ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75802 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: النظرية السياسية في الفكر الإسلامي من خلال علماء الكلام المسلمين السبت 14 سبتمبر 2013, 11:56 am | |
|
النظرية السياسية في الفكر الإسلامي من خلال علماء الكلام المسلمين - اقتباس :
- نشر هذا المقال في منبر الإسلام
العدد ( السنة (37) شعبان 1399هـ يولية 1979م ---------------------------------------------- النظرية السياسية في الفكر الإسلامي من خلال علماء الكلام المسلمين ـ 1ـ من المعروف أن الفكر الإسلامي ما زال فيه بعض القضايا التي لم تعالج إلى الآن ولم توضع في إطارها الشمولي الذي يعبر عن مكانتها وموقعها من الفكر الإنساني. ونشير بالتخصيص هنا إلى نوع من التخصص نحتاج إليه ولا غنى للفكر الإسلامي عنه. فليس هناك مثلا تخصص يعني بعلم الاجتماع الإسلامي وهو ميدان رحب يحتاج إلى أعمال الفكر وكشف المستور من الأفكار والآراء التي قيلت في هذا المجال منذ العصر الأول الهجري وحتى العصور المتأخرة. فليس بكاف أن نذكر بالفخار رجلا "كابن خلدون" نتيه به عجبا ثم لا نكاد نبحث عن غيره. إن فيلسوف العمران " عبد الرحمن بن خلدون" كان ولا يزال علامة بارزة من علامات الفكر التي يزهو بها أي مجتمع، غير أن ابن خلدون ليس صرخة في فراغ ولا نداء في واد مفرغ من الهواء لا تجد فيه رجعا للصدى، وإنما "عباد الرحمن بن "خلدون" ابن بيئة نشطة فيها علم وتفجرات فيها ينابيع ثقافة، وهو ابن مجتمع اختلطت فيه الحضارات، وامتزجت فيه الثقافات ، وتزاوجت فيه أساليب الحكم وسلوك البشر وطرائق التعامل والتفاهم على العموم. وهذا المجتمع كان جديرا أن نوليه الاهتمام من جميع نواحيه، نتعرف على النظريات الاجتماعية التي كانت تحكمه وقوانين الحكم التي كان يرتضيها لنفسه ويتقدم من خلالها. ولعدم وجود مثل هذا التخصص فإننا نؤكد أن أي تصور خاطئ يمكن أن يتصوره مستشرق عن بعض النظريات فإنه يكون معذورا في تصوره هذا لعدة اعتبارات أهمها: البعد عن العربية وطبائع الناس الذين يتحدث عنهم بعدا جغرافيا وتاريخيا. تطور النظرية السياسية : 2ـ أن تطور النظرية السياسية في الإسلام كان يسير على عدة محاور. فهو يتجه اتجاها فلسفيا نظريا على السنة العلماء والمفكرين. ويتجه اتجاها واقعيا وعمليا على يد الساسة والحكام والمشتغلين بقضايا الحكم. وهذان الخطان كانا يسيران في اتجاهين مختلفين تماما. فالفلاسفة لم يكونوا ينظرون إلى واقع المجتمع لوضع النظرية السياسية الملائمة للمجتمع وسياسة الناس، وإنما كانوا يستقون المعلومة من واقع العصبية المذهبية والآراء الكلية التي يخضع لها كل طائفة من الطوائف. ولذا اختلف الناس طرائق وشيعا، فالقطرية السياسية عند الشيعة تختلف اختلافا جوهريا عند النظرية السياسية عند غيرهم من المفكرين وترى مظاهر هذا الاختلاف واضحة كل الوضوح عندما تريد كل فرقة من الفرق أن تحدد ملامح الشخصية السياسية أو تضع الصفات الخاصة بمن يتولى منصب القيادة في الدولة. وخلاصة القول أن موضع الاختلاف بين هذه الطوائف والشيع، يرجع كله إلى مجموعة المبادئ الخاصة بكل طائفة أو فرقة وفيما يتعلق بالساسة والحكام فإن الدولة كانت تحكم بالوسيلة التي كان يرتضيها الحاكم في زمانه وفي وقته. ولذا فإنك ترى النظرية السياسية في الدولة العباسية تختلف تماما عن النظرية السياسية في الدولة الأموية، وهما يختلفان عن أسلوب الحكم في عهد الراشدين من الخلفاء والحكام. وأياما كان الأمر فإن النظرية السياسية في الفكر الإسلامي وفي واقع الممارسة من الحكم كانت تحاول أن تصنع لنفسها شيئا من القداسة حين تريد الانتماء إلى الإسلام والخضوع لتعاليمه وآرائه. 3ـ ولقد حاول الكثيرون من متأخري علماء الكلام أن يضعوا النقاط على الحروف فأكدوا أن معالجة النظرية السياسية ليست مسألة عقائدية بقدر ما هي مسألة اجتماعية بحتة. فالناس أحرار في اختيار النموذج السياسي الذي يرتضونه بشرط أن يكون داخل الإطار العام للإسلام، وأن يكون المسئول عن قيادة الدولة تتوفر فيه من الشروط والصفات ما يمكنه من تحقيق الأهداف المناطة به والوظائف التي استخلفه الله من أجلها. فقائد الأمة ليس بالضروري سيدها ولا أفضل رجالها، وليس الحكم تشريفا له وتعظيما بقدر ما هو مسئولية تقض المضاجع وتؤرق الفؤاد، وهذا ما أدركه الخليفة الأول "أبو بكر الصديق" وحدده في خطبته الأولى (لقد وليت عليكم ولست بخيركم، القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه، والضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ ا لحق له، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم). الحكم إذن مسئولية والحاكم عليه أن يحقق أهداف الأمة وهي تتلخص في نقطتين أساستين ، الأولى: المحافظة على قانون الدولة ودستورها بحيث لا يتصرف فيه عا بث أو مغرض. الثانية: أن يحافظ على مصالح الناس ومعايشهم وأن يحرص على الرقى بهم نحو الكمال في المادة والروح، هذا هو الجانب العملي من تطبيق القانون الذي وجب الحفاظ عليه من التأويل المارق والتفسير الجامح والتعطيل المتعمد. 4ـ ويتضح مما سبق أنه لابد من إطار عام لا يتأتى لأي نموذج من النماذج الخاصة، أو أسلوب من الأساليب المختارة أن يخرج على هذا الإطار العام، وإلا فإن خروجه هذا يكون إثما مبينا ورذيلة من الرذائل الاجتماعية التي يجب على أهل الحل والعقد مقاومتها وعدم التسليم لها والخضوع لمقتضاها. وهذا الإطار العام يرتكز على ثلاث دعائم أساسية : فالدعامة الأولى: تتلخص في مسئولية الحاكم عن القانون ودستور الأمة بحيث تشتد عنايته به ورعايته له. ولما كانت النظرية السياسية في الإسلام تستهدف المسلمين الذين يدينون بالإسلام فإن الدستور الذي يجب رعايته هنا هو التشريع الإلهي الذي يضبط عقيدة الأمة وسلوكها بحيث يمتد إلى أبسط التصرفات التي يمكن أن تخطر على البال فيضع لها ما يلائمها من التشريع والتقنين. أما الدعامة الثانية: فهي تتلخص في وجوب احترام العقلية المفكرة في الدولة والتي تنبثق في تفكيرها عن آراء الأمة ورعاية مصالحها بحيث لا يكون مستبدا برأى دونه أو يستقل بقرار دون الرجوع إلى المشورة فيه بشرط أن يكون التفكير محله محكوما بضوابط الدستور وتعاليم القانون. أما الدعامة الثالثة والأخيرة فخلاصتها: أن النظرية السياسية عندما تنبثق أو تتمخض عن شخصية قيادية يناط بها الحكم ينبغي أن تكون هذه الشخصية القيادية أو الحاكمة عاملة بجد ونشاط على رعاية مصالح الأمة والحفاظ على ما تحققه من مكاسب وما تتجه نحو من أهداف وغايات. هي إن لم تحقق للأمة أهدافها أو تحافظ لها على مكاسبها ومنجزاتها تكون علامة بارزة من علامات الانتكاسة المرضية التي تصيب الأمم الكبار على تاريخ حياتهم الطويل. رأى علماء الكلام : 5ـ واعتمادا على هذه الدعائم الثلاث وضع مفكرو الإسلام من علماء الكلام المعتدلين شروطا خاصة لمن يستقر عليه إجماع الأمة ومن تولية قيادتها وتضع فيه ثقتها وهذه الشروط الخاصة تكون محددة تماما بهذه الدعائم بحيث يستطيع من تتوفر له هذه الشروط إذا قدر له أن يكون في موضع السيادة أن يحافظ على هذه الأسس وأن يدور في إطارها. يقول الآمدي: وليس الاختيار لعقد الإمامة جائزا على ا لتشهي والإيثار، بل لابد وأن يكون للمعقود له صفات وخصوصيات: وهي أن يكون من العلم بمنزلة قاض من قضاة المسلمين . وأن يكون له من قوة البأس وشدة المراس قدر ما لا يهوله إقامة الحدود، وضرب الرقاب، وإنصاف المظلوم من الظالم. وأن يكون بصيرا بأمور الحرب، وترتيب الجيوش، وحفظ الثغور. ذكرا ، حرا، مسلما، عدلا، ثقة فيما يقول لاتفاق الأمة على ذلك ومحافظة على ما لأجله نصب الإمام. ويوافق شيخ المعتزلة القاضي عبد الجبار على ما ذكره الآمدي من شروط بشئ من الشرح والتفصيل، وإن كان يضيف شرطا أن يكون الأئمة من قريش بغير مناقشة أو تعليق. ويحاول شيخ المعتزلة أن يقدم لهذه الشروط المعتبرة عنده في الإمام بفصل يعنون له بـ " الحاجة إلى الإمام" ويظهر من هذا الفصل أن ما يذكره من شروط في الإمام تنسجم جميع ها مع الوظيفة التي تناط به فهي مؤهلات ومصوغات لقيامه بهذه المهمة العظيمة. يقول شيخ المعتزلة محددا الحاجة إلى الإمام : ( اعلم أن الإمام إنما يحتاج إليه لتنفيذ هذه الأحكام ا لشرعية ، نحو إقامة الحد وحفظ بيضة البلد ومد الثغور وتجييش الجيوش والغزو وتعديل الشهود وما يجري هذا المجرى ). ولا خلاف في أن هذه الأمور لا يقوم بها إلا الأئمة، إلا في إقامة الحد والغزو، فعندنا أن إقامة الحدود والغزو كغيرها من هذه الأشياء التي عددناها في أنه لا يقوم بها إلا الأئمة، والدليل عليه إجماع أهل البيت عليهم السلام. 6ـ وهكذا يتبين بجلاء أن النظرية السياسية تتحرك ضمن إطار عام فحسب الإمام وعقد الرياسة إنما يتم على أساس شروط ومؤهلات ترجع كلها إلى رعاية مصالح الأمة واحترام مشاعر أهل الحل والعقد والحفاظ على ا لدستور الإلهي بما فيه من قوانين تضبط العقائد والسلوك. وهذا الإطار العام الشامل يترك للنموذج السياسي أن يتحرك في إطاره برحابة وحرية. فهذا الإطار العام يحتمل أكثر من نموذج سياسي، فهو قد احتمل في الصدر الأول للإسلام أن نصب الإمام بطريقة التعاقد بين الإمام وبين أهل الحل والعقد من الأمة ثم هو قد احتمل في نفس هذا العصر وصول معقد السيادة إلى الحكم عن طريق اختيار سلفه له، وترشيحه للبيعة له، ث م هو قد احتمل مرة ثالثة أن يصل إلى الحكم رجل ضمن رجال قد رشحهم السابق لكي يختاروا من بينهم من يرونه صالحا لعقد السيادة له. وهذا كله من الناحية الإجرائية أو العملية ومن الناحية الفكرية فإننا نجد النظرية السياسية في الإسلام قد سمحت للمشتغلين بالفكر الإسلامي أن يتحركوا ضمن إطارها العام فوضعوا أفكارهم حول مسائل جزئية قد تظهر أنها متباينة، غير أن هذا الإطار العام يمكن أن يحتويها جميعا ويترك اختيار احداها للواقع العملي لمصالح الأمة واحتياجات الناس. ونريد هنا أن نذكر مثالا تطبيقا لهذه الأفكار الجزئية يطرح هذا السؤال، كيف يصل رئيس الدولة إلى موقع السيادة ؟ رئيس الدولة : ونريد هنا أن نذكر مثالا تطبيقيا لهذه الأفكار الجزئية بطرح هذا السؤال، كيف يصل رئيس الدولة إلى موقع السيادة ؟ وهنا تجد اختلافا بين المفكرين غير يسير، فبعضهم يرى أن رئيس الدولة يصل إلى موقع السيادة عن طريق اختيار الأمة له والرضا الجماعي عنه إذا توفرت له شروطه ومؤهلاته، وبعضهم يرى أن من تتوفر له شروط السيادة يستطيع أن يجاهد بنفسه حتى يصل إلى موقع الحكم، ويرى آخرون أن السيادة تتوفر لمشتغليها عن طريق الثورات إذا تحققت شرائطها للذي قدر له أن يكون إماما. وهكذا تتعدد الآراء وتتباين غير أن الإطار العام للنظرية السياسية يحتملها بشرط الاحتكام إلى مبادئ هذه النظرية وتحقيقها صحيح أننا نستطيع أن نلمس روح العصبية والتشيع إلى مذهب أو فرقة في عصر كتبت فيه هذه الأفكار وتلك الآراء، إلا أن بعضها قد يظهر أمامنا بروح الاعتدال ورعاية مصالح الأمة والقانون الذي وضعه الله لها. 7ـ وهذه الأبحاث التي تراها قد كتبت في النظرية السياسية عند مفكري الإسلام تجدها متميزة عن الأبحاث التي تكتب في بيئة أخرى في نفس الموضوع بحيث نستطيع أن نقول: أن الآراء ا لتي كتبها مفكرو الإسلام قد نبعت من بيئة إسلامية وتغذت على فكر هذه البيئة ونوغيت على ذراعي مربين قد تربوا على مائدة الإسلام وتعاليم الدين. إن المتصفح لكتاب العقد الاجتماعي لـ " جان جاك روسو " يجد أنه معنى بأراء وأفكار ومسائل يريد أن يحسمها لم يتعرض لها مفكرو المسلمين، ومن بين هذه الآراء وأبرزها قضية ا لهيئة التشريعية والهيئة التنفيذية، وما إذا كان من الممكن أن تتحدد السلطان في شخص واحد أم يجب الفصل بينهما، ثم مشكلة المشرع ومصدر التشريع وما إذا كان من الممكن أن يكون المشرع هيئة أم فردا، وإذا كان هيئة أو فردا فهل يكون من أبناء المجتمع أم من خارج نطاق الأمة المقصودة بوضع القوانين واللوائح لها أم يشترط أن يكون المشرع فوق نطاق البشر وفوق عقله م وتصوراتهم. إنه كان يريد البحث عن تشريع تجرد واضعه عن الهوى والميل الشخصي وعن الانحياز أو الشعور بالانتماء. هذه المشكلة وأمثالها من المشاكل الكثيرة قد لا تجد معظمها في الفكر الإسلامي مهما اختلفت الطوائف وتعددت المذاهب. فالتشريع ووضع القانون مسألة محسومة عند مفكري المسلمين، وواجب معقد السيادة، ومساعدوه تنفيذ شرع جاهز وتطبيق قانون مرسوم ليس عليهم إلا الاجتهاد في فهمه واستنباط الأحكام منه وقياس ما يستحدث من المسائل على مشابهها، أو ما يشاركها في العلة ورعاية مصالح الأمة فيما غاب عنه استنباط حكمه وشواهده من الشرع المرسوم. 8ـ وهنا نصل إلى النقطة الحاسمة في احدى نقاط محاضرة (النظرية السياسية عند الفارابي). وهذه النقطة الحاسمة ترتكز حول ما أثاره الأستاذ المحاضر من الربط بين فكرة ا لفارابي على نحو ما ذكرها هو من فهمه للنظرية السياسية عند الفارابي على أساس أنها هي نظرية النبوة مأخذوة معها المجتمع وأن وارث النبوة أعلى مرتبة من النبي لأنه هو الفيلسوف الذي تعقد له السيادة ، وأنه أعلى كعبا من النبي حيث أنه يتصل مباشرة با لعقول كلما أراد في حين أن النبي تعكس على مرآه نفسه صورة الحقيقة عن طريق النخيل. وينتهي المحاضر إلى القول بأن هذه هي النظرية السياسية عند المسلمين خاصة الإسلام السني. وسواء أحدث لبس واختلاط بين النظريتين النظرية السياسية ونظرية النبوة عند الفارابي أو لم يحدث بالنسبة إلى محاضرنا فإنه مما لا ينبغي قوله أن أي نموذج في النظرية السياسية يعبر عن فكر طائفة معينة يكون هو بالقطع رأى الإسلام، وأخف هذه الأقوال وزنا من الناحية العلمية هو أن نفسر نظرية النبوة تفسيرا غير إسلامي ثم نربط بينها وبين النظرية السياسية في فكر ما ثم ننتقل إلى القول بأن هذا هو رأى الإسلام. ألم أقل لك أن الكثير من الفكر الإسلامي يحتاج الآن إلى تخصصات لكشف النقاب عن المستور ؟ أننا نتوجه بالقول إلى أقسام علم الاجتماع في جامعاتنا المصرية أن تتجه ببعض الدراسات الأكاديمية نحو إزاحة الستار عن علم الاجتماع الإسلامي. |
|