ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: الكيان بين زمنين وصراعين.. توراتي وقانوني! الخميس 14 ديسمبر 2017, 7:00 am | |
| [size=30]الكيان بين زمنين وصراعين.. توراتي وقانوني!
د. فايز رشيد[/size] إن الأكثر تعبيرا عن الصراعات الاستراتيجية في الداخل الإسرائيلي من جهة، والعموم اليهودي والعالم من جهة أخرى، هو الصحافة الإسرائيلية، وهو ما يشي بأن هذا التجمع في إسرائيل يفتقد إلى أية علاقة طبيعية عادية قائمة بين الإنسان والأرض، باعتبار هذه المسألة شرطاً ضرورياً للإحساس بالمواطنة، الذي يشعره كل فرد يعيش في دولته. هذا الأخير، يحسه المواطن الفلسطيني رغم أن أرضه تقع تحت الاحتلال، ولا يشعره المهاجر الصهيوني. نقول ذلك، لإن الإسرائيليين يحاولون تكرار ظروف الوعد الأول لبلفور عام 1917 على واقع ظروف الوعد الشبيه الثاني لترامب عام 2017، بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، رغم الفارق الكبير في الظروف بين زمنين يفصل بينهما قرن. كل ذلك، رغم «استحالة عبور النهر مرتين» وفقا لفيلسوف التناغم هروقليطس (القرن الخامس ق.م) وأن « التاريخ يكرر نفسه مرتين – الأولى على شكل مأساة، والثانية على شكل مهزلة، وفقا لكارل ماركس (القرن 19). في الزمن الأول، استطاعت الصهيونية بعد انتقالها من مرحلة الإرهاصات إلى الحركة السياسية المنظمة، إقناع اليهود بأنها تقدم لهم «بداية الخلاص» للحتمية الواردة في نظرية الحاخام كوك، الذي كتب في لندن في عام 1917 بخصوص وعد بلفور، قائلاً: «كل شخص يمكنه النظر إلى ما هو موجود خلف المظاهر الخارجية الظاهرة للعيان، حينها سيرى أن يد الله هي التي تقود التاريخ، ومن شأنها أن تقود هذه العملية إلى نهايتها». لذلك، فإن البداية تكون بالهجرة إلى فلسطين، ومن ثم إقامة دولة اليهود فيها. صحيح، أن هناك جماعات يهودية عارضت فكرة تجميع اليهود في بقعة جغرافية واحدة (انطلاقاً من إيمان توراتي بأن هذا سيعني سهولة ذبحهم) ! لكن الصهيونية العملية تغلبت على كافة الاتجاهات الأخرى للحركة. لقد سبق أن قرر المؤتمر الصهيوني الأول في 1897 «أن انشاء دولة للشعب اليهودي في «أرض إسرائيل» سيرتكز على اعتراف وشرعية قانونية وسياسية من المجتمع الدولي، على القاعدة المقبولة والمعترف بها في ذلك الوقت. عمليا، حظي هذا التطلع الصهيوني بصلاحية سياسية ـ قانونية وتاريخية وعملية، من قبل المجتمع الدولي. الأخيرة تشكلت حينذاك من ثلاث مراحل: الأولى هي وعد بلفور الذي أعطي لليهود من قبل بريطانيا، وهي القوة التي كانت عظمى آنذاك، أنيط بها الاحتلال (الانتداب) على فلسطين بعد الحرب العالمية الأولى. وقد استندت قوتها آنذاك إلى «مبدأ الامبريالية» الذي شكل أساس التقليد العالمي حتى بداية القرن العشرين. لقد كتب إدوارد سعيد عن وعد بلفور في عام 1979 قائلا: «إن أهمية الوعد هي قبل كل شيء، أنه شكّل القاعدة القانونية لمطالبة الصهيونية بفلسطين». المرحلة الثانية، هي قرار الدول العظمى المنتصرة في مؤتمر سان ريمو في أبريل 1920، بإعطاء بريطانيا وفرنسا الانتداب على المناطق التي تم احتلالها في الشرق الاوسط ومن ضمنها فلسطين، التي سينفذ فيها وعد بلفور. هذه الدول اعترفت بصلاحية طموح الصهيونية، مثلما صرح بذلك وزير خارجية فرنسا في حينه، جيل كومبو، في يونيو1917 قائلاً: «سيكون من العدل والتعويض دعمنا، بمساعدة الدول العظمى، لإحياء القومية اليهودية في البلاد نفسها التي طردوا منها قبل مئات السنين. وليس بإمكان الحكومة الفرنسية سوى دعم انتصاركم». وفي ما بعد في عام 1919 صرح الرئيس الأمريكي ويدرو ولسون: «لقد اقتنعت بأن الدول الحليفة، بتأييد كامل من حكومتنا وشعبنا، توافق على أن تبني في فلسطين الأسس الثابتة للمجتمع اليهودي». كانت قوة قرار الدول العظمى تستند إلى مبدأ تقرير المصير، الذي وضعه ويدرو ولسون وتم تبنيه من قبل عصبة الأمم، التي أنشئت في يونيو 1920 في اعقاب «مؤتمر السلام» في فرساي. إن المادة 22 في ميثاق عصبة الأمم نصت: على أن الشعوب التي لم تنضج بعد من أجل الاستقلال يتوجب وضعها تحت رعاية وحكم شعوب أكثر تطورا، تعدها تدريجيا للاستقلال، من أجل نقل الحكم إليها في نهاية الأمر. المرحلة الثالثة كانت اعتراف ودعم المجتمع الدولي من قبل عصبة الأمم عام 1920 على وثيقة «الانتداب» على فلسطين الذي أعطي لبريطانيا، والتي ألقيت عليها مسؤولية «خلق الظروف السياسية والإدارية والاقتصادية في فلسطين، لضمان إنشاء «الوطن القومي اليهودي»، ثم قرار التقسيم في 29 نوفمبر 1947، الذي حدد إنشاء الدولة اليهودية المستقلة على 55% من أرض فلسطين التاريخية. على النهج ذاته، كتب تشرتشل، وزير الحرب البريطاني عام 1919 كما بلفور الذي رأى في حل المشكلة اليهودية ضرورة ملحة، تتم تلبيتها بتقسيم عادل، ذلك في مذكرة كتبها في أغسطس 1919، كما تناول الموضوع ذاته كل من أمنون روبنشتاين والكسندر يقوبسون في كتابهما «إسرائيل وأسرة الشعوب». بالتالي فإن موقف النظام الدولي عام 1947 – 1948 كان مؤيدا لقيام إسرائيل. وبذلك، وصلت الحركة الصهيونية إلى الحق القانوني في إقامة دولتها، إضافة إلى ما حققته من حقوق توراتية سابقاً: إقناع اليهود بالهجرة، إقناع العالم بالأسباب الدينية للهجرة إلى فلسطين تحديداً بأنها «أرض إسرائيل»، وبدأ العالم يردد هذه المقولة. في الزمن الحالي، فإنه وبعد ما يقارب السبعين عاماً على إقامة دولة إسرائيل، وبعد أن رصد العالم نهجها ومسلكيتها: القيام بحروب عدوانية متواصلة، احتلال كامل أرض فلسطين التاريخية، القيام بمذابح ضد الفلسطينيين والعرب، انتهاج سياسة التنكيل، الاستيطان، الاغتيال، الاعتقال، هدم البيوت وخلع الأشجار، الممارسة العنصرية، العنجهية والصلف، رفض ترسيم حدود دولة إسرائيل، والأهم من كل ذلك، رفض كافة قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالحقوق الفلسطينية بدءًا من القرار 181، مرورا بالقرارات 194، 242، 338، وصولا إلى القرار 2334 ورفض معادلة «الأرض مقابل السلام» و»حل الدولتين»، هذا القاسم المشترك بين كافة دول العالم! كل ذلك، صنع واقعاً سياسيا جديداً وظروفاً مختلفة محيطة بالصراع الصهيو إسرائيلي ـ الفلسطيني العربي، عن تلك (بدءًا من انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 – إقامة دولة إسرائيل عام 1948)، ووصولاً إلى العام الحالي 2017. في المرحلة الحالية، فإن المجتمع الدولي بدون استثناء يدين الاستيطان والرفض الإسرائيلي المطلق للحقوق الوطنية الفلسطينية. رغم ذلك، فإن كافة الأحزاب الإسرائيلية، اليمينية المتشددة، اليمينية، تيار الوسط، ومن تسمى ظلماً بـ»اليسارية» تصر على المضي قدما في رفض الحقوق الفلسطينية (باستثناء تيارات سياسية صغيرة في إسرائيل – لا قيمة حقيقية أو فعلية لها مثل– حركة ميريتس- التي تدعو إلى حل الدولتين)، خذوا مثلا رئيس حزب العمل آفي غباي (المفترض أنه حزب يساري). هو في الحقيقة أيضا أسير الادعاء الصهيو ـ توراتي عندما صرح قائلاً: «أنا اؤمن بعدالة وجودنا هنا. واؤمن بأن كل أرض إسرائيل لنا، حيث أن الله وعد إبراهيم بكل «أرض إسرائيل»، ولذلك فإنني أؤمن بأن القدس يجب أن تبقى العاصمة الموحدة الأبدية لدولتنا». على صعيد ثانٍ، فإن ما يجري حاليا في إسرائيل، هو استعمال التوراة كخلفية قانونية وسند ديني، لسن قوانين أكثر عنصرية في الكنيست، تحافظ على ما يعتبرونه «وحدة أرض إسرائيل» من جهة، ومن جهة أخرى ترهن أي قرارات حكومية حول الانسحاب مستقبلا من أي متر من الأرض الفلسطينية باستفتاء شعبي، في شارع تتعزز فيه القوى الأكثر تطرفا عاما بعد عام، بحيث بات الإئتلاف مع الأحزاب الدينية الأكثر تطرفاً، شرطا لزوميا لقيام أي حكومة إسرائيلية. هذا الوضع سيخلق بالضرورة صراعاً في الشارع الإسرائيلي، نتيجة للتناقض المهيأ للتزايد بين الحق التوراتي والحق القانوني ومستوى التوافق بينهما (وقد توافقا قبل مئة عام) لكنهما متناقضان حالياً، ويعتبران سببا رئيسياً لإنتاج صراعات أخرى متعددة الأشكال والجوانب في هذه الدولة. كاتب فلسطيني |
|