز المسلمين بتنظيم مظاهرة ضخمة في تل أبيب بمناسبة ذكرى تدمير هيكل سليمان ، ثم أعقبها في اليوم التالي مظاهرة كبيرة في شوارع القدس، وصل اليهود فيها قرب حائط البراق حيث رفعوا العلم الصهيوني وأخذوا ينشدون النشيد القومي الصهيوني ( الهاتكفا : الأمل ) . وقد صدر من بعض اليهود الشتائم والاستفزازات للمسامين مطالبين باستعادة الحائط باعتباره (حائط المبكى) ، وانه الجدار الباقي من هيكل سليمان .
تزامنت هذه المظاهرات في اليوم التالي 16 آب ، وقد كان يوم جمعة ، ذكرى المولد النبوي الشريف حيث جرت العادة احتفال أهالي القدس والقرى المجاورة الاحتفال بالمسجد الأقصى ، فخرج المسلمون بعد صلاة الظهر آلافاً ناقمين على اليهود فتوجهوا نحو حائط البراق محطمين منضدة اليهود ، وأحرقوا بعض الأوراق التي تخص اليهود ، ثم حدث في اليوم التالي –17 آب – اشتباك بين مجموعة من العرب وأخرى من اليهود ، أدت إلى جرح 11 شخصا من الجانبين ووفاة يهودي ،مما دفع بالقوات البريطانية لاعتقال عدد كبير من الشباب العرب وبعض اليهود .
أخذت هذه الأخبار بالانتشار سريعا في سائر المدن الفلسطينية ،وان اليهود يعملون على احتلال حائط البراق . فما كان إلا أن تدفق آلاف الأهالي من القدس وما جاورها الى الصلاة المسجد في المسجد الأقصى يوم 23 آب ، حاملين العصي والهراوات متحدين اليهود الذين كانوا مجتمعين في انتظارهم ، ووقع الصدام بين الطرفين ، وتدخلت الشرطة البريطانية فأطلقت النيران على العرب وحلقت الطائرات فوق القدس ودخلت المصفحات البريطانية شوارع القدس لإعادة الهدوء إلى المدينة عصراً(1).
أخذت هذه الأحداث العنيفة والتي أسفرت عن قتل وجرح العديد من الجانبين تصل الى باقي المدن الفلسطينية مثل نابلس والخليل وصفد وغيرها ،حاملة نداءات الاستغاثة ودعاوى الثأر والانتقام من قبل اليهود المتعدين على حرمات المسلمين ومقدسا تهم ،وقد كانت الردود واضحة وقوية في اليوم التالي في كل من صفد والخليل .
الأحداث في الخليل
وصلت أخبار الصدامات والأحداث من القدس الى الخليل ،التي كانت تحيا حالة من الهدوء المعيشي المتقبل لليهود في ذلك الوقت . خاصة أن الجالية اليهودية في المدينة امتد وجودها الى مئات السنين كأهل ذمة ، ولم يلق وجودهم أي معاملة تسئ إليهم بل على العكس فوجهاء المدينة ” تكفلوا دوما بأن يتمتع يهود الخليل باليهود التام ولا يساء إليهم(1).
وبما أن العلاقات الاجتماعية والروابط الاقتصادية ما بين الخليل والقدس من القوة والترابط بمكان ، حيث عملت على الاحتكاك اليومي باتصال مباشر بين المدينتين ، فمن المعلوم أن أعداد كبيرة من أهل الخليل كانت قد سكنت القدس ، وان الخليل كانت حلقة وصل ما بين القدس وبئر السبع وغزة . إضافة لصلاة الجمعة في الأقصى الشريف الذي يحرص عليه الكثير من أهل المدينة ، فمن الطبيعي اذاً أن تمس أحداث القدس أهل الخليل مباشرة ،وتتفاعل معها تفاعلاً قوياً ،خاصة إذا ما طالت المقدسات الإسلامية التي تمس قلب كل مواطن من المدينة المعروف عنهم التدين الواضح(2).
ومع وصول أحداث الصدامات من القدس أخذ كلا من أهل المدينة واليهود بالتحفز والاستعداد للمواجهة ، فقد وصل في يوم أحداث القدس مجموعة من شباب الهاغاناه المدججين بالسلاح الى الخليل حيث أودعوا أسلحتهم في مقر بنك (انكلو- فلسطين) عند مديره اليهودي (اليعيزر دان سلونيم)(3)، كما أن خوف اليهود دفعهم الى زيارة حاكم الخليل المسيحي (عبد الله كردوس) يطالبون بحمايتهم ،فأجابهم أنهم في مأمن وان هناك قوات ضخمة علنية وسرية تقوم بالحراسة وقادرة على ضبط الأمور . كذلك قام بعضهم (شنيرسون والحاخام فرانكو) بالاتصال تلفونيا بلجنة (القدس اليهودية) ، طالبين النجدة ، فردت عليهم النجدة بأن يطمئنوا وانهم ” بمنأى عن الأحداث ، خاصة أن أهل الخليل مشهورون بمعارضتهم للمجلس الإسلامي الأعلى “(4).
بقيت المدينة تحيا حالة من الهدوء حتى الساعة الثانية والنصف من يوم الجمعة 23 آب ، حيث بدأت أخبار الأحداث الدامية تتوالى ، مبتدئها سائق دراجة أخذ يطوف في السوق يخبر الأهالي أن المئات من المسلمين قد قتلوا ، وبعدها شرعت السيارات تصل الى المدينة من القدس تؤكد أخبار الأحداث ،وتدعو إلى الانتقام والثأر . وقد بلغ التأثر والهيجان العاطفي للسكان ، مبلغا عظيما ،فكانت ردة الفعل سريعة بقذف كل يهودي يرونه أمامهم بالحجارة ، وقام بعض الأهالي بمهاجمة ثلاثة شبان يهود كانوا بجوارهم فطعن أحدهم وهرب الاثنان(5).
بدأت جماهير المدينة تتجمع وتتوالى بالقرب من منزل نائب قائد الشرطة ،وبدأت مسيرة صاخبة تتحرك نحو التجمع اليهودي الذين كانوا يراقبون عن كثب .حاول الحاخام سلونيم التوجه إلى قائد الشرطة لطلب الحماية فتعرض له البعض الضرب، فتوجهت إحدى اليهوديات إلى قائد الشرطة البريطاني (كفراتا) طالبة منه حماية الحاخام واليهود من العرب المتظاهرين أمامه، إلا أن قائد الشرطة رد عليها بفظاظة طالبا منها إغلاق منزلها عليها، وأضاف يقول على مسامع العرب المتظاهرين بان اليهود هم المسؤولون عن كل هذا الأمر باللغة الإنجليزية التي فهمها بعض الأهالي المتواجدين ، فشجع الجماهير العربية الساخطة على مواصلة الاحتجاج(1).
أما (كفراتا)هذا ، قائد الشرطة الإنكليزي وممثل السياسة البريطانية في المدينة، فقد أكد الكثير من مواطني المدينة انه قام بتحريض العرب على اليهود(2)، كما أن اليهود ذاتهم يؤكدون ذلك وان “قائد الشرطة كان يقف وراء الجماهير الصاخبة”(3) .بل انه قاد جماهير المدينة الصاخبة الى بيوت اليهود بيتاً بيتاً ليقتلوهم(4).
لسماع الجماهير العربية أقوال “كفراتا” عن مسؤولية اليهود للأحداث تشجعوا في الإقدام والتظاهر، فتوجهوا نحو منزل (غرودمينسكي)الذي يصف الأحداث قائلاً “اقتحمت ساحة البيت عشرات العرب وحاولوا تحطيم الأبواب ثم بدءوا بتكسير النوافذ وقذف الحجارة ، مع أن فرسان الشرطة العرب هبوا لمساعدتنا إلا أن الجماهير الغاضبة لم تأبه بوجودهم من البداية واستمر الاحتجاج حتى تمكنت الشرطة من تفريقهم بعدما أصيب طالب من المدرسة الدينية(5).بعدها توجهت الجماهير نحو المدرسة الدينية التي قذفت بالحجارة وأسفرت عن مقتل حارس المدرسة(6) طعنا بالخناجر، بعدها تفرقت الجماهير العربية بحلول المساء متوجهين الى بيوتهم.
خيم الليل بسكون مشحون ، هدوء ما قبل العاصفة ، حيث كانت حبلى بأحداث جسام ، ليلة لها ما بعدها ، وأهل المدينة بات ليلهم يؤجج مشاعر الثأر والغضب وأخذت أحاديثهم تذكي روح الانتقام لدماء الشهداء وكرامة المقدسات، الثأر من هؤلاء الغزاة مغتصبي الأرض والمقدسات، وقد أذابت مرارة الأحداث الميزة المعطى لليهود والأمان في المدينة ، مما أحال يهود الخليل الى واجهة الانتقام من اليهود والحركة الصهيونية، فتمثل رد الجماهير فيهم في اليوم التالي .
مرت ليلة السبت (24/8/1929م) على اليهود كدهر ، وقفت فيها أنفاسهم ، وسكنت أشباح الصمت بيوتهم، في انتظار ما تسفر عنه صبيحة اليوم التالي، وفي غضون هذه الليلة قام الضابط البريطاني (كفراتا) باستدعاء ابن المدرسة اليهودية (ابشتاين) ، وأخبره بضرورة التزام اليهود منازلهم وعدم مغادرتها، وتكفل (كفراتا) بصون حياتهم (1).
نهض اليهود صباحاً حالي الساعة الخامسة محاولين الاتصال بالقدس بأي طريقة ، وذلك لشرح حالتهم في المدينة التي اصبح أهلها يشكلون خطر دائم وحقيقي على الجالية اليهودية في الخليل ، إلا انهم لم يتمكنوا من الاتصال سوى الساعة الثامنة صباحاً.
بينما أصبحت الخليل على الجماهير الغاضة تتوافد من المدينة وقراها وجبل الخليل اجمع ، حيث وصلت أخبار الأحداث إلى كل قرية وخربة ، وبدأت الجموع بالاحتشاد من كل اقصاع الخليل وجبالها ملوحين بالسيوف، مردين الأهازيج والأناشيد الحماسية (2).
في هذا الوقت ذهب زعماء اليهود الى قائد الشرطة(كفراتا) للاحتجاج على إجبارهم ملازمة بيوتهم،بينما الجماهير العربية تجوب الشوارع ، حيث تقابل وفد اليهود بالمواطن “عيسى عرفة” طالبين منه أن يسعى وجهاء الخليل لحماية اليهود ، فوعدوهم خيراً ، مؤكداً عليهم ضرورة تسليم الغرباء المسلحين الذين وصلوا أمس حتى يستطيعوا حماية أنفسهم من الجماهير الغاضبة ، إلا أن اليهود أنكروا هذا الطلب معتبرين انه ليس في اليهود غرباء وانهم شعب واحد ولن يسلموا تلك القوات المسلحة التابعة للهاغاناه . وهذا يعكس بوضوح نخوف أهل المدينة من وجود قوات الهاغاناه بين يهود الخليل الذين فتحوا لهم منازلهم ، بحيث اصبحوا قنابل موقوتة داخل المدينة(3).
على اثر هذه الحشودات الضخمة، بدأت هذه الجماهير الغاضبة تتجه نحو بيوت اليهود تداهمها ، فتقتل من تجد أمامها ناهبة البيوت أو تدمرها ، وقد عمت الفوضى هذه الا ضطرابات فاختلط الحابل بالنابل فحرقت بعض البيوت وقتل من اليهود بعض النساء والكهول ، فتشابكت مشاعر الثأر والانتقام من اليهود المعتدين ، متداخلة الى سلب البيوت وتدميرها من سالبي البلاد ومغتصبي الأرض . بالرغم أن معظم يهود الخليل كانوا من متوسطي المعيشة ولم تكن بيوتهم تحوي الشيء الكثير ، لكنها أفعال في جو فوضوي عارم ثوري بلا قيود ، فإذا الحاجة والعوز تدفعهم الى نهب ما يستطيعون(4).
وقد أحاطت مئات من الجماهير منزل الخواجا “سلونيم”، حيث كان قد لجأ إليه حوالي سبعين من اليهود، وكان “سلونيم” يحظى بتقدير من أهل المدينة وله أصدقاء كثيرين منهم ، ويدعي بعض اليهود المختبئين في ذلك المنزل انهم هوجموا بالأسلحة النارية ، بينما ينفي أهل المدينة ذلك بشدة وان المتظاهرين لم يكن معهم أي سلاح ناري(1).
لقد كانت دوافع الانتقام ومشاعر الحقد اكبر من أن تقف أمامه بيت ” سلونيم ” واقتحم الثائرون البيت فأطلق “سلونيم ” عليهم النار ، لكن سرعان ما نالت أيدي الجماهير التي زادت درجات غليانها بعد إطلاق النار ، وهنا جاست الجماهير البيت منطلقه من عقالها ، فأطاحت السيوف والهراوات على كل ما في البيت التي تداخل فيها النساء بالرجال بالكهول بالأطفال ،و أسفرت أحداث بيت سلونيم عن مقتل 24 شخصاً و 13 جريحاً ، استمرت حوالي نصف ساعة(2).
ثم تحولت الجماهير العريقة الثائرة الى الشوارع والى بيوت أخرى لليهود ، لكنها جوبهت بمعارضة بعض اليهود منها منزل مدير المدرسة الدينية(3).
وقد ادعى بعض اليهود أن الشيخ طالب مرقة كان يقود الجماهير محرضا وخطيبا فيهم قائلا: “يا معشر المسلمين اذبحوا اليهود، اشربوا من دمائهم فاليوم يوم الإسلام ، انتقموا لدماء إخوانكم المسلمين الذين ذبحوا في القدس “الله وأكبر” ،وقد أدت دعاوي اليهود هذه الى اتهام الحكومة الشيخ طالب مرقة وحبسه فيما بعد(4).
وفي نفس الوقت يقر اليهود أن أبا شاكر عمرو (قد كان من الذين ساعدوا اليهود وعملوا على إنقاذهم من غضب الجماهير، حيث انه توجه الفندق الذي يخفي فيه الكثير من اليهود ، وتقدمت جماهير الخليل الغاضبة نحو الفندق وتصايحت مع أبي شاكر الذي أصر انهم لن ولم يدخلوا الفندق إلا على جثته(5).
والحقيقة التي يقر بها اليهود أن الكثير من العائلات العربية قد عملت على حماية جيرانها اليهود والدفاع عنهم أمام أفواج الجماهير الغاضبة ، وهذا مثبت وموضح بالقوائم الموجودة في الملاحق والتي بينت أسماء العائلات العربية وأسماء الذين حمتهم من اليهود ، وقد اصدر حاخام الخليل فيما بعد وثائق لهؤلاء العائلات يعترف فيها بموقفهم في حمايتهم ، وما زال الكثير من الأسر الخليلية اليوم تحتفظ بهذه الوثيقة أو بسبب ما نحياه اليوم من حساسية في الوضع الأمني خاصة تجاه اليهود آثرنا عدم متابعة هذه الوثائق الأكيدة الوجود .
وفي نهاية اليوم مع حلول الظلام تفرقت الجماهير العربية ، وبدأت قوات الشرطة بجمع سيارات المدينة حتى تنقل الجرحى الى القدس ، ثم شرعت الشرطة واليهود يدفن القتلى اليهود ليلاً ، وبعدها تجمع باقي اليهود في المخفر ، وبعدها عملت القوات البريطانية على إجلاء اليهود من الخليل ، حيث خلت من اليهود المدينة حتى عام 1967م وقامت الشرطة بتعزيز قواتها من سائر فلسطين . وقد اتبعنا البحث ملاحق تحوي أسماء القتلى اليهود وأسماء العائلات العربية التي عملت على حماية اليهود إضافة إلى أسماء شهداء الخليل في الأحداث .
الفصل الرابع
ردود الفعل حول الأحداث
قتل في أحداث الخليل 60 يهودياً وجرح 50 آخرون ، وتم تدمير الكثير من أملاك اليهود ، واختفت الجالية اليهودية من المدينة حتى سنة 1967م . بينما استشهد 18 شخصاً من أهل والخليل وجبلها ، وتم لاحقاً إعدام اثنين من أبناء المدينة على خلفية الأحداث وهما عطا الزير وفؤاد جمجوم .
لقد كان لأحداث سنة 1929م في القدس والخليل وصفد أثراً واضحاً في سير القضية الفلسطينية وصراعها ضد الحركة الصهيونية ، وقد أحدثت هزه محلية وضجة عالمية سلطة الأضواء على المنطقة من جديد. وذلك بسبب أحداثها الجسام وسقوط عدد كبير من القتلى والجرحى ، فقد قتل في الأحداث عامة 133 يهودياً و339 جريحاً من اليهود ، أما العرب فقد استشهد 116 شهيد ، وتم اعتقال 1000 شخص غالبتهم العظمى من العرب(1).
أعقبت الأحداث إجراءات عسكرية بريطانية قاسية تجاه الفلسطينيين والمشاركين بالاضطرابات ، حيث تم تطبيق أحكام قانون العقوبات المشتركة بشكل جماعي على سكان المدن والقرى التي أدينت بالاشتراك في الهجوم على اليهود في الخليل وصفد ، وتم فرض غرامات ضخمة وإجراءات انتقامية شديدة(2).
فقد تم فرض غرامة مالية جماعية قدرها (12000 جنيه فلسطيني) جمعة من السكان بالقوة ، وكل من يمتنع أو يعجز عن الدفع يضرب بالسوط في وسط المدينة ، وقد تم أيضاً اعتقال عدد كبير من الرجال حيث حكم على أربعين منهم ما بين السجن المؤبد إلى 15 سنة وأحكام أقل(3).
وجاء الرد البريطاني عن طريق المندوب السامي الذي قطع زيارته في لندن ، مصدراً منشوراً وزع على الفلسطينيين أعلن فيه عن صدمته ودهشته “للأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار ، سفاكي الدماء عديمي الرأفة” ، وقد وصف أحداث الخليل بأنها “أعمال همجية لا توصف”(4).
وفي حين أن اللجنة التنفيذية الوطنية ردت على منشور المندوب السامي ، فندت فيه افتراءات المنشور الذي أدان العرب وبرأ اليهود من تبعة الأحداث ، مستذكرين أن أكثر اليهود كانوا مسلحين وأنهم البادئون في الأحداث ، وأنه لم يوجد في قتلى اليهود تمثيل أو تشويه حتى قتلى الخليل ، مؤكدين أن اضطرابات فلسطين السابقة والحالية ناشئة عن السياسة البريطانية الصهيونية(5).
كذلك المحامون العرب احتجوا على منشور المندوب السامي منوهين للألفاظ القاسية التي استخدمها المنشور ، وقد تسائلوا في بيانهم إن كان المندوب السامي اعتمد على تقارير رسمية من إدارة الصحة حتى يصف أعمال القتل في الخليل بأنها أعمال همجية لا توصف ، متحدين المندوب إظهار أي حادثه تفظيع ارتكبت من قبل العرب سواء في الخليل أو غيرها(1).
كما أن الأطباء والصيدلية العرب في فلسطين احتجوا أيضاً على منشور المندوب السامي ، مؤكدين أنه لم يحدث أي تمثيل أو تشويه في قتل اليهود حتى في الخليل ، وقد أشاروا إلى أن الصحف اليهودية اعترفت بأن عشرات من اليهود كانوا في حماية العرب ، وخلصوا بنتيجة واضحة أن اليهود كانوا هم المسببين لهذه الفتنة(2).
ومن الملاحظ أن أحداث الخليل قد استقطبت الجزء الأكبر في ردود الفعل ، وقد تم وصف الأحداث في الخليل الأحداث في الخليل بتعبيرات قاسية ، فالمندوب السامي وصفها “أحداث وحشية لا توصف” ، أما لجنة شو فوصفتها بـ”هجوم وحشي” ، بينما يصفها الكتاب الصهيونيون بأنها مذبحة (بوغروم). وأشاع اليهود أن أهالي الخليل قد مثلوا بقتلاهم ، مما استدعى الحكومة أن ترسل لجنة طبية مؤلفة من ثلاثة أطباء من العرب وثلاثة من اليهود وثلاثة من الإنجليز ، وعملت اللجنة في 12 أيلول على إخراج 24 جثة يهودية من قبورها وفحصها فلم تجد أثراً للتمثيل ، مما فند افتراءات اليهود(3).
إلا أن الدعاية اليهودية وهي التي تحسن مخاطبة العالم والرأي العام ، أخذت تركز على قتل النساء والأطفال والشيوخ في الخليل بالذات ، بينما الإعلام والتاريخ العربي الفلسطيني يكاد أن يلوي وقائع التاريخ ، والتهرب من خوض هذا الموضوع ، مما يعزز دعاوى اليهود بأن الأعمال همجية وحشية افتعلها العرب .
ورغم أن الأحداث أسفرت عن مقتل 7 نساء وطفل يهودي ، فهي لا تغير بحال أن الأحداث كانت عفوية في معظمها رداً على استفزازات اليهود والحركة الصهيونية ، حتى أن الكثير من الأهالي استنكر قتل النساء ، وعلى الأغلب جاء قتل النساء في بيت سلوينم الذي تجمع فيه عدد كبير من اليهود مما خلق حالة من الفوضى .
وحتى ولو قتلت امرأة أو أكثر عمداً من قبل بعض الجماهير التي لم تكن لها قيادة واضحة أو سياسة مرسومة ، بل إن الأحداث كانت عفوية عاطفية رسمت أحداثها جماهير من شتى جبل الخليل ضمت كل شرائح المجتمع الفلسطيني ، وفي أحوال عاشتها المدينة وقراها من الجهل والفقر صعبة للغاية أمام ازدهار الحركة الصهيونية ، فإذاً من الصعب بمكان ضبط هكذا أحداث . ومن جهة أخرى كان قتل النساء والأطفال متعمد من قبل اليهود في القدس وصفد(1).
أما أعمال السلب والنهب التي رافقت مقتل اليهود في الخليل ، فلا معنى لنكرانها وقد حدثت حقيقة وتهافت الكثير من السكان العرب (المدينة وجبلها) على محتويات وأثاث منازل اليهود للاستيلاء عليها ، فالأحداث في ذروتها من فوضى عارمة إلى روح متقدة للانتقام إلى حالة اقتصادية سيئه للغاية ، فاختلط الانتقام والثأر بالمصلحة معتبرها البعض غنائم ، وأسماها آخرون (النهيبة) . ولسنا هنا في موقع الدفاع عن عمليات السلب فالوضع الاقتصادي الذي عاشه العرب في الخليل بل في فلسطين عامة يشرح نفسه بنفسه ، واضعاً همه بقوة على الواقع ، ولربما كان ردة فعل طبيعية على سلب اليهود للأراضي والبلاد الفلسطينية .
كذلك الجموع الغفيرة التي شاركت في الأحداث من منطقة جبل الخليل مثل دورا ويطا وبين نعيم وشيوخ وسعير جنباً إلى جنب مع أهالي الخليل ، كان قد ساعد على الإقدام تجاه اليهود بأقل حساسية التي اعترت بعض سكان المدينة بسبب المجاورة والمعاملة الوثيقة والحسنة ما بينهم وبين اليهود .
في حين يعترف قادة الحركة الصهيونية أن قوات الهاجاناه إبان أحداث سنة 1929م كانت في وضع مخز(2)، وأن جهاز الهاغاناه كان في ضعف كبير ، وافتقرت فروع الهاغاناه ووحداتها إلى التنظيم الجيد والى الأسلحة الكافية ، وهو ما أدى إلى أن تدفع التجمعات اليهودية النائية مثل الخليل الثمن من أرواحهم ودمائهم(3).
وهنا لابد إعادة التأكيد على حقيقة أن هجوم جماهير الخليل استهدف في الدرجة الأولى بيوت اليهود الصهيونيين أي “المهاجرين الجدد” ، في حين أن يهود الخليل القدامى قد أجارهم جيرانهم وحموهم في بيوتهم وقد كانوا أكثرية يهود الخليل(4).
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأربعاء 16 أغسطس 2017, 6:56 am

دور الإنجليز في أحداث الخليل
يبدو أن السياسة البريطانية في فلسطين كان لها دور كبير في تأجيج أحداث سنة 1929م ، فسياسة الإنجليز المنحازة تماماً للحركة الصهيونية كان لها دور أساسي في تفاعلات اغضب والسخط لدى الجماهير العربية ، وإضافة لهذه السياسة المعلنة يبدو أن هنالك خطوات وإجراءات خفية للحكومة البريطانية في أحداث سنة 1929م، وعلى الأخص في الخليل أوصلت الوضع إلى ما آل إلية .
لكن سؤالاً كبيراً يقف أمامنا ، كيف يعقل أن تتآمر بريطانيا وتسهل عملية قتل واسعة لليهود في الخليل وهم الحلفاء الحميمون ، وكيف نفسر الإجراءات العنيفة المتخذة في المدينة عقب الأحداث ، مع الإصرار على إعدام ثلاثة فلسطينيين .
نفتقد إلى بيانات دامغة وتحليلات أكيدة في إثبات الدور الإنجليزي في أحداث مدينة الخليل بشكل مباشر، لكن من جهة أخرى تلوح إشارات ليست بالقليلة أن القوات الإنجليزية في المدينة إن لم تكن ساعدت بشكل واضح وفعال في ذبح اليهود مع أهل مدينة الخليل ، فعلى الأقل وقفت موقف سلبي من حماية اليهود من الجماهير العربية الثائرة عليهم ، وهذا ما تؤكده الروايات التاريخية للأحداث أشبه بالإجماع .
فقد أكدت روايات كثيرة من معاصرين الأحداث في المدينة أن الإنجليز كان لهم دور مباشر وسبب رئيسي في الأحداث ، وهم الذين سهلوا الطريق للجماهير العربية في قتل اليهود ، وأن مدير الشرطة البريطاني (كفراتا) شجع العرب على ملاحقة اليهود قائلاً أن هذه فرصتكم ، ومع هذا فقد أطلق النار لاحقاً على العرب قاتلاً حوالي 15 شخصاً من العرب(1).
بينما تشير لجنة شو أن (كفراتا) قد أبدى البسالة ما حال من تحويل الاضطرابات إلى مجزرة عامة(2) ، لكن أهل المدينة يؤكدون الدور المباشر للقائد الإنجليزي ، حيث قتل بعض اليهود على مرآه وأمان من قبل العرب ، وهو ما شجع الجماهير العربية على قتل اليهود ، بل حتى أن حاكم المدينة المعين من قبل الإنجليز كان يصرخ بالجماهير “اذبحوا اليهود” على مسامع الإنجليز المتفرجين(3).
كذلك وقف اليهود موقف الاتهام للسلطات البريطانية ، التي تهاونت في حماية اليهود وساهمت في تسهيل قتلهم ، فتذكر المراجع اليهودية أنه “عمد اليهود بتحميل المسؤولية للبريطانيين مسؤولية خاصة في الخليل ، التي لم تتخذ احتياطات كافية” ، بل أن هنالك من حمل المسؤولية للحكومة في لندن مباشرة مشيراً “إلى تآمر بعض المسؤولين البريطانيين مع الهيئة العربية العليا”(4).
فيما أكد بعض القادة اليهود أن الإنجليز لم يتخذوا الرد المناسب حينها ، خاصة في البداية مشجعين العرب الثائرين ، حتى صاروا يهتفون بأن (الحكومة معنا … الحكومة معنا)(1). ومن هنا فإن الوثائق البريطانية تشير أن الإنجليز أوقفوا اعتداءات المسلمين على اليهود سواء بالسياسة أو التهديد ، وأن معظم الجرحى والقتلى العرب كانت من البوليس البريطاني(2). أضف إلى ذلك فإن (كفراتا) قد قام بنقل الأخبار عن أحداث القدس إلى أهالي الخليل بطريقة توحي بالتحريض والدعوة للانتقام(3).
ويرى البعض أن الدور الإنجليزي في أحداث سنة 29 هو إستمرار النفس الدور والنهج سنة 1920م، بل يذكرها بعض اليهود صراحة “فكانت حكومة بريطانيا التي دبرت هذه الاضطرابات الدموية الأولى من نوعها في تاريخ البلاد منذ الفتح العربي”(4).
إلا أن الدور الإنجليز لم يكن بمعزل عن الحركة الصهيونية ، فقد قامت الحركة الصهيونية بإقامة الوكالة اليهودية العالمية وتوسعة نشاطاتها سنة 1929م ، في محاولة لاستنفار يهود العالم وخاصة الأغنياء منهم لمد يد العون لإقامة الوطن القومي اليهودي في فلسطين ، مما ساعد على استفزاز الشعب الفلسطيني ، وإذاً ليس من قبيل الصدفة أن تعتبر المصادر البريطانية والصهيونية حوادث عام 1929م رداً على قيام الوكالة اليهودية(5).
هذا ناهيك على أن أحداث سنة 1929م جاءت بالفرج المادي للوكالة اليهودية ، التي كانت تعلم أنه ليس كنشوب الاضطرابات سبيل إلى دفع عجلة التبرعات والإعانات اليهودية من شتى أنحاء العالم ، خاصة بعد الضائقة الاقتصادية التي ألمـّت بالمستوطنين اليهود في فلسطين أواسط العشرينات(6).
وقد استطاعت الحركة الصهيونية دعايتها العالمية حول أحداث سنة 1929م أن تجلب عطف وتأييد معظم يهود العالم ، يذكر (اسحق شامير) رئيس وزراء إسرائيل الأسبق بأن اللحظة الحاسمة التي دعته للانضمام إلى الشبيبة الصهيونية في (وارسو) كانت أنباء أحداث سنة 1929م ، ولم يكن يتجاوز عمره بعد 14 عاماً ، ويستطرد بأنه أصيب بذهول شديد وبصدمة عنيف لدى سماعه الأحداث خاصة “قتل وجرح الرجال والنساء والأطفال في الخليل”(7). وهو نفس شعور وحال (موشه ديان) وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق . الذي أثر فيه انقضاض العرب على المدارس الدينية في الخليل وقتل الرجال والنساء والأطفال والحاخامات والطلاب اليهود(Cool.
الأحداث والقيادة التقليدية
تأثر الصراع العربي الفلسطيني ضد الحركة الصهيونية والإنجليز فترة العشرينات ، بعوامل متعددة ساعدت على توفير الأجواء وخلق أحداث سنة 1929م ، أهمها العامل الديني وسيادة الثقافة الإسلامية ، إضافة إلى طبيعة القيادة الوطنية ، والمجتمع العشائري ، وكذلك الحالة الاقتصادية السيئة .
تميز أهل فلسطين بالتدين والتمسك بتعاليم الدين الإسلامي والمقدسات بشكل عام ، وامتاز أهل الخليل بهذا التدين القوي والتمسك الواضح بتعاليمه ، وقد كان لرجل الدين مكانة مرموقة ومحترمة بين الناس، ومنهم من شارك بفعالية مع القيادة السياسية في الصراع ضد الصهاينة ، منهم في الخليل مثلاً الشيخ طالب مرقه في أحداث الخليل ، وقد كان للثقافة الإسلامية دور بارز في الصراع معانة النضال أنه “جهاد” وقد كانت زاد الجماهير ، فلا غرو أن تكون أحداث 29 التي تمحورت حول القدس الشريف وحائط البراق أقدس مكان للمسلمين في فلسطين ، قد استفزت الشعب الفلسطيني بقضّ وقضيض ، دافعة إياهم لبذل الغالي والنفيس دفاعاً عن هذه المقدسات(1).
اعتبرت أحداث سنة 1929م نقطة تحول في العلاقة الفلسطينية الإنجليزية(2)، وأن هذه الأحداث عبرت عن رفض الجماهير للانتداب البريطاني حليف الحركة الصهيونية ، وكذلك كانت تفويض لسياسة المؤتمرات والاحتجاجات التي أنتجتها اللجنة التنفيذية . بل إن هذه الأحداث رأى البعض الحكم على اللجنة التنفيذية بالانتهاء وضرورة الخروج عليها(3).
لقد اختلف في دور اللجنة التنفيذية ومسؤوليتها من الأحداث ، فالمعارضة الوطنية تنفي أي علاقة لهم بالأحداث(4). وهو ما يؤكده البيان الذي أصدره المفتي مع بعض التيارات الفلسطينية عقب الأحداث حيث يدعو “حقن الدماء وصيانة الأنفس ، نطلب منكم أيها العرب باسم مصلحة البلاد التي تهمكم قبل كل اعتبار أن تعملوا جميعاً بإخلاص لحسم الفتنة وحقن الدماء وصيانة الأرواح ، ونرجو منكم جميعاً الإخلاد إلى السكينة والهدوء”(5). حتى أن المفتي الحسيني قد أرسل جمال الحسيني إلى لندن بعد الأحداث للتفاوض مع بريطانيا ، وتبريد موقف المغني ورد الاتهامات الموجه إليه على خلفية أحداث سنة 29(6).
بينما نجد وجهة أخرى مؤيدة للحاج أمين الحسيني ، وترى أن الحاج أمين له مسؤولية تاريخية كاملة عن الأحداث ، بالرغم من البيانات الأربع التي تدعوا السكان للهدوء وقطع الاضطرابات ، مستشهدين بالعديد من الرجالات الذين كانوا حول المغني وذكروا مشاركتهم في الأحداث ، وأن اتهام لجنة شو للمغني ثم تبرئته بعد ذلك لعدم توفر الأدلة ، دليل واضح على مسؤوليته(1).
نظرات في تقرير – لجنة شو –
على أثر هذه الأحداث قانت الحكومة البريطانية بتعين لجنة تحقيق برئاسة قاضي السابق المستر “شو” ومعه ثلاث نواب بريطانيين ، وقد سميت اللجنة باسم رئيسها . وقد أوكلت الحكومة البريطانية لهذه اللجنة التحقيق في الأسباب المباشرة التي أدت إلى الاضطرابات ووضع التواصي والتدابير الواجب اتخاذها لمنع تكرار مثل هذه الحوادث(2).
وتشكيل هذه اللجنة يأتي ضمن سياسة اللجان التي اتبعتها بريطانيا نحو القضية الفلسطينية ، وذلك لامتصاص الغضب واحتواء الأحداث ضمن الستراتيجية البريطانية ، وقد مكثت اللجنة 66 يوماً في فلسطين ، قضت معظم أيامها في القدس مع زيارات قصيرة لبعض المدن ، استمعت خلالها إلى 160 من الشهود العرب والإنجليز واليهود ، إضافة للشهادات السرية التي لم تنشر(3).
اتخذ اليهود موقفاً عدائياً من تقرير اللجنة التي خلصت إليه ، باعتبار أن التقرير قد تعدى حدود اختصاص اللجنة ، في المقابل استقبل التقرير بارتياح من قبل العرب إلا أنه لم يدم طويلاً(4).
وفي تصفح مواد التقرير المطول ، نرى نقاط عديدة للتوقف عندها بإمعان ، يشير التقرير أن الهجمات الأعنف ضد اليهود لم تكن موجهة نحو المستعمرات الجديدة ، بل إلى الجماعات اليهودية القديمة العهد في القسم الجبلي العربي من البلاد في الخليل وصفد(5).
أكد تقرير أن التصريحات الصهيونية السياسية الشديدة الغلو كانت مبعث المخاوف لدى الفلسطينيين، الذين أصبحوا يرون في المهاجر اليهودي والمشروع الصهيوني خطراً يهدد مستقبلهم ، وبالتالي الكره للصهيونية من العوامل التي أدت إلى مهاجمة اليهود بشدة(6). مما يؤكد ذلك وقوع ثلاثة هجمات ضد اليهود خلال العشرينات ، “بينما لم تسجل أي حادثة مماثلة خلال الثمانين سنة التي سبقت وقوع تلك الهجمات” ، والتقرير أيضاً أكد “أن اليهود والعرب ما قبل الحرب العالمية الأولى كانوا يغيشون جنباً إلى جنب ، من خلال التسامح وهي صفة تكاد تكون نادرة اليوم في فلسطين(6). بمعنى أن ظهور الحركة الصهيونية وتوجهها نحو سلب الأراضي وطرد أهلها منها هو السبب الرئيسي لهذه الأحداث ومثيلاتها .
وهنا نرى أن اللجنة أرجعت السبب الأساسي للأحداث “الذي لولاه لما وقعت الاضطرابات هو شعور العرب بالعداء والبغضاء نحو اليهود ، شعوراً نشأ عن خيبة أمانيهم السياسية والوطنية وخوفهم على مستقبلهم الاقتصادي” ، ورأت الجنة أن الأسباب المباشرة هو تظاهر اليهود بجانب حائط البراق في 15 / 8 / 1929م ، إلى جانب المقالات المهيجة في الصحف والحملات التحريضية المهيجة للأهالي(1).
أما مشكلة الأراضي التي تستولي عليها الحركة الصهيونية ، فستبقى مصدراً دائماً للاستيلاء الحالي ، وسبب يحتمل أن يفضي إلى الاضطرابات ما لم يوجد حل له(2). في حين أن العامل الديني _ كما رأت _ أنه لعب دوراً هاماً في الحوادث والاضطرابات وكذلك الأوضاع السياسية والاقتصادية التي طال عهدها ، قد أحدثت حالة هيجان عند العرب حتى ثار العرب ضد من اعتبروهم سبباً لمشاكلهم السياسية والاقتصادية(3).
أما المسؤولين عن الأحداث ، فقد اتجه رأي الجنة على أن اضطرابات عام 29 افتقرت إلى التنظيم ولم تكن متعمدة ، مما يعني عدم مسؤولية أي زعيم وطني محدد ، أو أي جهة وطنية معينة ، فقد جاءت الأحداث عفوية تعبيراً عن مشاعر الغضب الناجمة عن تطور الصراع والأحداث مع الحركة الصهيونية(4).
بينما لجنة الانتداب الدائمة التابعة لعصبة الأمم التي اجتمعت سنة 1930م لتناقش أحداث سنة 29 ، فهذه اللجنة اختلفت مع لجنة شو ، ورأت أن الاضطرابات لم تكن عفوية وتلقائية ، بل موجهة إلى الحركة الصهيونية وبريطانيا على سواء . واعتبرت لجنة الانتداب أن حكم لجنة شو على الزعماء الفلسطينيين بالتبرئة كان “لين ليس له ما يبرره”(5).
ويبدو أن لجنة الانتداب هذه أقل موضوعية من لجنة شو ، وحكم تقريرها رؤى سياسية خاصة غير التي حكمت لجنة شو ، ويبدوا أن كلامها سباق بحيث لم ينصف الشعب الفلسطيني المعتدى عليه والمغصوبة أرضه ، من قبل غريمه الحركة الصهيونية التي عوملت كشريك شرعي في هذه البلاد .
أما عن دور الصحافة في الأحداث والذي أشار التقرير بأنه دور هام ، فإن اللجنة ترى أن الخلاصات المأخوذة عن الصحف العربية مهيجة أكثر من تلك المأخوذة من الصحف العبرية في أسبوع ما قبل الأحداث ، بينما ترى اللجنة في تقريرها أن الصحف العبرية أخذت تشيع إشاعات اضطرابات بين اليهود والعرب منذ 20 آب ، وأن جريدة (دور هايوم) ذات المقالات المتطرفة فترة الاضطرابات ، قد عمدت إلى نشر كراس قبل أسبوع من الاضطرابات حوى على “الكثير من المعلومات المغلوطة” تجاه الاضطرابات والخلاف على حائط البراق(6).
إلا أن التقرير يخلص أن الصحف العبرية التزمت بأوامر المندوب السامي بعدم تهيج المشاعر سوى “دور هايوم” ، ينما الصحف العربية استمرت في التحريض العام(1).
مفارقة غريبة أن يحمل التقرير الصحف العربية مسؤولية أكبر بكثير من الصحف العبرية في تحريض وتهيج المشاعر ، ولا عجب في ذلك وخاصة بعد نرى رأي المختصين والباحثين في الصحافة الفلسطينية آنذاك بأنها كان لها تأثير بالغ على الجمهور ، وساهمت مساهمة فعالة عن طريق الافتتاحيات الحماسية والأسلوب الحاد في أن تغذي العداوة والحقد ، كما ساهمت دعايتها ومواعظها في التحول من أساليب الاحتجاج بواسطة العرائض والمؤتمرات إلى الاضطرابات والمظاهرات وأعمال العنف(2).
ومع ذلك فإن صح هذا التقييم لدور الصحافة العربية بالذات في أحداث سنة 1929م ، فإنه من الصعب بمكان أن يعمم دور الصحافة الفلسطينية على قيادة الجمهور وتوجيهه ، خاصة في مدينة الخليل التي كانت تحيا حالة سيئة من الجهل وقلة التعليم ، إضافة إلى ندرة وصول الصحف إلى المدينة ، وعدم اهتمام أو قدرت الأهالي اقتنائها وقراءتها(3).
الخاتمــة
الصراع العربي الإسرائيلي صراع وجود ، ولن ينهيه رسم حدود أو رفع ما بين الشعبين من سدود ، واليهود المتمثلين بدولة إسرائيل اليوم والقائمة على بلاد الأجداد وجماجم الآباء ، ولن تستطيع هذه الدولة بكل جبروتها أن تتجاوز بحر الدماء العربية الفلسطينية التي أحاطت نفسها به .
ونحن اليوم إذ نتذاكر مقاومة أهلنا في هذه البلاد المقدسة من أول لحظة لمست أحلام الصهيونية هذه البلاد ، فجادوا بدمائهم قبل أموالهم في سبيل هذا الوطن ، وبرغم ضعف الإمكانيات وقلة الحيلة ، لكنهم صبروا وصابروا وجاهدوا ، وهنا يشدنا حبل الوصال من الأجداد أن نستمر على الطريق .
وإن كانت ثورة البراق إحدى معالم مقاومة الشعب فلسطيني للأطماع الصهيونية والاستعمار العالمي، فإن أحداث الخليل الموافقة لثورة البراق لم تحد عن هذا الخط ، وإن اعتراها بعض الشائبات التي لا تخلو منها ثورة ، سواء قتل بعض النساء والأطفال أو نهب بعض الحاجيات .
لكننا من جهة أخرى يعود بنا التاريخ مؤكداً أن عدونا ذو علم وعمل ، ومستقرئ للتاريخ بصورة صحيحة وفعالة ما جعله يستثمر أوضاع العالم لصالحه ، حتى كاد البعض أن يعتقد هيرتزل وتنبؤاته بإقامة الدولة كانت قراءة في عالم الغيب . إنها الدراسة والعمل الدؤبين وتوافق مصالح الحركة الصهيونية والاستعمار العالمي الذي يلغي كل مصلحة أو قيمة إنسانية تعارض مصالحه ، وهو ما كان صفة الشعب الفلسطيني وخطه العاثر ، وأن تكون بلاده ركن استراتيجي للاستعمار لا غنى عنه .
ومع ارتباط المصلحة والأهداف ما بين الاستعمار والحركة الصهيونية منذ القرون سلفت ، فإن أحداث عام 1929م وخاصة في الخليل كانت إحدى المحطات التي تزودت بها الحركة الصهيونية واستثمرتها بشكل جيد في ترسيخ الأطماع الصهيونية والاستعمار ، ومع الإشارة القوية التي تتهم الشرطة البريطانية في الخليل في تشجيع قتل اليهود ، تبدو لنا صورة في رسم المستقبل الصهيوني ، حتى ولو على دماء بعض اليهود التي أريقت من قبل العرب الساخطين بإخلاص .
فأحداث الخليل وإن كانت قد طالت 60 يهودياً ، فإن ذمة ووفاء أهل الخليل أيضاً قد تعالت على الجراح وقامت بحماية أكثر من 500 يهودياً آخرون ، في وقت طغت أطماع واستفزاز اليهود كل منطق وجوار وتسامح ، فكان الانفجار طبيعياً ، وما أروعه من نضال وما أعظمه من إصرار على حماية الجيران اليهود الذين لم يظهر ارتباطهم بالحركة الصهيونية .
أن أحداث مدينة الخليل عام 1929م تكأة للأعمال الوحشية والمجازر من قبل الإسرائيليين ضد شعب الخليل ، الذي يزداد تمسكه بالأرض مع كل ضغط واضطهاد ، لقد شهدت مدينة منذ احتلالها عام 1967م إجراءات عسكرية صهيونية قاسية وعنيفة ضد الشعب وضد الأرض ، ومازالت هذه السياسة الصهيونية تأكل الأرض وتهودها وتذبح الأهالي وتريق الدماء .
وليس غريباً أن تكون مجزرة جامعة الخليل ومجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف في اعتبار الصهاينة رداً على أحداث 1929م وانتقاماً لدماء آبائهم ، وما يؤكده قادتهم قولاً ينفذه جندهم فعلاً ، فالرئيس الإسرائيلي عيزر وايزمن يخطب في الكنيسة الإسرائيلي عام 1980م وهو وزيراً لدفاع قائلاً (عدنا إلى الخليل وسنبقى هناك ، … لأن من حقنا أن نعيش في تلك الناحية وهو حق متأصل في تراثنا الديني والقومي)(1).
إن مدينة الخليل اليوم تحيا صراعاً مريراً مع اليهود ، وهو صراعاً في ذروته رغم قناع السلام الذي تلبسه إسرائيل اليوم ، وبذا تكون المدينة مهيأة لمزيد من أعمال العنف ، وهي قنبلة موقوتة ربما يكون انفجارها شرارة الصدام الذي لن ينتهي إلا بنهاية أحد الطرفين .
وإن كانت أعناق الصهاينة تشرأب نحو الخليل و”عيونهم –الشعب الإسرائيلي- ترنو من إسرائيل والعالم الخارجي إلى بعث مدينة الخليل الإسرائيلية من جديد باعتبارها مدينة آباء الأمة اليهودية”(2). فإن أبناء الخليل وفلسطين والعرب من خلفهم سيكونون زاد الصراع ووقوده حتى يأذن الله بالفرج .
ويسألونك متى هو قل عسى أن يكون قريبا
حرر بتاريخ
الجمعة 9 / 7 / 1999
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأربعاء 16 أغسطس 2017, 6:57 am

حق رقم (1)
قتلى اليهود في الخليل
1 - سيجل نحمان هاليفي صاحب فندق 35 سنة
2 - زئيف غرينبغ طالب مدرسة دينية
3 – البعيزر دان سلونيم مدير بنك انكو فلسطين في الخليل 30 سنة
4 - يسافر ايلي ساندروف طالب مدرسة دينية
5 - اسرائيل كابلينسكي طالب مدرسة دينية
6 - اربين ليب حايكل
7 - سححا يدويدا طالب مدرسة دينية
8 - موشيه غزلان 18 سنة
9 - شموئيل روزنهولتس طالب مدرسة دينية
10 - حنا سلونيم ضيف من القدس
11 - الحاخام ينتل اورلينسكي من منطقة زخرون يعقوب 47 سنة
12 - استير غرسون غسالة
13 - فيدا ييني
14 - كلارا حسون زوجة الحاخام
15 - دوبينكوف زوجة مدير مدرسة في تل أبيب
16 - زوجة وزوج مجهولان يهوديان
17 - اسحق ابو حنا
18 - الحاخام حسون
19 - الحاخام ميلاميد بصاليل مساريك
20 - الحاخام موشيه غولد شميد
21 - شلومو سلونيم طالب مدرسة دينية
22 - هارون دفيد ابشتاين يهودي امريكي وطالب مدرسة دينية
23 - هارون دافيد سينبرغ يهودي امريكي وطالب مدرسة دينية
24 - اونفر ميكانيكي
25 - اسرائيل مردخاي كبلان طالب في المدرسة الدينية
26 - ريزمان يعقوب فيس ذباح في المسلخ
27 - تسفي فرويمان امريكي وطالب في المدرسة الدينية
28 - زئيفي هاليفي برمان امريكي وطالب في المدرسة الدينية
29 - دوف ليين طالب في المدرسة الدينية
30 - اسحق ابو شديد خياط 23 سنة
31 - ايلي ابو شديد خياط 23 سنة
32 - نوح ايرمان فران
33 - غرشون بن حيون صيدلي من استنبول 63 سنة
34 - الحاخام تسفي دوبكين
35 - الحاخام ابرهام بيني من استنبول 70 سنة
36 - يعقوب غزلان صائغ
37 - التر شارل طالب في المدرسة الدينية 24 سنة
38 - يعقوب برودزنسكي صاحب فندق
39 - يعقوب وكسلر طالب في المدرسة الدينية 19 سنة
40 - اليميلخ لختنشاين 70 سنة
41 - التر فلتسي دهان 35 سنة
42 - الحاخام ابرهام يعقوب اورلينسكي من زخرون يعقوب
43 - ايزيك برنشتان طالب في المدرسة الدينية 26 سنة
44 - بصاليل ليزرونسكي صاحب فندق ومن يهود روسيا
45 - موشيه رايزمن طالب في المدرسة الدينية
46 - بنيامين هورفيتش امريكي وطالب في المدرسة الدينية
47 - زلمان غرشوف نيلانسكي سكرتير المدرسة الدينية
48 - دوف حايكل طالب في المدرسة الدينية
49 - ريغاش موشيه طالب في المدرسة الدينية 16 سنة
50 - حيم كريستر امريكي وطالب في المدرسة الدينية
51 - اهرون غوتلفسكي من هرتسليا
52 - ابراهيم شابير من القدس وطالب في المدرسة الدينية
53 - اسرائيل لزروتسكي من القدس وطالب في المدرسة الدينية 16 سنة
54 - الحاخام موشيه غردوزينسكي
55 - سوكولوف من تل ابيب
56 - شمعون بن دافيد حلاق من يهود ايران
57 - مناحيم سيجل ابن صاحب الفندق
58 - دبورا لزروفسكي طفله
59 - ليئا غرود زينسكي 28 سنة
60 - اهرون سلونيم طفل 5 سنوات
61 - ليئا اونفر 25 سنة
أسماء الجرحى الذين توفوا ي القدس ودفنوا فيها
1- نحاما اونفر .
2- ليئا غرودجينسكي .
3- زهاف غرشون .
4- تسفي هرش هيد .
5- استير فريدا حنون .
6- ديورا لزروفسكي .
7- شرف فايبل ميتا نسكي .
8- اهرون سلونيم (5 سنوات) .
ملحق رقم (2)
أسماء عائلات أهل الخليل الذين قاموا بحماية اليهود في الأحداث
أسماء عرب الخليل أسماء العائلات اليهودية عدد أفراد الأسرة اليهودية
1 - عبد شاكر عمرو عائلة سلونيم 15 شخصاً
2 - عيسى كردية عائلة شينرسون كتيامين 24 شخصاً
3 – أحمد الزرو عائلة ليبا ، اسرائيل زيل 7 أشخاص
4 - جويحان أبو هيكل عائلة بجايوترجمان 17 شخصاً
5 - يحيى مرقة عائلة حاينسون يورونسكي 19 شخصاً
6 - أحمد عريض عائلة دانيال مزراحي 66 شخصاً
7 - فهيمة أم سليم حسيب عائلة شليم 7 أشخاص
8 - الشيخ محمود الحموري عائلة غزلان 8 أشخاص
9 - عمر بدير عائلة مزراحي غزلان 14 شخصاً
10 - محمد حسن بدر عائلة سلونيم 14 شخصاً
11 - موسى يعقوب شاهين عائلة مزراحي ولهبان اليعيزر 14 شخصاً
12 - شاكر القواسمي عائلة معش معط 6-7 أشخاص
13 - فؤاد طهبوب عائلة قمر ليفي 11 شخصاً
14 - محمد أبو زينة عائلة فرنكو وغرودجنسكي والدكتور القنا 8 أشخاص
15 - توفيق شاهين عائلة حسون، غباي، ابو زوغلو 15 شخصاً
16 - الحاج دياب أبو حطاب عائلة غزلان ابو شديد 7 أشخاص
17 - رجب حسن بدر عائلة عزرا 5 أشخاص
18 - محمد أخرس عائلة حسون 3 أشخاص
19 - حسن حمد حسن بدر عائلة شلومو قسطل 4 أشخاص
إذن مجموع ما قام أهل الخليل بحمايته حوالي  263 يهودياً .
 وإنا نشهد أن هذه القائمة هي القائمة الكاملة بأسماء العرب الذين دافعوا عن عائلات يهودية في الخليل أبان الاضطرابات .
التاريخ : 20 / 1 / 1930م
التوقيع : الحاخام مئير فرانكو (الحاخام الأكبر)
يعقوب يوسف سلونيم
ملحق رقم (3)
أسماء شهداء الخليل في أحداث سنة 1929م
- شهداء الخليل وضواحيها -
1 - نمر شحادة الجمل الخليل
2 - داود عيس عاشور الخليل
3 – محمد صلاح حسن الخليل
4 - عبد الحفيظ حسن القاعود الخليل
5 - مرشد الحشاش الخليل
6 - عبد الفتاح عبد الحفيظ اري الخليل
7 - عصفور شاكر أبو دان الخليل
8 - عيسى الشريف الخليل
9 - محمد حسن أبو زهره يطا
10 - خليل عيسى الحاج يطا
11 - حسن عليان الخلاطه السموع
12 - عبد الحميد عبد الحليم التلحمي قبا (الخليل)
13 - ابراهيم اسماعيل الدبالسة قبا (الخليل)
14 - ابراهيم الجسر ابو عرقوب دورة (الخليل)
15 - ابراهيم اطنيفة ترقومية
16 - سليم ابو سليم بئر السبع
17 - علي محمود العزة تل الصافي
18 - خليل الجسر دورة
19 - عيسى ابو سقط بين نعيم
نقلاً عن : أكرم زعيتر
ملحق رقم (4)
أحكام الإعدام التي صدرت في أثر اضطرابات آب 1929
في تاريخ : 31 / 4 /1930م (مخطوط عن الأصل)
أحكام الإعدام يستعاض عنها بالسجن المؤبد مع استثناء ثلاثة
بلاغ رسمي رقم 14
يعلن رسمياً أن الأشخاص الآتي ذكرهم قد حكم عليهم بالإعدام لارتكابهم جرائم القتل أثناء الاضطرابات التي وقعت في شهر آب 1929م تأيدت الأحكام الصادرة عليهم من محكمة الاستئناف :
الذين ارتكبوا جرائم القتل في الخليل :
1- عبد الجواد حسن فراح .
2- عطا أحمد الزير .
3- عيسى العراقي .
4- خلف الخطيب .
5- شاكر محمود الحلواني .
6- شكري محمود الحلواني .
7- محمد خليل أبو جمجوم .
8- عباس ناصر الدين .
9- عبد الشكور الشرباتي .
10- عبد الحافظ عبد النبي العجوري .
11- شحادة عويضة .
نقلاً عن أكرم زعيتر : وثائق القضية الفلسطينية ص327 .
- قائمة المصادر والمراجع -
1 – أبيشار ، عوديد
كتاب الخليل ، ترجمة مكتبة بلدية الخليل ، 1970
2 – انغرانز ، دورين
أوراق فلسطين ، دار النهار ، بيروت ، 1972
3 – البديري ، خليل
ستة وستون عاماً مع الحركة الوطنية وفيها ، منشورات صلاح الدين ، القدس ، 1981
4 – توما ، إميل
ستون عاماً على الحركة القومية العربية الفلسطينية ، الطبعة الأولى ، مؤسسة البيادر ، 1978
5 – جباره ، تيسير
مدينة خليل الرحمن ، رابطة الجامعيين مركز الأبحاث ، الطبعة الأولى ، 1987
6 – جريس ، صبري
تاريخ الصهيونية ، ج2 ، مركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية ، 1986
7 – ادرسون ، حيفري
سياسة الأمر الواقع في الضفة الغربية ، الطبعة الأولى ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، جامعة البحرين ، 1990
8 – حساسيان ، مناديل
الصراع السياسي داخل الحركة الوطنية الفلسطينية ، البيادر ، القدس ، 1987
9 – الحوت ، بيان نويهض
القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين ، الطبعة الثانية ، دار الأسوار ، عكا ، 1984
10 – خلة ، كامل محمود
فلسطين والانتداب البريطاني 1922 – 1939 ، الطبعة الثانية ، المنشأة العامة ، ليبيا
11 – الدباغ ، مصطفى مراد
بلادنا فلسطين ، ج5 ، في ديار الخليل ، الطبعة الرابعة ، دار الطليعة ، بيروت ، 1988
12 – ديان ، موشيه
فارس ذو العين الواحدة ، سيرة موشيه دايان ، مطبعة الجليل ، عكا ، ترجمة مطبعة الجليل
13 – زعيتر ، أكرم
القضية الفلسطينية ، دار المعارف ، مصر 1955
وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية 1918 – 1939 ، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، الطبعة الثانية ، بيروت 1982
14 – شامير ، اسحق
مذكرات اسحق شامير ، ترجمة دار الجليل ، الطبعة الأولى ، دار الجليل ، عمان 1994
15 – شولس ، الكزاندر
تحولات جذرية في فلسطين 1852 – 1882 ، الطبعة الثانية ، 1990
16 – عطية ، علي سعود
الحزب العربي الفلسطيني وحزب الدفاع الوطني ، مؤسسة البيادر ، القدس ، 1987
17 – علوش ، ناجي
المقاومة العربية في فلسطين 1917 – 1948 ، دار الأسوار ، عكا ، 1979
18 – عمرو ، يونس
خليل الرحمن العربية ، الطبعة الأولى ، دار القلم ، رام الله ، 1985
19 – العويسي ، عبد الفتاح
جذور القضية الفلسطينية ، الطبعة الثانية ، دار الحسن ، الخليل ، 1992
20 – السفري ، عيسى
فلسطين العربية بين الانتداب والصهيونية ، يافا ، 1937
22 – عبوشي ، واصف
فلسطين قبل الضياع ، ترجمة د. علي الجرباوي ، 1985
23 – كرد علي ، محمد
خطط الشام ، ج3 ، مكتبة النوري ، دمشق ، 1982
24 – الكيالي ، عبد الوهاب
تاريخ فلسطين الحديث ، الطبعة التاسعة ، منشورات المؤسسة العربية ، بيروت 1985
25 – محارب ، عبد الحفيظ
هاغاناه ، اتسل ، ليحي “العلاقات بين المنظمات الصهيونية المسلحة 1927 – 1948″
26 – محسن ، عيسى خليل
فلسطين الأم وابنها البار عبد القادر الحسيني ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 1989
27 – مركز دراسات الوحدة العربية
القضية الفلسطينية في أربعين عاماً ، الطبعة الأولى ، بيروت ، 1989
28 – الموسوعة الفلسطينية
القسم الأول ، ثورة 1929
القسم الثاني ، دراسات تاريخية ، ج2 ، د. عبد الكريم رافق والدكتور أحمد طربين
29 – يهوشع ، يعقوب
تاريخ الصحافة العربية الفلسطينية 1919 – 1929 ، جامعة حيفا ، 1981
30 – يوسف ، محمد
المسجد الإبراهيمي
- الوثـــائق -
1 – وثائق الحركة الوطنية الفلسطينية
2 – نشرات المكتب العربي
مشكلة فلسطين ، مطبعة بيت المقدس ، القدس 1946
3 – تقرير لجنة شو
- المقابلات الشخصية -
1 – الجعبري ، عبد الحفيظ
مقابلة شخصية ، بتاريخ 16 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحدث ويتمتع بذهن صافي
2 – شاور ، الحاج مصطفى
مقابلة شخصية ، بتاريخ 20 / 4 / 1999 ، وهو أحد المعاصرين للأحداث وبصحة جيدة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأربعاء 16 أغسطس 2017, 7:07 am

"مفوضية الأسرى" تطالب بريطانيا بالاعتذار عن إعدامها أسرى "ثورة البراق"

ثورة البراق الملف كامل 1576515d2c1597_IJGOLMNQHEPKF



طالبت مفوضية الأسرى والمحررين بحركة "فتح"، بريطانيا بتقديم اعتذار رسمي وعلني للشعب الفلسطيني جراء عمليات الاعدام التي قامت بها قوات الانتداب البريطاني للثوار الفلسطينيين أبان ثورة البراق التي اندلعت في العام 1929.

وقال الناطق الإعلامي باسم المفوضية، نشأت الوحيدي في بيان له اليوم السبت، إن "قوات الانتداب البريطاني قامت في 17 من حزيران يونيو 1930، بإعدام الثوار الأسرى، الشهيد فؤاد حسن حجازي (من مواليد صفد في 1904)، والشهيد محمد خليل جمجوم (من مواليد الخليل في 1902)، و الشهيد عطا أحمد الزير (من مواليد الخليل في 1895)، بدم بارد أمام ذويهم وأبناء شعبهم وإصدار أحكاما ظالمة بالمؤبد بحق 23 ثائرا فلسطينيا".

وذكر الوحيدي أن أبطال "ثورة البراق" كانوا في اليوم المحدد وقبل إعدامهم بساعة قد استقبلوا ذويهم وأبناء شعبهم بملابس الإعدام الحمراء حيث طلب الشهيد محمد جمجوم حناء ليخضب بها يديه وطلب من زميليه حجازي وعطا الزير أن يشنق قبلهما وفاز بتحقيق طلبه طالبا من السجان البريطاني أن يفك قيده لأنه لا يخشى من الموت ورفض طلبه ولكنه حطم قيده وتقدم نحو المشنقة مبتسما.

وأوضح أن الانتداب البريطاني أسس لنكبة فلسطين وقيام دولة الاحتلال الإسرائيلي على الأرض الفلسطينية المغتصبة وأورث للاحتلال الإسرائيلي مجموعة من القوانين والأوامر العسكرية العنصرية من أبرزها الاعتقال الإداري التعسفي الذي ما يزال الاحتلال الإسرائيلي يستخدمه كسيف مسلط على رقاب أبناء الشعب الفلسطيني .

وقال إن "دولة الاحتلال الإسرائيلي تتصرف وكأنها فوق القانون مستندة لدعم تاريخي من مخلفات الانتداب البريطاني وتضرب عرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق والاتفاقيات والدولية والإنسانية وكأنها تقول للعالم بأسره بأنها هي التي تتحكم في موعد الفرح الفلسطيني".

وانطلقت شرارة  "ثورة البراق" يوم الجمعة 16 آب (أغسطس) عام 1929، باندلاع مواجهات واسعة وعنيفة بين الفلسطينيين واليهود، حيث تداعى لها آلاف الفلسطينيين، بعد تدنيس اليهود لحائط البراق ورفعهم الأعلام الإسرائيلية عليه، الأمر الذي اعتبره الفلسطينيون ناقوس خطر والخطوة الأولى لبدء عملية سلب الأقصى والاستيلاء عليه.

ــــــــــــــــــ

من سليم تاية
تحرير إيهاب العيسى
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأحد 07 يوليو 2019, 1:07 am

 قصيدة "الثلاثاء الحمراء" لإبراهيم طوقان

من سجن عكا 17-6-1930!
فوق ساعات المشانق
***
"الثلاثاء الحمراء" هي قصيدة كتبها الشاعر الفلسطيني الراحل إبراهيم طوقان، في وصف إعدام ملهبي ثورة البراق (1929)، على يد سلطات الانتداب البريطاني، في 17 حزيران 1930: محمد جمجوم، وفؤاد حجازي، وعطا الزير .. ويقول فيها:
لمَّــا تَعَرَّضَ نَجْمُـك المنحوسُ
 وترَّنحت بعُرى الحبالِ رؤوسُ
ناح الأَذانُ وأعولَ النــاقوسُ
 فالليل أكدرُ، والنَّهارُ عَبوسُ
طَفِقَتْ تثورُ عواصفُ    وعــواطفُ
والموتُ حيناً طائفُ أو   خـاطفُ
والمِعْولُ الأَبديّ يُمْعِن في الثرى
لِيردَّهـمْ في قلبِهــا المتحـجِّرِ
*        *        *
يومٌ أطــلَّ على العصور الخاليَه
ودعا : "أمرَّ على الورى أمثاليَهْ ؟ "
فأجابَهُ يومٌ : " أجلْ أنا روايَه
لمحــاكم التَّفتيش، تلكَ الباغِيَه
ولقــد شهدتُ عجائباً   وغرائباً
لكنَّ فيــكَ مصـائباً    ونوائباً   
لم ألْقَ أشباهاً لهـا في جورْهِا
فاسأل سواي وكم بها مِنْ منكَرِ "
*        *        *
وإذا بيــومٍ راسفٍ بقيودِهِ
فأجابَ، والتاريخُ بعضُ شهودهِ :
" أنظر إلى بيضِ الرَّقيق وسودِهِ
مَنْ شاءَ كانوا مُلكَهُ بنقــودِهِ
بشرٌ يُباعُ ويُشترى فتحررَّا
ومشى الزَّمانُ القهقرى  فيما أرى ...
فسمعتُ مَنْ منعَ الرَّقيق وبَيْعَـهُ
نادى على الأَحرارِ يا مَنْ يشترى "
وإذا بيـومٍ حالكِ الجِلبْـابِ
مُتَرّنـحٍ من نَشْوةٍ الأَوْصابِ
فأجابَ : " كلاّ ، دون ما بكَ ما بي
أنا في رُبى (عالية) ضاع شبابي
وشهدتُ للسفَّاح ما   أبكى دما
ويلٌ له ما أظلما     لكنما ...
لم ألْقَ مِثْلَكَ  طالعاً في روعـةٍ
 فاذهبْ لعلَّكَ أنتَ يَومُ المحشرِ "
*        *        *
(اليومُ) تُنكرهُ اللَّيالي الغـابره
وتظلّ تَرْمقُه بعينٍ حــائره
عجباً لأَحكام القضاءِ الجــائرهْ
فأخفُّها أمثالُ ظُلمٍ سائـره
وطن يسيرُ إلى الفناءْ بلا رجاءْ
والداءُ ليس لهُ دواءْ إلاّ الإباءْ
إنَّ الإباءُ مناعةٌ ، إن تَشْتَـمِلْ
 نفسٌ عليه تَمُتْ ولمَّا تُقهرِ
*        *       *
الكلُّ يرجو أن يُبكِّرَ عَفْـوُهُ
نَدْعو له ألاّ يُكَدَّرَ صفوُهُ ..!
إنْ كان هذا عطفُهُ وحُنُوُّهُ ...
 عاشتْ جلالَتُهُ وعاشَ سُموّهُ ..!
حَمَلَ البريدُ  مُفصِّلا ما أُجملا
هلاَّ اكتفيتَ  توسُّلا وتسوُّلا
والموتُ في أخــذِ الكلامِ  وردِّهِ
فخذِ الحياةَ عن الطَّريقِ الأَقصرِ
*        *        *
ضاق البريدُ ومـا تغيَّرَ  حالُ
والذّلّ بين سطورِنـا أشكـالُ
خُسْرانُنــا الأَرواح ، والأَموالُ
وكرامةٌ - يا حسرتا - أسمالُ
أوَ تُبصرون وتسألونْ ماذا يكونْ ؟!
إنَّ الخداعَ له  فنونْ مِثْلَ الجنونْ
هيهاتَ ، فالنفسُ الذليلةُ  لو  غَدَتْ
مخلوقةً  من أعينٍ لم تُبْصرِ!
*        *        *
أنَّى لشاكٍ صوتُه أنْ يُسْمَـعا
 أنَّى لباكٍ دمعهُ أنْ  يَنفعـا
صخرٌ أحسَّ رجاءَنا فتصدَّعا
 وأتى الرجاءُ قلوبَهم فتقطَّعا. .
لا تعجبوا، فمن الصخورْ   نبعٌ يفورْ
ولهم قــلوبٌ كالقبور    بلا شعورْ
لا تلتمسْ يوماً رجاءً عندَ مَنْ
جرَّبْتَهُ فوجدتَهُ لم يَشْعُرِ
*        *        *
الساعات الثلاث
الساعة الأولى
أنا ساعةُ النفسِ الأبيَّـه      الفضـلُ لي بالأسبقيَّه
أنا  بِكْرُ   ساعـات  ثلاثٍ   كلها   رمزُ   الحميَّه
بِنْتُ القضيَّةِ  إنَّ  لي    أثراً جليلاً في القضيَّـه
أَثرَ   السّيوف   المشْرَفيّــَةِ  والرماحِ   الزاغبـيَّه
أودعتُ في مُهجِ  الشبيبةِ نفْحــةَ الرّوح  الوفـيَّه
لا بــدَّ من يوم لهم    يَسْقي العدا كأسَ المنيَّـه
قسماً بروح (فؤاد) تصعدُ  من جوانـحِهِ زكيـه
تأتي السواءَ حفيــةً فتحلّ جنَّتَها  العـليّــَه
ما نـال مرتبـةَ الخلودِ  بغيْرِ تضحيــةٍ  رضيـه
عاشتْ نفوسٌ في سبيلِ بلادِهـا  ذهبتْ  ضحيَّة
الساعة الثانية
أنا ساعةُ الرجل العتيدِ      أنا ساعةُ البأسِ الشـديدِ
أنا ساعـةُ الموت  المشـرِّفِ كلَّ  ذي  فعلٍ مجيدٍ
بطَلي يُحطِّمُ قيدَهُ   -   رمزاً لتحطـيم القيـودِ
زاحمتُ مَنْ قَبْلي  لأَسبِقَها  إلى  شَرَفِ الخـلودِ
وقَدَحْتُ في مُهَجِ الشبابِ شرارةَ العزمِ الوطيدِ
هيهاتَ يُخدَعُ بالوعودِ ، وأن يُخـدَّرَ بالعهودِ
قسماً بروحِ (محمد) :  تَلْقى الردى حُلْوَ الورودِ
قسماً بأُمِّكَ عنـد  موتِكَ  وهي  تهتفَ  بالنَّشيدِ
وترى العزاءَ عَنْ ابنِها في صيتِهِ الحسنِ البعيدِ
مــا نال مَنْ خدمَ البلادَ أَجلَّ من أجْرِ الشهيدِ
الساعة الثالثة
أنا ساعةُ الرّجل الصَّبور أنا ساعةُ القلبِ الكبيرِ
رمزُ  الثَّباتِ  إلى  النهاية في الخـطيرِ  من  الأُمور
بطَلي أشدّ  على لقـاءِ الموتِ من  صُمِّ  الصّخورِ
جذلان يرتقبُ الردى فاعجبْ لموتٍ في سرورِ
يَلْقى  الإله  ( مُخَضَّبَ الكفَّيْن )  في  يومِ  النّشورِ
صَبْرُ الشبابِ على المصابِ  وديعتي  ملءُ الصّدورِ
أنْذرتُ أعـداءَ البـلادِ بشـرّ ِ يومٍ  مُستطـيرٍ
قسماً   بروحك  يا   ( عطاء )  وجنَّةِ الملِكِ القديرِ
وصغارِكَ  الأشبالِ  تبكي  اللَّيثَ  بالدّمعِ  الغزيرِ
ما أنقذَ الوطنَ المفدَّى غيرُ صبَّارٍ جَسورٍ
الخاتمة
الأبطال الثلاثة
أجسادهُم في تربة الأَوطانِ
 أرواحُهُم في جنَّةِ الرّضْوانِ
وهناكَ لا شكوى من الطغيانِ
وهناك فيْضُ العفْوِ والغفرانِ
لا ترْجُ عفواً من سواهْ هو الإلهْ
وهوَ الذي ملكَتْ يداهْ كلَّ جاهْ
جَبَرُوتُه فوقُ الذين يغرّهْم
 جَبَرُوتُهمْ في برِّهمْ والأَبحرِ
***
وكان الإنجليز في أعقاب ثورة البراق وأحداث العام 1929، شكلوا محكمة عسكرية، وذلك بدعوى محاكمة العرب واليهود الذين اشتركوا في الأحداث، وأصدرت حكماً بإعدام ثلاثة من الفلسطينيين هم: محمد جمجوم، فؤاد حجازي، وعطا الزير. وقال فؤاد حجازي لزائريه: "إذا كان إعدامنا نحن الثلاثة يزعزع شيئاً من كابوس الإنجليز عن الأمة العربية الكريمة، فليحل الإعدام في عشرات الألوف مثلنا كي يزول هذا الكابوس عنا تماماً". وقد نفذ فيهم حكم الإعدام، ولم يكترث الإنجليز بالوساطات العربية لتخفيف حكم الإعدام.
وقال الشهيد فؤاد حجازي في وصيته التي كتبها بخط يده، وبعث بها إلى صحيفة اليرموك يوم 18/6/1930م:
"إذا كان لديَّ ما أقوله وأنا على أبواب الأبديّة فإنِّي أوجز القول قبل أن أقضي :
أخويَّ العزيزين يوسف وأحمد وفَّقكما الله، رجائي إليكما أن تفعلا بما أُوصيكما به، أوصيكما بالتعاضد والمحبَّة الأخوية، والعمل بجدٍّ واجتهاد على مكافحة شقاء الدنيا لإحراز السّبق في مضمار هذه الحياة التي ستقضونها – إن شاء الله – بالعزِّ والهناء.
ورجائي إليك يا يوسف.. يا حبيبي أن تلجأَ إلى الهدوء والسكينة، وأن لا تأتي بعمل تكون عاقبته وخيمة، عليك أن لا تتأثر لمصرع فؤاد، لأنَّ فؤاد لم يخلق إلاّ لهذه الساعة، وله الشرف الأعلى بأن يقضي في سبيل القضية العربية الفلسطينية.
عليك بطاعة والدتك وشقيقك يوسف.
أحمد.. السكينة السكينة، الهدوء الهدوء، ملابسي تحفظ شهراً ثم تُغسل، ممنوع قطعياً تنزيل أي طقم عليَّ سوى اللباس والفنيلّة والكفن داخل تابوت.
البكاء، الشخار، التصويت، هذا ممنوع قطعياً، لأنَّني لم أكن أرضاها في حياتي، خاصة تمزيق الثياب. يجب الزغردة والغناء، واعلموا أن فؤاداً ليس بميت، بل هو عريس ليس إلاَّ.
يجب الاستعلام بواسطة الدلاّل عما إذا كان يوجد لأحد شيء بذمة فؤاد وسداده فوراً، وأعود فأوصيكم بطاعة الوالدة.
إنّ الضريح سيشيّد على نفقة لجنة الإسعاف العربية بالقدس، فلتعمل جنينة عند ضريحي بداربزين على الدّاير.
عليك أن ترفع رأسك بين أقرانك وأنت لا تدع للحزن سبيلاً إلى قلبك، وأن ترتدي دائماً الملابس الجديدة، وأن تحلق يومياً، عليك أن تذهب للنزهة والأفراح كعادتك، بل أكثر.
عليك بالسّهر على مستقبلك، فإذا كان الله قضى بذلك عَلَيَّ فما عليك أنت إلاّ الاطمئنان لحكمه تعالى، إنَّني من جهتي أسامح كل من شهد عَلَيّ، خاصةً سعيد العسكري، وغداً يوم الحشر سأقابله وأطلب حقِّي منه من الله سبحانه وتعالى، وعليك أن لا تضمر لأحد سوءاً، كما أوصيك بطاعة الوالدة واحترامها.
حبيبي أحمد :
أمّا أنت يا أحمد فعليك العناية بدروسك والاجتهاد فيها، وأن لا تجعل القلق يستولي عليك.
تأثَّرت من قولك حين زيارتك لي إنَّك ستأخذ بثأري، فهذا يا حبيبي لا يعنيك أنت لأنَّني لستُ بأخيك وحدك، بل أنا قد أصبحت أخا الأمة العربية، وابن الأمة جمعاء.
يا والدتي :
أُوصيك وصيَّة، والوصية – كما قيل – غالية:
أن لا تذهبي إلى قبري إلاَّ مرَّة في الأسبوع على الأكثر، ولا تجعلي عملك الوحيد الذهاب إلى المقبرة.
إنَّ يوم شنقي يجب أن يكون يوم سرور وابتهاج، وكذلك يجب إقامة الفرح والسرور في يوم 17/6 من كل سنة، إنَّ هذا اليوم يجب أن يكون يوماً تاريخياً تُلقى فيه الخُطب، وتُنشد الأناشيد على ذكرى دمائنا المهراقة في سبيل فلسطين والقضية العربية".
***
وحكمت المحكمة على 800 من العرب بالسجن سنوات مختلفة، أما اليهود فقد اكتفت بالحكم بإعدام يهودي واحد هو خانكيز، وهو شرطي يهودي قتل عائلة عربية كاملة في بيتها في يافا، ولكن الإنجليز خففوا عنه حكم الإعدام إلى السجن لعشر سنوات، قضى بعضها في السجن، ثم أطلق سراحه.
وقام الفلسطينيون بالاحتجاج على حكم المحكمة الجائر والمتحيز لليهود، ثم قاموا بتشكيل لجان إغاثة لتقديم العون والمساعدة لعائلات الشهداء والجرحى.
وقد هز إعدام الشهداء الثلاثة على يد الإنجليز مشاعر الفلسطينيين، في الداخل والخارج، إلا أن الإنجليز لم يأبهوا وأعدموهم. وقال عز الدين القسام عقب إعدامهم في خطبة نارية: "يا أهل حيفا .. يا مسلمون، ألا تعرفون فؤاد حجازي؟ ألم يكن فؤاد حجازي وعطا الزير ومحمد جمجوم إخوانكم؟ ألم يجلسوا معكم في دروس جامع الاستقلال؟ إنهم الآن على المشانق .. حكم عليهم الإنجليز بالإعدام من أجل اليهود".
وتابع القسام قائلاً: "أيها المؤمنون: أين نخوتكم؟ أين إيمانكم؟ وأين هي مروءتكم؟ ... إن الصليبية الغربية الإنجليزية، والصهيونية الفاجرة اليهودية، تريد ذبحكم كما ذبح الهنود الحمر في أميركا، تريد إبادتكم أيها المسلمون، حتى يحتلوا أرضكم من الفرات إلى النيل، ويأخذوا القدس، ويستولوا على المدينة المنورة، ويحرقوا قبر الرسول .. إنهم يريدون اللعب بأمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وتحويلهن إلى خدم لهم وسبايا".
وكان تنفيذ حكم الإعدام بحق الشبان الثلاثة قد بدأ في الساعة الثامنة، حيث نفذ الحكم في الشهيد فؤاد حجازي، وفي التاسعة نفذ في الشهيد عطا الزير، وفي العاشرة نفذ في الشهيد محمد جمجوم، ووصف الشاعر إبراهيم طوقان هذه الساعات الثلاث في قصيدته "الثلاثاء الحمراء".
وإذا كان الحكم البريطاني قاسياً بحق المواطنين العرب، فإن أسباب اندلاع ثورة البراق لم تؤخذ بالحسبان، ما يؤكد أن اليهود قد أشعلوا فتيل المعركة تلك، وأن البريطانيين قد ساعدوهم من خلال إيقاع أحكام قاسية بحق المواطنين العرب، لمنعهم من الإقدام على التصدي لليهود، ومنع أنشطتهم العدائية مستقبلاً.
لقد كانت التظاهرة الضخمة لليهود في 14 آب 1929 في تل أبيب، والتي جاءت لمناسبة ذكرى تدمير ما يسمى "هيكل سليمان" المزعوم، ثم نظموا تظاهرة ثانية في اليوم التالي في شوارع مدينة القدس، وتوجهوا نحو جدار الأقصى الغربي، جدار البراق أو "حائط المبكى" كما يحلو لليهود أن يسموه، وهناك رفعوا العلم الإسرائيلي، وأنشدوا "الهتكفا" (النشيد القومي الصهيوني)، وهاتان التظاهرتان كانتا الشرارة التي أشعلت فتيل ثورة البراق، إذ تجمع المسلمون في اليوم التالي لهذه الحادثة، وكان يوم جمعة وذكرى المولد النبوي الشريف، في باحة المسجد الأقصى المبارك، وساروا بعد الصلاة في تظاهرة كبيرة حطموا خلالها منضدة لليهود على رصيف حائظ البراق، وأحرقوا أوراق الصلوات اليهوية الموضوعة في ثقوب الحائط.
وتوالت الاشتباكات الدموية حتى حصل الانفجار يوم 23 آب/ أغسطس، والذي يعرف تاريخياً بـ "ثورة البراق"، حيث هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود، وتدخل "البوليس" البريطاني بعنف، مستخدماً الأسلحة المختلفة، بما في ذلك الطائرات الحربية، وعاشت فلسطين للمرة الأولى أسبوعاً دموياً بين العرب واليهود، بعدما امتدت الاشتباكات إلى المدن الأخرى والقرى المختلفة.
وكانت نتيجة ذلك عشرات القتلى والجرحى من الجانبين، وسيطر القلق والتوتر على أجواء البلاد، وزاد من أجواء التوتر ذلك المنشور الذي أصدره المندوب السامي الثالث (تشانسلور) في أول أيلول، إثر عودته إلى البلاد من لندن، فهو لم يكن متسرعاً ومنحازاً لليهود فحسب، بل كاذب في افتراءاته على العرب، ووقح جداً في تعابيره.ونقتطع مما جاء في بيانه الذي أعلنه تعليقاً على تلك الأحداث: "عدت من المملكة المتحدة فوجدت بمزيد من الأسى أن البلاد في حالة اضطراب، و أصبحت فريسة لأعمال العنف غير المشروعة، وقد راعني ما عملته من الأعمال الفظيعة التي اقترفتها جماعات من الأشرار سفاكـي الدماء، عديمي الرأفة وأعمال القتل الوحشية التي ارتكبت بحق أفراد الشعب اليهودي، الذين خلوا من وسائل الدفاع بقطع النظر عن عمرهم، وعما إذا كانوا ذكوراً أو إناثاً، والتي صحبتها كما وقع في الخليل أعمال همجية لا توصف، وحرق للمزارع والمنازل في المدن وفي القرى، ونهب وتدمير الأملاك. إن هذه الجرائم أنزلت على فاعليها لعنات جميع الشعوب المتمدنة في أنحاء العالم قاطبة، فواجبي الأول أن أعيد  النظام إلى نصابه في البلاد، و أوقع القصاص الصارم بأولئك الذين سوف يثبت عليهم أنهم ارتكبوا أعمال عنف وستتخذ جميع التدابير الضرورية لإنجاز هاتين الغايتين".
لقد كانت ثورة البراق مفصلاً مهماً في تاريخ النضال الفلسطيني، أثبتت عدوانية اليهود ونواياهم المبيتة لأرض فلسطين وشعبها، كما كانت وصمة دامغة في تاريخ القضاء البريطاني، ولعل التضحية بالذات في سبيل المجموع قد تجلت بأنصع صورها من خلال تسابق الشهداء الثلاثة إلى حبل المشنقة، حيث أراد كل واحد منهم أن يسبق زميليه إلى الحبل الرهيب، في محاولة لإيصال رسالة واضحة إلى الجلاد البريطاني، وقد وصلت الرسالة بالفعل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأحد 07 يوليو 2019, 1:09 am

دراسة في قصيدة "الثلاثاء الحمراء" لإبراهيم طوقان


 وفي هذا الصدد، تصف فدوى طوقان اليوم الذي تم فيه تنفيذ حكم الإعدام بالقول: "وفي نهاية الثلاثاء السابع عشر من حزيران من عام 1930، كان التكبير على المآذن وقرع النواقيس في الكنائس يتجاوب صداها في أرجاء فلسطين قاطبة، إذ في ذلك النهار نفذ حكم الإعدام بالشهداء الثلاثة، في ثلاث ساعات متوالية، فكان أولهم فؤاد حجازي، و ثانيهم محمد جمجوم، و ثالثهم عطا الزير، وكان من المقرر رسمياً أن يكون الشهيد عطا الزير ثانيهم، ولكن جمجوم حطم قيده و زاحم رفيقه على الدور حتى فاز ببغيته".
وهنا يأخذ الشاعر ريشته ليصور هذا اليوم المخضب بالدماء، وليسجل في سفر الشعر الوطني الخالد مصارع أولئك الشهداء فتكون قصيدة إبراهيم طوقان “الثلاثاء الحمراء".
"وفي الحفلة السنوية لمدرسة النجاح بمدينة نابلس، ولم يكن قد مضى على تنفيذ حكم الإعدام سوى عشرة أيام، ألقى الشاعر إبراهيم طوقان قصيدته أمام الجمهور الذي كان ما يزال مستفـزاً ومستثاراً، وعواطفه،لم تبرد بعد، وما أن ألقى الشاعر قصيدته حتى فقد السامعون كل رباطة جأش وكل هدوء، فكأنما خرج الناس من لحومهم ودمائهم، فما أن انتهى الشاعر من إلقاء قصيدته حتى كان بكاء الناس ونشيجهم يملأ ساحة المدرسة، ثم اندفعوا خارج المدرسة في تظاهرة شديدة وعارمة، حتى قيل يومها "لو أن إبراهيم ألقى قصيدته في بلد فيها يهود لوقع ما لا يحمد عقباه".
***
ظلّت فلسطين ميداناً للصراع بين الغزاة اليهود والمواطنين الفلسطينيين الأصليين، أهل البلاد، وتصاعدت المواجهات حتى وصلت أوجها في العام 1929 إثر ثورة البراق، وكان البريطانيون يحكمون البلاد وينحازون لصالح اليهود في التحكيم، إضماراً لتحقيق تصريح وزير خارجّيتهم بلفور في العام 1917.
لقد شهدت مدينة حيفا أنموذجاً للتجني البريطاني السافر على العرب إثر أحداث العام 1929 "التي كان اليهود سببها، فقد أذاعت وكالة الأنباء (رويتر)، في السابع والعشرين من شهر كانون الثاني (نوفمبر) العام 1929م، أن محكمة حيفا أدانت تسعة من العرب، فحكمت عليهم بالإعدام، وحكمت على اثنين بالسجن خمسة عشر عاماً لكل واحد منهما، لاتهامهم بقتل أسرة يهودية.
كما نُفّذ حكم الإعدام فوراً في ثلاثة من شبان فلسطين هم: فؤاد حجازي وعطا أحمد الزير ومحمد خليل أبو جمجوم. ونفذ فيهم الحكم صباح يوم الثلاثاء، السابع عشر من شهر حزيران - يونيو) العام 1930م(#)، حيث كان يوماً مشهوداً، انفجرت فيه العبرات وغلى الحقد في الصدور، لقد تصاعدت أصوات المآذن تستنزل الرحمات.. وقرعت نواقيس الحزن في الكنائس.. وولولت النساء.. وتصاعد عويلهن في البيوت.. وتساقطت الدموع غزيرة من مآقي الرجال المجتمعين في الجوامع والمعابد.. وأنشدت الجماهير نشيد: "يا ظلام السجن خيّم" وقد خيمت روعة الموت..(#)، كما نشرت ذلك جريدة الزهور التي كانت تصدر في حيفا، بعددها رقم     (19) من حزيران العام 1930.
وكان تنفيذ حكم الإعدام بحق الشبّان الثلاثة قد بدأ في الساعة الثامنة، حيث نُفذ الحكم في الشهيد فؤاد حجازي، وفي الساعة التاسعة نفذ في الشهيد عطا أحمد الزير، وفي الساعة العاشرة نفذ في الشهيد محمد جمجوم. وقد وصف الشاعر إبراهيم طوقان هذه الساعات الثلاث في قصيدته: "الثلاثاء الحمراء" التي سأقوم بتحليلها والتوقف عندها؛ لما تمثله من قيم تاريخية وفنية وسياسية وتحريضية وفكرية مجتمعة مع القيمة الإبداعية التجديدية في النظم والموسيقى معاً.
وإذا كان الحكم البريطاني قاسياً بحق المواطنين العرب، فإنّ أسباب اندلاع ثورة البراق لم تؤخذ بالحسبان، الأمر الذي يؤكد أن اليهود قد أشعلوا فتيل المعركة تلك، وأن البريطانيين قد ساعدوهم من خلال إيقاع أحكام قاسية بحق المواطنين العرب لمنعهم من الإقدام على التصدي لليهود ومنع أنشطتهم العدائية مستقبلاً.
لقد كانت المظاهرة الضخمة لليهود في 14 آب 1929 في تل أبيب، والتي جاءت بمناسبة ذكرى تدمير هيكل سليمان المزعوم، ثم نظموا مظاهرة ثانية في اليوم التالي في شوارع مدينة القدس وتوجهوا نحو جدار الأقصى الغربي، جدار البراق أو ما شاع اسمه بحائط المبكى، وهناك رفعوا العلم الصهيوني وأنشدوا الهتكفا؛ (النشيد القومي الصهيوني)، وهاتان المظاهرتان كانتا الشرارة التي أشعلت فتيل ثورة البراق، إذ تجمع المسلمون في اليوم التالي لهذه الحادثة - وكان يوم جمعة ويوم ذكرى المولد النبوي الشريف - في باحة المسجد الأقصى المبارك، وساروا بعد صلاة الجمعة في مظاهرة كبيرة حطموا خلالها منضدة لليهود على رصيف حائط البراق "المبكى"، وأحرقوا أوراق الصلوات اليهودية الموضوعة في ثقوب الحائط. وتوالت الاشتباكات الدموية حتى حصل الانفجار يوم 23 آب، والذي يعرف تاريخياً بـ "ثورة البراق"، حيث هجم العرب بأعداد كبيرة على اليهود وتدخل البوليس البريطاني بعنف، مستخدماً الأسلحة المختلفة والطائرات الحربية للإرهاب، وعاشت فلسطين للمرة الأولى أسبوعاً دموياً بين العرب واليهود، بعدما امتدت الاشتباكات إلى المدن الأخرى والقرى المختلفة. وكانت نتيجة ذلك عشرات القتلى والجرحى من الجانبين وسيطر القلق والتوتر على أجواء البلاد "وزاد من أجواء التوترذلك المنشور الذي أصدره المندوب السامي الثالث (تشانسلور) في أول أيلول، إثر عودته إلى البلاد من لندن، فهو لم يكن متسرعاً منحازاً لليهود فقط، في منشوره، وإنّما كان كاذباً في افتراءاته على العرب ووقحاً جدا في تعابيره."(#).
لقد كانت ثورة البراق مفصلاً مهماً في تاريخ النضال الفلسطيني، أثبت عدوانية اليهود ونواياهم المبيّتة لأرض فلسطين وشعبها، كما كانت وصمة دامغة في تاريخ القضاء البريطاني. ولعلّ التضحية بالذات في سبيل المجموع، قد تجلّت بأنصع صورها من خلال تسابق الشهداء الثلاثة إلى حبل المشنقة، حيث أراد كل شهيد منهم أن يسبق زميليه إلى الحبل الرهيب في محاولة لإيصال رسالة واضحة إلى الجلاد البريطاني، وقد وصلت الرسالة بالفعل.
الثلاثاء الحمراء:
من هنا كان عمق الحدث وفجاعته الدموية القاهرة محفزاً للمبدعين، ودفعهم إلى التأريخ إبداعياً، فكان أن دخلت إلى السجل الشعري التثويري قصيدة "الثلاثاء الحمراء" للشاعر إبراهيم طوقان، ذات العمق الفني والتنويع الموسيقي والبعد التثويري المتوافر بين كلماتها، إذ "إنّ الروائع الأدبية التي يقدرها الناس، والتي تملك القدرة على الاستمرار في التاريخ، إنما هي تلك التي تعكس خصائص فترة من الزمن، وشعب بعينه، دون أن تغفل تراث هذا الشعب، وهي بذلك تساهم بشكلٍ خلاق في إغناء الثقافة الإنسانية بما هو عام ومتميز."(#)
لقد أصبحت قصيدة "الثلاثاء الحمراء" عنوانا وطنياً ونضالياً للشعب الفلسطيني يشير بوضوح ودلالة إلى مرحلة تاريخية ذات أثر مهم في التضحية والمقاومة. لذلك فإنّها تحتل حيّزاً لافتاً من مساحة الشعر الفلسطيني المقاوم ذي القيمة الفنية والنضالية والتاريخية، وهي تشكل محطة إبداعية من محطات التطور الشعري لدى إبراهيم طوقان(#)، ولأن التركيز على قصيدة بعينها، أو مقاطع معينة، ترجع أهميتها إلى كونها نقطة مركزية في النص الشعري، يخدم البنية الدلالية لكل قصيدة أو البنية الكلية للديوان(#)، فإن أهمية إفراد حيّز خاص لقصيدة "الثلاثاء الحمراء" ودراستها هنا، تظهر بوضوح.
وإذا كانت القصيدة، بتركيباتها المتوحدة عضوياً والمتباعدة نفسياً، تنتج عن حالة إبداعية-نفسية معينة لدى الشاعر، فإنها تفعل فعلها التأثيري في جمهور المستمعين والقراء، فتحقق غايتها التثويرية إذا ما نبعت من موهبة خصبة وإبداع فيّاض كما هو الحال عند إبراهيم طوقان، حيث ألهبت قصيدة "الثلاثاء الحمراء" جماهير الشعب، وأثارت غضبهم وأحقادهم، فخرجوا في مظاهرة نددت بأعمال سلطات الانتداب واستنكرت الإعدام، وذلك بعدما ألقى إبراهيم طوقان قصيدته في مدرسة النجاح بنابلس.(#)
وإذا كان للموت قوانينه الخاصة به فإنه، أيضاً، إرادة بشرية تدخل ضمن الإرادة الإلهية. والموت يبدو ضمن دائرة أكبر منه، وهي الزمن نفسه، فالزمن والموت نهائيان ليس بالمعنى الديني، أما التاريخ فهو الوسيط بينهما، فالتاريخ يقع بين الزمن وفواصله، والموت وقوانينه.
لقد أدرك الشاعر إبراهيم طوقان بعمق معنى الزمن ومعنى الموت ومعنى التاريخ في قصيدة "الثلاثاء الحمراء"، كما أدرك الهارموني الكوني الذي ينظم هذه القوى الثلاث. إنّه يشعر بالزمان واللازمان في وقت واحد، على حدّ تعبير ت. س. اليوت، والحس التاريخي هذا واضح جداً لدى إبراهيم طوقان. وفي قصيدة "الثلاثاء الحمراء" التقت قوى الزمن والتاريخ والموت، فانسجم إيقاع هذه القوى الكونية الثلاث مع إيقاع القصيدة، لذلك فإنها تتميز عن غيرها من قصائد ديوان إبراهيم، وتتكون ميزة هذه القصيدة من الشكل والموسيقى (الإيقاع والقافية).
إنّ شكل القصيدة وبناءها الداخلي، ينسجم مع مطلقيّة الموت والزمن داخل بناء فسيفسائي يعتمد التنويع الداخلي، داخل إطار محدد من قافية متكررة تحكم القصيدة كلها. إن حروف الروي في مقدمة القصيدة تُشكل كلمة "سَفَرْ"، أما حروف روي الساعات الثلاث، فتشكل كلمة "هَدَر"، كما تشكل حروف روي الخاتمة كلمة "نَهَرْ" وواضح هنا أن اعتماد هذه الحروف بالذات، دون غيرها، كان متقصداً من قبل الشاعر، لما يعنيه اجتماعها معاً في كلمات من دلالات نفسية وإيحاءات، قصدها الشاعر من هذا التركيب الإبداعي.

....  يتبع
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأحد 07 يوليو 2019, 1:10 am

..... تابع

دراسة في قصيدة "الثلاثاء الحمراء" لإبراهيم طوقان





وتفصيل ذلك، الآتي:
مقدمة القصيدة: تبدأ المقدمة ببحر الكامل، وحرف الروي هو "السين"، ثم تنتقل إلى مشطور الكامل، وحرف الروي هو "الفاء"، ثم يعود إلى بحر الكامل، وحرف الروي هو "الراء"، ويظل ينتقل من بحر الكامل إلى مشطوره مع تغيير حرف الروي، إلا أن هناك حرف روي أساسيا يتكرر وهو حرف "الراء".
الساعات الثلاث: تبدأ الساعة الأولى مستعملة بحر المتقارب وحرف الروي "الهاء"، وتبدأ الساعة الثانية مستعملة البحر نفسه وحرف الروي هو "الدال". أما الساعة الثالثة، فتستعمل البحر نفسه ويتغير فيها حرف الروي فقط، ليكون "الراء".
الخاتمة: تعود إلى بحر الكامل مع حرف روي هو "النون"، ثم إلى مشطور الكامل، وحرف روي هو "الهاء"، وأخيراً، تعود إلى بحر الكامل، وحرف الروي الأساس وهو "الراء"، وتشكل حركة القصيدة بهذا دائرة مقفلة، لا نهائية، مع وجود تنويعات داخل الدائرة.
والدائرة،وإن كانت دون بداية أو نهاية، فإنها ترمز إلى الكون، والأرض، والنهائية، والقلب، والمرأة، والقمر، الخ.. وهي رمز ديني في أكثر ديانات الشرق، كما أنها رمز سحري، أيضاً. وهي، كذلك، وحدة هندسية قابلة للتقسيم، وإذا تكررت هذه الوحدة، فإنها تمنحنا الشعور بالانعزال.
إنّ تعدد القافية وحرف الروي داخل القصيدة يشبه تماماً الزخرفة الإسلامية التي تعتمد الإبهار البصري ولا نهائية الوحدة الهندسية داخل أطر مغلقة.
وحرف "الراء" الذي يتكرر من البداية إلى النهاية، هو الإطار الذي تجري داخله الأحداث جميعها، وهو الإيقاع الكوني لكلمة "الدهر" أو "العصر"، أو الإيقاع الخفي داخل نفس الشاعر لكلمة "المتكبر" أو "المدبر"، وهما من أسماء الله الحسنى. إذ لا يمكن أمام الموت إلا أن يكون "المطلق" حاضراً ومهيمناً. فلقد وقف الشاعر أمام الموت الفاجع وغير المبرر والقمعي الوحشي، كما وقف أمام التاريخ المزري وحقائقه المخجلة، فلم يجد غير البحث عن مطلقيةٍ تقدم له الجواب الشافي، أو تضع تساؤله ضمن معادلات تستكين النفس إليها. وإذا كان الزمن والتاريخ نهائيين، فإن المطلق يحتويهما ويضعهما في إطارهما الصحيح. والشاعر هنا مدرك لطبيعة حركة الزمن داخل حركة التاريخ، ومدرك لطبيعة حركتهما داخل مطلق آخر، أيضاً، ولهذا فهو يصرخ في آخر بيت من القصيدة بإدراكه هذا بقوله:
"جبروته فوق الذي يغرّهم             جبروتهم في برّهم والأبحرِ"
فقد استعمل كلمة "جبروت" وهي من "الجبار" و"المتجبر" وهي تضاف إلى ما سبق ذكره من "المتكبر" و"المدبر". وعلى ذلك فإن حرف "الراء" المتكرر، تعبير عن إحساسه بمطلقه الذي لا يتأثر بكل ما يجري من أحداث، أي أن الشاعر يحتمي بحرف "الراء" وما يمثله من تداعيات أمام الطغيان والظلم؛ ظلم الزمان وعسف التاريخ. وفي هذا الأمر تأكيد على قوة العاطفة الدينية لدى الشاعر الذي كان يعود إلى القرآن الكريم كلما حلت به مصيبة أو كربة، وفي هذه القصيدة جاءت العودة إلى الله الخالق-المتجبر، فنيةً، ذكيةً وغيرَ مباشرة.
إنّ العالم النفسي للقصيدة واضح جداً، فالمطلق يحاصرنا ويؤطرنا ويجعل من الظلم الأرضي مادة للعقاب في السماء، وأن جبروت أهل السماء سيسحق جبروت أهل الأرض، وأن هؤلاء الشهداء "سرقوا" أو "احتلوا" أو "عانقوا" ساعات ثلاث من عمر "التاريخ" ومن "سجل الزمن". وهي وإن كانت ساعات مهمة في عمر الشعب والقضية، إلا أنها تبقى ساعات ثلاث فقط، في حين يتكون التاريخ من أيام وأشهر وسنين. فالساعة الأولى هي "بكر ساعات ثلاث كلها رمز الحمية"، أما الساعة الثانية، فهي "ساعة الموت المشرف" والساعة الثالثة، هي "رمز الثبات".
الصورة الشعرية هنا لا تجديد فيها أبداً، والمعاني التي ساقها، هنا، مكررة ومستهلكة، وربما جاء استنطاق الساعات بجديدٍ هنا، وهو تقليد لشعراء التيار الرومانسي. إلا أن التجديد يتمثل في تغيير القافية، هرباً من تقاليد البيت في القصيدة الكلاسيكية وانفلاتاً من إسار القصيدة المركزية المكثفة، وفي هذا الجانب يعتبر الشاعر مجدداً من ناحيتي الشكل والأسلوب.
لقد استطاع الشاعر التعبير عن المطلق الذي يؤطر حركتي الزمن والتاريخ، والإرادة البشرية، من خلال الصراخ العالي الفني الذي انتقى له كلمات رفيعة داخل إيقاع موسيقي خطابي. فبحر الكامل ذو الموسيقى الصاخبة والنبرة العالية يناسب حديثاً عن حركتي الزمن والتاريخ.
وتقف الحكمة على جانب مهم من القصيدة. فنحن أمام سجل حافل، ولا بد من وقفات تعيننا على فهم هذا السجل، لذلك فإن الشاعر يقف بعد كل "حركة" ليقرر حكمة هامة، أو "ليبكي" أو "ليرثي"، وكأن هذا صوت "الكورس" الإغريقي القديم الذي يرثي البطل أو يقدم للحدث أو يعلق عليه. والشاعر هنا يقف بعد كل مقولة من مقولات الأيام ليبكي.
وعندما تحدث الشاعر عن "الساعات" واجه الحركة بأشد توتر لها، فانتقلت الساعات من كونها "زماناً" عادياً إلى "زمان" غير عادي، ولجأ إلى بحر الحركة والتوتر والكثافة، فالبحر المتقارب يناسب التوتر والحضور والسخونة.
ولكن، لماذا تكلم الشاعر على لسان "الساعات" وليس على لسان "الإنسان"؟
لقد نظر إلى الزمان، بمجمله، نظرة شمولية داخل المطلق الذي يؤمن به، ولهذا فقد رأى أن الساعات الثلاث جزء صغير من هذا الزمن الممتد المضطرب المحكوم بقوانين الموت.
"والموت في أخذ الكلام ورده  فخذ الحياة عن الطريق الأقصرِ"
وإذا كانت النظرة الشمولية هذه ليست مبتكرة، فإن الشاعر قد وقف أمام الشهادة (التي تعني الموت في النهاية) ووضعها في إطار من القضية الوطنية جعله يستحضر التاريخ والمطلق ليفسر هذه الحدة وعدم المعقولية، فجاءت القصيدة ذات بناء خاص، وموسيقى خاصة، لتصبح معادلاً موضوعياً أو بناءً هندسياً ذا قوانين خاصة تناسب رؤيته لحركتي الزمان والتاريخ والإرادة البشرية المؤطرة، دائماً وأبداً، بالمطلق الإلهي.
الشكل الفني:
بعد الدخول إلى مناخ الثلاثاء الحمراء النفسي، والبحث عن الدافعية الإيمانية (المطلق القادر) فيها، أعود إلى الشكل الفني الذي اختار له الشاعر حروفاً بعينها ليبني من خلالها ما أراد.
تتكون القصيدة (المقدمة) من ثمانية مقاطع، لكل مقطع منها بنية واحدة تمثلها المعادلة (س س س س/ ص ص ص ص/ ر) وبالتالي، فإنها تشكل ثماني وحدات مربوطة معاً، بعنصرين: الأول-البنية المشتركة (المعادلة)، والثاني-الراء التي تشكل دقة تقع في نهاية كل معادلة. وداخل هذه المعادلة تحدث متغيرات، حيث أن (س) و (ص) قابلة لقيم مختلفة تظهر هنا في شكل أحرف مختلفة. وهذه القيم المختلفة يتكون كل منها من مقطعين آخرين تجمع كل واحد منهما قيمة واحدة. المقطع الأول من بيتين على البحر الكامل، والمقطع الثاني من بيت على البحر نفسه.
س س س س (لما تعرض نجمك المنحوس/ وترنحت بعرى الجبال رؤوس/ ناح الأذان وأعول الناقوس، فالليل أكدر والنهار عبوس)- المقطع الأول.
ص ص ص ص  (طفقت تثور عواصف/ وعواطف/ والموت حيناً طائف/ أو خاطف) المقطع الثاني.
وبالتالي فإن كل مقطع يتكون من ثلاث وحدات يساوي س ص ر.
س: عبارة عن أربعة أحرف تساوي قافية واحدة. إذن يوجد في القصيدة ثماني قيم لـِ (س).
ص: لها، أيضاً، ثماني قيم بالطريقة نفسها، بينما لها قيمة واحدة فقط، لأن الحرف هو نفسه.
المقطعان س، ص معاً يشكلان 16 قيمة، أي ستة عشر متغيراً، مما يسمح بإعطاء ديناميكية مكونة من س، ص كوحدة واحدة مضموناً. ولكن كيف تكون العلاقة بين الشكل والمحتوى؟ وكيف تظهر حركة المضمون في وحدة وصراع الشكل والمحتوى الذي يقود إلى التطور الدرامي؟
إن س، ص مختلفان، ولكن هذا الاختلاف يتكرر في طول القصيدة (أي المقاطع الثمانية) بحيث يتكون ثمانية اختلافات، ولكن في الوقت نفسه، هناك ثمانية تشابهات. في داخل كل مقطع يوجد اختلافان وثمانية تشابهات. ولو قارنا هذه الديناميكية (أي وحدة الاختلاف والتشابه) لفوجئنا، بالدرجة الأولى، بثبات الراء، بمعنى آخر، بالصراع داخل س، ص عبر تناقضهما وعبر تشابههما، وفي صراعهما معاً مع الراء، بحيث يبدو، كنتيجة، أن الصراع ينتهي باستمرار بنهاية واحدة هي الراء، وهذه النهاية في أول أربعة مقاطع تُختتم باستمرار بمأساة، مما ينتج في النهاية إحساسا بثورة تنتهي باستمرار بالنتيجة نفسها، التي هي مأساة أو موت.
أما المقاطع المتبقية، فهي أربع نصائح أو حكم، ما ينتج مرة أخرى صراعاً مكثفا بين أول أربعة (راء) وآخر أربعة، حيث أن آخر أربعة (راء) هي عبرة مكثفة من التجربة تستهدف تغيير النتيجة في القسم الأول.
إنّ البنية الداخلية الفيزيائية للمقاطع بنية متحركة تماما بما يسمح بتحرك المحتوى، أي بما يسمح بالتعبير عن تنامي الصراع نفسه ممثلاً بأول أربعة (راء) تنتهي بالمعادلة نفسها، بينما فيها أربع تجارب تاريخية، الأولى "الثلاثاء الحمراء"، والثانية محاكم التفتيش، والثالثة العبودية الرأسمالية، والرابعة جمال باشا السفاح، وتنتهي باستمرار بالمأساة نفسها، ما يعني أن الراء هي تكرار لنتيجة المحتوى، وليست مجرد تكرار لحرف. وعلى ذلك، فإنه بمقدار ما لا تسمح به هذه البنية بعرض الصراع، أي بعرض المحتوى، بمقدار ما يكون هنالك انفصال بين الشكل والمحتوى الفنييّن.
الموسيقى:
بما أن الموسيقى ترتيب معين للأصوات، فإنّ الموسيقى الفيزيائية - التي تسمى أحيانا بالجرس- هي ترتيب معين للأصوات داخل القصيدة. وبما أن الكلمات تتكون من أصوات، فإنها تحمل في داخلها ترتيباً معيناً، والموسيقى الفنية ليست في انعدام الترتيب، لأن الموسيقى السيئة جداً هي، أيضاً، ترتيب، بل في الشكل العيني الملموس لهذا الترتيب ومدى نجاحه، أولا: كموسيقى، بصرف النظر عن المعايير التي تحدد ذلك. وثانياً: كموسيقى تخدم المحتوى، أي أنها موسيقى المحتوى، أو المحتوى الذي صار موسيقى، والموسيقى التي صارت محتوى.
وفي الحالة الأخيرة فقط، بإمكاننا أن نتكلم عن الموسيقى الشعرية، أي عن وحدة الموسيقى، كشكل في المضمون.
إنّ تكرار الأحرف، والواقع الناتج عن هذا التكرار، هو أول مقدمة أو جزء من الموسيقى الكلية، فمثلاً: س هي (كموسيقى وليست كقافية) عبارة عن أربعة أصوات ذات متغير واحد تختتم أربعة مقاطع موسيقية.
والأمر نفسه بالنسبة لـ (ص) و (راء). وكل معادلة هي تكرار للمعادلة الأخرى، ما ينتج، أيضاً، وقعاً معيناً متشابها هو، في نهاية الأمر، تعبير عن وقع المضمون، أي وحدة الحديث.
ومن ناحية أخرى، فإن هذه الأحرف التي تشكل الأصوات محكومة بوقعٍ أساسيٍ آخر هو ترتيب الأصوات الثابتة والمتحركة بنظام معين، يظهر في النهاية كتفعيلة. ووحدة التفعيلات تشكل س، ص، ر. وهذه اكثر بعداً واختفاءً من وقع الأصوات المباشرة ككل (عدد الأحرف العربية وأصواتها) ووحدة التفعيلة تظهر في البيت. والواقع أن المقطع جميعه، مقسم إلى الفقرات التالية:
أولا: س  بيتان على البحر الكامل.
ثانيا: ص         بيتان على البحر الكامل.
وهي تكوّن نصف المقطع، وعلى ذلك فإن نصف الصراع يجري في س.
والمسألة الأكثر دقة هي ص، إذ أنها مقسمة إلى أربعة ص، أي بحجم س، بالرغم من أنها تشكل نصف س، مما يعني حركية موسيقية تضاهي من الناحية الدرامية قوة س مضاعفة ما يسمح رياضياً بالقول: إن ص تربيع يساوي س، مما يظهر كثافة الصراع في ص.
وبعد ذلك مباشرة يأتي الربع الأخير الذي هو في الواقع ثُمن س من ناحية القافية، ولكنه يساوي الربع من ناحية بطء الوقع، ما يعني أننا نصل القمة الدرامية في ص ونهبط (الخاتمة) في راء.
من هنا، يكتسب تحليل ص أهميةً، لأنه تحليل  للقمة الدرامية، فمن ناحية الوقع يساوي سرعة القافية، وبالتالي الموسيقى، لأن التفعيلة تقسم على أساس القافية. مثلاً: في ص نرى الفصل بين بيت واحد (ست تفعيلات) يصل إلى أربع وحدات: تفعيلتان وحدهما تشكلان وحدتين، والبقية وحدتين، ما يزيد، أيضاً، من سرعة الوقع الموسيقي. بهذا الفهم نرى أن سرعة الوقع تصل القمة في ص، وترجع إلى حركة بطيئة جدا في راء.
ولفهم علاقة هذه السرعة بالمحتوى، أشير إلى التناقض الداخلي الأساسي بينهما: ص في المقطع الأول هي:
طفقت تثور عواصف                 وعواطف
والموت حيناً طائف                  أو خاطف
وبالتالي، فجوهرهما هو الموت والغليان، ما يجعل المحتوى يتصاعد مع سرعة الوقع، بحيث نستطيع القول: إن سرعة الموسيقى هي تعبير، أو شكل آخر، عن سرعة الموت والغليان أو الثورة العاطفية، ما يجعل الشحنة العاطفية تسير باتجاهٍ دراميٍ واحدٍ، بينما العكس تماماً يحدث في ص6 وهو:
حمل البريد مفصلاً   ما أجملا
هلا اكتفيت توسلاً  وتسولا
حيث تبدو السخرية في التساؤل، كما يظهر ذلك مثلاً في التسوّل والتوسل، ما يجعل الوقع الموسيقي يزيد من حدة السخرية في الحقيقة، وليس في المأساة، وبهذا تتضح الصلة الداخلية بين الموسيقى والمحتوى.
التجديد والتقليد:
تطرح البنية الفيزيائية للمقدمة من الناحية الفنية سؤالاً حول الإبداع: ما هو التقليد وما هو التجديد في هذه البنية؟
في س يوجد بحر كامل بصدر وعجز ينتهي بـ (س)، وهذه بنية ليست جديدة في تاريخ الأدب العربي الكلاسيكي، والأمر نفسه يقال بالنسبة لتركيبة ص، ر. ولكن التجديد يكمن في ترتيب المعادلة بهذا الشكل وتكرارها ثماني مرات، رغم أن هذا التكرار في بنية فيزيائية محددة، بحد ذاته ليس جديدا، أيضاً، فالجديد إذن هو تكرار البنية الجديدة على وجه التحديد، مما يعني أن البنية الفيزيائية للشكل الفني تشكل طفرة بالنسبة لأشعار طوقان ككل.
الصورة الشعرية:
تدخل الصورة الشعرية ضمن البنية الفيزيائية للشكل الفني باعتباره نقل المحتوى المجرد إلى مستوى المحسوسات، تماماً كما أن قوانين الرياضيات التي تتحكم في دار معينة، تترجم نفسها في نهاية المطاف كصورة معينة للدار.
من الملاحظ أن "الثلاثاء الحمراء" قصيدة ذهنية، بحيث أن أقوى صورة ملموسة فيها هي المقطع الأول، وإن كانت تفتقر إلى حد كبير للّون، بحيث يمكن القول.. إنها صورة بالأبيض والأسود فقط. ولكنها تستعمل الصوت بشكل محسوس، وتحديداً في قوله:
"ناح الأذان وأعول الناقوس"
وهي مستمدة من الأحداث الفعلية(#)، لذلك فإن استعمال الصوت واللون والصورة بهذه الندرة، يلقي بالعبء الأساسي، في التعبير عن المضمون، على البنية الفيزيائية للقصيدة.
في المقطع الأول يبرز الصوت واللون كمكونين مركزيين للصورة الشعرية، أما في المقطع الثاني فإنه يلجأ إلى الصوت والتشخيص، أي تحويل الزمن إلى شخص بإعطائه صفات الإنسان، ولكنه لا يوضح معالم هذا الإنسان، ما يجعل الصورة باهتة غير محددة. في حين يشخّص محمود درويش التاريخ تشخيصاً واضحا، بقوله:
"أرى التاريخ في هيئة شخص   يلعب النرد ويمتص النجوم"(#)
حيث نرى لعبة النرد واليدين والشيخوخة وحركة الفم والنجوم في داخله.
ويبقى الصوت هو الأداة المركزية في شكل حوار بين تشخيصّين ليومين تاريخيين بانعدام الوضوح نفسه. وما يقال عن المقطع الثاني، يصدق على المقطع الثالث مع اختلافات قليلة، لا تسمح بالإحساس بصعودٍ أو هبوطٍ في الصورة. أي أن عدم استعمال هذا الجزء الأساس من البنية الفنية (الصورة) يجعل القصيدة (المقدمة) مقدمةً ذهنيةً. والفكر المجرد، إلى حدٍ معين، هو ما يشكل جوهر الأسلوب الفني في جانبه الشكلي.
الأسلوب الفني:
ليس المقصود بالأسلوب الفني الحرفيات التكنيكية، بل العقائدية التي تحكم العمل الفني ككل. وبهذا الفهم تكون الحرفيات التكنيكية، بما فيها الجزء الفيزيائي من الشكل الفني، محكومة بالأسلوب، والأسلوب بالعقائدية، ما يوصلنا في النتيجة إلى المضمون، وخلال ذلك سوف نرى البنية الاجتماعية للشكل الفني.
تبرز العقائدية بأصفى أشكالها عند إبراهيم طوقان في النبوءة التاريخية التي يتميز بها شعره/ الموقف العدائي الجذري من بريطانيا واليهود والأنظمة العربية والطبقة الحاكمة. ويؤخذ على الشاعر هنا بروز انكسار حاد في زاوية الرؤيا أحياناً، في شعره بشكل عام، فتارة نجد المدائح لذات الفئات الإقطاعية والأنظمة العربية إلى جانب الموقف العدائي الجذري منها(#)، ويمتد هذا الحكم إلى قصائد الرثاء عنده، أيضاً.
وإذا ما قارنا طوقان بعبد الرحيم محمود، فإننا نجد أن الانكسار نفسه موجود في الرؤيا، فمن النبوءة والموقف مع الطبقة العاملة إلى قوله "نجم السعود".. حيث نجد في القصيدة ذاتها التناقض أو الانكسار، ما يسمح بالاستنتاج أن هذا الانكسار كان يشكل في الحقيقة الحدود التاريخية للرؤيا عند الأغلبية الساحقة من الشعب الفلسطيني. لكن إبراهيم طوقان يبصر إلى مسافة أبعد من عبد الرحيم محمود، وذلك يعود إلى تميز إبراهيم ثقافيا وفنياً.
إنّ الرؤيا، أو العقائدية، التي تحكم "الثلاثاء الحمراء" هي العقائدية نفسها التي تحكم البقية من قصائده، ولكن كون عملية الإعدام وارتباطها بالثورة ككل ترتبط بهذا الجانب غير المنكسر من رؤياه، فإنّ ذلك يعطيها صلابة عقائدية مميزة.
من هذا الاستنتاج، ليس عبثا أن الشكل الفني يتميز بالتجديد، جنباً إلى جنب مع التقليد، وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار كون هذه القصيدة تشكل طفرة في شعر إبراهيم طوقان، فإنّ الجانب التقليدي في رؤياه يظهر في تقليدية كبيرة في الأسلوب، وبالمقابل فإن حدة الرؤيا والنبوءة، والجانب الساخر من شعره واستعماله للسخرية الشعبية، تمثل الجانب الأكثر إضاءة في عقائديته. من هنا تنشق الوحدة بين الأسلوب والمضمون وتتباعد. أي أنه إذا كانت لدي مثل هذه القدرة على التنبؤ، فإن صياغتها والتعبير عنها لا يمكن إلا أن يأتي بأسلوب جديد، إلا إذا كان هنالك شرخ في عقائديته ككل، أي أن التناقض في عقائديته يظهر في التناقض في الرؤيا، وبالتالي في الأسلوب.
وفي معظم قصائده، عامة، يبرز الأسلوب المحافظ، بينما هنا في "الثلاثاء الحمراء" تبرز الرؤيا جنباً إلى جنب مع التجديد، والسؤال هو: ما سرّ الإبداع في هذه القصيدة بالذات؟
إذا تأملنا التجديد عنده ككل، فإنه يبرز أساساً في شكل تجديد في الموضوع، من  قصيدة "بيض الحمائم" إلى "الثلاثاء الحمراء" أو "الفدائي" أو "الشهيد" أو "الحبشي الذبيح".. وهذا يتطلب فهم العقائدية بشكل أعمق من مجرد العقائدية السياسية على وجه التحديد، حيث يبرز مثلاً تجديده في المواضيع وكأنه دليل على عقائديةٍ، ليست بالضرورة سياسية في جوهرها لقصيدتي بيض الحمائم، والحبشي الذبيح. من هنا يمكن تقسيم أشعاره جميعها من ناحية العقائدية فيها إلى:
أولاً: العقائدية الدينية.
ثانياً: العقائدية السياسية.
ثالثاً: العقائدية التي تمتد جذورها إلى الجنس، بالمعنى الفرويدي للكلمة.(#)
ولدى محاولة الدارس ربط هذه (العقائديات) في وحدة واحدة، فإنّه يصطدم بالتناقض بين العقائدية الدينية والعقائدية الجنسية، ما يعني أن عمق التناقض في عقائديته السياسية لا ينفصل عن التناقض بين العقائدية الدينية والجنسية، الأمر الذي يحيط المسألة بنوع من التعقيد والتركيب، ويظهرها على أنها ليست مجرد عجز في الرؤيا، وذلك يسمح بتقديم الفرضية التالية:
إنّ الترابط بين الغريزة الجنسية والأخلاق، ليس بحاجة إلى برهان من منطلق التحليل النفسي ولكن، أيضاً، لا يمكن الفصل بين الأخلاق الدينية والموقف الأخلاقي من الجنس.
ونجد في أشعار لم تنشر لإبراهيم طوقان، هوسا جنسياً، مما يعني أن موقفه من الجنس، أخلاقياً، موقفٌ مزدوج؛ فهو من جهة يتكلم بحب وجمالية ورمزية في بيض الحمائم والمكتبة، وبفضائحية كاملة في أشعار أخرى.. وما أريد تأكيده، هنا، هو أن الكبت الجنسي موجود جنباً إلى جنب مع الإباحية، والمحافظة السياسية موجودة إلى جانب المعارضة السياسية. ويبدو أن تغيراً معينا فجائياً (لا واعياً، كما يعبر فرويد) قد أنتج طفرة فنية في لحظة من لحظات الثورة الخاطفة.
في بنية "الثلاثاء الحمراء"، من ناحية الأسلوب، نجد لبرهنة الفرضية السابقة، التناقض التالي:
في المقدمة يوجد تجديد، ولكن في الساعات الثلاث يوجد ارتداد من ناحية الشكل الفني الفيزيائي إلى النمط الكلاسيكي، ونجد، أيضاً، في المقدمة (كمقدمة ذهنية) مستوى فكرياً رفيعاً وجديداً؛ فمن محاكم التفتيش إلى نقل العبيد من أفريقيا إلى جمال باشا السفاح إلى المندوب السامي.. إلى تكتيل الممارسة ونقده لها.. يرتد إلى عاطفية مكررة بحيث أنه، من ناحية المحتوى، يوجد هبوط كامل تقريباً في المستوى الذهني، وتكرار لمحتوى الساعات الثلاث نفسه، حيث أنها من ناحية المستوى الذهني والعاطفة عبارة عن تكرار.
من هنا أرى أن المقدمة وحدها شهدت الطفرة، وليس القصيدة ككل، وبالإضافة إلى ذلك يبدو التكرار للمقاطع في المقدمة وكأنه قد عثر على قالب لم يرد الخروج عنه، أو لم يجسر على ذلك، حيث يمكن القول: إنّ الطفرة الإبداعية تتجسم أساساً في المقطع الأول، ويدعم هذا القول، كون الصورة الوحيدة الواضحة هي في المقطع الأول.
إنّ هناك ثورة عاطفية لا واعية برزت في المقطع الأول، ولم يستطع الشاعر المحافظة عليها إلا بالرجوع إلى التجريد الذهني، أي قتل هذه الثورة وتطوير ذهنية القصيدة. فمن الناحية الفنية أخرج هذا الأمر مقدمة متماسكة، ولكن من ناحية التجديد بدا على أنه نتاج لطفرة أولية.
ولكن، ما طبيعة هذه الطفرة بالتحديد؟
منذ المقطع الأول في (س) نجد صورة النجم وترنح الرؤوس في الحبال، كما نجد فوق ذلك صورة حادة تماماً للموت والقبر، مقابل رجوع إلى التاريخ ومحاكم التفتيش في المقطع الثاني. وأول ما يلفت الانتباه، هو الابتعاد الكامل في طبيعة الدافع (الموت) والتخيل الناتج عنه (محاكم التفتيش). وقد يكون التفسير الأسهل للاختلاف في المقطعين هو التداعي، إذ الشيء بالشيء يذكر. ولكن لو تتبعنا المقاطع الباقية لوجدنا أن هذا التداعي يتحول إلى تثبت عند المقارنة التاريخية، ما يوحي بأن هذا الذهن فقط هو الذي أخذ يقود الآن العملية الإبداعية، في حين أن الموت والإعدام والأجراس هي التي قادت الإبداع في المقطع الأول، وفيما بعد، باتجاه النهاية، يرجع للسخرية والحكمة أو النصيحة التي تدل على شيئين: الأول - أنه قد بدأ في خياله، ينشطر إلى شخصيتين: شخصية تنظر إلى الشعب، وشخصية تنصحه، والثاني- أنه رجع تماما إلى ذاته الساخرة السابقة.. وهذا الانتقال من حالة ذهنية فيها الإحساس الحاد بالموت، إلى حالة فيها التاريخ والشعب والمعلم والساخر- تحمل في داخلها نقلة جوهرية في الوعي. بهذا أستطيع القول: إن هذه النقلة هي التي لم تسمح له بخلق شكل فني جديد للمقاطع الأخرى.
بين الوطني والسياسي:
تضع قصيدة "الثلاثاء الحمراء" الدارس أمام مصطلحي "الشعر السياسي" و"الشعر الوطني" في طريقة لتأطيرها داخل هذين المصطلحين اللذين شاعا في أوساط الدارسين لشعر فترة العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين. وعلى ما يبدو، فإنّ السياسة تختلف عن الوطنية لارتباط الأولى بالأشخاص والأحداث، في حين ترتبط الوطنية بالوطن نفسه الذي هو أشمل وأوسع وأبقى. لذلك أستطيع أن أقرر أن الشاعر إبراهيم طوقان كتب الشعر الوطني، أكثر مما كتب الشعر السياسي إذ "لا خلاف في أن الشعر الوطني غير الشعر السياسي، فبين اللونين فروق وتفاوت، إذ ليس كل سياسي بوطني، ولا جاز الضد، وإنما قد يكون المرء آخذاً منهما أو منفردا بأحدهما"(#).
وإذا كان الشعر الوطني هو شعر سياسي في الوقت نفسه، فإنّ الشعر السياسي ليس وطنيا في معنى من المعاني، بعدما ارتبطت السياسة بالحرفة والمنفعة الخاصة والظهور بمظهر الوجاهة والنفوذ. إنّ الصدق الفني أساس تقييم الشعر الوطني السياسي، وإبراهيم طوقان في وطنياته صادق وطني، لا سياسي مدُّعٍ.
لقد أدرك الشاعر بحسه الصادق وبُعد نظره أهمية النشيد والقصيد في تربية الأجيال والتأثير فيها، "فكان، كلما هزته حادثة وطنية، وضع لها أنشودة حماسية ليتردد صداها في دنيا العرب."(#) وبقدر ما حارب سماسرة الأراضي والمستعمرين والمتاجرين بالقضية، كان شعره مليئاً بالنقمة والمرارة والتهكم على محترفي السياسة ومدعي الوطنية(#).
ويجد الباحث والمؤرخ لقضية فلسطين في شعر إبراهيم طوقان جوانب خفية من الحركة الوطنية الفلسطينية، كما يعثر على وثائق تؤكد دراسته من خلال إشارات دالة في قصائده(#)، وعندما كان الشاعر يلقي قصائده أو يكتبها، لم يكن يهمه أن يتملق الجمهور، أو أن يرضيه على حساب القضية ليكسب شهرة أو مجدا، بقدر ما كان مدفوعاً بإيصال رسالة واضحة ومحددة نابعة من شعور وطني صادق وألم حقيقي لما يجري من أحداث في ساحة الحياة والبلاد. وتوفر قصيدة "الثلاثاء الحمراء" مثالا واضحاً على شاعرية الشاعر التي تفجرت بفعل شعوره الوطني المعهود.
عنوان القصيدة:
لعل عنوان القصيدة (الثلاثاء الحمراء) يغطي، بدايةً، الحدث ويؤرخه ويصفه. والعنوان في حد ذاته أصبح عنوانا لأحداث البراق، فما أن تذكر الثلاثاء الحمراء حتى تحضر في الذاكرة والنفوس أجواء الثورة وإعدام الأبطال وسجن عكا، ويعود ذلك لسببين: أولهما أن القصيدة تناقلتها الأجيال عبر دراستها من خلال المنهاج المدرسي الإلزامي، وثانيهما أن زجلية عوض النابلسي التي مطلعها (يا ليل خلّي الأسير تا يكمل نواحو)(#)، والتي تغنيها فرقة العاشقين الفلسطينية وتستعرض في بداية غنائها قصة استشهاد الأبطال جمجوم وحجازي والزير، ساهمت في تكريس "الثلاثاء الحمراء" كعنوان مضيء كبير، كما عملت على تعميقها، وجعلها لافتة معروفة مثلما أثبتتها كملمح من ملامحنا الوطنية النضالية.
وعنوان القصيدة يعترف باللون كلغة، إذ أن اللون، في حدّ ذاته، لغة قادرة على حمل المدلولات الكافية لإيصال المعنى، فالأخضر يعني الخصب والزرع، والأحمر الدم والعنف. بمعنى أن إبراهيم طوقان من الذين أسسوا لتوظيف اللون كلغة، حتى أصبح الشعراء، يحمّلون اللون معاني ودلالات خاصة بهم، أو مقاربة لما أمست تعنيه في أذهان القراء والمستمعين، مثل "إلى الجحيم أيها الليلك"، أو "زرقة الأحزان" أو "ليل البنفسج"،أو "حليب أسود"، أو غير ذلك.
وعنوان القصيدة أسس، كذلك، لبداية واسعة تفسح المجال لربط أحداث ما بالأيام التي وقعت فيها كالسبت الأحمر، والأحد الأسود، أو حتى بالأشهر كأيلول الأسود وما إلى ذلك. ولعل تراثنا العربي استخدم اللون للدلالة على معانٍ محددة كقولهم (ضحكة صفراء) كما ربطوا الأحداث بالأيام والسنين كقولهم (سنة الثلجة) أو (المجاعة) أو (الطاعون)، ولكن تتجلى قدرة طوقان في التقاط هذه الذرات والمفاهيم من تراثنا، وتوظيفها لتصبح قادرة على تكثيف الأحداث كلها، وتركيزها بكلمتين خالصتين من شوائب الاستهلاك اليومي، ونقلهما من مستوى العادي المتكرر إلى مستوى الجدّة والعذرية(#).
تأثير القصيدة:
حازت "الثلاثاء الحمراء" على شهرة كبيرة وضعتها في مصاف ما أنتجه كبار المبدعين في وقتها، وما زالت قيمتها الفنية والتاريخية مستمرة إلى أيامنا هذه، حتى أنها أصبحت أحد عناوين النضال والتحدي للاستعمار والاحتلال في العالم العربي، وهي تؤرخ، في الوقت ذاته، لثورة البراق التاريخية في السجل الفلسطيني المقاوم، وتلمح إلى نهج الفداء الذي يختطه الثائر الفلسطيني.
لقد فعلت القصيدة فعلها في تثوير الجماهير الفلسطينية وترسيخ وعيها وتأطيره بما احتوته من صدق في التعبير، وسعي فني للتنوير، واستمرار الغضب الثوري، وبثّ الحماس في النفوس. وفي هذا كلّه يتجلى الدور الاجتماعي للفن والقيمة الجمالية والادراكية والتربوية والتوصيلية، إذ "تتطلب معرفة جوهر الفن، أول ما تتطلب، دراسة صلاته بالواقع وبالوعي الاجتماعي والفردي لدى البشر، وتأثير المجتمع في الفن الذي يتم عبر الفنان، وكذلك تأثير الفن في المجتمع الذي يتم من خلال إنجاز الفن لوظيفته. وعبر هذه العملية الأخيرة يتجلى الدور الاجتماعي للفن"(#). إنّ استيعاب علم الجمال يعين البشر على أن يعملوا بوعي على تغيير الطبيعة والمجتمع وفق قوانين الجمال، ويوجّه جهودهم صوب خلق قيم جمالية جديدة".(#)
بهذا الفهم أراد إبراهيم طوقان أن تكون "الثلاثاء الحمراء"، أما القصيدة والواقعية الفعلية، منارة تغيير في المجتمع وللمجتمع. وقد حقق ما أراد من ناحية تحريك الفعل التثويري الغاضب في القارئ والمستمع. والشاعر هنا أراد أن يستحث الإنسان من خلال تصوير بشاعة الظالم، وأبقى على التفاؤل وحارب اليأس مقتدياً بنهج الواقعية التي تهدف "إلى تغليب عامل الخير والثقة بالإنسان وقدرته، وهي وإن كانت تتخذ مضمونها من حياة عامة الشعب ومشاكله، إلا أن روحها متفائلة، تؤمن بإيجابية الإنسان وقدرته على أن يصنع الخير، وأن يضحي في سبيله بكل شيء، في غير يأس ولا تشاؤم ولا مرارة مسرفة."(#). وبناء على هذا، فإن "الثلاثاء الحمراء"، الأنموذج التاريخي والفني، جسّدت العمل الشعري المبدع من خلال صفاتها وأثرها في الناس "فالعمل الشعري الجيد المبدع، هو الحلم، وهو رؤية المستقبل في تماس مع الحياة، تتجاوز الماضي والحاضر لمهمة إنسانية"(#).
وعندما كان إبراهيم طوقان يلقي قصائده الوطنية، و"الثلاثاء الحمراء" بالتحديد، كان يحدث أثراً تثويرياً وتغييرياً في جمهور مستمعيه، "إن التأثير المتبادل بين الأديب وجمهوره قادر على تغيير الأديب وجمهوره معاً، إذ يبعث في الأديب حياة وينشر بين الجمهور وجداناً ومناخاً يمكّن من الوصول إلى منابع التغيير الأول.(#)
لقد كان إبراهيم طوقان أديباً حقيقياً صادقاً يتلمس القضايا الملتهبة ويثبتها في ديوانه الشعري، بصياغة فنية متمردة، "إن الأديب الحقيقي هو الذي يشعر بمسؤولية تجاه أحداث زمانه، في وطنه، وفي العالم، إذ أن هذين المفهومين مترابطان لا غنى للواحد منهما عن الآخر، وقديماً قال أرسطو:: "إني أثيني، ولكن وطني هو العالم"(#).
إنّ ثقافة الشاعر وعمق إحساسه وانتمائه الوطني قد صاغت تفجره الشعري بقالب مغاير لم يرمّز فيه، ولم يكن غامضاً، بل صادقاً واضحاً استحضر العذابات الإنسانية وجمعها في بوتقة واحدة وأبقاها في النهاية عاجزة عن تجاوز الكلمات ودلالاتها، وصعّد من حدة تأثيرها من خلال ربط الظلم في عدة مواقع، معاً. "إن الرمزية في الأدب يقابلها الاستعمار في السياسة، والتصالح الطبقي في المجتمع. ولهذا فإن كل رمزية ضبابية في العالم الثالث (الذي ينبغي أن تتفجر فيه التناحرات على أشدها) مدانة سلفاً، ومحكوم عليها بأنها تفرغ الأدب من فعاليته التثويرية."(#). وهي تبعد الأدب عن كونه أداة مقاومة، واحتجاجاً وتوعيةً، لتحيله إلى ألفاظ غامضة بعيدة عن ذوق القارئ أو المستمع، وغير مؤثرة في وجدانه وأحاسيسه، وتحوّل الشعر من فن للعامة إلى شعر للنخبة. والشعر العربي في العقود الأولى من القرن العشرين لم يعرف مثل هذا الغموض ولا هذا التبعثر، مع أن تلك المرحلة كانت مرحلة انتقال وتحول(#).
وعليه، فإن "الثلاثاء الحمراء" قصيدة تمارس تأثيرها في شتى العصور، لأنها من الآثار الفنية الأصيلة الباقية(#)، والتي تخطت وقتها لتمارس في الأجيال اللاحقة وتسم المراحل اللاحقة بميسمها الثوري العالي المجيد.
روافد القصيدة:
يقول الشاعر مُريد البرغوثي:"إن العمل الفني عموماً هو تلك القدرة على تحويل الواقع إلى فن"(#)، الواقع خليط من المعطيات والإحداثيات والإرث وتراكماته ومتعلقاته. وقصيدة "الثلاثاء الحمراء" كعملية إبداعية استمدت خصائصها مما يتمتع به المبدع من استعدادات(#)، واستعدادات إبراهيم طوقان ومكوناته الثقافية عالية غنية، وذلك يظهر جلياً من خلال توظيفه لعدد من المقولات الشعبية والثقافية والدينية، الأمر الذي جعل القصيدة توفر ميداناً نموذجياً لإبداع طوقان، تمكّن الدارس من أن يضع يده على الأبعاد التي تشابكت واندمجت في شخصية الشاعر التي أفرزت هذه القصيدة.
وفي القصيدة، ثمة أبعاد متنوعة اندمجت معاً، أستطيع تصنيفها على النحو التالي، ضمن الإطار العام الذي طغى على "الثلاثاء الحمراء":
الأبعاد التاريخية:وتمثلت من خلال الإشارة الصريحة إلى: محاكم التفتيش، بيع العبيد، مذابح عاليه وجمال باشا السفاح. هذه الأبعاد هي أحداث تاريخية حقيقية تشكل معادلاً موضوعياً لشنق الأبطال، وتصوّر القمع والذبح والقتل على مدار التاريخ.
الأبعاد الدينية: وتمثلت من خلال الإشارة الواضحة إلى : يوم المحشر، الجنّة، الملك القدير، الآذان، الناقوس، الشهيد، الإله، والعفو والغفران. وهذه الأبعاد نجدها نصاً في القرآن الكريم ضمن سياق آياته البيّنات.
الأبعاد الشعبية: والمستمدة من الحياة اليومية، وهي من المميزات التي تفرّد بها شاعرنا عامة، وتمثلت هذه الأبعاد من خلال ذكره لموتيفات يومية منها: عاشت جلالته، وعاش سموّه، أنا ساعة القلب الكبير، الفضل لي بالأسبقية، صغارك الأشبال تبكي الليث، وأتى الرجاء، قلوبهم فتقطعا، صمّ الصخور، الموت في أخذ الكلام ورده. ولعل مصدر هذه الموتيفات، نجده في أحاديثنا اليومية العادية للتدليل بها.. أو للتوضيح أو للاختصار والتكثيف، وأعتقد أن هذه الأبعاد قد جاءت ضمن إطار عام للقصيدة ليخدم السخرية والحكمة الباديتين في "الثلاثاء الحمراء". وتوظيف التراث والتاريخ والموروث الشعبي، عدا عن أنه يغني القصيدة، فإنه كذلك، يبرز قدرة الشاعر على ضخّ هذا الموروث في جسد القصيدة دون أن يظهر، وكأن هذا الموروث أو الموتيفات قد أقحمت في القصيدة، أو تظهر وكأن القصيدة مرصعة بهذه الأبعاد عمداً وبقصدٍ مقصود حيث.. أن الفرد المبدع لا يختلف كيفاً عن عامة البشر، إلا أنه يتميّز بالجمع بين كل هذه القدرات في وقت واحد وبدرجة عالية"(#). بمعنى أننا لو لم نمعن النظر في تفاصيل القصيدة لما تبيّنا من وجود هذا الموروث وتلك الموتيفات، لأنها مندغمة في القصيدة، ومتماهية في روحها وجسدها، الأمر الذي حقق لهذه القصيدة جماليتها مثلما أكد دورها التثويري، لأن "العمل الشعري الذي لا جمال فيه لا ثورة فيه"(#).
قصيدة جديدة في شكلها ونهجها:
والقصيدة، لأهميتها البالغة، شكلاً ومضموناً، قد تناولها غير دارس لأشعار إبراهيم، أو للشعر الفلسطيني، ولعل ما قاله الأستاذ الجليل إحسان عباس، الذي رأى القصيدة تؤصل للشعر الفلسطيني، وتفتح الآفاق أمامه، خير ما ننهي به هذا الباب: "يمكن أن يعد عام 1930 بداية الشعر الفلسطيني الحديث، في الشكل والمضمون. ففي ذلك العام شنق الشهداء الثلاثة فؤاد حجازي ومحمد جمجوم وعطا الزير. ونظم إبراهيم طوقان قصيدته "الثلاثاء الحمراء" في تخليد بطولاتهم، فجاءت قصيدة جديدة في شكلها الفني ونهجها. صحيح أنها في الشكل الخارجي تشبه الموشح، ولكنها موشح بالغ الدقة والتعقيد في دوراته، أما التجديد الكلّي فيها فهو ذلك التدرج الدرامي في حركة الأيام التي نطقت عن نفسها مشبهةً ذلك اليوم المهول – يوم إعدام الشهداء الثلاثة- والتدرج الدرامي في حركة الساعات الثلاث التي اختصت كل ساعة منها بالحديث عن مميزات كل شهيد منهم؛ ففي المراوحة بين الأيام الثلاثة والساعات الثلاث، وفي النقلة من نطاق الموشح في حديث الأيام إلى التباري الخطابي في حديث الساعات، كان إبراهيم يضع نواة مهمة في تطوير الشعر الفلسطيني"
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالأحد 16 أغسطس 2020, 10:57 pm

كيف شكلت “ثورة البراق” الوعي العربي والفلسطيني؟
يؤرخ لـ”ثورة البراق” عام 1929 بوصفها أول ثورة شعبية كبرى ضد المشروع الصهيوني في فلسطين، رغم أنه سبقتها عدة انتفاضات ومظاهرات وحركات شعبية ضد الاحتلال البريطاني والوجود الصهيوني، لكن “ثورة البراق” كانت محطة هامة في تشكيل الوعي الفلسطيني والعربي بخطورة المخططات الصهيونية، وبدور سلطات الانتداب البريطاني في تهويد فلسطين، وفي بناء الهوية الوطنية الفلسطينية. 

يعتبر المسلمون حائط البراق وقفا إسلاميا، وهم يحتفظون بصكوك ووثائق تخولهم حق إدارة المكان، والبراق هو جزء من الحائط الغربي للحرم القدسي الشريف. ويعتقد أنه المكان الذي ركن إليه النبي محمد صل الله عليه وسلم البراق المجنح الذي حمله من مرقده في رحلة الإسراء والمعراج مرورا ببيت المقدس. 

ويشكل حائط البراق الجزء الجنوبي من السور الغربي للحرم القدسي الشريف بطول حوالي 47 مترا وارتفاع حوالي 17 مترا، ولم يتخذه اليهود مكانا للعبادة في أي وقت من الأوقات إلا بعد صدور “وعد بلفور” عام 1917، ولم يكن هذا الحائط جزءا من “الهيكل اليهودي” المزعوم، ولكن التسامح الإسلامي هو الذي مكن اليهود من الوقوف أمامه، والبكاء على زواله، وزوال “الدولة اليهودية” قصيرة الأجل في العصور الغابرة. 

وإبان الحكم العثماني، سمح لليهود بإقامة طقوسهم قبالة الحائط. وجرى اتفاق غير مكتوب بين إدارة الوقف الإسلامي واليهود على ألا يقيم اليهود أي بناء بالقرب من الحائط أو يضعوا أي شيء في باحته، الأمر الذي استمر عدة سنوات. 

حافظت سلطات “الانتداب” البريطاني، التي ورثت إدارة فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى على الحالة القائمة في الأماكن المقدسة إلا أن اليهود أخذوا ومنذ انحسار حكم السلطة العثمانية، يقومون بمحاولات ترمي إلى تغيير الوضع القائم للأماكن المقدسة وكان مسعاهم في ذلك يهدف إلى تحقيق سيطرة يهودية على الحرم القدسي الشريف. 

في 15 أب / أغسطس عام 1929، الذي وافق احتفالات المسلمين بالمولد النبوي الشريف نظمت حركة “بيتار” الصهيونية اليمينية تظاهرة في ذكرى ما يسمونه “خراب الهيكل” التي احتشدت فيها أعداد كبيرة من اليهود في القدس، يصيحون “الحائط لنا” وينشدون نشيد الحركة الصهيونية. وفي اليوم التالي رد العرب والفلسطينيون بتنظيم مظاهرة مضادة من المسجد الأقصى واتجهوا إلى حائط البراق، وهناك استمعوا إلى خطبة من الشيخ حسن أبو السعود، تبين الأخطار التي تتهدد المقدسات الإسلامية. 

وازداد التوتر في القدس حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بين الجانبين. 

ثورة البراق الملف كامل P_1689lra081

وتوسعت دائرة الصدامات لتشمل مدن فلسطينية أخرى، وامتدت من الخليل وبئر السبع جنوبا حتى صفد شمالا، وبعد أيام هزت فلسطين أخذت الأحوال تتجه نحو الهدوء، وأسفرت أحداث “ثورة البراق” عن سقوط 133 قتيلا يهوديا و339 جريحا، فيما بلغ عدد الشهداء العرب 116 وعدد الجرحى 232 ، وذلك حسب تقرير “لجنة شو” التي اعترفت بأن معظم إصابات العرب كانت على أيدي القوات البريطانية. 

واعتقلت سلطات “الانتداب” البريطاني نحو 900 فلسطيني وزجت بهم في السجون وأصدرت المحاكم البريطانية في فلسطين أحكاما بالإعدام على عشرين عربيا تحول الحكم فيما بعد إلى السجن المؤبد باستثناء ثلاثة هم :عطا الزير ومحمد جمجوم وفؤاد حجازي الذين واجهوا الشنق في سجن عكا المعروف باسم (القلعة) يوم 17 حزيران/يونيو عام 1930 بشجاعة خلدها الشاعر إبراهيم طوقان في رائعته الشعرية “الثلاثاء الحمراء” وخلدوا أيضا في القصيدة المغناة “من سجن عكا طلعت جنازة”. أما اليهود فقد حكم على واحد منهم فقط بالإعدام ثم خفض إلى عشرة أعوام وأطلق سراحه بعد فترة قصيرة. 

وفرضت على بعض المدن العربية غرامات باهظة تمت جبايتها بشتى أنواع الإرهاب والتعسف وذلك تطبيقا لقانون العقوبات الجماعية، وبدا وكأن هذا القانون قد صمم للتطبيق على العرب فقط. 

وكانت سلطات “الانتداب” البريطاني قد احتكمت إلى “عصبة الأمم” (الأمم المتحدة) بناء على توصية “لجنة شو” التي شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في الأحداث، وألفت لجنة من ثلاثة أشخاص غير بريطانيين، وكانت اللجنة برئاسة وزير خارجية السويد الأسبق أليل ولفغرن وعضوية نائب رئيس محكمة العدل الدولية الأسبق السويسري تشارلز بارد، وبعد تحقيق قامت به اللجنة، وضعت تقريرا عام 1930، قدمته إلى “عصبة الأمم” أيدت فيه حق المسلمين الذي لا شبهة فيه بملكية حائط البراق. وأقرت اللجنة أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي باعتباره جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، كما تعود للمسلمين ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط. 

كما أقرت اللجنة أنه لا يجوز لليهود جلب أية أدوات عبادة أو وضع مقاعد أو سجاد أو كراسي أو ستائر أو حواجز أو أية خيمة جوار الحائط لأنه ملكا للمسلمين. 

لقد شكلت أحداث “ثورة البراق” تحولا في العلاقات العربية البريطانية في فلسطين، ففي الوقت الذي اتجهت فيه احتجاجات سكان فلسطين العرب نحو الوجود اليهودي ونزعته التوسعية بالتحديد متفادية الاصطدام بالقوات البريطانية، سقط هؤلاء السكان ضحايا برصاص الاحتلال البريطاني الذي كان يشكل حماية منيعة لليهود. 

 كما شكلت الثورة نقطة تحول في سلوك حكومة الانتداب إزاء العرب، وبات العداء صريحا يتجلى في ممارسات القمع الموجهة ضد العرب تحديدا على الرغم من أن تقرير “لجنة شو” عزا أسباب الإضرابات إلى خيبة أماني العرب السياسية والوطنية وخوفهم على مستقبلهم الاقتصادي وخشيتهم من سيطرة اليهود السياسية بسبب الهجرة اليهودية المتزايدة.  

لقد تحول الحكم بإعدام الشبان الثلاثة في سجن عكا إلى جزء من ذاكرة الشعب الفلسطيني ونضاله، وسيتم استحضارهم في كل حدث ومناسبة، ولا يزال حتى اليوم بعد عشرات السنين من إعدامهم يذكرون كل عام ولا يزال معظم الفلسطينيين يحفظون عن ظهر قلب قصيدة “من سجن عكا طلعت جنازة” التي كتبها الشاعر نوح إبراهيم لتصير حكايتهم كأنها قصة ملحمية بنظر الكثيرين. 

وكان من أثار هذه الثورة أنها شهدت ظهور العلم الفلسطيني حيث اقترحت صحيفة “فلسطين” بضرورة اتخاذ علم مقترحة علمين ومطالبة أيضا بنشيد وطني وهو ما سيفتح باب النقاش بعدها والذي سيفضي لاحقا لتصميم العلم الفلسطيني وإلى خطوات أخرى في الهوية الوطنية الفلسطينية. 

ثورة البراق الملف كامل P_16894v9yr2
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75848
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

ثورة البراق الملف كامل Empty
مُساهمةموضوع: رد: ثورة البراق الملف كامل   ثورة البراق الملف كامل Emptyالثلاثاء 10 أغسطس 2021, 9:31 am

كيف ارتبطت ثورة البراق بشهداء “الثلاثاء الحمراء”؟

كانت واحدة من الثورات الفلسطينية التي ربطت بشكل غير مباشر بأحد رموز الشجاعة والإقدام والتضحية في تاريخ الشعب الفلسطيني وهي إعدام أبطال سجن عكا أو “الثلاثاء الحمراء”. 

قصة “ثورة البراق”، وقصة الأبطال الثلاثة تيسران في نفس الخط. فقد ادلعت “ثورة البراق”، عندما نظم المهاجرون اليهود مظاهرة ضخمة عام 1929 بمناسبة ما أسموها “ذكرى تدمير هيكل سليمان” أتبعوها في اليوم التالي بمظاهرة كبيرة في شوارع القدس لم يسبق لها مثيل حتى وصلوا إلى حائط البراق، وهناك راحوا يرددون “النشيد القومي الصهيوني”، بتزامن مع شتم المسلمين. 

وكان اليوم التالي هو يوم الجمعة الذي صادف ذكرى المولد النبوي الشريف، فتوافد المسلمون ومن ضمنهم محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير للدفاع عن حائط البراق الذي كان في نية اليهود الاستيلاء عليه، ووقعت صدامات عنيفة بين الطرفين. 

لم تقف بريطانيا الدولة “المنتدبة” على فلسطين موقف المتفرج فعمدت إلى البطش بالمتظاهرين العرب فاعتقلت 900 فلسطيني ممن شاركوا في الدفاع عن حائط البراق وحكمت على 24 منهم بالإعدام لكنها خففت العقوبة إلى السجن المؤبد عنهم مع إبقاء عقوبة الإعدام بحق محمد جمجوم وفؤاد حجازي وعطا الزير. 

وكانت حصيلة أحداث ثورة البراق التي امتدت من الخليل وبئر السبع جنوبا حتى صفد شمالا 116 شهيدا فلسطينيا و133 قتيلا يهوديا، 232 جريحا فلسطينيا و339 جريحا يهوديا. 

كان من بين نتائج ثورة البراق الاحتكام إلى عصبة الأمم (اسم الأمم المتحدة وقتها) بناء على توصية “لجنة شو” اللجنة التي شكلتها الحكومة البريطانية للتحقيق في الأحداث، والتي حددت الفرقاء الثلاثة: الحكومة والعرب واليهود. وتشكلت اللجنة من ثلاث شخصيات غير بريطانيين خبراء في القانون، وهم: اليل لوفغرن، شارلس بارد، وس. فان كمبن. 

أقرت اللجنة أن للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي باعتباره جزءا لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، كما تعود للمسلمين ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط. 

كما أقرت اللجنة بأنه لا يجوز لليهود جلب أي أدوات عبادة أو وضع مقاعد أو سجاد أو كراس أو ستائر أو حواجز أو أية خيمة جوار الحائط لأنه ملك للمسلمين، بحسب تقرير اللجنة المقدم لـ”عصبة الأمم” عام 1930. 

وأعدم الأبطال الثلاثة الذين كانوا يتسابقون من يكون الأول بإعدامه، وكل واحد يدفع بالأخر بعيدا ليسبقه إلى الشهادة وتقديما لنفسه فداء لرفيقه في هذه الذكرى المزدوجة التي تتزامن هذه الأيام
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
ثورة البراق الملف كامل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» من ثورة البراق 1929 وحتى ثورة الأقصى 2021
» ثورة 1929 (البراق)
»  “مصعد البراق”.. مشروع تهويدي لخنق الأقصى وربط حارة الشرف بساحة البراق
» الملف النووي الجزائري
»  آخر تطورات الملف النووي الإيراني

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: تاريخ وحضارة-
انتقل الى: