بعض الاضواء على مشروع قانون ضريبة الدخل 2018
الدكتور صالح الخصاونة
واخيرا تم نشر مشروع قانون ضريبة الدخل 2018، وان كان بصورة مجزوؤه وغير مكتملة لنصوصة.
وبداية اوافق دولة رئيس الوزراء على ما صرح به مؤخرا حول الموضوع "لا يوجد في العالم تشريع اقتصادي وخصوصا قانون ضريبة، يلقى رضى وقبول الجميع، وهذه بديهية". وتحديدا فإن قانون ضريبة الدخل يهم قطاعات مختلفة من المجتمع وذات مصالح متباينة ومتفاوتة، وعليه فإن الاسلوب الامثل للتعامل مع هكذا حالة هو محاورة كل القطاعات ذات العلاقة وجها لوجه وصولا الى صيغ ونصوص مشتركة بين الجميع وبما يحقق اقصى الغايات والمصلحة العليا للوطن بكافة فئاته وقطاعاته.
وفي هذا السياق فانه يتوقع ان يثير مشروع القانون تباينا كثيرا في الاراء والمواقف المختلفة لكافة فئات المجتمع. وفي هذا السياق، ومن منطلق خبرتي السابقة كمدير عام لدائرة ضريبة الدخل وكاقتصادي دارس لعلم الاقتصاد، فإنني ارى ان الواجب يملي علي ان أدلي بدلوي في هذا المجال، وتلبية لدعوة الحكومة ورئيسها، املا ان يتسع صدر الجميع لبعض الملاحظات حول مشروع القانون، وذلك على النحو التالي:
المادة رقم (5): اخضاع الدخل الزراعي فوق 25,000 دينار للضريبة
وبصراحة انا ضد فرض ضريبة على القطاع الزراعي بالمطلق، وذلك للاعتبارات التالية:
لان القطاع الزراعي في الاردن عرضة للاخطار والانواء الطبيعية بشكل دائم وسنويا، ولا تكاد تمر سنة الا ويتعرض المزارعون فيها لمشاكل من هذا القبيل صيفا او شتاء.
ان المنتجات الزراعية جلها من نوع المنتجات الاستراتيجية المهمة للبلد ولأمنه الغذائي والاقتصادي، وهذا الامر يتطلب ضرورة المحافظة علية وزيادته ودعمه بكل السبل، وصولا الى رفع الطاقة الانتاجية للبلد ورفع درجة الاكتفاء الذاتي وتقليل درجة الاعتماد على الخارج. وتحديدا فإن دعم القطاع الزراعي يستهدف فيما يستهدف زيادة الانتاج وزيادة الصادرات واحلال المستوردات الاجنبية بالمنتجات المحلية والحفاظ على العملات الاجنبية.
ويجدر التنويه هنا ان دعم القطاع الزراعي يتطلب فيما يتطلب توفير كل مستلزمات الزراعة وبأسعار وكلف منخفضة او معقولة بما في ذلك البذار والاشتال والاسمدة والبنى التحتية والعمالة الكافية وكذلك دعم جهود التسويق داخليا وخارجيا، وهو الامر الذي لم توفره او تجاهلته السياسات الاقتصادية الاردنية حتى الان، بل على العكس فقد عمدت السياسات السارية المفعول الى زيادة الأكلاف واجور العمل ......الخ (ولا مجال للاستطراد هنا في هذا المجال). وكان الاولى بالحكومة تقديم المزيد من الدعم للقطاع الزراعي لا اخضاع الدخل الزراعي لضريبة الدخل ولأول مرة في تاريخ الاردن الحديث.
وإذا كان لا بد من اخضاع القطاع الزراعي للضريبة فليقع ذلك على الجزء المتعلق بمجال التسويق الزراعي، وهو الجزء الذي يشمل مرحلة النشاط خارج المزرعة، وصولا الى السوق المركزي وتجار الجملة وتجار التجزئة والمستهلك النهائي، وهي المرحلة التي يستغل فيها المزارع والمستهلك أبشع استغلال وعلى حد سواء.
المادة رقم(
: تنزيل الاعفاءات من الدخل الخاضع للضريبة:
تضمن مشروع القانون تنزيل الاعفاءات من الدخل الخاضع للضريبة من 12,000 دينار للفرد و24,000 دينار للاسرة الى 9,000 دينار و18,000دينار على التوالي لسنة 2019، 8,000 دينار و16,000 دينار على التوالي لسنة 2020، ولم يقدم المشرع تبريرا واضحا لهذا التوجه غيرهدف الجباية وزيادة الحصيلة.
وباعتقادي ان هذا يمثل افتئات على الحقوق المكتسبة للمكلفين والتي انقضى على العمل بها حوالي عشر سنوات، حيث تم تحديد هذه التنزيلات في القانون رقم 28 لسنة 2009، في ظل الظروف والاوضاع الاقتصادية السائدة انذاك. والان وبعد انقضاء عشر سنوات ارتفعت فيها مستويات الدخل ومستويات الاسعار والتضخم، يعمد المشرع الى تخفيض هذة التنزيلات، وكان الاولى به ان يزيدها بما ويتناسب مع الظروف الاقتصادية الجديدة.
المادة رقم(9) فقرة أ: عدد الشرائح الضريبية ومعدلات الضريبة التصاعدية عليها:
تضمن مشروع القانون خمسة شرائح ضريبية حجم كل منها 5,000 دينار، مقارنة بثلاث شرائح في القانون الحالي وشريحتين في قانون 2009 و7 او 8 شرائح في القوانين السابقة لسنة 1982 ولسنة 1964. كما تم فرض ضريبة تصاعدية على الشرائح الخمسة بمعدل 5% على الاولى و10% على الثانية و15% على الثالثة و22% على الرابعة و25% على الدخل ما فوق ذلك، اي على الدخل فوق 20,000 دينار، وبالمقارنة فقد وصلت معدلات الضريبة التصاعدية في قانونى 1982 & 1964 الى 45% والى 50%، بالرغم من انخفاض مستويات الدخل بشكل كبير عن نظيرتها الان، ولا أدري ما هي حكمة المشرع من هكذا ترتيب. لقد كان الاولى بالمشرع ان يوسع الشرائح الاولى، وان يزيد عدد الشرائح، وان يرفع معدلات الضريبة على الشرائح العليا للدخل للوصول على الاقل لمستوياتها في القوانين السابقة، ووصولا الى مستويات الدخل العليا لطبقة اصحاب الملايين التي بدأت في الظهور مؤخرا في الاردن. وهذا هو الاجراء السليم لتحقيق مبدأ العدالة النسبية بين المكلفين، والذي يعتمد في جوهره على نظرية تناقص المنفعة الحدية في الاقتصاد، هذا ناهيك ان مثل هكذا ترتيب لا يشكل اعباء حقيقية على عموم المكلفين، وهو الهدف الذي تصبو الية حكمة المشرع.
المادة رقم(9) فقرة ب: معدلات الضريبة على ارباح البنوك:
لم يتضمن مشروع القانون الجديد اية تغيرات على معدلات الضريبة على ارباح البنوك وابقاها عند مستوى 35% فقط، ورغم ان هذه قد تبدو نقطة جدلية، الا انني بصراحة ارى ضرورة رفع معدلات الضريبة على البنوك لتصل الى 45% او أكثر، وذلك للأسباب التالية:
نتيجة ما تتمتع به البنوك من موقع احتكاري، اذ ان سياسة البنك المركزي لا تسمح باعطاء تراخيص لانشاء بنوك تجارية جديدة، وبالتالي فان البنوك الحالية القائمة تتمتع بوضع احتكاري متميز، وهي بالفعل تحقق ارباحا عالية لا نظير لها في قطاعات الانتاج الاخرى.
تدني مستوى المخاطرة في اعمال البنوك، اذ ان انشاء بنوك جديدة او فروع جديدة لايحتاج لوقت طويل قبل مباشرتها العمل خلافا لما هو علية الحال في القطاعات الاخرى وخاصة الصناعة، التى تحتاج لسنوات طويلة لإجراء دراسات الجدوى الاقتصادية، الدراسات الفنية، وكذلك للبناء والاعمار، وللانتاج التجريبي والمشاكل الفنية الاخرى، هذا ناهيك عن مشاكل التسويق والترويج لمنتجاتها. وعلاوة على ذلك فان انشطة البنوك التجارية تركز على الاقراض للمشاريع قصيرة المدى (اقل من سنة) وفي احيانا اقل متوسطة المدى.
ان نسبة عالية من ودائع البنوك لديها تكون بدون فائدة، من منطلق ان اصحاب هذه الودائع يريدون ان يتجنبوا التعامل بالربا. ويضاف الي ذلك ارتفاع هامش الربح الذي تتقاضاه البنوك بين معدلات الفائدة المدفوعة لاصحاب الودائع ومعدلات الفوائد المقبوضة عن القروض الممنوحة.
المادة رقم(9) فقرة ج : ضريبة التكافل الاجتماعي
تضمن مشروع القانون ما يسمى بضريبة التكافل الاجتماعي، وهي بمعدل 1% من الدخل الشخصي الطبيعي العادي، ومن صافي ارباح الشركات لغايات البحث العلمي ومكافحة الفقر.
ومع احترامي لهذه الفكرة والغايات النبيلة المرجوة منها، الا انها باعتقادي تمثل مخالفة صريحة للمبادىء العامة للضريبة. وتحديدا عدم جواز تخصيص ضريبة معينة لغرض او نفقة معينة، لان هذا يخالف مبدأ تحديد اولويات المجتمع وترتيبها وفق سلم اولوياتها ومن ثم تخصيص الايرادات العامة وتوزيعها وفق سلم اولوياتها وعلى نحو يعظم المكاسب العامة والصالح العام.
المواد رقم (30& 31 & 33): التهرب الضريبي
تضمن مشروع القانون والحديث عنة الكثير الكثير عن التهرب الضريبي وكذلك العقوبات للمخالفين، ولكنة بصراحة لم يحاول ولا الدراسات والمقالات المرافقة بيان اي مثال عن هذا التهرب، بل ان النصوص الحالية ذاتها تضمنت مجالا واسعا للتهرب والتهرب القانوني تحديدا، وذلك حين حافظت على محدودية عدد الشرائح الضريبية (5 شرائح)، وابقت اعلى معدل الضريبة عند 25%، ولم يراعي المشرع الظروف والتطورات الجديدة على هيكل الرواتب والامتيازات الوظيفية في المجتمع الاردني وفي القطاعين العام الخاص على حد سواء. وتحديدا، فانني اشير بشكل خاص الى التباين في الرواتب والمهايا بين القطاع العام والخاص، وحتى داخل كل قطاع. وكامثلة على ذلك، فان امتيازات رؤوساء واعضاء مجالس الادارة والمدراء وكبار الموظفين في القطاع الخاص وخاصة قطاع البنوك وشركات التامين، تصل الى عشرات، بل مئات الالوف في السنة، وتصل في مجملها الى مئات الملايين. وتفرض ضريبة الدخل على هذه الدخول بمعدل اقصاه 25% فقط، في حين ان هذه الامتيازات لو لم تنزع من ارباح الشركات والبنوك لخضعت لضريبة بمعدل 35%، اي ان هناك فارق بنسبة الضريبة قدره 10%. وهذا في حد ذاته يشكل تهرب قانوني واضح. وكذلك، فان تفاوتا كبيرا في رواتب القطاع العام ، حيث تصل رواتب المدراء والموظفين في المؤوسسات العامة اضعافا مضاعفة عن رواتب الوزراء ونظرائهم في الوزارات الام ذاتها. وهذه كلها مدعاة لمزيد من التهرب الضريبي.
مثال رقمي: بلغت امتيازات أحد رؤساء مجالس الادارة في أحد البنوك في أحد السنوات 840,000 دينار، فاذا طرحنا 20,000 دينار (مجموع الشرائح الأربعة الأولى) فانه يبقى مبلغ 820,000 دينار وهي الشريحة الخامسة التي تحتسب عليها الضريبة بمعدل 25%، فاذا ضربنا هذا الرقم ب 10% (35% - 25%) فان التهرب الضريبي القانوني يبلغ في هذه الحالة المنفردة وحدها 82,000 دينار، وقس على ذلك مئات بل الوف الحالات الاخرى المشابهة، والتي يمكن ان تزيد حصيلة الضريبة في مجملها بعشرات، بل مئات الملايين.
ورغم ذلك، ظلت السياسات الاقتصادية والسعرية والضرائبية تدور في فراغ وتحوم حول سعر جرة الغاز وسعر رغيف الخبز وتصاريح العمل .......وخلاف ذلك. والنتيجة قتلنا المستهلك وحملنا المنتج ما لا يطاق وأضعفنا القدرة التنافسية للمنتجات الاردنية وللاردن على وجه العموم.
والله من وراء القصد