صرعة جديدة يتباهى بتعاطيها شباب بعمر الزهور في الحدائق العامة والسيارات
‘‘الفايب‘‘ تقليعة تدخين قاتلة تتحدى قانون الصحة العامة ورقابة الأهل
أرجيلة إلكترونية باتت تغزو أوساطا شبابية في الأردن رغم خطورتها على الصحة
تحقيق: منى أبوحمور
عمان- "سهولة حملها وصغر حجمها" شجع "هبة" ذات السبعة عشر ربيعا على أن تبتاع الأرجيلة الإلكترونية "الفايب" بحثا عن "الكيف"، دون إدراك لخطورة سمومها على صحتها، عدا عن احتمالات تشوه معالم وجهها الطفولي في حال انفجرت بطارية هذه الارجيلة.
بدأت هبة (اسم مستعار)، طالبة الثانوية العامة رحلتها في "عالم إدمان الارجيلة " منذ العام الماضي، بعد أول تجربة لها في عيد ميلاد صديقتها، لكن صغر حجم هذه الأرجيلة الذي يتيح إخفاءها عن أعين أهلها الذين يرفضون حتى فكرة تدخين الأرجيلة العادية، زيّن لها اقتناءها وشراءها وتكرار تجربتها.
هبة وصديقاتها من بين مئات الشباب الذين دفعهم الهوس لتجربة شيء جديد في عالم الإدمان اسمه "الأرجيلة الإلكترونية"، يتحكمون بواسطة "فولت" بنسبة سائل النيكوتين فيها وانبعاثات أبخرتها السامة.
ظاهرات تدخين مبتكرة باتت تغزو عالم الشباب وتنتشر في الأسواق في ظل عدم وجود عقوبات رادعة ومخالفات قانونية مغلظة تمنع مروجي التبغ من التلاعب بصحة الشباب وأرواحهم، بحسب متخصصين في علاج الإدمان من التدخين ومكافحة التبغ.
فيما تساهم في ذلك أساليب تجار التبغ و"تضليلهم" للشباب بأن السيجارة والأرجيلة الإلكترونية خالية من النيكوتين وأقل ضررا من الأرجيلة التقليدية وتمنحهم مساحة للتجربة بموازاة عدم التأكد من صحة هذه الادعاءات، كما يقول هؤلاء الخبراء.
لكن خيال مصدري الأفكار الغريبة لم يقتصر على التبغ بالسيجارة الإلكترونية التي أغرقت الأسواق، فابتكروا الأرجيلة الإلكترونية التي تحتوي على النيكوتين السائل التي يعتبرها اختصاصيون وخبراء في مكافحة التدخين "مواد سامة تحتوي مركبات كيميائية وتسبب حساسية في الجهاز التنفسي وقصورا في وظائف الرئة والكلى، لاحتوائها على عنصري جليكول البروبيلين والجليسرول وبنسب عالية".
محلات تبغ تتحايل على الجمارك
ورغم تأكيد الجهات الرسمية الرقابية "عدم وجود أراجيل إلكترونية في محلات البيع المخصصة بالتدخين، ومنع دخولها"، إلا أنها باتت ظاهرة تنتشر في محلات بيع الأراجيل بخاصة في مناطق عمان الغربية، وهو ما أظهرته جولة ميدانية لـ "الغد" قامت بها معدة التحقيق.
ويلجأ أغلب محلات بيع "الأرجيلة الإلكترونية" إلى التحايل على الجهات المعنية لإدخالها للسوق الأردني تحت بند "استعمال شخصي"، فيما يستغل الشباب ضعف الرقابة الأسرية عليهم، وجهلهم بتفاصيل "التقليعة الشبابية الجديدة" المسماة بـ "الاراجيل الإلكترونية".
ورغم ارتفاع أسعار الأرجيلة الإلكترونية والتي تتراوح بين 120-180 دينارا للعبوة الأصلية، و 70 للعبوة المقلدة، إلا أن الكثير من الشباب تمكنوا من الحصول عليها من خلال توفير وادخار مصروفهم الشخصي، في حين حصل عليها آخرون كهدية في مناسبات اجتماعية مختلفة.
العشريني مصعب جابر أشار إلى انتشار ظاهرة الأراجيل الإلكترونية "الفايب" بين الشباب والبنات، خاصة أقرانه، غير انه لم يدرك انها تتحول مع الاستعمال المتكرر إلى "مفتاح لتدمير الصحة وانسداد الشرايين".
في حين كانت صدمة الأربعيني (حاتم) كبيرة عندما رأى مجموعة من الأولاد لا تتجاوز أعمارهم الثامنة عشرة يدخنون "الفايب" بطريقة جنونية في سيارته (التاكسي)، قائلا "كدت أختنق من بخار الدخان الكثيف والرائحة الكريهة التي كانت تنبعث من الأرجيلة، غير مكترثين بما يدور حولهم".
بيد أن تجربة الثلاثيني محمد سالم (اسم مستعار) السيئة مع الأرجيلة الإلكترونية كادت أن تودي بحياته، قائلا لـ "الغد"، "لم أكن أعرف ما هي واستخدمتها من باب الفضول بعد أن أحضرها صديقي من دبي.. فمن السحبة الأولى أصبت بصداع شديد وألم حاد بالحنجرة والصدر وكدت افقد وعيي".
مواد كيميائية مسرطنة
في مركز الحسين للسرطان تشير مسؤولة التغذية والتثقيف الصحي روان شهاب في حديثها إلى "الخطر الصحي الكبير الذي تتسبب به الأرجيلة الإلكترونية بمختلف أشكالها على الإنسان، والمضاعفات التي تصيب رئة مستخدميها، لاحتوائها على مواد كيميائية سامة وارتفاع نسبة النيكوتين فيها"، مشيرة إلى "خطورتها على المصابين بأمراض القلب، أو ارتفاع ضغط الدم، أو السكري، أو الحساسية، أو من يتناول علاجا للاكتئاب أو الربو".
وأكدت شهاب ضرورة التصدي لادعاءات تجار التبغ بعدم احتواء هذه المنتجات على النيكوتين أو وجوده بنسبة قليلة جدا وأنها غير ضارة مقارنة مع السيجارة العادية، موضحة أن "التدخين ليس حقا ولا حرية شخصية وإنما هو سمّ سرطاني شرس يصيب اغلب اعضاء الجسم وموت بطيء، إضافة الى مخالفته لقانون الصحة العامة".
مؤسسة الغذاء الأميركية وعبر موقعها، تحذر هي الأخرى من "خطورة استخدام منتجات التبغ الإلكترونية واحتمالات انفجار البطارية التي قد تلحق حروقا كيميائية".
ويشير قانون الصحة العامة وتعديلاته الجديدة التي صدرت في الأول من أيار (مايو) الماضي إلى منع استخدام جميع أنواع مقلدات التبغ بما فيها السيجارة الإلكترونية، فضلا عن منعه إدخال الأجهزة التي قد تستخدم في التدخين، وهو ما ينطبق على الأرجيلة الإلكترونية وفق المادة 54 من قانون الصحة العامة.
وتنص بطاقة البيان المرفقة مع "الفايب" على منع استخدامها من قبل الحوامل والمصابين بأمراض القلب.
"القانون يمنع دخول الأراجيل الإلكترونية وتداولها، إلا أنه يسمح بدخولها كاستخدام شخصي"، تقول مديرة التوعية والرعاية الصحية في وزارة الصحة د. فاطمة خليفة التي أكدت "أن ما يتوفر في الأسواق الأردنية من هذه الأراجيل دخل بصورة غير شرعية".
لكن خليفة تشير إلى "عدم مسؤولية وزارة الصحة عن مصادرة هذه المواد المخالفة إذ تكتفي بإرسال بلاغ رسمي للجهة المعنية والمتمثلة بدائرة الجمارك العامة"، موضحة أن "دور ضباط الارتباط في الوزارة يقتصر على ضبط المحلات المخالفة والتحفظ على المادة وتبليغ الجهات المسؤولة فقط".
وبالرغم من ارتفاع أسعار الأرجيلة الإلكترونية، إلا أن انتشار استخدامها لم يقتصر على الشباب فوق سن 21 عاما، وإنما تنتشر ايضا بين طلاب المدارس بشكل عشوائي بعيدا عن أعين الرقابة.
أراجيل "شبابية" في الأماكن العامة
وحسب رصد "الغد" لظاهرة انتشار التدخين بمختلف أشكاله في الأماكن العامة، تجد في حدائق الحسين بعمان، عددا من الشباب يستعرضون بأرجيلتهم الصغيرة المشتعلة، إلا أن بعضهم يتوارى عن الانظار خشية منعه من حراس أمن الحديقة.
الشاب خالد (اسم مستعار- 17 عاما) لا يشعر بالحرج من إظهار أرجيلته الإلكترونية أمام المتنزهين وهو يتجول في جميع أنحاء الحديقة على زلاجته، متفاخرا بما يقوم به أمام أقرانه من الشباب والبنات.
"شكلها جميل ومقبول وليست مرفوضة من الناس كالسيجارة العادية"، يقول خالد لـ "الغد"، والذي حصل على "الفايب" من أحد المحلات المجاورة لمنزله، مضيفا "عندما قمت بتدخينها للمرة الأولى شعرت بضيق نفس وصداع شديد فضلا عن رائحتها المزعجة المنبعثة عند احتراق المعسل السائل الذي ينتشر في المكان".
أما الشاب (ليث) وشقيقتاه (دالي وساره) فلم يترددوا في نشر صورهم عبر شبكات التواصل الاجتماعي وهم يشعلون أرجيلتهم الصغيرة اثناء تواجدهم مع اسرتهم في متنزه عمان القومي، فيما يجد مراهقون آخرون متعتهم بتدخين (الفايب) على شاطى البحر الميت العام بعيدا عن أعين الرقابة.
وينص قانون الصحة العامة على الحبس لمدة لا تقل عن أسبوع ولا تزيد على شهر او بغرامة لا تقل عن 15 دينارا ولا تزيد على 25 دينارا لكل من يمارس التدخين في الأماكن العامة، ورغم الجهود المبذولة من قبل الجهات الحكومية والخاصة بكبح جماح انتشار التبغ في الاماكن العامة، إلا ان "القوانين والتشريعات ماتزال دون مستوى الطموح" وفق خبراء، مشيرين إلى تزايد انتشار التدخين بين اليافعين (13 - 15 عاما).
فقد أظهرت دراسات صادرة عن مؤسسة ومركز الحسين للسرطان أن 44.50 % من الذكور و 22.2 من الإناث يتعاطون أحد أشكال التبغ في حين ارتفعت نسبة مدخني الأرجيلة بين الذكور إلى 27 % ووصلت نسبة انتشارها بين الإناث الى 16 %".
""أرجيلتك جوا سيارتك"
ومن الأساليب المبتكرة لتشجيع الشباب على التدخين، لجأت بعض المقاهي بمنح مزيد من الخصوصية للشباب والفتيات، وذلك بإرسال الأرجيلة للسيارة مشتعلة دون أن يضطر الشباب للدخول إلى المقهى وهو ما يقوم به الثلاثيني (رائد) بحثا عن الهدوء والاستقلالية.
"أرجيلتك جوا سيارتك".. إعلان لفت انتباه العشرينية علا رياض التي ذهبت برفقة صديقاتها إلى أحد المقاهي في عمان لتدخين الأرجيلة داخل سيارتها، وهو ما شجعها على الاستمرار بهذه العادة "الضارة".
وتمنح "أرجيلة السيارة" الفتيات فرصة الحصول على "نفس"، بعيدا عن الرقابة الرسمية والمجتمعية خصوصا وأن بعضهن لم يكملن الثامنة عشرة من عمرهن كواحدة من "الصرعات الشبابية" الجديدة طرحها تجار التبغ للتشجيع على التدخين في كافة الأماكن ومختلف الأوقات، حيث يضعها المدخن في المكان المخصص للكوب بالسيارة، دونما اكتراث لحدوث حوادث قاتلة.
الناطق الإعلامي باسم وزارة الصحة حاتم الأزرعي يوضح أن "مخاطر الأرجيلة والسيجارة الإلكترونية تكمن في إمكانية تناقلها بين أكثر من مدخن، ما يجعلها أداة لنقل عدد من الالتهابات البكتيرية والفيروسية، وهي شديدة الإدمانية ويصعب التخلص منها".
وتعتبر الأرجيلة الإلكترونية مثلها مثل السيجارة الإلكترونية، "أشد من الإدمان على السيجارة العادية، وتدفع الشباب والقاصرين لسلوك طريق ادمان المخدرات"، بحسب الأزرعي.
وكانت منظمة الصحة العالمية عممت تحذيرا على جميع أعضائها في الشرق المتوسط وإفريقيا مؤخرا، من استخدام الأرجيلة الإلكترونية وانعكاساتها السلبية على صحة الإنسان والتي لا تقل خطورة عن السجائر التقليدية.
الثلاثيني (حيدر إسماعيل) توجه إلى أحد محلات إكسسوات السيارات في منطقة البيادر لتثبيت أرجيلة داخل السيارة تمكنه من استخدامها في الوقت الذي يرغب فيه، رغم مخاطر حجب الرؤية أثناء القيادة من شدة الدخان المنبعث.
مسؤولة التغذية والتثقيف الصحي بمركز الحسين للسرطان روان شهاب تحذر من "خطورة التدخين القسري وأثره السلبي في الأماكن المغلقة، حيث تبقى ترسبات الدخان الكيميائية والسامة لفترات طويلة على اسطح السيارة لفترات طويلة ما يؤثر على كل من يركبها من الأطفال والكبار".
القانون لا يمنع الارجيلة بالسيارة
من جهتها تشير اختصاصية علاج الإدمان على التبغ، خبيرة مكافحة التدخين د. هبة سالم أيوب الى "عدم وجود قانون يمنع استخدام الأرجيلة داخل السيارة حتى وإن كان المدخن قاصرا"، ومع ذلك"، توضح أن المراقب الصحي أو المفتش على التدخين "غير مخول بمخالفة الشخص المدخن داخل السيارة، إضافة الى صعوبة الرقابة عليها، وهو ما ينطبق أيضا على الأرجيلة والسيجارة الإلكترونية".
وتعتبر أيوب "أن تدخين الأرجيلة داخل السيارة من قبل الشباب والفتيات سلوك مجتمعي مرفوض"، فضلا عن المخاطر الصحية التي تتسبب بها الأدخنة التي تخرج من الأرجيلة واحتمالية تناثر الجمر داخل السيارة والتسبب باشتعالها".
وللتصدي للأساليب الترويجية المبتكرة لمقلدات التبغ، تدعو أيوب إلى "تكثيف حملات التوعية وتوفير بدائل النيكوتين مجانا للراغبين في الإقلاع عن التدخين"، قائلة "إذا كانت القوانين والعقوبات الصارمة غير قادرة على ردع المخالفين فلابد من التوعية".
وزارة الصحة ممثلة بمديرة التوعية والإعلام الصحي د. فاطمة خليفة تؤكد حرص الوزارة الدائم على عمل حملات توعوية وإرشادية لطلاب المدارس، فضلا عن تدريب ضباط الارتباط في مكافحة التدخين في الوزارات والقطاعات العامة من أجل توصيل الرسالة لجميع الناس.
حمله "فكر فينا واطفيها "
وزارة الصحة وبالتعاون مع الجمعية العلمية الملكية لحماية الطبيعة قامت بتنفيذ حملة دائمة بعنوان "فكر فينا واطفيها"، تم من خلالها توزيع نشرات وبوسترات على المؤسسات والمديريات في المملكة تناولت أكثر من موضوع لتوصيل رسالة عن أضرار التدخين والتدخين السلبي، فضلا عن المقابلات الإذاعية والتلفزيونية حول مكافحة التدخين، بحسب خليفة.
واعتبرت خليفة أن تعديلات قانون الصحة العامة "شددت من إجراءات ووسائل ضبط ومحاربة صناع القرار في تجارة التبغ، والتعامل مع كل التقليعات الجديدة ومحاولة ضبطها، كما حدث مع "المدواخ" حيث تم تشكيل لجنة العام الماضي أصدرت قرارا بمنع دخوله وتداخله في المملكة".
وجاء هذا القرار الرسمي، عقب تحقيق نشرته "الغد" تحت عنوان "المدواخ آفة تغزو عوالم الشباب".
مدير عام مؤسسة المواصفات والمقاييس حيدر الزبن، أشار الى "تصنيف الأرجيلة الإلكترونية ضمن المواد الأكثر الخطورة ومنع دخولها إلى البلد"، لافتا إلى "محاولة البعض تمريرها بطرق مختلفة يصعب ضبطها، الأمر الذي يساهم بانتشارها بين المدخنين".
واضاف الزبن "في حال تقديم شكوى من أي جهة ضد المحلات الخالفه فإن المؤسسة تقوم بدورها بضبط المخالفة وتحويلها للقضاء"