انتهت مفاوضات الحل النهائي في كامب ديفيد بالولايات المتحدة الأمريكية إلى حالة استعصاء
في تموز 2000. أصر الفلسطينيون على حق اللاجئين في العودة إلى إسرائيل، وهذا ما من
شأنه إيجاد أغلبية عربية فيها. وأصر الإسرائيليون على ضم أجزاء رئيسية من المناطق
الفلسطينية وعلى الإبقاء على القسم الأكبر من المستوطنات. ولم يعرضوا إلا صيغة محدودة
للدولة الفلسطينية. يزعم الفلسطينيون أن العروض التي تم تقديمها في كامب ديفيد لا تتضمن
إلا كانتونات أو "مناطق عزل" تتشكل الدولة الفلسطينية منها. والظاهر أن تلك هي السمة
التي ميزت المقترحات الإسرائيلية الأولى. لكن دينيس روس قدم في كتابه "السلام المفقود"
الصادر عام 2004 خريطةً يفترض أنها تعكس الاقتراح التوفيقي الذي طرحه الأمريكيون في
كامب ديفيد، وهي تشمل زهاء 91% من أراضي الضفة الغربية. وقد وافق الطرفان على
الانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.
https://www7.0zz0.com/2021/08/03/19/293679384.jpg" border="0" alt=""/>
انفجر العنف الفلسطيني في 28 أيلول 2000، وقد انطلقت شرارته بفعل زيارة آرييل شارون
إلى جبل الهيكل في القدس. وهذا الموقع الذي اسمه "الحرم الشريف" في اللغة العربية يضم
أيضاً المسجد الأقصى المقدس عند المسلمين. وسرت شائعاتٌ كاذبة تقول إن شارون دخل
المسجد فساهمت في إذكاء لهيب الاضطرابات. دعت الولايات المتحدة إلى مؤتمر قمة في شرم
الشيخ في شهر تشرين الأول من أجل إنهاء العنف. تعهد الطرفان بإنهاء حمام الدم وبالعودة
إلى التفاوض. وقد اتفق في المؤتمر أيضاً على تشكيل لجنة تحقيق بقيادة أمريكية للتقصي
عن أسباب العنف وتقديم توصياتها إلى الأمم المتحدة. وهذا ما أنتج تقرير ميتشل في نهاية
المطاف. لكن القادة العرب وياسر عرفات التقوا بعد ذلك بفترة وجيزة في قمة عربية استثنائية
في القاهرة وأصدروا إعلاناً نارياً يحيي الانتفاضة ويدعو إلى تشكيل لجنة تحقيق دولية بدلاً
من اللجنة التي تم الاتفاق عليها في شرم الشيخ. وبعد نحو أسبوعين جاءت نهاية الهدنة
بفعل تفجير انتحاري في القدس.
بات الوقت ضيقاً أمام المفاوضات مع مواجهة رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك
انتخابات وشيكة ومع إتمام الرئيس الأمريكية كلينتون فترة ولايته الرئاسية. فشلت
المفاوضات التي جرت في واشنطن في كانون الأول 2000 في الوصول إلى أي اتفاق. طرح
الرئيس كلينتون مقترحات لجسر الهوة بين الطرفين وطلب موافقة الطرفين عليها بحلول 27
كانون الأول. لقد قام كثيرون بالتعتيم على النتائج، لكن المفاوض الأمريكي الرئيسي دينيس
روس كان صريحاً واضحاً في مذكراته (دينيس روس، "السلام المفقود"، 2004، ص: 753
- 755).
تقول الخلاصة التي قدمها روس (وكذلك النسخة المنشورة من المقترحات الرامية إلى جسر
الهوة) إن اقتراح كلينتون منح
, 2000 الفلسطينيين نحو 97% من أراضي الضفة الغربية إضافة إلى السيادة على مجالهم
الجوي. أما اللاجئون فلا يستطيعون العودة إلى إسرائيل من غير موافقة إسرائيلية. وترابط
قوة دولية في وادي الأردن ست سنوات فتحل محل جيش الدفاع الإسرائيلي وتكون المناطق
المجاورة للقدس والحرم الشريف (جبل الهيكل) ضمن الدولة الفلسطينية. وقد قال سفير
السعودية الأمير بندر بن سلطان "إذا لم يوافق عرفات على ما هو مطروح الآن فلن تكون هذه
مأساة بل جريمة". (روس، "السلام المفقود"، 2004، ص: 748).
https://www7.0zz0.com/2021/08/03/19/812446019.jpg" border="0" alt=""/>
اجتمعت الحكومة الإسرائيلية في 27 كانون الأول ووافقت على اقتراحات كلينتون مع بعض
التحفظات التي قال روس إنها "ضمن الحدود المقبولة". أما الفلسطينيون فلم يقدموا إجابةً.
مر الموعد المضروب ولم يأت الرد النهائي الفلسطيني. يقول روس إنه قال لأبي العلاء (أحمد
قريع) في 29 كانون الأول: "سجل كلماتي. ستنفض [الولايات المتحدة] يدها من الأمر،
وسيكون ذلك في وقت لا يعود فيه باراك أو آمنون أو شلومو موجودين بل في وقت يصبح فيه
شارون رئيساً للوزراء. سوف ينتخب شارون بكل تأكيد إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق.
وستنخفض الـ 97% إلى 40 – 45%. وستخسرون فرصة إقامة عاصمتكم في القدس
الشرقية. ولن يترك جيش الدفاع الإسرائيلي وادي الأردن وسيكون حق اللاجئين غير المقيد
في العودة إلى دولتكم قد ذهب أدراج الرياح".
أجابه أبو العلاء: "أخشى أن يتطلب الأمر خمسين سنة أخرى لتسوية هذا الأمر".
لقد أورد روس الخريطة المبينة في كتابه "السلام المفقود". وهي تبين الحدود التقريبية
للدولة الفلسطينية بموجب اقتراح كلينتون. تحذف الأراضي التي سيتخلى عنها الإسرائيليون
للدولة الفلسطينية.
وفي حفل عشاء أقيم في تشرين الثاني 2005 في ذكرى إسحاق رابين قال الرئيس كلينتون أن
الرئيس ياسر عرفات ارتكب "خطيئة تاريخية جسيمة" عندما رفض تلك الشروط مسبباً
انهيار عملية السلام. (هاآرتس، 14 تشرين الثاني 2005).
لكن المفاوضين الفلسطينيين يقدمون رواية مختلفة. ففي 13 تشرين الثاني 2005 نقل المركز
الإعلامي الدولي للسلطة الفلسطينية عن وزير الإعلام الفلسطيني نبيل شعث الكلمات التالية
في ذكرى وفاة ياسر عرفات:
"لقد قال أيضاً إن إسرائيل لا تريد أبداً أن تصل إلى الحل النهائي خلال المرحلة الثانية من
مفاوضات كامب ديفيد، وهذا ما أسكت الشائعات التي تقول إن إسرائيل عرضت على
الفلسطينيين 97% من الضفة الغربية و10% من وادي الأردن".
وتابع الوزير يقول: "وأما كل ما قيل عن أن إسرائيل قدمت إلى الفلسطينيين تنازلات كبيرة
فهو غير صحيح". وأكد أن إسرائيل رفضت إعادة القدس إلى الفلسطينيين، بل هي فوق ذلك
مصرة على ضم الكتل الاستيطانية إلى مدينة القدس.
لقد أوضح الوزير شعث أن هذه النقطة هي ما أوصل مفاوضات كامب ديفيد الثانية إلى حالة
استعصاء.
وأضاف الوزير أن ما اقترحه رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك تقديمه لم يكن إلا
إعطاء عرفات مقراً رئاسياً في مدينة القدس القديمة؛ لكن الرئيس الراحل رفض هذا الاقتراح
رفضاً قاطعاً.
لكن الفلسطينيين لم يعترضوا إطلاقاً على النسخة المنشورة من مقترحات الرئيس كلينتون
لجسر الهوة. رغم أن من الواضح فيها أن الفلسطينيين سينالون السيادة في القدس الشرقية
العربية بما فيها حرم الشريف (جبل الهيكل).
وفي مفاوضات اللحظة الأخيرة التي جرت في طابا المصرية بين 21 و27 كانون الثاني
2001 تحت رعايةٍ أوروبية ومصرية فشل الجانبان في التوصل إلى تسوية رغم تقديم
الإسرائيليين مزيداً من التنازلات. ورغم اتفاق الجانبين على إعلان مشترك يقول إنهما اقتربا
من الاتفاق اقتراباً لا سابق له فإن عدم الاتفاق الملموس بشأن موضوع اللاجئين وخرائط
الاستيطان النهائية ظل قائماً. قطع رئيس الوزراء الإسرائيلي باراك المفاوضات يوم 28
كانون الثاني 2001 وعلقها حتى ما بعد الانتخابات. كان باراك يأمل التوصل إلى صفقة
يستطيع تقديمها إلى الجمهور الإسرائيلي، وقد أصابه الغضب وخيبة الأمل لعدم التوصل إليها.
لقد انتهت المفاوضات لأن باراك الذي دفع العملية السلمية إلى الأمام خسر الانتخابات في
بداية شهر شباط وحل محله رئيس الحكومة اليميني آرييل شارون.
لم يجر فعلياً خلال المفاوضات تقديم أي خرائط رسمية إلى الجانبين، أو من قبل الجانبين.
وبعد فشل المفاوضات واصل الفلسطينيون الزعم بأن إسرائيل لم تعرض عليهم إلا "معازل"
في الضفة الغربية. ولم تنشر الحكومة الإسرائيلية أي خرائط. أما دينيس روس الذي ترأس
الفريق الأمريكي المفاوض فقد لخص المقترحات التي قدمتها الولايات المتحدة في الخرائط
المبينة أعلاه. وقامت أيضاً كل من مجموعة غوش شالوم ومؤسسة السلام في الشرق الأوسط
بنشر خريطة لهذا العرض الذي قدمته حكومة باراك في طابا. لقد كانت مسألة اللاجئين أحد
الأسئلة الرئيسية البارزة. كان الرئيس كلينتون يظن أن المسألة لا تتعدى فوارق في الصياغة
بين الطرحين الإسرائيلي والفلسطيني. لقد دعت اقتراحاته الرامية إلى جسر الهوة إلى السماح
للفلسطينيين بالعودة من الخارج إلى الدولة الفلسطينية. ولا يكون بوسعهم أن يعودوا إلى
إسرائيل إلا بموافقة الحكومة الإسرائيلية. لكن الاقتراح الفلسطيني في طابا دعا إلى عودة
نهائية لجميع اللاجئين إلى إسرائيل. لكن هذا الاقتراح ما كان مقبولاً لدى الإسرائيليين لأن من
شأن أن يخلق أغلبية عربية فيها وأن يضع نهاية لممارسة اليهود حق تقرير المصير.
تواصل العنف في عامي 2001 و2002 رغم محاولات لجنة ميتشل وغيرها من أجل استعادة
الهدوء وقد كان للهجمات الإرهابية التي استهدفت مركز التجارة العالمية في الولايات المتحدة
يوم 11 أيلول 2001 آثارٌ وبيلة مباشرة على النزاع الإسرائيلي الفلسطيني. فمن جهةٍ أولى
حاولت البلدان العربية والإسلامية الاستفادة من الحاجة إلى تعاونها في الحرب على الإرهاب
بغية انتزاع تنازلات في صالح الفلسطينيين. ومن جهةٍ ثانية، بدأ كثير من الأمريكيين في
النظر إلى الأعمال الإرهابية في ضوء جديد عندما بدأ الربط بين منظمات من قبيل حماس
وحزب الله وبين جماعة القاعدة بزعامة أسامة بن لادن. وأما ما كان له أثر مؤذٍ متميز على
الفلسطينيين فهو المظاهرات التي خرجت تأييداً لابن لادن والأدلة التي ربطت بين سفينة
اعترضتها إسرائيل (اسمها كارين آ) كانت تحمل أسلحة مهربة وبين الدعم الإيراني المقدم إلى
السلطة الوطنية الفلسطينية. تم اعتراض هذه السفينة يوم 3 كانون الثاني 2002، وهو يوم
وصول المبعوث الأمريكي أنتوني زيني من أجل محاولة التوصل إلى تسوية. وعلى ضوء هذه
الصورة. بدا أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يمنحان إسرائيل مجالاً أوسع للتحرك ضد
الفلسطينيين. نفذت إسرائيل اقتحامات متزايدة في المناطق الفلسطينية وحاصرت الرئيس
ياسر عرفات في المجمع الرئاسي في رام الله. لكن الفلسطينيين قاموا بتصعيد هجماتهم ضد
الجنود الإسرائيليين إضافةً إلى تصعيد التفجيرات الانتحارية.
اقتراحات السعودية السلمية وقرار الدولة الفلسطينية ـ طرح ولي العهد السعودي الأمير عبد
الله اقتراحاً جريئاً من أجل إنهاء الحرب الطويلة بين العرب وإسرائيل مقابل انسحاب
الإسرائيليين من المناطق الفلسطينية، ومقابل انسحاباً في الجولان مع ترتيبات ملائمة فيما
يخص القدس واللاجئين. وقد جرى تبني هذا الاقتراح بعد تعديله ليكون أكثر وضوحاً فيما
يخص مسألة اللاجئين في اجتماع الجامعة العربية؛ وفي النهاية جرى إدخاله ضمن خطة
الطريق التي طرحتها اللجنة الرباعية. وفي 12 آذار 2002 اتخذت الجمعية العامة للأمم
المتحدة القرار رقم 1397 الذي دعا الأطراف إلى وقف العنف من جديد وتطرق إلى ذكر خطة
الأمير عبد الله للسلام، وكذلك دعا للمرة الأولى منذ عام 1947 إلى إقامة دولة فلسطينية إلى
جانب إسرائيل.