[size=30]المصالحة الفلسطينية: خطوة إلى الأمام ..خطوتان إلى الوراء[/size]
رام الله: تسلمت الحكومة الفلسطينية الدوائر الحكومية والمعابر في قطاع غزة من حركة «حماس» التي كانت تسيطر عليها منذ عام 2007، لكنها لم تمارس صلاحياتها في هذه الدوائر بعد بسبب عدم الاتفاق على دمج الموظفين، ولا في المعابر بسبب عدم الاتفاق على تشغيل قوات الأمن الرسمية في القطاع.
ويقول المسؤولون من الطرفين إن الاتفاق على دمج الموظفين وأجهزة الأمن يواجه صعوبات كبيرة، وفرص نجاحه تساوي فرص فشله.
وظهرت، بعد التوصل إلى الاتفاق الأخير للمصالحة، مشكلات متوقعة وأخرى غير متوقعة. ومن المشكلات غير المتوقعة مطالبة حركة «فتح» بتشغيل المعابر وفق اتفاقية قديمة مع إسرائيل، الأمر الذي عارضته حركة «حماس». ومنها أيضاً تردد حركة «حماس» في تسليم بعض الدوائر الحكومية مثل سلطة الأراضي التي يقول المسؤولون في «فتح» إنها وزعت مساحات واسعة من الأراضي لجمعيات يديرها أنصار «حماس».
وظهرت أيضاً مشكلة في آلية بحث مصير الموظفين المدنيين الذين عينتهم حركة «حماس» وعددهم 23 ألفاً. ففيما تطالب «حماس» بتشكيل لجنة مشتركة لتقرير مصيرهم، تصر الحكومة على تشكيل لجنة إدارية وقانونية حكومية للقيام بهذه المهمة.
وحتى في حال تحقيق تقدم في ملفي الموظفين المدنيين والمعابر، فإن المتوقع أن يواجه ملف أجهزة الأمن مشكلات أكثر تعقيداً.
أما مشكلة المشكلات، فهي أسلحة الجناح العسكري لحركة «حماس» الذي تطالب الحكومة باختفائه، فيما تصر «حماس» على اعتباره «خطاً أحمر» لا يمكن مناقشته.
وتسير عملية المصالحة من دون رؤية واضحة. وفيما تتبع حركة «فتح» في إنهاء الانقسام أسلوباً يقوم على «تسليم الحكم»، فإن حركة «حماس» تتبع أسلوباً يقوم على «هدم الجسور»، أي هدم كل جسر يتم قطعه نحو إنهاء الانقسام، كي لا تعود متاحةً للعودة إليه من جديد.
ونص الاتفاق على إنهاء الانقسام على مرحلتين: الأولى هي تمكين الحكومة خلال أربعة أشهر، والثانية تشمل القضايا الكبرى مثل الشراكة في منظمة التحرير وإعادة بناء المجلس الوطني وتفعيل المجلس التشريعي وغيرها، ويتم التباحث بشأنها في لقاء فصائلي في القاهرة في الحادي والعشرين من الشهر الجاري.
واتسم تسليم المعابر بتوتر لافت داخل حركة «حماس» بين مؤيد ومعارض. وأصدر عضو مكتبها السياسي موسى أبو مرزوق بياناً مقتضباً، عقب التسليم جاء فيه: «إن عبارات التسليم، والتمكين وشرعية طرف من دون الطرف الآخر، لا وجود لها في ما تم التوقيع عليه». وأضاف: «إن اتفاق المصالحة في الرابع من أيار (مايو) 2011 في العاصمة المصرية القاهرة قائم على الشراكة والتوافق الوطني».
ويقر المسؤولون في الحركتين بوجود فجوة كبيرة في مواقفهما من قضايا المرحلة الأولى. فحركة «حماس» تطالب بدمج الموظفين الجدد الذين عينتهم حكوماتها، مع الموظفين القدامى الذين عينتهم السلطة. أما حركة «فتح» فتقول إنه لا يمكنها قبول أجهزة الأمن التي عيّنتها «حماس» لأنها، والحال هذه، ستحكم السلطة من خلال نفوذها في الجهاز الأمني، وإنه لا يمكنها قبول جميع الموظفين المدنيين لأن عددهم يفوق قدرتها على استيعابهم إلى جانب الموظفين القدامى.
وقال مسؤول رفيع المستوى في «فتح» إن «حركة حماس تريد أن تترك الحكومة، لكنها تريد أن تواصل الحكم من خلال عناصرها وضباطها الذين تريد أن تزرعهم في أجهزة الأمن والشرطة». وأضاف: «يوجد في غزة 17 ألف رجل أمن عينتهم حركة حماس، وبقاء هؤلاء في مواقعهم يعني أن الحركة ستواصل السيطرة على القطاع من داخل السلطة».
ويقول مسؤولون في «حماس» إنه سيكون من الصعب عليهم التخلي عن أي من عناصر أجهزة الأمن التي أسستها الحركة. وقال مسؤول رفيع في «حماس» إن «ليس من السهل التخلي عن أي عنصر من عناصر الأجهزة الأمنية التي خدمت قطاع غزة، وحافظت على الأمن خلال السنوات العشر الماضية». وأضاف: «كما أن غياب هذه الأجهزة ربما يؤدي إلى عودة الفوضى الأمنية في القطاع من جديد».
وعن ملف موظفي الأجهزة الأمنية، قال اللواء توفيق أبو نعيم قائد قوى الأمن في غزة: «كلنا أبناء الشعب الفلسطيني، ولن يكون هناك إقصاء لأي موظف في الأجهزة الأمنية في غزة، ولن نقبل أن يكون هناك إقصاء لأحد».
وأضاف: «هناك اتفاق وقع في القاهرة عام 2011 وضع أساساً لدمج الأجهزة الأمنية وحلاً لقضية موظفي الأجهزة الأمنية في غزة، ويجب حل قضية الموظفين».
لكن حركة «فتح» ترى أن اتفاق القاهرة المذكور تآكل مع الزمن ولم يعد صالحاً لمعالجة القضايا الراهنة، وهو ما يجعل الكثيرين يعتقدون أن حل مشكلة أجهزة الأمن سيتسغرق الكثير من الوقت، بخاصة أن مصر الراعية للاتفاق تساند مطلب «حماس» بقاء هذه الأجهزة في الخدمة، لدورها في محاربة الجماعات السلفية وحماية الحدود.
وإضافة إلى أجهزة الشرطة والأمن، يشكل الجناح العسكري لحركة «حماس» معضلة في الطريق إلى إنهاء الانقسام. وقال رئيس جهاز الشرطة اللواء حازم عطا الله، أن الشرطة لن تكون قادرة على العمل في قطاع غزة في ظل وجود «بنادق وصواريخ»، ملقياً مزيداً من الشكوك على فرص نجاح اتفاق المصالحة. وأضاف متسائلاً: «كيف يمكن القيام بعمل أمني في ظل وجود هذه البنادق والصواريخ؟ هذا غير ممكن، إنه مستحيل».
وطالب الرئيس محمود عباس حركة «حماس»، في أكثر من مناسبة، بإيجاد حل لجناحها العسكري. وقال في اجتماع في الآونة الاخيرة للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وفي مقابلة مع وسائل إعلام أجنبية، إنه لن يقبل بوجود «ميليشيات مسلحة» في غزة.
لكن ليس من المعروف ما إذا كان موقف الرئيس عباس هذا مناورة تفاوضية أو إصراراً نهائياً.
ويقول مقربون من الرئيس الفلسطيني إنه ما زال يتقدم بحذر شديد في ملف إنهاء الانقسام، مشيرين إلى أنه لغاية الآن لم يُلغِ المراسيم والقرارات التي اتخذ بموجبها «إجراءات غير مسبوقة» في غزة، مثل تقليص رواتب الموظفين 30 في المئة، وتقليص كميات الكهرباء وغيرها.
وقدّمت حركة «حماس» «إغراءً» جدياً للرئيس عباس لقبول بقاء جناحها العسكري في غزة، يقوم على التعهد أمام الراعي المصري، بعدم القيام بأي عمل عسكري من قطاع غزة، وعدم ظهور أي رجل مسلح أو مقنع على أرض القطاع.
ويرى بعض المراقبين أن الرئيس عباس قد يقبل في النهاية هذا التعهد، في حال تنازلت «حماس» عن مطالبها الأخرى بشأن أجهزة الأمن والشرطة والموظفين المدنيين وغيرها.
لكن حتى في حال نقل السلطة في غزة من «حماس» إلى الحكومة، فإن الملفات الكبرى المتعلقة بإنهاء الانقسام، مثل الشراكة في منظمة التحرير والحكومة وغيرها، تظل قائمة من دون وجود ضمانات لحلها في الزمن المنظور.
ويقول مقربون من الرئيس محمود عباس إنه لا يمكن قبول مشاركة «حماس» في منظمة التحرير وفي الحكومة من دون اعترافها بالبرنامج السياسي للحكومة وللمنظمة، وهو الأمر الذي ترفضه «حماس» لأنه ينطوي على اعتراف بإسرائيل في الاتفاقات الموقعة معها.
وللتغلب على هذه العقبة وغيرها، تقترح «حماس» العودة إلى اتفاق القاهرة 2011، لكن حركة «فتح» تقول إن مياهاً كثيرة جرت تحت الجسر منذ الاتفاق المذكور، وإن الكثير من بنوده لم يعد صالحاً للمرحلة الحالية.
عن الحياة اللندنية