"العدس" .. ماذا يُقال حوله في الموروث الشعبي الفلسطيني؟
في ظل الأجواء الباردة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية، يسيطر طبق "شوربة العدس" على أغلب موائد العائلات الفلسطينية.الأمهات الفلسطينيات يعتبرن "شوربة العدس" الطبق المناسب دون منازع في فصل الشتاء، خاصة في ظل وجود منخفضات جوية كالذي يضرب البلاد هذه الأيام.
بعض من العدس الأحمر، والماء، والبصل والكمون والملح، تلك المكوّنات الأساسية اللازمة لطبق الشوربة، وكانوا قديماً وما زالوا يقولون “إن العدس أكلة الفقراء”، فهو يحتوي على بروتين نباتي يعادل البروتين الحيواني في خصائصه، وهو أحد أغنى المواد بالطاقة.
فوائدها العامة.تقول أخصائية التغذية، الدكتورة سهى خوري لـ”قدس برس” إن طبق شوربة العدس، يُشعرك بالامتلاء والشبع، إضافة إلى الدفء، ولذلك كان أجدادنا منذ القدم وحتى اليوم يحضّرونها في أيام البرد لتُعطيهم الدفء والطاقة.
وتُضيف أن شوربة الخضراوات ليست بقيمة شوربة العدس، لأنه (العدس) غني بالبروتين، وبديل عن اللحم والدجاج والسمك، فـ كوب أو كوب ونصف من العدس المطبوخ تُغني عن السمك واللحم.
وتبين أن العدس غني بالألياف الغذائية التي تحمي الجسم من أمراض القلب والشرايين، وهي وجبة رئيسية بحد ذاتها فيما لو وضعنا معها بعض النشويات كالبطاطا أو الجزر، أو الخبز وهو ما توارثناه من أجدادنا، إلى جانب بعض الخضراوات والمقبلات كالليمون والفجل والزيتون.
العدس في الموروث الشعبي الفلسطيني.يقول الباحث في التراث الفلسطيني، حمزة العقرباوي لـ”قدس برس” إن العدس من الأطعمة التي شكّلت جزءاً أساسياً من المطبخ الفلسطيني، وهو من الحبوب التي تُزرع في بلادنا دون الحاجة للأمطار أو العناية الفائقة، ولذلك نجده دائم الحضور في سلّة المزارع الفلسطيني.
ويُضيف أن شوربة العدس وجبة مستقلّة بذاتها، فهي غنية بالمكونات التي لا تحتاج إلى جانبها لحوم أو دجاج لأنها تُعادلها، على عكس طبق “المنسف” أو “المقلوبة” التي لا بدّ من وجود اللحوم فيها.
ولأننا قد دخلنا في فلسطين بمنخفض جوي، فإننا سنشمّ رائحة “شوربة العدس” من جانب بيوت الفلسطينيين، ويُقال “اليوم يوم العدس” وهي الوجبة التي يضع الفلاحون إلى جانبها بعض الخضراوات، كالفجل والبصل والزيتون، ويُقال في المثل الشعبي “إذا عدستم فأبصلوا”.
ويوضح العقرباوي أن لحضور العدس الطاغي في المجتمع الفلسطيني أثره على حياتهم وأمثالهم وطُرفهم وحكاياهم، ومن الأمثلة الشعبية الطريفة “اللي بدري بدري واللي ما بدري بقول كف عدس” (أي من يعلم .. يعلم .. ومن لا يعلم يقول كف عدس) .
ويروي العقرباوي قصة المثل الفلسطيني قائلا: في إحدى الأيام، قام أحدهم بالاعتداء على امرأة أحد الفلاحين، وعندما لحق به ليقتله، حمل “المعتدي” بيده حفنة من العدس أثناء هربه، وكلّما مرّ على أناس وبيده العدس وخلفه الفلاح يحمل سيفه، قال الناس بتعجّب “يُريد قتله من أجل كف عدس!”، فردّ الفلاح قائلاً: “اللي بِدري بِدري واللي ما بِدري بقول كف عدس”، فأصبح مثلاً شعبياً.
واكتمال الرجولة مرتبط بأكل العدس عند الفلاحين لا بلحوم الضأن، كما يقول العقرباوي، حيث كان كبار السن يقولون للشباب: “لسه ذراعك ما انتلى عدس” (بمعنى أن ذراعك لم تمتلئ بالعدس في إشارة للقوة)، وأيضاً كانوا يقولون “لسّاتَكْ بدّك فَتْ عدس” (أي أنك تحتاج الكثير لتُصبح قويّاً).
ورغم وجود أكلات شتوية عديدة كـ”المفتول” مثلاً التي تحتاج إلى وقت وجُهد وهي مُكلفة، إلّا أن “شوربة العدس” هي الوجبة التي تعدّ أكثر انتماء للأرض والفلاحين، كما أنها لا تحتاج جُهداً ووقتاً وغير مُكلفة، حتى قالوا قديماً إنها ترتبط بـ”الفقر”.
طعام الفقراء.ويبيّن العقرباوي لـ”قدس برس” أنه رغم كل الفوائد التي يحملها العدس وحضوره في المطبخ الفلسطيني بشكل كبير، إلا أنه يُنظر إليه بأنه طعام الفقراء ويقال: “لحم الفقرا العدس”، ولذلك كانوا قديماً يعتبرون بأنه من العيب أن تُطعم ضيفك “عدساً”.
ويسرد العقرباوي حكاية طريفة حول ذلك ويقول: “كان هناك رجل من قرية عقربا (جنوبي شرق نابلس) ذهب ليحلّ ضيفاً على ”غور المساعيد”، فمكث عند أحدهم فطبخ له “عدساً”، ولم يتحدّث عن ذلك أبداً.
وكانت الصُّدفة أن زار الرجل ذاته بلدة عقربا، فأطعمه صاحبنا “عصيدة” وهي إحدى الأكلات الشعبية البسيطة من حيث المكونات (مثل العدس)، ولما رأى شيخ البلدة ذلك قال غاضباً: “عوايدنا احترام الضيف، وهذا لا يليق”، فقال صاحبنا: “من عَدَسَ لك اعصِد له”.
ويوضح العقرباوي أن كلمة صاحبنا (من عَدَسَ لك اعصِد له) أصبحت بعد ذلك مثلًا شعبياً يُقال لردّ الجَميل والفعل بمثله.