منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 المسألة اليهودية في الفكر الغربي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75673
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

المسألة اليهودية في الفكر الغربي Empty
مُساهمةموضوع: المسألة اليهودية في الفكر الغربي   المسألة اليهودية في الفكر الغربي Emptyالخميس 24 أكتوبر 2024, 12:47 pm

المسألة اليهودية في الفكر الغربي (1)
ماركس ونموذج التحرر الاجتماعي
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء


في هذه الأيام المأساوية التي نتابع فيها العدوان الإسرائيلي غير المسبوق على مدينة غزة الذي وصل حد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي الشامل، يتعين الرجوع إلى ما سمي منذ القرن التاسع عشر بالمسألة اليهودية في الفلسفة الغربية. سنخصص عدة مقالات لفلاسفة ينحدرون من أصول يهودية، حتى نبين أن النزعة الصهيونية في خلفياتها العنصرية الاستعمارية لم تكن حلًا ناجعًا ولا عقلانيًا للمأزق اليهودي الخاص بالمجتمعات الأوروبية وحدها.
نبدأ هذه المقالات بالفيلسوف الألماني الأشهر كارل ماركس الذي ينحدر من أسرة يهودية، وإن كان يرفض موضوع الانتماء الديني لأسباب فكرية وأيديولوجية معروفة.
كتب ماركس في شبابه نصه الشهير “حول المسألة اليهودية” zur Judenfrage سنة 1843 وقد نشر في العام الموالي في “الحوليات الألمانية الفرنسية” التي صدر منها عدد يتيم.
النص في أصله رد على الفيلسوف الهيغلي الشاب “برينو باور” الذي نشر كتابًا بعنوان “المسألة اليهودية” أثار جدلًا واسعًا في صفوف الأوساط اليهودية في عصره.
في كتابه، يذهب باور إلى القول إن تحرر اليهود لن يكون إلا بتخليهم كليًّا عن هويتهم الدينية في إطار دولة ليبرالية علمانية لا مكان فيها للدين، بل تقوم فيها المواطنة المتساوية على القانون، وحقوق الإنسان والولاء المطلق للكيان العمومي.
يرفض ماركس هذه الأطروحة، لا من خلفيات دينية، بل من منظور نقده للدولة الليبرالية الشاملة التي دافع عنها هيغل في كتابه “أصول فلسفة القانون”.
فإذا كان باور اعتبر أن اليهود لا مكان لهم في أي دولة مسيحية تقوم على الحق المقدس، ولذا فإن ثمن حريتهم هو تخليهم عن دينهم في مقابل تحرر الدولة كليًّا من الدين، فإن ماركس لا يرى أن الهوية الدينية تتناقض مع الحالة الليبرالية في ذاتها. فالمجتمع الأمريكي مثال واضح على كيان متنوع دينيًّا، تصل فيه الممارسة الدينية حدها الأقصى، مع أن الدولة محايدة تمامًا إزاء العقائد الدينية. أما ألمانيا التي كانت تفتقد في منتصف القرن التاسع عشر للوحدة السياسية، فلا يمكن لتحرر الشعوب اليهودية فيها أن يتجاوز مبدأ التسامح الديني بالمعنى اللاهوتي.
ما يصل إليه ماركس هو ضرورة التمييز بين التحرر القانوني والسياسي من جهة والتحرر الإنساني الحقيقي من جهة أخرى. فبالنسبة له لا يمكن أن توفر الليبرالية أكثر من حرية شكلية صورية، تضمن للفرد حقوق المواطنة المجردة والمساواة في الحقوق دون أن يتجسد هذا التحرر في الواقع الاجتماعي الفعلي.
من هذا المنظور اعتبر ماركس أن اليهودية في المجتمع الرأسمالي ليست حالة دينية، بل تؤدي وظيفة اجتماعية فرضتها البورجوازية المتحكمة على الإنسان اليهودي الذي صممت حياته قهرًا في نمط الحياة المالي والتجاري ضمن الماكينة الليبرالية القمعية.
ولقد كتب الكثير حول قول ماركس في هذا النص “إن تحرر اليهود لا يكون إلا بتحررهم من اليهودية”، وقيل إن هذا الكلام يتضمن دلالات معادية للسامية. بيد أن التفكير المعمق في هذه العبارات يحمل على فهم مقولة ماركس في سياقها، حين كان الهامش الوحيد المتاح للإنسان اليهودي في المجتمعات الأوروبية هو القيام بهذه الوظيفة المالية التجارية التي ينظر لها بصفة قدحية سلبية.
أي بعبارة أخرى، إن ما أراد ماركس قوله هو إن التحرر الحقيقي للشعوب اليهودية لن يكون بمجرد منحها حقوق المواطنة والاعتراف القانوني، وإنما بتحقيق المساواة الفعلية والعدالة الاجتماعية الكاملة، في مجتمع متحرر من الاستغلال الطبقي والسيطرة البورجوازية. التحرر هنا لا يتعلق بالوعي الديني أو الهوية الطائفية بل بالنظام الاجتماعي الحر والعادل في مستوياته المختلفة.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن تلميذ ماركس الفيلسوف موسيس هس كان أول من بلور فكرة “الوطن القومي لليهود” على أرض فلسطين في كتابه “روما وأورشليم” الصادر سنة 1862. فعلى عكس التصور الاقتصادي الطبقي للثورة التحررية الإنسانية لدى ماركس وإنجلس، اعتبر هس أن المرحلة القومية ضرورية في كل البلدان من أجل الانتقال إلى المجتمع الاشتراكي، وقد اعتمد نموذج النهضة الإيطالية مثالًا لما سماه بـ”الانبعاث اليهودي” المنشود. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يمكن اعتباره الوثيقة الأولى للمشروع الصهيوني، إلا أنه لم ينل اهتمامًا يذكر في الأوساط اليهودية، وإن كان هرتزل في كتابه “دولة اليهود” الصادر سنة 1896 أشاد به واعتبر أنه قال كل “ما يتعين قوله”.
ما نريد أن نخلص إليه هو أن جوهر فكرة ماركس هو رفض النزعة القومية اليهودية من منظور نقده الجذري لفكرة الدولة القومية المعبرة عن الهوية العضوية للشعوب في وعيها الخصوصي. فبالنسبة له لا يكون تحرر الإنسان اليهودي إلا ضمن شروط التحرر الاجتماعي الإنساني الشامل. ولقد شكلت هذه الأطروحة أساس المواقف الماركسية من الموضوع الفلسطيني، حيث نلمس تعاطفًا واسعًا في الحركة الماركسية العالمية إزاء الفلسطيني المستعمر والمعرض للقمع من الماكينة الرأسمالية العالمية التي تشكل إسرائيل أداة من أدواتها. يلاحظ هنا أن كثيرًا من المثقفين اليهود في بداية القرن العشرين ونصفه الأول انتموا إلى الأحزاب الماركسية وتبنوا مشروع التحرر الفلسطيني ومحاربة الصهيونية.
لكن بعض اتجاهات اليسار الأوروبي انحازت إلى الصهيونية التي هيمنت على صيغتها الأولى المقاربة الاشتراكية العلمانية، التي وإن تمسكت بالأساطير الدينية “لدولة الميعاد”، إلا أنها أرادت بناء دولة قومية لائكية، وإن كان يتعين الاعتراف بأن الصهيونية اليسارية انهارت لاحقًا بصفة كلية في المجتمع الإسرائيلي الذي نمت فيه أكثر أشكال الصهيونية الدينية انغلاقًا وتشددًا.
لعل فكرة الدولة العلمانية الديمقراطية الموحدة فوق عموم أرض فلسطين التي تبنتها الحركة الوطنية الفلسطينية في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي كانت متأثرة بالأطروحة الماركسية الأصلية المناوئة لفكرة الكيان القومي. وفي مواجهة حركة الاستيطان العنصري وتدمير المجتمع الأهلي الفلسطيني، قد يكون من المناسب إحياء مشروع الدولة الديمقراطية على أنقاض التمييز العنصري الإسرائيلي، بما يشكل بمعنى ما الرجوع إلى الأفق الماركسي الأصلي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75673
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

المسألة اليهودية في الفكر الغربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسألة اليهودية في الفكر الغربي   المسألة اليهودية في الفكر الغربي Emptyالأحد 27 أكتوبر 2024, 10:50 am

المسألة اليهودية في الفكر الغربي (2)
حنة أرندت والفكرة الصهيونية
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء
لا أحد ينكر أن الفيلسوفة الألمانية الأمريكية “حنة أرندت” المنحدرة من أصول يهودية هي من أهم فلاسفة القرن العشرين ومن أكثرهم تأثيرًا في الفكر السياسي.
عاصرت حنة أرندت أوج المحرقة النازية وانضمت إلى الدوائر الصهيونية في الثلاثينيات وشاركت في إنقاذ مئات اللاجئين اليهود الأوربيين، قبل أن ترحل إلى الولايات المتحدة الأمريكية حتى آخر حياتها (نهاية 1975). وقد ترددت حنة أرندت مرات عديدة على إسرائيل منذ نشأتها، وخصصت نصوصًا كثيرة للمسألة اليهودية جمعت في كتاب ضخم بعنوان “الكتابات اليهودية”.
ولا شك في أن أشهر ما كتبت أرندت في الموضوع هو الجزء الأول من كتابها حول “أصول التوليتارية” الذي خصصته لنزعة العداء للسامية، وتحقيقاتها حول محاكمة الضابط النازي الألماني أدولف أيخمان في إسرائيل التي جمعت في كتابها “أيخمان في القدس”.
في الكتاب الأول، تتعرض حنة أرندت لجذور نزعة العداء للسامية التي تختلف حسب اعتقادها عن العداء الديني القديم لليهودية، فتعتبر أنها نتاج الحداثة الأوروبية وعرض من أعراضها ظهر في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن التاسع عشر.
ما تذهب إليه حنة أرندت هو أن نزعة العداء للسامية كانت خلاصة ما سمته “مفارقة انعتاق المجموعات اليهودية”، وهي الظاهرة الناشئة عن الحداثة الليبرالية وقيام الدول القومية، بما انعكس في تعميم رابطة المواطنة على اليهود وفي الآن نفسه نزع الامتيازات الخصوصية التي كانوا يتمتعون بها بما عرضهم للتمييز والقمع.
ولقد تعاملت البورجوازيات اليهودية الأوروبية مع هذا الواقع، فساهمت ماليًا وإداريًا في بناء الدول القومية، لكنها سعت في الآن نفسه إلى كبح حركة الاستيعاب اليهودي داخل النسيج القومي للدول الجديدة، بما انعكس حسب رأيها في الحلف الموضوعي بين الصهيونية ونزعة العداء للسامية.
وفي هذا السياق، ترجع أرندت إلى نصوص رواد الفكر الصهيوني الأوائل وفي مقدمتهم تيودور هرتزل وحاييم وايزمان للتدليل على هذا التحالف الموضوعي بين العنصريين النازيين والصهاينة في فكرة عزل اليهود عن مجتمعاتهم الأوروبية وجمعهم في غيتو واسع ولو على شكل دولة قومية.
ما تبينه حنة أرندت هو أن الفكرة الصهيونية قامت في جذورها النظرية والأيديولوجية على نفس المرتكزات التي قامت عليها التيارات الشوفينية الأوروبية التي كانت هي سبب المأساة اليهودية.
تستشهد أرندت يقول هرتزل “إن الأمة هي مجموعة من الأفراد الذين يجمعهم عدو مشترك”، مستنتجة أن هذا التصور يرجع إلى النزعة القومية الألمانية التي ترى أن الأمة جسم عضوي أزلي لها خصائص ثابتة تتجاوز التاريخ، بما يتعارض مع التصور السياسي الحديث للكيانات الوطنية.
السؤال المطروح بقوة على الفكرة الصهيونية يغدو عندئذ: كيف يمكن تحرير “الشعوب اليهودية” في سياق الحركة الإمبريالية الأوروبية في الشرق الأوسط بعد أن فشل المشروع في الإطار القومي الأوروبي؟
تجيب أرندت أن بناء الدولة اليهودية في مثل هذا السياق يفرض عليها أن تكون دولة مستبدة ظالمة، لأنها عاجزة عن التوافق في حدوده الأدنى مع المكون العربي الحاضر على الأرض وإن كان مقصيًا من مشروع الدولة. ومن هنا، فإن الفخ الذي سقطت فيه الدولة، هو أنها بدلًا من أن تكون حضن السلام والأمن لليهود، تحولت بالضرورة إلى دولة حرب مستمرة بما يعرض دومًا سكانها للخطر الثابت.
ومع أن أغلب نصوص أرندت في الموضوع تعود إلى الأربعينيات، إلا أنها أدركت أن قيام دولة إسرائيل لا يمكن أن يتم إلا من خلال مأساة أخرى لشعب لا دخل له في المحرقة اليهودية، ولذا فإن “المسألة العربية تظل هي السؤال المخفي في السياسة الصهيونية” حسب عبارة الفيلسوفة.
ولعل أهم نقد توجهه حنة أرندت للأيديولوجيا الصهيونية هو كونها تؤدي في المدى الطويل إلى تقويض الصورة الأخلاقية والإنسانية للشخصية اليهودية عبر إغلاق الهوية اليهودية في سياج الدولة القومية الكليانية المحتلة التي هي في نهاية المطاف حالة انتحارية بطيئة.
ولقد طرحت حنة أرندت على الإسرائيليين خيار الدولة الديمقراطية مزدوجة البناء القومي بدلًا من الدولة اليهودية الاستيطانية التي لا يمكن أن تقوم إلا بالعنف والتسلط العنصري.
كتب الكثير حول حنة أرندت، واتهمت بمعاداة السامية وهي اليهودية التي تحمست في شبابها للصهيونية وهربت من النازية الألمانية، بل إن كتبها لم تترجم للعبرية إلا في السنوات الأخيرة.
ولعل أكثر مفهوم أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الإسرائيلية هو مقولتها الشهيرة “تفاهة الشر”  (Banality of evil)،
التي وردت في كتابها “أيخمان في القدس”، وتعني بها كيف يمكن أن يتحول الشر في أسوأ أنواعه إلى حالة اعتيادية مثل أي وظيفة إدارية أو تقنية في دولة توتاليترالية مستبدة، كما هو حال الدولة الألمانية النازية.
لقد قيل إن الفيلسوفة خففت من الشحنة الأخلاقية للمحرقة اليهودية التي اعتبرتها وضعية طبيعية في مسار تاريخي مختل، لكنها دافعت عن تصورها بالقول إن ما تقصده هو أن النظم الاستبدادية التسلطية تحول البشر إلى أدوات للقمع والقتل دون وعي أو ضمير.
بل إن بعض الدراسات الأخيرة ذهبت إلى حد تفسير مواقفها النقدية للصهيونية بعلاقتها العاطفية والفكرية المعروفة بأستاذها الشهير “مارتن هايدغر” المتهم بالولاء للنازية، رغم أن رسائلهما المشتركة التي نشرت في السنوات الأخيرة لا تسمح بهذا الاستنتاج المتسرع.
كل ما في الأمر أن حنة أرندت ظلت وفية لقيم الحداثة الكونية والمعرفة والعدالة، وقد اعتبرت أن حل المسألة اليهودية لا يكون إلا بحمل هذه القيم واستيعابها، بدلًا من البحث عن التحرر من خلال النموذج التسلطي العنصري الذي هو أصل المأساة اليهودية المعاصرة. كما أنها أدركت بوعي ثاقب أن حل المسألة اليهودية لا يمكن أن يكون على حساب الشعب الفلسطيني وحقوق العرب، فكانت سباقة في طرح خيار التعايش السلمي بين العرب واليهود الذي يتطلب الخروج من منطق الاستعمار والاحتلال والتهجير القسري، والاعتراف بحقوق سكان الأرض. وإلا، يكون الخيار الوحيد هو الغيتو الواسع المغلق في شكل دولة محاربة معتدية ومستبدة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75673
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

المسألة اليهودية في الفكر الغربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسألة اليهودية في الفكر الغربي   المسألة اليهودية في الفكر الغربي Emptyالأحد 27 أكتوبر 2024, 10:52 am

المسألة اليهودية في الفكر الغربي (3)
سارتر والصهيونية وإسرائيل
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء
في سنة 1946 نشر الفيلسوف الوجودي الفرنسي ذي الأصول اليهودية جان بول سارتر كتابه “تأملات حول المسألة اليهودية” الذي ألفه في نهاية الحرب العالمية الثانية بعد هزيمة النازية وتحرر فرنسا.
لقد أثار هذا الكتاب الصغير جدلًا واسعًا عند صدوره، نتيجة التعريف الذي قدمه للشخصية اليهودية من حيث كونها نتاج النظرة العدائية للسامية. اليهودي حسب سارتر هو “الشخص الذي يجعله غير اليهودي يهوديًا”.
لقد قيل إن سارتر من خلال هذه العبارة رفض أي تصور إيجابي للهوية اليهودية من منطلق ثقافي، أو تاريخي أو قومي، والحقيقة أن هذا القول يتلاءم مع فلسفته التي ترفض فكرة الذاتية الجوهرية المغلقة والجامدة.
فما يميز النزعة العدائية للسامية هي أنها تحول كتلة واسعة من البشر لهم انتماءات مختلفة، وأصول متباينة وأفكار متمايزة إلى جنس محدد تنطبق عليه كل الأحكام والمواصفات القدحية والسلبية، وكأن اليهود هم الآخر المنبوذ والوجه الآخر للإنسانية المقصية المحاربة.
وهكذا، ليس اليهودي هو المستهدف حقيقة في نزعة العداء للسامية، بل الآخر المستبعد الذي تتجسد فيه وتتجمع كل السلبيات الأخلاقية، بما يحول هذه النزعة إلى “شعور طاغ” لا مكان فيه للتعقل والتفكير البرهاني الرصين.
ولا شك في أن هذه الأطروحة تعارضت كليًا مع النزعة الصهيونية التي تبنت من وجه مغاير نفس المقاربة العدائية للسامية، بالتنكر للطابع التعددي المتنوع للمجتمعات اليهودية عبر الإعلان عن كتلة قومية متجانسة لما تسميه بالشعب اليهودي.
لقد قامت الأيديولوجيا الصهيونية التي بلورها في الأصل مفكرون علمانيون بنقل فكرة الميعاد من دلالتها الاسكاتولوجية المسيانية (اجتماع اليهود عند عودة المسيح المنتظر)، إلى دلالة قومية اثنية (الوطن القومي لليهود)،كما وظفت أسطورة “الشتات اليهودي” التي لا أثر لها في كتب التاريخ الموضوعي من أجل تبرير حركية التهجير الاستيطاني في فلسطين.
ففضلًا عن كون جل اليهود في العالم من أصول قومية مختلفة يجمع بينهم الدين لا الهوية القومية الوهمية، فإن الهوية الفلسطينية تستند إلى مرتكزات تاريخية وجغرافية صلبة، إلى حد أن رئيس الحكومة الإسرائيلية الأسبق دافيد بن غوريون اعترف في مقال منشور سنة 1917 أن الفلاح الفلسطيني هو حفيد اليهودي القديم السابق على العصر الإسلامي، بما يتضمن اعترافًا صريحًا بأن الفلسطينيين ليسوا غرباء وافدين على أرض غادرها أهلها اضطرارًا ومن حقهم الرجوع إليها. وقد عالج الموضوع في جوانبه المختلفة المؤرخ الإسرائيلي المعروف شلومو صاند في كتابه الهام “كيف اخترع الشعب اليهودي؟”.
ومع أن جان بول سارتر بلور الأسس الفلسفية والنظرية العميقة لنقد الأيديولوجيا الصهيونية من حيث هي نتاج حركة العداء للسامية، إلا أن مواقفه العملية من الصراع العربي الإسرائيلي ومن القضية الوطنية الفلسطينية ظلت ملتبسة وغامضة.
كتب سارتر سنة 1949 بخصوص نشأة دولة إسرائيل:
“لقد رجوت ولا زلت أرجو أن يجد المشكل اليهودي حله في إطار وحدة إنسانية لا حدود فيها، ولكن ما دام لا يمكن لأي تطور اجتماعي أن يحول دون محطة الاستقلال الوطني، علينا أن نبتهج بدولة إسرائيلية مستقلة تضفي شرعية على آمال ونضالات يهود العالم بأسره”.
ومع أن سارتر وقف بقوة وشجاعة مع كفاح الشعب الجزائري ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي، وكان قريبًا من موجة اليسار العالم ثالثي المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، إلا انه ظل متأرجحًا بين موقف الدعم الصريح لإسرائيل ومسلك العداء للسياسة الخارجية الأمريكية المنحازة كليًا للدولة العبرية.
في آذار/مارس 1967 زار سارتر وقرينته الأدبية سيمون دي بفوار مصر بدعوة من مجلة “الطليعة” التي كان بديرها الكاتب والإعلامي لطفي الخولي والتقيا بالرئيس جمال عبد الناصر وألقى بالمناسبة محاضرة شهيرة في جامعة القاهرة، إلا أن الزيارة الصاخبة لم تغير جذريًا مواقفه الملتبسة من الصراع العربي الإسرائيلي.
بعد حرب 1967، طالب سارتر بانسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة وبحق عودة الفلسطينيين المهجرين، بل إنه دافع عن الكفاح الفلسطيني المسلح بما فيه العمليات التي تصنف غربيا بالإرهابية (محتجًا بأنه بررها في الساحة الجزائرية)، لكنه لم يتبن رأي صديقه الفيلسوف اليهودي الماركسي ماكسيم رودنسون الذي اعتبر إسرائيل حالة استعمارية تدخل في منطق الإمبريالية الرأسمالية الغربية.
في مقال هام كتبه المفكر والأديب الفلسطيني إدوارد سعيد بعد وفاة سارتر يذكر كيف استدعاه مع بعض المثقفين الفلسطينيين والإسرائيليين سنة 1979 (أي سنة واحدة قبل وفاته)، وقد جرى اللقاء في بيت الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو الذي لم يشارك فيه. حسب إدوارد سعيد كانت أفكار سارتر في تلك المناسبة هشة وغامضة ومفككة، ربما نتيجة لتأثير سكرتيره ذي الأصول المصرية “بني لفي” الذي انتقل من الماركسية المآوية إلى النزعة اليهودية الارثدوكسية وأصبح من الموالين للصهيونية الدينية في إسرائيل.
حاصل الأمر أن مواقف سارتر السياسية بخصوص الموضوع الفلسطيني ظلت بمنأى عن أفكاره الفلسفية التي يمكن الرجوع إليها في نقد جذري للنزعة الصهيونية التي هي النقيض المباشر لفكرة الهوية المفتوحة والذاتية الحرة بما هي العمق الفكري للنزعة الوجودية الإنسانية لدى سارتر.
لقد ظل بعيدًا عن خط صديقه الأديب جان جنيه المدافع القوي عن حقوق الشعب الفلسطيني، الذي زار عام 1982 مخيمات صبرا وشاتيلا اللبنانية بعد الفظائع الرهيبة التي ارتكبتها عصابات الكتائب بدعم من القوات الإسرائيلية وكتب بالمناسبة نصًا جميلًا يذكر فيه كيف اكتشف في الحطام وبين جثث القتلى معنى “الثورة الفلسطينية” من حيث هي “قوة وجود وحرص على الحياة”. في كتابه “الأسير العاشق” الصادر عام 1986 ينقل جنيه هذا الشعور بالتعاطف الجارف مع القضية الفلسطينية إلى أروع التعبير الأدبي معتبرًا أن هذه القضية هي مقياس النزعة الإنسانية لدى أي فرد، حتى لو كان يضيف متهكمًا “إن الفلسطينيين على حق لأني أحبهم”.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75673
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

المسألة اليهودية في الفكر الغربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسألة اليهودية في الفكر الغربي   المسألة اليهودية في الفكر الغربي Emptyالأحد 27 أكتوبر 2024, 10:53 am

المسألة اليهودية في الفكر الغربي
(4)>جاك دريدا: الهوية اليهودية والقضية الفلسطينية
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء


من بين فلاسفة الغرب، يتميز جاك دريدا بجذوره اليهودية العربية كما يقول، وهو الذي ولد وعاش سنوات عمره الأولى في الجزائر.
تحدث فيلسوف التفكيكية كثيرًا عن أصوله اليهودية، بل تسمى في أحد كتبه باليهودي الأخير، لكنه رفض النزعة القومية الصهيونية في توجهها المسياني وتركيزها على “الأرض المقدسة” الذي يتنافى حسب رأيه مع التقليد اليهودي نفسه القائم على الشتات، اليهودي الأخير هو أيضًا “أقل الناس يهودية” نتيجة رفض الانتماء القبلي والمجموعاتي، وبالنظر إلى القطيعة مع الانتماء الأصلي والجذور الأسطورية المفروضة. اليهودية من هذا المنظور هي عكس الطموح السياسي لإنشاء دولة قومية باسم الهوية الخصوصية “النقية”، وليس لها مبرر إلا إذا كانت نمطًا من الالتزام الأخلاقي الكوني والضيافة الرحبة، وذلك بالضبط عكس ما تقوم عليه الصهيونية والدولة الإسرائيلية.
اختلف دريدا مع صديقه الفيلسوف الفرنسي ذي الأصول اللتوانية اليهودية أمانويل لفيناس الذي حاول بناء فلسفة أخلاقية بديلة عن فلسفة الوجود الغربية من خلال الرجوع إلى النصوص اليهودية الكلاسيكية من توراة وتلمود.
اليهودية بالنسبة للفيناس هي فكر المغايرة، والاختلاف والمسؤولية الأخلاقية بدلًا من الميتافيزيقا الغربية التي تنغلق في مباحث الوجود فلا تبقي مكانًا للإنسان من حيث هو وجه يفرض الاحترام، ويمنع القتل والعنف.
إلا أن لفيناس هو الذي وقف بقوة مع إسرائيل، بل يعزى له القول العنصري بأن الفلسطيني “لا وجه له”، بما يعني أنه عرضة للقتل والإبادة وقد حرم من إنسانيته وأصبح عرضة للعنف بذريعة “الحرب العادلة” ومنطق الدفاع عن النفس.
ومن هنا تساءل لفيناس في بعض نصوصه حول تهديد الشعوب الآسيوية لما سماه “أصالة الكونية اليهودية المتجددة “.
لقد بينت الفيلسوفة الأمريكية اليهودية “جديث باتلر” في كتابها الهام “فك الارتباط: اليهودية ونقد الصهيونية ” (Parting ways : jewishness and the critique of zionism) أن أخلاقيات لفيناس تتعارض مع مواقفه السياسية الداعمة لإسرائيل وللصهيونية التي اعتبر أنها “مظهر بقاء اليهودية”، بينما المطلوب من المفكرين اليهود هو القطيعة الأخلاقية مع الصهيونية ومع إسرائيل وتصدر محاربة هذه النزعة العنصرية من منظور قيمهم المرجعية .
في هذا السياق نقول باتلر معلقة على لفيناس وغيره من المفكرين اليهود المتعاطفين مع إسرائيل:
” لن تتحقق المبادئ العامة للعدالة في المنطقة، إلا عندما تنتهي الصهيونية السياسية، أي إرادة تأسيس دولة إسرائيل وتنتهي مبادئ السيادة اليهودية”.
لا يختلف دريدا عن هذا الرأي رغم اهتمامه الواسع بالتراث اليهودي من منظور غير ملتزم دينيًا، ورغم زياراته المتكررة لإسرائيل التي حرص دومًا أن يلتقي خلالها ببعض الوجوه الفلسطينية في إطار ما سماه بموقف “الحلف الدائم مع القضية الفلسطينية “.
يرفض دريدا موقف الانحياز القبلي لدولة اليهود، معتبرًا في مقابلة منشورة قبيل رحيله سنة 2004 في صحيفة لموند الفرنسية أن الصهيونية لا تمثل اليهودية، وأن إسرائيل حالة انتحارية مأساوية لا يمكن الدفاع عنها، ومن هنا يوجه النقد الصارم للكتاب اليهود الذين يرمون كل من ينتقد السياسات الإسرائيلية بالعداء للسامية في ما يترجم سلوكًا تسلطيًا دوغمائيًا.
لم يتردد دريدا في وصف إسرائيل “بالدولة الاستعمارية الأخيرة”، وكان شجاعًا وصريحًا في الوقوف ضد سياساتها العنصرية القمعية ضد الفلسطينيين.
لقد عاصر دريدا مفكرين فرنسيين بارزين من أصول يهودية هما ريمون آرون الكاتب والصحافي اليميني الذي كان شديد الانحياز لإسرائيل إلى حد أنه برر عدوان 1967 وكتب كتابًا بعنوان “ديغول وإسرائيل واليهود” يتهم فيه الزعيم المشهور الجنرال ديغول بمعاداة السامية، والثاني هو عالم الأنثربولوجيا ومؤسس المدرسة البنيوية كلود ليفي شتراوس.
لقد كان شتراوس أمينًا فكريًا، وقد وقف ضد سياسة إبادة الفلسطينيين وترحيلهم من أرضهم، وقال إنه لا يريد أن يتناقض مع نفسه، فيبرر قمع وطرد العرب من بلادهم التي يعيشون فيها منذ قرون وهو الذي طالما ندد بحملات إبادة الهنود الحمر في أمريكا على يد غرباء لاجئين هاربين من القمع والظلم في أوروبا كما هو بالضبط شأن اليهود اليوم في فلسطين .
لقد كان دريدا قريبًا من رأي شتراوس، كما يظهر في نصوصه الأخيرة التي خصصها للضيافة، والعفو، والهبة والصداقة من منظور يعيد فيه التفكير في معايير العدالة والقانون من منطلقات لا تخفى جذورها في التراث اليهودي الذي يرى أن الصهيونية قد دنسته في مقاربتها للدولة القومية المتسلطة.
ولا شك في أن في نصوص دريدا وفلسفته التفكيكية ما يسمح بالنقد الجذري للفكرة الصهيونية، رغم قلة الإشارات والإحالات بخصوص هذا الموضوع في أعمال دريدا، باستثناء بعض النصوص الهامشية في كتبه مثل “الكتابة والاختلاف” و”اليهودي الأخير” و”في وداع أمانويل لفيناس “.
لقد كانت مواقفه أوضح من آراء جان بول سارتر وأكثر موضوعية وإنصافًا من مواقف لفيناس وريمون آرون، بل إنه في أحد كتبه الأخيرة (وهو الكتاب الحواري مع المفكر والوزير الجزائري السابق مصطفى شريف) اعترف صراحة بانتمائه للثقافة العربية الإسلامية التي تجعل منه بمعنى ما فيلسوفًا عربيًا انتماء وفكرًا رغم أنه كتب كل أعماله تقريبًا باللغة الفرنسية. لقد اعتبر أنه ظل هامشيًا في الفكر الغربي لأنه يطل عليه من نافذة ثقافية مغايرة ويطرح عليه أسئلة غير مسبوقة، بما كلفه ثمنًا باهظًا من حيث الاعتراف والقبول، مبينًا أن مواقفه المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني كانت من الخلفيات الأساسية لتهميشه في المعترك الفلسفي الغربي .
لقد ظل دريدا شديد القلق بخصوص هويته اليهودية التي ليست بالنسبة له محدد انتماء ولا يراها قابلة للتجسد في شكل كيان سياسي قومي، ومن هنا انتقاده الصريح للحالة الإسرائيلية وتنبيهه إلى أنها لا يمكن أن تستوعب المخزون الأخلاقي للتقليد اليهودي كما توهم لفيناس .
اليهودية التي حافظ عليها دريدا في شكل شبحي حسب عبارته هي يهودية الشتات والتيه والنص قابل التأويل إلى اللانهاية، ومن هنا فهي يهودية مناوئة بالضرورة للصهيونية الأوروبية التي أسست الدولة الإسرائيلية على خلفية الإرث اليهودي “المدنس”.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75673
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

المسألة اليهودية في الفكر الغربي Empty
مُساهمةموضوع: رد: المسألة اليهودية في الفكر الغربي   المسألة اليهودية في الفكر الغربي Emptyالأحد 27 أكتوبر 2024, 10:54 am

المسألة اليهودية في الفكر الغربي (5)
أدغار مورين: الصهيونية وإسرائيل
بقلم السيد ولد أباه، المفكر الموريتاني وعضو مجلس الأمناء
تعرفت قبل سنوات على الفيلسوف الفرنسي من أصل يهودي أدغار مورين وقد بلغ مئة سنة من العمر في إحدى الندوات الفكرية في غرناطة بإسبانيا. ما يزال الفيلسوف العجوز في قمة نشاطه الفكري، وقد قرأت له مؤخرًا تعليقًا هامًا على أحداث غزة الراهنة، ذهب فيها إلى أنها النتيجة الطبيعية للصلف الإسرائيلي والنزعة العنصرية المسيطرة على حكام تل أبيب من اليمين المتطرف والصهيونية الدينية المتشددة.
ومع أن مورين لا يخفي أصوله اليهودية، إلا أنه تعرض لملاحقات قانونية من المنظمات الموالية لإسرائيل وحكم عليه بالإدانة في مناسبات سابقة نتيجة بعض النصوص التي كتبها ضد نزعة العداء للسامية.
ولا شك في أن كتابه “العالم الحديث والمسألة اليهودية” الصادر سنة 2006، يشكل أهم إسهام له حول الصهيونية والحالة الإسرائيلية.
في هذا الكتاب الذي أثار جدلًا واسعًا، يتتبع مورين باطلاع تاريخي وعلمي واسع خط الانتقال من الكراهية اللاهوتية لليهود التي طبعت العصور الوسطى في أوروبا لأسباب دينية (اتهام اليهود بقتل المسيح) إلى نزعة العداء للسامية في الحقبة الحديثة والمعاصرة.
يبين مورين أن عزل اليهود كليًا أصبح شاملًا في كل أوروبا خلال العصور الوسطى باستثناء منطقة الأندلس في العصر الإسلامي، وهكذا تناسقت سياسة إقصاء اليهود من تحريم الاختلاط، والزواج بهم والتبادل الثقافي والتجاري معهم مع العقيدة اليهودية نفسها القائمة على الاصطفاء والرؤية السلبية للأغيار، بما مكن من حفظ الهوية اليهودية رغم مصاعب ومخاطر الاندماج في المجتمعات الأوروبية.
بعد مأساة طرد اليهود من الأندلس إثر حركة الاسترداد الصليبي، عاش اليهود محنًا قاسية، لم تخف إلا مع حركة الإصلاح الديني التي عرفتها بعض البلدان الأوروبية، فانتقل اليهود ما بين الموانئ التجارية المفتوحة حاملين ثقافتهم المتأثرة بالحضارة العربية الإسلامية.
وهكذا انتقلت أوروبا من الكراهية الدينية لليهود إلى النظرة القدحية للشخصية اليهودية التي نعتت بالجشع، والاستغلال، وعدم الإخلاص للأوطان والدول الوطنية.
لم تكن نزعة العداء للسامية إذن موجهة بمرجعية دينية لاهوتية، بل كانت صادرة عن نزعة قومية عنصرية، وقد واجهتها النخبة المثقفة اليهودية منذ سبينوزا إلى ماركس من منطلقات إنسانية كونية.
وعندما ظهرت الصهيونية في نهاية القرن التاسع عشر بمشروعها لتأسيس “دولة اليهود”، كانت نتاج النزعة القومية الأوروبية، ولذا حاربتها الوجوه الفكرية اليهودية الكبرى لكونها لا تؤدي إلى حل “المسألة اليهودية”، بل تفضي إلى تفاقمها من خلال التصور العرقي اللاهوتي للهوية الذي واجهه المفكرون اليهود الأوربيون طيلة ثلاثة قرون كاملة.
مع سبعينيات القرن الماضي وما واكبها من انحسار المنظومات الفلسفية الكونية التنويرية، عادت النزعة الخصوصية اليهودية وغدت مسيطرة على وجوه فكرية بارزة من داخل إسرائيل وخارجها، بما انجر عنه تعريض اليهود للكراهية نتيجة لسياسات إسرائيل الاستعمارية وعدوانها المتكرر على العرب.
في هذا السياق، يرى مورين أن اليهود الذين تشبثوا بالفكرة الإنسانية الكونية وواجهوا من خلالها المحرقة الفظيعة التي أدت إلى إبادة الملايين منهم، هم المعنيون الأساسيون قبل غيرهم بالوقوف ضد جرائم إسرائيل تجاه الفلسطينيين الذين يتعرضون لنفس سياسات الإبادة، والكراهية والعنف.
كتب أدغار مورين في نص مشترك مع آخرين في صحيفة “لموند” الفرنسية (4 حزيران/يونيو 2002) “إن سياسات الحكومة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين هي الخطر الأكبر الذي يواجه اليهود مستقبلًا، فانتصار اليوم هو الانتحار غدًا. والمأزق هنا راجع إلى أن إسرائيل تستغل المظلومية اليهودية لتبرير قمع الشعب الفلسطيني، وتفرد المحرقة اليهودية (التي لا تزيد فظاعة عن جرائم مماثلة تعرض لها ضحايا الغولاغ، والسود المستعبدون والهنود الحمر المبادون ) لتشريع نظام الاستعمار، والفصل العنصري والإغلاق الذي أقامته إسرائيل في المناطق الفلسطينية المحتلة.
لقد قامت الصهيونية على أسطورة “شعب بلا أرض في أرض بلا شعب”، فكان الشعب الفلسطيني هو ضحية هذه الأسطورة، وكان “حق الدولة اليهودية” نفيًا للحقوق الوطنية للفلسطينيين.
وبدلًا من أن ينظر إلى حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بلادهم كتعويض عن جرائم الطرد والتهجير، اعتبر هذا الحق خطرًا على هوية الدولة الإسرائيلية التي تقوم في الآن نفسه على “حق عودة” الجاليات اليهودية التي ليس لها ارتباط أصلي بأرض فلسطين.
وحين ينظر إلى عمليات الفصائل الفلسطينية بكونها إرهابًا يستهدف المدنيين العزل، يصرف النظر عن استهداف إسرائيل للمدنيين الفلسطينيين الذي زاد بنسبة خمس عشرة أو عشرين مرة من حيث عدد الضحايا على ما يسمى بـ” الإرهاب الفلسطيني”.
ويخلص مورين إلى أنه من المثير حقًا أن نرى أمة من البشر الذين تعرضوا لقرون طويلة من الاضطهاد والظلم تمارس نفس السلوك العدواني ضد شعب أعزل لا مسؤولية له في مأساة اليهود التي جرت في الساحة الأوروبية. فلا فرق بالنسبة لمورين بين سياسات الاحتلال الفرنسي في الجزائر والواقع الفلسطيني اليوم الذي هو حالة فظيعة من الاحتلال الاستيطاني.
الحل الذي يقترحه مورين هو الخروج من منطق الهوية الدينية و القومية الذي سجنت فيه إسرائيل نفسها، فغدت في عزلة عميقة داخل محيطها الشرق أوسطي. وفضلًا عن كون العرب ساميين مثل اليهود وكون اليهود العرب يمثلون على الأقل أربعين بالمئة من سكان إسرائيل، فإن بداية الحل هي إنهاء الاحتلال ومنح الحقوق الكاملة للشعب الفلسطيني بما يتطلب القطيعة مع أوهام الصهيونية التي كرست راهنًا مخاطر العودة لكراهية اليهود والعداء للسامية، على عكس ادعاء المشروع الصهيوني الأصلي الذي تأسس على تحرير اليهود من القمع والإقصاء.
لقد تعرض الفيلسوف العجوز لحملات هجومية شرسة من لدن اللوبي الصهيوني الفرنسي وصلت حد نعته باليهودي “الكاره لنفسه” و”المعادي للسامية”. كل ما أراد أن يقوله مورين هو أن نقد الفكرة الصهيونية، والوقوف ضد الاحتلال الإسرائيلي ومساندة الشعب الفلسطيني، أمور لا علاقة لها بكراهية اليهود والعداء للسامية.
لقد نجح الغرب في تصدير مأساة المحرقة الفظيعة التي تمت في العمق الأوروبي إلى العالم العربي الإسلامي الذي شكل اليهود تاريخيًا مكونًا قويًا من مكونات نسيجه البشري والحضاري، والمسؤولية الأخلاقية تقتضي اليوم الوقوف بقوة ضد محرقة فلسطينية على يد ضحايا الأمس.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
المسألة اليهودية في الفكر الغربي
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  المسألة اليهودية
»  المسألة اليهودية وحلول بديلة عن مأزق الحل الصهيوني
» الفكر الغربي من المثالية إلى الفلسفة الوضعية.. صراع العقل والتجربة
» النزعة الاستيطانية في الفكر اليهودي الغربي (خلال القرن التاسع عشر)
»  صحوة أم صدمة ثقافية؟.. "طوفان الأقصى" وتحولات الفكر الغربي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: فلسطين الحبيبة :: إسرائيل جذور التسمية وخديعة المؤرخون الجدد-
انتقل الى: