قصة اعتقال صدام
بعد فترة اختباء تجاوزت فترة الثمانية شهور منذ غزو العراق في 20 مارس 2003 ، تمكنت قوات الاحتلال الأمريكى بناء على معلومات استخباراتية من الوصول إلى مخبأ صدام والذي كان عبارة عن حجرة صغيرة تمتد لمسافة مترين داخل الأرض في بلدة الدور بالقرب من تكريت شمال العراق.
وأطلق على العملية التى اعتقل خلالها صدام اسم "الفجر الأحمر" وشارك فيها حوالى ستمائة جندي أمريكي من الفرقة الرابعة مشاة تصاحبها عناصر من القوات الخاصة الأمريكية .
ولم تطلق القوات الأمريكية أي رصاصة خلال العملية التي استسلم خلالها صدام حسين دون إبداء أي مقاومة. وقد عثرت القوات الأمريكية بحوزة صدام على مبلغ سبعمائة وخمسين ألف دولار أمريكي ومدفعين رشاشين من طراز (أيه كي 47) ومسدس.
محاكمة صدام
بدأت محاكمة صدام منذ 19 أكتوبر 2005 في قضية الدجيل ومنذ 21 أغسطس الماضى في قضية الأنفال.
قضية الدجيل
حوكم صدام وسبعة من رموز نظامه بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية في بلدة "الدجيل" الشيعية إثر تعرضه لمحاولة اغتيال هناك في 8 يوليو 1982 عام 1982.
والمتهمون مع صدام في تلك القضية هم : برزان ابراهيم التكريتي: شقيق صدام حسين وكان رئيس المخابرات العراقية في ذلك الفترة.
طه ياسين رمضان: كان نائب رئيس الجمهورية في تلك الفترة.
عواد حمد البندر: كان يشغل منصب رئيس محكمة الثورة التي أصدرت الأحكام في أحداث بلدة الدجيل.
عبد الله كاظم رويد و مزهر عبدالله رويد و علي الدائي و محمد عزام: مسؤولون بارزون في حزب البعث في منطقة الدجيل أثناء محاولة اغتيال صدام الفاشلة.
وكان صدام قد قام في 8يوليو 1982 وفي خضم حرب الخليج الأولى بزيارة البلدة التى تقع جنوب بغداد وتضم أغلبية شيعية واثناء مرور موكبه بالبلدة تعرض الموكب الى اطلاقات نارية من قبل اعضاء في حزب الدعوة الاسلامية وتم تبادل لاطلاق النيران بين اعضاء الحزب وحرس صدام .
بعد عملية الاغتيال هذه وحسب إفادة الشهود المشتكين ، قامت قوات عسكرية وبأمر من صدام حسين بعمليات دهم واعتقال وتفتيش واسعة النطاق في البلدة قتل واعدم على اثرها 143 من سكان البلدة من بينهم وحسب افادة الشهود أطفال بعمر 13 سنة كما تم اعتقال 1500 من سكان البلدة ونقلهم الى سجون العاصمة بغداد حيث تعرضوا لكافة أنواع التعذيب.
وبلغت جلسات محاكمة صدام في تلك القضية حوالى 41 جلسة وقاطع طاقم الدفاع جلسات محاكمة الدجيل قبيل إنتهاء المرافعات الأخيرة في القضية في يوليو الماضى احتجاجا على تدخل الحكومة في شئون المحكمة وتعيين قاض جديد هو الكردى رؤوف رشيد عبد الرحمن الذي يعرف عنه العداء الشديد لصدام .
وأكد فريق الدفاع أكثر من مرة أنه لم يحصل على الوقت الكافى لمراجعة ملفات القضية بينما أبدت منظمات مراقبة حقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية ملاحظات حول معايير المحكمة الجنائية التى تنظر قضية الدجيل لأنها حسب نظرهم لاترتقي إلى مستوى المعايير الدولية كما أبعدت الأمم المتحدة نفسها كليا عن إجراءات المحاكمة لنفس الأسباب ولاحتمال صدور حكم بإعدام صدام .
الحكم في قضية الدجيل
في 5 نوفمبر 2006 ، أصدرت المحكمة الجنائية العراقية حكما بالاعدام شنقاً حتى الموت، على كلٍ من الرئيس العراقي السابق صدام حسين، وعوّاد البندر، وبرزان التكريتي، والحكم بالسجن مدى الحياة على طه ياسين رمضان، نائب رئيس مجلس الوزراء العراقي السابق، كما أصدرت ثلاثة أحكام بالسجن 15 عاما ضد ثلاثة من معاوني الرئيس العراقي السابق، لدورهم في قضية "الدجيل" التى اتهم فيها صدام وأعوانه السبعة
بقتل 143 شيعيا وهم : عبدالله رويد، ومزهر عبدالله رويد، وعلي دايح.
وبرغم ترحيب الحكومة العراقية وواشنطن بحكم الإعدام ، إلا أن هناك جهات دولية انتقدت الحكم وطالبت بتعليقه ومنها مفوضة الأمم المتحدة العليا لحقوق الإنسان لويز أربور، التى دعت الحكومة العراقية إلى تعليق تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق صدام واثنين من معاونيه.
كما أبدت منظمة العفو الدولية أسفها وقال مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة مالكولم ستيوارت إن ملف محاكمة صدام اتسم بأخطاء جسيمة تشكك في قدرة المحكمة بوضعها الحالي على إصدار قرار عادل يتفق مع المعايير الدولية.
وهناك أيضا أمر مهم جدا في هذا الشأن يجب عدم إغفاله وهو أنه رغم اعتقاد الحكومة العراقية والاحتلال أن إعدام صدام سوف يؤكد لأنصاره من البعثيين أن هذا النظام ذهب بلا رجعة وبالتالى تتراجع هجمات المقاومة وينعم الاحتلال بثروات العراق ، إلا أن هناك واقعا حدث بالفعل ويخالف هذا الاعتقاد وهو أنه بعد اعتقال صدام في أواخر عام 2003 ، زعمت واشنطن أن هجمات المقاومة ستتراجع ولكن العكس هو الذي حدث وتصاعدت هجمات المقاومة وتطورت تكتيكاتها ، وهذا السيناريو مرشح أيضا للتكرار بعد صدور حكم بإعدام صدام خاصة في ظل الاقتتال الطائفى الذي يشهده العراق منذ بداية العام الحالى وتصاعد الخلافات بشكل عميق بين السنة والشيعة ، مامن شأنه أن يفاقم مأزق الاحتلال أكثر وأكثر .
قضية الأنفال
يحاكم صدام في تلك القضية هو وستة من أعوانه بتهم ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب فضلاً عن جرائم إبادة إبان الحملة العسكرية التي استهدفت الأكراد والتى أطلق عليها "الأنفال" عام 1988. ويقول الإدعاء إن قرابة 180 ألف شخص، غالبيتهم من المدنيين، راحوا ضحية الهجمات التي تضمنت استخدام الغاز السام خلال اجتياح البلدات والقرى الكردية شمالي العراق ، بالإضافة إلى تدمير ثلاثة آلاف قرية وتهجير الآلاف من مساكنهم.
وقاطعت هيئة الدفاع المحاكمة في 20 سبتمبر الماضى احتجاجاً على تغيير رئيس هيئة المحكمة عبدالله العامري بسبب تعليقه أن صدام ليس ديكتاتورا فيما فسرته الحكومة العراقية كمؤشر تعاطف مع المتهم واختلال حياديته.
المحكمة الجنائية
تشكلت المحكمة الجنائية التى تنظر قضيتى الدجيل والأنفال في 10 أكتوبر 2003 بقرار من مجلس الحكم الانتقالى في العراق في هذا الوقت وحسب قانون إدارة الدولة للفترة الانتقالية الذي وضع في عهد الحاكم الأمريكى المدنى للعراق بول بريمر . واعتبرت المحكمة نفسها مختصة "بالجرائم ضد الإنسانية" وبالجرائم من فترة 1968 إلى 2003 .
وتتشكل تلك المحكمة من خمسة قضاة وهناك 9 قضاة استئناف ضمن نفس المحكمة وهذه ظاهرة غريبة لأن محاكم الاستئناف عادة ماتكون عبارة عن محكمة أخرى ذو سلطات أعلى.
وهذه المحكمة تعتبر هجينا بين قوانين العدل الدولية والعراقية وتمتلك حق محاكمة أي شخص عراقي الجنسية تم اتهامه ب"جرائم حرب" و "انتهاك لحقوق الإنسان" و "ابادة جماعية" .
وكان الكردى رزكار محمد أمين رئيسا للمحكمة في الجلسات السبع الأولى من المحاكمة في قضية الدجيل إلا أنه قدم استقالته في 15 يناير 2006 بعد تعرضه لانتقادات عدة بسبب الطريقة التي أدار بها المحاكمة وعينت المحكمة الجنائية المختصة القاضي سعيد الهماشي رئيسا للمحكمة بدلا من رزكار أمين إلا ان الهماشي بدوره تم تنحيته من رئاسة لجنة القضاة في 23 يناير 2006 بسبب الانتقادات التي وجهت له حول مزاعم بانتمائه الى حزب البعث السابق و"تساهله مع المتهمين" وتم تعيين القاضي الكردي رؤوف رشيد عبد الرحمن رئيسا للجنة القضاة في 23 يناير 2006 .
وقد كان طريقة معاملة القاضي رؤوف رشيد عبد الرحمن للمتهمين مختلفة تماما عن طريقة رزكار محمد امين حيث اتهمه البعض بانه غير حيادي ومتحامل على المتهمين لكونه من مدينة حلبجة التي تعرضت الى قصف كيمياوي في نهاية الثمانينيات حيث قاطع صدام حسين وأربعة آخرين الجلسة العاشرة للمحاكمة في 2 فبراير 2006 مطالبين بتغيير القاضي رؤوف عبد الرحمن أو نقل المحاكمة خارج العراق مما حدا بالقاضي الى اعادة الجلسة في 13 فبراير 2006 وتم اجبار صدام حسين ومساعديه على حضور الجلسة العاشرة بالقوة .
فريق الدفاع عن صدام
تألف فريق الدفاع عن صدام حسين في اواخر جلسات المحاكمة من 22 محاميا على رأسهم المحامى العراقى خليل الدليمى.
وكان يوجد قبل ذلك فريق دفاع آخر يتخذ من عمان عاصمة الأردن مقرا له ويضم 30 محاميا وكان يترأسه المحامي الأردني زياد الخصاونة وقد عبر الخصاونة مرات عديدة عن "معاناة فريق الدفاع" في اجراء لقاءات مع صدام حسين واوضح أنه تعرض الى تهديد بالاغتيال في مايو 2005 من قبل جماعات مدعومة من إيران.
وبسبب قوانين العدل العراقية التي لاتجيز لمحامي من خارج العراق بان يكون المحامي الرئيسي لمتهم يحمل الجنسية العراقية فان المحامي العراقي خليل الدليمي انيطت به مسئولية محامي الدفاع الرئيسي في 8 أغسطس 2005 .
ويعتبر الدليمي العراقي الوحيد بين فريق الدفاع الحالى عن صدام .يذكر أن القانون العراقي يجيز تمثيل محامين غير عراقيين لمتهمين عراقيين شرط ان يكونوا كمستشارين للمحامي الرئيسي الذي يجب ان يكون عراقي الجنسية.
وأعلن الدليمي أكثر من مرة أنه تسلم تهديدات بالاغتيال وأبدى اعتراضات على أنه لم يتم الإبقاء على هوية فريق الدفاع سرية بينما يتمتع أغلب محاميي الإدعاء بسرية تامة لضمان أمنهم. ومن المحامين الآخرين في فريق الدفاع رامزى كلارك وزير العدل الأمريكي السابق من 1967 الى 1969 الذي انضم الى فريق الدفاع في نوفمبر 2005 وايضا وزير العدل السابق في قطر ,نجيب النعيمي الذي انظم الى فريق الدفاع في 27 نوفمبر 2005 .
انتقادات للمحاكمة
وصف مراقبون محاكمة صدام بأنها هزلية تهدف في الأساس لصرف النظر عن الوضع الأمني السيئ ونقص الخدمات الأساسية في العراق بعد الغزو .
ووفقا للمراقبين فإن تلك المحاكمة غير شرعية لأن قانون المحكمة وضعه المحتل وأوكلت حراسة المتهمين والمحكمة لقوى الاحتلال وتتدخل السلطة التنفيذية في تغيير القاضي أو عزله أو تطلب منه التشدد ويختار القضاة من أخصام المتهمين غالباً ويتصرفون كقضاة محكمة دنيا وأنهم الخصم والحكم.
لقد تشكلت تلك المحكمة بقرار من مجلس الحكم الانتقالى الذي كان تحت هيمنة سلطة الاحتلال و بول بريمر كما صدر قانون تشكيل المحكمة حسب بند في قانون ادارة الدولة للفترة الانتقالية الذي كان مجرد مسودة دستور ولم يكن دستورا دائما كالذى صدر العام الماضى .
ويؤكد هزلية تلك المحاكمة أيضا اختيار قضية ثانوية ذو بعد محلي وهي قضية الدجيل التى تعتبر قضية صغيرة الحجم والأبعاد اذا قورنت بقضايا اكبر حجما وذو ابعاد اقليمية مثل حرب الخليج الأولى و حرب الخليج الثانية و استعمال الأسلحة الكيمياوية في حلبجة شمال العراق.
ولذا اعتبر البعض أن اختيار هذه القضية كان الهدف منها هو الابتعاد عن القضايا التي تبرز تورط الولايات المتحدة و دول أوروبية كبرى في دعم صدام حسين وبناء ترسانته العسكرية من الأسلحة الكيمياوية والبيلوجية للحيلولة دون نقل المحكمة الى محكمة العدل الدولية في لاهاي في دحض لمزاعم الاحتلال أن تلك القضية هى القضية التي يمكن اثباتها على المتهمين لوجود ادلة ووثائق تثبت صلة ربط صدام حسين شخصيا باحداث الدجيل.
لقد حرص الاحتلال منذ البداية على إبعاد المحاكمة عن إطار المحاكمة السياسة الشاملة والذي كان يؤكد تورطه بشكل واضح في دعم جرائم صدام ، خاصة وأن دور الولايات المتحدة في الحرب العراقية الإيرانية ليس بخفى على أحد فهى لم تسع لإيقاف الحرب بل كانت تصب الزيت على النار وتحرض هذا الطرف على ذاك وتستهدف القضاء على القوتين الإقليميتين كليهما، وتزود كلاً من الطرفين بالمعلومات عن الطرف الآخر وتسهل لكل منهما الوصول إلى مصادر السلاح، أي باختصار كانت شريكاً في الحرب العراقية الإيرانية ومحرضاً عليها ومستفيداً منها.
ودور الولايات المتحدة في التحريض على غزو الكويت لم يكن بخفى أيضا على أحد بعد نشر تقارير عدة أوضحت أن السفيرة الأمريكية في العراق في هذا الوقت أعطت الضوء الأخضر لصدام لغزو الكويت .
كما أن الولايات المتحدة نفسها هى التى زودت صدام بالأسلحة الكيمياية التى استخدمها ضد الأكراد لقمع الانتفاضة التى قاموا بها في أعقاب انتهاء الحرب العراقية الايرانية .ولذا فإن أية محاكمة سياسية دولية لصدام حسين أو لنظامه ستكشف حقائق عديدة عن دور الولايات المتحدة بغزو الكويت وبمجمل الحروب الإقليمية التي شنها صدام ولذلك عملت على تحويل المحاكمة من سياسية إلى جنائية لا تتعدى مهمتها البحث عن دور المتهم في الاغتيال أو التعذيب أو السكوت عنهما.
تقرير بيكر- هاملتون يرسم صورة قاتمة للعراق
بعد حوالى ثمانية أشهر من مراجعة سياسات وإستراتيجية القيادة الأمريكية المتعلقة بالعراق ، كشفت مجموعة دراسة العراق برئاسة وزير الخارجية الأسبق جيمس بيكر وهو من الحزب الجمهوري، والسيناتور الديمقراطي السابق لي هاملتون رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب السابق ، عن النتائج التى توصلت إليها في السادس من ديسمبر .
وأعطى تقرير اللجنة المسمى "الطريق قدماً" تقييما قاسيا للغاية بشأن الأوضاع في العراق ، حيث حذر من أن الوضع في العراق خطر ومتدهور والعنف في تزايد وليس هناك مسار يضمن النجاح.
وأوضحت اللجنة في تقريرها أن سياسة إدارة بوش في العراق "غير فاعلة" وحذرت من مغبة استمرار تدهور الأوضاع هناك مما يزيد من مخاطر الانزلاق نحو فوضى قد تؤدي للإطاحة بالحكومة العراقية وخلق كارثة إنسانية ، موصية بتغيير المهمة الأساسية للقوات الأمريكية بما يتيح سحبها بطريقة مسئولة .
ورغم تأكيد اللجنة أن قضايا العراق لن تحل عبر العمل العسكري وحده ، إلا أنها لم تطالب بجدول زمني لانسحاب القوات الأمريكية من هناك واكتفت بالدعوة إلى سحب القوات الامريكية من مسرح المعارك خلال عام والتركيز على تدريب القوات العراقية.
وطالبت اللجنة إدارة بوش فى هذا الصدد بتحويل دور القوات الأمريكية فى العراق من العمليات القتالية إلى تقديم الدعم في حلول العام 2008 ، قائلة :" إن المهمة الرئيسية للقوات الأمريكية في العراق يجب أن تتطوّر إلى مهمة دعم الجيش العراقي".
وأضافت قائلة :" من الواضح أن الحكومة العراقية ستحتاج إلى الدعم لبعض الوقت، خاصة في تحمل مسئوليات أمنية جديدة. لكن في الوقت ذاته يجب ألا تقوم الولايات المتحدة بالتزامات بإبقاء أعداد كبيرة من قواتها منتشرة في العراق لفترة مفتوحة ".
وأوصت اللجنة بوش بالضغط على الحكومة العراقية لتحقيق أهداف محددة لتحسين الأمن وإلا تتعرض لتقليص الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي لها .
ورغم أن الرئيس الأمريكي قد أعلن في أكثر من مناسبة بأن هدفه هو المساعدة في تشكيل حكومة عراقية يمكنها أن تدافع عن نفسها، فإن تقرير اللجنة أقر باستحالة تحقيق ذلك، من دون مساعدة جدية من بعض الدول في الشرق الأوسط ، مطالبا بإقامة مفاوضات مباشرة بين الولايات المتحدة وإيران بالإضافة إلى سوريا، وهي خطوة طالما عارضتها إدارة الرئيس بوش.
وقال التقرير :"جيران العراق، ودول رئيسية في داخل وخارج المنطقة عليهم تشكيل مجموعة دعم لمساعدة العراق في تحقيق أمن طويل الأمد ومصالحة سياسية".
كما طالبت اللجنة واشنطن بتحرك إقليمي أوسع وإيجاد خطة سلام شاملة في الشرق الأوسط من أجل إرساء الاستقرار في العراق والمنطقة، وحثت على إطلاق مبادرة دبلوماسية جديدة لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي .
وأكد التقرير فى هذا الصدد أن الولايات المتحدة لايمكن أن تحقق أهدافها في الشرق الأوسط ما لم تباشر في تجديد التزامها الشامل بخطة سلام كاملة على كافة الجبهات.
وألمحت اللجنة في ختام التقرير إلى أن المهمة في العراق قد تفشل ما لم يتحد الطرفان، الإدارة الأمريكية والكونجرس الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، في مسألة مواجهة تراجع الدعم للحرب في الشارع الأمريكي.
وجاء في التقرير "ما نوصي به يتطلب إرادة سياسية جبارة وتعاونا بين أفرع السلطة التنفيذية والتشريعية في الحكومة الأمريكية".
ويستخلص التقرير بلهجة تشاؤمية بأن السياسة الخارجية مقدّر لها الفشل.. كما أي عمل في العراق، ما لم تدعم بإجماع مؤازر عريض.
وفي أول رد فعل فورى على تقرير اللجنة ، أعلن بوش أن إدارته ستتعاطى "بجدية بالغة" مع تقرير "مجموعة دراسة العراق" الذي أوصي بتغيير الإستراتيجية الأمريكية هناك ، دون أن يكون ملزما باتباعها.
وقال عقب لقائه برئيسي اللجنة جيمس بيكر ولي هاملتون إن التقرير المسمى "الطريق قدماً" أعطى تقييما قاسيا للغاية بشأن الأوضاع في العراق وإنه جاء ببعض المقترحات المهمة للغاية.. وسننظر في كل مقترح بجدية.
وحث بوش الكونجرس على وزن توصيات التقرير بحرص وأضاف قائلاً "قد لا يتفقون مع كل المقترحات، وقد لا نوافق عليها جميعاً، وبالرغم من ذلك، سيمنحنا هذا التقرير جميعاً فرصة إيجاد أرضية مشتركة من أجل خير هذا البلد".
وواصل بوش اصراره على رفض تحديد موعد محدد لسحب القوات الأمريكية من العراق متعللا بأن من شأن ذلك أن يكون عامل تشجيع لمن يسميهم الإرهابيين وليس الإدارة العراقية.
يذكر أن لجنة دراسة العراق، شكلها مشرعون من الحزبين الجمهورى والديمقراطى في مارس الماضى لرفع تقييماتها المستقلة للأوضاع الراهنة وما يمكن إحرازه في العراق ووقع ذلك على المصالح الأمريكية في المنطقة.
سيناريوهات بوش للخروج من المستنقع العراقى
طرح المراقبون ثلاثة خيارات منها انسحاب تدريجى مثلما يطالب الديمقراطيون أو التفاوض مع سوريا وإيران أو الضغط بقوة على الحكومة العراقية للإسراع بالمصالحة الوطنية .
وبالنسبة للخيار الأول ، فإن بوش يرفضه بزعم أن الانسحاب قبل أن يكون العراق قادرا علي حماية أمنه في الداخل سوف يزيد الموقف سوءا,
وقد يؤدي إلي إشاعة الحرب الأهلية, كما أنه يترك العراق وقد أصبح منطلقا لعمليات تنظيم القاعدة في عدد من الدول المجاورة تستهدف هز أمن الشرق الأوسط واستقراره, كما أن الانسحاب من العراق, سوف يكون بمثابة اعتراف بهزيمة الولايات المتحدة في حربها علي ماتسميه بالإرهاب.
أما الخيار الثانى ، فإنه جاء في توصية للجنة التى شكلها الكونجرس في مارس الماضى برئاسة جيمس بيكر وزير الخارجية الأسبق لبحث سبل الخروج من المأزق العراقى ، ورغم أن بوش كان يعتبر فتح حوار مباشر بين واشنطن وكل من طهران ودمشق بشأن العراق وإنهاء الخلافات معهما , بمثابة اعتراف بهزيمته ، إلا أنه بعد نشر تقرير لجنة بيكر صرح الناطق باسم البيت الأبيض طوني سنو بأن الولايات المتحدة تشجع العراق على إجراء محادثات مع إيران وسوريا في شأن المسائل الأمنية .
وقال :"لم نقل قط أن على العراق عدم التعامل مع جيرانه، بل العكس لقد قلنا إن ذلك أمر طبيعي، وبالتأكيد إننا نتوقع منهم القيام بذلك .إنه أمر جيد أن يعمل العراقيون مع جيرانهم لمناقشة مسائل الأمن الإقليمي وهم لا يحتاجون إلى موافقتنا لأن الحكومة العراقية ذات سيادة".
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي قد أعلن عشية صدور تقرير لجنة بيكر أنه سيدعو إلى مؤتمر إقليمي تشارك فيه الدول المجاورة للعراق، وربما دول أخرى لتبادل وجهات النظر حول تعزيز الأمن والاستقرار في العراق.
وبالنسبة للخيار الثالث ، فإنه جاء أيضا في تقرير لجنة بيكر عندما أوصى بالضغط على الحكومة العراقية لتحقيق أهداف محددة لتحسين الأمن وإلا تتعرض لتقليص الدعم الاقتصادي والعسكري الأمريكي لها، ويبدو أن هذا الخيار هو الأكثر قبولا من جانب بوش ، بعد أن طالب في الرابع والعشرين من أكتوبر رئيس الوزراء العراقى نورى المالكى بتحديد جدول زمنى لإنهاء العنف ومنحه مهلة عام لإنهاء الحرب الأهلية, ونزع سلاح ميلشيات الشيعة وبدء برنامج تحسين الخدمات ، وهو مااستجاب له نوري المالكي حيث أعلن عشية صدور تقرير لجنة بيكر أن الزعماء العراقيين وكل الرموز السياسية والأحزاب والمنظمات ستشارك في مؤتمر للقوى السياسية في العراق في منتصف ديسمبر 2006 لإنهاء النزاع الطائفي, وإعلان مبادرة المصالحة الوطنية إلي جانب الاتفاق على ميثاق شرف لإنهاء المذابح التي يتعرض لها العراقيون.
ورغم أن الخيار الأخير هو الأكثر ترجيحا حدوثه إلا أنه خطة خبيثة هدفها إعفاء بوش من مسئولية تدهور الأوضاع في العراق ، وإدخال العراق في ثلاثة حروب متداخلة , الحرب بين الشيعة والسنة التي تتصاعد يوما بعد يوم , والحرب داخل الشيعة ذاتها بين الميلشيات التي يقودها الزعيم الشيعي مقتدي الصدر وميلشيات المجلس الأعلي للثورة الإسلامية التي يقودها عبدالعزيز الحكيم حول من تكون له الغلبة في مستقبل الشيعة وصورة العراق في المرحلة القادمة, ثم الحرب التي يخوضها السنة ضد الوجود العسكري الأمريكي في العراق.
ويمكن القول إن سياسات بوش في العراق وصلت إلي طريق مسدود وعدم الاعتراف بتلك الحقيقة يفتح الباب على مصراعيه أمام مصير مظلم ليس لأبناء هذا البلد الجريح فحسب وإنما أيضا للغزاة الذين تعهدوا قبل ثلاث سنوات من الآن بتحويل العراق لواحة للاستقرار والديمقراطية وتحول العراق على أيديهم لما يشبه " بلدا للقبور .