حكم أخذ الغرامة المالية مقابل التأخير
تقوم بعض الشركات والمؤسسات المالية عند إبرام العقد مع المستفيدين ( الزبائن )،
بفرض غرامة مالية وهي من قبيل الشرط الجزائي؛
وذلك بسبب التأخير في السداد، أو الإخلال ببعض شروط العقد،
وهذه الغرامة المالية موجودة أيضاً في بعض النقابات والمؤسسات
التي تفرض على مشتركيها اشتراكاً شهرياً أو سنوياً،
وعند تأخير المشترك عن الدفع، فإنهُ يُلزم بدفع غرامة مالية مقابل تأخيره،
فهل هذه العقود بالصفة المذكورة سابقاً يعتريها الحل أم الحرمة ؟
وهل التوقيع على مثل هذه العقود حلال أم حرام،
وهل الاشتراك بمثل هذه المؤسسات والنقابات جائز شرعاً ؟.
الجواب وبالله التوفيق:
إنّ الغرامة المالية الحاصلة بسبب التأخير في سداد الدين أو الاشتراكات الشهرية
أو السنوية من جهة المدين لأي سبب، أو المستفيد لا تجوز شرعاً،
لأن ذكر الغرامة المالية (الشرط الجزائي)، بالتعويض عن الأضرار،
أو بالتعويض عن التأخير لا تغير طبيعته باعتباره شرطاً تضمن الإلزام للمدين
بدفع مبلغ من المال لقاء امتناعه عن دفع الدين أو التأخير فيه،
وهذا وجهٌ من وجوه الربا الذي كان معروفاً منذ الجاهلية،
سواء كان قرض النقود والدنانير إلى أجل بزيادة على رأس المال وفق ما يتراضون به،
أو كانت الزيادة نظير تأجيل الدين المستحق باتفاقٍ لاحقٍ قبل استحقاق الدين
أو عند الاستحقاق ( فيقول لهُ : أخرني وأزيدك ).
وورد عن بعض الصحابة مثل عمر وابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم
على أنه لا ربا في الزيادة في السلف إلا أن يشترط تلك الزيادة مهما بلغت،
وهذا مما لا شك فيه أنه ربا.
فعقد القرض الأصل فيه: الإرفاق والقربة،
فإذا شرط المقرِض فيه الزيادة لنفسه خرج عن حكم الأصل،
ويكون بذلك قرضاً جرّ نفعاً،
والزيادة المشروطة تشبه الربا، فهي الزيادة على المال لا يقابلها العوض،
وهذا هو عين الربا، والتحرز عن الربا وعن شبهة الربا واجب.
عن النُعمان بن بشيرٍ رضي الله عنهما قالَ: سمعتُ رسول الله صل الله عليه وسلم
يقُولُ:
(( إن الحلالَ بينٌ ، وإن الحرام بينٌ، وبينهما مُشتبِهاتٌ لا يعلمهن كثيرٌ من الناسِ،
فمن اتقى الشبُهاتِ؛ استبرأ لدينه وعرضهِ، ومن وقع في الشبهاتِ؛ وقع في الحرام،
كالراعي يرعى حول الحمى يُوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكلّ ملكٍ حمى،
ألاَ وإنَّ حمى الله محارمهُ، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلحت؛ صلح الجسدُ كلهُ،
وإذا فسدت: فسد الجسد كلهُ: ألا وهيَ القلبُ)) متفق عليه
ثم إن الكثير من الأحاديث والآثار تؤكد على أن الغرامة المالية المترتبة على التأخير في السداد للعقود أو الاشتراكات الشهرية أو السنوية تُعدّ من المحرمات، إما لأنها عين الربا،
أو أنها الطريق المؤدي إليه، وباب سد الذرائع لهُ تأصيلٌ في الشرع ،
فالطريق إلى الحلال حلال ، والطريق إلى الحرام حرام .
والله تعالى أعلم.