[rtl]
جدلية حرب العصابات: حقيقة الاستراتيجية والمفاهيم المغلوطة[/rtl]
لا شك إن استراتيجية ما عرف بحرب العصابات تعد من أشهر المصطلحات التي تلقى رواجا عند الحديث عن أي مواجهة بين طرفين أحدهما ضعيف للغاية الآخر قوي للغاية، وعلى الرغم من رواج المصطلح والاستراتيجية والفكرة سواء من ناحية التنظير أو من ناحية التجربة العملية في العديد من الصراعات التي سنتناولها لاحقا، إلا أننا نرى العديد من المفاهيم المغلوطة والتصورات الناقصة أو السطحية لهذه الاستراتيجية سواء من قبل الجمهور المهتم من الأمة المسلمة أو من قبل قادة التغيير والرأي في الحركات المختلفة عبر العالم الإسلامي لذا سنحاول عبر الأسطر القادمة أن تبيين ما هي استراتيجية حرب العصابات؟ وأهم أركانها وشروطها بصورة علمية لنجلي المفاهيم التي ربما تكون ملتبسة لدى البعض حولها.
قد تغير شكل الحروب بعد الحرب العالمية الثانية وبرزت أنماط غير اعتيادية من الحرب مثل الحرب الباردة و حرب العصابات والحروب غير المتوازية وشهد العالم في فترة ما بعد الحرب العالمية عدد قليل من نمط الحرب النظامية مثل:
– الحرب الكورية.
– حروب العرب مع الكيان الصهيوني (48-67-73).
– الحرب العراقية الإيرانية.
– حرب الفوكلاند.
ويرجع تغير شكل الحرب ونمطها عن شكل الحروب النظامية المعروف منذ القدم إلى
عدة عوامل منها:
- تدمير كثير من الدول الأوربية واضمحلال دول أخرى بعد الحرب العالمية الثانية
- نظام القطبين الذي يهيمن على العالم ثم نظام القطب الواحد أوجد صيغة حاكمة للصراعات الدولية بسبب فرق القوة غير القابل للتناسب بين أمريكا مع الاتحاد السوفيتي قديما ثم أمريكا منفردة وبين باقي دول العالم.
- انعدام التكافؤ ولو نسبيا في كثير من الصراعات بين الطرفين.
- ظهور التقنية النووية وامتلاك حوالي 9 دول للقنابل النووية ووسائل إيصالها.
- إنهاك الحروب الأوربية المتوالية للدول الكبرى عبر عدة قرون جعل إدارة الحرب والقتال تكاد تكون منعدمة إلا ضد أطراف بالغة الضعف لا يمكنها إلحاق أي أذى فضلا عن أن تمتلك قوة مقاربة.
- انتشار الصيغة الأمريكية لإمبراطورية لحكم العالم عبر وكلاء محليين ومؤسسات النظام الدولي في معظم دول العالم باستثناء الدول الكبرى وهذه الصيغة تنتج طغاة محليين يتحكمون بالسلاح والمال والسلطة وشعوب فقيرة مستعبدة تعاني القهر والظلم وثروات منهوبة لصالح الدول الكبرى.
سننقل الآن أقدم ما دون حول حرب العصابات في العصر الحديث ولا يعني هذا أن هذه هي بداية الاستراتيجية فهي قديمة قدم الحرب ولكن هذا هو أول ما وصل إلينا من كتابات علمية حولها و ننقلها هنا من كتاب البعد الأول وهو مختصر كتاب عن الحرب لكلاوزفيتز ونبين بذلك الخطأ الشائع أن أول من دون فيها هو ماو تسي تونج، فتحت باب بعنوان الشعب المسلح تطرق كلاوزفيتز لمناقشة أسلوب حرب العصابات كاستراتيجية دفاعية وذلك بناء على السوابق التاريخية وعلى تجربة عصره التي مثلتها الحرب الإسبانية ضد جيوش نابليون في شبه الجزيرة الإيبرية.
الظروف التي حددها كلاوزفيتز حتى تكون حرب العصابات ناجحة:
أولاً: يجب خوض الحرب في الأجزاء الداخلية من البلاد.
ثانياً: أن لا تحسم تلك الحرب بضربة حاسمة منفردة.
ثالثاً: أن تلائم السجايا الشعبية العامة هذا النوع من الحرب.
رابعاً: يجب أن يكون مسرح العمليات كثير الاتساع.
خامساً: يجب أن تكون المنطقة وعرة وصعبة المسالك.
Embed from Getty Imagesلا يجوز ولا يمكن استخدام العصابات المسلحة ضد أي قوة معادية بحجم كبير فلا يفترض بها مهاجمة قلب العدو بل مواصلة القضم في القشور الخارجية الهشة وحول حافات القوة أو أطرافها ويكون محور عمل العصابات مؤخرة العدو وطرق مواصلاته وأرتاله الضعيفة المتحركة، ويجب ألا تتحول العصابات إلى قوة مادية كبيرة وثقيلة وأن تقتصر على كونها قوة غامضة وغير محددة سريعة التملص والاختفاء حتى لا يستطيع العدو توجيه قوة كافية إلى مركز هذه القوة وسحقها، كما ينبغي الحفاظ على رجال العصابات من الموت والأسر وينبغي للعمل الدفاعي أن يتميز بالبطيء والإصرار والحسابات الدقيقة وأن يسبب مخاطر أكيدة للعدو، ويجب اللجوء لهذا الأسلوب عند اندحار الجيش الرئيسي أو قبيل الإعداد لمعركة كبرى مع العدو المتفوق.
على الحكومة (القيادة) أن لا تفترض أن مصير بلدها ووجودها كلية معلق على نتيجة أي معركة مهما كانت قوة أو درجة حسمها إذ حتى وبعد الاندحار هناك وعلى الدوام إمكانية انقلاب الخط بفعل تطوير واستغلال لموارد جديدة للقوى الداخلية أو من خلال المعاناة الطبيعية والمتتالية التي تقاسيها كل الأعمال التعرضية (الهجومية) على المدى البعيد أو بفعل مساعدات خارجية فهناك وعلى الدوام وقت كاف للموت.
بعد انهماك المنتصر بعمليات الحصار وبعد تركه لحاميات على طول الطريق لتحديد خطوط مواصلاته أو حتى لو اقتصر على إرسال مفارز لضمان حرية تحركه ولمنع المناطق الجانبية من إزعاجه وبعد أن يتم إضعافه بسبب تكبده مختلف أنواع الخسائر في الأرواح والمعدات يحين عندها وقت المدافع في السيطرة ثانية على الساحة وساعتها فإن ضربة أحسن إعدادها وتوجيهها ضد المهاجم في موقفه الصعب هذا ستكون كافية لزعزعته.
لحرب العصابات عدة مسميات ذات دلالات هامة توضح معناها منها:
حرب الأنصار: حرب تقوم على اكتساب دعم الشعب.
حرب الألف جرح أو البرغوث والكلب: حرب تقوم على الاستنزاف الطويل لعدو قوي من قبل طرف ضعيف.
حرب الغوار: تقوم على المغاوير الأشداء.
الأمثلة والتجارب الهامة التي ينبغي دراستها:
– الحرب الإسبانية ضد نابليون: ويمكن مراجعة فصل الشعب المسلح في كتاب عن الحرب لكلاوزفيتز لدراستها
– عبد الكريم الخطابي في المغرب
– عمر المختار في ليبيا
– ماو تسي تونج في الصين
– حرب فيتنام ضد فرنسا وضد أمريكا
– الثورة الكوبية
– أفغانستان: وقد خاضت في العصر القديم عدة حروب ضد الاحتلال البريطاني وهزمت بريطانيا في معارك مشهورة وفي العصر الحديث خاضت حرب ناجحة ضد الاحتلال السوفيتي مرت بالمراحل كلها حتى إقامة دولة ثم تخوض حرب ناجحة ضد الاحتلال الأمريكي وقد انتقلت من مرحلة الاستنزاف مؤخرا إلى مرحلة المعارك شبة النظامية.
– الصومال: تشابه الوضع في أفغانستان حاليا وللاطلاع على مزيد تفاصيل عن البلدين
– الشيشان.
عناصر الاستراتيجية
أولا: إطالة أمد الحرب وهو يعني ضرورة استمرارية العمل والحرب والمحافظة على الاستمرارية لعدة أسباب منها:
لكي يتحقق استنزاف قوى العدو وموارده الكبيرة.
كسب دعم وتأييد الأنصار بشكل تصاعدي.
اكتساب الخبرات والموارد اللازمة لتقوية العصابات.
ثانيا: الالتزام بالمراحل الثلاثة للاستراتيجية فالمرحلية هي الركن الثاني وعدم تطبيقه بشكل دقيق سواء في الالتزام بشروط كل مرحلة أو في الانتقال بين المراحل المختلفة يؤدي للفشل التام.
المرحلة الأولى: الاستنزاف أو الدفاع الاستراتيجي.
المرحلة الثانية: الحرب شبه النظامية أو التوازن النسبي.
المرحلة الثالثة: الحرب النظامية أو الحسم العسكري.
سمات المرحلة الأولى
Embed from Getty Images– عمليات صغيرة الحجم و كثيرة العدد و متفرقة ومنتشرة على أكبر مساحة ممكنة.
– التسليح من العدو والشئون الإدارية من المحيط المحلي.
– لا قواعد ولا مراكز ولا وجود مادي ثابت.
– التكتيك العسكري يقتصر على الكمين والإغارة مع مراعاة المرتكزات التالية:
التفوق المحلي: ونعني به التفوق على العدو في العملية التي نقوم بها سواء كمين أو إغارة بالرغم من أن التفوق العام بالتأكيد في صالح العدو إلى أنه لابد من وجود تفوق محلي في أي عملية نقوم بها وإلا يجب إلغائها ويحسب التفوق بمبدأ قوة النيران وليس بمبدأ التفوق العددي إلا في حالات نادرة.
الكر والفر: أي الحركة الدائمة سواء من أجل الهجوم على العدو حين يكون غير متوقع ومرتاح أو للتملص منه حال الاستنفار والاستعداد لمهاجمتنا.
التمركز والانتشار: تهدف استراتيجية العمليات لجعل العدو يشتت قوته على رقعة كبيرة جداً مما يجعله ضعيف في كثير من الأماكن وعرضة لهجماتنا وحين يدرك ذلك يقوم بالتمركز وتجميع قواته في نقاط قوية مما يجعله يترك مناطق ومساحات لنجعلها خاضعة لنفوذنا ويعتمد على الأرتال القوية التي يوجهها نحو مناطق نفوذنا والتي نتعامل معها طبقا للمرحلة.
سمات المرحلة الثانية
Embed from Getty Images– قواعد ومراكز ثابتة في المناطق التي يخرج منها العدو وتخضع لنفوذنا .
– العمل في مناطق العدو التي يحتفظ فيها بقوته مثل أسلوب المرحلة الأولى.
– العمليات من مناطق نفوذ الثوار تصبح عمليات عسكرية أكبر حجماً ونوعاً.
– بناء القوة العسكرية النظامية لمواجهة متطلبات المرحلة والمراحل القادمة.
– بناء نواة النظام السياسي ونموذج الدولة في المناطق المحررة.
سمات المرحلة الثالثة
– عمليات عسكرية نظامية تخضع لقوانين الحرب النظامية وتهدف لحسم الحرب الطويلة ويكون هدفها الاستيلاء على العاصمة ومراكز الحكم.
– العمل السياسي المتكامل الداخلي سواء بالتفاوض مع الحكومة العدو أو لحشد الشعب وقى المعارضة والخارجي مع الدول الأخرى لتحييدها على قدر الإمكان وتقليل خطر مواجهتها للثورة ودعم النظام العدو.
ملاحظات هامة
– من الجبال أو المناطق الوعرة نحو الأرياف ثم المدن ثم العاصمة هذا هو اتجاه العمل المفترض في دورة حياة حرب العصابات.
– إمكانية الرجوع في المراحل بمعنى أنه يمكن الانتقال للمرحلة المتقدمة ثم العودة مرة أخرى للمرحلة السابقة ويكون هذا سواء لتطور ظروف جديدة أو لخطأ في قرار الانتقال تثبته الأحداث.
– ضرورة الاحتفاظ بمقومات وعناصر حرب العصابات خلال جميع المراحل حتى بعد الحسم النهائي بمعنى الاحتفاظ بالقواعد والتشكيلات والجسم الأساسي للحرب لإمكانية الرجوع في المراحل كما سبقنا حتى بعد الحسم، بسبب احتمالية تدخل أطراف خارجية وهذا يمكن تطبيقه عبر عمل جسمين منفصلين أحدهما جيش نظامي وآخر قوات عصابات أو وضع قوات العصابات ضمن نفس الجسم بمثابة قوات خاصة مع احتفاظها بمقدراتها واستقلاليتها.
– العمل السياسي والإعلامي ضرورة أساسية لاكتساب الأنصار والنجاح العام وذلك في جميع مراحل حرب العصابات فالتنظيم المدني للثورة ضرورة أساسية لمساعدة حرب العصابات على التطور والنجاح.
– قواعد قوات العصابات تكون داخلية في الأماكن الوعرة وخارجية في دول مجاورة تشترك في الحدود، سرية في المرحلة الأولى لضمان عدم تدميرها من قبل العدو المتفوق، وظاهرة في المراحل الأخرى ونعني بالقواعد الظاهرة هنا أي المناطق الريفية والمدن البعيدة التي تخضع لسيطرة الثوار أما القواعد السرية في المناطق الوعرة تظل على حالها من السرية لإمكانية الرجوع في المراحل كما تقدم .
أنواع ميادين حرب العصابات
Embed from Getty Imagesالغابات: من أفضل ميادين الحرب خصوصاً مع التفوق الجوي للعدو ويلزم أن تكون مساحتها كبيرة وغير قابلة للتطويق ومصادر المياه متوفرة فيها.
الجبال: من أهم وأشهر ميادين الحرب خصوصا لو كانت جبالة مغطاة بالأشجار والزروع ويشترط أن تكون ممتدة على مساحات كبيرة ومترابطة و يتوفر فيها مصادر الماء بشكل يسمح بالعيش فيها بصورة مستقلة عن الإمداد الخارجي.
المدن : لا تعتبر المدن ميدان رئيسي مستقل لخوض حرب عصابات ولكنها ميدان لعملها سواء في المراحل الأولى للقيام بعمليات نوعية ضد أهداف هامة أو لدعم الحرب بعمليات إعلامية أو في المراحل الأخيرة حيث تنتقل قوات العصابات من الجبال إلى الأرياف نحو المدن لتحريرها ثم تنتهي بتحرير العاصمة وتعتبر من أصعب البيئات لعمل العصابات كونها بيئة عمل أمني سري بشكل كامل وتتطلب قدرات وتنظيم يكافئ عمل أجهزة الاستخبارات لكي يمكن العمل فيها بشكل ناجح بسبب التشديد الأمني وطبيعة السكان والجغرافيا.
مقومات حرب العصابات أو شروط نجاحها
المناخ الثوري : وهو وصف لحالة الوضع السياسي والاجتماعي المحتقن أو المتفجر اللازم لاحتضان الشعب للعصابات ونجاح الحرب وبدء حرب عصابات في وقت غير مناسب من ناحية المناخ الثوري كفيل بالحكم عليها بالفشل وغالباً لا يمكن صنع هذا المناخ لأنه ينتج من عدة عوامل من الصعب التأثير فيها بشكل متكامل ولكن يمكن تسريع وتزكية هذا المناخ إن وجدت بوادره.
الجغرافيا المناسبة : طبيعة الميدان واتساع الرقعة فكما رأينا لابد من وجود أراضي وعرة مناسبة وأن تكون الحرب على مساحة جغرافية كبيرة.
التركيبة السكانية المناسبة : نظرياً لا يوجد شعب غير قابل للانتفاض، ولكن عملياً هناك شعوب تتسم بسمات تاريخية تجعلها أكثر قدرة على تحمل تبعات الحرب الطويلة ولديها من العقيدة والسمات الشخصية ما يؤهلها لاحتضان الثوار، ومساعدتهم والتعاون معهم، وهناك شعوب أخرى قد لا تتوفر فيهم هذه السمات بنسبة كافية.
نواة قيادية قوية: على المستوى الشخصي والعلمي والعملي فدور القيادة حاسم في نجاح أو فشل حرب العصابات بشكل كبير.
موارد اقتصادية حرة: بمعنى ليست عبارة عن هبات خارجية أو تمويل من جهات أو بلاد أخرى فلذا لابد أن تكون مصادر تمويل وتسليح العصابات ذاتية بشكل كامل سواء من الغنائم من العدو أو تبرعات أعضاء الحركة والشعب، حتى لا يمكن التحكم في مسار الحرب عبر طرف خارجي وحتى لا تصبح الحركة ورقة ضغط تستعملها جهة أخرى في تحقيق مصالحها الذاتية الخاصة وتضيع مصالح الشعب والثورة ومن الممكن مع الوقت أن تتحول الحركة لمرتزقة بيد من يمولها بعد أن بدأت كحركة ثورية ذات أهداف نبيلة.
استنتاجات هامة
Embed from Getty Imagesإن حرب العصابات هي استراتيجية من ضمن استراتيجيات الحرب ليست كلمة سحرية، أو فوضى عشوائية وتستعمل في ظروف معينة من الضعف وعند توفر مطالبها ومقوماتها وشروطها التي ذكرنا أهمها عبر المقال.
تخضع استراتيجية حرب العصابات لباقي القوانين التي تحكم الحرب ولها أساليبها الخاصة في العمل في المرحلة الأولى، ولكنها في مراحلها الثانية والثالثة فهي ذات أسلوب نظامي بكل تأكيد، ولكنها ليست خارج العلم العسكري والانضباط في كل مراحلها بل أنها تتطلب قدرا أكبر من الانضباط العسكري والشجاعة أكثر من الحرب النظامية.
يمكن استعمال بعض أجزائها وأساليبها في بناء استراتيجية الحرب سواء لدولة أو لتنظيم في أي مرحلة وليس من اللازم تطبيقها كلها أو عدم تطبيقها كلها، كما أن حرب العصابات تقع وسط بين طرفين الأول اندحار الجيش والثاني الإعداد لمعركة حاسمة مع العدو وليست صيغة نهائية أو أبدية للصراع.
ليس كل عمل مقاوم أو عمل ضد عدو أكبر يدخل ضمن حرب العصابات فكما رأينا فهي استراتيجية متكاملة شديدة الانضباط ولها مراحل وشروط ومقومات دقيقة لذا لابد أن ندرك أن الأعمال التلقائية والفوضوية والانتفاضات الشعبية لا تدخل في مسمى استراتيجية حرب عصابات على الإطلاق، ولكنها تعتبر أحد الأدلة على وجود المناخ الثوري الذي تحدثنا عنه ويمكن أن تنظم وترتب لاحقاً في شكل حرب عصابات حقيقة.
يجب على القادة الذين يخططوا لحرب عصابات ناجحة أن يكونوا على إلمام جيد بأربعة أمور:
أولاً: علم الحروب النظامية لكي يستطيعوا من إدارة الحرب في المرحلة الثانية والثالثة ولكي يستطيعوا فهم العدو و كيفية عمله.
ثانياً: علم الحرب الثورية أو حرب العصابات خصوصاً الخاصة بالأساليب المميزة للمرحلة الأولى وكذلك معرفة وسائل مقاومة حروب العصابات.
ثالثاً: العلم بالتجارب والحروب السابقة الخاصة بمنطقته أو البلد التي يدير فيها حربه.
رابعاً: الإحاطة بكافة أوضاع وظروف البلد ودراستها لبيان إمكانية تطبيق القواعد المناسبة لها.
العمل السري داخل المدن يعتبر جزء من ضمن أساليب استراتيجية حرب العصابات إذا توافرت باقي مقوماتها، ولكنه لا يمكن اعتباره جزء من حرب عصابات إذا افتقدت باقي مقومات وعناصر الاستراتيجية والاقتصار على العمل السري المخابراتي ربما يكون استراتيجية مستقلة تتبعها بعض الدول أو الحركات لأغراض مختلفة منها زعزعة نظام الحكم أو الإعداد لانقلاب عسكري أو تدخل خارجي من دولة أخرى مدعوم بحزب سياسي داخلي أو بعض الأهداف التكتيكية الأقل مثل اغتيال بعض المعارضين والضغط السياسي على نظام الحكم وغيرها.
العلاقة بين حرب العصابات والثورة الشعبية علاقة متداخلة فالثورة الشعبية السلمية العفوية غير المخطط لها من قبل قيادة محددة وغير المسيطر عليها عبر تنظيم ثوري لا تعتبر استراتيجية تغيير وفي كل حالاتها لا تؤدي لنتيجة حاسمة، إلا إذا تطورت إلى شكل صلب سواء حركت انقلاب عسكري أو تدخل خارجي أو تغيير سياسي عبر حزب معارض أو حرب عصابات داخلية أما العمل الثوري الشعبي بكل أشكاله المخطط والمسيطر عليه من قبل قيادة حرب العصابات فهو يعتبر من ضمن الأساليب الداعمة لاستراتيجية حرب العصابات في جميع مراحلها.
كما رأينا عبر المقال تشابك العديد من المواضيع والمفاهيم والتي ينبغي على قيادة الحرب الثورية أن تكون على دراية إدراك لها بشكل كامل ومحدد لتتمكن من وضع استراتيجية الحرب والمحافظة عليها عبر الوقت الطويل ولكي تستطيع من التعامل مع المتغيرات الكثيرة والمراحل المختلفة عبر الحرب، وأي أخطاء على مستوى القيادة العليا والاستراتيجية تؤدي لنتائج مدمرة حتى لو تم إحراز نجاحات تكتيكية على مستوى المعارك والاشتباكات فالقاعدة تقول لا يمكن للتكتيك أن يصلح أخطاء الاستراتيجية، أما إن كانت القيادة والاستراتيجية تسير بشكل سليم فيمكنها استيعاب وتصحيح الأخطاء والخسائر التكتيكية بشكل كبير إلا في حالات نادرة مثل خسارة جميع المعارك أو خسارة حملات حاسمة بشكل متتابع.