أردوغان يقود حراكاً دولياً لاستخدام الليرة التركية في التبادلات التجارية
شمل الصين وروسيا والهند وإيران ودول مجموعة «الثماني النامية»
إسماعيل جمال
إسطنبول ـ «القدس العربي»: يقود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الآونة أخيرة حملة واسعة لدعم استخدام العملات المحلية في التبادل التجاري بين تركيا وعدد من الدول الكبرى حول العالم في مسعى لدعم العملة التركية المحلية «الليرة» والتحرر من ضغوط الدولار الأمريكي، على حد تعبيره. وتركز هذه الحملة على العديد من الدول حول العالم أبرزها الصين وروسيا والهند وإيران، وقبل أيام دعا أردوغان مجموعة الدول «الثماني النامية» إلى استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية، قائلاً: «إذا استخدمنا العملات المحلية للتجارة داخل الدول الثماني النامية، فإن عملاتنا ستتخلص من ضغوط سوق الصرف الأجنبي والدولار، وبلادنا سوف تستفيد من هذا».
واعتبر أن هذه الخطوة إن طبقت ستكون بمثابة «ثورة» في تاريخ منظمة الدول الثماني للتعاون الاقتصادي التي تضم دول بنجلادش ومصر وإندونيسيا وإيران وماليزيا ونيجيريا وباكستان وتركيا.
التحرر من ضغوط الدولار
وفي الوقت الذي بدأت فيه أنقرة بخطوات فعلية مع بعض الدول لاسيما روسيا والصين وإيران لتبادل العملات المحلية وشراء بعض المنتجات باستخدامها، إلا أن اقتصاديين يرون صعوبة كبيرة في تطبيق الأمر على نطاق واسع وذلك في ظل سيطرة الدولار الأمريكي على الأغلبية الساحقة 85 في المئة من التبادلات التجارية حول العالم.
وهذه الخطوة لا يُأمل منها الإضرار بمكانة الدولار العالمية بقدر ما يمكن أن تدعم العملات المحلية لهذه الدول، لا سيما تركيا التي عانت عملتها المحلية طوال السنوات الماضية من التذبذب والتأثر صعوداً وهبوطاً بسبب التقلبات السياسية والأمنية داخلياً وخارجياً، وزيادة استخدام العملة المحلية في التبادلات التجارية يمكن أن يمنع مزيداً من التراجع في قيمة «الليرة التركية» مقابل الدولار الأمريكي.
وحسب الأرقام الرسمية، بلغ إجمالي صادرات تركيا في العام الماضي 143 مليار دولار، فيما بلغ إجمالي الواردات 198 مليار دولار، والثلاثاء، قال الرئيس التركي إن إجمالي صادرات تركيا في الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري بلغت 153 مليار دولار، فيما توقعت وزارة الاقتصاد في وقت سابق أن يصل إجمالي الصادرات العام الجاري إلى قرابة 180 مليار.
لكن أرقام العام الماضي، تشير إلى أن هذه التحركات لم تُحدث فارقاً حقيقياً بعد، حيث لم تتجاوز قيمة الصادرات التركية التي جرت بالعملة المحلية الـ5 في المئة من إجمالي صادرات البلاد، فيما بلغت قيمة الواردات بالعملة المحلية في الفترة ذاتها ما يعادل 11 مليار دولار فقط، ولكن بتحسن بلغ 20 في المئة عن العام الذي سبقه.
ومن أبرز فوائد استخدام العملة المحلية بالنسبة لتركيا، هو تقليل تكلفة استيراد الطاقة، لا سيما وأن أنقرة تعتبر ثاني أكبر مستورد للطاقة بعد ألمانيا، وتضطر للعمل على تأمين كميات هائلة من العملة الصعبة لتسديد قيمة الطاقة المستوردة من روسيا وإيران في الدرجة الأولى.
خطوات فعلية مع روسيا وإيران
خلال زيارة أردوغان الشهر الماضي إلى طهران أكد الرئيس التركي أنه بحث الأمر مع نظيره حسن روحاني، وأعقب ذلك اجتماعات مكثفة بين رئيسي البنكين المركزيين للبلدين، وممثلين عن البنوك التركية والإيرانية للبدء فعلياً في تطبيق اتفاق استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية.
وبسرعة كبيرة اتفق البنكان المركزيان في تركيا وإيران على البدء رسمياً باستخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية في تحرك قال اقتصاديون إنه سيساعد في تقليص تكلفة صرف العملة وتحويلها للتجار، بالإضافة إلى أنه سيساعد في تعزيز جهود إيران للالتفاف على عقوبات أمريكية من جانب واحد ما زالت سارية على الرغم من رفع العقوبات المالية الدولية عن طهران العام الماضي، حيث ما زال محظورا على البنوك الأمريكية التعامل مع طهران.
ومع روسيا، تصدر هذا الملف سلسلة المباحثات التي جرت بين كبار المسؤولين الأتراك والروس وعلى رأسهم أردوغان ونظيره فلاديمير بوتين، وأشار مسؤولون أتراك في تصريحات مختلفة إلى البدء التدريجي في تطبيق استخدام العملات المحلية في التبادلات التجارية.
لكن وزير الاقتصاد التركي نهاد زيبكجي الذي أشار إلى استمرار المباحثات في هذا الإطار واصفاً هذه الخطوة بأنها «مهمة للغاية» اعترف أن «الانتقال إلى استخدام العملة الوطنية بنسبة 100في المئة في المعاملات التجارية مستحيل» مشيرا في الوقت ذاته إلى السعي «لزيادة حصتها في التعاملات المصرفية البينية».
وفي وقت سابق، أعلنت بورصة موسكو أنها ستبدأ التداول بالليرة التركية اعتبارا من العام المقبل، وقال ديميتري بيسكولوف رئيس قسم تداول العملات الأجنبية في بورصة موسكو إن فكرة استخدام الليرة التركية في بورصة موسكو هي نتاج المشاورات بين البنوك الروسية والتركية والطلب على الليرة التركية جاء بناء على العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
وفي السياق ذاته، قال وزير الطاقة التركي، براءت ألبيراق، إن بلاده بدأت العمل من أجل استخدام الليرة التركية في استيراد الغاز من روسيا، مضيفًا أن كافة المؤسسات المعنية تعمل من أجل تطبيق هذه الخطوة، وأضاف: «اتخذنا خطوات هامة في الآونة الأخيرة وسنستمر في ذلك».
جهود كبيرة مع الصين والهند
ومع الصين، جرت نهاية العام الماضي أول عملية تبادل للعملات المحلية بين البنك المركزي التركي ونظيره الصيني، وعلى سبيل المثال أعلنت شركة الاتصالات اللاسلكية التركية (توركسل) أنها ستبدأ خلال الفترة المقبلة بدفع مستحقات مورديها الصينيين بالعملة الصينية المحلية (يوان).
وتعتبر الصين من أهم الشركاء الاقتصاديين والتجاريين لتركيا، إذ بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خلال السنوات الأخيرة بمتوسط 30 مليار دولار سنوياً، ويقول البلدان إن هذه الاتفاقيات ستعمل على تعزيز التعاون المالي وضمان التوازن ودعم التجارة والاستثمار الثنائي وضمان الاستقرار الإقليمي المالي.
وعلى هامش منتدى الأعمال التركية- الهندية في الهند، أعلنت الدولتان أنهما تدرسان إمكانية التخلي عن استخدام الدولار الأمريكي في تعاملاتهما، وذلك من أجل تقليل التأثر بتقلبات الدولار وأسعار صرفه، في حين أبدت فنزويلا مؤخراً رغبتها في زيادة التعاون التجاري المشترك مع تركيا والتعامل بالليرة التركية لأجل القضاء على المشاكل الناجمة عن عمليات السداد في العلاقات التجارية.
وعقب محاولة الانقلاب فقدت الليرة التركية جزءاً كبيراً من قيمتها، ما دفع أردوغان لدعوة الشعب التركي إلى تحويل ما يمتلكونه من الدولار الأمريكي إلى الذهب أو الليرة التركية، ونظمت حملات واسعة في هذا الاتجاه للحفاظ على قيمة الليرة حسب ما قال منظموها.
وخلال السنوات الأخيرة، بدأت العديد من المؤسسات الحكومية طرح مناقصاتها وإجراء اتفاقياتها التجارية ومبيعاتها بالليرة التركية بدل الدولار، فيما يعمل القطاع الخاص على صيغة للتعامل بالعملة المحلية في تبادلاته التجارية الخارجية.