28.01.2017
مقالات وتقارير
الجرف الصامد: تقرير محزن، لا حاجة لمعظمهيكتب دان مرجليت في "يسرائيل هيوم: الجرف الصامد أ: تقرير مراقب الدولة يوسف شبيرا حول عملية الجرف الصامد، محزن، ولا حاجة لمعظمه، لأن العملية العسكرية تمت كما يجب. ومثل كل خطوة معقدة كانت فيها ايضا أخطاء في التنفيذ وفي التقييم. ليس مثل حرب لبنان الثانية في العام 2006 التي دخلها ايهود اولمرت من دون تفكير أولي – صحيح ان الجرف الصامد تدهورت من خلال فقدان القيادة للسيطرة على ما يحدث في الميدان، لكن بنيامين نتنياهو وموشيه يعلون وبيني غانتس أداروها بالشكل المناسب، رغم الاخطاء التي قد ترافق كل معركة كهذه.
منذ البداية لم يرغبوا بها، وحاولوا الامتناع عن التوغل البري. وقصفوا حماس من الجو والبحر بشكل واسع، بل ربما أكثر من اللزوم؛ وبدون مفر – فقط بدون مفر- دخلوا الى الانفاق، وفي الحاصل النهائي تصرفوا بحكمة، لقد أطالوا ايام الحرب، لكنهم وفروا دماء جنود الجيش الاسرائيلي، لأنه كانت هناك مبادرات لوقف اطلاق النار شملت التوقف عن القتال، وكانت لدى اسرائيل اسباب سياسية معقولة لعدم ادارة الظهر لها، خصوصا عدم توريط او ربط مصر في الاتصالات والخروج معها ضد حماس. وكانوا على حق. هذا هو المنطق الكامن في الصيغة الكلاسيكية لكارل فون كلاوزفيتش، التي تقول إن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل اخرى. والعكس صحيح.
اقتراحات نفتالي بينيت وافيغدور ليبرمان كانت تشبه الفيل داخل متجر الخزف. ما الذي أراداه؟ السعي لتصفية سلطة حماس. هذا لم يكن هدفا واقعيا، لكنه شعبوي. والقادة الثلاثة الذين قادوا الحرب، لم تأسرهم هذه الشعارات الواهية. يجب قول الحقيقة وهي أن هذه العمليات تعطي عامين أو ثلاثة اعوام من الهدوء ولا تقضي على العدو. ووفقا لهذا التعريف فان الحديث عن قصة نجاح كبيرة. هذا هو الواقع على قدم واحدة، والباقي هو موضوع للتحقيق في الجيش الاسرائيلي، وليس في مدرسة شبيرا.
ادارة نصف ظهر للعدوالجرف الصامد ب: هذا الاسبوع، دافع نتنياهو، في خطابه، عن نفسه من خلال الادعاء بأنه لدى تلخيصه النقاش الامني السنوي، طرح موضوع الانفاق. يوجد خط دفاع آخر، أكثر تعقيدا: هذا غير هام. لنتنياهو ويعلون وغانتس والجهاز العسكري صلاحية كاملة للتحديد بأن الانفاق ليست أولوية اولى. مثلا من الافضل الاستثمار في تحصين السيارة أو بناء القبة الحديدية أو الاستخبارات ضد ايران، وبعد ذلك فقط، الانفاق. لأنه دائما لا توجد ميزانية تكفي لكل شيء. في هذه الحالة، حتى لو اخطأت القيادة في التقييم وقامت حماس باستخدام الانفاق لمهاجمة الجيش الاسرائيلي، وتمكن الجيش الاسرائيلي من التغلب على المخربين حتى لو تم ذلك ببطء وبثمن أكبر. هذا قرار منطقي، حتى وإن كانت النتيجة مخيبة للآمال.
لقد ذكرني ذلك بمحادثة اجريتها مع ايهود براك، عندما عين رئيسا للأركان. لقد تكهن بأنه لن تندلع الحرب خلال فترة ولايته، وقام بتقليص القوات البرية والجوية من اجل تحويل الجيش الاسرائيلي الى جيش تكنولوجي ومتطور. ولهذا الغرض “سيدير نصف ظهر للعدو”. وعندما قلت له إن الحروب تندلع في الشرق الاوسط بدون نية من الطرفين، وأنه يضعف الجيش الاسرائيلي قبل ان يملك السلاح المتطور - أجاب أنه في هذه الحالة سيضطر الجيش الى الانتصار بثمن أكبر وبشكل ابطأ. ولا يوجد مفر. يجب اتخاذ قرار معقول. قلت له، ان هذا سيخضعك للجنة اغرانات ثانية (لجنة تحقيق). فأجاب ان هذا صحيح، وانه سيشرح للجنة بأنه “لا يمكن عمل كل شيء”. في الاسبوع الماضي سمعت خلال لقاء جرى في بيت البروفيسور يارون زليخة، من ضابط استخبارات رفيع في الاحتياط، عن مدى اسهام قرار براك الخطير ذاك، ادارة الظهر للعدو، في عصرنة
الاقوال نفسها تقال بشأن الانفاق. الخطأ في ايلاء اولوية هامشية للاستثمار في حرب الانفاق، يجتاز الاختبار الواقعي رغم النتيجة المؤلمة. كان من المفروض بشبيرا ايضا فهم ذلك.
عملية خاطفة استغرقت 18 سنةالجرف الصامد ج: بينت لم يتصرف حسب قواعد الزمالة، عندما تحدث مع ضباط متدينين من وراء ظهر يعلون وغانتس. لقد عاد من النقب مع فكرة أن قائد كتيبة جفعاتي، عوفر فنتر، كان يمكنه الوصول الى البحر. عندها كان باستطاعة الجيش الاسرائيلي القضاء على سلطة حماس وتدمير الصواريخ. وماذا؟ حسب بينت لم تكن اسرائيل ستعود لاحتلال غزة بشكل دائم. ولكن في الواقع كانت ستضطر للبقاء هناك، وخلال ملاحقة الصواريخ كانت ستقع صدامات وسيقتل جنود. الى (حرب) لبنان أ (الاولى) دخل الجيش الاسرائيلي لتنيفذ عملية قصيرة استغرقت 18 سنة.
لقد وعد افيغدور ليبرمان بالقضاء على حماس خلال 48 ساعة. نأمل أن يكون قد وصل مرحلة البلوغ. أما بينت فلم بعد. احتلال غزة كان خطأ دائم. اسحق رابين واسحق حوفي ويشعياهو غبيش عصوا وزير الأمن موشيه ديان، واحتلوا القطاع في حرب الايام الستة (1967). كل ولد يفهم أنه من الافضل السلوك حسب نصيحة ديان وابقاء غزة في أيدي المصريين. وفي مصر ايضا فهموا ذلك. لهذا لم يرغب أنور السادات في استعادة قطاع غزة بعد توقيع اتفاق السلام مع اسرائيل في العام 1978.
احتلال غزة للحظة كان سيدوم لسنوات، وكانت العمليات ستتجدد والاحتكاك مع العالم سيزداد، وكنا سنشتاق خلال بضعة اشهر لصواريخ القسام.
غضب ليس في مكانهبنيامين نتنياهو لم يخترع الدولاب عندما زعم أن التحقيق معه يهدف الى اسقاط حكومته. لقد سبقه رؤساء حكومات وسياسيون كبار. وقد بدأ ذلك اريئيل شارون الذي دخل في غيبوبة لم يقم منها، وايهود اولمرت الذي لا يزال في سجن معسياهو، وقبله ابراهام هيرشزون الذي تحرر من السجن، وبنيامين بن اليعيزر الذي أنقذ بموته، كما يبدو، اموال الرشوة لصالح ورثته.
لم يتآمر أحد لإسقاطه. من الواضح ان نتنياهو يتذكر الاهتمام الذي اولاه للتحقيق مع اولمرت، وليهدأ، لأنه مقارنة بما فعله، نام اعضاء الكنيست من العمل وميرتس، خلال وردية الحراسة.
ال تحقيق في ملف 1000 يخص من يصفه حتى هذه اللحظة، بأنه صديقه الجيد ارنون ميلتشين. نص شهادته في الشرطة سيضع علامة استفهام على الصداقة. ولكن خصومه السياسيين ليسوا هناك.
كما ان ملف 2000، الذي بدأ بالتحقيق مع رئيس مكتبه السابق آري هارو، لا يتعلق بأحد من خصومه. سيتضح في المستقبل كيف ومن كان يحمل الجهاز الذي سجل المحادثتين مع ارنون موزيس. لم يشاهد احد أي ناشط يساري قرب المكان.
يوجد تحقيق وهو يخضع نتنياهو وموزيس لظل اخلاقي. وفي المستقبل سنعرف اذا كان هناك عمل جنائي أم لا. وكل دموعه وغضبه وعرقه ليست في مكانها الآن.
نفذ عمله بإخلاصقائد الشرطة روني ألشيخ تصرف بالشكل المناسب عندما حذر المقربين من بنيامين نتنياهو بعدم استخدام التهديد والضغط على ضباط الشرطة المخلصين الذين يحققون مع رئيس الحكومة (الحديث لا يدور عن شخص واحد فقط، بل مجموعة صغيرة). هؤلاء الاشخاص المجهولين - لم يكشف ألشيخ من هم الذين يشتبه فيهم وما اذا خرجوا من صفوف الشباك والشرطة، واصبحوا الآن محققين خاصين- حاولوا تهديد هؤلاء الضباط بنشر معلومات مهينة يتم ارسالها بشكل متعمد الى أبناء عائلاتهم للتأثير عليهم في موضوع نتنياهو.
ألشيخ لم يكتف بذلك، بل اجرى اتصالا مع أبناء العائلة، وواسى الزوجة والاولاد بأن والدهم يقوم بعمله باخلاص وهم مهم من اجل التوصل الى الحقيقة. لا يوجد كثير من مفتشي الشرطة الذين يتصرفون بهذا الشكل.
الاعلان الدراماتيكي والاستثنائي في تاريخ الشرطة حقق هدفه. لقد تحفظ نتنياهو ممن يهددون المحققين، رغم أنه ظهر في اليوم التالي على منصة الكنيست وقدم ادعاءاته، وفي الواقع كشف أمام من سيتم التحقيق معه أو الادلاء بافادته، ما هو خط الدفاع المناسب له.
لقد ادعى نتنياهو أنه لا يعرف عمن يدور الحديث. وألشيخ ايضا ملأ فمه بالماء حول هوية المهددين (هل هناك أحد مستهدف؟ في الوقت الذي يعتقد فيه ألشيخ ومندلبليت أنهما يعرفان من الذي قام بتسريب التسجيلات المتعلقة بمحادثات رئيس الحكومة وموزيس، فان الجواب غامض بشأن هوية من هددوا محققي الشرطة).
الاشخاص الذين عملوا معه لسنوات طويلة لم يستغربوا. لقد قالوا إنه دائما يركز على الهدف. ولم يسأل ماذا ستكون المهمة التالية، وهل ستلقى على عاتقه، بل كيف سيصل الى النتيجة الافضل. هكذا ايضا في منصبه الحالي كمفتش للشرطة. هو نفسه قال مازحا اكثر من مرة إنه لا يمكن الضغط عليه، سيما انه لا يوجد في الشرطة منصب اعلى يمكن ترقيته اليه.
في الحرب كما في الحربيكتب الجنرال (احتياط) غرشون هكوهين، في "يسرائيل هيوم" انه قبل نشر تقرير مراقب الدولة حول الجرف الصامد، تم ومن خلال الابراز الهستيري، نشر اقتباسات من بروتوكولات المجلس الوزاري، بنية انتقاد صناع القرارات، رئيس الحكومة، وزير الامن، رئيس الأركان ورئيس شعبة الاستخبارات.
ضمن الأصوات التي قادت خلال يومين الحوار الاسرائيلي، تردد بنغمة متشككة، صدى مقولة بن غوريون: "فلتعرف كل ام عبرية بأنها وضعت مصير ابنها في أيدي قادة يستحقون ذلك". كان هناك من اهتموا بالتعبير عن قلقهم من اننا وضعنا مصير اولادنا الجنود في ايدي قيادة قومية غير جديرة بذلك.
سؤالان اساسيان، تستحقان في جوهرهما، تثيران الاهتمام العام بتقرير المراقب: الاول يسعى الى استيضاح كيف قادتنا القيادة القومية في صيف 2014، الى الحرب مع حماس. هل كانت حتمية؟ والثاني يطلب تفسيرا لما يظهر كأنه يمس بكرامتنا القومية، كيف وجدنا انفسنا غير جاهزين كأمة وكجهاز عسكري لتهديد الأنفاق؟
من المهم التأكيد بخصوص السؤالين، ان الجهاز الامني انشغل فيهما فور انتهاء الحرب، ولم يتهرب من مسؤوليته في الفحص الثاقب. الجيش الاسرائيلي، الشاباك والمجلس الوزاري عرفوا تهديد الانفاق قبل وقت كبير من صيف 2014، وكما نتوقع فان تقرير المراقب عرف كيف يشير الى ذلك.
المسألة التي يستحق فحصها، في هذا الموضوع، هي كيف تم فهم التهديد، وما الذي تم عمله نتيجة هذا الفهم. هذا سؤال جدي. لكنه دخلت الى النقاش العام مقاطع من بروتوكولات المجلس الوزاري، التي تهدف الى التلاعب السياسي في الصراع على ترسيخ الصورة الشخصية: من شاهد المولود بشكل افضل؟ من اراد المحاربة ومن تلكأ؟
يفهم كل واع اهمية ان يكون النقاش في المسائل القومية المصيرية، وفي تقييم الاوضاع في القيادة العامة او في المجلس الوزاري، مغلقا من اجل الحفاظ عليه نقيا من المصالح الشخصية. نعم، دائما هناك مكان للاشتباه بأن كل واحد من المشاركين، يتحدث للبروتوكول، ويستعد لتأييد الجمهور او لمحكمة التاريخ. هذه لحظة اختبار علوي في المسؤولية القومية، واحيانا، الله وحده هو الذي يعرف.
لم اشاهد التقرير بكامله، ومن الواضح انني لا اقصد محاكمته. ومع ذلك، من وجهة نظر مبدئية، يجب حسب وجهة نظري اجراء فحص اولي حول الصلاحية المهنية التي يتمتع بها المراقب ورجاله في كل ما يتعلق بالمسائل الحربية، وعلى سبيل المثال كيف وصلنا الى حرب استمرت 51 يوما؟ مثل الكثير من الحروب في التاريخ، ربما في هذه الحرب ايضا، كان يمكن للقيادة الامتناع عنها.
حرب لبنان الثانية، في صيف 2006، أيضا، كان يمكن منعها كما توقع نصرالله، لو لم تقرر حكومة اسرائيل الرد بحجم واسع وغير مسبوق على اختطاف الجنديين. الحديث عن مسألة اساسية تبقى احيانا مفتوحة الى الابد وفيها يتم اختبار القائد القومي بكامل عزلته، في وقوفه على مفترق قرار مصيري لا يسبقه اليه احد.
مع كل اهمية هذه المسألة الجوهرية، التي بقيت على حالها حتى حين تم اتخاذ القرارات وفقا للإجراءات التي يحددها الكتاب، الا انه لا يمكن اخضاعها لصلاحية الفحص التقني من قبل مراقب الدولة او لجنة تحقيق.
هناك منهجية للتحقيق في مجالات العمل التقني، كأداء المعدات الحربية، اعداد مخزون الذخيرة، وجاهزية القوات. انها تسعى للبحث عن اسباب الفشل، كما يجري التحقيق في حوادث الطيران. اما في فحص القرارات الاستراتيجية، فان التحقيق لا يمكن ان يكون تقنيا.
الاجراء بدلا من الجوهرفي اساس التوجه نحو تشكيل لجان تحقيق بعد حروبنا، مثل لجنة أغرانات أو لجنة فينوغراد، يكمن الافتراض بأنه إذا حدث شيء خاطئ، فان احد المسؤولين او الخبراء المكلفين بإدارة الموضوع، اهمل، كما يبدو. في كل توجه حديث يتوقع السيطرة على الوضع، حتى عندما يتعلق الأمر بالحرب كحدث ينطوي بطبيعته على المضي نحو المجهول. لذلك، من شأن حتى المفاجآت الاستخبارية العسكرية، كحالات الأزمة في ادارة الحرب، ان تؤدي الى طلب تشكيل لجنة تحقيق أو اجراء فحص لدى المراقب، فقط كي نعرف من الذي أهمل، فنعين شخصا آخر مكانه، ونعود الى هدوئنا.
وعليه، كيف يمكن مراقبة قرارات في مسائل استراتيجية؟ الاختبار الملموس المطلوب هو امتحان النتيجة. في لعبة كرة القدم، تكون النتيجة في نهاية المباراة واضحة ونهائية. اما الحرب فهي ظاهرة اخرى: فحصها يتم بناء على انجازاتها بمقياس زمني. حسب الغالبية، حتى بعد سنوات، يبقى امتحان النتيجة ابعد من ان يكون قاطعا.
في نظرة مهنية، نسعى الى فحص اهداف الحرب، وما مدى تحقيق اهدافها خلال الايام التي تلي الحرب. هذا سؤال معقد، يتعلق بأكثر من حقيقة واحدة. من خلال المركبات نميل الى نقل التوضيح في المسألة الى الاختبار الذي يركز على معايير عملية اتخاذ القرارات. هذا التوجه يفترض ان القرارات الصحيحة يفترض ان يتم اتخاذها وفق اداء صحيح وسلوك نظامي.
في المدارس الشائعة في كليات الإدارة العامة والعلوم السياسية، يفترضون أن عملية صنع القرار المبني بشكل صحيح، سوف تؤدي إلى اتخاذ قرارات على الأرجح الصحيحة. للأسف، هذا الافتراض لا يصمد أمام اختبار الواقع. لكن المدافعين عن سيادة القانون والإدارة السليمة يتمسكون بمطلب بناء انظمة عمل القيادة، خاصة في المسائل الحاسمة، كالخروج الى الحرب، وفقا للإجراءات المنظمة والمرتبة.
في هذا الصدد فان عمل لجنة التحقيق أو فحص المراقب، يختار التركيز على فحص الاجراءات: متى اجتمع مجلس الوزراء، ما هي المعلومات التي قدمت للمشاركين، كيف تميزت ديناميات النقاش. وهل تم استدعاء الخبراء الملائمين وغير ذلك. كما هو الحال في كثير من سلوكيات الجهاز العام الذي استعبدته انماط التفكير القانوني، هكذا في أمور الحرب، ايضا، اخضع الحوار العام للانشغال في الإجراء المهني بدلا من الجوهر.
مراجعة الجرحيكتب اليكس فيشمان، في "يديعوت احرونوت" ان الجرح الذي انفغر في عملية الجرف الصامد بين الاستخبارات العسكرية والشباك، واصل النزف على طاولة مراقب الدولة. وما ظهر فور انتهاء العملية كجدل مهني بين رئيس قسم الاستخبارات في حينه، الجنرال افيف كوخافي، ورئيس الشباك في حينه، يورام كوهين، تحول في الغرف المغلقة لدى مراقب الدولة الى صراع بين محامين. ويتضح بأن معظم الاشخاص المذكورين في تقرير الانفاق الذي اعده مراقب الدولة – والذي يجري تقديم صيغته النهائية هذه الأيام الى الكنيست، قاموا باستئجار محامين. يحبون القول لدينا إنه لا توجد أسنان حقيقية لمراقب الدولة، لكن الضباط رفيعي المستوى في الجيش الاسرائيلي يذكرون جيدا أن المراقب ساهم بشكل كبير بجعل الحكومة تتراجع عن تعيين يوآف غلانط، في حينه، لمنصب رئيس الاركان قبل دخوله الى منصبه. ربما لهذا السبب يوجد بين الضباط الذين سارعوا لاستئجار خدمات المحامين، بعض الضباط الكبار.
الجدالات القانونية المتواصلة بين المحامين وبين موظفي المراقب حول الصياغات والروايات وتفسير الوثائق التي تواصلت الى ما قبل اسابيع، تسببت بتأجيل تقديم التقرير لمدة سنة تقريبا. وهذا هو التفسير الحقيقي لحقيقة أنه تم تقديم التقرير بعد تأخير كبير، أي بعد مرور سنتين ونصف على العملية.
الخلافات بين الاستخبارات العسكرية والشباك في مسألة التحذير الاستخباري، سواء كان أو لم يكن، وحول نية حماس فتح مواجهة عسكرية في صيف 2014، هي ليست مجرد حرب على الاسم المهني وصورة ومكانة الجنرال كوخافي الذي يفترض تعيينه في الاشهر القادمة نائبا لرئيس الاركان، لينافس بعد ذلك على منصب رئيس الاركان. هذا الخلاف الذي يتمحور في جوهره، حول مسائل الاستخبارات والتجسس هو مرساة اساسية في التقرير.
لكن استنتاجات المراقب في الموضوع الاستخباري ستبقى “ثقب اسود” بالنسبة للجمهور. الاسئلة التي كان يجب على اجهزة الاستخبارات تقديم اجوبة لها، مثل هل كانت تلك حرب تم التخطيط لها من قبل حماس، أم أنها تدهور ليس مخططا له، نتيجة لخطوات خاطئة من قبل الطرفين، هذه الاسئلة ستبقى كما يبدو في الظلام. معظم المواد التي تتناول الاستعداد الاستخباري للمواجهة مع غزة، مع التشديد على الانفاق، سرية ولن يتم نشرها. وهكذا يجب على الجمهور التطرق الى نقاشات المجلس الوزاري المصغر التي تم نشر نصوص منها، وسينشر غيرها ايضا، كنتائج فقط، لأنه ليس من الواضح ما هو الاساس الاستخباري الذي دفع المجلس الوزاري الى اتخاذ قراراته. يجب قراءة هذا التقرير كقراءة كتاب تنقصه الفصول الاولى، ويجب أن نخمن لماذا رد الوزراء بهذا الشكل أو ذاك.
الانتقادات التي يوجهها أشخاص كبار في الجهاز العسكري، في الماضي والحاضر، حول تقرير المراقب تدعي إن اهتمامه بعملية الجرف الصامد يمر عبر فوهة النفق، وهو لا يرى الصورة الشاملة التي تنطوي على انجازات عسكرية وسياسية. هذا الادعاء له أساس: فالمراقب ركز على موضوع الانفاق قبل العملية بخمسة اشهر.
في شباط 2014 قرر رئيس اللواء الامني في مكتب مراقب الدولة، العقيد (احتياط) يوسي باينهورن، فحص استعداد الجيش الاسرائيلي لتهديد الانفاق. في البداية تم عرض الامر كتقرير متابعة لتقرير مراقب الدولة من أيار 2007، الذي تناول “مواجهة مع الحرب الجوفية الفلسطينية”. ومنذ ذلك الوقت، قبل عقد زمني تقريبا، حدد المراقب في حينه، ميخا ليندنشتراوس إن الانفاق تشكل تهديدا قد يتطور، ليس فقط في قطاع غزة، بل ايضا على الحدود اللبنانية والمصرية والسورية وجدار الفصل. علاج هذا التهديد، كما قال المراقب، يمثل فشلا ذريعا في ثلاثة مجالات: نظرية التشغيل، الجهد التكنولوجي والمواجهة الاستخبارية. ولم يهتم لندنشتراوس في حينه بمسؤولية المجلس الوزاري عن الاهمال. ويبدو أنه اليوم، بعد مرور عقد زمني، يمكن لمراقب الدولة الذي يقوم بفحص عملية الجرف الصامد أن ينقل النتائج من تقرير أيار 2007 كما هي.
التحول الدراماتيكيلقد عرف باينهورن جيدا لماذا يولي موضوع الانفاق أهمية كبيرة. الاشخاص الذين يعملون معه يقولون إنه أحضر معه من منصبه السابق كمراقب للجهاز العسكري طريقة خاصة لتحديد جدول أولويات الامور الخاضعة للرقابة. انه يقوم باعداد “قائمة مخاطر” تشمل جميع القضايا الخاضعة لمسؤوليته، بدء من الصناعات العسكرية وانتهاء بالشباك والموساد. تحليل الاولويات يتغذى ليس فقط من المواد السرية التي تصل الى طاولته، بل ايضا من جهات خارجية، مثل وسائل الاعلام التي تلفت انتباهه الى هذه المشكلة أو تلك. عندما اختار في العام 2014 فحص موضوع الانفاق، كان هذا الموضوع قد طفا على صفحات وسائل الاعلام على خلفية تصريحات قائد المنطقة الجنوبية والكشف عن اربعة انفاق تم تصويرها ونشرها من كل زاوية.
اضف الى ذلك، انه وصلت الى الاجهزة الامنية في ذلك الوقت معلومات مقلقة. وقد ألمح رئيس الحكومة نتنياهو الى ذلك في خطاب علني القاه هذا الاسبوع. حسب اقواله، في اعقاب تقديرات استخبارية طرحت أمام المجلس الوزاري في بداية 2014، اصدر توجيهاته الى الجيش بالاستعداد مقابل غزة في موضوع الصواريخ والانفاق. ويمكن الفهم من اقواله بأن المعلومات التي وصلت في حينه عبر القنوات الاستخبارية، جعلت تهديد الانفاق مساويا لتهديد الصواريخ.
كان من المفروض بهذه المعلومات ان تحرك الجهاز العسكري. اقوال رئيس الحكومة كان يجب ان تحرك العجلات التي يفترض أن تسارع امام الانفاق. ويمكن الافتراض بان التقرير يتناول التقييمات الاستخبارية التي يتحدث عنها رئيس الحكومة، لكنه يبدو أن هناك فجوة بين اقوال نتنياهو الآن وبين السياسة العملية التي املاها على الميدان، وسرعة تنفيذ تلك السياسة فعليا.
التغيير الدراماتيكي في توجه الجيش نحو تهديد الانفاق حدث قبل ثلاثة أشهر من اندلاع عملية الجرف الصامد. وقبل ان يصبح واضحا بعد أن المعركة العسكرية تقترب، بدأ الجيش الاستعداد لمواجهة تهديد الانفاق، سواء في مجال العمليات أو التكنولوجيا. بدأوا بتدريب القوات، كقوات الهندسة، على امكانية مواجهة الانفاق ميدانيا. بل ان قائد المنطقة الجنوبية في حينه، سامي ترجمان، قام بوضع خطة للسيطرة على فوهات الانفاق في القطاع. وتبين بعد ذلك أن الأمر كان متأخرا وغير كاف.
عندما حاول الوزير بينت حث المجلس الوزاري على الدخول الى قطاع غزة لمعالجة الانفاق قبل اندلاع الحرب، جلب معه شهادة من الميدان حول جاهزية القوات. وحسب اقواله فقد لاحظ أن قائد لواء جفعاتي، عوفر فنتر، مدرب ومستعد لمعالجة الانفاق داخل القطاع. يمكن الافتراض بأن بينت، ايضا، عرف في تلك الفترة ان الجيش يستعد بسرعة لمهاجمة الانفاق، في اعقاب وصول معلومات استخبارية.
ولكن، الى جانب الاستعداد العسكري، لم يتغير لدى قيادة الجيش ووزير الأمن يعلون المفهوم الاساسي الذي يقول إن الانفاق بحد ذاتها لا تشكل ذريعة للحرب. وحسب رأيهم، كان يمكن مواجهة الانفاق بشكل ناجح من خلال الكشف عن الفوهات داخل اسرائيل والدفاع عن المناطق السكنية. صحيح أن هناك تغيير في التهديد الناشئ من الانفاق، لكن لا يوجد مبرر لخوض مواجهة في قطاع غزة، وفقدان عشرات الجنود والخروج. في قيادة الجيش وفي وزارة الأمن ساد التقدير بأنه سيتم اعادة ترميم الانفاق بعد خروج الجيش الاسرائيلي من القطاع - كما يحدث اليوم. لقد تم التشديد على حماية البلدات السكنية ومحاولة الكشف عن فوهات الانفاق التي تسللت الى داخل اسرائيل. وبالفعل تم الكشف عن اربع فوهات. كما عرض رئيس الاركان هذه السياسة امام المجلس الوزاري، الا ان الوزير بينت نعته بلقب “الثور الكسول”.
في مكتب مراقب الدولة كانوا يعرفون عن التغيير الحاصل في الاستخبارات وفي النشاط العسكري مقابل الانفاق. وقبل عملية الجرف الصامد خرجوا الى الميدان وشاهدوا بأعينهم نفقا تم اكتشافه، وسمعوا استعراضا بشأنه. وهذا أمر غريب. مراقب الدولة عرف وفهم عمق المشكلة، بينما يدعي اعضاء المجلس الوزاري في حينه أنهم لم يعرفوا ولم يفهموا حجم التهديد. المواد ذات الصلة بتهديد الانفاق كانت مطروحة على طاولة السكرتير العسكري لرئيس الحكومة، وكان يمكن لكل واحد منهم أخذ هذه المواد ودراستها.
لقد بدأت عملية الجرف الصامد في السابع من تموز 2014. ومن الطبيعي أن يقوم المراقب بتجميد الفحص واستئنافه بعد انتهاء العملية بشهرين. إلا أنه في هذه المرحلة، وبناء على توجيهات المراقب يوسف شبيرا، تم الطلب من اللواء الامني في مكتب المراقب توسيع الدائرة وفحص، ليس فقط المستوى التنفيذي، بل ايضا قرارات وتوجيهات المستوى السياسي عشية الحرب.
لقد قام المراقب بفحص كل النقاشات التي جرت لدى وزير الأمن ورئيس الاركان ورئيس الحكومة حول غزة خلال السنة التي سبقت الجرف الصامد. اكوام من الاوراق، وتم استدعاء عشرات الشهود، بدء من رئيس الحكومة ومرورا بأعضاء المجلس الوزاري والمراقبين فيه، ووزير الأمن، ورئيس الاركان وجنرالات، وحتى قادة الألوية. وفي بعض الحالات تم استدعاء موظفين صغار في القوات الخاصة وخبراء خارجيين.
وهنا تم ضم مجلس الامن القومي الى قائمة الجهات الخاضعة للرقابة، لأنه كان من المفروض أن يُعد المجلس الوزاري ويعرض مواقفه مقابل مواقف الجيش. وبالفعل، فان رئيس مجلس الامن القومي في حينه يوسي كوهين، الذي يترأس الآن جهاز الموساد، لم ينج من الملاحظات حول عمل مجلس الامن القومي عشية العملية.
اذا كانت هناك ادعاءات لدى مراقب الدولة ضد مجلس الامن القومي بأنه لم يطرح أمام المجلس الوزاري جميع المعطيات التي تسمح باتخاذ قرار صحيح، فان خطأ نتنياهو في هذا الامر مضاعف: ذلك ان رئيس الحكومة هو الذي يضع برنامج العمل اليومي والمواضيع المطروحة في جلسات المجلس الوزاري. وهو الذي كان يجب عليه الاهتمام باطلاع الوزراء على جميع المعلومات المطلوبة. حسب ما تم نشره حتى الآن يبدو أن نتنياهو لم ينجح بإقناع المراقب بأنه اهتم بأن يطبق المجلس الوزاري –المسؤول عن الجيش باسم الحكومة – صلاحياته كما يجب.
الثقب الاسودهناك سؤال مركزي آخر يفترض ان يطفو من التقرير، وهو: هل كانت لدى الحكومة سياسة معينة في موضوع غزة، يمكن من خلالها استخلاص التوجيهات للجيش واستعداداته. هنا لا توجد أسرار، ولا حاجة لمراقب الدولة. فحكومة اسرائيل لم تملك ولا تملك سياسة طويلة المدى مقابل دولة حماس في القطاع.
بعد موضوع الاستخبارات هذا هو الثقب الاسود الثاني في تقرير المراقب. حكومات اسرائيل تملصت من الاعتراف بحقيقة أن سلطة حماس في غزة تعتبر أهون الشرين. فطالما لا يوجد بديل لحماس من الافضل أن تكون هي التي تحكم غزة. ضعيفة ولكن حماس. في تلك الفترة تحدث الوزير ليبرمان عن تصفية حماس واستبدالها بمحمد دحلان الذي تؤيده مصر. وتحدث الوزير بينت في جلسة المجلس الوزاري عن الانفاق، الانفاق، ثم الانفاق. ولكن عندما قام رئيس الحكومة الذي سئم من هذه الملاحقات، بطرح السؤال على المجلس الوزاري عما اذا يجب خوض عملية عسكرية في غزة تعمل على اسقاط حماس، لم يؤيد ذلك أي وزير من الوزراء.
في الشارع، في المقابل، جرى في تلك الفترة اطلاق حملة لافتات كاملة تحدثت عن الملاحقة – الوصول – توزيع الغنائم. تم اخراج بني عكيفا الى الشارع، وتم نشر استطلاعات تفيد بأن 80 في المئة من الجمهور يؤيدون الدخول الى غزة وتصفية حماس. وكان واضحا أن نقاشات المجلس الوزاري ليست نقاشات استراتيجية بالفعل، بل نقاشات سياسية تصغي للشارع، كما يدعي يعلون اليوم. نتنياهو لم يعتمد على عدد كبير من اعضاء المجلس الوزاري، فبالنسبة له جلس أمامه اشخاص يسعى كل واحد منهم الى استبداله. وباستثناء يعلون ورئيس الاركان لم يكن له شركاء حقيقيين في الأسرار.
لكن مراقب الدولة لا يستطيع أخذ هذه الحقيقة في الحسبان عندما يقوم بفحص عملية اتخاذ القرارات. وما يستطيع عمله المراقب هو السؤال عما إذا طرح رئيس الحكومة على الوزراء بدائل اخرى للسياسة الاسرائيلية في مواجهة قطاع غزة. والجواب كما يبدو هو بروح هذه الايام: “لا يوجد شيء، لأنه لم يكن هناك شيء”.
لقد فحص رجال المراقب ما اذا كانت خلال السنة التي سبقت الحرب دلائل يمكنها ان تشير الى امكانية اندلاع الحرب في 2014، واي نقاشات استراتيجية جرت وما هي التوجيهات التي صدرت للجيش. ويبدو انه بدل الانشغال في الامور الاستراتيجية، انشغل المجلس الوزاري بالتكتيك الصغير للحرب – وهو اخر موضوع كان يجب ان يثير اتمامه. القرار الوحيد الملائم لمستوى النقاش في المجلس الوزاري كان قرار تنفيذ الحملة العسكرية الذي تحدث في جوهره عن جباية ثمن باهظ من حماس من اجل اعادة الردع.
الاهتمام بالانفاق في السنة التي سبقت الحرب يبرز في التقرير بشكل خاص. لقد قام المراقب بتفكيك موضوع الانفاق الى اجزاء صغيرة، تم خلالها فحص الجاهزية القومية، من المستوى التكتيكي الصغير في الجيش وحتى المستوى الاستراتيجي للمجلس الوزاري. السؤال المركزي الذي كان يفترض فحصه هو الوزن الذي منحه قادة الجيش والمستوى السياسي لتهديد الانفاق.
لكن الانفاق لم تكن جوهر الحرب. لقد تحولت الى التهديد المركزي والهدف المركزي للحرب نتيجة لحملة جماهيرية وسياسية عرضتها كأمر متوحش. عمليا حاول رجال حماس التسلل الى الاراضي الاسرائيلية عن طريق اربع فوهات. وفي حالات ثلاث تم رصدهم قبل الخروج، واصطدموا مع قوات الجيش الاسرائيلي. وفقط في حالة واحدة، عندما كان الجيش ينفذ الهجوم في القطاع، نجح المخربون بالدخول عن طريق النفق وقتلوا خمسة جنود في موقع عسكري قرب ناحل عوز. لكنه لم يقتل أي مواطن بسبب الانفاق.
يمكن الافتراض انه لا توجد استنتاجات شخصية في التقرير، لكن فيه الكثير من التحديدات التي تشير الى شخصيات مركزية لم تفعل المطلوب منها: وزير الأمن ورئيس الحكومة ورئيس مجلس الامن القومي وبعض القادة في الجيش.
حسب قائمة الاخطار التي اعدها باينهورن، حظيت معالجة تهديد الانفاق منذ عملية الجرف الصامد باهتمام كبير، الامر الذي سيكلف دولة اسرائيل ثلاثة مليارات شيكل. ويشمل هذا المبلغ انشاء جدار وادخال التكنولوجيا ووسائل الحرب العينية وإحداث تغييرات تنظيمية ونظرية. ولكن هل سيحسن التقرير عملية اتخاذ القرارات في المجلس الوزاري والحكومة؟ هل سيؤدي الى تحسن جوهري في أداء مجلس الامن القومي؟ هذا شيء مشكوك فيه.