[size=30]التفهم الأمريكي للمخاوف التركية لا يقبل بهجمات واسعة في سوريا[/size]
رائد صالحة
واشنطن ـ «القدس العربي»: أكد وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس على تفهم الولايات المتحدة للمخاوف التركية الأمنية المشروعة، ولكنه قال ان هذا التفهم لا يصل إلى حد الموافقة على شن هجمات على مناطق لم تكن مصدرا للعنف مثل عفرين، مشيرا إلى ان المباحثات بين واشنطن وأنقرة مستمرة لبحث كل القضايا التي تسبب الاحتكاك أو قد تؤدي إلى فقدان العلاقة مع حليف الناتو.
وألح ماتيس أثناء استعراضه للموقف الأمريكي العسكري في سوريا على فصل القضايا الأمنية والعسكرية في سوريا على الرغم من تشابكها بصورة واضحة، بما في ذلك قضية مشاركة قوات روسية غير نظامية على هجوم ضد قوات الدفاع الذاتي. إذ قال انه لا يعرف تفسيرا لذلك ولكنه يشك في ان 257 شخصا قد قرروا بأنفسهم عبور النهر إلى أراضي العدو وقصف المواقع والقيام بمناورة للدبابات.
وقالت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب انها تتفق مع تركيا على ضرورة السيطرة المحلية على المناطق المحررة وانها ستعمل مع تركيا في هذا الموضوع إضافة إلى قضايا أخرى قد تكون محل خلاف. وقالت الإدارة ان قضية تركيا وعفرين ليست ذات اتجاه واحد ولكنها قضية هامة اتفقت واشنطن وأنقرة على حلها والعمل من خلالها.
ولكن ما هي الآليات التي ستحرك التفاهمات الأمريكية ـ التركية في عفرين؟ ماتيس قدم إجابة غير شافية على هذا التساؤل، إذ قال ان هذا ما علينا القيام به فوق قاعدة الالتزام.
وردا على الاتهامات التي شنها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بان الولايات المتحدة تدعم إنشاء سلطة محلية وإقامة حكم ذاتي للأكراد في سوريا، قالت هيثر نويرت، المتحدثة الرسمية لوزارة الخارجية الأمريكية، ان الولايات المتحدة تدعم سوريا آمنة ومستقلة مع الحدود الحالية وان واشنطن لا تدعم تغيير الوضع أو إضافة أي نوع من مناطق الحكم الذاتي.
هذا التأكيد لم يمنع دول المنطقة من الشك في النوايا الأمريكية مما دفع العديد من المحللين إلى القول ان الولايات المتحدة تبدو وكأنها تقوم بأمور غير مفهومة في معركة خاطئة مما أدى إلى تصورات غير صحيحة تجاه الدور الأمريكي، وبالتالي، ردات فعل عدوانية من أطراف النزاع ضد واشنطن. وأوضحت نويرت ان بعض الدول تقوم بأعمال مضللة بهذا الشأن ولكن الولايات المتحدة لن تكون قادرة على الاستجابة لكل إجراء.
وقد أعربت إدارة ترامب عن قلق بالغ إزاء تصاعد العنف في ضواحي دمشق في الغوطة الشرقية حيث تشير التقارير إلى ان الغارات الجوية استهدفت المستشفيات وما تبقى من الهياكل المدنية الاساسية مما يؤدى إلى تفاقم المعاناة الإنسانية الخطيرة لما يقارب من 400 ألف شخص، ولكن إدارة ترامب لم تعلق كثيرا على موضوع عفرين بحجة ان المعرفة الأمريكية محدودة بما يحدث هناك لان القوات الأمريكية غير متواجدة في تلك المنطقة.
ولم تقنع هذه الاجابة أي مراقب، فالولايات المتحدة لديها من الوسائل الاستخبارية والامكانيات ما يدعم فكرة انها تعرف تماما ما يحدث، وكالعادة في مثل هذه المواقف، وزارة الخارجية تطلب من الإعلاميين مخاطبة وزارة الدفاع للحصول على إجابات والبنتاغون بدوره يطلب منهم العودة إلى الخارجية ضمن لعبة روتينية معروفة.
هنالك اتفاق مبدئي بين واشنطن وأنقرة على تهدئة الأمور وإصلاح العلاقات، وكان من المفترض ان تبدأ هذه العملية في شمال سوريا، وخاصة في منبح، ولكن الأمور تبدو في حالة انهيار وهي حقيقة لا تريد وزارة الخارجية الاعتراف بها، حيث قالت نويرت، ان وزير الخارجية ريكس تيلرسون اجتمع مع نظيره التركي، وكذلك مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للتأكيد على ضرورة الالتزام بهزيمة تنظيم «الدولة الإسلامية» والعمل بطريقة أفضل لتحقيق الاهداف المتبادلة، والأهم من ذلك كله اعترفت وزارة الخارجية ان هناك محادثات دبلوماسية خلفية وغير معلنة بشأن معركة عفرين بعيدا عن اللقاءات المعلنة من أجل التوصل إلى تفاهم من غير المهم إعلان بنوده إذا اقتضى الأمر.
توقعات الخبراء في واشنطن بشأن المعارك في عفرين تتجه إلى سيناريوهات غير مؤكدة مثل قيام الجماعات الكردية بإحداث أكبر ضرر ضد تركيا وعندما تشعر هذه الجماعات بانها لا تستطيع الاستمرار فإنها ستسلم المنطقة إلى قوات النظام السوري. وقال المحللون ان روسيا ستكون سعيدة بهذا السيناريو ولكن الولايات المتحدة لن توافق على هذا العرض رغم الإشارات المتكررة من جانبها ان عفرين ليست مشكلتها.
ووصلت تحليلات البعض إلى حد القول ان الولايات المتحدة قد أدركت انها لا تملك بالفعل خيارات إلى جانب حليفها الكردي في عفرين بعد ان شاهدت تركيا وهي تتحرك بتخطيط وحزم ولذلك فقد قررت، بطريقة ماكرة وغير مباشرة، وضع تركيا في مواجهة قوات الأسد ولكن من غير المرجح، وفقا لأقوال العديد من المحللين، ان تدخل دمشق في صراع جديد إلا إذا هاجمت القوات التركية من داخل عفرين نفسها.
وتحدث المحللون عن مشاكل محتملة تواجه الآليات الضرورية للتحكم في مجريات الأمور في شمال سوريا مثل المخاوف من امكانية وجود اتفاق بين حزب العمال الكردستاني والنظام السوري قد يفسح المجال أمام هذا الإقليم ليكون مركزا للإرهاب والتدريب المسلح كما كان عليه الحال، إضافة إلى مشكلة عدم رغبة أولئك الذين هاجروا إلى تركيا من عفرين للعودة لديارهم إذا تولت قوات الأسد زمام الأمور هناك.
وقال مراقبون أمريكيون انه لا يمكن التحقق من بعض ما يجرى في عفرين بشكل مستقل، حيث وردت تقارير متناقضة عن الأضرار الجسيمة في المدينة والأطراف المسؤولة، ولكنهم قالوا ان المعركة ستزيد من تعقيد الصراع في شمال سوريا إذ ان المحاولة التركية لإبعاد الأكراد عن عفرين ستضع الولايات المتحدة في موقف صعب للغاية، فمن جهة أمريكا لا تستطيع التخلي عن حليفها الكردي الذي ساعدها في هزيمة «داعش» لان من شأن ذلك إضعاف مصداقيتها وعدم رغبة الآخرين في التعاون مع الولايات المتحدة ومن جهة أخرى لا تريد أمريكا خلافات جانبية مع حليفها في الناتو، والحل الوحيد هو ان تعمل الولايات المتحدة من خلال القنوات الدبلوماسية للحد من التوتر في المنطقة ومنع مواجهة قد تؤدي إلى حرب منفصلة قد تعيد الجماعات الإرهابية إلى المشهد من جديد.