فقر الأردنيين
يشكو الأردنيون من تفاقم أزمتهم الاقتصادية، ومن تنامي مساحات فقرهم، ويجدون في ذلك مبرراً لشتم الحكومة وتحميلها المسؤولية، دون ان يبحث أحدهم سُبل تخفيف حدة أزمته الاقتصادية. فالأردنيون كثيرو الاحتجاج اللفظي على غلاء الأسعار، ولكنهم يتميزون عن سائر شعوب الأرض بتزايد إقبالهم على شراء السلع التي ترتفع أسعارها بدلاً من مقاطعتها كما تفعل سائر الشعوب .
والأردنيون بدلاً من ان يبحثوا عن سُبل تخفيف فاتورتهم الاقتصادية، هم أكثر شعوب الأرض تفنناً في زيادة أعباء هذه الفاتورة من خلال فتح نوافذ إنفاق على كماليات تفوق قدرتهم. فالأردن هو البلد الوحيد على ما أظن، الذي تزيد عدد خطوط هواتفه عن عدد سكانه، فقد صار من العلامات المميزة للأردني أن يكون لديه أكثر من جهاز هاتف جوال، وأكثر من خط جوال، وصار في البيت الواحد أجهزة خلوي تزيد عن عدد أفراده، حيث صار الواحد منهم يمتلك خطيْن أو أكثر بحسب عدد الشركات، بل إن هناك أسرًا تصر على ان يحمل أطفالها - حتى وهم دون العاشرة من أعمارهم - أجهزة هاتف. وهذه الهواتف تأكل فواتيرها جزءًا كبيرًا من دخل الأسرة، خاصة في مواسم الأعياد، حيث ينفق الأردنيون ملايين الدنانير على رسائل المعايدات الهاتفية، أو للدردشة والنُكات، وغير ذلك مما لا ضرورة له ولا دخل للحكومة فيه ليحملوها مسؤولية فاتورة هواتفهم!.
والأردنيون الذين يكثرون الشكوى من فقرهم، هم أنفسهم الذين إذا وقفت في شارع من شوارع مدنهم، تكتشف أن معظم السيارات العابرة لهذا الشارع ليست من أحدث الموديلات فقط، ولكنها لا تحمل أكثر من راكب واحد هو سائقها أيضًا، فقد صار جلّ أفراد الأسرة يمتلكون سياراتهم الخاصة، بعد أن صار امتلاك السيارة من أولويات الأردني شابًا كان أم فتاة، والسيارة كما هو معروف تأكل جزءًا كبيرًا من ميزانية صاحبها وقودًا وصيانة وترخيصًا، ومع ذلك يصر الأردني على امتلاكها رغم ضيق ذات اليد ومن باب «الفشخرة» في كثير من الأحيان. ورغم اعترافنا بأن سوء النقل العام من أسباب إقبال الأردنيين على اقتناء السيارات، ولكن ذلك ليس مبررًا لكي يقتني معظم أفراد الأسرة سيارات خاصة بهم. فلماذا لا يكون لدينا «سيارة العائلة» وننظم أوقاتنا على ضوء قدرتنا على استخدام هذه السيارة؟ ولماذا لا نضغط ضغطًا فعليًا لتحسين وسائل النقل العام، وتنظيم هذا القطاع؟ مما سيوفر اقتصاديًا على ميزانية الأفراد وميزانية الدولة.
ويُكثر الأردنيون الشكوى من الغلاء ومن ارتفاع تكاليف المعيشة، ومع ذلك فإن حجم ما يُرمى من موائد جلّ الأردنيين خاصة في المناسبات، لا يتناسب مع الشكوى من الغلاء بل يغايرها.
وعلى ذكر المناسبات، فالأردنيون الذين يشكون من أوضاعهم الاقتصادية، يصرون على إقامة أفراحهم في الصالات والفنادق، ويصرون أن تكون جاهة العرس بالمئات من باب «الفشخرة»، يصرون على تقديم أعداد كبيرة من المناسف، أو أصناف كثيرة من أطعمة الفنادق، وكلاهما المناسف وطعام الفنادق يذهب معظمه إلى الحاويات. بينما يعود الأردني إلى بيته ليستأنف مسيرة الشكوى من سوء أحواله المادية دون أن ينظر إلى ما جنته يداه.
والأردنيون يشكون من سوء أحوالهم الاقتصادية، ويشتمون الحكومة لأنها لا توفر فرص عمل ومداخيل مناسبة لهم، ولكنهم يتناسون ان مئات الملايين من الدولارات تخرج شهرياً من بلدهم تحويلات من العاملين الوافدين. الذين دخل عددهم خانة الملايين وجميعهم يعملون، بينما يستنكف الأردنيون عن العمل، ولا يستنكف كثيرون منهم عن ذلّ السؤال سواء من صندوق المعونة الوطنية، أو من غيره فقد صار التسول في الأردن مهنة لها أشكال مختلفة، ثم يزعم بعضنا أن العمل في الزراعة أو البناء، أو في مطعم أو محطة بنزين عيب، بينما لا يعتبر هذا البعض البطالة والتسول بأشكاله المختلفة عيبًا. فلماذا نسي الأردنيون أننا لعقود قريبة كنا مجتمع زراع وعمال، وما زال بعضنا يفتخر انه من أبناء الحارثين؟ ولماذا نسي الأردنيون ان «اليد العليا خير من اليد السفلى»؟ وكيف يقبل الأردنيون ان يأتي اللاجئ السوري أو العراقي أو العامل الوافد فيصبح صاحب عمل، ومقاولاً وتاجرًا؟ بينما يظل هو عاطلاً عن العمل، يشكو من الأزمة الاقتصادية التي لا يفعل شيئاً للخروج منها، إلا انتظار وظيفة مكتبية، تاركًا لغير الأردنيين السيطرة على اقتصادنا الوطني، ومن ثم التحكم بشؤون حياتنا.
كثيرة هي أبواب الفقر التي فتحها الأردنيون على أنفسهم لكن أخطرها تلك التي فتحها الذين هجروا ما يملكون من أرض في قراهم، وجاءوا يتسكعون في دروب البطالة على حواف المدن الأردنية.
خانقة هي أزمتنا الاقتصادية بدون شك، لكن المسؤولية ليست كلها مسؤولية فريق حكومي في أخطاء التخطيط، وأخطاء التنفيذ، ولكنها أيضاً مسؤولية جيل اعتنق ثقافة استهلاكية مقيتة، وسلك سلوكًا يجعله في ضائقة اقتصادية خانقة. لأنه نسي ان قيمة الإنسان الحقيقية بما ينتج، وان مكانته في مجتمعه يحددها حجم استغنائه عن الغير، حتى لو كان راتباً حكوميًا لا يستحقه.
خلاصة القول: إننا نعاني من أزمة اقتصادية، لكن جزءًا من أسبابها يكمن في سلوكنا، ومما تصنعه أيدينا، ومن نتاج ثقافة سيئة تسيطر علينا. فهل نعي هذه الحقيقة ونصحح الكثير من سلوكنا الذي يعمق أزمتنا الاقتصادية؟.