حصار غزة.. أوروبيون يكسرونه وعرب يفرضونه
ثمة بحر يوصل إلى غزة المحاصرة والمنسية منذ سنوات.. هذا ما تكشفه لنا مبادرات غالبا ما تكون من الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، مستهدفة كسر الحصار. غير أن الخناق بات يشتد على غزة بما يتجاوز الصمت الرسمي العربي إلى مشاركة في إحكام الحصار، وتراجع حضور غزة كقضية ضمير في أجندات المنظمات الشعبية.
البحر الذي يجد طريقه إلى غزة عرف يوم الأحد إبحار سفينة نرويجية سويدية مشتركة للانضمام إلى أسطول دولي متجه إلى الجنوب نحو القطاع المحاصر.
ولأن هذه التحركات التطوعية لا تترك في حال سبيلها، فإن ثمة من يرى فيها تحركات استعراضية تستهدف فقط إحراج الدول التي يقال إنها تشارك في حصار غزة. وهنا يرد رئيس المركز الأورومتوسطي لحقوق الإنسان رامي عبدو لحلقة الأحد (10/5/2015) من برنامج "ما وراء الخبر"، بأن النشطاء الحقوقيين في أوروبا يضطلعون بمسؤولية أخلاقية ويشعرون أن "من العار الصمت على الحصار الذي يدخل عامه التاسع".
وأشار عبدو إلى أن مثل هذه المبادرات تؤتي أكلها كما حدث حين انطلق أسطول الحرية 2010 بمشاركة أوروبية مركزية مما اضطر إسرائيل للتخفيف من الحصار، مضيفا "اليوم أصبح الوضع أكثر مأساوية إذ تجاوز الاحتياجات العامة إلى أن أصبح أزمة كرامة إنسانية". جزيرة مائية
هذا على مستوى جهود النشطاء والمنظمات الحقوقية، أما رسميا فيبين عبدو أن ميناء غزة دشن عام 1999 بتمويل أوروبي رسمي وأن الأموال ما زالت مرصودة حتى هذه اللحظة، وأن النرويج تقدمت باقتراح إنشاء جزيرة مائية عام 2003 ووافقت عليه كل الأطراف بما فيه الاحتلال الإسرائيلي وعارضه طرف عربي، لأنه لا يريد أن يخسر التحكم في بوابة قطاع غزة.
أستاذ العلوم السياسية في جامعة القاهرة حسن نافعة أكد أن الحصار تتعين إدانته بكل الأشكال من جانب المجتمع المدني، لكنه لاحظ أن المبادرات الأوروبية من هذا المجتمع لا تتسق مع المواقف الرسمية التي تتوافق "ضمنا أو بشكل سافر" مع الموقف الإسرائيلي، ولو كان الأمر غير ذلك لما سحب الأوروبيون المراقبين من معبر رفح البري، حسبما قال. لم يوافق رامي عبدو على ما ذهب إليه نافعة وقال إن الموقف الأوروبي متقدم، وإن الاتحاد مؤمن بأن لا حل دون تفعيل ممر مائي مستشهدا بصدور قرار أوروبي بهذا الشأن، إذ أثناء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة وضع الأوروبيون تصورا لهذا الممر المائي متضمنا محطة وصول في قبرص.
سياسية بامتياز
من ناحيته رأى الكاتب والمحلل السياسي ياسر الزعاترة أن الحصار "قضية سياسية بامتياز"، ملخصا وجهة نظره بأن السلطة الوطنية الفلسطينيةتتواءم مع النظام المصري في مصلحة مشتركة لتركيع غزة، كما ذهب. واضاف أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مشارك في الحصار بهدف ضم غزة إلى صف التسويات الهزيلة وتجريد المقاومة من السلاح، أما بالنسبة للنظام المصري فإن الكيان الصهيوني لم يحصل في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي على نظام أكثر حميمية منه، وإن حصار غزة هو لرد الجميل لبنيامين نتنياهو الذي عمل مقاولا للانقلاب، على حد قوله.
ومثلما وقف العرب ضد "التغول الإيراني"، طالب الزعاترة بوقفة عربية لإقناع السلطات المصرية بكف اليد عن قطاع غزة.
حسن نافعة ناشد كذلك بفتح معبر رفح بشكل دائم، معتبرا أنه لا توجد خطورة في ذلك، وأن هناك حلولا أخرى للمحافظة على السلامة الأمنية، مبينا أن فتح المعبر للمسافرين والبضائع ينبغي أن يحصل سواء حكمت غزة حماس أو غيرُها.
عام على "الجرف الصامد".. خيبة أمل إسرائيلية
جنود إسرائيليون قرب الحدود مع غزة أثناء العدوان عليها صيف 2014 (الجزيرة نت)تعتقد أوساط عسكرية وسياسية وإعلامية إسرائيلية أن حرب غزة الأخيرة التي استمرت 51 يوما وسمتها إسرائيل "الجرف الصامد" بينما سمتها حركة حماس "العصف المأكول" لم تحقق المراد منها من ناحية قوة الردع وتأمين الهدوء والقضاء على سلطة حماس.وديع عواودة-حيفا
بعد عام من عدوان إسرائيل على قطاع غزة والتي سمتها "الجرف الصامد" ترى أوساط كثيرة فيها أنها انتهت بنتيجة التعادل يرافقها شعور بالخيبة وتفويت الفرصة رغم اختلال موازين القوى بينها وبين المقاومة في غزة. ويشير وزير الأمن الأسبق موشيه أرنس للحرج الذي لحق بإسرائيل من الحرب دون تحقيقها الهدف المركزي.
وفي مقال نشرته صحيفة هآرتس يقول أرنس إن إسرائيل خسرت بالحرب 72 جنديا وأصيب سبعمئة آخرون وقتلت ألفي فلسطيني، فيما اضطر ملايين الإسرائيليين للبحث عن ملاذ من الصواريخ خلال أسابيع الحرب، كما تم إغلاق مطار بن غوريون الدولي.
ويسخر أرنس من مسارعة رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو للإعلان عن الانتصار بالحرب فور انتهائها. ويؤكد فشل النظرية التي تعتقد إمكانية ردع "الإرهابيين" بالقصف المكثف خلال ثلاث حروب، داعيا إلى دخول غزة لردعها وتخليص الإسرائيليين من تهديد الصواريخ. |
زهافا غالؤون: نتنياهو لا يملك تفكيرا إستراتيجيا أو جرأة لتغيير الواقع[size=10][size=18](الجزيرة)[/size][/size] |
خيبة أمل
كما تستخف رئيسة حزب "ميرتس" زهافا غالؤون بتهديدات نتنياهو أمس حول استمرار إسرائيل بضرب أعدائها بقوة، وتعتبر ذلك "استخفافا بالإسرائيليين وبسكان منطقة الجنوب وبالعائلات الثكلى". وردا على سؤال الجزيرة نت تؤكد غالؤون أن نتنياهو لا يملك أي تفكير إستراتيجي أو جرأة لتغيير الواقع السياسي بحيث يمنح الإسرائيليين احتمالا حقيقيا في العيش بأمان ويمنح سكان غزة شيئا مختلفا عدا الانتقام.
وللتدليل على "خيبة الأمل" من تلك الحرب يستذكر المعلق العسكري يوسي ميلمان أن قيادات سياسية وعسكرية وإعلامية في إسرائيل دعت في العدوان على غزة لتصفية حماس دون رحمة.
ويشير ميلمان -في حديث للجزيرة نت- إلى أن وزراء آخرين تنافسوا بالتهديد والوعيد ضد غزة وقتها، لكنهم باتوا اليوم يسلمون بحكم حماس فيها لتواضع نتائج الحرب.
ويتابع "حتى الوزير نفتالي بينيت المتطرف بمواقفه يقول اليوم إنه مستعد لقبول هدنة طويلة الأمد مع حماس". |
ميلمان: وزراء تنافسوا بالتهديد والوعيد ضد غزة واليوم يسلمون بحكم حماس فيها[size=10] [size=18](الجزيرة)[/size][/size] |
انتصار إعلامي فقط
وهذا ما يراه الخبير بشؤون الشرق الأوسط إيال زيسر، موضحا أن إسرائيل لم تحقق حسما لصالحها. ويشدد على أن الانتصار موجود في الإعلام لا بساحة الوغى بعكس الماضي.
وقال زيسر للجزيرة نت إن "حماس لم تهزم، لكنها تلقت ضربة موجعة، معتبرا أن الحل ليس عسكريا".
وتتجلى الهوة بين ما رغبت به إسرائيل من "الجرف الصامد" والواقع على الأرض في أقوال الجنرال بالاحتياط ديفد فوغل.
فقد دعا فوغل خلال العدوان لقتل كل عناصر حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بدءا منإسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي حتى آخر حافر للأنفاق، لكنه اليوم يقر ردا على سؤال صحيفة معاريف بأن الحرب لم تحقق الكثير من أهدافها. ويلفت المعلق العسكري للقناة الإسرائيلية العاشرة ألون بن دافيد إلى أن إسرائيل بخلاف روايتها الرسمية لم تنتصر بالحرب.
ويضيف "واضح أن إسرائيل شنت حربا غير إبداعية لم تستعد لها فطالت بشكل محرج لها، بعكس الجانب الفلسطيني الذي أحرز عدة مفاجآت، أبرزها الأنفاق والصواريخ طويلة المدى".
وعلى غرار معلقين إسرائيليين كثر يشكك ألون بتصريحات قادة إسرائيل بأن الحرب ضمنت قوة ردع ستخدم إسرائيل لسنوات، ويؤكد أن غزة لا ترتدع لأنها لا تملك ما تخسره.
ويلمح إلى أن هدف نتنياهو غير المعلن يكمن بالإبقاء على الانقسام الفلسطيني بين غزة ورام الله عبر مواصلة حصار غزة.
وهذا هو مزاج الإسرائيليين أيضا، فبعدما أيدوا الحرب واعتبر 70% منهم بعدة استطلاعات رأي فور انتهائها أنها نجحت يرى 40 % فقط منهم اليوم ذلك كما يظهر استطلاع صحيفة معاريف أمس.
وعلى هذه الخلفية تدعو أوساط أمنية في إسرائيل، أبرزها رئيس الشاباك الأسبق عامي أيلون إلى تغيير إسرائيل إستراتيجيتها لإنهاء الحصار وبناء ميناء في غزة والسعي إلى هدنة طويلة مع حماس.
وحذر -في حديث للإذاعة العامة- من أن الحرب لم تعد بساحة الوغى، وباتت الكاميرا أهم أدواتها والمعركة على الوعي أهم ساحاتها.