إسرائيل تحتفل بتدمير المفاعل النووي في سوريا قبل 11عاما
بواسطة 18 طن ديناميت وفي عملية «خارج الصندوق» بعد ضبط مستندات وخرائط سورية في أوروبا
وديع عواودة:
Mar 22, 2018
الناصرة – «القدس العربي»: شهدت إسرائيل أمس ما يشبه المهرجان الاحتفالي بعد اعترافها بتدمير مفاعل نووي في سوريا عام 2007 بغارات جوية، حيث ألقت 18 طنا من المتفجرات بعد منتصف الليل. وجاء في بيان لجيش الاحتلال أمس، أن مقاتلات سلاح الجو الإسرائيلي قصفت مفاعلا نوويا كان في مراحل البناء في سوريا في سبتمبر/ أيلول 2007. موضحا أن «عملية ضرب المفاعل تمت من خلال مقاتلات حربية بعد جهود استخبارية وعملياتية معقدة ومتواصلة وأزالت تهديدًا نوويًا على دولة إسرائيل والمنطقة كلها».
وقال البيان العسكري إن «جهودا استخبارية حثيثة أثمرت بعدما بدأت في نهاية عام 2004 وتضمنت تعاونا مع جهات أمنية أدت لضربة جوية دقيقة. وتابع «جيش الدفاع قام بالاستعدادات لضرب المفاعل بشكل دقيق ونوعي، بالإضافة إلى الاستعداد لسيناريوهات تدهور أمني وتصعيد محتمليْن».
واقتبس بيان لرئيس الأركان أيام الضربة الجنرال المتقاعد غابي أشكنازي قوله «فور إيعاز رئيس الوزراء لجيش الدفاع مسؤولية بالاستعداد لتدمير المفاعل النووي في سوريا كان واضحًا لديّ انه يجب الاستعداد استخباريًا وعملياتيًا وتكنولوجيًا لإزالة التهديد النووي عن دولة إسرائيل والمنطقة وفي المقابل القيام بالخطوات لمنع تدهور الأوضاع نحو الحرب ولو فرضت علينا حسمها».كما اقتبس رئيس الاركان الحالي الجنرال غادي أيزنكوت الذي كان آنذاك قائد المنطقة الشمالية العسكرية: «الرسالة من ضرب المفاعل في عام 2007 هي أن دولة إسرائيل لن تتسامح مع بناء قدرات تشكل تهديدًا وجوديًا عليها. كانت هذه الرسالة عام 2007 وهذه هي الرسالة لأعدائنا في المستقبل القريب والبعيد».
استيعاب المعادلة
وهذه الرسالة التي تضمنتها تصريحات وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان أمس بقوله إن «على المنطقة بأكملها استيعاب الدرس من القصف والضربة التي نفذتها إسرائيل في عام 2007 ضد ما يشتبه في أنه مفاعل نووي سوري». وأضاف في بيان مقتضب «الدوافع لدى أعدائنا تنامت في السنوات الأخيرة، ولكن قدرة قوات الدفاع الإسرائيلية تنامت أيضا. الكل في الشرق الأوسط سيعمل جيدا لاستيعاب هذه المعادلة «.
يشار الى أن إسرائيل التي تعتبر أي مفاعل نووي في المنطقة تهديدا وجوديا، تملك مفاعلا نوويا في ديمونا. وحسب مصادر أجنبية فإن بحوزتها نحو 200 قنبلة نووية لكن إسرائيل ما زالت تعتمد سياسة الضبابية فلا تصادق على امتلاكها مفاعلا نوويا ولا تنفي.
وأفردت وسائل الإعلام الإسرائيلية أمس مساحات واسعة لتروي الكثير من التفاصيل حول تلك العملية التي سمحت الرقابة العسكرية بالكشف عنها بناء على طلب عدة صحافيين. ويستدل من هذه التقارير أن طلبات السماح بالكشف عن العملية قدمت عدة مرات في الماضي، لكن إسرائيل كانت تفضل إبقاءها طي الكتمان خشية أن يؤدي الاعتراف لإحراج بشار الأسد ودفعه لاتخاذ خطوات ردا عليها. ومع ذلك فإن الكشف عن العملية التي سميت «خارج الصندوق» الآن يثير تساؤلات منطقية عن توقيت الاعتراف، خاصة أن المستفيد من نشرها الأول الآن هو رئيس الوزراء السابق إيهود أولمرت الذي اضطر لتقديم استقالته عام 2009 بعد إدانته بتهم فساد. وفي هذه الأيام صدر كتاب مذكراته. وينفي الصحافي رفيف دروكر الذي قابل أولمرت في حديث القناة العاشرة أن يكون الاعتراف الآن مرتبط برغبة أولمرت بالترويج لمذكراته، مدعيا أن الموضوع مرتبط باعتبارات الرقابة العسكرية . وتابع دروكر في حديث لإذاعة جيش الاحتلال «سمعت من الرقابة العسكرية أنها أخطأت بقرارها التأخر في الكشف عن العملية والسماح بالنشر عنها ولا علاقة للتوقيت بتزامنه مع صدور كتاب مذكرات أولمرت».
اكتشاف السر
وكشف الكاتب الصحافي الخبير في الاستخبارات الدكتور رونين بيرغمان أن رئيس الموساد وقتها مئير دعان زار واشنطن بشكل عاجل قبيل العملية وعرض ما بحوزة إسرائيل من مستندات وصور وخرائط على وكالة المخابرات الأمريكية «سي اي ايه»، موضحا أن الهدف كان إقناع الرئيس جورج بوش الابن بوجود مفاعل نووي سوري وبضرورة قيام الولايات المتحدة بقصفه لكن الأخير تحفظ وخشي من انتقادات داخلية له بعدما قاد حربا على العراق قبل سنوات. كما أوضح أن وكالة استخبارات أمريكية ساورتها شكوك قوية في 2014 بوجود موقع مشبوه في دير الزور وقامت بتحويلها لإسرائيل التي شرعت بالبحث والاستكشاف لاسيما أنها تنبهت لزيارات خبراء من كوريا الشمالية لها. وقال بيرغمان نقلا عن مصادر أجنبية ومحلية إن الموساد تعقب رئيس منظمة الطاقة النووية السورية إبراهيم عثمان أمين سر بشار الأسد. وتابع «هناك من يقول إن ذلك تم في لندن وهناك من قال في فيينا لكن الواضح أن سيدة أنيقة تتحدث الفرنسية التقت بعثمان في مقصف أحد الفنادق وخلال محادثة أشغلته بها كان رجال الموساد قد اقتحموا غرفته وصوروا كل ما كان بحوزته من مواد تدل بالقاطع على مشروع المفاعل النووي في دير الزور». كما يشير الى أن أمين سر آخر لبشار الأسد هو الجنرال محمد سلمان المؤتمن من قبله على تسليح حزب الله وعلى العلاقات مع إيران هو الذي اختار منطقة دير الزور لإنشاء المفاعل النووي. مستذكرا اغتياله لاحقا في منزله في طرطوس من قبل كوماندوز بحري لم يكشف عن هويته. ويتفق بيرغمان مع بعض المحللين العسكريين ممن تحفظوا من «المهرجان الاحتفالي» الذي قامت به جهات سياسية وعسكرية بالاعتراف بعملية «خارج الصندوق». وقال إن التكتم وعدم الاعتراف أفضل من التلويح بفضيحة مدوية لبشار الأسد. كما قال إن إسرائيل تأخرت باكتشاف أمر المفاعل النووي، وإنها ضربته قبيل الانتهاء من بنائه بمساعدة كوريا الشمالية. ويشير بيرغمان الى أن أولمرت أبلغ بوش لاحقا بأن إسرائيل تتجه لتدمير مفاعل دير الزور بنفسها.
بين بغداد ودير الزور
في مقارنته بين تدمير المفاعل النووي العراقي (1981) على ضفاف دجلة وبين تدمير المفاعل النووي السوري (2007) على ضفاف الفرات في منطقة دير الزور يشير رئيس الاستخبارات العسكرية الأسبق عاموس يادلين إلى أن ضربات جوية خاطفة كانت كافية لإحراز مكسب استراتيجي في الحالتين. ويقول يادلين في مقال نشرته «يديعوت أحرونوت» أمس إن العمليتين تترجمان مفهوما إستراتيجيا تعتمده إسرائيل وبموجبه هي لن تسمح بإنشاء دولة معادية مفاعلا نوويا. معتبرا أن عملية تدمير المفاعل العراقي التي شارك فيها كطيار كانت أكثر صعوبة وتعقيدا لأنه بعيد جدا ومحاط بصواريخ متطورة. كما يقول إن العراق كان وقتها مشغولا بحرب مع إيران وفاقدا القدرة على الرد فيما خشيت إسرائيل من رد فعل سوري كإطلاق صواريخ مما دفعها للتحفظ عليها وعدم الاعتراف بالعملية. ويمضي في مفاضلته بالقول إن العالم فوجىء بالغارة على مفاعل تموز في بغداد وشاركت حتى الولايات المتحدة بالإدانة وحظر السلاح لإسرائيل. في المقابل يوضح يادلين أنه في 2007 أشركت إسرائيل حليفاتها بمعلوماتها حول مفاعل دير الزور، بل قام رئيس حكومة الاحتلال إيهود أولمرت بتنسيق العملية مع الرئيس الأمريكي جورج بوش معتبرا أن التاريخ لا يعود على نفسه، داعيا لمعاينة كل عملية وفق ظروفها الخاصة واستخلاص دروسها.
حرب الروايات
كما كان متوقعا وقع تراشق بين أولمرت ووزير الأمن الأسبق إيهود باراك واتهم الأول الثاني أنه حاول منع تنفيذ العملية التي أوصت بها المؤسسة الأمنية لاعتبارات غريبة. وفي حديث حصري للقناة العاشرة كشف أولمرت ان باراك ضغط عليه وعلى المؤسسة الأمنية بتأجيل العملية بدوافع غريبة ترتبط برغبته كسب نقاط سياسية. موضحا أن باراك دخل للتو وزارة الأمن مكان عمير بيرتس الذي اضطر للاستقالة نتيجة الانتقادات ضده لدوره الفاشل في حرب لبنان الثانية عام 2006 وأنه رغب بتأجيل العملية لعام حتى تظهر وكأنه هو من بادر لها وكان مسؤولا عنها.
وتابع: «سمعت باراك يقول إن الوقت ليس ملحا وطلب تأجيل العملية لأن تفجير المفاعل النووي السوري الساخن أمر خطير جدا ومن شأنه أن يؤدي لتلويث مياه الفرات بطول ألف كيلومتر ويتسبب بتشوهات لدى أجيال من السوريين ويحملون إسرائيل مسؤولية الكارثة». وحمل باراك على أولمرت وقال إنه يستمد روايته من الخيال ولا يتورع عن الكذب.
وعلى خلفية ذلك قال المحلل العسكري لصحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان إنه في حال بقيت صراعات شخصية قذرة وتصفية حسابات شخصية بين سياسيين، بسبب الكشف عن هذه العملية، فستكون هذه إهانة للطيارين ومقاتلي الموساد ووحدات الجيش الخاصة ممن خاطروا بحياتهم من أجل محو تهديد نووي وجودي.