المطبخ الفلسطيني مرتبط بالهوية الوطنية وكذلك الطعام العربي

مصطفى: المطبخ الفلسطيني مرتبط بالهوية الوطنية وكذلك الطعام العربي

المطبخ الفلسطيني مرتبط بالهوية الوطنية وكذلك الطعام العربي S2_3

عمان-الدستور
بجهد فردي قام الباحث سفيان مصطفى بدراسة وتفصيل المطبخ الفلسطيني كباب من أبواب النضال ضد اسرلته وتهويده. وتوسع مشروعه فيما بعد ليشمل مطابخ العرب التي يصفها بأنه ضائعة ومسلوبة الهوية ايضا، وهي اكثر المطابخ التاريخية التي لها علاقة وصلة بمطابخ العصر.
قام مصطفى بتوثيق المطبخ الفلسطيني والمطابخ العربية في موسوعته التي حملت اسم «الموسوعة الثقافية لمطابخ العرب»، وفي حواره مع «الدستور» أكد بأنه ضرب بذلك عصفورين بحجر حيث عمد الى تفصيل مطابخ العرب ومطبخ فلسطين الذي يعنيه اكثر من غيره، وذلك لقدمه وغناه ولشمولية معرفته وعلمه به، دون أن يكون ذلك على حساب ربطه بمطابخ الشام وعموم العرب .
البداية
لم يكن في البداية بين مصطفى وبين المطبخ اية رابطة مهنية ويقول: لم تكن دراسة الهندسة خيارا شخصيا بقدر ما كانت سياسة انتهجها اباؤنا، اعتقادا منهم بدعم النضال الفلسطيني عن طريق التعليم، ولان الهندسة كانت من الدراسات الشائعة انذاك، درست الهندسة كما فعل معظم الشباب الفلسطيني. مؤكدا عشقه ومهارته بالطبخ تزامن مع مرض والدته، فطرح على نفسه تساؤلا: ماذا سيحل بمطبخ هذه المرأة العظيمة؟ وكانت ذاكرته تزدحم بمائدة والدته التي كانت بمثابة عرس دائم على مدى السنين حتى وان حتى مع شح المواد. ومن هنا كما يؤكد بدأ التحدي باحياء المطبخ العربي ليوازي العصر ويثبت فلسطينيته.
والدته الهمته
خلال خدمة والدته قام باعداد كل ما تشتهي من طعام، بعد ان طوعه ليكون صحيا، ولم يغفل عن تدوين كل ما يصنعه اولا باول، حتى يكون العمل هذا جديا وملزما له باتمامه. ويقول: قررت ساعتها، ان اهب وقتي ومجهودي لخدمة المطبخ الفلسطيني وتحديثه، ومن يومها جعلت المطبخ الفلسطيني صنعتي وتخصصي، اتيته من جميع جوانبه، وذقت حلاوة كل اجزائه، فصار فني وحديثي وسبب نشاطي وموضوع بحثي ودراستي وكتابتي، وصار تمام انسي وغاية متعتي ان طبخت او كتبت او علّمت.
المطبخ الضائع
دفعه ايضا للاعتناء بالمطبخ الفلسطيني، شح وفقر الكتب التي تعنى بهذا الأمر فهي لا تمثل المطبخ بحال كما يصفها ويؤكد مصطفى وبأنها تكرار ثقيل الدم لما يوجد في كتب الطبخ العربية الدارجة حتى ولو جاءت بلغة اجنبية.
خلال ابحاثه اكتشف مصطفى مطبخا ضائعا للعرب مسلوب الهوية في زمن اختصر العرب فيه مطابخهم التاريخية، ومع هذا يؤكد مصطفى بأنها تظل من اوسع المطابخ واغناها واكثرها استمرارية على الاطلاق، وهذا ما يميز مطابخ العرب عن غيرها، ويوضح: الكثير من اطعمة اليوم ذات جذور عميقة نستطيع تتبعها من خلال وثيقة يزيد عمرها عن الالف عام.
مائدة معاوية
ويقوم مصطفى بتقسيمها الى اربع فترات متواصلة، يتمم بعضها بعضا، ابتداء من مكة وانتهاء بقرطبة، ويقول: مكة وما شاع منها من هريس وعصيد وخبيص وثريد، وهي ستبقى معنا ما دمنا مسلمين في ثقافتنا لان من وثائق هذه الفترة، السيرة النبوية. الفترة الثانية كانت في دمشق حين شاع صيت المطبخ الشامي وانتشر في بلاد العرب باسم مائدة معاوية، في عهد شهدت فيه بلاد الشام نمو وازدهار وترف تحت حكمه، وقد انتشرت الحلويات الشامية مثل: الكنافة والقطائف وغيرها.
بغداد ومطبخها العصري
أما المرحلة الثالثة فقد كانت لبغداد، التي تشكل فيها اول مطبخ عصري في معداته وادواته ووجباته، واصبح الطبخ في دولتهم صناعة وعلما وفنا قائما بذاته، كما يبين مصطفى، ويوضح بان خلفاءهم وامراءهم اولوه عناية كبيرة وحثوا عليه ومارسوه بانفسهم، رغم ما كان لديهم من الطباخين البارعين المهرة. والى جانب الخلفاء يذكر لنا التاريخ شخصيات عربية مرموقة من العصر العباسي اهتمت بعلوم وفنون الطبخ كما اهتمت بالتدوين، من بين هؤلاء الحارث ابن بشير، والامير ابراهيم بن المهدي، والشاعر ابراهيم بن عباس الصولي، والطبيب يوحنا بن مصعويه، والفلكي يحيى بن ابي منصور الموصلي، ومنها الموسيقي زرياب الذي هاجر الى الاندلس فيما بعد. الجدير بالذكر هنا ان الزراعة وطرق الري في بلاد الرافدين، كانت على درجة عالية من التطور، خدمت امور المطبخ ومهدت لطفرة الاندلس.
العباسيون ومراجعهم
لقد تركت لنا المرحلة العباسية وما بعدها الكتب الكثيرة المكتوبة في صناعة الطبخ وعلومه وادابه، الا ان معظم هذه المؤلفات العربية في الطبخ مفقودة، ولم يصلنا منها الا اسماؤها مصنفة في فهارس الكتب او مذكورة في كتب ومراجع اخرى. الا ان ما وصلنا من هذه الكتب يحتوي على كنز من مئات بل الاف الوصفات، اشهرها كتاب الطبيخ لابن سيار الوراق من القرن العاشر، وكتاب الطبيخ للبغدادي من القرن الثالث عشر، وفضالة الخوان في طيبات الطعام والالوان لابي رزين التجيبي من فترة الاندلس، والوصلة الى الحبيب من بلاد الشام.
قرطبة وخدمة الطعام
يرى مصطفى بأن قرطبة احدثت طفرة ثقافية وعلمية وفنية منذ وصول زرياب اليها سنة 822 ميلادي، فهو الذي احضر معه الكثير من الاطباخ البغدادية، وادخل استخدام القماش لفرش الطاولة والكؤوس الزجاجية، ويقول: ادخل زرياب كذلك طرقا جديدة لخدمة الطعام انتقلت الى اوروبا وما زالت مستخدمة الى يومنا هذا، فاوروبا تقدم الطعام حسب ما قدمه زرياب في الاندلس، فهو الذي بدأ بتقسيم الوجبة الى خمس وقعات، تبدا بالحساء، ثم السمك، فاللحم فالتحلاية وتنتهي بالمكسرات.
فلسفة الطعام والطعوم التي انتهجتها مصطفى تعتمد على فهم وتفصيل المطبخ، على اساس طعومها بعد ان عزلها عن اطباقها، فمثلا كما يوضح المجدرة طعام يستمد طعمته من تقلية البصل، وصحن الحمص طعام، اما طعمه فهو الطحينة مضروبة بالحامض. وعليه نستطيع ان نطبق ذات الطعوم على اطباق مبتكرة وجديدة تبقينا في حاضرة اصالتنا، ويقول: هذه الطعوم حين تضاف الى مواد وحوائج جديدة من اي مطبخ كانت سيصبح لهذه الاطعمة مكانا على موائدنا كما حصل مع الافوكادو والبطاطا والبندوره وغيرها من المواد الجديدة وقبلها الباذنجان.
بين الفلسطيني والعربي
وفي معرض اجابته عن سؤال حول صلة المطبخ الفلسطيني وبالمطبخ العربي يقول مصطفى: على الرغم من اختلاف المناخ بين بلاد العرب من مكان الى اخر، وعلى الرغم من اختلاف خبرات وعادات الشعوب العربية الا انه يجمعها لسان واحد، فالجميع يتحدث لغة واحدة ويطعم طعام واحد، وفي رأي ان قدر الاختلاف في اطعمة العرب من بلد الى اخر لا يتعدى الاختلاف بين لهجاتها. ان هذا التشابه العظيم في لسانهم، اي في لغتهم ومطعمهم، ناتج عن عدة اسباب: اولها الهجرات العربية من جنوب الجزيرة الى الشمال بفعل الجفاف والمجاعة بعد هدم سد مارب، واستفحال الحروب بين القبائل الجنوبية تنازعا على نفوذ الماء والكلا. وثانيها أسواقهم التي كانت لهم في الجاهلية، والتي كانت تقوم طول السنة، وكانت جامعة تنزل بها شتى قبائل العرب. وثالثها التجارة التي كانت قائمة بين مكة والشام واليمن فيما يعرف بالايلاف. الا ان الاسلام كان العامل الحاسم في توحيد العرب وحصول ما يشبه العولمة الثقافية بين الشعوب المسلمة.
مشروع مصطفى بانتظار من يناصره ويتبناه من ابناء الامة، ممن يؤمن بان المطبخ جزء عظيم من ممتلكاتنا، ويجب ان لا نتخلى عنه ونخذله، ويقول: اتمنى لو استطيع يوما ما تجيير طاقم يقوم باعادة صياغة كتب الطبخ التراثية العربية بلغة العصر، وبتتبع تاثيرات العرب على مطابخ الغرب، مع اني لمست جزءا من هذا خلال بحثي، وعن طريق المطاعم البريطانية التي عملت بها، طاقم يرد على جملة الحقائق الكاذبة التي يهيلها علينا الغرب ورجالات مطابخه.

» من المطبخ الفلسطيني
» المطبخ الفلسطيني
» المطبخ الفلسطيني
» تجارب من المطبخ الفلسطيني: الزعتر وزيت الزيتون والليمونادا
» بين أطنان السلاح العربي والسكين الفلسطيني