منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 9:55 pm

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات [size=18][size=18] الاجتماعية "

[/size]
[/size]
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet131   الضبط الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet132   النمو الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet133   التغير الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet134   التقدم الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet135   التطور الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet136   التنمية الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet137   التنمية البشرية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet138   التفاعل الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet139   التنشئة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1310   المشاركة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1311   التدرج الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1312   الاحتكاك الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1313   الاتجاهات
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1314   الحراك الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1315   الاتصال الجماهيري
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1316   الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1317   الحركات الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1318   الاتفاق الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1319   المجتمع
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet1320   الارتباط بالجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet53   التعلم الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet54   نمو الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet78   القِيم
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet55   العادات والتقاليد
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet56   مجتمع القرية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet57   الاضطراب الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet58   أحوال المعيشة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet62   مفهوم علم الاجتماع
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet59   الاستقرار الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet60   الأسرة المعيشية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet61   مجتمع المدينة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet63   الخصخصة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet74   مفهوم الثقافة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet79   بيئة الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet67   المسايرة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet68   الطبقة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet64   مفهوم الأيديولوجيا
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet65   الضمان الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet66   الإصلاح الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet80   التخطيط الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet85   الأنثروبولوجيا
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet86   الانحراف الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet87   البيروقراطية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet88   البطالة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet89   الصفوة السياسية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet90   التثاقف
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet91   المجتمع المحلي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet92   الفساد الإداري
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet93   الوصمة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet94   الوعي الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet   البحث الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet97   التعاون الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet98   التكيف الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet99   السلوك الجمعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet100   مفهوم التطرف
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet101   التاريخ الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet102   التفكك الأسري
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet103   التماسك الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet104   العمل التطوعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet105   تحليل المضمون
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet117   بناء اجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet118   مكانة اجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet119   أيكولوجية اجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet120   اجتماع سياسي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet121   علم الاجتماع الاقتصادي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet122   أهداف اجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet123   الالتزام
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet124   تباعد اجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet125   بدعة دينية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet126   التأمين الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet146   التغير الثقافي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet147   المجتمع المدني
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet148   الديموقراطية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet149   الثورة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet150   ثقافة الاستهلاك
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet151   رأس المال الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet152   ثقافة شعبية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet153   العنف السياسي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet154   الاقتصاد الخفي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet155   الفقر
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet166   تمكين المرأة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet167   القوة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet168   المجال العام
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet169   الاتصال الثقافي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet170   العولمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet171   المواطنة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet172   مجتمع المعرفة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet173   الليبرالية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet174   حقوق الإنسان
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Sbullet175   الاغتراب


عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 10 يونيو 2016, 3:12 pm عدل 1 مرات
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 9:59 pm

الضبط الاجتماعي

  مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2648   1. أهمية الضبط الاجتماعي، وتطور الاهتمام به
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2649   2. أشكال الضبط
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2650   3. وسائل الضبط الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2651   المصادر والمراجع


       
مقدمة

          يشير الضبط الاجتماعي Social Control، في معناه العام، إلى العمليات والإجراءات، المقصودة وغير المقصودة، التي يتخذها مجتمع ما، أو جزء من هذا المجتمع، لمراقبة سلوك الأفراد فيه، والاستيثاق من أنهم يتصرفون وفقاً للمعايير والقِيم أو النظُم، التي رسمت لهم. ويرتبط الضبط الاجتماعي، في المجتمع الحديث، بالرأي العام، وبالحكومة، من طريق القانون. أمّا في المجتمعات التقليدية، فتسهم الأنماط الاجتماعية، كالعادات الشعبية، والعُرف، بدور كبير في الضبط الاجتماعي.

          وعلى هذا، فقد ذهب كلٌّ من أوجبرن ونيمكوف Ogburn and Nimkoff، إلى أن دارسي علم الاجتماع، يستخدمون اصطلاح الضبط الاجتماعي بطريقة عامة جداً في وصف كلّ الوسائل، التي تستخدمها الجماعة في تحقيق النظام الاجتماعي. ويترتب على هذا الاستخدام، أن العادات الشعبية، وتقسيم العمل، مثلاً، يمكن تصنيفهما من وسائل الضبط الاجتماعي، ماداما يساعدان على استمرار الجماعة وتكاملها. فالضبط، في نظرهما، هو العمليات والوسائل، التي تستخدمها الجماعة في تضييق نطاق الانحرافات عن المعايير الاجتماعية.

          إن كلّ عرف اجتماعي، وكلّ مظهر من مظاهر السلوك العام، هو إلى درجة ما، وسيلة للضبط الاجتماعي؛ بل إن أبسط قواعد السلوك، أو أبسط مظاهر التقاليد أو آداب السلوك العام، هي أدوات ووسائل للضبط الاجتماعي.



1. أهمية الضبط الاجتماعي، وتطور الاهتمام به

      لقد نال موضوع الضبط الاجتماعي عناية كثير من علماء الاجتماع، منذ أن قرر ابن خلدون، أن الضبط الاجتماعي أساس للحياة الاجتماعية، وضمان لأمنها، واستمرار لبقائها. فهو يقول إن الاجتماع الإنساني ضروري، إذ إن الإنسان مدني بطبعه، أيْ لا بدّ له من الاجتماع، الذي هو المدنية. ثم إن هذا الاجتماع، إذا حصل للبشر؛ ومن ثَم، عمران العالم بهم، فلا بدّ من وازع، يدفع بعضهم عن بعض؛ لما في طباعهم الحيوانية من العدوان، والظلم. ويقول، في موضع آخر، إنه لا بدّ للبشر من الحكم الوازع، أيْ الحكم بشرع مفروض من عند الله، يأتي به واحد من البشر؛ وإنه لا بدّ أن يكون متميزاً عنهم بما يودع الله فيه من خواصّ هدايته، ليقع التسليم له، والقبول منه؛ حتى يكون الحكم فيهم وعليهم من غير إنكار، ولا تزييف.

      ومن العلماء، الذين أسهموا في دراسة عملية الضبط الاجتماعي والاجتماع القانوني، مونتسكيو Montesquieu، في كتابه "روح القوانين"، حيث أشار إلى أن لكلّ مجتمع قانونه، الذي يلائم بيئته، الطبيعية والاجتماعية؛ أيْ أنه أكد العلاقة بين القانون، والضبط، والظواهر الاجتماعية، والنظُم. وتنبثق من هذه العلاقة روح عامة، تؤثر في السلوك الاجتماعي، وتضبط التصرفات، وتؤثر في المؤسسات والمنظمات، الاجتماعية والقانونية. وقد ازداد الاهتمام بموضوع الضبط الاجتماعي، على يد عالم الاجتماع الأمريكي، إدوارد روس Edward Ross، الذي أكد أهمية الضبط الاجتماعي في الحياة الاجتماعية، وحفظ كيان المجتمع. ثم تطورت دراسة الضبط، في الفترة الأخيرة، بازدياد الأبحاث، التي أجريت على الجماعات وعمليات التفاعل الاجتماعي؛ وما تمخضت به من إبراز لموضوعات جديدة في علم الاجتماع، كمستويات الفعل الاجتماعي، والمعايير الاجتماعية، والقِيم والقواعد العامة للسلوك. لذا، رأى علماء الاجتماع، أن الضبط الاجتماعي، أصبح، في الواقع، مرادفاً للتنظيم الاجتماعي Social Organization، على أساس أن التنظيم الاجتماعي، يشير إلى القيود والأنماط كافة، التي يتولد منها الانضباط والنظام الاجتماعي؛ وإن كان الضبط الاجتماعي يقتصر، في أكثر أشكاله شيوعاً، على التأثير الناجم عن الأجهزة الرسمية. كما اهتم علماء الاجتماع بربط الضبط الاجتماعي ربطاً وثيقاً بالثقافة. وجعلوا من العسير دراسة الضبط الاجتماعي بعيداً عن علم اجتماع الثقافة. مثال ذلك، أن جورفيتش Gorfetch، يرى أن الضبط هو مجموع الأنماط الثقافية، التي يعتمد عليها المجتمع عامة في ضبط التوتر والصراع. فالضبط، إذاً، وسيلة اجتماعية أو ثقافية، تفرض قيوداً منظمة على السلوك الفردي أو الجماعي، لجعله مسايراً لقِيم المجتمع وتقاليده.



2. أشكال الضبط

      لما كان الضبط الاجتماعي هو القوة، التي بها يمتثل الأفراد ، نُظُم المجتمع الذي يعيشون فيه؛ فإن وسائل الضبط وأشكاله تختلف من مجتمع إلى آخر، بل في المجتمع الواحد نفسه، باختلاف الزمان والمكان. فالضبط في المجتمعات الشرقية المحافظة، يخالف عن الضبط في تلك الغربية المتحررة. ومن الممكن أن تختلف وسائل الضبط وأشكاله، داخل المجتمع الواحد؛ فهو في صعيد مصر، يكون، عادة، أكثر صرامة وشدة منه في الوجه البحري. كما أن وسائل الضبط في العصور الماضية، هي غيرها في هذه الحديثة، من حيث درجة الشدة والصرامة. وعلى هذا، يرى علماء الاجتماع، أن للضبط شكلَين رئيسيَّين، هما:

أ. الضبط القهري Coercive Control

  وينشأ هذا الشكل من الضبط بناءً على فاعلية القانون والحكومة والقرارات واللوائح التنظيمية، سواء داخل المجتمع أو الجماعات؛ ويصاحب، عادة، بالقوة أو الخوف من استخدامها. فأنماط السلوك الرادعة، في حالات الجريمة، إنما هي نوع من الضبط القهري، الذي يمارسه المجتمع، لمنع الجريمة، وردع الآخرين عن اقتراف السلوك، الذي ينافي القِيم والمعايير الاجتماعية.

ب. الضبط المقنِع Persuasive Control

  عماده التفاعلات الاجتماعية والوسائل الاجتماعية المختلفة، التي تقنع المرء بالتزام قيم المجتمع وقوانينه؛ وذلك بناءً على الانتماء إلى الجماعة، وعمليات التطبيع الاجتماعي منذ الصغر، وتعوُّد قِيم الطاعة، ومسايرة المعايير الاجتماعية السائدة داخل المجتمع. وعادة ما يكون الجزاء الاجتماعي على هذا النوع من الضبط الاجتماعي جزاءً معنوياً، بمعنى أن الخروج على قِيم المجتمع، يقابله بنوه بالنبذ والاستهجان، أو البعد عن غير الملتزمين.

      كما قد يكون الضبط الاجتماعي مباشراً، كما هو الحال في القوانين المكتوبة؛ أو غير مباشر، كما يتمثل في التوقعات العامة والعادات والتقاليد غير المكتوبة.



3. وسائل الضبط الاجتماعي

      من أهم وسائل الضبط الاجتماعي، وأكثرها انتشاراً في المجتمعات الإنسانية، على اختلاف نوعياتها، وتفاوت شدة تلك الوسائل:

أ. العُرف Mors

العُرف هو أهم أساليب الضبط الاجتماعي الراسخة في المجتمع، لكونه أهم الطرائق والأساليب، التي توجدها الحياة الاجتماعية، تدريجاً، فينمو مع الزمن، ويزداد ثبوتاً وتأصلاً. ويخضع له أفراد المجتمع أجمعون؛ لأنه يستمد قوّته من فكر الجماعة وعقائدها؛ فضلاً عن تأصله تأصل رغباتها وظروف الحياة المعيشية؛ وإلا لما استقر زمناً طويلاً في المجتمع. والأعراف غالباً ما تستخدم في حالة الجمع، لأنها طرائق عمل الأشياء، التي تحمل في طياتها عامل الجبر والإلزام؛ لأنها تحقق رفاهية الجماعة. واستطراداً، فهي تأخذ طابع المحرمات Taboos، التي تمنع فعل أشياء معينة أو ممارسة معينة. ولذلك، تدين أعرافنا وأد البنات، وأكل لحوم البشر، وزواج المرأة برجلَين في وقت واحد. وقد ذكر سابير Sapir، أن اصطلاح العرف، يطلق على تلك العادات، التي يكتنفها الشعور بالصواب أو الخطأ في أساليب السلوك المختلفة. وعُرف أيّ جماعة هو أخلاقياتها غير المصوغة، وغير المقننة، كما تبدو في السلوك العملي.

بناء على ذلك، يعنى العُرف المعتقدات الفكرية السائدة، التي غرست، نفسياً، لدى أفراد المجتمع. يمارسونه حتى يصبح أمراً مقدساً، على الرغم من انتفاء قيمته، أحياناً (هذا ما جرى عليه العُرف) (وده في عرفنا كده). وهو أقوى من العادات والتقاليد على التأثير في سلوك الناس.

ب. العادات والتقاليد

العادات ظاهرة اجتماعية، تشير إلى كلّ ما يفعله الناس، وتعودوا فعله بالتكرار. وهي ضرورة اجتماعية، إذ تصدر عن غريزة اجتماعية، وليس عن حكومة أو سلطة تشريعية وتنفيذية؛ فهي تلقائية لأن أعضاء المجتمع الواحد، يتعارفون فيما بينهم على ما ينبغي أن يفعلوه؛ وذلك برضاء جميعهم. والعادة قد تكون أحدية، مثل: عادات الإنسان اليومية، في المأكل والملبس، وعادات النوم والاستذكار وغيرها. أمّا العادة الجمعية، فهي التي يتفق عليها أبناء الجماعة، وتنتشر بينهم، مثل عادات المصريين في الأعياد والمواسم الدينية. أمّا التقاليد، فهي خاصية، تتصف بالتوارث من جيل إلى جيل، وتنبع الرغبة في التمسك بها من أنها ميراث من الأسلاف والآباء نافع ومفيد.

بيد أن ثمة اختلافاً بين العادات والتقاليد، يتمثل في أن العادات الاجتماعية أنماط سلوكية، ألِفها الناس وارتضوها، على مر الزمن؛ ويسيرون على هديها، ويتصرفون بمقتضاها، من دون تفكير فيها. وهى تختلف من مجتمع إلى آخر، وفقاً لظروفه والخواصّ التي تميزه. وهي لا تنشأ من مبادرة أمرئ واحد إلى عمل معين، مرة واحدة؛ بل إن السلوك لكي يصبح عادة اجتماعية، يجب أن يتكرر وينتشر، فيصبح نمطاً للسلوك في مجتمع معين. أمّا التقاليد، فهي أنماط سلوكية، ألِفها الناس، ويشعرون نحوها بقدر كبير من التقديس، ولا يفكرون في العدول عنها أو تغييرها.

ج. عملية التنشئة الاجتماعية

هي العملية التي تطبع الإنسان، منذ مراحل الطفولة المبكرة، وتعِده للحياة الاجتماعية المقبلة، التي سيتعامل فيها مع آخرين من غير أسْرته. فالتنشئة الاجتماعية، تعلم الطفل قِيم المجتمع ومعاييره الأساسية، التي سيشارك فيها غيره حينما ينضج. ولقد أثبتت الدراسات، أن الطفل يتأثر بالوراثة من والدَيه، التي لا تنتهي بالمولد؛ وإنما بالتقليد والمحاكاة، يبدأ ببناء شخصيته، بعد أن انعكس أمامه كلّ ما حوله من مؤثرات اجتماعية. ومن ثَمّ، كانت أهمية التنشئة في تكوين العادات وتهذيبها. وفي هذا المجال، يبين جولد سميث Gold Smith أهمية دور المدرسة في تنشئة الطفل وتربيته؛ إذ يتعلم فيها احترام نفسه واحترام الآخرين، كما يتعلم ضبط نفسه. وفي المدرسة، يجد النمط المثالي التالي لنمط والدَيه، متمثلاً في المدرس، فيطيعه، فيغرس فيه المدرس عادة الطاعة والاحترام وبذور الحكمة. وهكذا، تصبح التربية أداة أخلاقية في يد المجتمع، لضبط أبنائه.

د. القانون Low

القانون هو أعلى أنواع الضبط الاجتماعي دقة وتنظيماً. وهو يتميز عن بقية الضوابط الأخرى بكونه أكثرها موضوعية وتحديداً، كما ينطوي على عدالة في المعاملة، لا تفرق بين أبناء المجتمع؛ فالثواب والعقاب صنوَان في القانون، وهدف الجزاء والعقاب هو الردع، أو منع وقوع جريمة أو ارتكاب الخطأ. كما أن هناك فائدة أخرى للقانون، إذ يتضح أنه سياج على الحريات الأحدية. ومن ناحية أخرى، فإنه يحدد العقوبات وفقاً للخطر الذي يمثله الخارجون عليه، وطبقاً لمدى جذب الجريمة للمجرم.

باختصار، إن القانون، بصفته ضابطاً اجتماعياً، ينطوي على جميع الآليات التي تؤهله لمنع الانحراف، وعقاب المنحرف؛ نظراً إلى قوّته الإلزامية، ونصوصه الواضحة، والمحددة، التي توقع الجزاء على من يخالفه.



       
المصادر والمراجع

1.   أحمد زكي بدوي، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.

2.   روبرت ماكيفر، وشالزبيج، "المجتمع"، ترجمة على أحمد عيسى، مكتبة النهضة العربية، القاهرة، 1961.

3.   عاطف غيث، "المشاكل الاجتماعية والسلوك الانحرافي"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1984.

4.   عبدالرحمن بن خلدون، "مقدمة أبن خلدون"، تحقيق وشرح على عبد الواحد وافى، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الثالثة، د.ت، الجزء الأول.

5.   عبدالهادي والى، "التنمية الاجتماعية، مدخل لدراسة المفهومات الأساسية"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1983.

6.   غريب سيد أحمد وآخرون، "المدخل إلى علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996.

7.   فوزية دياب، "القيم والعادات الاجتماعية (مع بحث ميداني لبعض العادات الاجتماعية)"، دار الكتاب العربي للطباعة والنشر، القاهرة، 1966.

8.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

9.   ميشيل مان، "موسوعة العلوم الاجتماعية"، ترجمة عادل الهواري، وسعد مصلوح، مكتبة الفلاح، العين، 1994.

10. نبيل السمالوطي، "نظرية علم الاجتماع في دراسة الثقافة، دراسة نظرية وتطبيقية"، دار المعارف، القاهرة، 1984.

11.  Lengermann , P., Definitions of Sociology (A historical Approach), E. Merrill publishing CO., 1974,.

12.  Young , K, & Mack , R., Sociology and Social life , American Book Company N.Y., 1963.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:04 pm

النمو الاجتماعي

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2652   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2653   1. العوامل المؤثرة في النمو
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2654   2. واقع النمو: الاقتصادي والاجتماعي، في الدول: النامية والمتقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2655   المصادر والمراجع


       
مقدمة

          يعرَّف النمو الاجتماعي Social Growth ، في معناه العام، بأنه نمو سمات الفرد بما يتفق مع الأنماط الاجتماعية المقررة. بيد أن الكتابات الاجتماعية المعاصرة، تشير إلى وجود اختلاف واضح بين اصطلاحَي النمو Growth والتنمية Development؛ إذ يمثل أولهما عملية الزيادة الثابتة، أو المستمرة، التي تطرأ على جانب معين من جوانب الحياة؛ وتعني التنمية تحقيق زيادة سريعة تراكمية، ودائمة، خلال فترة من الزمن. فالزيادة الثابتة في النسبة المئوية للمتعلمين والمتعلمات إلى مجموع السكان، هي مؤشر من مؤشرات النمو الاجتماعي. أمّا التنمية، فتتحصل في التعليم في مرحلة النمو الاجتماعي السريع، وخلال فترة ممتدة من الزمن.

          يحدث النمو، في الغالب الأعم، بالتطور البطيء، والتحول التدريجي. أمّا التنمية، فتحتاج إلى دفعة قوية Big Push، ليخرج المجتمع من حالة الركود والتخلف إلى حالة التقدم؛ وهذه الدفعة القوية، تقف على طرفَي نقيض مع عملية التطور والتدرج. والظواهر والأشياء، حينما تنمو، لا بدّ أن تتغير خلال عملية النمو؛ غير أن القدر المتحصل من التغير من طريق النمو، ليس إلا قدراً ضئيلاً، لا يعتد به؛ وهو، عادة، تغير كمّي، وليس كيفياً.

          كما ينظر إلي النمو على أنه عملية تلقائية، تحدث من غير تدخّل من جانب الإنسان؛ فالطفل يصبح صبياً، ثم شاباً، ثم رجلاً، ثم كهلاً، وهكذا... أمّا التنمية، فهي عملية مقصودة، وهادفة، تنجم عن الجهود المنظمة، التي يبذلها الإنسان لتحقيق أهداف معينة. وبهذا، تصبح التفرقة بين النمو والتنمية كالتفرقة بين التطور والتطوير، والتغير والتغيير، فالفارق بين هذه المفاهيم، يتمثل في مدى تدخّل الإنسان في إحداث التنمية أو التطوير أو التغيير. كما يستخدم مصطلح النمو مرادفاً للنمو الثقافي واسع النطاق، أيْ لتوسيع النشاط الثقافي وتكثيفه في مجتمع من المجتمعات. ويتميز النمو الثقافي بأنه الحركة، التي تنشأ من داخل الثقافة نفسها نشوءاً تلقائياً، في ضوء قِيم المجتمع وإمكانياته. إنه تغير تدريجي، يتناول الكم أكثر مما يتناول الكيف. وهو عملية تطور في الثقافة، تعتمد على عامل الزمن الطويل والحركة البطيئة. وينتج من النمو الثقافي جماعة من الظواهر، هي: النمو الاجتماعي، والتراكم والتجمع الثقافي، والاستمرار، والتلاقح، والتي تقوم على ازدواج العوامل الثقافية، لتقدم صورة جديدة متكاملة؛ فضلاً عن ظاهرة الانتشار، التي ترتبط بالحركة الخارجية للثقافة.



       

1. العوامل المؤثرة في النمو

يمكِن بعض العوامل أن تؤثر في النمو، سواء تحدّ منه، أو تشجع عليه، أو توسع من نطاقه، وهي:

أ. البعد الثقافي

حيث يقتصر النمو على واحد فقط أو أكثر من المجالات أو ميادين النشاط الثقافي، فلا يتجاوز الثقافة المادية أو الروحية، أو أحد ميادينهما الفرعية.

ب. البعد الطبقي

تقتصر عمليات النمو على إحدى الطبقات أو الجماعات الاجتماعية دون غيرها. وعادة ما تكون تلك هي الطبقة ذات الوضع المسيطر، أو الطبقة صاحبة الحظوة الاجتماعية. وليس من اللازم أن تكون الطبقة المستفيدة من النمو هي، على الدوام، الطبقة الأعلى أو الطبقة المسيطرة.

ج. البعد الزمني

إن عمليات النمو، يمكن أن تسرع وتنشط، في فترة معينة؛ وتنكمش وتتباطأ، في فترة أخرى. والصورة الشائعة للنمو، عبْر الزمن، هي تلك التي يبدأ فيها بطيئاً، ضعيفاً، على استحياء ثم نشيطاً قوياً، ثم بعد ذلك متخاذلاً، هادئاً. وهي الصورة الدورية، التي أوضحتها دراسات التغير الاجتماعي، والتي ربما يسميها البعض مراحل الصعود ـ القمة ـ والهبوط.

د. البعد الجغرافي

ويتبدّى في ما يحيط بمكان المجتمع وظروفه الجغرافية. فالمناطق الغنية بالثروات الطبيعية، أو المناطق المركزية، يمكن أن تشهد نمواً سريعاً، في العادة؛ على حين تعاني المناطق المنعزلة أو الفقيرة الجمود أو بطء عمليات النمو الاجتماعي.




2. واقع النمو: الاقتصادي والاجتماعي، في الدول: النامية والمتقدمة

      يقترن مفهوم النمو، عادة، بالنمو الاقتصادي، الذي يشير إلى ارتفاع نصيب المرء من الدخل القومي، خلال الدورة الاقتصادية للموارد المتاحة. والنمو، إذاً، حسب هذا التعريف، هو نمو كمّي في حجم الإنتاج الكلي، والذي يشير إلى مجموع السلع والخدمات، التي أمكن الحصول عليها، خلال فترة زمنية محددة. وقد أدى هذا إلى أن ينال مفهوم النمو، بمحتواه الاقتصادي، نجاحاً كبيراً لدى علماء الاقتصاد، في السنوات الماضية. وفي هذا الإطار، أمكن تحديد خصائص النمو الاقتصادي، بأنه متدرج أيْ لا يحدث طفرة؛ وإنما على مراحل بطيئة.

      كما يعتمد النمو الاقتصادي على الجهود الداخلية لأنشطة الأشخاص والجماعات في المجتمع، ما يؤدي إلى زيادات متباينة في المخرجات، التي تقترن مادياً بالمصادر المتاحة في الأنظمة: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

      وقد نجم عن تبني موضوع النمو: الاقتصادي والاجتماعي، على المستويَين: النظري والعملي، ظهور اتجاهات، ترى أن التنمية هي تحقيق النمو: الاقتصادي والاجتماعي. فلقد كان النمو الاقتصادي، هو الهدف الأسمى لبرامج التنمية. وبعد أن ساد هذا الاعتقاد، فترة ليست قليلة، تبيّن للدارسين والباحثين والمخططين وحتى لرجال السياسة خطأه، ولا سيما بعد فشل النماذج التنموية، التي تعتمد على تحقيقه بمفرده؛ لأنه لا يستطيع أن يحل مشكلات العالم النامي، اليوم. في حين أن الدول النامية في حاجة إلى دفعة قوية، وسريعة، في كافة بناءاتها: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، حتى تلحق بركب الدول المتقدمة.

      وإذا كانت حركة النمو الاقتصادي، قد ظهرت في المجتمعات الرأسمالية الغربية، وحققت نهضة صناعية وارتقاء حضارياً للإنسان في الغرب، فان هذا الوضع لا يعدو كونه أمراً غريباً؛ لأن هذه الدول الرأسمالية قد عاشت، في الماضي والحاضر، ظروفاً، مجتمعية ودولية، تخالف ما تعانيه الدول النامية، اليوم. فإذا كانت قد حققت قدراً ملموساً، ونموذجاً رائعاً في النمو الاقتصادي، أفضى إلى تقدُّم واسع في كلّ مناحي الحياة؛ فإنها، اليوم، لا تتعجل المزيد من التقدم، ما دامت تسير وفق سياسة اقتصادية، تعتمد على آليات النمو السليمة. ولكن المشكلة تتعلق بالعالم النامي، الذي يحاول أن يختصر الزمن، حتى يلحق بركب التقدم، وبخاصة أن الدول النامية، بدأت تعاني انخفاضاً في معدلات النمو الاقتصادي، وتواجه مشكلات عجز الموازنة، وانخفاض حاد في مستويات المعيشة؛ وذلك عندما انحصرت عمليات التنشيط الاقتصادي، في تلك الدول، في الاهتمام بجوانب التنمية، الاقتصادية والمادية، من دون مراعاة للجوانب، البشرية والتنظيمية والثقافية الأخرى.

      بناء على ذلك، ظهرت اتجاهات جديدة، تحاول فهْم العوامل الأخرى، التي تعوق منطلقات النمو الاقتصادي. ونجم عن ذلك جدل واسع النطاق في مفهوم التنمية الحقيقي؛ إذ إن الزيادة في حجم الدخل القومي، وارتفاع نصيب المرء منه، فقدا كونهما الهدف الأسمى للتنمية. كما أن الأرقام ومعدلات النمو، تكون، أحياناً، مضللة وخادعة؛ واستطراداً فهي ليست المعبرة عن الصورة الحقيقة للتنمية؛ حتى إن الاقتصاديين أصبحوا يقدمون تعريفات للتنمية، تتجاوز تعبيرات نمو الدخل أو الناتج القومي. لذا، اتجهت التحليلات التنموية الجديدة إلى الاهتمام بالعوامل غير الاقتصادية، كالقِيم الثقافية، والموارد البشرية، والأبعاد الاجتماعية للتنمية. وفي هذا السياق، حدد هوبهاوس أربعة معايير للنمو الاجتماعي، هي: الزيادة في كلٍّ من المدى، والكفاءة، والتبادل، والحرية.

كما تتميز فكرة النمو الاجتماعي بسمتَين مهمتَين، هما:

إحداهما أنها لا تعتمد على أيّ نظرية عامة من النمو الاجتماعي؛ وإنما تشير إلى نوع معين من التغير الملحوظ في الوقت الراهن. والأخرى تشير إلى التغيرات الاقتصادية، التي يمكِن تعرُّفها وقياسها بشيء من الدقة والإحكام.



المصادر والمراجع

    أحمد زكي بدوي، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت 1986.
    إسماعيل عبد الباري، أبعاد التنمية، دار المعارف، القاهرة، 1982.
    ألن منتجوى، "التصنيع في الدول النامية"، ترجمة السيد الحسيني، مطابع سجل العرب، القاهرة، 1982.
    عبد الباسط محمد حسن، "التنمية الاجتماعية"، مكتبة وهبه، القاهرة 1998.
    عبدالله الرشدان، "علم اجتماع التربية"، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 1999.
    كلثم الغانم، "المفاهيم الأساسية للتنمية"، في كتاب علم اجتماع التنمية، تأليف جهينة العيسي وآخرون، دار الأهالي، سورية، 1999..
    محمد الجوهري وآخرون، "التغير الاجتماعي"، دار المعرفة الجامعية الإسكندرية، 1995.
    محمد الجوهري، "علم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث"، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1985.









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:07 pm

التغير الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2656   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2657   1. خصائص التغير الاجتماعي وطبيعته
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2658   2. أنواع التغير وعوامله
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2659   3. معوقات التغير الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2660   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          يُعَد مفهوم التغير من السمات، التي لازمت الإنسانية، منذ فجر نشأتها حتى وقتنا الحاضر؛ حتى إنه أصبح إحدى السنن المسلَّم بها، وحقيقة من حقائق المجتمع الإنساني؛ إذ لا يُغْفَل وجود مجتمع ساكن تماماً، مهما كانت درجة بدائيته أو تخلفه. ولذا، فإن الباحث المتعمق في دراسة المجتمع، يلاحظ، مثلاً، كيف تتغير القِيم من عصر إلى عصر، ومن مجتمع إلى آخر؛ بل في المجتمع الواحد نفسه. ومصداق ذلك خروج المرأة إلى ميدان العمل، والذي كان يُعَدّ، حتى عهد قريب، خروجاً عما هو مألوف؛ أمّا الآن، فأصبح أمراً طبيعياً ومألوفاً. ولم يقتصر التغير على النواحي الاجتماعية فقط، وإنما تعداها، بوضوح وسرعة، إلى أساليب الإنتاج، مثل حلول الوسائل التكنولوجية الحديثة، في معظم مجالات العمل، محل الأيدي العاملة.

          بناء على ذلك، يشير مفهوم التغير الاجتماعي Social Change إلى التحولات، التي تطرأ على بناء أيّ مجتمع، خلال مدى زمني معين؛ ما يعني وجود قوى اجتماعية، تسهم في حدوث التغير، في اتجاه معين، وبدرجات متفاوتة الشدة. وهو قد يطاول بناء المجتمع بأسْره، كما هو الحال في الثورات؛ كما قد ينحصر في نظام اجتماعي معين، كالأسْرة والسياسة والدين.

          ويميل علماء الاجتماع إلى التمييز بين التغير الاجتماعي والتغير الثقافي. فأولهما هو الذي يطرأ على العلاقات الاجتماعية، بينما الثاني يعتري القِيم والمعتقدات والمُثُل والرموز الشائعة في المجتمع. غير أن الواقع الفعلي، يشير إلى صعوبة الفصل بين هذَين النمطَين من التغير؛ إذ التغير الثقافي، يسببه أشخاص هم جزء من البناء الاجتماعي، كما أن للتغير الاجتماعي مكونات ثقافية بالغة الأهمية في تحديده. ومع ذلك، فإن في الإمكان عزل بعض التغيرات الثقافية، كتلك التي تنتاب مجالات اللغة والفن والفلسفة، عن السلوك الاجتماعي. وقد ساعد المناخ الفكري السائد في علم الاجتماع، على تبني علمائه مصطلح التغير الاجتماعي، للإشارة إلى كلّ صور التباين التاريخي في المجتمعات الإنسانية. وأسهم في رواج هذا المصطلح نشر كتاب "التغير الاجتماعي"، لمؤلفه ويليام أوجبرن، عام 1922، الذي أوضح فيه دور العوامل: البيولوجية والثقافية، في حدوث التغير الاجتماعي. كما طرح فرضية الهوة الثقافية Cultural Lag، إذ رأى أن التغيرات، التي تطرأ على جزء من الثقافة اللامادية، يطلق عليه اسم الثقافة التكيفية Adaptive Culture، لا تواكب تماماً تلك التي تطرأ على الثقافة المادية؛ ومن ثَم، تصبح مصدراً للضغوط والصراعات.

وقد اختلف علماء الاجتماع في مفهوم التغير. فرأى فون فيزه Von Weise أن يستخدم التغير بديلاً محايداً من فكرة التقدم، أو يستخدم استخداماً إحصائياً، يجعله تصوراً كمّياً خالصاً؛ وقصَره على التحولات، التي تلمّ بعلاقة الإنسان بالإنسان. وقال جينزبرج Ginsberg بأن التغير الاجتماعي إنما هو تغير في البناء الاجتماعي، مثل: حجم المجتمع، وتركيب القوة فيه، والتوازن بين الأجزاء أو نمط التنظيم. أمّا روس Ross، فبدا له أن التغير الاجتماعي، ما هو إلا التعديلات التي تحدث في المعاني والقِيم، التي تنشر في المجتمع، أو بين بعض جماعاته الفرعية.

          إذاً، يمكن تعريف التغير بأنه كلّ تحوُّل في النظُم والأجهزة الاجتماعية، من الناحيتَين: البنائية والوظيفية، خلال فترة زمنية محددة. وهذا التعريف يوافق ما ذهب إليه دافيز Davis، أن التغير الاجتماعي هو التحول في التنظيم الاجتماعي القائم، سواء في تركيبه وبنيانه أو في وظائفه.



       

1. خصائص التغير الاجتماعي وطبيعته

      التغير سُنة طبيعية، تخضع لها جميع مظاهر الكون وشؤون الحياة. وقديماً، قال الفيلسوف اليوناني، هيراقليطس، إن التغير قانون الوجود، والاستقرار موت وعدم. ومثّل فكرة التغير بجريان الماء، فقال: " أنت لا تنزل النهر الواحد مرتَين؛ إذ إن مياهاً جديدة، تجري من حولك أبداً".

      يتجلى التغير في كلّ مظاهر الحياة الاجتماعية؛ ما حدا ببعض المفكرين وعلماء الاجتماع على القول بأنه لا توجد مجتمعات، وإنما الموجود تفاعلات وعمليات اجتماعية، في تغير وتفاعل دائبَين. أمّا الجمود نفسه، في أيّ ناحية من نواحي الحياة الإنسانية، فأمر لا يمكن التسليم، ولا الموافقة عليه؛ إذ المجتمعات الإنسانية المختلفة، منذ فجر نشأتها، تعرضت للتغير خلال فترات تاريخها. كما لا يقتصر التغير الاجتماعي على جانب واحد من جوانب الحياة، الإنسانية والاجتماعية؛ وإذا بدأ، فمن الصعب إيقافه، نتيجة لِما بين النظُم الاجتماعية والتنظيم الاجتماعي بعامة، من ترابط وتساند وظيفي.

          وفى هذا الصدد، حدد ولبرت مور Moore أهم سمات التغير، كما يلي:

أ. يَطَّرِد التغير في أيّ مجتمع أو ثقافة، ويتسم بالاستمرارية والدوام.

ب. يطاول التغير كلّ مكان، حيث تكون نتائجه بالغة الأهمية.

ج. يكون التغير مخططاً مقصوداً، أو نتيجة للآثار المترتبة على الابتكارات والمستحدثات المقصودة.

د. تزداد قنوات الاتصال في حضارة ما بغيرها من الحضارات، بازدياد إمكانية حدوث المستحدثات الجديدة.

هـ. تكون سلسلة التغيرات التكنولوجية المادية، والجوانب الاجتماعية المخططة، منتشرة على نطاق واسع، على الرغم من الجنوح السريع لبعض الطرق التقليدية.



       

3. معوقات التغير الاجتماعي

          تواجه عملية التغير الاجتماعي بعدد من العوامل المعوقة، داخل المجتمع، من أهمها:

أ. المصالح الذاتية

يُجْبَه التغير الاجتماعي بالمعارضة، كلّما تهددت مصالح الأفراد والجماعات. فلقد أكد أوجبرن مقاومة أصحاب المصالح الذاتية للتغير؛ حرصاً على امتيازاتهم، مثل: معارضة أصحاب السيارات لبناء السكك الحديدية، لخوفهم من منافستها؛ أو معارضة بعض العمال الزراعيين لدخول الآلة الزراعية، لتأثيرها في حياتهم؛ أو معارضة العمال في القطاع الصناعي لسياسة الخصخصة، لتأثيرها في طرد بعض العمال من شركات قطاع الأعمال العام.

ب. العادات والتقاليد

تمثّل بعض العادات القديمة والتقاليد المتوارثة، معوقات دون الابتكارات. ويتصلب هذا العائق حينما يكون الكبار والشيوخ هم الحل والعقد؛ إذ يكبر عليهم تغير عاداتهم.

ج. الخوف من الجديد، وتبجيل الماضي وتقديسه

الشك في الجديد وما سوف يأتي به، يُريب كلّ المجتمعات، وبخاصة تلك التقليدية والمتخلفة. وتبجيل الماضي وإجلال موالاته، هما من معوقات التغير. ولذلك، طالما قاومت المجتمعات كلّ تغير، يعتري ما ألِفته من مفاهيم راسخة كالتغيرات التي تتعلق بخروج المرأة للعمل، أو للتعليم أو السفر إلى الخارج، أو إدخال التكنولوجيا الحديثة.

د. العوامل البيئية

وهي تتعلق بالموقع والمناخ؛ فلقد قرن بعض العلماء الموقع الجغرافي بدرجة تخلّف المجتمع وتقدُّمه. ففي المناطق الاستوائية، مثلاً، يكون المناخ أحد المعوقات الأساسية للتغير؛ إذ على الرغم من الحاجة إليه والشعور بأهميته، إلا أن الإنسان في تلك المناطق، يتسم بالكسل والإهمال أكثر من الإنسان في المناطق الشمالية.

          وهكذا يتضح أن مفهوم التغير مفهوم شامل، يهتم أو ينصب على الأوضاع الراهنة، أو ما هو كائن بالفعل، بمعنى أنه ينصب على الوجود الحقيقي. فالتغير يشير إلى تبدُّل في الظواهر والأشياء، من دون أن يكون لذلك التغير اتجاه محدد يميزه؛ فقد يتضمن تقدماً وارتقاء، في بعض الأحيان؛ وقد ينطوي على تخلّف ونكوص، في بعضها الآخر.




       
المصادر والمراجع

1.   السيد الحسيني، "مفاهيم علم الاجتماع"، دار قطري بن الفجاءة، الدوحة، الطبعة الثانية، 1987.

2.   عبد الباسط عبد المعطي، عادل الهواري، "علم الاجتماع والتنمية، دراسات وقضايا"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985.

3.   عبد الحميد محمود سعد، "دراسات في علم الاجتماع الثقافي، التغير والحضارة"، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1980.

4.   عبدالباسط محمد حسن، "علم الاجتماع"، مكتبة غريب، القاهرة، 1982.

5.   علياء شكري، "التغير والتطور والتقدم"، في كتاب التغير الاجتماعي، تأليف محمد الجوهري وآخرون، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

6.   محمد الجوهري وآخرون، "التغير الاجتماعي"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

7.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

8.      Davis, K., Human Society , Macmillan Co. Press N. Y, 1950.

9.      Firth , R., Elements of Social Organization , London ,Pergamon Press, 1961.

10.  Moore , W.E. , Social Change , Prentice Hell, New. Jersey, 1963.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:11 pm

التقدم الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2661   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2662   1. التطور التاريخي لمفهوم التقدم
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2663   2. معايير التقدم
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2664   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          التقدم هو الحركة التي تسير نحو الأهداف المنشودة والمقبولة، أو الأهداف الموضوعية، التي تنشد ما هو خير، أو تنتهي إلى تحقق النفع. وينطوي التقدم على مراحل، تكون كلّ منها أكثر ازدهاراً أو أرقى من المرحلة السابقة عليها. كما تشير الكلمة إلى انتقال المجتمع البشري إلى مستوى أعلى، من حيث الثقافة، والقدرة الإنتاجية، والسيطرة على الطبيعة.

          وقد رأى بعض مفكري القرن التاسع عشر في التقدم مصطلحاً، يشير إلى حركة نحو المنطق والعدالة، وتأكيد المساواة بوصفها جوهر العدل.

          اقترنت فكرة التقدم، في أذهان العلماء، بالتغير؛ لأنها تتضمن الانتقال من البسيط إلى المركب، ومن الأقل تقدماً إلى الأكثر تقدماً ورقياً. إلا أن ثمة فارقاً بينهما، فالتغير الاجتماعي يشير، في جوهره، إلى البحث عن المبادئ، التي تحكم الذبذبات الاجتماعية؛ ويقوم على تحويل موضوعي لأسبابها واتجاهاتها؛ في حين أن التقدم الاجتماعي، يتضمن مدخلاً معيارياً قيمياً للحكم على الأحداث الاجتماعية. ناهيك من أن التقدم الاجتماعي، يهتم بالبحث عن مجتمع أفضل وأحسن ؛ بينما يهتم التغير الاجتماعي بالواقع. يحمل التقدم، إذاً، في مضمونه الأساسي، ما ينبغي أن يكون؛ بينما يشير التغير الاجتماعي إلى ما هو موجود، أو ما هو كائن بالفعل.

          يوضح ذلك أن التقدم الاجتماعي Social Progress هو كلّ تغير في البناء الاجتماعي، يطلق النشاط الإنساني ويحفزه؛ ليعمل الناس في حرية وتعاون. كما ينطوي على هدف غالٍ، يتوخى خيراً، أو ينتهي إلى نفع. ولا بدّ لكلّ مرحلة لاحقة من مراحله، أن تكون أكثر ازدهاراً ورقياً من سابقتها.




       

1. التطور التاريخي لمفهوم التقدم

      بَدَرَت إلى فكرة التقدم الاجتماعي كتابات بعض مفكري عصر النهضة، من أمثال فرنسيس بيكون، وديكارت؛ فضلاً عن التطورات الثورية في المعرفة العلمية، والتي أكدت قدرة العقل على السيطرة على الطبيعة، والإيمان بأنه يكتسب، خلال التقدم، مزيدا من المنطق والرشد في التفكير. وفي القرن التاسع عشر، ظهر اتجاه يميل إلى التسليم بأن القوانين الطبيعية، التي تنطوي عليها العملية التاريخية، تدعم فكرة التقدم، ويتأكد هذا الاعتقاد بظهور نظرية التطور، في نطاق علم الحياة، والتي أصبحت، بعد ذلك، تحظى بالقبول العام عند المتخصصين بالعلوم الاجتماعية المختلفة.

      وقد اهتم العلماء الأوائل بدراسة مفهوم التقدم، وصاغوه في نظريات متعددة. وكان من أبرزهم كوندرسية Condercet، الذي تصور مراحل متعاقبة للتاريخ، للوصول إلى الكمال. أولى تلك المراحل المرحلة الطبيعية، التي تنشأ فيها الحياة الاجتماعية في صورتها الأولية، وصناعاتها البدائية؛ ثم مرحلة الرعي، وتدجين الحيوان؛ فمرحلة الاعتماد على الزراعة، والاستقرار؛ ثم مرحلة الحضارة (اليونانية والرومانية)؛ ثم مرحلة الإقطاع؛ ثم مرحلة اختراع الطباعة؛ وأخيراً مرحلة الآمال، التي يطلق عليها مستقبل الإنسانية. يسود مرحلة الآمال المساواة بين الأمم والشعوب. وتصل الإنسانية إلى أرقى مراحل تطورها وأسمى غاياتها. ويتحقق فيها ارتقاء الإنسان، متمثلاً في تقدُّم الاختراعات ووسائل المعرفة، وتقدُّم العلوم: المعرفية والفلسفية والاجتماعية، والمساواة بين الرجل والمرأة، وتقدُّم الأحوال: المادية والصحية والمعيشية ومستوى الرفاهية الاجتماعية. ومعنى هذا أن كوندرسية، استخدم فكرة التقدم في الوصول إلى الكمال، والإدارة في بلوغ الحركة إلى الأمام في الاتجاه المرغوب فيه.

      وقد انتشر مفهوم التقدم بين العلماء الوضعيين، من أمثال سان سيمون، وأوجست كونت؛ لتفسير تقدُّم المجتمعات البشرية على خط صاعد إلى أعلى. فرأى كونت، مثلاً، أن الإنسانية تسير سيراً تلقائياً في تقدمها؛ والتقدم، في مفهومه، هو سير في اتجاه معين، يخضع لقوانين ضرورية، تحدد مداه وسرعته. وقال بأن الإنسانية عامة، مرت بثلاث مراحل ارتقائية، وأن كل مرحلة ضرورية للتالية عليها. ففي قانون هذه المراحل الثلاث، يلاحظ اتجاه معرفي معين، يسود كلاً منها؛ وهي المرحلة الدينية، والمرحلة الميتافيزيقية، والمرحلة الوضعية أو العلمية.

      وحاول هوبهاوس أن يحلل اقتران مفهوم التقدم بالتفسيرات: الفسلفية والبيولوجية، فعرّفه بأنه التغيير إلى الأحسن أو الأفضل. وقد انتقد فكرة حدوث التقدم بفصل العوامل الجغرافية أو الوراثية أو العرقية؛ مؤكداً أنه ظاهرة حضارية، تنتجها الجهود الاجتماعية، وليس عاملاً وحيداً بعينه. بمعنى آخر، قرن هوبهاوس التقدم بطبيعة البناء الاجتماعي. ورأى كذلك أن المشكلة الرئيسية، التي يجب أن تلتقي عندها كلّ العلوم الاجتماعية، وتهتم بحلها، في النهاية، هي وضع مفهوم سليم للتقدم الاجتماعي، من طريق التحليل العلمي؛ وتتبع هذا التقدم في صورة المعقدة، على طول التاريخ؛ واختبار حقيقته، بالتصنيف الدقيق، والمقارنات الفاحصة، لتأكيد ظروفه واستشراف المستقبل، إن أمكن.

      لذا، يتضح أن كثيراً من العلماء، اعتقدوا أن المجتمع، في إطار التقدم، يتحرك بصفة مستمرة نحو السعادة القصوى؛ وأن المستقبل سوف يمثّل عصراً ذهبياً. ولكن تعرضت فكرة التقدم للإهمال والازدراء، ليس في علم الاجتماع فقط؛ وإنما بصورة أهم في نظر مثقفي المجتمعات الغربية؛ لأنه على الرغم من أن كثيراً من أهداف دعاة التقدم، في القرن التاسع عشر، قد تحققت، إلا أنها لم تحقق الرضا المنشود. والدليل على ذلك هو الفروق الشاسعة بين البلاد الصناعية الغربية والبلدان النامية، وأن الشرور الاجتماعية، كالفقر والمرض والجهل، وأحياناً الظلم، ما زالت قائمة كما هي تقريباً.





2. معايير التقدم

      يرى أندرسون Anderson، أن هناك معايير للتقدم الاجتماعي، يمكِن أن توجه المخططين الاجتماعيين، في إحداث نظام اجتماعي أفضل؛ من أهمها:

أ. التعقيد والقوة والاستعمال

إن التقدم هو الانتقال من البسيط إلى المعقد، في المجالات التي تحقق سعادة الإنسان. وهو يزيد القوة، التي تساعد الإنسان على السيطرة على الطبيعة. كما أن التنوع في استخدام ما يخترعه الإنسان، يُعَدّ معياراً رئيسياً للتقدم.

ب. الإشباع وتحقيق الرضا المادي

كلّما ازداد التقدم في المجتمع، ازداد الرضا المادي لأبنائه؛ وازدادت قدراتهم على إشباع حاجتهم المستمرة إلى الصحة والتعليم، والأمان الاقتصادي، والمعرفة والمال، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية.

ج. تطاؤل العمر

إن متوسط عدد السنين، التي يحياها الإنسان، أمر يمكِن تحديده تحديداً قاطعاً؛ وهو يبين حالة الرفاهية والتقدم في المجتمع؛ اللذَين يمدّان في عمر الإنسان، بما يوفرانه من رعاية صحية جيدة.

د. التحسن: المعنوي والاجتماعي

يتحقق التقدم عندما يرقى خلُق الناس، والمبادئ التي تحكم علاقاتهم الاجتماعية؛ ما يسهم في رِفعة السلوك الإنساني وسموّه.

هـ. تحقيق التقدم في المجالات المختلفة

يحدث التقدم في المجتمع، متى تحركت مظاهر الحياة الاجتماعية كافة تحركاً متوازناً، نحو غايات مدروسة؛ فلا تتقدم ناحية، وتتخلّف أخرى. بمعنى أنه لا بدّ من التكامل في المجالات: الصحية، والمادية، والمعرفية، والثقافية، والجمالية، والأخلاقية؛ حتى يحدث التقدم الشمولي.

      إن التقدم مفهوم شمولي، يمكن تطبيقه في كلّ زمان ومكان؛ يتجاوز المفاهيم الجزئية العتيقة، التي باتت عاجزة عن الصمود للوقائع التي تدحضها، كلّ يوم. وهو مفهوم يدمج الجوانب الكمية وتلك الروحية والنوعية، في الحياة الإنسانية، بالقوة نفسها التي تندمج بها هذه الجوانب، في واقع الحياة. والتقدم، بالمقياس المعاصر، هو الوضع الذي يصبح عنده الإنسان (المجتمع) في موقف إيجابي فاعل تجاه شروط وجوده: الطبيعية والاجتماعية.



المصادر والمراجع

1.   أحمد زكى بدوى، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.

2.   عبد الباسط عبد المعطى، عادل الهواري، "علم الاجتماع والتنمية (دراسات وقضايا)"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985.

3.   عبد الحميد مسعود، "دراسات في علم الاجتماع الثقافي (التغير والحضارة)"، مكتبة نهضة الشرق، القاهرة، 1980.

4.   محمد الجوهري وآخرون، "التغير الاجتماعي"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

5.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:14 pm

التطور الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2665   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2666   1. أشكال التطور ومؤشراته
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2667   2. الفرق بين التطور الاجتماعي والتطور العضوي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2668   3. اتجاهات دراسة التطور الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2669   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          يتضمن مفهوم التطور، في الأصل، فكرة أن المجتمعات تمر بمراحل محددة؛ وذلك عند انتقالها من النمط البسيط إلى نمط أكثر تعقيداً. فلقد تطور المجتمع البشري، في البداية، من الأسرة، إلى العشيرة، ثم القبيلة، فالقرية، فالمدينة، فالمجتمع القومي. كما تشير فكرة التطور، في أغلب الأحيان، إلى نوع من تماثل نمو الكائن الحي وتطوُّر المجتمع الإنساني، سواء في البناء أو الوظيفة. واشتمل بصفة خاصة على فكرة أن التخصص المتزايد للوظائف، أمر يصاحب التطور المتزايد للبناء. غير أنه اتسع، فيما بعد، ليشمل عملية التغير التدريجي، الذي يحدث في كلّ المجتمعات، عندما تتغير وظائف نُظُم معينة، أو يُعاد تحديد الأدوار فيها.

          وقد باكرت إلى هذا المصطلح كتابات هوبز Hobbes، الذي صوَّر التنظيم الاجتماعي للمجتمعات المتوحشة، على أنه يماثل تنظيم الأسلاف الأوائل للمجتمعات الغربية المتقدمة. لكن فكرة التطور الاجتماعي Social Evolution ، قد استُعيرت مباشرة من نظريات التطور البيولوجي، من خلال مماثلة المجتمع والكائن الحي بالنمو: الاجتماعي والعضوي. وقد عرّف سبنسر Spencer التطور بأنه تحدّر سلالي معدل على نحو معين.

          إن كان مفهوم التطور، قد اعتمد اعتماداً أساسياً على افتراض أن كلّ المجتمعات، تمر بمراحل محددة، ثابتة، في مسلك، يتدرج من أبطأ الأشكال إلى أعقدها؛ فإنه يمتد ليشمل عملية التغير التدريجي، التي تقع في كلّ المجتمعات، وذلك مثل التطور، الذي يصيب منظمات التغيير في المجتمع، أو أدوار الأشخاص، التي يُعاد تحديدها. أيْ أن التطور هو النمو البطيء، المتدرج، الذي يؤدي إلى تحولات منظمة، ومتلاحقة، تمر بمراحل مختلفة، تقترن كلٌ منها بسابقتها. كما يدل هذا المفهوم على الطريقة، التي تتغير بها الأشياء أو المجتمعات أو النُظُم الاجتماعية أو الكائنات الحية، من حالة إلى حالة أخرى، ببطء وبالتدريج. وهو مفهوم محايد، لا ينطوي، بالضرورة، على عامل التقدمية أو التفاؤل بالمستقبل.



       
1. أشكال التطور ومؤشراته

      يذهب بعض علماء الاجتماع إلى أن أشكال التطور، تقترن بالظواهر الاجتماعية والكونية والعضوية الموجودة. فهناك تطوُّر كوني، ويتضمن تطوَّر العالم، والأجرام السماوية، من النشوء إلى الارتقاء، ثم الفناء والاضمحلال. وهناك تطور عضوي، ويسميه عند بعض العلماء باسم نمو الكائن الحي، الذي يبدأ منذ تكوين الخلية الأولى، ثم الجنينية، فالطفولة، فالصبا، ثم الشباب، ثم الشيخوخة. وهناك تطور عقلي، وما يصاحبه من نمو وارتقاء في التفكير والشعور والإدراك، ثم نضج، واضمحلال وفناء؛ ويعتمد على ذلك قدرات البشر: الذهنية والعقلية.

      كما قدم بعض العلماء وجُوْهاً أخرى للتطور، منها:

أ. التطور الخلاق Creative Evolution

ويعني أن التطور خلق مستمر، وعملية تجديد متواصل، وتغير لا ينقطع حسب التوجيه، الذي تمليه الحياة الدافعة، الكامنة في الإنسان.

ب. التطور الثقافي Cultural Evolution

والمقصود به نمو الثقافة مع الأنماط البسيطة المفككة إلى أخرى معقدة متكاملة، بالتفاعل المستمر بين الإنسان والمجتمع.

      ومعنى ذلك، أن أنماط التطور، تدل على التغير التدريجي، الذي يؤدي إلى تحولات منظمة، ومتلاحقة، تمر بمراحل مختلفة؛ فالنبات يتطور من بذرة، والرجل كان طفلاً. كما أن الجماعات الإنسانية، تخضع للتطور كذلك، فلا يمكن أن تخيُّل مجتمع بشري من دون تطوُّر؛ إلا أنه قد يتضح في مجتمع ما أكثر من غيره، وقد يتجلى في وقت أكثر من غيره؛ فتطوُّر المجتمعات، في العصر الحديث، أكثر سرعة منه في المراحل السابقة.

      وعلى الرغم من أن مفهوم التطور من أكثر المفاهيم استعمالاً وشيوعاً، في الكتابات: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تتناول أوضاع البلدان النامية؛ إلا أن العلماء قد اختلفوا في تحديد مؤشرات هذا المصطلح، فتوزعهم اتجاهان مختلفان، هما:

الاتجاه الأول:   وهو اتجاه كمّي، يعتمد اعتماداً مطلقاً على المقاييس المادية الجامدة، كمستوى الدخل، والإنتاجية، ومعدل التراكم، ومعدل النمو، ومستوى المعيشة والاستهلاك والإنفاق... ويستخدم عدداً غير محدود من المؤشرات المساعدة، منها متوسط إنتاجية الإنسان العامل، أو نصيب المرء من بعض الموارد الأساسية، مثل الحديد والأسمنت والكهرباء، أو من الإنتاج والدخل القوميَّين، أو من نفقات التعليم، أو الصحة أو أسِرَّة المستشفيات.

الاتجاه الثاني:  وهو ينظر نظرة مثالية إلى الوضع الاجتماعي؛ إذ يرفض جميع المقاييس المادية، بل يكاد يعكس مدلولاتها. فيرى أن التطور المادي، يحمل الأخطار؛ لأنه يترفق بالانحطاط الأخلاقي وانهيار القِيم والمبادئ المثالية. وينادي برفض كلّ ما هو مستورد، من فكر أو مادة؛ والترفع عن مفاسد الحضارة المادية الغربية.

      كما يستخدم كِلا الاتجاهَين المتناقضَين عدداً آخر من المؤشرات الاجتماعية للتطور، كتلك الديموجرافية (السكانية)، والثقافية، والأمنية، والسياسية، والصحية، والأخلاقية وغيرها.

      وإن كان كلٌّ من هذَين الاتجاهَين، يحمل بعض الحقيقة؛ إلا أن زمناً طويلاً قد ضاع من عمر البلدان النامية، قبل أن يتبين أصحاب الاتجاه الكمّي، أن المؤشرات الكمية، ليست دليلاً كافياً على مستوى التخلف أو التطور. بل إن الوقائع الجديدة، في بعض بلدان العالم النامي، أكدت أن التطور الكمّي للمؤشرات المادية، قد يصبح من العوائق الشديدة الخطر على طريق التطور الاجتماعي. وتبيّن أصحاب الاتجاه المثالي، أن القِيم والأخلاق والمبادئ المثالية، ولو تحققت بالمستوى الذي يرجونه؛ فإنها لا تقوى، بمفردها، على بناء حضارة.

      إن التطور مفهوم تاريخي، نسبي؛ ففي كلّ مرحلة تاريخية، توجد على سلم الحضارة شعوب أو مناطق متطورة، وأخرى متخلفة.



   
       

2. الفرق بين التطور الاجتماعي والتطور العضوي

      قابَل بعض علماء الاجتماع التطور الاجتماعي بنظيره العضوي، فاتضح الفارق بينهما على النحو التالي:

أ. إن مجال دراسة التطور الاجتماعي، هو الحياة الاجتماعية التقليدية، حيث تتراكم التغيرات المنبثقة من التغيرات الاجتماعية. أمّا التطور البيولوجي، فمجال دراسته هو البناء السلالي، أو الجنسي Race.

ب. إن التغير، الذي يحدثه التطور الاجتماعي، عادة ما يكون فجائياً، ويمكن ملاحظته. واستطراداً، فأيّ تغير في مجال الحياة الاجتماعية، يكون له أثر واضح في بقية الأجزاء المكونة للبناء الاجتماعي. أما في التطور البيولوجي، فيكون التغير تدريجياً؛ ومن ثمّ لا يمكن حساب المصادفات، التي تحدث في هذا النوع من التغير.

ج. إن التطور الاجتماعي، لا علاقة له بالتغيرات السلالية أو الوراثية. أمّا التطور البيولوجي، فعلاقته بها، في أغلب الأحيان، عامة؛ ولا تحدث تغيرات وراثية أساسية فقط.

د. إن التغيرات الاجتماعية، تقترن بالبيئة والثقافة؛ فللتعليم أثره الواضح في توظيف تجارب الآخرين. أمّا التغيرات البيولوجية، فليس لها أيّ اقتران بالبيئة والثقافة.

هـ. إن التراكم في طبيعة الحياة الاجتماعية، يكون واضحاً، وقابلاً للتحليل والتفسير. أمّا في مجال التطور البيولوجي، فيكون الاقتران سراً غامضاً؛ فالتغيرات الوراثية أو السلالية، ما زالت غير معروفة بشكل واحد.




3. اتجاهات دراسة التطور الاجتماعي

      يمكن حصر الاتجاهات الأساسية للتطور الاجتماعي، السائد بين علماء الاجتماع، في ما يلي:

أ. اتجاه يركز البحث في أصل النظُم وتطوير المجتمعات؛ وقد أخذ به كلٌّ من أوجست كونت وهربرت سبنسر وهوبنهاوس. فحاول سبنسر، مثلاً، اكتشاف نظرية تطورية، طبقها على الحياة الاجتماعية؛ إذ أشار إلى أنها تتطور من حياة بسيطة إلى حياة معقدة، ومن حياة متجانسة إلى حياة مختلفة ومتباينة، والمجتمع يتميز بتكامل الكلّ واختلاف الأجزاء.

ب. اتجاه يركز في دراسة الحياة الاجتماعية، في سيرها التقدمي؛ ويمثّله أوجست كونت بقانونه المعروف، قانون الأطوار الثلاثة، الذي ينص على أن التفكير البشري، قد مر بثلاث مراحل هي: مرحلة التفكير اللاهوتي (الديني)، وقوامه اعتماد العقل على التفسير الديني للظواهر؛ ثم مرحلة التفكير الميتافيزيقي (الفلسفي)، وعماده تفسير العقل للظواهر، ونسبها إلى معانٍ مجردة أو قوة عينية؛ ثم المرحلة (الوضعية)، التي يستند فيها تفسير العقل للظواهر إلى أسبابها والقوانين التي تحكمها. وقد أوضح كونت، أن هناك نوعاً من التوازن بين مراحل التطور العقلية وتلك الاجتماعية والسياسية.

ج. اتجاه يركز في دراسة حركة الحياة الاجتماعية، في خطها الدائري، كما عند ابن خلدون وفيكو وشبنجلر. فيرى الأخير، مثلاً، أن الحضارة كالكائن الحي، تمر في مراحل النمو نفسها التي يمر بها؛ إذ لكلٍّ منهما طفولته ونضجه، ثم شيخوخته. وشبّه مراحل العمر الأربع للحضارة، أحياناً، بفصول السنة الأربعة: الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء. وهو يرى أن المدنية هي خاتمة كلّ حضارة.

د. اتجاه التطورية المحدثة. ومن أهم الذين أسهموا في هذا المنحى الجديد: فالكون بارسونز وولت روستو؛ فرأى أولهما أن العملية التطورية، تتمثل في ازدياد القدرة التكيفية للمجتمع. وهي تنشأ من خلال عملية الانتشار الثقافي، أو من داخلها. وتتمثل عواملها في التباين، والتكامل، والتعميم. واستنتج ثلاثة مستويات تطورية، ينطوي كلٌّ منها على مجتمعات مختلفة: بدائية، ووسطية، ومتقدمة. وتعتمد عملية التمييز بين هذه المجتمعات الثلاثة على التطورات الحاسمة، التي تطرأ على عوامل النسق القِيمي. فالتحول من المرحلة الأولى إلى الثانية (أي من المرحلة البدائية إلى المرحلة الوسطية)، يتطلب تطوراً في اللغة المكتوبة. وهذا التطور، طبقاً لبارسونز، يزيد الفروق ويعمقها، بين الأنساق: الاجتماعية والثقافية؛ إذ يمنح الأنساق الثقافية استقلالاً أكبر. أمّا التحول من المرحلة الثانية إلى الثالثة، فإنه رهن بالتطور، الذي يطرأ على النسق القانوني؛ إذ إن النظام القانوني، يجب أن يكون على درجة عالية من العمومية والتنظيم. وبهذا، يلاحظ أن بارسونز، شأنه شأن التطوريين، قد اهتم بحصر مراحل تطورية معينة، تمر بها المجتمعات.

أمّا وولت روستو Rostow، فقد ذهب إلى أن المجتمعات البشرية، تمر بمراحل تطورية خمس أساسية، هي: المرحلة التقليدية البدائية، ثم مرحلة التهيؤ للانطلاق، ثم مرحلة الانطلاق؛ وما إن يستكمل المجتمع مقومات مرحلة الانطلاق، حتى يلج في مرحلة جديدة، هي مرحلة الاتجاه نحو النضج. وتُعد المراحل الأربع السابقة تمهيداً لمرحلة خامسة، هي مرحلة الاستهلاك الوفير.

      ولكلّ مرحلة خواصّها ومتطلباتها، التي يسهب روستو في الحديث بها. وقد وُصفت نظريته بأنها لا تشبه نظرية ماركس؛ لأنها تعتمد على أسلوب سلمي في التطور، وليس مدخل الصراع الطبقي، كما في الماركسية. ومن الملاحظ أن هذه النظرية تشابه نظرية بارسونز، في أنها تعمل على ترسيخ التخلف والتبعية في الدول النامية. كما أن أخطر ما تعانيه هو تجاهلها تاريخ كلٍّ من الدول: المتخلفة والمتقدمة على حد سواء، وفهْمه فهْماً خاطئاً؛ فللدول المتخلفة تاريخ، لا يقلّ عراقة وقدماً عن تاريخ الدول المتقدمة؛ كما أنها لا تعيش، الآن، الحياة التي كانت تحياها منذ قرون مضت.


   

المصادر والمراجع

1.   أحمد زكي بدوي، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.

2.   السيد بدوي، "مفهوم التطور، معجم العلوم الاجتماعية"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1975.

3.   دنيكن ميتشيل، "معجم علم الاجتماع"، ترجمة إحسان محمد الحسن، دار الطليعة، بيروت، 1981.

4.   عبدالباسط عبدالمعطي، عادل الهواري، "علم الاجتماع والتنمية، دراسات وقضايا"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985.

5.   محمد الجوهري وآخرون، "ميادين علم الاجتماع"، دار المعارف، القاهرة، 1984، الطبعة السادسة.

6.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية"، الإسكندرية، 1995.

7.      Goldthrope, J. E., The Sociology of Third World, Cambridge Uni, Press, London, 1973.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:22 pm

التنمية الاجتماعية


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2670   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2671   1. التنمية ورجال الاقتصاد
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2672   2. التنمية وأنصار التحديث
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2673   3. أيديولوجية التنمية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2674   4. التنمية وعلماء الاجتماع والسياسة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2675   5. التنمية ورجال الدين
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2676   6. التنمية وعلماء النفس
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2677   المصادر والمراجع




مقدمة

التنمية، بصفتها مفهوماً نظرياً وتطبيقياً عملياً، على ساحة الفكر العالمي ظهرت في النصف الثاني من القرن العشرين؛ نتيجة لمتغيرات عدة، أهمها: تزايد حركات الاستقلال الوطني من ناحية، واتساع حركة المد الاشتراكي. وأصبحت شعاراً للطموح والجهد والإنجاز، على المستويَين: القومي والعالمي.

ثم اكتسبت القضايا المرتبطة بالتنمية مزيداً من اهتمام الباحثين والمخططين وتركيزهم؛ حتى إنهم اختلفوا في غاياتها وأهدافها، فتعددت وتباينت أنماطها ومستوياتها. من ثَم، أصبح ضرورة لكلّ منهم، قبل الخوض في موضوعاتها، أن يحدد المستوى الذي يعمل في إطاره، ومدلول التنمية الذي يستخدمه.

لذا، امتنع ساندرز عن تعريف مفهوم التنمية، وآثر تركه ليعني ما يعنيه، وفقاً لمقصد كلّ باحث، في أيّ بلد من بلدان العالم.


       
1. التنمية ورجال الاقتصاد

ظلت التنمية، بمعنى تطوير الاقتصاد، موضوعاً، ينتمي إلى دراسات الاقتصاديين؛ فاقتضت، بداية، تحديد أيّ الإستراتيجيات الاقتصادية هي أجدى، وأيها أكثر ملاءمة، ويمكن الاستفادة منها في بناء تنمية اقتصادية وطنية، حسب موارد المجتمع وطبيعة خصائص اقتصاده.



       
2. التنمية وأنصار التحديث

قدّم دوز ساندرز عدة مبادئ أساسية للتنمية:

أ. تعني التنمية التقدم نحو أهداف محددة تحديداً ملائماً، تمليه ظروف الإنسان والمجتمع الخاصة؛ فهي، إذاً، توجد في كلّ المجتمعات المعاصرة. وهذا النموذج، يعرف بأنه مجتمع حديث صناعي جماهيري.

ب. تحقق الدول النامية هذا النموذج (المجتمع الحديث)، في حالة القضاء على العوائق: السياسية والاجتماعية والثقافية والنظامية، مثل تلك الناجمة عن وجود الجماعات التقليدية أو الإقطاعية وغيرها.

ج. يسمح التركيز في العمليات: الاقتصادية والسياسية والسيكولوجية، بتعبئة الطاقات القومية الرشيدة.

د. يَسهم تنسيق القوى: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، في دعم التنمية، حتى تصبح نموذجاً يحتذى، ويوجه المشورة والنصح، في مجال التوجهات الأيديولوجية، التي تنظم إدارة الأمم للتنمية.

في ضوء ذلك، عمد ديفيد هاريسون إلى تعريف التنمية، من منطلق التحديث، بأنها تغير وتحسن جذريان، مقيّمان تقييماً إيجابياً في مجمل الخبرة الإنسانية. وهكذا، فإن التنمية حالة مرغوب فيها، سواء تحققت أو لم تتحقق في إطار اجتماعي، يخالف سابقه.

وعلى هذا الأساس، فإن التنمية تنطوي على توسع كبير، في كلّ مجالات القدرات والأنشطة الإنسانية، وبخاصة المجالات: الروحية والفكرية والتكنولوجية والاقتصادية والمادية والاجتماعية. ويقصد بالمجالات الاجتماعية تنشيط أعداد من البشر، متزايدة باستمرار، للمشاركة في مجالات العلاقات الإنسانية؛ لتحقيق أهداف متجددة، وأداء وظائف مستحدثة باستمرار؛ فضلاً عن المشاركة الإيجابية الفعالة في المشاورات وعمليات اتخاذ القرار في شأن تحديد أهداف التنمية؛ وكذلك المشاركة في الانتفاع بثمرات الإنجازات التنموية.

إذاً، لا يجوز قصر التنمية على عملية النمو الاقتصادي، كما رأى الاقتصاديون؛ وإنما يجب أن تمتد، لتشمل ضرورة إحداث تغيير ثقافي عام، وتغييرات محددة في البناء الاجتماعي القائم؛ إذ إن كليهما يؤثر في الآخر ويتأثر به. وعلى هذا، عرّفت التنمية الاجتماعية Social Development بأنها الجهود، التي ترمي إلى إحداث سلسلة من التغيرات: الوظيفية والهيكلية، اللازمة لنمو المجتمع؛ وذلك بزيادة قدرة أبنائه على استغلال الطاقة المتاحة، إلى أقصى حدّ ممكن، ليحققوا أكبر قدر من الحرية والرفاهية، يتخطى معدل النمو الطبيعي.

تقتضي ظروف المجتمعات النامية، أن يكون لمفهوم التنمية شقان:

الشق الأول: علمي، يتعلق بالتحديث العلمي والحضاري للمجتمع؛ وذلك باستيعاب الأساليب العلمية الحديثة وتطبيقها، في الإنتاج والصحة...

الشق الثاني: اجتماعي، سياسي، يتعلق بإعادة صياغة البناء الطبقي داخل المجتمع، في اتجاه تقلُّص الفوارق بين الطبقات؛ وإعادة بناء معايير التقييم الاجتماعي، لترسو على أساس العلم والعمل، والإسهام في نمو المجتمع إلى أعلى مستوى. كما يتعلق بمعايير توزيع الدخل وعائد التنمية على المواطنين، ورفع مستواهم، الاقتصادي والاجتماعي.

وبقول آخر، فإن التنمية الاجتماعية في المجتمعات النامية، تتضمن تحريك الموارد كافة: المادية والبشرية والمالية، تحريكاً، يحقق أعلى مستوى اقتصادي ممكن، وأكبر قدر من العدالة الاجتماعية. ويرجع ذلك إلى أن التنمية، لا تقتصر على المجال الإنتاجي وحده؛ ولأن أسلوب توظيف عائد التنمية، ونوعية المشاركة السياسية، وتشكيل بناء القوى الاجتماعية، هي رهن باستقرار المجتمع، وحسم صراعاته الداخلية؛ الأمر الذي يمنح التنمية مزيداً من الطاقات الدافعة.


       

3. أيديولوجية التنمية

برزت ثلاثة اتجاهات، ذات طابع أيديولوجي؛ تسيطر على طبيعة التنمية، في العالم المعاصر:

أ. الاتجاه المحافظ: يرفض البعد التاريخي في دراسة المجتمعات، فلا يقرن بين النمو الاقتصادي والتنظيم الاجتماعي قرناً واضحاً. ويقترن بهذا الاتجاه المنظور البرجماتي (النفعي)، الذي يرفض التحليل الجدلي للواقع الاجتماعي التاريخي؛ إذ يرى أن الواقع الاجتماعي الممكن، هو الواقع القائم.

ب. الاتجاه الوضعي: يقول بإمكانية تحقيق التنمية، من خلال تعديلات وظيفية، من دون المساس بتكامل النسق الاجتماعي القائم واستمراريته وتوازنه.

ج. الاتجاه الماركسي: يركز في تغيير الأساس الاقتصادي ـ المادي للمجتمع، وما يستتبع ذلك من تغيرات مصاحبة في بنائه الفوقي ونُظُمه الأساسية؛ واستطراداً، فإن طريق التنمية هو التغير الشامل للمجتمع.




       
4. التنمية وعلماء الاجتماع والسياسة

يميل علماء الاجتماع والسياسة إلى جعْل التنمية عملية تحديث. ويركزون اهتمامهم في تطوير المؤسسات: الاجتماعية والسياسية. كما تعني لدى المصلحين الاجتماعيين: توفير التعليم، والصحة، والمسكن الملائم، والعمل الموائم لقدرات الإنسان، والدخل الذي يوفر له احتياجاته، والأمن، والتأمين الاجتماعي، والترويح المجدي، والقضاء على الاستغلال وعدم تكافؤ الفرص، والانتفاع بالخدمات الاجتماعية؛ مع الاحتفاظ لكل مواطن بحق الإدلاء برأيه في كلّ ما سبق، وفيما ينبغي أن يكون عليه مستوى أدائه.

وتعني التنمية، لدى المعنيين بالعلوم السياسية، الوصول بالإنسان إلى حدٍّ أدنى لمستوى المعيشة، لا ينبغي له أن ينزل عنه؛ لأنه حق لكلّ مواطن، تلتزم به الدولة، وتعززه الجهود الأهلية، لتحقيق كفاءة استخدام الإمكانيات المتاحة. ناهيك من أنها تعني استنباط الحلول الذاتية، لسد الثغرات، التي تبدو على مستوى هذا الحدّ، مما لا تسعفها موارد الدولة.




5. التنمية ورجال الدين

تعني التنمية، عند رجال الدين الحفاظ على كرامة الإنسان؛ لكونه خليفة الله في أرضه. وذلك يتضمن تحقيق العدالة: القانونية والاجتماعية والاقتصادية؛ والتعاون على المستويات كافة؛ وتأكيد المشاركة في كلّ ما يتصل بحياة الإنسان ومستقبله؛ وتنظيم المجتمع، من الأسرة إلى الوسط المحلي فالوطن برمّته.




6. التنمية وعلماء النفس

يميل علماء النفس إلى تأكيد العلاقة الطردية بين التنمية الاقتصادية والدوافع النفسية، الحافزة إلى الإنجاز. كما أن التنمية، من وجهة نظرهم، تعتمد على توافر أعداد المنظمين وأصحاب المشروعات Entrepreneurs، ذوي التركيب النفسي الخاص، الذي يدفعهم إلى الرغبة في الكسب والعمل والاجتهاد والابتكار والمخاطرة؛ تحقيقاً للكسب المادي، وتحسين مركزهم الاجتماعي. كما يرى ديفيد ماكليلاند Macleland، أن هناك عوامل أخرى، ينبغي للمجتمع أن ينجزها، إذا أراد أن يحقق تنمية اقتصادية سريعة؛ من أهمها ضرورة تغيير القِيم السائدة، من خلال دعم حرية الصحافة، وحرية المرأة، وبرامج التربية الاجتماعية، وجهود التصنيع؛ إضافة إلى أهمية الشعور بالدافع إلى الإنجاز.

تعقيب

إزاء هذا الاختلاف في تعريف التنمية، من وجهة نظر الاقتصاديين وأنصار التحديث والاجتماعيين والسياسيين ورجال الدين وعلماء النفس؛ وبناء على تعدد أيديولوجياتها، حدد فوستر كارتر مفهوم التنمية الاجتماعية تحديداً شمولياً وواضحاً، بثلاثة أنماط أساسية:

1. التنمية الاجتماعية: تتضمن الإشباع الفوري للحاجات الأساسية، الذي يشمل، في حدِّه الأدنى، الحاجة إلى الطعام والمأوى والملبس والخدمات الأساسية، كمياه الشرب، والصرف الصحي، والتعليم والصحة والنقل، وفرص العمل؛ يطاول حدّه الشمولي عوامل أخرى، مثل: اتخاذ القرار وحقوق المرأة والأقليات.

2. التنمية السياسية: تعنى التحرر من الاستغلال، وتحقيق الاستقلال الذاتي، وسيطرة الإنسان على مقدراته.

3. التنمية الثقافية: تشتمل على إحداث تغيرات ثقافية جذرية، وإخضاع أهداف التنمية الاقتصادية للأولويات الثقافية.




المصادر والمراجع

1.   أحمد زكى بدوى، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.

2.   اندرو وبستر، "مدخل إلى علم اجتماع التنمية"، ترجمة عبد الهادي والى، والسيد الزيات، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1992.

3.   جهينة العيسى وآخرون، "علم اجتماع التنمية"، دار الأهالي، دمشق، 1999.

4.   ديفيد هاريسون، "علم اجتماع التنمية والتحديث"، ترجمة محمد عيسى برهوم، دار صفاء للنشر والتوزيع، عمان، الطبعة الأولى، 1998.

5.   عبد الباسط عبد المعطى، عادل الهواري، "علم اجتماع التنمية"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985.

6.   عبد الباسط محمد حسن، "التنمية الاجتماعية"، مكتبة وهبة، القاهرة، 1998.

7.   عبد المنعم شوقي، "مقدمة كتاب مجتمع الإنجاز: الدوافع الإنسانية للتنمية الاقتصادية"، تأليف ديفيد ماكليلاند، ترجمة عيد فرح وعبد الهادي الجوهري، نهضة الشرق، القاهرة، 1975.

8.   محمد الجوهري، "علم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث"، دار المعارف، القاهرة، الطبعة الرابعة، 1985.

9.   نبيل السمالوطي، "قضايا التنمية والتحديث في علم الاجتماع المعاصر"، دار المطبوعات الجديدة، القاهرة، 1990.

10.  Foster – Carter, A. the sociology of development causeway press Ltd., England , 1986.

11.  Sanders, E., Frontiers of community development, Research and Action, Wisconsin, N. Y., 1958.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:23 pm

التنمية البشرية


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2678   التنمية البشرية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2679   المصادر والمراجع



       

التنمية البشرية Human Development

بعد اتساع مفهوم التنمية وشموله مجالات عديدة: منها: التنمية: الإدارية والسياسية والثقافية، والتنمية المستدامة؛ لم تضِق ساحة الجدل التنموي المعاصر عن مفهوم التنمية البشرية، بل جعلتها في صدارة ما يدور من نقاش حول التنمية العالمية.

واعتُمِدت جزءاً من الإستراتيجيات الإنمائية لمختلف بلدان العالم، ابتداء من بنجلاديش إلى غانا إلى باكستان إلى كولومبيا. وأمست عاملاً مهماً في المناقشات الخاصة بالمعونة الدولية. وغدت، في سبعينيات القرن العشرين، لُبّ الإستراتيجية الإنمائية للأمم المتحدة.

          وقد عَرَّف التقرير الأول، الصادر عام 1990، التنمية البشرية، بأنها عملية توسيع اختيارات الشعوب، وتستهدف أن يتمتع الناس بمستوى مرتفع من الدخل، وبحياة طويلة، وصحية؛ وتنمية القدرات الإنسانية، من خلال توفير فرص ملائمة للتعليم.

          ومن الخطأ الظن أن التنمية البشرية، إنما تركز في القدرات الإنسانية فقط؛ حتى اعتقد بعض الناس أنها تقتصر على القطاعات الاجتماعية، كالصحة والتعليم، وهي استثمارات حيوية، بالطبع، ولكنها ليست إلا جزءاً واحداً من الصورة الكاملة. فالتنمية البشرية، ليست قاصرة على أيّ قطاع بذاته. فهي لا ترتكز على القضايا الاجتماعية دون تلك الاقتصادية. ومن الخطأ، كذلك، الظن أنها لا تنطبق إلا على الاحتياجات الأساسية، وعلى الدول الفقيرة. وهو ادعاء غير صحيح، إذ إنها تنطبق على جميع البلدان، أيّاً كان مستواها الإنمائي؛ فللناس، في كلّ مكان، احتياجات وتطلعات، وإنْ اختلفت باختلاف تلك البلدان.

          على هذا، يلاحظ أن المفهوم الذي طرحه تقرير التنمية البشرية، يجمع ما بين إنتاج السلع وتوزيعها، وبين توسيع القدرات البشرية والانتفاع بها. كما يتضح أن مفهوم التنمية البشرية، اقترن بالنمو الاقتصادي؛ وعُدَّ مؤشر النمو الاقتصادي أحد المؤشرات المركزية لدليل التنمية البشرية.

          ويؤكد تقرير التنمية، عام 1991، ذلك، بقوله إن التنمية البشرية تتطلب نمواً اقتصادياً؛ ومن دونه، لن يكون من الممكن تحقيق تحسين متصل في الأحوال البشرية عموماً.

          كما اقترن مفهوم التنمية البشرية، كذلك، بتحسين شروط الحياة، المادية والنوعية؛ واعتُمدت مؤشرات كمية لقياس ذلك التحسين (الدخل، الصحة، المعرفة). وانبثق منها تأكيد مؤشرات كيفية لقياس نوعية الحياة (حقوق الإنسان، المشاركة السياسية الفعالة، الأمن: الفردي والاجتماعي والقومي).

          وأكد تقرير عام 1992، أن الحرية السياسية عامل مهم من عوامل التنمية البشرية. كما ركز تقرير عام 1993 في المشاركة، بمعنى اشتراك الناس، عن كثب، في العمليات: الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، التي تؤثر في حياتهم. وأخيراً، شدد تقرير عام 1994 على الأفق الزمني، والعدالة بين الأجيال، من خلال تشديده على ضرورة اطّراد تحسين مؤشرات النمو والتحول؛ وفي ذلك تأكيد أن التنمية ليست حالة طارئة، وإنما اتجاه مستمر ودائم في النمو. ويصف تقرير عام 1994 التنمية البشرية، بأنها نموذج للتنمية، يمكّن جميع الأشخاص من توسيع نطاق قدراتهم البشرية إلى أقصى حدّ ممكن، وتوظيفها أفضل توظيف، في جميع الميادين. وهو يحمي كذلك خيارات الأجيال، التي لم تولد بعد. ويخلص التقرير إلى أن التنمية المستدامة، تعالج الإنصاف داخل الجيل الواحد، وبين الأجيال المتعاقبة.

          وعلى هذا، بات مفهوم التنمية غير مقتصر على زيادة إنتاج السلع أو مستويات الدخل، وتوزيع الموارد، ومعدلات العمالة أو التنمية في المجالات التي تؤديها. لذا، يجب أن تُفهم التنمية من خلال أبعاد الحياة الإنسانية: الاجتماعية والثقافية والاقتصادية.

          بذلك، تطور مفهوم التنمية، ليشمل مجالات عديدة؛ منها التنمية: الإدارية والسياسية والثقافية؛ ويكون الإنسان هو القاسم المشترك في جميع المجالات السابقة. فتطور الأبنية: الإدارية والسياسية والثقافية، له مردوده على عملية التنمية الفردية، من حيث تطوير أنماط المهارات والقِيم، والمشاركة الفعالة للإنسان في عملية التنمية، إلى جانب الانتفاع بها.

          وبفضل المفهوم الأخير للتنمية البشرية، أمكن إدخال خصائص جديدة، يمكن قطاعات اجتماعية مختلفة المساهمة في تطويرها؛ ما يبين أن عملية التنمية البشرية في المجتمع، إنما هي عملية متكاملة في عواملها الأساسية. إذ تهتم بتطوير خصائص الإنسان وطاقاته: الذاتية والمكتسبة، واستثمارها الاستثمار الأمثل، من خلال اتِّباع سياسات تنموية، توفر مستويات: معيشية وصحية، مرتفعة؛ ونوعية معينة للحياة، تلبي حاجات الإنسان والمجتمع، في العصر الحديث، من خلال الاعتماد على أسلوب التخطيط بعيد المدى.

          يوضح التعريف الأخير، أن مفهوم التنمية البشرية، يجمع ما بين أهداف تحقيق منهج تلبية الاحتياجات الأساسية، مثل: الغذاء والمأوى والرعاية الصحية، لجميع فئات السكان. ويتعدى أهداف منهج الرفاهية الاجتماعية، الذي يقتصر على كون البشر منتفعين بعملية التنمية أكثر من كونهم مشاركين فيها، إلى أهداف تضمن لهم تطوير قدراتهم ومشاركتهم الدينامية فيها. وعلى هذا، يمثل منهج التنمية البشرية الركيزة الأساسية، التي يعتمد عليها المخططون وصانعو القرار، لتهيئة الظروف الملائمة لإحداث التنمية: الاجتماعية والاقتصادية. يمكن القول، إذاً، إن منهج التنمية البشرية هو المنهج، الذي يهتم بتحسين نوعية الموارد البشرية في المجتمع، وتحسين النوعية البشرية نفسها.

          وتتمثل أهم عوامل التنمية البشرية في ما يلي:

1. الأوضاع السكانية: الاستغلال الأمثل للموارد البشرية.

2. الأوضاع الصحية: تحسّن مستويات الرعاية الصحية، وانخفاض الوفيات، وارتفاع معدلات توقع الحياة.

3. الأوضاع السكنية: ارتفاع مستويات المعيشة، وانخفاض الكثافة السكانية.

4. أوضاع العمل: تطور تقسيم العمل، وارتفاع المهارات: الفنية والإدارية.

5. أوضاع التعليم: تطور برامج التعليم، وتنوع التخصصات.

6. الأوضاع التكنولوجية: استخدام التكنولوجيا المتقدمة وتوطينها.

7. الأوضاع الإدارية: تطور أساليب الإدارة واعتماد أسلوب التخطيط.

8. الأوضاع الاجتماعية: نمو ثقافة العمل والإنجاز، وتغير المفاهيم المقترنة ببعض المهن والحِرف.

9. الأوضاع الطبقية: مرونة البناء الاجتماعي، والمساواة الاجتماعية.

10. الأوضاع السياسية: عدم احتكار السلطة، وتحقق الديموقراطية.

          بهذا يتضح، أن التعريف الشامل لعملية التنمية البشرية، يتضمن البشر، بوصفهم وسيلة التنمية وغايتها. كما يتضمن أهمية تكامل عواملها، من خلال توسيع مدلولها، ليشمل، إضافة إلى أهداف تحسين نوعية الحياة للسكان ككل عامة، أهدافاً أخرى، مثل تطوير مساهمة الموارد البشرية في عملية التنمية. بناءً على ذلك، فقد استقر الأمر على تعريف التنمية البشرية، بأنها العملية، التي تتيح للناس نطاق خيارات أوسع؛ يتضمن تنمية الناس، والتنمية من أجل الناس، والتنمية بواسطة الناس. وتعني تنمية الناس الاستثمار في القدرات الإنسانية، سواء في التعليم أو الصحة أو المهارة؛ وهكذا، يستطيعون أن يعملوا على نحو منتج، ومبدع. وتتطلب التنمية من أجل الناس، أن يُوزَّع النمو الاقتصادي، الذي يتحقق على نطاق واسع، على أساس عادل. وتعني التنمية بواسطة الناس، أن تتاح الفرص لكل إنسان للمشاركة في عملية التنمية.



       
المصادر والمراجع

1.   برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، "تقرير التنمية البشرية لعام 1992"، نيويورك، مطبعة أكسفورد، 1992.

2.   على خليفة الكواري، "تنمية للضياع أم ضياع لفرص التنمية (محصلة التغيرات المصاحبة للنفط في بلدان مجلس التعاون)"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، مايو 1996، الطبعة الثانية.

3.   كلثم على الغانم، "مشكلات التنمية البشرية في الدول النامية"، مجلة شؤون اجتماعية، العدد 54، جمعية الاجتماعيين، الإمارات، السنة 14، 1997.

4.      U.D.P. Human Development in The Arab Region, Human development Report office, N.Y, June, 1993.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:26 pm

التفاعل الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2680   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2681   1. أهمية التفاعل الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2682   2. العوامل المؤثرة في التفاعل
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2683   المصادر والمراجع


       

مقدمة

          إذا كنت سائراً في طريقك، وظهر أمامك شخص ما، وعندما اقترب منك، نظرت إليه، وبادلك النظرات، وابتسمت له، ورد عليك ابتسامتك؛ عندئذٍ، أدركت أنك تعرفه، فتوجهت نحوه، وتوجه نحوك، ومددت يدك للسلام، فسلم عليك؛ وتبادلتم بعض الأحاديث، مستخدمَين الكلمات والعبارات والإيماءات والإشارات وغيرها. فذلك موقف اجتماعي Social situation، شأنه شأن المدرس مع تلاميذه، والأمّ مع وليدها، والطبيب مع مريضه.

          والموقف الاجتماعي هو عدة منبهات اجتماعية Social stimuli متفاعلة، تقدمها البيئة الاجتماعية لأبنائها. وتؤدي تلك المنبهات إلى استثارة استجابات اجتماعية Social responses، لدى المشاركين في هذا الموقف.

          ما حدث بين الصديقَين، أو بين المدرس والتلاميذ، أو بين الطبيب والمريض، هو ما يعرف بالتفاعل الاجتماعي Social Interaction ، أيْ تبادل الأشخاص سلوكاً، يصدر عن كلٍّ منهم، بحضور الآخر، فيؤثر فيه، ويتأثر به. بعبارة أخرى، هو العملية التي بواسطتها يُلاحَظ المرء واستجابته للآخرين، الذين يلاحظونه، بدورهم، ويستجيبون له؛ أي أن استجابته تكون هي نفسها منبهاً لهم، فيستجيبون له استجابات، تصبح، بدورها، منبهاً له. فعندما يشرح المدرس الدرس لتلاميذه، يعرضهم لعديد من المثيرات والمنبهات الاجتماعية (كحديثه ـ إيماءاته ـ إشاراته ـ حركاته)، فيستجيبون له بإظهار الاهتمام والحماس، أو الكسل وعدم الاهتمام؛ وتلك الاستجابات، تصبح مثيراً جديداً له، فيزداد، في التوضيح والأمثلة والحركة، مثلاً؛ أو ينتابه الملل، ويختصر الحديث. وهكذا يكون سلوك كلٍّ منهما منبهاً للآخر، ومؤثراً فيه.

          ولا يقتصر التفاعل الاجتماعي على ما يدور بين شخص وآخر، بل قد يكون بين جماعة وأخرى. ففريق كرة القدم، يمثل جماعة، تتفاعل مع الفريق الآخر أو الجماعة الأخرى. كما بينت الدراسات، أنه إذا تولت أداء عمل واحد جماعتان، كلٌ على حدة؛ ولكن إحداهما ترى الأخرى، وتعلم بوجودها (جماعات العمل معاً) Co-action، فإن ذلك يؤثر على الأداء والإنتاجية.




1. أهمية التفاعل الاجتماعي

      يسهم التفاعل الاجتماعي في تكوين سلوك الإنسان؛ فمن خلاله، يكتسب الوليد البشري خصائصه الإنسانية، ويتعلم لغة قومه، وثقافة جماعته وقِيمها وعاداتها وتقاليدها، من خلال عملية التطبيع الاجتماعي Socialization.

      التفاعل الاجتماعي ضروري لنمو الأطفال السوي. فلقد بينت الدراسات، أن أطفال الملاجئ، يتأخر نموهم؛ لكثرتهم عند كلِّ مشرفة، ما لا يوفر فرصاً كافية للتفاعل الاجتماعي، بينها وبين كلِّ طفل، على حدة.

      يهيئ التفاعل الاجتماعي الفرص للأشخاص، ليتميز كلٌّ منهم بشخصيته، ذاتيته؛ فيظهر المخططون، والمنفذون، والمبدعون، والمعوقون، والعدوانيون. كما يكتسب المرء القدرة على التعبير والمبادرة والمناقشة.

      يُعَدّ التفاعل الاجتماعي شرطاً أساسياً لتكوين الجماعة، إذ ترى نظرية التفاعل أنها نسق من الأشخاص، يتفاعل بعضهم مع بعض؛ ما يجعلهم يرتبطون معاً في علاقات معينة؛ ويكون كلٌّ منهم على وعي بعضويته في الجماعة، ومعرفة ببعض أعضائها؛ ويكونون تصوراً مشتركاً لوحدتهم.

      يؤدي التفاعل الاجتماعي إلى تمايز شرائح الجماعة، فتظهر القيادات: الرسمية وغير الرسمية، والمنعزلون، والمنبوذون، والجماعات الصغيرة (كالثنائيات).

      ويساعد التفاعل الاجتماعي على تحديد الأدوار الاجتماعية، أو المسؤوليات، التي يجب أن يضطلع بها كلّ إنسان. ففي جماعات المناقشة، يؤدي التفاعل إلى إبراز أدوار المشاركين وتعميقها، مثل: موجه المناقشة، وقائدها، والمستوضح الذي يطلب إيضاحات لنفسه ولسائر الأعضاء، والمقرر الذي يسجل ما تتفق عليه الجماعة، من آراء وقرارات.

      ينشأ عن التفاعل الاجتماعي ثلاثة أنماط من العلاقات الاجتماعية: علاقة إيجابية متبادلة (علاقة تجاذب)؛ أو علاقة سلبية متبادلة (علاقة تنافر)؛ أو علاقة مختلطة؛ تجمع بين السلب والإيجاب، أحد طرفَيها إيجابي، يقبِل على الآخر، والطرف الثاني سلبي، ينفر من الأول. وهذا معناه أن التفاعل الاجتماعي، يحدد درجة الجاذبية المتبادلة بين الأشخاص بعضهم مع بعض، وبينهم وبين الجماعات. فكلّما ازداد معدل الاتصال والتفاعل، بين إنسان وآخر، ازداد فهْماً له، وإدراكاً لخصائصه، ولدرجة التشابه أو الاختلاف بينهما؛ ما يؤثر، بالسلب أو الإيجاب، في الجاذبية المتبادلة بينهما. كذلك يمثل تفاعل المرء مع جماعته درجة انجذابه إليها؛ فالجماعة التي تشعر أعضاءها بالاحترام والهيبة والنجاح، وتتيح فرص المشاركة الملائمة لكلٍّ منهم، يزداد انجذاب الأعضاء نحوها.



   

2. العوامل المؤثرة في التفاعل

      يتأثر التفاعل الاجتماعي بدرجة التشابه بين ثقافة الأشخاص المشاركين فيه. فكلّما ازداد التشابه الثقافي بين طرفَين، ازداد التفاعل بينهما؛ فتفاعل العربي مع العربي، يكون أكبر من تفاعل العربي مع الأمريكي.

      ويتأثر التفاعل بصفات المتفاعلين وخصائصهم. فكلّما اتصف طرف التفاعل بالإخلاص والصراحة، وحُسن الخلق والتعاون والتسامح، وسعة الأفق، كان أكثر تقبلاً من الآخر؛ ما يزيد التفاعل بينهما. وكلّما اتصف بالانحلال الأخلاقي، والحقد والأنانية، وسوء السمعة، وعدم احترام الآخرين وضيق الأفق، أمعن الطرف الآخر في نبذه. وكلما اتصف بالانصراف عن التفكير الجماعي، ولجأ إلى حب العزلة، وعدم المشاركة في الاهتمامات، والأخذ بالآراء الرجعية، أصبح معزولاً عن أطراف التفاعل.

      يتضمن التفاعل التوقع. فالمدرس يشرح لتلاميذه، ويتوقع منهم الانتباه لما يقوله، ومناقشته في ما لا يفهمونه. وعند مقابلتك زميلك، تتوقع منه أن يحييك برفع يده، أو هز رأسه، فتستعد للاستجابة له. ولكن، إذا حدث ما يخالف توقعك، فإن التفاعل يتزايد، ويأخذ وجهاً آخر. فإذا اتجهت نحو صديقك، ولكنه انصرف عنك، فإنك قد تناديه لتسأله، أو تندد به، وتنتقد تصرفه.

      يتضمن التفاعل الاجتماعي إدراك الدور الاجتماعي، الذي يؤديه الطرف الآخر، في ضوء المعايير الاجتماعية. فإذا التبس ذلك الدور أو اختل، اتخذ التفاعل صورة مخالفة. فمن مكونات الدور الاجتماعي للأمّ رعاية وليدها، فإذا أعرضت عن ذلك، اتسم التفاعل بينها وبين وليدها من ناحية، وبينها وبين زوجها، بسِمة تخالف ما هو متعارف عليه، في ضوء المعايير الاجتماعية السائدة.

      لكل امرئ منطقة، تحيط به، تعرف بالحيز الشخصي Personal space؛ يحرص على إغلاقها دون أيّ شخص آخر. فإذا حدث العكس، اخترقها مرء آخر، عنوة، شعر بالضيق، وعمد إلى إجراءات، تعيد إلى الحيز الشخصي وضعه الطبيعي، وتحقق له الراحة. هكذا، يتكون التفاعل الاجتماعي بناءً على مساحة ذلك الحيز، المحيط بالمرء، واختراقها أو عدمه، واحترام خصوصيتها. ففي الصف المنتظم أمام شباك تذاكر معين، يحرص كلٌّ على حيزه الشخصي؛ فإذا حدث خلل ما، طلب الشخص من الطرف الآخر إصلاحه، أو ابتعد عنه مسافة، تكفل له الراحة.

      يتضمن التفاعل الاجتماعي تبادل رسائل: لفظية وغير لفظية، بين الطرفَين؛ وإذا حدث خلل في نقلها، يختل التفاعل. ففي حالة كف البصر أو الصمم، يتخذ وجهاً مغايراً لما هو متعارف عليه. كما يختل إذا قصد المرسل معنى معيناً لرسالته، فَهِمَه المستقبِل فهماً مغايراً أو مخالفاً للمقصود؛ لعدم وضوح الرسالة أو لغموضها، أو لنقص خبرة المستقبِل، أو لأخطاء في الإدراك.

      للتنظيم المكاني، أو طريقة الجلوس أثرها في التفاعل الاجتماعي. فعندما يجلس أعضاء جماعة إلى مائدة مستديرة، تميل كلّ فئة منهم إلى مخاطبة تلك التي تواجهها، وليس الأشخاص المجاورين لها. وحينما تستخدم المناضد المستطيلة، تبين أن من يجلسون إلى رأس المائدة، تزداد مشاركتهم في قرار الجماعة، كلّما أنِسوا في أنفسهم، أنهم أعمق تأثيراً فيه من أولئك الجالسين إلى الجانبَين.

      مادام التفاعل الاجتماعي يتضمن إمكانية تأثير كلّ طرف في الآخر، فإن هذا التأثير رهن بنتائج التفاعل، التي يمكن تحديدها بالإثابات Rewards والتكاليف Costs. فعندما يتفاعل شخصان معاً، فإن كلاً منهما يستمتع بجانب من التفاعل، ويشعر بالسرور والرضا والإشباع (إثابات)؛ في حين أن جوانب أخرى، قد تكون أقلّ إمتاعاً، وتؤدي إلى كف أو منع الأداء (تكاليف). وتحدد الحصيلة النهائية للتفاعل بالإثابات مطروحاً منها التكاليف. وتقدَّر كلتاهما بناء على عوامل مستمدة داخل علاقة الطرفين نفسها أو من خارجها. فلو أن موسيقيَّين يعزفان معاً لحناً معيناً، فقد يستمتعان بتفاعلهما، إذا كانا متجانسَيْن (إثابات). أمّا إذا حاول أحدهما أداء أنغام غير متفق عليها، فإن ذلك سيكون مكلفاً لكلٍّ منهما. وفي هذه الحالة، تكون الإثابات والتكاليف مستمدتَيْن من داخل العلاقة بين الطرفَين.

      ولو أن أحد الموسيقيَّين ماهر، فإنه قد يشعر بالمتعة في الأداء، بحضور الآخرين. أمّا إذا كان غير ماهر، فإنه لا يجد بحضورهم المتعة في الأداء (تكلفة). وفي هذه الحالة، تكون الإثابات والتكاليف مستمدتَيْن من خارج العلاقة بين الطرفَين.

      وللقيادة دور مهم في تكوين التفاعل الاجتماعي؛ فإذا كان القائد مسيطراً، اتصف التفاعل بالتواكلية، وعدم الاهتمام، والتبلّد الانفعالي، والعنف والمعاداة وعدم الرضا. وإذا كان القائد فوضوياً، ازداد قلق الأشخاص وتوترهم؛ نتيجة لفشلهم في إشباع حاجتهم الإنجاز والنجاح. وإذا كان القائد ديموقراطياً، اتسم التفاعل بالإيجابية والحماس والمشاركة، والشعور (بالنحن) أيْ بالجماعة المتحدة المتماسكة المترابطة، وبالعقل الجمعي، وبالصداقة.

      تمر الجماعات بمراحل نمائية معينة، ويتميز التفاعل الاجتماعي، في كلّ مرحلة منها، بخصائص محددة. فيكون، في البداية، عشوائياً، وفي ثنائيات أو جماعات صغيرة. ثم يصبح تجريبياً، إذ يختبر المتفاعلون أنماطاً منه وأساليب معينة. كما يكون مضطرباً، ثم يقلّ الاضطراب، ويزداد التمركز حول العمل والجماعة؛ عندئذٍ، تصل إلى أعلى إنتاجيتها.

          إذاً، يمكن توجيه التفاعل بالتحكم في العوامل، التي تؤثر فيه.




   

       
المصادر والمراجع

1.   حامد زهران، "علم النفس الاجتماعي"، عالم الكتب، القاهرة، 1977، الطبعة الرابعة.

2.   حسين عبد العزيز الدريني، "الجماعات الصغيرة والإحباط"، حولية كلية التربية جامعة قطر، 1984 العدد الثالث.

3.   حسين عبد العزيز الدريني، "المدخل إلى علم النفس"، القاهرة، دار الفكر العربي، 1983، الطبعة الأولى.

4.   صفوت فرج، "دلالات قيمية لمقياس الاستجابات المتطرفة"، قراءات في علم النفس الاجتماعي، إعداد لويس كامل مليكة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1979.

5.   مارفن شو، "ديناميات الجماعة، دراسة سلوك الجماعة الصغيرة"، ترجمة مصري حنورة، محيى الدين احمد حسين، دار المعارف، القاهرة، 1996.

6.   مصطفى سويف، "مقدمة لعلم النفس الاجتماعي"، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1970، الطبعة الثالثة.

7.   منيرة حلمي، "التفاعل الاجتماعي"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1978.

8.      Cartwright, D. & Zander, A. group dynamics , Harper & Row Pub. New York , 1968.

9.      Tuckman B. Developmental sequence in small group , psychological Bulletin, 1996, V,63.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:30 pm

التنشئة الاجتماعية


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2684   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2685   1. أهمية التنشئة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2686   2. أساسيات التنشئة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2687   3. الفرد والجماعة أثناء التنشئة الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2688   المصادر والمراجع



       
مقدمة

إذا سافرت إلى بلد غير عربي، فإنك ستواجه بأساليب، تخالف أساليبك في التعامل؛ مثل طرائق: التحية والاستقبال والوداع والتغذية والتفكير والتعبير عن الانفعال.

وقد أجريت دراسات متعددة، في هذا الصدد، منها دراسة مقارنة، أجريت على عدة قبائل بدائية، منها الأرابيش والموندوجمور. يشترك رجال القبيلة الأولى ونساؤها في أن سلوكهم أقرب إلى الأنوثة، إذ يميل الجنسان إلى المسالمة لا العدوان، والتعاون لا التنافس؛ ومثلهم الأعلى أن يتزوج الرجل اللطيف، المعتدل، المستجيب، المرأة اللطيفة، المستجيبة. أمّا القبيلة الثانية، فيتصف رجالها ونساؤها بالسلوك الذكري، إذ يتميزون بالعدوانية، وأن مثلهم الأعلى أن يتزوج الرجل العدواني المرأة العنيفة، العدوانية؛ بل إن الملاطفة بين الجنسَين، التي تسبق الزواج، يسودها العنف والعدوان، من كلا الجانبَين على حدٍ سواء.

تُرى ما أسباب ذَنيْك الاختلاف والتباين؟ تكمن الإجابة في أن عملية التنشئة الاجتماعية Socialization، أو التطبيع الاجتماعي، هي عملية تعلّم وتعليم وتربية، قوامها التفاعل الاجتماعي، وتهدف إلى إكساب المرء (طفلاً فمراهقاً فراشداً فشيخاً) سلوكاً ومعايير واتجاهات ملائمة لأدوار اجتماعية معينة، تمكنه من مسايرة جماعته وموافقتها، وتكسبه الطابع الاجتماعي، وتيسر له الاندماج في الحياة الاجتماعية.

ويظهر أثر التنشئة الاجتماعية داخل المجتمع الواحد؛ فخصال أبناء البدو وتصرفاتهم، تخالف نظيراتها في أبناء الحضر؛ وتختلف، كذلك، بين أبناء المناطق الصناعية ونظرائهم في المناطق الزراعية. ولقد أجريت دراسة على توأمَين متماثلَين (أيْ أنهما نتاج بويضة أنثوية واحدة، ملقحة؛ ولكنها انقسمت لتكون توأمَين متماثلَين، لهما خصائص وراثية واحدة)، وربِّي أحدهما في أسْرة فقيرة، والآخر في أخرى متوسطة. عند إعادة دراستهما في فترة المراهقة، وجد بينهما تشابه كبير في الخصائص الجسمية، طولاً ووزناً (وذلك راجع إلى أثر الوراثة)؛ ولكن، اختلفا من حيث تكوين الشخصية والصفات الاجتماعية (وذلك راجع إلى أثر التنشئة الاجتماعية). فمن نشأ في المنزل الفقير، كان أكثر عدوانية، وأقلّ ضبطاً لتعبيراته، وأكثر استقلالاً وتلقائية، ويغلب على تعبيره العامية، وأقلّ طموحاً ورغبة في العلم. أمّا الآخر، فكان شديد الاهتمام بتعليمه، والكفاح من أجل التحصيل المرتفع، والطموح إلى عمل مرموق، وأكثر ضبطاً لدوافعه الجنسية، وأكثر قدرة على تأجيل إرضائها.


       

1. أهمية التنشئة الاجتماعية

أ. اكتساب المرء إنسانيته

من طريق التنشئة، يتعلم الإنسان اللغة والعادات والتقاليد والقِيم السائدة في جماعته، ويتعايش مع ثقافة مجتمعه. أمّا إذا رُبِّي شخص في الغابات، فإن سلوكه وطباعه، سيكون لها شأن آخر؛ فلقد عثر العلماء على حالات لأطفال ربَّتهم الحيوانات (كالقردة) في الغابات، فشابه سلوكهم سلوكها؛ فلم يتسموا بأيٍّ من مظاهر التواد نحو الإنسان، ولا الابتسام، ولا الخجل من العري، ولا الخوف من الطلق الناري؛ كما كانوا يتناولون الطعام كالحيوانات. ولكن، بعد أن تعهد العلماء قِلَّة منهم بالتربية في وسط إنساني، استطاعوا ارتداء الملابس بأنفسهم، والتمييز بين الحار والبارد، والناعم والخشن. كما نمت لديهم انفعالات جديدة، كالود نحو الممرضة القائمة على رعايتهم؛ حتى إن أحدهم كان يبكي، ويصدر أصواتاً، تدل على الحزن، عند غيابها. وبدأو يتعلمون اللغة والحديث.

ب. اكتساب المجتمع صفات خاصة

يتولى رجال إحدى القبائل مسؤوليات أُسَرية، تشبه الدور الاجتماعي للنساء في المجتمع العربي: إعداد الطعام، ورعاية الصغار. وتضطلع نساؤها بمسؤوليات، تشبه الدور الاجتماعي للرجال في مجتمعنا، مثل: الصيد والدفاع عن الأسْرة. وينطبق المبدأ نفسه على المجتمعات الشرقية، قياساً بالمجتمعات الغربية؛ فلكلٍّ منها خصائصه، التي تميزه عن غيره. وتكون التنشئة الاجتماعية مسؤولة عن رسوخها، والمحافظة عليها، ونقلها من جيل إلى آخر.

ج. تساعد التنشئة الاجتماعية على توافق الشخص ومجتمعه

يسهم تعلم المرء لغة قومه وثقافتهم في اقترانه بعلاقات طيبة بأبناء مجتمعه وموافقته إياهم. فلقد بينت إحدى الدراسات، أن جماعة معينة، داخل المجتمع الأمريكي، عزلت نفسها عنه، ودربت أبناءها على أعمال  العصابات والسطو؛ ما جعلهم عاجزين عن موافقة المجتمع.

د. توجد التنشئة الاجتماعية بعض أوجُه التشابه بين المجتمعات المختلفة

(1) تتداخل عدة جماعات فرعية، لتنتظم في مجتمع إنساني، يقترن فيه بعضها ببعض بعلاقات مختلفة، وبدرجات متفاوتة.

(2) تسعى المجتمعات الإنسانية إلى تحقيق بعض الأهداف العامة، مثل المحافظة على كيانها واستقرارها وتماسكها.

(3) تنظم الجماعات أنشطة أبنائها، لتحقيق أهدافها العامة، وأهدافهم الخاصة.

(4) يتولى الراشدون تدريب الصغار على الأدوار الملائمة لمجتمعهم.

(5) تستهدف التنشئة، أساساً، خلق الشخصية المنوالية للمجتمع، أيْ الشخصية التي تجسد ثقافته؛ إذ توجد إطاراً مشتركاً يحدد ملامحه المتميزة.




       
2. أساسيات التنشئة الاجتماعية

      ثمة مقومات لا بدّ منها لعمليات تنشئة اجتماعية على النحو المرغوب فيه. أولها، التفاعل الاجتماعي بين المرء والمحيطين به، والمحرك الأول لهذا التفاعل هو حاجات الإنسان. فالوليد البشري يكون عاجزاً عن إشباع حاجته إلى الطعام والراحة والنوم؛ فهو مضطر إلى التفاعل مع الآخر لإشباعها. وكلمّا حقق الإنسان درجة أعلى من النمو، تعددت حاجاته وتشعبت، فازداد اضطراراً إلى التفاعل الاجتماعي. فإذا كانت حاجات الوليد الأساسية حاجات فسيولوجية فإنها ستتحول، كلّما كبر، إلى حاجات اجتماعية، تتمثل في التواد والتعاطف، ثم اللعب والتعلم، ثم الزواج وتكوين الأسرة، ثم ممارسة دور سياسي في المجتمع. إن الإنسان، بصفته كائناً اجتماعياً، لا بد من حكم تفاعله مع الآخرين درجة واضحة من الاتساق، الذي لا يتأتّى إلا بالتزام عدد من المحكات المسيرة للسلوك.

أمّا المقوم الثاني، فهو الدافعية؛ إذ إن حاجات المرء المستثارة، تولّد لديه توتراً، يسعى إلى التخلص منه؛ فيعمد إلى بعض الأداءات، التي تبلغه هدفاً معيناً، يخفض توتره. والسلوك الذي يحقق ارتياحاً، يميل الشخص إلى تكراره، بينما يرغب في تجنّب السلوك، الذي يؤدي إلى إيلامه وإيذائه؛ ويتحقق الارتياح، إذا أشبع حاجاته، التي تحركه وتوجهه.

ويمثل الإرشاد والتوجيه المقوم الثالث للتنشئة. فتوجيه الصغار إلى أساليب التعامل الاجتماعي السليم، وتوجيه المراهقين والراشدين إلى كيفية تحقيق التفاعل العام الناجح، يسهم في عملية التنشئة الاجتماعية. ومصداق ذلك أطفال الشوارع، الذين فقدوا الإرشاد والتوجيه؛ ما تترتب عليه آثار أخلاقية واجتماعية سيئة. ومما يدعم أهمية التوجيه والإرشاد، أن الشخص يولد، وهو خلو من الهاديات، التي تحدد كيفية تعامله مع الأشخاص والأشياء والمواقف؛ ومن ثًم، تكون التنشئة هي الوسيلة، التي تزوده بتلك الهاديات.

تُعَدّ مطاوعة السلوك ومرونته هما الأساس الرابع للتنشئة؛ إذ إن السلوك قابل للتشكيل والتعديل، حتى يتكيف مع المواقف وما يمر به الإنسان من خبرات. وتقترن مرونة السلوك بقدرة الجهاز العصبي على التعديل، الذي يجعل من الممكن تعلّم الخبرات الجديدة وتسجيلها؛ استناداً إلى تَيْنِك المرونة والمطاوعة. إلا أن المرء يولد بعدد من الإمكانات: البدنية والعقلية، لا ترى النور، ولا تمارس بالفعل، إلا من خلال المرور بخبرات معينة من طريق التنشئة.




3. الفرد والجماعة، أثناء التنشئة الاجتماعية

إن التنشئة الاجتماعية، ليست بالعملية اليسيرة؛ وإنما هي عملية معقدة، متشابكة العوامل، متداخلة التأثير. فإذا ما أخذت في الحسبان الخصال البيولوجية للنوع الإنساني؛ والطابع الوراثي الفريد للشخص؛ والجهاز المعرفي المتغير، الذي يتصل من خلاله الطفل الإنساني، أثناء نموه وارتقائه في بيئته، فإن عملية التنشئة الاجتماعية، لا يمكن أن تقتصر على غرس الاتباعية لمعايير الثقافة والبيئة. إن ثمة فارقاً كبيراً بين قصر التنشئة الاجتماعية على أنها نقل للثقافة، وبين كونها عملية، يصبح المرء من خلالها إنساناً.

التنشئة الاجتماعية عملية هادفة. فإذا كان هدفها، في المراحل الأولى للحياة، هو إشباع حاجات المرء ومطالبه؛ فإنها تستهدف، في المراحل التالية، إشباع الحاجات، وإحداث نوع من التوازن والتوافق: الشخصي والاجتماعي، بينه وبين بيئته، ثم التحكم في مقوماتها وعواملها؛ بل يعمد إلى تحويل تلك العوامل والمقومات، من واقع ملموس، محسوس، إلى مدرَك مجرد، ورمز محدد، يمكن نقله وتناقله، في سهولة ويُسر. ولا يلبث أن يتعدى مرحلة التجديد والترميز هذه، إلى تنظيم هذه المدرَكات والرموز؛ موضحاً ما بينها من علاقات وروابط، وتشابه أو تناقض؛ مضمناً هذا التنظيم التعليل والسببية. وبذلك، يتكون قدر من الخبرة والمعرفة، يكون هو الوحدة، الحضارية والثقافية، للجماعة. ويتضح كذلك مما سبق أن المرء أثناء عملية التنشئة الاجتماعية، لا يكون سلبياً متلقياً، بل إيجابياً مشاركاً.

تنجم استمرارية عملية التنشئة الاجتماعية عن اقترانها بنمو المرء وتبلوُر مطالبه النمائية Developmental tasks ، وفقاً لكلّ مرحلة. ويعبّر المطلب النمائي عن حاجة معينة، يجب إشباعها، وإلا أُعِيق نمو الشخص. فإذا كان من مطالب النمو، في الطفولة، إشباع الحاجات الفسيولوجية الأساسية؛ فإن من مطالب المراهق الحاجة إلى تكوين فلسفة شخصية متسقة مع المجتمع؛ ومن مطالب الراشد الاضطلاع بالدور الوطني، والمسؤوليات والأدوار الاجتماعية، التي يجب أن يضطلع بها، ومن مطالب الشيخ التهيؤ للموت، وفقدان الشريك.

ليست التنشئة الاجتماعية صراعاً دائماً، بين الفرد والجماعة؛ وإنما عملية أخذ وعطاء بينهما. فالجماعة تسعى إلى تشكيل الفرد، وإكسابه خصائص مجتمعه، وتشريبه ثقافته. وفي الوقت عينه، يسعى الفرد إلى تحقيق الانتماء إلى الجماعة، لكي يشعر بالأمن والانتماء والاحتماء النفسي. فإذا التزم قِيم جماعته ومعاييرها، حقق تكيفاً: شخصياً واجتماعياً، ناجحاً. أما إذا خرج عليها، مارست عليه الجماعة ضغوطاً، تردّه إلى الإطار العام، الذي يلائم أهدافها وتركيبها وبناءها وأصول الحياة فيها؛ لكي تحافظ على وحدتها واستمرارها.

لما كان الفرد كائناً اجتماعياً يتفاعل مع مجتمعه، فإن التنشئة الاجتماعية، تشارك فيها هيئات ومؤسسات متعددة.  فإذا كانت الأسرة هي الجماعة الأولى، التي تسهم في تنشئة الأشخاص، فإن للمؤسسات الاجتماعية، كالنوادي والرفاق؛ والدينية، كالجوامع والكنائس؛ والإعلامية، كالتليفزيون والصحافة والإذاعة، إسهاماتها المؤثرة في تنشئة أبناء المجتمع وأعضائه.


       
المصادر والمراجع

1.   أحمد عبد العزيز سلامة، عبد السلام عبد الغفار، "علم النفس الاجتماعي"، دار النهضة العربية، القاهرة، ب.ت.

2.   جابر عبد الحميد، علاء كفافي، "معجم علم النفس والطب النفسي"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1993، الجزء السادس.

3.   حامد زهران، "علم النفس الاجتماعي"، عالم الكتب، القاهرة، 1977.

4.   حسين عبد العزيز الدريني، "المدخل إلى علم النفس"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1983، الطبعة الأولى.

5.   سعد عبد الرحمن، "السلوك الإنساني"، مكتبة الفلاح، الكويت.

6.   عبد الحليم محمود السيد، "الأسرة وإبداع الأبناء"، دار المعارف، القاهرة، 1980.

7.   محي الدين حسين، "مشكلات التفاعل الاجتماعي"، المعونة الأمريكية، مشروع الخدمات الاجتماعية المتكاملة، 1981.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:33 pm

المشاركة الاجتماعية



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2689   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2690   1. المشاركة الاجتماعية الإيجابية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2691   2. المبادئ الأساسية للمشاركة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2692   3. المشاركة: الاجتماعية والسياسية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2693   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          تعنى المشاركة الاجتماعية Social Participation، أن ينضم المرء، خارج نطاق مواقف عمله المهني، إلى الجماعات الاجتماعية، ثم المشاركة في المنظمات الطوعية، وخاصة ما ينصب دورها على النشاط المجتمعي المحلى أو المشروعات المحلية؛ وتفاعله، عقلاً وعاطفة، مع موقف الجماعة، بطريقة تشجعه على المساهمة في تحقيق أهدافها، والمشاركة في تحمّل المسؤولية.

          لكن مفهوم المشاركة الاجتماعية، كما تناولته الدراسات الاجتماعية، قد راوح بين المعالجات: الضيقة والمتسعة. فالبعض يعالجها من منظور ضيق، وجزئي، فيقصرها على عضوية بعض الجماعات والتنظيمات الطوعية، أو مشروعات خدمة المجتمع، وغير ذلك من الممارسات الضيقة، والمحدودة. بينما يذهب آخرون إلى تصوُّر المشاركة على أنها إستراتيجية شاملة، تتجه إلى الإنسان، من حيث قِيمه وموجهاته الأساسية؛ وأنها معيار ملائم للحكم على مدى ما ينطوي علية المجتمع، من قِيم إيجابية وأنماط سلوكية، تتسم بالمبادرة، والخلق والتجديد والإبداع.

          تتجلى قيمة المشاركة الاجتماعية، بوصفها إحدى الأدوات الأساسية للتنمية الاجتماعية، في أنها تجعل التنمية أمراً واقعياً، كما تدعم خططها، وتسهم في تنفيذها. كما ترجع أهميتها إلى ما تثيره من قضايا، مثل تعبئة الجماهير بالفكر التقدمي، وحفز المبادرات الواعية الخلاقة، والتمسك بالمفيد من القِيم النابعة من تراث المجتمع، واستخدامها في التمهيد لتقبُّل التجديدات ودعمها واستيعابها.




1. المشاركة الاجتماعية الإيجابية

      على الرغم من أن عملية المشاركة عامل مهم في تحقيق مصلحة المجتمع العامة، إلا أن غالبية الناس في معظم المجتمعات، يتخذون موقف اللامبالاة، فهُم دوماً، وفي معظم المواقف، موجودون في الساحة، ولا يشاركون فيها. وقد أكد كثير من الدراسات والأبحاث تفشي ظاهرة اللامبالاة Apathy والفتور والاقتناع السلبي بالحالة الراهنة، نتيجة ما أرسته من عادات وتقاليد؛ ما يشكل عائقاً مهماً دون تحقيق قدر ملائم من المشاركة: الاجتماعية والسياسية. ولقد أثارت هذه السلبية الكثير من النقد، الموجه لممارسات تعبئة الجماهير وحفزهم إلى المشاركة في شؤون مجتمعهم. وقد يرجع جزء كبير من تلك السلبية إلى عدم الأخذ بتحديد واسع النطاق لمفهوم المشاركة.

      يأخذ بعض المجتمعات بالتصور الضيق للمشاركة، أيْ بالعضوية في الجمعيات الطوعية، ولو كانت عضوية سلبية غير فعالة.، بينما يأخذها البعض الآخر من المجتمعات بمنظور أعم وأشمل؛ فتمتد لتشمل إسهام الجماهير في اختيار الخطة وتحديد أولوياتها، والإسهام في انتقاء الأهداف العامة للمجتمع، والدعم الفعلي لتحقيقها.

      في ضوء ما سبق، يذهب البعض إلى أن عملية المشاركة الاجتماعية هدف ووسيلة. إنها هدف، لأن الحياة الديموقراطية السليمة، ترتكز على اشتراك المواطنين في مسؤوليات التفكير والعمل من أجل مجتمعهم. وهي وسيلة، لأن الناس يدركون أهميتها، من خلال مجالاتها، ويعتادون طرائقها وأساليبها، وتتأصل فيهم عاداتها ومسالكها؛ وتصبح جزءاً من ثقافتهم وسلوكهم.





2. المبادئ الأساسية للمشاركة

      لعملية المشاركة أربعة مبادئ:

أ. لا تعنى المشاركة مشاركة أفقية فقط، أيْ بين أناس من طبيعة واحدة؛ وإنما مشاركة أفقية، ورأسية، بين مختلف المستويات والهيئات.

ب. تحتكر اتخاذ القرارات في التخطيط وتحديد أولياته جماعة، تَعُدّ نفسها صفوة المجتمع، وأنها الأجدر والأحق بهما؛ وإنما لا بدّ أن تكون المشاركة شعبية، واسعة النطاق.

ج. يعكس التخطيط حاجات الناس، والفقراء خاصة.

د.  تتضمن المشاركة عملية الضبط والرقابة والإسهام في اتخاذ القرار؛ فضلاً عن تبادل الآراء بين القاعدة والقمة.

      لذا، يتفق الباحثون وعلماء الاجتماع على أن المشاركة عملية اجتماعية سياسية، طوعية أو رسمية؛ قوامها سلوك منظم مشروع ومطَّرد، يعبّر عن اتجاه عقلاني رشيد، وينمّ عن الالتزام العميق بحقوق المواطنة وواجباتها، والفهْم الواعي لأبعاد العمل الشعبي وفاعليته. ومن خلال هذه العملية، يمارس المواطنون أدواراً وظيفية فعالة، ومؤثرة، في آليات العمليات السياسية ومخرجاتها.




3. المشاركة: الاجتماعية والسياسية

      تُعَدّ المشاركة في الحياة السياسية، هي العصب الحيوي لممارسة الديموقراطية وقوامها الأساسي؛ والتعبير العملي الصريح لسيادة قِيم الحرية والعدالة والمساواة في المجتمع؛ فضلاً عن كونها مؤشراً قوياً إلى مدى تخلّف المجتمع ونظامه السياسي أو تطوُّرهما؛ وما يعنيه ذلك من اقتران وثيق بينها وبين جهود التنمية. ونظراً إلى أهمية المشاركة، في المجتمع الديموقراطي، اهتم علماء السياسة بالإشارة إلى ظاهرة غير المشاركين، أو غير المبالين بشؤون المجتمع، والذين سمّاهم الباحثون المشاهدين Spectators، أيْ قليلي الانغماس في الحياة السياسية؛ واللامبالين Apathetics، أيْ الذين تخلوا عن العملية السياسية. وأكد علماء السياسة أن هؤلاء، يمثلون أشد الظواهر خطراً على المجتمع الحديث.

          يرى علماء الاجتماع والسياسة، أن هناك درجات متعددة للمشاركة: الاجتماعية والسياسية:

أ. تقلد منصب سياسي أو إداري.

ب. السعي نحو منصب سياسي أو إداري.

ج. العضوية الناشطة في التنظيم السياسي.

د. العضوية في التنظيم السياسي.

هـ. العضوية الناشطة في التنظيم شبه السياسي.

و. العضوية العادية في التنظيم شبه السياسي.

ز. المشاركة في الاجتماعات العامة.

ح. المشاركة في المناقشات السياسية غير الرسمية.

ط. الاهتمام العام بالسياسة.

ي. التصويت.

      إن تقلد منصب سياسي أو إداري، يقع على رأس الهرم، بمعنى أنه يمثل أقصى درجات المشاركة. ثم يأخذ مستوى المشاركة في الهبوط والتناقص، إلى أن يصل إلى أسفل القاعدة، وهو التصويت، لكونه أدنى مستوى من صوَر المشاركة: السياسية والاجتماعية ووجوهها.

      في ضوء ذلك، تصبح المشاركة هي حجر الزاوية في النظام الديموقراطي؛ فالنمو الديموقراطي وتطوُّره رهن بتوسيع نطاق حقوق التصويت وحقوق المرشحين، وتوسيع نطاق المساهمة في تحقيق الأهداف السياسية، وجعلها حقوقاً يتمتع بها كلّ إنسان. وتُعَدّ المشاركة هي الوسيلة الأساسية إلى تحقيق الإجماع أو نمو المعارضة؛ كما تسهم في تعميق الشعور بالمسؤولية لدى الحاكم والمحكوم؛ إضافة إلى إنها تمثل أسلوباً دفاعياً ضد الظلم والطغيان. ومعنى ذلك كلّه، أن المشاركة ذات أهمية بالغة للحكام والمحكومين، وتنظيمات المجتمع، ووسائل الاتصال بين الجماعات المختلفة؛ ما يؤدي إلى تخفيف حدّة الصراعات.

          هكذا، تتضح الأهمية الكبرى، التي تحتلها عملية المشاركة الاجتماعية، ولا سيما إذا كانت على المستوى القومي العام؛ فهي لا تقتصر على مجال دون آخر. وهي رهينة بالوعي والإدراك، المقترنَين بمتغيرات عديدة في المجتمع، مثل: قضايا الإنتاج والتنمية والتوزيع وبناء القوة، وقضايا الحرية والديموقراطية.

          وقد أكد لين Lane عدداً من الحاجات والدوافع: الشعورية واللا شعورية، التي يمكن أن تشبعها المشاركة في الحياة: الاجتماعية والسياسية، وتتضمن الحاجات: الاقتصادية والمادية، والصداقة، والعاطفة، والتخفيف من حدّة التوترات النفسية، والحاجة إلى فهْم العالم، وإشباع الحاجة إلى ممارسة القوة على الآخرين، ثم الدفاع عن تقدير الذات والعمل على تحسينها.

          بناء على ذلك، أكد بعض الباحثين ضرورة جعل المشاركة جزءاً أساسياً من فلسفة التعليم؛ وأن يدعم المبدأ، الذي يذهب إلى أن هناك أهمية، يجب أن توجه إلى الجوانب الإنسانية للتنمية؛ والحاجة إلى إستراتيجية شاملة للتعبئة، وإلى طرح شعارات، يمكن أن تتحقق، في ضوء الاقتناع بها، وتعبيرها عن حاجات فعلية.



       
المصادر والمراجع

1.   إسماعيل على سعد، "مبادئ علم السياسة، دراسة في العلاقة بين علم السياسة والسياسة الاجتماعية"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1992.

2.   السيد الزيات، "التحديث السياسي في المجتمع المصري"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1990.

3.   عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

4.   عاطف فؤاد، "علم الاجتماع السياسي"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

5.   عبد الهادي الجوهري، "المشاركة الشعبية والتنمية الاجتماعية"، المجلة الاجتماعية القومية، المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية، القاهرة، العدد الأول يناير 1978.

6.   على الحلبي، "الشباب والمشاركة السياسية في مجالات علم الاجتماع (أسس نظرية ودراسات واقعية)"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1985.

7.   محمد ياسر الخواجة، إيمان شومان، "الأحزاب والتنشية السياسية في مصر"، بحث منشور في كتاب الثقافة السياسية بين الاستمرار والتغير، المؤتمر السنوي السابع للبحوث السياسية، القاهرة، من 4 إلى 7 ديسمبر 1993، المجلد الثاني، مركز البحوث والدراسات السياسية، تحرير كمال المنوفي وحسنين توفيق، القاهرة، 1994.

8.       Kourvetares, G. and Dobratz, B., state and development of political sociology, in Kourvetaris and Dobratz eds Political sociology, New Jersey, 1980.

 

 

 




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:41 pm

التدرج الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2694   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2695   أشكال التدرج الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2696   سمات التدرج الاجتماعي وخصائصه
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2697   وسائل الصعود الطبقي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2698   العمليات الاجتماعية المرتبطة بالتدرج الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2699   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          يمتاز كل مجتمع من المجتمعات البشرية، بشكل أو آخر، من أشكال الترتيب أو التسلسل بين طبقاته، سواء في تمايز الأسر أو العائلات بعضها عن بعض، أو في ترتيبها في طبقات متدرجة، من الملكية أو الثروة أو الهيبة أو القوة أو النفوذ.

          لذا، عرَّف أحد العلماء التدرج الاجتماعي Social Stratification بوصفه تباين ترتيب الأفراد، الذين يكونون نسقاً اجتماعياً، ومعاملتهم على أساس أن بعضهم أعلى منزلة من الآخرين، في ضوء بعض الاعتبارات والأسس الاجتماعية المهمة. وهذا يعني أن التدرج هو نوع من الترتيب أو التسلسل على أساس بُعد الهيبة Prestige. وينطوي التدرج الاجتماعي على عدم المساواة، التي تنجم إما عن الوظائف الحقيقية، التي يؤديها الأشخاص، أو عن القوة المتفوقة أو القدرة على التحكم في الموارد، التي يمتلكها الأفراد والجماعات، أو قد تنجم عن كليهما معاً.

          ويعني التدرج الاجتماعي، بشكل أكثر تحديداً، أنه اختلاف السكان وتمايزهم في هرم الترتيب الطبقي. حيث يقوم هذا التدرج على عدم المساواة في توزيع الحقوق والامتيازات، من ناحية، والواجبات والمسؤوليات، من ناحية أخرى، كما يقوم على تمايز القيم والحاجات ومراكز القوة بين أعضاء المجتمع.

          وعلى هذا يشير مصطلح "التدرج الاجتماعي" إلى وجود جماعات أو شرائح اجتماعية تتفاوت فيما بينها، على أساس الملكية أو الدخل أو التعليم أو المراكز الاجتماعية. ويحمل التدرج الاجتماعي، غالباً، في أي مجتمع ـ سواء كان بسيطاً أو معقداً ـ معاني تتصل بتباين الأشخاص، فيما يتعلق بالهيبة والاحترام، وكذلك التباين التنظيمي أو المؤسسي.



   
       

أشكال التدرج الاجتماعي

          درج علماء الاجتماع على التمييز بين أربعة أنماط أو أشكال أساسية للتدرج الاجتماعي، هي:

1. الرِّق

      ويمثل هذا النمط شكلاً متطرفاً من أشكال عدم المساواة، حيث تُحرم جماعات معينة حرماناً كاملاً من الحقوق والامتيازات. فالعلاقة بين السيد والرقيق هي علاقة ملكية، ولذلك لا يتمتع الرقيق بالحقوق السياسية ولا يشارك في اختيار حكومته. كذلك، هناك علاقة بين الرق وفكرة العمل القهري، فالرقيق يُجبر على العمل إجباراً، وإن كان العمل القهري ليس مقصوراً على الأرقاء إلا أن العمل الذي يؤدونه يكون، عادة، ذا طبيعة قهرية خاصة.

2. النظام الإقطاعي

      يعتمد النظام الإقطاعي، بصفة أساسية، على طبقتين أساسيتين، هما: طبقة كبار ملاك الأرض، وطبقة الأقنان Serfs (الفلاحين). وتتميز السلطة السياسية في المجتمع الإقطاعي بعدم المركزية إذ إن الروابط، التي تربط بين المركز المحلي والآخر روابط ضعيفة واهية. أما الاقتصاد الإقطاعي، فيتميز بدرجات متباينة من الاكتفاء الذاتي، حيث ينتج كل إقطاعي احتياجاته الذاتية.

3. النظام الطائفي

      الطائفة Caste هي جماعة اقتصادية تكاد تكون مغلقة، إذ يميل أفرادها إلى العمل في مهن معينة. كما أن الزواج يكون من داخلها، فضلاً عن وجود ثقافة ما تميزها. وطبقاً لذلك نجد تدرجاً ملحوظاً في الطوائف الهندية (وهي الأكثر شهرة لهذا النظام)، حيث تميل الطوائف ذات المكانة العالية إلى العمل في مهن معينة تتفق مع مكانتها، بينما تضطر الطوائف ذات المكانة الدنيا إلى العمل في المهن اليدوية، ذات المكانة المنخفضة. ومن الصعب على الفرد طبقاً لذلك أن ينتقل من طائفة أدنى إلى طائفة أعلى، أي أنه يولد في الطائفة ويموت فيها. ومعنى ذلك أن فرص الانتقال الاجتماعي في النظام الطائفي تكاد تكون معدومة.

4. الطبقة الاجتماعية

      الطبقات الاجتماعية هي في حقيقة الأمر جماعات أو تكوينات اقتصادية، لا تخضع لتحديد قانوني أو ديني. وتتميز بأنها مفتوحة نسبياً وليست مغلقة، بمعنى أن الفرد يمكنه الانتقال من طبقة أدنى إلى طبقة أعلى. وهذا النظام الطبقي يتألف من طبقات عليا (طبقة الملاك)، وطبقة دنيا (المأجورين)، وطبقة وسطى تقع في الفراغ بين الطبقتين العليا والدنيا، وتشمل بصفة خاصة الموظفين وأصحاب المهن الحرة. ويميل علم الاجتماع في الولايات المتحدة الأمريكية إلى تقسيم المجتمع إلى ست طبقات هي: العليا الكبيرة، العليا الدنيا، الوسطى الكبيرة، الوسطى الدنيا، الدنيا الكبيرة، الدنيا العليا. والمحك الأساسي في هذا التقسيم الطبقي هو الهيبة المهنية.



   
       

سمات التدرج الاجتماعي وخصائصه

          للتدرج الاجتماعي أو الطبقي سمات عامة في كل بناء اجتماعي، من أهمها ما يلي:

1. ظاهرة التدرج الاجتماعي منمّطة ومكتسبة، وهذا يعني أن التفاوت بين البشر ليس له أساس بيولوجي. فعلى الرغم من وجود اختلافات في الذكاء والنوع والسن، إلاّ أن التفاوت الاجتماعي لا يُفسر إلاّ في ضوء المعتقدات والاتجاهات والقيم الاجتماعية. لذا، لوحظ أن نسق المراتب الطبقية لا يمثل جزءً لا يتغير من نظام طبيعي للأشياء، وإنما هو نتاج بشر يخضع للتغيرات التاريخية والاجتماعية.

      وإذا كانت المعايير أو الأدوار التقليدية تعكس اهتمامات ومصالح من لديهم السلطة أو القوة لشغل هذه الأدوار، فالملاحظ أن غالبية أعضاء المجتمع يمتثلون للأدوار الاجتماعية. يرجع ذلك إلى التنشئة الاجتماعية، التي تنتقل بمقتضاها المعايير من جيل لآخر. وليس هناك ما يدل على أن ذلك الانتقال يحدث من طريق الوراثة البيولوجية، بل خلافاً لذلك فإن كل الوقائع تشير إلى أن كل طفل يتعلم أدوار جماعته، خشية العقاب الدنيوي أو الإلهي.

2. ظاهرة التدرج الاجتماعي قديمة، حيث توجد طبقات اجتماعية حتى في الجماعات الصغيرة لحياة البشر المبكرة، وذلك بناءً على الوقائع الأثرية والتاريخية المسجلة. فالشواهد التاريخية المسجلة منذ آلاف السنين توضح أن الأصل النبيل ـ بالميلاد أو الوراثة ـ كان ذا أهمية بالغة في المجتمعات القديمة، حيث وُجد الغني والفقير والقوي والحقير والحر والعبد. وكانت الترتيبات الهرمية بمثابة نظام طبيعي، خاصة لمن هم على قمة الترتيب الهرمي. ويصدق هذا على الصين والهند وأفريقيا القديمة ومصر، وكذلك أوروبا الحديثة.

3. التدرج الطبقي ظاهرة شائعة وعامة في كل المجتمعات، قديمها وحديثها. فإذا كان التدرج الاجتماعي موجوداً منذ القدم، فالملاحظ في عالم اليوم عدم الرضا عن توزيع السلع والخدمات بين فئات المجتمع. وهذا دليل على التمايز أو التفاوت الاجتماعي. فهناك المالكون وغير المالكين، بمعنى أن هناك تدرجاً من نوع معين.

      ويؤكد التاريخ وجود تدرج طبقي في المجتمعات المختلفة ذات التقاليد الشفاهية (غير المكتوبة وذلك خلافاً للمجتمعات التكنولوجية الحديثة). فسكان غابات أفريقيا والأُستراليون الأصليون، الذين يعتمدون على الصيد وجمع الثمار، يعيشون في جماعات يتراوح عدد أفراد كل منها بين الخمسين والمائة، ولكل جماعة حكم ذاتي خاص. ويتخذ التدرج الطبقي في هذه القبائل شكلاً بدائياً، يعتمد على عامل النوع والتفاوت في الأعمار.

4. التدرج الطبقي ظاهرة متنوعة من حيث الشكل والدرجة، بمعنى أن اختلاف أشكال التدرج (أي الاختلاف في القوة والمنزلة والملكية وفي فرص الحياة وأسلوبها) قد يرجع إلى الملكية والنفوذ والمنزلة وغيرها.

5. ينجم عن التدرج الطبقي آثار معينة، سواء في فرص الحياة أو في أسلوبها. وتعني "فرص الحياة" تلك الموضوعات التي تشير إلى معدلات الوفيات، وطول العمر أو قصره، والأمراض الجسمية والعقلية، والتصدع الأسري، والهجرة، والطلاق. أما "أسلوب الحياة" فيعني موضوعات أخرى، مثل: نوع المسكن، والجوار وأساليب الترفيه والعلاقات الأسرية، ونوع الكتب والجرائد والبرامج التي تُشاهد في التليفزيون، ومن ثم تختلف فرص التمتع بهذه الموضوعات باختلاف الطبقات والشرائح الاجتماعية داخل المجتمع.

          وبناءً على ذلك لا يوجد مجتمع غير طبقي أو غير متدرج على الإطلاق، كما لا يمكن التسليم تماماً بأن كل المجتمعات تتضمن نسقاً واحداً محدداً من المراتب والمكافآت.




وسائل الصعود الطبقي

          يرى علماء الاجتماع أن في المجتمعات الحديثة مصاعد اجتماعية، يمكن بواسطتها الصعود من طبقة إلى أخرى. وتتمثل هذه المصاعد فيما يلي:

1. الاقتصاد: يستطيع كل فرد أن يصبح مليونيراً أو مليارديراً، إذا كان يمتلك آلاف الملايين، ويغدو ـ من ثم ـ  من صفوة المجتمع.

2. السياسة:  يستطيع كل فرد أن يترقى في المناصب السياسية في ظل النظم الديموقراطية الحديثة، والأخذ بنظام الانتخاب الحر المباشر.

3. الجيش: يُعد الجيش وسيلة الترقي إلى المناصب القيادية العليا. فكما يقول المثل القديم إن كلّ جندي يحمل في حقيبته عصا المارشالية. وعند دول العالم الثالث يُلاحظ أن معظم القيادات السياسية تأتي من الجيش والمؤسسة العسكرية.

4. الدِّين: في هذا المجال، أيضاً، توجد فرص للوصول إلى المناصب الدينية العليا، لكل من ينتمي إلى المؤسسات الدينية.

5. العلم: من طريق العلم والتعلم يستطيع الأفراد الوصول إلى الصفوف الأولى في المجتمع. ويُلاحظ أن دور العلم الآن أصبح مهماً في الصعود الاجتماعي في ظل انتشار التعليم ومجانيته، واختفاء العراقيل أمام تعليم الطبقات الاجتماعية الدنيا، وكذلك حرية التعليم لكل من الذكور والإناث للوصول إلى أعلى المراحل التعليمية.

6. الزواج: يُعد هذا العامل من أسهل وأسرع وأنجح وسائل الصعود الاجتماعي لبلوغ قمة الهرم الاجتماعي.




العمليات الاجتماعية المرتبطة بالتدرج الاجتماعي

          يحدد بعض علماء الاجتماع أربع عمليات اجتماعية مرتبطة بوجود أنساق للتدرج الاجتماعي، وهي:

1. تمايز المكافآت الاجتماعية: تتحدد من طريقها الأوضاع والأدوار الاجتماعية، مثل: دور الأب والأم والمدرس والموظف، إذ تختلف الأدوار التي يقوم بها كل منهم وفقاً لاختلاف وضعه، ومن ثم تتحدد حقوقه ومسؤولياته. ويزداد تأثير تمايز المكانة الاجتماعية حينما تتحدد حقوق ومسؤوليات كل دور اجتماعي بوضوح، وحينما توجد جزاءات اجتماعية تتضمن الثواب والعقاب كحوافز فردية.

2. المرتبة: إذا كانت المكانات تتمايز من طريق الأدوار الاجتماعية، فمن الممكن وضع مراتب Ranking  معينة لهذه المكانات. وتعتمد هذه المراتب على خصائص معينة، مثل الذكاء أو الجمال أو القوة البدنية، من جانب، وعلى المهارات والقدرات الخاصة كمعرفة القانون والتعليم والقدرات المهنية والحركية، من جانب ثانٍ، وعلى مدى التأثير على الآخرين وعلى المجتمع بصورة عامة، مثل دور الممثل أو القاضي أو ضابط الشرطة، من جانب ثالث.

3. التقويم: توجد ثلاثة أبعاد أساسية للأحكام التقويمية، يتمثل أولها: في المنزلة التي تشير إلى الشهرة، التي تتضمن سلوكاً يتميز بالاحترام، وثانيها: التفضيل مثل العبارات الدالة على ذلك "إني أود أن أكون مثله"، أو "أتمنى أن يكون أبنائي مثله"، أو "أرغب أن أكون صديقاً له". وثالثها: المرغوب فيه ـ ويظهر بصفة خاصة عند تقييم المكانة المهنية في المجتمعات الصناعية الحديثة، إذ إن هناك العديد من المهن ذات الجذب العام والشهرة العامة.

4. المكافأة: ويمكن من طريقها توضيح تمايز المكافآت والمراتب الاجتماعية؛ ففي كل مجتمع قواعد ومعايير تحدد كيفية توزيع المكافآت، وتتغير هذه القواعد وفقاً للأفكار السائدة والدور الذي يقوم به الصفوة في المجتمع. وتصنف المكافآت إلى ثلاثة أقسام، أولها: الملكية أو الحقوق والواجبات تجاه السلع والخدمات، وثانيها: القوة أو المقدرة على تأمين غايات الفرد، وثالثها: الإشباع النفسي أو المعنوي، الذي يجلب السعادة للناس.




المصادر والمراجع

1.   السيد الحسيني، "مفاهيم علم الاجتماع"، دار قطري بن الفجاءة"، الدوحة، 1987، ط2.

2.   غريب سيد أحمد، "الطبقات الاجتماعية"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

3.   محمد الجوهري، "علم الاجتماع وقضايا التنمية في العالم الثالث"، دار المعارف، القاهرة، 1985، ط4.

4.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

5.      Davis, K. and Moore, W. E., Some Pineapples of Stratification, in Rose, p. (ed) The Study of Society, A Randoom House Book, USA, 1967.

6.      Tumin, M. Social Stratification: The Former and Function of Inequality, Now jersey, Prentice Publications, 1952








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:43 pm

الاحتكاك الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2700   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2701   أهمية الاحتكاك أو الاتصال الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2702   العوامل المؤثرة في الاحتكاك الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2703   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          يعيش الإنسان في حياته اليومية العادية في عالم من الاحتكاك والاتصال الاجتماعي Social Contact الدائم، في كل مكان وفي كل لحظة من لحظات حياته. ففي الصباح حين يستمع لصوت الآذان أو الراديو أو المنبه، فإن ذلك يعطي رسالة أو معنى يشير إليه بالاستيقاظ. وعندما يرتدي ملابسه فإن ذلك يكون نتيجة اتصال مسبق، لأنه لم يولد وهو مزود بقدرات أو معلومات تمكنه من أداء تلك الأفعال. بل إن اختياره لملابسه يعد جزء من اتصاله بغيره من الناس، فهو يعلم من خبراته أن هناك أزياء معينة تعد موضع قبول وتفضيل في مواقف معينة، وأزياء أخرى تكون أكثر ملاءمة في مواقف أخرى. ويتعرض الإنسان لمزيد من الاتصال والاحتكاك الاجتماعي فور خروجه من منزله، إذ يتلقى المزيد من الرسائل والمعاني طوال اليوم، وحتى عندما يصمت فإنه يحاول بذلك إطلاع الطرف الآخر على أنه لا يريد أن يجري اتصالاً معه. إذن، فالإنسان يُمضي يومه متحدثاً ومتحَدَثاً إليه، وكاتباً وقارئاً، ومستجيباً للعديد من الرموز. فقد يتصل الفرد بأشخاص كثيرين يقولون له أشياء، ويطلبون منه أشياء، ويذكرونه بأشياء أخرى. وقد يشعر الإنسان بالرضا، أو عدم الرضا، عن يومه بقدر نجاحه أو فشله في الاتصال بالآخرين. وهكذا، يوجد الاتصال في كل مكان وفي كل لحظة، إذ إنه لا غنى عنه.

          بناءً على ذلك، يُنظر إلى الاتصال الاجتماعي باعتباره ظاهرة اجتماعية مرتبطة بوجود المجتمع، بما فيه من نظم ومؤسسات مختلفة تؤثر بدورها على تكوين اتجاهات الفرد وآرائه وأدواره الاجتماعية. ويشير "الاحتكاك" أو "الاتصال الاجتماعي" إلى الاتجاهات المتبادلة والضرورية بين الأشخاص والجماعات، وذلك لحدوث التفاعل الاجتماعي واستمراره. ولهذا يُعد الاتصال الاجتماعي الخطوة الأولى لعملية التفاعل الاجتماعي.

          إن الاحتكاك أو الاتصال الاجتماعي يعني التأثير والتأثر المتبادلين بين الأفراد أو الجماعات؛ إنه عملية دائرية الشكل، بمعنى أن المنبهات الاجتماعية Social Stimuli  تؤدي إلى الاستجابات الاجتماعية Social Responses، التي تنتج بدورها منبهات جديدة على مستوى جديد من الفعل.

          ولا يقتصر الاتصال الاجتماعي على ما يدور بين فرد وآخر، بل يتم بين الأفراد والجماعات، مثل الاتصال بين الرئيس والمرؤوسين، والإمام وجماعة المصلين، والمدرب والفريق الرياضي، والمدرس والتلاميذ، أو بين جماعة أخرى مثل فريق كرة القدم الذي يمثل جماعة تتصل مع الفريق الآخر. ويعني هذا أن الاحتكاك أو الاتصال الاجتماعي هو أن يقترب فرد أو جماعة عبر المسافات الطبيعية بينهما، عن طريق اللغة أو الاتصال غير اللفظي كإشارات اليد وتعبيرات الوجه وأوضاع الجسم والأزياء، وكذلك عن طريق الاختراعات الحديثة كالتليفون والفاكس والراديو والإنترنت وغيرها.



       

أهمية الاحتكاك أو الاتصال الاجتماعي

          يؤكد علماء الاجتماع أن الاتصال الاجتماعي ضرورة اجتماعية ونفسية لحياة الأفراد والجماعات داخل المجتمع. فمن دون الاتصال الاجتماعي لا توجد حياة اجتماعية، ولا علاقات اجتماعية متفاعلة بين الأفراد. لذا، يلعب الاتصال دوراً مهماً في بناء المجتمع، وتقوية أواصر العلاقات الاجتماعات بين الأفراد والجماعات المختلفة، وتوطيد أسس النسيج الاجتماعي، سواء بين الأفراد أو الجماعات أو المجتمع ككل.

          ومعنى ذلك، أن الاتصال الاجتماعي شرط أساسي لتكوين الجماعة والحياة الاجتماعية. فقد أكد علماء الاجتماع على أن الجماعة نسق من الأفراد يتفاعل بعضهم مع بعض، ما يجعلهم مرتبطين معاً بعلاقات اجتماعية، مباشرة أو غير مباشرة، ويكون كل منهم على اتصال ومعرفة بالأعضاء الآخرين.

          بناء على ذلك يساعد الاحتكاك أو الاتصال الاجتماعي، على تحقيق مجموعة من النتائج المهمة للفرد والجماعة على النحو التالي:

1. من خلال احتكاك الفرد مع الجماعة، التي يعيش فيها، يكتسب الأنماط السلوكية المختلفة والمعارف والمهارات، التي يحتاج إليها في حياته اليومية داخل المجتمع.

2. نمو الشخصية ورفع مستواها الثقافي إلى مستوى ثقافة الجماعة، التي يتفاعل معها، يؤدي إلى الوصول أو الاقتراب من الشخصية الاجتماعية المطلوبة.

3. تنمية قيم الانتماء، فمن خلال اتصال الفرد بالآخرين ومعايشته المستمرة للجماعة ينمو لديه حب الأرض والوطن الذي يعيش فيه، والاعتزاز بقيم الجماعة والانتماء إليها.

4. صقل الثقافة العامة للمجتمع، فمن خلال احتكاك الفرد بأعضاء الجماعات والثقافات الأخرى والتأثر بها والتأثير فيها، تُصقل ثقافته ويتحسن كثير من عناصرها.

5. تحقيق التكيف الاجتماعي، فعندما يتصل الفرد بأفراد مجتمعه خلال مراحل حياته، يتعرف على عاداتهم وتقاليدهم وقيمهم وأنشطتهم الحياتية المختلفة، ويتشرب تلك الأنماط فتصبح جزءً من شخصيته، ويصل إلى حالة من التكيف والتلاؤم معهم، فلا يشعر بالعزلة أو الغربة.

6. تحقيق الراحة النفسية، فعندما يتفاعل الفرد مع أفراد المجتمع الذي يعيش فيه، يأخذ منهم ما يحتاجه من أسباب العيش، ويقدم لهم كل ما يقدر عليه من خدمات، فإنه يشعر بحبهم له ويحقق الراحة النفسية في تعامله معهم.

7. زيادة الإنتاج، فعندما يصل الفرد إلى الشعور بالراحة النفسية والطمأنينة بين أفراد مجتمعه، فإنه يبذل قصارى جهده في سبيل رفعة مجتمعه وتقدمه وزيادة إنتاجه.




       

العوامل المؤثرة في الاحتكاك الاجتماعي

          يظهر الاحتكاك الاجتماعي في عمليتين، الأولى: هي الاتصال حيث يؤثر كل فرد في الآخر ويتأثر به؛ أما الثانية: فهي التصادم أو الصراع بين الفرد والآخر. ولا يخلو أي مجتمع من عمليتي التصادم والاتصال، ولكن أشكالهما واتجاهاتهما تتحدد باختلاف المحتوى الثقافي الذي تظهر فيه. وقد يُعرف التصادم بأنه الصراع بين فرد وآخر، أو آخرين، نحو هدف أو قيمة معينة؛ أما الاتصال الاجتماعي، فهو الجهد الجماعي لتحقيق ذلك الهدف أو تلك القيمة. إن كل ما يتنافس عليه الأفراد في مجتمع ما، يتحدد وفق معايير ثقافة ذلك المجتمع.

          يتأثر الاحتكاك الاجتماعي بمدى التجانس أو التشابه بين ثقافة الأفراد داخل المجتمع الذي يعيشون فيه؛ فكلما زاد التجانس الثقافي بين الطرفين، زاد الاتصال الاجتماعي بينهما. فاتصال الفرد العربي مع أخيه العربي يكون أكبر من اتصال الفرد العربي مع الفرد الغربي، والعكس صحيح.

          ويتضمن الاحتكاك الاجتماعي، الذي يكون بين الفرد والجماعة، القدرة على التوقع Expectation. فالفرد عندما يسلك سلوكاً معنياً داخل الجماعة، فإنه يتوقع استجابة ما، وهذا التوقع، مهما كان نوعه، يزيد من الاتصال كي يحقق الفرد ما يريده.

          ويحدد الاحتكاك الاجتماعي داخل الجماعة السلوك الفردي المميز للأشخاص، والمحصلة العامة لاستجابات الأفراد في المواقف الاجتماعية، ومن ثَم، يتحدد النمط الشخصي لكل فرد في إطار الجماعة. ومعنى ذلك، أن الاحتكاك الاجتماعي بين الأفراد يكَوِّن نوعاً من الالتزام لسلوك كل فرد، وعلى ذلك، فإنه يمكن التنبؤ بهذا النوع من السلوك.

          ومن العوامل التي تؤثر في الاحتكاك أو الاتصال الاجتماعي بين الأشخاص الوقت Time، والمكان Space. ويمثل الوقت شكلاً من أشكال الاتصال، ويقصد بذلك أنه يُعامل ـ في كثير من الثقافات ـ بوصفه شيئاً. فالإنسان يكسب وقته، ويخسر وقته، ويمنح وقته للآخرين، والوقت سلعة نادرة في بعض الثقافات، والمحافظة عليه موضع احترام شديد في معظم تلك الثقافات. بل توجد صلة وثيقة بين الوقت ونماذج السلوك المختلفة، حيث يتحاشى الناس الإتيان بنماذج سلوكية معينة في أوقات معينة، بينما يمارسونها في أوقات أخرى. ففي أوقات القحط أو المجاعة ـ مثلاً ـ قد يُباح للناس السرقة. لكن هذا السلوك محرم تماماً في الأوقات العادية، التي يمر بها المجتمع.

          ويؤثر المكان أو الحيز في الاحتكاك بين الأشخاص بطرق مختلفة، فقد أكدت الدراسات، التي أُجريت على العلاقة المكانية، أن إدراك الإنسان للمكان أو الحيز هو نتيجة لظروف وعوامل ثقافية، أكثر منها وراثية أو بيولوجية. والإنسان يحب أن يتملك المكان، ويُعده امتداداً له؛ فتلك حجرة الرئيس، وهذا مكتب المدير، فضلاً عن أن المكان يُعد رمزاً اجتماعياً للتفوق أو السلطة أو الهيبة أو النفوذ أو القوة. فعندما يلعب فريق كرة القدم (على أرضه)، فإنه يمارس سلوكه في مكانه الذي يملكه، وليس ثمة شك في أنه يستشعر الأمن والثقة والطمأنينة أكثر مما لو لَعِبَ على أرض فريق آخر. كما يلجأ الناس، في كثير من الأحيان، إلى منطقة محايدة عندما يقومون بعملية صلح بين طرفين متخاصمين، أو إبرام اتفاقية أو حل مشكلة معينة، وذلك لما للمكان من تأثير تجاه القائمين على حيازته أو شاغليه، فضلاً عن تأثيره على الغرباء أيضاً.



   


المصادر والمراجع

1.   جهينة العيس، كلثم الغانم، "علم الاجتماع"، دار الأهالي، دمشق، 2000، ط1.

2.   سامية محمد جابر، "الاتصال الجماهيري والمجتمع الحديث ـ النظرية والتطبيق"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990.

3.   عبدالله الرشدان، "علم اجتماع التربية"، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 1999، ط1.

4.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

5.   محمد لبيب النجيحي، "الأسس الاجتماعية للتربية"، مكتبة الأنجلو، القاهرة، 1976.

6.      Bogardus, E. S., Sociology, Macmillan Co., N. Y., 1965.

7.      Rose, J. D. Introduction to Sociology, Rand McNally Publishing Co., Chicago, 1980.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:48 pm

الاتجاهات


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2704   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2705   تعريف الاتجاه
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2706   خصائص الاتجاهات
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2707   نمو الاتجاهات
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2708   مراحل تكوين الاتجاه داخل الفرد
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2709   تغيير الاتجاهات وتعديلها
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2710   أنواع الاتجاهات
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2711   المصادر والمراجع


       
مقدمة

          يحمل كل شخص وجهة نظره خاصة به في أمور الحياة المختلفة، حين يحدد رأيه الخاص به سواء في الملبس أو المأكل أو المسكن أو السياسة أو الاقتصاد... إلخ. إن هذا الرأي الخاص هو المظهر الخارجي للتعبير عن الاتجاه.

          وللاتجاهات وظائف مهمة في حياة الفرد، إذ توجه سلوك الأفراد. فمن يؤيد تنظيم الأسرة سيعمل على ألا يزيد عدد الأبناء بدرجة كبيرة، ومن يرفض خروج المرأة إلى ميدان العمل فلن يدافع عن حقها في العمل، ومَن يكون لديه اتجاهاً إيجابياً نحو الزواج المبكر للفتيات، سيزوج بناته قبل السادسة عشرة من العمر، وهكذا.

          وللاتجاهات وظيفة تكيفية، لأن الإنسان يسعى للحصول على ما ينفعه ويتجنب ما يضره، فيكوِّن اتجاهات موجبة نحو ما يشبع حاجته واتجاهات سالبة نحو ما يعيق هذا الإشباع. وفي هذا الصدد تساعد الاتجاهات Attitudes في الدفاع عن الذات، إذ تستخدم كحيل دفاعية تجنب الفرد الاعتراف بنواحي قصوره وصراعاته. فالاتجاهات التعصبية تمثل دفاعاً عن الذات إذ تشعر صاحبها بتفوقه على الآخرين، وإذا وصل التعصب إلى درجة معينة من الحدة يصبح عاملاً من عوامل تقويض وحدة المجتمع، وينم عن اضطراب في ميزان الصحة النفسية الاجتماعية ما يفسد المجتمع ويهدد كيانه. أما إذا سادت اتجاهات التسامح والمودة والتعاون بين أعضاء الجماعات في مجتمعات معينة، من دون تمييز ولا تفضيل، فسنجد الاستقرار النفسي والاجتماعي هما السمة المميزة لهذه المجتمعات، ما ينعكس أثره في نهاية الأمر على الصحة النفسية لأبنائها، ويتيح فرصاً أكبر للتقدم والازدهار.

          أما الوظيفة المعرفية للاتجاهات، فتظهر في ميل الفرد إعطاء معنى لما يحيط به، وهذا يستلزم وجود معايير وأطر مرجعية تساعده على ذلك. والاتجاهات هي التي تزود الفرد بهذه المعايير وتلك الأطر، ما يساعده على تنظيم إدراكه للمثيرات، فيدرك عالمه إدراكاً ثابتاً يمكن التنبؤ به، وينظم وسيلة اتصاله ببيئته.

          ويساعد الاتجاه الفرد على الشعور بالانتماء للجماعة، متمثلاً في قيمها ومعتقداتها من خلال سلوكه مما يحقق له المزيد من الاحتماء الوجداني والأمن النفسي. وهذا يفسر "الصدمة الثقافية" التي يشعر بها المهاجر بعيداً عن ثقافته وبلده، ليعيش في ثقافة وبلد مختلفين عنه في اتجاهاته وقيمه ومعتقداته.



       

تعريف الاتجاه

          يبدو أن هربرت سبنسر H. Spencer، الفيلسوف الإنجليزي، كان من أسبق الكتاب إلى استخدام هذا المصطلح Attitude. وللاتجاه تعريفات متعددة، منها أنه حالة من التهيؤ والتأهب العقلي والعصبي تنظمها الخبرة وتوجه استجابات الفرد للمثيرات المختلفة. ومن تعريفاته أنه ميل الفرد الذي يتجه بسلوكه نحو بعض عناصر البيئة أو بعيداً عنها، مضيفاً عليها قيماً موجبة أو سالبة، تبعاً لانجذابه لهذه العناصر البيئية أو نفوره منها. ومن تعريفاته أيضاً أنه تنظيم ثابت نسبياً من المعتقدات حول موضوع نوعي أو موقف معين (فيزيقي أو اجتماعي عياني أو مجرد)، يؤدي بصاحبه إلى أن يستجيب بأسلوب تفضيلي.

          ويرجع اختلاف تعريفات الاتجاه إلى أنه "تكوين فرضي"، أي أنه مفهوم نفترض وجوده لنفسر به بعض مظاهر السلوك؛ ومن ثم فإنه لا يُدرك مباشرة، بل يُستدل عليه من سلوك الأفراد، أو من أنواع الاتساق والترابط بين الاستجابات التي يرُد بها الفرد على التنبيهات الصادرة عن موضوع الاتجاه. فمن مجموع استجابات الفرد نحو الاستعمار ـ مثلاً ـ يستدل على أن لدى هذا الشخص اتجاهاً سالباً نحو الاستعمار.

          وبناءً على ذلك يمكن تعريف الاتجاه إجرائياً (أي في صورة سلوكية يمكن إدراكها وقياسها) بأنه: مفهوم يعبّر عن محصلة استجابات الفرد نحو موضوع جدلي ذي صبغة اجتماعية، وذلك من حيث تأييد الفرد لهذا الموضوع أو معارضته له.



   


خصائص الاتجاهات

1. الاتجاهات ذات طبيعة تقييمية إذ تعبر عن درجة قبول الفرد أو رفضه لشيء ما، هو موضوع الاتجاه.

2. يكون اتجاه الفرد موجهاً نحو شيء ما، مادي أو غير مادي، يُعرف باسم "موضوع الاتجاه".

3. تختلف الاتجاهات في مدى قوتها، فقد يكون لدى شخصين الاتجاه نفسه، ولكن بدرجات متفاوتة الشدة. ومن هنا تتحدد الوظيفة الدافعية للاتجاهات؛ فكلما زادت قوتها، زادت قوة دفعها للسلوك ونقصت معها إمكانية تغييره.

4. تُكتسب الاتجاهات من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية، وما يتعرض له الفرد من مؤثرات وتدريبات وخبرات. وهذا يفسر اختلاف اتجاهات أبناء الثقافات المختلفة تجاه موضوع واحد، كالاختلاط بين الجنسين في العمل مثلاً، أو استقلالية الشباب في سن المراهقة عن أسرهم.

5. توجد درجة من الترابط بين الاتجاهات ذات المحور المشترك، أو الموضوع الواحد، بحيث يمكن القول بوجود حِزَمٍ من الاتجاهات؛ فاتجاهاتنا نحو التعليم ترتبط باتجاهاتنا نحو المصروفات المدرسية، والكتب الدراسية، وكثافة الفصل، والمعلمين، ووظيفة التعليم في الحياة، وغير ذلك. ويعبر عن هذه الخاصية، أحياناً، باسم "عمومية الاتجاه".

6. تتفاوت الاتجاهات في درجة استعدادها للاستثارة؛ فالاتجاهات السطحية يسهل استثارتها (كالاتجاه نحو برنامج تليفزيوني معين)، أما الاتجاهات العميقة فلا تُستثار بدرجة السهولة نفسها، (كالاتجاهات اللاشعورية لدى الفرد).

7. تتميز الاتجاهات بدرجة من الجمود، نتيجة لما حققته من تدعيمات وإشباعات خلال تاريخ الفرد السابق، وما تؤديه من وظائف في حياته. وهذا يفسر صعوبة تغيير اتجاهات كبار السن مقارنة باتجاهات الشباب.

8. للاتجاه مكونات ثلاثة، هي: المكون الوجداني، والمعرفي، والسلوكي. ويعبر المكون الوجداني عن انجذاب الفرد أو نفوره من موضوع الاتجاه. أما المكون المعرفي، فيتمثل في معلومات الفرد عن موضوع الاتجاه أو معتقداته عنه، بينما يعبر المكِّون السلوكي عن سلوك الفرد الصريح نحو موضوع الاتجاه. ويتميز الاتجاه بالاتساق بين مكوناته الثلاثة.



   

       

نمو الاتجاهات

          تنمو الاتجاهات في مراحل معينة من حياة الفرد:

فالمرحلة الأولى: تأثير الوالدين

          تمتد هذه المرحلة من الميلاد حتى البلوغ، وتتميز بشدة تأثير الوالدين على تشكيل اتجاهات أبنائهم. ويدل على ذلك التشابه الكبير بين اتجاهات الآباء والأبناء.

          يكتسب الطفل اتجاهاته من والديه من خلال عمليتين نفسيتين، هما: التقليد والتوحد. فميل الطفل، مثلاً، إلى تقليد طريقة حديث أو لبس والده، تساعده على اكتساب اتجاهاته نحو موضوعات الاتجاهات السابقة. أما التوحد فهو العملية اللاشعورية، التي يرتبط فيها الطفل وجدانياً وانفعالياً بأحد والديه، فيأخذ عنه كثيراً من قيمه واتجاهاته. والمثل الشعبي القائل: "هذا الشبل من ذاك الأسد"، يوضح تأثير الوالدين في اكتساب الطفل لبعض اتجاهاته.

          ومن عمليات التعلم، التي تسهم في نمو الاتجاهات لدى الطفل، الارتباط والتدعيم. يسمع الطفل من والديه ـ مثلاً ـ أن بلده نظيف، فترتبط النظافة والجمال عنده ببلده، وعندما يعبر الطفل عن ذلك يجد تشجيعاً من والديه لِما يقوله أو يفعله، للمحافظة على نظافة بلده وجمالها.

المرحلة الثانية: المرحلة الحرجة في نمو الاتجاهات

          ويبدأ تأثير الوالدين يضعف مع نمو الطفل واتساع نطاق احتكاكاته، بالكثير من الناس والمؤسسات الاجتماعية والثقافية. وتمتد هذه الفترة من سن 12-30 سنة، وتسمى بـ"المرحلة الحرجة"، لتبلور الاتجاهات وثباتها واتخاذها شكلاً جامداً مع نهاية هذه الفترة. ويتعرض الأفراد خلال هذه الفترة لمؤثرات ثلاثة رئيسية، هي:

1. الرفاق

      يُقصد بالرفاق الزملاء من السن والمستوى التعليمي نفسيهما. ويكون تأثير الرفاق كبيراً أثناء فترة المراهقة، إذ يسعى المراهق إلى اكتساب قيم وآراء واتجاهات الجماعة التي يحبها، حتى تتقبله عضواً فيها.

2. وسائل الإعلام

      تؤثر وسائل الإعلام في تشكيل اتجاهات المراهقين تأثيراً كبيراً، لأنها تزودهم بالكثير من المعلومات بطرق وأساليب وصور مختلفة، تكون، عادة، مصحوبة بخصائص فنية جذابة. كما تُعد وسائل الإعلام مصدراً لمنبهات مختلفة سمعية وبصرية وحركية، تدور حول موضوعات لاتجاهات متعددة. (مثال ذلك تبني المراهقين في الولايات المتحدة الأمريكية طريقة المغني ألفيس بريسلي في الغناء والملبس والمعيشة، وتبني المراهقين في الهند وفي بعض البلاد العربية طريقة المغني أميتاب باتشان في الغناء والملبس والمعيشة).

3. التعليم

      بيّنت الدراسات أنه كلما زاد نصيب الفرد من التعليم، زادت اتجاهاته التحررية. ولمّا كان نصيب الأبناء من التعليم يفوق ما حصل عليه آباؤهم، كان من المتوقع أن تكون اتجاهات الأبناء أكثر تحرراً من الآباء. وهذه هي إحدى أبعاد الظاهرة المعروفة باسم: "الفجوة بين الأجيال" Generation Gap.

      ويمكن تقسيم هذه الفترة الحرجة إلى مرحلتين، هما:

أ. مرحلة المراهقة

تتشكل فيها اتجاهات المراهق. وتكون الاتجاهات في هذه المرحلة متنوعة وغير ثابتة بدرجة كبيرة. وعندما يخطو الفرد إلى العشرينيات من عمره، يبدأ في إلزام نفسه بعدة التزامات؛ منها أن يدلي صوته الانتخابي، وأن يختار مهنة تناسبه، وأن يختار شريكة حياته، ويكَوِّن فلسفته الشخصية والاجتماعية في الحياة. وترتكز تلك الالتزامات على أساس ما لدى الفرد من اتجاهات اكتسبها في مرحلة سابقة. ومن ثم تساعده هذه الالتزامات في بلورة تلك الاتجاهات السابقة وتدعيمها، ثم جمودها.

ويمكن تفسير دور الالتزام في تثبيت الاتجاهات وجمودها بناءً على عملية تُعرف باسم: "عدم الاتساق المعرفي" Cognitive Dissonance. فلقد سبقت الإشارة إلى أنه كلما اتسعت معلومات الفرد زاد تأثيرها على اتجاهه، إلا أن بعضاً من هذه المعلومات، وخصوصاً الحديث منها، قد لا يكون متسقاً بعضه مع بعض، مما يولد قلقاً وتوتراً. وللتخلص من هذا التوتر يلتزم الفرد بعدة التزامات، تقوم على أساس اتجاهاته السابقة. ومن هنا تتدعم هذه الاتجاهات وتثبت بصورة جامدة في سلوك الفرد، لأنها ساعدته في التخلص من توتره الناشئ عن عدم الاتساق المعرفي.

ب. مرحلة الرشد

وفيها تتبلور الاتجاهات وتتجمد وتتجه نحو المحافظة. والدليل على ذلك أنه أُجريت دراسة على اتجاهات بعض الطلاب الجامعيين في أواخر الثلاثينيات من العمر، ثم دُرست اتجاهاتهم مرة أخرى في الخمسينيات من العمر. فبينت الدراسة احتفاظ الأفراد باتجاهاتهم نفسها، مع زيادة نزعتهم المحافظة أكثر من ذي قبل.



   
       

مراحل تكوين الاتجاه داخل الفرد

1. مرحلة التعرف على عناصر الثقافة والبيئة، التي يعيش فيها الفرد

عندما يتعامل الفرد مع ثقافة القرية، مثلاً، يبدأ في التعرف عليها.

2. مرحلة تقييم الفرد لعلاقته بكل عنصر من عناصر تلك الثقافة

في هذه المرحلة يحاول الفرد أن يحكم على أساليب حياة القرويين وينقدها، مكتشفاً خصائصها ومزاياها وعيوبها. وفي هذا النقد يعتمد الفرد على أسس منطقية موضوعية، فضلاً عن مشاعره وأحاسيسه.

3. مرحلة إصدار الحكم

يبدأ الفرد في إصدار حكمه على علاقته بهذه العناصر. فيحدد ـ مثلاً ـ كيف سيتعامل مع القرويين في المواقف المختلفة؛ فإذا حقق الأسلوب المقترح في التعامل مع القرويين النتائج المرجوة وثبت واستقر، يتكون الاتجاه لدى الفرد.

4. مرحلة ثبات الاتجاه

وفيها يدعم الاتجاه بناءً على ما يتحقق للفرد من ارتياح أو مكاسب مع القرويين، في المواقف المختلفة.

          وهناك عدة عوامل يُشترط توافرها، لتكوين الاتجاه:

أولاً: تكامل الخبرة

          لا بد أن تتكامل خبرات الأفراد حول موضوع الاتجاه. فلكي نكوِّن اتجاهاً نحو التعليم لا بد أن تتكامل خبراتنا عن أنواع المدارس والمواد الدراسية وعدد سنوات الدراسة والعلاقة بين المراحل التعليمية... إلخ. ومع ازدياد خبرات الفرد عن التعليم، تتراكم وتترابط وتتكامل تلك الخبرات، مكونة اتجاهاً عن التعليم لدى الفرد.

ثانياً: تكرار الخبرة

          لكي يتكون الاتجاه لا بد أن تتكرر خبرة الفرد حول موضوع الاتجاه. فتكرار زيارة للصعيد أو للقرية يساعده في تكوين اتجاه معين نحو كلاً منهما. ويؤدي تكرار الخبرة إلى مزيد من إيضاح جوانبها، أي زيادة معرفة الفرد بها، ومن ثم زيادة المكون المعرفي للاتجاه. كما أن تكرار الخبرة يؤدي إلى زيادة الألفة بها، فلا تصبح غريبة أو غير مألوفة أو شاذة، ومن ثم يحدث تعديل في المكون الوجداني من الاتجاه. كما أن تكرار الخبرة يدفع للفرد للتصرف إزاءها على نحو ما، ولذلك يتغير المكون السلوكي للاتجاه.

ثالثاً: الشدة الانفعالية للخبرة

          إذا صاحب الخبرة الخاصة بموضوع الاتجاه انفعال معين، ساعد ذلك في تكوين الاتجاه، لأنه يحدث ارتباط أو اقتران بين الخبرة والانفعال المصاحب لها. فإذا زار الفرد قرية نائية، وصاحب ذلك مشاهدته لمناظر طبيعية خلابة، وتعامل مع أُناس بسطاء طيبون، اقترنت خبرته بالقرية بالانفعالات المصاحبة لتلك المواقف، ما يساعد على تكوين اتجاه إيجابي نحو هذه القرية.

رابعاً: تمايز الخبرة

          لا بد أن تتمايز وحدة الخبرة عن غيرها، لأن هذا التمايز يساعد على إبرازها وعلى ارتباطها بالوحدات المتشابهة عند تكرار تلك الخبرة. أي يجب أن تكون الخبرة محددة الأبعاد، حتى ترتبط بمثيلاتها من الخبرات، سواء كانت قديمة أم حديثة. فلتكوين اتجاه نحو أسلوب تعامل الناس في جامع القرية، لا بد أن تتمايز عن خبرة الفرد بأساليب القرويين في الزراعة، أو أساليبهم في التعامل بالأسواق. ويساعد هذا التمايز على إيضاح أسلوب التعامل بالجامع، وبروز خصائصه كلما تكرر اتصال الفرد بالموقف. وبالارتباط بين خبرة الفرد عن أسلوب تعامل القرويين بالجامع وأسلوبهم في التعامل في الأفراح والمآتم وفي الأسواق والمنازل، يتكون اتجاه عام لدى الفرد نحو أسلوب القرويين بصفة عامة.

خامساً: انتقال الخبرة

          أي تبادل الخبرات وانتقالها من شخص لآخر، أو من الآباء للأبناء، بالتقليد والمحاكاة والتوحد.




تغيير الاتجاهات وتعديلها

          تتميز الاتجاهات بالثبات النسبي، أي أنها ليست ثابتة دائماً بل قابلة للتغيير. قد يكون التغيير تلقائياً نتيجة لما يتعرض له الفرد من خبرات في الحياة. وقد يكون التغيير مقصوداً نتيجة لزيادة المؤثرات المؤيدة للاتجاه الجديد، وخفض المؤثرات المضادة له، أو الأمرين معاً.

من العوامل التي تيسر تغيير الاتجاه:

·    ضعف الاتجاه الموجود وعدم رسوخه.

·    وجود اتجاهات متوازية أو متساوية في قوتها، بحيث يمكن ترجيح أحدها على باقي الاتجاهات.

·    توزع الرأي بين اتجاهات مختلفة.

·    عدم تبلور ووضوح اتجاه الفرد أساساً نحو موضوع الاتجاه.

·    وجود مؤثرات مضادة.

·    وجود خبرات مباشرة تتصل بموضوع الاتجاه.

·    سطحية أو هامشية الاتجاه، مثل الاتجاهات التي تتكون في الجماعات الثانوية، كالأندية والمقاهي والنقابات.

من العوامل التي تعيق تغيير الاتجاهات

·    قوة الاتجاه القديم ورسوخه.

·    زيادة درجة وضوح معالم الاتجاه عند الفرد.

·    استقرار الاتجاه وأهميته في تكوين شخصية الفرد ومعتقدات الجماعة، التي ينتمي إليها.

·    الاقتصار في تغيير الاتجاه على الأفراد، وليس على الجماعة ككل.

·    الاقتصار في تغيير الاتجاه على استخدام المحاضرات والمنشورات دون المناقشات.

·    الجمود الفكري وصلابة الرأي.

·    التعصب الشديد للاتجاه القائم.

·    إدراك الاتجاه الجديد على أن فيه تهديداً للذات.

·    محاولة التغيير القسري للاتجاه رغم إرادة الفرد.

·    دوافع شخصية قوية لدى الفرد، تعمل على مقاومة التغيير.

·    استخدام حيل دفاعية (كالإسقاط والتبرير والإنكار)، للحفاظ على الاتجاهات القائمة ومقاومة تغييرها.

ومن أهم طرق تغيير الاتجاهات وتعديلها:

·     تغيير الإطار المرجعي لدى الفرد، أي ما لديه من معلومات وقيم ومعتقدات سابقة عن موضوع الاتجاه.

·    تغيير الجماعة المرجعية، التي يتمثلها الفرد دائماً في سلوكه ويتصرف بناء على ما تشرّبه منها من قيم ومعتقدات. ويحدث ذلك بنقل الفرد إلى جماعة جديدة تتبنى اتجاهاً جديداً.

·    تغيير موضوع الاتجاه؛ فكلما زادت ثقافة الفرد تغيرت موضوعات اتجاهاته. فزيادة كفاءة العامل الصناعي تغير موضوع الاتجاه من كفاءة العمل اليدوي، إلى كفاءة العمل الآلي.

·    الاتصال المباشر بموضوع الاتجاه، لأن هذا يسمح للفرد بأن يتعرف على الموضوع من جوانب جديدة وتزيده ألفة به.

·    تغيير المواقف، كتغير اتجاهات طالب الطب عندما يصبح طبيباً.

·    التغيير القسري نتيجة لظروف اضطرارية، كتغير الاتجاهات عند حدوث المجاعات.

·    استخدام وسائل الإعلام في تزويد الأفراد بمعلومات جديدة عن موضوع الاتجاه.




أنواع الاتجاهات

أولاً: من ناحية طبيعة الاتجاه

1. بسيط: يتضمن عنصراً أو مقوماً واحداً مثل (س) يحب (ص).

2. مركب: يتضمن عدة عناصر أو مقومات قد تكون متآلفة أو غير متآلفة. فمثلاً (س) يحب (ص) لأنه ذكي وشجاع ونشيط، فيكون هذا اتجاه مركب متآلف. أما إذا قيل أن (ص) يتصف بالذكاء والنشاط ولكنه متهور جبان، فإن هذا يكون اتجاهاً مركباً غير متآلف.

ثانياً: من الناحية الوصفية

1. موجب/ سالب: الاتجاه "نحو" في مقابل الاتجاه "ضد".

2. عام/ خاص: الاتجاه العام يتعلق بموضوع عام يشترك فيه أكبر عدد من الأفراد، أما الاتجاه الخاص فيتعلق بموضوع معين يخص فئة معينة. ويكون الاتجاه العام أكثر ثباتاً من الاتجاه الخاص.

3. جمعي/ فردي: يشترك أكبر عدد من الأفراد في الاتجاه الجمعي، أما الاتجاه الفردي فهو خاص بفرد معين. ويختلف الاتجاه العام/ الخاص عن الاتجاه الجمعي/ الفردي في أن العام/ الخاص يرتبط بموضوع الاتجاه، أما الجمعي/ الفردي فيرتبط بعدد الأفراد.

4.  قوي/ ضعيف: الاتجاه القوي يكون أكثر شدة في دفعه لسلوك الفرد، أما الاتجاه الضعيف فلا يكاد يعبر عنه صاحبه.

5. ظاهر/ خفي: الاتجاه الظاهر هو اتجاه علني لا يجد الفرد حرجاً في التعبير عنه أمام الآخرين، لأنه مقبول اجتماعياً ولا يتعارض مع قيم المجتمع ومعاييره، وذلك خلافاً للاتجاه الخفي.




       
المصادر والمراجع

1.   أحمد زكي صالح، "الأسس النفسية للتعليم الثانوي"، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1959.

2.   حامد زهران، "علم النفس الاجتماعي"، عالم الكتب، القاهرة، 1977، ط 4.

3.   حسين الدريني، "في المدخل إلى علم النفس"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1983.

4.   سعد عبدالرحمن، "أسس القياس النفسي والاجتماعي"، مكتبة القاهرة الحديثة، القاهرة، 1967.

5.   مصطفى سويفي، "مقدمة لعلم النفس الاجتماعي"، الأنجلو المصرية، القاهرة، 1980.

6.   معتز سيد عبدالله، "الاتجاهات التعصبية"، عالم المعرفة، الكويت، العدد 137، 1989.

7.      Morgan, C. V. King, R., Introduction to Psychology, McGraw Hill Book Co., N. Y., 1975.








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:50 pm

الحراك الاجتماعي


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2712   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2713   أشكال الحراك الاجتماعي وطبيعته
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2714   عوامل الحراك الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2715   المصادر والمراجع



       
مقدمة

يُعرف الحراك الاجتماعي Social Mobility، بشكل عام، بوصفه التحرك من فئة أو شريحة اجتماعية إلى فئة أو شريحة أخرى. ويكون هذا التحرك ـ عادة ـ من جماعة مهنية إلى جماعة مهنية أخرى. فإذا انتقل الفرد من مهنة الطب إلى مهنة الهندسة، يكون انتقاله في شكل أفقي. أما إذا انتقل من مهنة التمريض إلى الطب، مثلاً، فيكون حراكه رأسياً. وقد يكون الحراك على شكل حركة بين تجمعات تقع على مستوى واحد. فالحراك الاجتماعي الحقيقي يعبر عن دينامية المجتمع وتغيره واستجابته لكل التغيرات، التي تحدث نتيجة تغير نوع العلاقات الاجتماعية وتقريب الفوارق الطبقية. وبناءً على ذلك، فإن الحراك الاجتماعي يعبر عن عملية اجتماعية ينتقل من خلالها الفرد أو الجماعة من وضع اجتماعي معين إلى وضع آخر. لهذا، يربط بعض الباحثين بين "الحراك الاجتماعي" وظاهرة أعم وأشمل وهي ظاهرة "التغير الاجتماعي"، التي يتعرض لها الأشخاص أو الجماعات، حيث تنتقل أو تتحول من وضع اجتماعي معين إلى آخر، ومن مكانة اجتماعية معينة إلى أخرى، وذلك حسب اختلاف المكان والزمان.

وعُرّف الحراك الاجتماعي بشكل أكثر تحديداً بأنه: الوضع الذي يشير إلى إمكانية تحرك الأشخاص أو الجماعات إلى أسفل أو إلى أعلى الطبقة أو المكانة الاجتماعية، في هرم التدرج الاجتماعي. يرى باحثون آخرون أن مصطلح "حراك" يُستخدم، أيضاً، ليدل على الحركة المكانية أو الهجرة السكانية، وهذا ما يسمى "الحراك الفيزيقي". أما الانتقال من وضع اجتماعي إلى آخر داخل البناء الاجتماعي فيُسمى "الحراك الاجتماعي"، بمعنى انتقال الفرد أو مجموعة من الأفراد من مستوى طبقي إلى مستوى آخر، مما يدل على أن الحراك الاجتماعي يتطلب وجود مجتمع طبقي. لهذا، فالحراك الاجتماعي ظاهرة جديدة في المجتمع الحديث، بل هو أحد المقومات الرئيسية في المجتمع المتحضر، الذي يتميز عن المجتمع التقليدي الإقطاعي، الذي يُعد مجتمعاً مغلقاً، ولا يتحرك الفرد فيه خارج الجماعة التي ينشأ فيها لوجود حواجز اجتماعية تربط الفرد بجماعته.




       

أشكال الحراك الاجتماعي وطبيعته

ميّز علماء الاجتماع بين أشكال كثيرة من الحراك الاجتماعي، داخل البناء الاجتماعي للمجتمع المعاصر. ومن أهم تلك الأشكال التمييز بين الحراك الاجتماعي الصاعد Up Ward Social Mobility، الذي يُشير إلى انتقال الفرد من مستوى طبقي أدنى إلى مستوى طبقي أعلى، والحراك الاجتماعي الهابط Down Ward Social Mobility، الذي يُشير إلى هبوط الفرد من مستوى طبقي أعلى إلى مستوى طبقي أدنى، كأن ينتقل الفرد من طبقة عليا إلى طبقة متوسطة، مثل تدهور الحال لدى بعض الأثرياء والأغنياء نتيجة أزمة اقتصادية معينة، وانحدارهم إلى مستوى طبقي أقل.

          وقد حدد بعض علماء الاجتماع عدداً من الأسس العامة للحراك الاجتماعي الرأسي، أهمها:

1. يندر وجود مجتمع تكون فيه الطبقات مغلقة إغلاقاً محكماً، أو لا يوجد فيها حراك اقتصادي وسكاني ومهني.

2. لا يمكن أن يوجد مجتمع يكون فيه الحراك الرأسي حراً بصورة مطلقة، ويكون الحراك من طبقة إلى أخرى من دون عقبات.

3. يختلف عمق وشمولية الحراك الاجتماعي الرأسي من مجتمع لآخر.

4. يختلف عمق وشمولية الحراك الاجتماعي الرأسي في المجتمع نفسه، من وقت لآخر.

5. لا يوجد اتجاه دائم ومحدد نحو زيادة، أو نقص، عمق الحراك الاجتماعي.

          ويوضح علماء الاجتماع طبيعة الحراك الاجتماعي على أساس حركة وتنقل الأفراد دون الجماعات. وهذا يوضح الفارق بين الحراك الاجتماعي، الذي يتخذ شكلاً فردياً، والحراك الذي يتخذ شكلاً جماعياً، ويُطلق عليه "الحراك الطبقي" Class Mobility.

          ويُطلق الحراك الاجتماعي الأفقي Horizontal Social Mobility على حركة الأفراد أو الجماعات، من وضع اجتماعي إلى آخر مع عدم وجود اختلاف في الدرجات بين الوضعين؛ فمن يترك مهنة كهربائي ليعمل ميكانيكياً، يُعبِِّر عن حركة أفقية حيث تحتاج المهنتان إلى الجهد والعمل نفسيهما تقريباً، وتقاضي الأجر نفسه، والوضع الاجتماعي ذاته داخل بناء المجتمع.

          كما يميز علماء الاجتماع بين نمطين آخرين من الحراك؛ الأول، هو الحراك الاجتماعي بين الأجيال Intergenerational Social Mobility، الذي يظهر عند مقارنة الطبقة الاجتماعية، التي ينتمي إليها كل من الأبناء وآباؤهم أو أجدادهم. فإذا حقق الأبناء مستوى طبقياً أعلى من ذلك الذي ينتمي إليه آباؤهم، فإنهم بذلك يكونوا قد أنجزوا حراكاً اجتماعياً صاعداً عبر الأجيال، وعكس ذلك صحيح أيضاً للحراك الاجتماعي الهابط عبر الأجيال. والثاني، الحراك الاجتماعي داخل الجيل Interagenerational Social Mobility  وتجري بمقارنة الأوضاع الطبقية التي شغلها الفرد في حياته المهنية، وما يحققه من إنجاز فيها.

          وقد حدد أبرز علماء الاجتماع وهو بيتريم سروكين، أربعة أنماط أساسية للحراك الاجتماعي على النحو التالي:

1. الحراك المهني:

ويُقصد به تغيير الفرد لمهنة أسرته، وتبديل الأبناء لمهن آبائهم نتيجة لازدياد التخصص المهني، وتوافر مجالات العمل أمام الفرد، حسب ميوله الفردية واستعداده للإنتاج.

ويساعد الحراك المهني على تحرك الأفراد اجتماعياً واقتصادياً، عن مكانة أسرهم الاجتماعية والاقتصادية. ويؤدي ارتقاء الفرد في التركيب المهني وتغييره لوضعه المهني، عن وضع أسرته الأصلية، وصعوده أو هبوطه في السلم المهني، إلى تغييره مكان إقامته، ومعارفه وأصدقائه الذين تربى معهم في نشأته الأولى، واختلاطه بأفراد جدد ذوي ميول واتجاهات مغايرة عن الوسط الذي نشأ فيه، وتغييره أيضاً لأسلوب حياته ومركزه الاجتماعي ما يؤثر في علاقته القرابية بأعضاء أسرته.

أصبحت وراثة الأبناء لمهن الآباء ظاهرة نادرة في المجتمع المعاصر، وأصبح طبيعياً أو سوياً أن نرى أعضاء الأسرة يعملون في مهن متباينة، لا ترابط بينها ولا اتصال. فقد يعمل أحد أفراد الأسرة في التجارة وآخر في التدريس وثالث في مهنة الطب، بينما يعمل قريب لهم في حرفة يدوية، كالنجارة أو الحياكة.

2. الحراك المكاني

هو أكثر أشكال الحراك الاجتماعي انتشاراً في المجتمع الحضري الصناعي. فقد أصبح من الشائع انتقال الفرد من إقليم إلى إقليم، أو من حي لآخر. وكان الحراك المكاني محدوداً في المجتمع التقليدي، وكان الفرد يدين بالولاء للأرض التي يُولد فيها ويمارس نشاطه الاجتماعي والاقتصادي فوقها؛ ولكن أدى تقدم وسائل المواصلات ووسائل النقل، ونشأة مهن جديدة ذات أجور مرتفعة في أماكن متفرقة، إلى ازدياد الحراك المكاني للأفراد، وهجرتهم من الأقاليم التي يقيمون بها مع أسرهم إلى مواطن العمل الجديدة.

ولاحظ علماء الاجتماع أن الأفراد في المجتمع الحضري أصبحوا أقل ارتباطاً بالأرض التي ينشأون عليها، وزاد تحرك الأفراد من بلد لآخر، وزاد تغيير الأفراد للوحدات السكانية، وتبديلهم لجيرانهم، وزادت المسافات التي يقطنها الفرد في انتقالاته من مجتمع لآخر في المجتمع الحديث، ما يؤثر في ولائه لأسرته وارتباطه بأقاربه.

3. الحراك الاقتصادي

ويُقصد به تغير مراكز الأبناء الاقتصادية عن مراكز الآباء والأجداد. فلقد أدى تغير نظام الملكية، ونمو الملكيات الفردية، ونشأة نظام الأجور، وتقييم العمل على أساس إنتاج الفرد ومقدار ما يبذله من مجهود ونشاط، إلى تغير المراكز الاقتصادية للأفراد. وأصبح من الطبيعي أن تتغاير المراتب الاقتصادية للأبناء عن مراتب آبائهم، لتغير المهن التي يقوم بها كل منهم. ولعل تغاير المراتب الاقتصادية يعني أن التكوين الطبقي أصبح مرناً ومتغيراً، وأصبح من السهل أمام الأفراد الانتقال إلى مرتبة أعلى من مرتبة أسرهم بمقدار ما يبذلونه من جهد وعمل، وما يقومون به من نشاط في مهنهم. وصار من الطبيعي أن تنخفض مكانة الأفراد الاقتصادية عن مكانة أسرهم، إذا ما فشلوا في مهنهم.

4. الحراك الفكري

يقصد به مقدار ودرجة وقوة ارتباط الفرد بالقيم والأفكار المستحدثة المختلفة. وقد ساعدت وسائل الاتصال ـ مثل الراديو والسينما والتليفزيون والصحف والكتب والمجلات وازدياد الاختراعات الحديثة في العلوم والفنون ـ إلى ازدياد فرص الحراك الفكري، وعرض نماذج فكرية واجتماعية في أساليب جديدة من السلوك. وكذلك تغير التقاليد المتوارثة عن الآباء والأجداد. كما أدى ازدياد حركة الكشف العلمي إلى ضعف ارتباط الأفراد بالقيم القديمة، واتجاههم نحو تقبل الأفكار والمبادئ المستحدثة.






عوامل الحراك الاجتماعي

          يتحدد مدى الحراك الاجتماعي بناءً على عدد من العوامل، التي تساعد على حدوثه داخل المجتمع. ومن هذه العوامل: الهجرة، والتعليم، والتحولات السياسية. على أن هذه العوامل ليست جامعة مانعة لأسباب حدوث الحراك، ولكنها أهم العوامل التي تسهله وتحفزه:

1. الهجرة

      تلعب الهجرة دوراً كبيراً في الحراك الاجتماعي، على أساس أن الهجرة ناتجة عن السعي لتحسين ظروف وأحوال الأفراد والجماعات اجتماعياً واقتصادياً، لِما تتيحه من فرص متعددة في التعليم والعمل ومستوى عالٍ من الدخل، ومن ثم تحقيق الرقي الاقتصادي والاجتماعي للأفراد، خاصة وأن هناك اعتقاداً سائداً بأن المهاجرين يميلون إلى أن يكونوا من طبقة اجتماعية أعلى من عامة السكان. فلقد أكدت الدراسات الاجتماعية أنه يسود في المجتمعات الصناعية المتقدمة معدل هجرة مرتفع في صفوف الأفراد المهرة من التخصصات الفنية. إذ تكون لدى المهاجرين رغبة في تحسين وضعهم الاقتصادي، ولذلك تكون رغبتهم محدودة في الاستقرار في مكان واحد. إن التقدم المتدرج للمتخصصين في المهارات المختلفة، في سلسلة من المراكز المرتفعة داخل البناء الاجتماعي المتدرج، يرتبط ـ بشكل أو آخر ـ بحركة السكان المكانية والاجتماعية.

2. التعليم

      يُعد التعليم عاملاً أساسياً من العوامل، التي تؤدي إلى حدوث الحراك الاجتماعي داخل المجتمع المعاصر، نظراً لما يتيحه من فرص تحقيق التقدم العلمي والاجتماعي، بما يجعل الأفراد أكثر استعداداً لتقبل التغيير وتحسين أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. فقد دلت الدراسات والبحوث أن بعض الفئات الاجتماعية من الطبقات الدنيا، استطاعت، على الرغم من ظروفهم السيئة وعدم توفر الإمكانيات، أن تصل إلى أعلى الدرجات في السلم التعليمي، وأن تحسّن من وضعهما الطبقي من خلال الحراك الاجتماعي الذي يحققه التعليم. وقد أكدت بعض الدراسات الحديثة أن فرص الحراك المهني الاجتماعي محدودة، نظراً لوجود تمايز في النسق التعليمي يجعل أبناء الطبقة العليا محتكرين للمهن ذات المستوى الرفيع. إن القضية ليست إتاحة الفرص للفرد ليلتحق بالتعليم، ولكنها قضية هل يستطيع مواصلة الطريق حتى النهاية؟!

3. التحولات السياسية

      يرى علماء الاجتماع أن التحول السياسي يرتبط بفترات الاضطراب الاجتماعي، مثل الحرب والثورة وحركة الإصلاح السياسي والاجتماعي. ففي فترات الحرب يحدث حراك اجتماعي صاعداً أو هابطاً لبعض الأفراد، مثل أولئك الذين يستفيدون من استمرار الحرب ويحققون ثراءً ـ أغنياء الحرب ـ فيحققون حراكاً اجتماعياً صاعداً.

      كما أن الاتجاه نحو الإصلاح الديموقراطي وترسيخ دعائم الحرية، يساعد على تحقيق تقدم الحياة الاجتماعية، بحيث يصبح الارتقاء والحراك الاجتماعي والانتقال من طبقة إلى أخرى أكثر يُسراً، إذ تتميز المجتمعات الديموقراطية بشدة حراكها الرأسي، إذا قورنت بغيرها من المجتمعات. ففي المجتمعات الديموقراطية لا يُحدد وضع الفرد بمولده، بل تُترك كل الأوضاع الاجتماعية مفتوحة لكل فرد بحيث يستطيع الحصول عليها وشغلها، ولا توجد عوائق شرعية أو دينية للارتقاء أو الهبوط.

      كما تُعد الثورات عاملاً فعالاً في الحراك الاجتماعي، لأنها تضع نظاماً سياسياً محل غيره، وتأتي بأناس كانوا من الدرجة الثانية أو الثالثة وتضعهم على رؤوس الأمم، فيصبحوا من قادتها وزعمائها. كما تعمل الحروب والانتفاضات الاجتماعية على سرعة الحراك، حيث تساعد هذه العوامل على ظهور قيادات وطنية جديدة لتحل محل القيادات التقليدية القديمة، وما يرتبط بذلك من حدوث حراك اجتماعي. كما هو مشاهد في مجالس قيادات الثورات التي حدثت في غالبية دول العالم الثالث.


       
المصادر والمراجع

1.   السيد الحسيني، "مفاهيم علم الاجتماع"، دار قطري بن الفجاءة، الدوحة، 1987، ط 2.

2.   غريب سيد أحمد وآخرون، "المدخل إلى علم الاجتماعي"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1996.

3.   المجالس القومية المتخصصة، "سياسة التعليم"، المركز العربي للبحث والنشر، القاهرة، 1981.

4.   محمد الغريب عبدالكريم، "سوسيولوجيا السكان"، المكتب الجامعي الحديث، الإسكندرية، 1982.

5.   محمد سعد فرج، "ما علم الاجتماع"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000.

6.   محمد ياسر الخواجة، "دور التعليم ما قبل الجامعي في إعادة إنتاج التمايزات الاجتماعية"، مجلة كلية الآداب، جامعة طنطا، العدد 15، 2002.

7.   ميشيل مان، "موسوعة العلوم الاجتماعية"، ترجمة عال الهواري وسعد مصلوح، مكتبة الفلاح، الإمارات، 1942.

8.      Beeri, E., Social Origin and Family Background of The Egyptian Army Officer Class, Asian and African Studies, V.1-2, 1966.

9.      Maycr, K. B., Class and Society, Doubleday, N. Y., 1955.

10.  Sorokin, P., Social Mobility, Harper and Brothers. N. Y., 1927.

11.  Sullenger, T., Sociology of Urbanization, Study in Rural Society, N. Y., 1977.

12.  Young, K. and Mack, R., Sociology and Social Fife, American Book Co., N. Y., 1967.

13.  Young, K., and Mack, R., Sociology and Social Fife.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 20 مايو 2016, 10:51 pm

الاتصال الجماهيري


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2716   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2717   1. خصائص الاتصال الجماهيري
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2718   2. أهمية الاتصال الجماهيري
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2719   المصادر والمراجع

       
مقدمة

          يُشير مصطلح الاتصال الجماهيري Mass Communication، بوجه عام، إلى كل الوسائل غير الشخصية للاتصال، التي عن طريقها تُنقل المعلومات بصورة سمعية أو بصرية، أو كلاهما معاً، إلى الجماهير. وتشمل وسائل الاتصال الجماهيري: التليفزيون والراديو والصحف والمجلات والكتب، وغير ذلك. والواقع أن هذا المصطلح يتضمن جانبين: أولهما متصل بالوسائل الفنية Media للاتصال والنقل، والثاني متصل بالجمهور Mass. وفي هذا الصدد يذهب بعض الباحثين إلى القول بأن الأعضاء، الذين يكونون الجمهور ليسوا كثيرين وغير متجانسين فقط، بل إنهم أيضاً يستجيبون لكل وسيلة من وسائل الاتصال كأفراد منفصلين.

          وإن كان الاتصال الجماهيري هو الطرّق والوسائل (كالجرائد والراديو... إلخ)، التي يمكن بها إيصال فكرة أو رأي إلى عدد كبير من الأفراد المستقبلين والمنتشرين، في أماكن بعيدة ومتفرقة، فإن لكل وسيلة من وسائله استخداماتها، كما أن لكل منها مزاياها الخاصة. وكذلك، فإن كل وسيلة تختلف عن الأخرى فيما يتعلق بالجمهور، سواء الذي تخاطبه أو تحمل إليه نوعاً خاصاً من الرسائل. فالتليفزيون ـ مثلاً ـ يلائم الجمهور المتعلم وغير المتعلم، الصغير والكبير، لأنه يجمع بين الكلمة والصورة، فضلاً عن أنه يمكن أن يستخدم أكثر من وسيلة، كالقمر الصناعي والصحف. أما الصحف فتحتاج إلى جمهور متعلم ومثقف.

          إن ثمة فرق بين مصطلحَي "الاتصال الجماهيري" و"الإعلام الجماهيري"؛ فالاتصال الجماهيري ينطوي على مغزى التفاعل وتبادل المعاني والأفكار والرسائل بين طرفين: "مرسل"، و"مستقبل"؛ بينما يشير الإعلام الجماهيري إلى إرسال معلومات، أو نقل رسائل، من طرف واحد وفي اتجاه واحد فقط، في حين يظل الطرف الآخر في حالة استقبال فقط. كما أن هناك فرقاً بين الاتصال على مستوى الأشخاص Inter Personal، والاتصال على مستوى الجمهور. فالأول يتم من خلال الكلمة المنطوقة بين أعضاء الأسرة والجيران والأصدقاء والمدرسين والزملاء، أما الثاني فهو الذي يستخدم وسائط، إضافة إلى الكلمة المنطوقة، كالكلمة المكتوبة والصور والرسوم وغيرها.




       

1. خصائص الاتصال الجماهيري

أ. انتشار الاتصال الجماهيري عبر الزّمان والمكان:

يمضي الإنسان يومه متحدِثاً ومتحدَثاً إليه وكاتباً وقارئاً للحديث والقديم، ومستمعاً ومستجيباً للعديد من الرموز الثقافية المحلية والعالمية. لهذا، يوجد الاتصال الجماهيري في كل مكان وكل لحظة ولا غنى عنه. من هنا يعبّر الاتصال الجماهيري عن الأوضاع القائمة والبيئة المحيطة والثقافة المميزة لشعب معين، أو المناخ الثقافي، الذي يعبر عن حقيقة المجتمع وأوضاعه.

ب. الاشتراك والمشاركة في المعنى:

إن الاتصال، بوجه عام، والجماهيري، بوجه خاص، هو نشاط له هدف ومعنى. وهو فعل خلاّق يبادر به الإنسان ويسعى فيه نحو تمييز المنبهات وتنظيمها، بحيث يتمكن من توجيه ذاته في بيئته وإشباع حاجاته المتغيرة. فقيام الإنسان بالاتصال هو عملية تحويل للمنبه الخارجي، من حالة مادة أولية أو خام إلى معلومات ذات معنى وهدف. لذا، يمكن القول إن هذا الفعل الخلاّق، الذي يتمثل في إيجاد المعنى يقوم بوظيفة التقليل من غموض هذا العالم. وبناءً على ما سبق يمكن القول إن الاتصال الجماهيري يسهم في تقليل غموض العالم المحيط بنا.

ج. قابلية الاتصال الجماهيري للتنبؤ به بدرجة من الاحتمال:

أكدت الأبحاث العلمية أن الذي يحدث عندما تصل رسالة معينة من مصدر محدد، إلى جمهور معين، فإن الأمر يُعد مسألة قابلة للتنبؤ بآثارها، بدرجة مناسبة من الاحتمال.

د. وجود جمهور كبير الحجم تصل إليه الرسالة الاتصالية.

هـ. احتمال تأخر الاستقبال: إذ تنتقل الرسالة عبر واسطة تتأثر بعوامل متعددة.

و. صعوبة تحقيق مراقبة متبادلة أو تفاعل متبادل، بين المُرسل والمستَقبِل.

ز. صعوبة الحصول على معلومات عن المستقبلين.






    

2. أهمية الاتصال الجماهيري

      يتفق علماء الاجتماع والاتصال على أهمية وسائل الاتصال الجماهيري، في إحداث التغيير الاجتماعي المقصود داخل المجتمع. ولا يمكن أن يحدث أي تغيير في المجتمع بمعزل عن استخدام وسائل الاتصال الجماهيري، التي تُعد ـ بحق ـ من الأدوات المهمة والرئيسية في مخاطبة الناس، وشرح ونقل تلك التغييرات الجديدة، التي ستحدث في المجتمع وفي بنيانه ووظائفه، حتى يعرف كل فرد دوره ومكانته، وفقاً للتغيير الذي سيطرأ على المجتمع.

      والمجتمع هو الذي يحدد شكل الاتصال الجماهيري ومضمونه؛ فدراسة الاتصال هي دراسة للناس والمجتمع في وقت واحد. فالاتصال عملية اجتماعية، ومن طريقه ينشر المجتمع أهدافه. كما تساعد وسائل الاتصال على تكوين الآراء وتغيير المفاهيم، وتعديل أنماط السلوك وتثبيت القيم المرغوب فيها وتدعيمها، وتعبئة الرأي العام بشكل إيجابي وفعال. وهذا يوضح أهمية وسائل الاتصال الجماهيري، في التغيير الاجتماعي.

      وتُعد وسائل الاتصال الجماهيري ذات أثر بالغ في تكوين الرأي العام Public Opinion  وتغيير مساراته، لا سيما في المجتمعات النامية. فهذه المجتمعات تسعى للخلاص من رواسب التخلف وعوامله، بإيجاد جمهور واعٍ يستطيع أن يفهم ذاته وحقيقة واقعه، ويسعى، من خلال التطلع المشروع والإرادة الصلبة، إلى البحث عن حل لمشكلات مجتمعه على اختلاف أنواعها، ومعالجة القضايا المهمة، وتنمية القيم الأخلاقية والاجتماعية والثقافية والقومية والدينية. إن الاتصال الجماهيري يسهم في توسيع المدارك والأفكار، ويستحث دوافع الجماهير ويستثير انتباههم لقضايا المجتمع، ويثير لديهم الإحساس بالمشاركة، فيما يجري من أحداث محلية وقومية وعالمية.

إن الوسائل التقليدية للاتصال الجماهيري، مثل الجلوس على المقهى والتسوق أو الاجتماعات اليومية وغيرها، سوف يستمر تأثيرها لمدة طويلة، حتى في وجود الجرائد والإذاعة والتليفزيون. ومن ثَم، يؤدي الاتصال المباشر دوراً مهماً في تعميق أثر وسائل الاتصال الجماهيري في المجتمعات المتقدمة، وفي تكوين الرأي العام.

وتمثل وسائل الاتصال الجماهيري المحور الأساسي لنشر الثقافة وترسيخ مكونات الحضارة، خاصة عندما تكون المادة الإعلامية مُصاغة بصورة تتفاعل مع متطلبات المجتمع وتطلعاته وأهدافه وقيمه، على نحو يتميز بالصدق والأمانة والاعتماد على الطاقات الخلاقة، وأصحاب العطاء والخبرة العالمية.

كما يمكن لوسائل الاتصال الجماهيري في الوقت الحديث أن تكون عظيمة الفائدة، في التعليم، والتعلم الذاتي، وتعليم الكبار. كما تستطيع أن تتحمل نصيباً أكبر من التعليم في حالة عدم توفر المعلمين والمدربين.




       

المصادر والمراجع

1.   أحمد زكي بدوي، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.

2.   سامية محمد جابر، "الاتصال الجماهيري، والمجتمع الحديث"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1990.

3.   سامية محمد جابر، "الإعلام والشباب"، في كتاب مجالات علم الاجتماع المعاصر لأسس نظرية ودراسات واقعية، تأليف عاطف غيث وآخرين، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1982.

4.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع، "دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:28 pm

الجماعة



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2720   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2721   تعريف الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2722   خصائص الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2723   أنواع الجماعات
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2724   الروابط داخل الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2725   الجداول
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2726   المصادر والمراجع


       
مقدمة

          للجماعة Group أهمية كبيرة في حياة الفرد؛ ففي الأسرة ينمو، وفي الفصل يتعلم، ومع الرفاق يلعب ومع الزملاء يعمل. ويكتسب الفرد إنسانيته من خلال تعامله مع جماعات مختلفة من بني جنسه، والدليل على ذلك حالات الإنسان المتوحش أو الأطفال، الذين ربتهم الحيوانات في الغابات. فقد وُجدوا بكماً لا يتكلمون، ويسيرون على أربع، وأن حواس الشّم والسمع والبصر لديهم حادة مثل الحيوانات، كما أن سلوكهم في تناول الطعام مماثلاً لسلوك الحيوانات، وكذلك سلوكهم في الابتسام والخجل؛ فلا يعرفون سلوك الابتسام، ولا يخجلون من العري.

          وتبدو أهمية الحياة داخل الجماعة في إشباع حاجات الإنسان المختلفة. فالشخص يحتاج إلى من يغذيه ويرعاه ويتقبله ويشعره بالدفء العاطفي. كما أنه يحتاج إلى من يقدّره ويشعره بالنجاح، فيفرح لفرحه ويشاطره أحزانه عند فشله. وقد بينت الدراسات أن الإنسان إذا تعرض لمواقف مزعجة، تزداد حاجته للجماعة ليشعر بالأمن والاطمئنان. وليس هذا قاصراً على الإنسان وحده، بل وأيضاً على الحيوان. فقد بينت الدراسات أن غياب فرد من قطيع القردة، يؤدي إلى إحساس القطيع بالشوق إليه ولكن لفترة وجيزة، ثم ينسوه بعد ذلك. أما القرد المعزول فإنه يئن ويتألم ويصدر أصواتاً تدل على حاجته للجماعة.

          ولا تقتصر أهمية الجماعة على إكساب الشخص إنسانيته، أو إشباع حاجاته الفسيولوجية والاجتماعية، بل هي ذات أهمية كبيرة في تحقيق ما يصبو إليه من أهداف. فلا يمكن عزف قطعة موسيقية ـ بآلات مختلفة ـ بعازف واحد، ولا تحقيق نصر لفريق الكرة من دون تعاون بين أعضاء الفريق. ويرجع ذلك إلى أن تجميع ما لدى الأفراد من إمكانيات يحقق لهم فائدة عامة مشتركة، لن يحققها كل منهم منفرداً.

          وتُعد الجماعة ذات أهمية كبيرة في حياة الأفراد، لأنها تزود الفرد بوسائل تساعده على تقييم ذاته. فكيف يعرف الإنسان أنه طويل أم قصير، ذكي أم غبي، جميل أم قبيح، إذا لم يقارن نفسه بغيره؟ أي أن الإنسان بمقارنة نفسه بالآخرين، يمكن أن يقيِّم نفسه ويعرف قدراته ويتفهم إمكانياته.

          وتساعد الجماعة أعضاؤها على تعريفهم درجة صحة آرائهم ومعتقداتهم. فللتحقق من صحة آراء الفرد ومعتقداته، يمكن الاعتماد على عوامل مادية تزوده بصحة فيزيقية. أما الاعتماد على درجة اتساق الآراء والمعتقدات بعضها مع بعض، أو بناء على ما يسود الجماعة من آراء ومعتقدات، فتزوده بصحة اجتماعية؛ فلكي يتبين الفرد من صحة رأيه في أن الآلات الحديثة تجعل الحياة سهلة، يلجأ إلى الوقائع المادية؛ فيتبين له أن الآلات الحديثة هي سبب اختصار الوقت، وزيادة كم الإنتاج، وارتفاع دخول الأفراد. فهذه تعد صحة فيزيقية لرأيه. أما إذا أراد أن يتبين صحة معتقداته وآرائه حول خروج المرأة إلى ميدان العمل، أو حول الزواج المبكر أو المتأخر، فإنه يلجأ إلى الآراء والمعتقدات السائدة في مجتمعه ليتبين درجة تقبل الجماعة لرأيه، ومن ثم درجة صحة معتقداته وآرائه.

          وتسهم الجماعة في تحقيق الصحة النفسية لأفرادها. فالجماعة تحدد لأفرادها الأدوار الاجتماعية المناسبة لكل منهم، وتزودهم بمعايير للحكم على درجة السواء أو الانحراف، في أداء تلك الأدوار. وتضع الجماعة المستويات المناسبة للأداء، التي إن ارتفعت أو انخفضت بدرجة كبيرة عن قدرات الأفراد أدت إلى إحباطهم وشعورهم بالفشل. كما أنه من خلال التنشئة الاجتماعية يتزود الأفراد بالوسائل الناجحة للتفاعل الاجتماعي، التي تحقق للأفراد الصحة النفسية والراحة والسعادة. كذلك، تل


       

تعريف الجماعة

          تختلف تعريفات الجماعة اختلافاً كبيراً، ويرجع ذلك إلى عدة عوامل:

1. أننا نحيا في جماعات متعددة، كالأسرة والرفاق وزملاء العمل وأهل الحي. وتختلف هذه الجماعات في حجمها وأنشطتها ومدة بقائها ودرجة تنظيمها.

2. يستخدم لفظ "الجماعة"، ليدل على عدة معانٍ منها:

أ. مجموعة من الناس يجلسون معاً أو يسيرون معاً. أي أن الخاصية المميزة للجماعة في هذه الحالة هي التجاور المكاني Physical Proximity، بغض النظر عن الهدف الذي يسعى إليه أعضاؤها.

ب. مجموعة من الناس تجمع بينهم خاصية مشتركة، مثل جماعة المدرسين والمهندسين والأطباء، أي يُستخدم لفظ الجماعة على هذا النحو للتصنيف.

ج. أعضاء تنظيم معين يشعر أفراده بالانتماء إليه والإخلاص له، مثل أعضاء حزب ما أو نقابة معينة.

3. اختلاف وجهات نظر أصحاب التعريفات:

أ. تعريف الجماعة من خلال تصورات أفرادها

الجماعة هي وحدة تتكون من مجموعة أفراد يشكّلون تصوراً مشتركاً عن وحدتهم، ويكون في قدرتهم التصرف كوحدة واحدة إزاء بيئتهم.

ب. تعريف الجماعة من خلال دوافع أفرادها

الجماعة جمع من الأفراد يكون في تجمعهم فائدة تعود عليهم. أي أن العامل الأساسي لقيام الجماعة هو إشباع حاجة أعضائها. فالتاجر ينضم لعضوية الغرفة التجارية، التي تدافع عنه وتحقق له بعض رغباته، وينضم المدرس لنقابة المعلمين، لأنها تعبّر عن مطالبه وتسعى للمحافظة على حقوقه.

ج. تعريف الجماعة من خلال وجود أهداف مشتركة

الجماعة هي وحدة تتكون من فردين أو أكثر، يتفاعل بعضهم مع بعض تفاعلاً بناءً ذا معنى، لأنه يكون من أجل تحقيق هدف معين أو غرض معين. ففريق كرة القدم، مثلاً، يتفاعل أعضاؤه بعضهم مع بعض تفاعلاً بناءً، من أجل إحراز النصر.

د. تعريف الجماعة من خلال تنظيمها

الجماعة وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة من الأفراد يكون لكل منهم دور معين فيها، ومركز خاص به. وتقوم هذه الوحدة بوضع القيم والمعايير، التي تنظم سلوك أعضائها فيما يختص بشؤون الجماعة على الأقل.

هـ. تعريف الجماعة بناءً على الاعتماد المتبادل لأفرادها

الجماعة مجموعة من الأفراد يشتركون في علاقات متبادلة تجعلهم يعتمدون بعضهم على بعض. وقد يكون هذا الاعتماد إيجابياً، عندما يؤدي تحرك الفرد لتحقيق أهدافه إلى تحقيق أهداف الآخرين (التعاون). وقد يكون هذا الاعتماد سلبياً، عندما يؤدي تحقيق الفرد هدفه إلى إعاقة وصول الآخرين إلى الهدف نفسه (التنافس).

و. تعريف الجماعة بناءً على التفاعل بين الأفراد

الجماعة مجموعة من الأفراد يتفاعل بعضهم مع بعض، وبناءً على هذا التفاعل تتميز الجماعة عن أي جماعة أخرى.

وبناءً على ما سبق، يمكن تعريف الجماعة بأنها: فردان أو أكثر يتفاعلون بعضهم مع بعض تفاعلاً بناءً، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر ليحققوا أهدافاً خاصة وعامة، مع وجود روابط متعددة بينهم.


       

خصائص الجماعة

1. لا توجد جماعة قوامها فرد واحد، بل لا بد لها من عدة أفراد، أي أن الجماعة تبدأ من فردين أو أكثر. وقد اصطُلح على أن يتراوح أعضاء الجماعات الصغيرة إحصائياً ما بين فردين و30 فرداً، أما الجماعات الكبيرة فهي التي تزيد عن 30 عضواً.

2. يتفاعل هؤلاء الأفراد بعضهم مع بعض تفاعلاً هادفاً لتحقيق أغراض أو أهداف معينة، منها ما هو خاص ومنها ما هو عام.

3. إدراك الأفراد أنفسهم حقيقة أنهم أعضاء في جماعة؛ كأن يكونوا أعضاء في أسرة واحدة أو في فصل دراسي واحد، أو في فريق معين؛ فإن هذا الإدراك من شأنه أن ينمي لديهم الشعور بـ"النحن".

4. يُعرَّف الأعضاء بناءً على عضويتهم في نوع الجماعة؛ فهذا عضو في نقابة الأطباء، وهذا عضو في فريق الكرة الطائرة... إلخ.

5. تنمو بين الأفراد معايير معينة توجه سلوكهم (المعيار هو المعتقد أو الرأي التقييمي العام، الذي يحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض من أساليب السلوك). فالمعايير التي تحكم سلوك أعضاء فريق كرة القدم، مثلاً، تختلف عن المعايير التي تحكم سلوك عصابة من اللصوص.

6. لدى كل عضو في الجماعة إمكانيات ومصادر متعددة للقوة، وبناءً على تلك الإمكانيات والمصادر يشتركون معاً في تسيير وتوجيه أنشطة الجماعة، من خلال تنظيم متداخل الأدوار. ففي المدرسة تُوجد أدوار متعددة تكوّن التنظيم العام للمدرسة، منها دور المدرس والناظر والوكيل والعامل وغيرهم. وتنتظم هذه الأدوار بعضها مع بعض، بتوظيف ما لدى كل منهم من إمكانيات.

7. يرتبط أعضاء الجماعة ببعضهم نتيجة اعتناقهم قيماً ومُثلاً ومعايير خاصة، توجه سلوكهم نحو تحقيق أهدافهم العامة والخاصة. وهذا من شأنه تنمية الشعور بـ"النحن" لديهم.

8. يجد أعضاء الجماعة أن انتماءَهم لها يحقق لهم الكثير من العوائد المادية والفوائد المعنوية.

9. يُدرك أعضاء الجماعة أنفسهم كوحدة واحدة، يربط بينهم الشعور بـ"النحن".

10. يتصرف أعضاء الجماعة إزاء العوامل والظروف البيئية، التي تواجههم، تصرفاً معيناً قد يمكن التنبؤ به؛ فيمكن التنبؤ ـ مثلاً ـ (بدرجة عالية من الاحتمال) بنوع تصرف أعضاء الأسرة، إذا ما واجهوا مشكلة عامة تمس كيان الأسرة ومستقبلها. كما يمكن التنبؤ (بدرجة عالية من الاحتمال) بتصرف أعضاء عصابة من اللصوص، إذا نافستهم عصابة أخرى في المنطقة.




الروابط داخل الجماعة

          يسود داخل الجماعة عدة أنواع من الروابط، منها الروابط الوجدانية أو المستمدة من السلطة والقوة، أو قائمة على الاتصال بين الأعضاء، أو المستمدة من وجود هدف مشترك.

1. الروابط الوجدانية Affect Linkage

      هي الروابط الخاصة بمشاعر الحب والكره، والتقبل والنبذ، السائدة بين أفراد الجماعة. وتظهر، عادة، في انتشار التعاون والمحبة بين أعضاء الجماعة، حيث يهبُّون لمعاونة بعضهم بعضاً تلقائياً، من أجل تسيير حياة الجماعة. وتنتشر بين أعضاء الجماعة روح المرح والمداعبة، دون حساسية شديدة تؤدي إلى جرح للمشاعر والأحاسيس. ويتقبل أعضاء الجماعة اختلاف وجهات النظر بصدر رحب، ما يساعد على تطوير أساليبهم في الأداء. وبمعنى أخر، لا يكون اختلاف وجهات النظر مدعاة للثورة والغضب والتفكك الاجتماعي داخل الجماعة. وهذا كله يؤدي إلى تماسك الجماعة، فلا يرغب أحدهم في تركها أو مغادرتها ويكون كل عضو فيها فخوراً بانتسابه إليها. وبصفة عامة ينتشر بين الأعضاء الشعور "بالنحن".

2. الروابط المستمدة من السلطة والقوة Power Linkage

      للسلطة والقوة داخل الجماعة ستة مصادر، هي: قوة الإثابة، وقوة العقاب، والقوة الشرعية الرسمية، والقوة التوحدية (أي التوحد مع شخص له تأثيره على الآخرين، مثل الابن مع الأب والتلميذ مع المدرس)، وأخيراً قوة الخبير.

      ويظهر هذا النوع من الروابط في مشاركة كل عضو من أعضاء الجماعة في مسؤولية تنظيم أنشطة الجماعة وتنفيذها، تبعاً لما لديه من مصادر القوة. فيعرف كل منهم ما يجب عليه عمله، ومع من يعمل، ومتى يعمل، وكيف يعمل؟ ويكون ذلك من خلال تنظيم شامل تضعه الجماعة بتوجيه من القائد.

      وبناء على هذه الروابط يسهل ضبط الجماعة والسيطرة عليها، دون إفراط أو تفريط، إذ إن الإفراط في الضبط يجعل المحافظة على بنية الجماعة مسؤولية القائد فقط، كما أن التفريط في الضبط يؤدي إلى الفوضى والاضطراب.

      وتؤدي هذه الروابط إلى سرعة اتخاذ الجماعة للقرارات، لأن السلطة تكون موزعة، ولأن الجميع يشارك في اتخاذ القرار ومستعد للمشاركة في تنفيذه، ولأن الجميع مستعد لتقبل المخالفة في الرأي بطيب خاطر، ودون قسر أو قهر. كذلك، يساند قائد الجماعة مَنْ يوكل إليهم تنفيذ المهام، ولا يتصيد لهم الأخطاء.

3. روابط الاتصال Communication Linkage

      لا تستمر الجماعة عندما تكون الاتصالات بين أعضائها غير سوية أو غير مناسبة. ويظهر هذا النوع من الروابط في وجود قدر مشترك من المعلومات التي تهم الجماعة بين أعضائها. فلا يحتفظ القائد بكل المعلومات، كما لا يغرق الجماعة بالمعلومات. ويحرص كل فرد على أن يشارك غيره فيما لديه من معلومات تهم الجماعة، وتساعد في تسيير أمور حياتها. أي أن شبكة المعلومات لا تكون من القمة للقاعدة فقط، بل ومن القاعدة للقمة وبين الأعضاء. إن هذا من شأنه أن يقلل من مشاعر النبذ والعداوة، ويزيد فرص تأثير كل عضو من أعضاء الجماعة في الآخر.

4. الروابط المستمدة من وجود هدف مشترك Goal Linkage:

      من المعروف أن وجود هدف مشترك تسعى الجماعة نحو تحقيقه، أمر يؤدي إلى وحدة الجماعة وتماسكها، وإلى تنظيم العمل وتوزيع الأدوار توزيعاً مناسباً بداخلها. ويظهر هذا النوع من الروابط في معرفة أعضاء الجماعة الأهداف المشتركة، التي تسعى الجماعة نحو تحقيقها وكيفية تحقيقها. ومن ثم يكون كل فرد مستعداً لأن يتعلم كل ما هو جديد. ويؤدي ذلك إلى تحقيق أهداف الجماعة، وإلى تأدية ما يجب على الفرد أن يؤديه من واجبات، فلا يسعى إلى التهرب من أدائها، أو البحث عن طرق وأساليب ملتوية أو منحرفة لأدائها. كما يكون الفرد منتظماً وملتزماً ومتفانياً في أدائه للواجبات في مواعيدها، دون تلكأ أو تسويف، وفضلاً عن ذلك يكون كل عضو مستعداً لتحقيق درجة من التوفيق أو التكامل بين أهدافه الشخصية وأهداف الجماعة، من أجل ألاّ تتعرض أهداف الجماعة للخطر.




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:31 pm

الحركات الاجتماعية



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2727   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2728   أسس الحركة الاجتماعية ومراحل نموها
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2729   أشكال الحركات الاجتماعية ومصادرها
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2730   المصادر والمراجع



       
مقدمة

          يُلاحظ الفرد، داخل المجتمع الذي يعيش فيه، وجود جماعات أو فئات اجتماعية معينة لها أهداف خاصة، تسعى إلى تحقيقها بوسائل مشروعة أو غير مشروعة. وتختلف هذه الأهداف من جماعة إلى أخرى؛ فهناك بعض الجماعات، مثلاً، التي تسعى إلى تحقيق إصلاحات اجتماعية داخل المجتمع، كإصلاح شؤون المرأة أو التعليم أو الصحة، وتُسمى هذه الجماعات بـ"الحركات الاجتماعية" Social Movements. ونوع ثانٍ يهتم بالشؤون السياسية والانتفاضات الشعبية، وهذه تُسمى بـ"الحركات السياسية". ونوع ثالث يتعرض لإصلاح الشؤون الدينية، والمناداة بالعودة إلى أصول الدين في معينة الصافي وتغيير المجتمع بالقوة، مثل حركات التطرف الديني. مثل هذه الجماعات (إذا صح أن نطلق عليها هذه التسمية) هي حركات اجتماعية، تحدث في كل مجتمع، سواء في الماضي أو الحاضر. فالحركات الاجتماعية، إذن، تمثل ثقافة معينة، قد تكون إصلاحية للمجتمع أو مضادة متطرفة تتصارع مع القيم والمعايير الموجودة داخل المجتمع الأوسع. وتحدث هذه الحركات، عادة، نتيجة عدم الرضا الصارخ عن الأوضاع الراهنة Status Que، بهدف إحداث تغيير عميق داخل البناء الاجتماعي. وتستند الحركة في التزامها التغيير إلى الإرادة الواعية للأعضاء الذين يلتحقون بها، فعنصر الإرادة هو الذي يمنح المعتقدات، التي يؤمن بها أعضاء الحركة، فعاليتها الاجتماعية.

          ويُشير المعنى العام لمفهوم "حركة اجتماعية" إلى سلسلة الأفعال والجهود، التي يقوم بها عدد من الأشخاص من أجل تحقيق هدف معين، أو مجموعة أهداف مشتركة. ويتجه هذا الجهد نحو تعديل أو تغيير موقف اجتماعي قائم. غير أن هذا التعريف العام لم يتناول مسائل، مثل: درجة التنظيم في الجماعة، أو وضوح الأهداف. وهذه مسائل تختلف من حركة اجتماعية إلى أخرى. وقد أوضح أحد العلماء، من خلال دراسته عن السلوك الجمعي، أن الحركات الاجتماعية هي مشروعات جماعية تستهدف إقامة نظام جديد للحياة، وتستند إلى إحساس بعدم الرضا عن النمط السائد والرغبة في إقامة نمط جديد. لذلك، تميل الحركات الاجتماعية إلى الجمهور، وتنمو خلال فترات الكساد الاقتصادي أو الهزائم العسكرية. إن مثل هذه الظروف قد تكون مواتية تماماً لانضمام الأفراد إلى الحركات الاجتماعية، ذات الاتجاهات المختلفة.

          إن الحركة الاجتماعية هي بمثابة جهد جماعي مقصود وموجه، لتغيير المجتمع في أي اتجاه وبأي وسيلة بما في ذلك العنف واللاشرعية والثورة والانسحاب من الواقع. ومن ثم، تحتاج إلى نموذج معين للتنظيم، كما تستند إلى عادات وتقاليد وقيادة ومجموعة قيم وأدوار اجتماعية.

          وعلى الرغم من تباين التصورات والتعريفات المختلفة للحركة الاجتماعية، فإنه بالإمكان الوقوف على بعض العناصر المشتركة، التي قد تصلح أساساً لتصور واضح لمعنى الحركة الاجتماعية. تصور يتسم بقدر واضح من الشمول والمرونة والملاءمة الواقعية، في آن واحد.



       

أسس الحركة الاجتماعية ومراحل نموها

          على أساس أن الحركة الاجتماعية مؤسسة جماعية، تتجاوز أُطر المجموعة المحلية والحدث الفرد، وتقوم بعمل منظم يهدف إلى تحول في الفكر والسلوك والعلاقات الاجتماعية، فإن للحركات الاجتماعية ثلاثة أسس مهمة هي:

1. تقديم برنامج إصلاحي للمجتمع، يتضمن، بالضرورة، تغييراً في قيم المجتمع بغرس قيم جديدة، أو إعادة ترتيب القيم القديمة.

2. تحقيق الإشباع لأعضاء الحركة الاجتماعية، بما يعني تعويضهم عمّا يعانون من الشعور بعدم الرضا.

3. تكوين علاقات وبناء سلطة جديدة، وهو ما يشمل تغيير بناء ومكانة الطبقات في المجتمع.

          وتمر الحركة الاجتماعية بمراحل محددة حتى تصبح مستقرة وثابتة داخل المجتمع، وذلك على النحو الآتي:

المرحلة الأولى:

وتعتمد على شخصية مؤسسها وما يتمتع به من جاذبية وقدرة على التعبير والإقناع، تجعل الناس يلتفون حوله. وتُسمى هذه الصفات "الكرزما" Charisma  (الطاقة الملهمة أو الروحية غير العادية). وخلال سنوات التكوين الأولى، تتخذ معظم الحركات الاجتماعية شكل الجماعة الأولية غير الرسمية. وتبدأ العملية أساساً بأن يؤثر مؤسس الحركة في مجموعة الأفراد الذين يتبعونه. ويتأثر كل فرد منهم بمؤسس الحركة من خلال الاتصال المباشر معه، بوصفه قائدهم الملهم. ومثل هذا الاتصال يمد الأفراد بالتماسك والدينامية (التغير). وفي البداية لا نجد أية رغبة لدى هذه الجماعة الأولى في تكوين تنظيم اجتماعي. فهي في وضع لا يتعدى الاستماع والامتثال للتعاليم الجديدة، التي يلقنها لهم قائدهم الملهم. وبنمو الجماعة يتجه المؤسس نحو وضع تنظيم للحياة والسلوك، مثل تعاليم حسن البنا للإخوان المسلمين، وتعاليم بوذا للذين يريدون طريق الخلاص، ومارتن لوثر كنج لأتباعه، وهكذا.

وفي الحقيقة لا تمثل مسائل التعاليم مشاكل حادة في هذه المرحلة من مراحل تطور الحركة الاجتماعية. كما أن قليلاً من الاستفسارات الفكرية قد تعطي إيضاحاً للأسئلة الخاصة بطبيعة المؤسس وسلطة رسالته. وعلى الرغم من ظهور تلك المسائل في وقت مبكر من تطور الحركة، إلا أن وجود المؤسس على قيد الحياة يمنحه الشرعية في السيطرة على أتباعه. ولكن هناك مسائل مثيرة للخلاف تتمثل في كيفية نقل السلطة إلى الآخرين، وكذلك البناء الهرمي للأفراد داخل الحركة.

المرحلة الثانية:

          تتحول الحركة الاجتماعية إلى ما يُسمى بالتنظيم الرسمي لجماعة الأفراد، الذين يلتفون حول رسالة محددة تتعلق بالقضايا التي يؤمنون بها. وفي هذه المرحلة ـ ويتحمل مسؤوليتها، عادة، الجيل الثاني من الأتباع ـ تتضح بشكل كبير الصفات المتطلبة للعضوية. كما أن حدود السلطة للتنظيم تزداد وضوحاً. وتأخذ الاعتقادات الخاصة بالشخص المؤسس ورسالته شكل العقيدة الرسمية، التي يُعد الخروج عنها خروجاً على الحركة نفسها.

          وفي هذه المرحلة يمكن أن تظهر انشقاقات أو صراعات داخل الحركة، ومن ثم فلا بد من ظهور مؤسس ثانٍ لدعم الحركة.

المرحلة الثالثة:

          تتميز بالتوسع والتنوع، وبهذا تصبح الحركة أكثر تماسكاً وتتخذ أشكالاً متعددة من التنظيم. وتختلف الحركات الاجتماعية فيما بينها في أمر توسعها: فمنها ما يقبع تحت تأثير حدود العنصر أو الطبقة أو الثقافة، ومنها ما يتخطى هذه الحدود، كالحركات الدينية التي حوّلت إلى صفها عديداً من الأفراد ذوي المكانة السياسية والوضع الاقتصادي المرموق. وفي هذه المرحلة، أيضاً، تواجه الحركة الخطر الناجم عن نجاحها في التوسع والانتشار، أو الصراع بين التركيز على المبادئ الاجتماعية والأخلاقية التي تعتنقها. وتواجه الحركات أزمات حول سبب عدم تحول الأهداف التي تعتنقها إلى حقائق ملموسة وقابلة للتطبيق، على الرغم من النجاح الواضح للحركة الاجتماعية في كسب المزيد من الأتباع والمريدين والأعضاء الجدد.

          وأخيراً، تتفاوت الحركات الاجتماعية تفاوتاً كبيراً في مراحل تكوينها وتطورها وفي أسلوب تنظيمها. فبعض الحركات قد يتبنى أسلوباً تنظيمياً فضفاضاً، وبعضها الآخر قد يعتمد على تنظيم هرمي دقيق ومحكم.

          وقد ظهرت أشكال عديدة للحركات الاجتماعية المعاصرة، كالحركات الدينية والقومية والعنصرية والطبقية والأخلاقية والثورية والثقافية والشبابية والنسائية.




       

أشكال الحركات الاجتماعية ومصادرها

          إن أي محاولة لتصنيف أشكال الحركات الاجتماعية لا بد أن يأخذ في الاعتبار عوامل عديدة، منها: طبيعة الالتزام بالتغيير السياسي والشكل التنظيمي، الذي قد تتخذه الحركة، فضلاً عن تنوع وتعدد المبادئ التي قد تتبناها. كذلك، فإن الحركة الاجتماعية الواحدة قد تتخذ أشكالاً تنظيمية مختلفة؛ فالحركات القومية والطبقية والإصلاحية والثورية قد تعبر عن نفسها في شكل أحزاب سياسية أو جماعات ضاغطة أو نقابات عمالية. وفي ضوء ذلك يمكن الإشارة إلى عدة أشكال للحركات الاجتماعية المعاصرة، مثل الحركة الاجتماعية الدينية والقومية والعنصرية والعمالية.

1. الحركات الاجتماعية الدينية

      يمثل الدّين مصدراً مهماً للحركات الاجتماعية الدينية؛ فالحركة الدينية هي جماعة تنادي بفكر ديني يختلف عن الفكر السائد في المجتمع. وقد ظهرت الحركات الدينية منذ القِدم؛ في الإسلام منذ القرن الأول الهجري عُرفت حركات الخوارج. وفي أثناء الثورة الإصلاحية التي قادها مارتن لوثر ظهرت حركة متطرفة بهدف إحداث تغييرات جذرية في المجتمع الغربي. وتبدأ الحركة الدينية، عادة، بنقد الفكر الديني السائد، لينتهي بها المطاف إلى نقد النظام السياسي. لذلك، فهي دعوة للتغيير ترفض الواقع.

2. الحركات الاجتماعية القومية

      تمثل "القومية" مصدراً مهماً للحركات الاجتماعية والسياسية. وتستند القومية كمفهوم سياسي إلى دعائم مختلفة. فقد تشكل الاعتبارات الثقافية واللغوية والدينية مصدراً مهماً لكثير من الحركات القومية، كما هو الحال في فرنسا والشرق الأوسط وأفريقيا. وتبدأ تلك الحركات، عادة، بظهور جماعات من المثقفين الوطنيين يسعون إلى إبراز الطابع القومي المميز لقومياتهم، ومحاولة إكسابها طابعاً سياسياً مستقلاً. ولاشك أن الحركات القومية لعبت دوراً مهماً في مناهضة الاستعمار في الدول النامية، خلال فترة الحكم الاستعماري لتلك الدول. لذلك، يمكن القول إن الحركة القومية في المجتمعات النامية كانت إحدى نتائج الصراع، من أجل تحقيق الاستقلال. كما أنها كانت نابعة من طبيعة المشكلات، التي تواجه هذه المجتمعات بعد تحقيق الاستقلال، ولحاجتها إلى بناء أمة متماسكة وتحقيق استقلال اقتصادي واجتماعي.

3. الحركات الاجتماعية العنصرية

      يمثل العرق (العنصر) دوراً مهماً في تشكيل الحركات الاجتماعية العنصرية، حيث يمكن النظر إلى العرق على أنه تعبير عن جماعة إنسانية تشترك في خصائص متماثلة أبرزها لون البشرة. وقد استند التعصب العنصري على أساطير تدعم سيطرة عرق معين على الأعراق الأخرى، وتبرير الممارسات الواضحة لاضطهاد الجماعات العنصرية الضعيفة. وعلى الرغم من أن التاريخ قد شهد حركات عنصرية عديدة، إلاّ أن أبرزها وأوضحها كانت "حركة الزنوج من أجل المساواة مع البيض". ومن الأساطير العنصرية التي تمثل مصدراً لحركات اجتماعية دونية: الزنوج، وانحطاط اليهود، وسمو العنصر الآري.

4. الحركات الاجتماعية العمالية

      كانت الطبقة العاملة مصدراً مهماً لكثير من الحركات الاجتماعية الحيوية، وذلك من خلال الاحتجاجات العمالية على نظام العمل الصناعي الاستغلالي، وانخفاض الأجور، وطول ساعات العمل.

      لعبت الحركات العمالية دوراً بارزاً في مجال الرعاية الاجتماعية للعمال، كما أن كثيراً منها كان نُتاجاً للأفكار التي تبنتها الأحزاب الاشتراكية، والتي رفعت مبدأ المساواة وتكافؤ الفرص. ولكن يلاحظ أن الحركات العمالية فقدت ـ كما يقول بعض علماء الاجتماع ـ كثيراً من حماس الطبقة العاملة، تجاه الأهداف والمبادئ الاجتماعية والثقافة المميزة لتلك الحركات.




   

       
المصادر والمراجع

1.   جيمس بكفورد، "تأويل الحركة الاجتماعية الدينية"، في كتاب "أبعاد الدين الاجتماعي"، ترجمة صالح البكاري، الدار التونسية للنشر، تونس 1993.

2.   السيد الحسيني، "علم الاجتماع السياسي ـ المفاهيم والقضايا"، دار قطري بن الفجاءة، الدوحة، 1986، ط4.

3.   السيد الحسيني، "مفاهيم علم الاجتماع"، دار قطري بن الفجاءة، الدوحة، 1987.

4.   عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

5.   محمد أحمد بيومي، "علم الاجتماع الديني"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1988.

6.   محمد ياسر الخواجة، "علم الاجتماع الديني ـ المفاهيم والقضايا"، دار المصطفى للنشر والتوزيع، طنطا، 2003.

7.      Lesswell, H. P., Social Movement (The Psychology of Hiterism, in Rose (ed) The Study of Society, Random House, N. Y., 1967.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:34 pm

الاتفاق الاجتماعي



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2731   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2732   مقومات الاتفاق الاجتماعي وخصائصه
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2733   المصادر والمراجع

       

مقدمة

          يُشير مفهوم "الاتفاق الاجتماعي" Social Consensus إلى الاتفاق بين الأشخاص، الذين يهتمون بموضوع أو موقف مشترك. وقد يعبر هذا المفهوم عن مجموعة القيم والمعتقدات والاتجاهات، التي يسلكها أعضاء ثقافة معينة، وتمثل إطاراً متفقاً عليه بينهم، بذلك يكون الاتفاق الاجتماعي أحد عوامل التكامل الاجتماعي. كما يتضمن مفهوم الاتفاق الاجتماعي تحديد نطاق الاتفاق من طريق أفراد أو جماعات يسود بينها الصراع؛ لذا، فقد ربط علماء الاجتماع بين الصراع والاتفاق الاجتماعي في كل المواقف.

          والاتفاق نوع من التضامن والمشاركة في القيم والأهداف والقواعد، التي تحكم النسق الاجتماعي، وهو شعور بالاتحاد أو الكيان الكلي. والاتفاق قد لا يكون كاملاً داخل البناء الاجتماعي (المجتمع)، فقد يكون كبيراً لموضوعات أو مواقف معينة، كالتسليم بوجود الله، وقد يكون محدوداً لمواقف أخرى، كاختيار الحكام أو ممثلي المجالس النيابية، أو لموضوعات تتصل بأسلوب الحكم أو طريقته في تطبيق القانون. كذلك، تختلف نسبة السكان الذين يشتركون في الاتفاق حول نقاط مرجعية معينة. فقد يكون الإجماع حول بعض الموضوعات أكثر من الإجماع حول موضوعات أخرى، مثل الإجماع حول ضرورة المساواة بين أفراد المجتمع في جميع الحقوق والواجبات؛ ولكن هناك خلافات بين فئات عريضة في المجتمع، حول حق المرأة في العمل أو تقلد المناصب القضائية.

          إن الاتفاق جزء ضروري من مكونات النظام الاجتماعي العام، إذ يتعين أن يوجد قدر من الاتفاق العام حول شرعية النظام وتوزيع الأدوار وبناء المكانة وتحديد المسؤوليات. ومع هذا فمن العسير تحقيق اتفاق أو إجماع مطلق في المجتمعات الكبيرة أو المعقدة، التي توجد بها طبقات مختلفة المصالح، أو جماعات سلالية، أو مذاهب دينية، أو مجتمعات محلية متنوعة، أو ثقافات فرعية عديدة، أو توزيع غير متعادل للسلطة أو القوة والدخل، أو تباين القدرات وفرص التعليم والموارد والمهن. وقد حدا هذا بعلماء الاجتماع الوظيفيين إلى التأكيد على ضرورة توافر قدر واسع من الاتفاق، على التدابير السياسية والدينية داخل المجتمع.

          مما سبق يتضح أن الاتفاق الاجتماعي يعني الاتفاق بين شخصين، أو أكثر، على المبادئ العامة، التي تنظم سلوك كل منهم تجاه الآخر. إن الاتفاق العام قائم في جميع مجالات الحياة الاجتماعية؛ فهناك اتفاق بين العلوم وبين الفنون، وبين المجتمع المدني والمجتمع السياسي، وبين السنن والأفكار. ويرجع ذلك إلى أن الاتفاق الاجتماعي يُعد الأساس الحقيقي للتضامن الاجتماعي، وتقسيم العمل الاجتماعي الذي يُعد السبب الرئيسي في تطور المجتمع وتقدمه.


   
       

مقومات الاتفاق الاجتماعي وخصائصه

          للاتفاق الاجتماعي مقومات ضرورية يمكن تصنيفها في مجموعتين أساسيتين كالآتي:

1. المجموعة الأولى: تتعلق بالمقومات الأساسية أو الأولية Primary Components:

      وهي العوامل المتصلة بالعنصر أو السلالة أو الدين أو السن أو النوع. فكلّما كانت هذه العوامل متجانسة ومتشابهة إلى درجة كبيرة كان الاتفاق العام أو الاتفاق الاجتماعي متشابه إلى حد كبير. فمثلاً، يسود الاتفاق الاجتماعي في المجتمعات البسيطة، التي تتشابه في خصائصها الثقافية والسلالية والدينية، أما في المجتمعات المعقدة أو الكبيرة، التي تتكون من جماعات متباينة، من ناحية السلالة أو الجنس، وتتنوع فيها الثقافات الفرعية والانتماءات الطبقية، مثلاً، فإن تنوع هذه العناصر وتلك الخصائص يؤدي إلى صعوبة تحقيق الاتفاق الاجتماعي.

2. المجموعة الثانية: تتصل بالمقومات الثانوية Secondary Components:

      وهي العوامل المرتبطة بالطابع القومي أو الشخصية الجماعية، وتنبع من الحقيقة الاجتماعية، التي تنطوي على عملية التفاعل الاجتماعي. وتتفاعل في ذلك مجموعة خصائص تتعلق بالوسط الاجتماعي والنفسي والديموجرافي، التي تؤكد على الدور المحوري، الذي يلعبه الاتفاق (الإجماع) بين الناس على القيم الأخلاقية، في المحافظة على النظام الاجتماعي.

          تعرضت فكرة الاتفاق الاجتماعي إلى الهجوم والنقد في عقد السبعينيات، نظراً لأن الإجماع الكلي غير موجود استناداً إلى منظور واسع لنظرية الصراع. ومع هذا يرى كثير من العلماء ضرورة توافر بعض المعايير المشتركة، من أجل الحياة الاجتماعية.

          إن الإجماع الاجتماعي متغير داخل الأنساق الاجتماعية، التي تراوح ما بين جماعات تضم عضوين أو أكثر إلى مجتمعات كاملة، ويتحقق الاتفاق الاجتماعي عندما يتفق أعضاء تلك الأنساق ـ في حالة الاتفاق الإيجابي ـ على مسائل أخلاقية أو إدراكية ترتبط بأفعالهم، أو تخص الأشخاص الرئيسيين، أو تخص الأدوار الرئيسية في النسق. ومن ثم فإن الاتفاق الاجتماعي يقوم على الاتفاق حول القواعد، التي ينبغي أن تحكم سلوك الأفراد فيما يتعلق بأهداف النسق وتحديد الأدوار والمكافآت، داخل النسق الاجتماعي.

          وثمة عنصر آخر يَكْمن في الإجماع أو الاتفاق الاجتماعي، وهو التماسك الذي يُكَوِّن الشعور بالذاتية المشتركة المنبثقة من روابط العواطف الشخصية أو الخصائص الأصلية (السلالة والقرابة والمكانة الاجتماعية والارتباط المشترك بالأشياء المقدسة في الثقافة).

          وأخيراً، يجب تحقيق الاتفاق الاجتماعي حول المسائل الأساسية في المجتمع، مثل: توزيع السلطة والدخل والثروة والقواعد السلوكية، وتوزيع الأدوار والمسؤوليات والمكافآت. فإن ذلك يساعد على تحقيق تماسك المجتمع واستمراره لفترات طويلة من دون صراعات وحروب أهلية وبلا ثورات شعبية.





       
المصادر والمراجع

1.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

2.   مصطفى خلف عبدالجواد، "قراءات معاصرة في نظرية علم الاجتماع"، مطبوعات مركز البحوث والدراسات الاجتماعية، كلية الآداب، جامعة القاهرة، 2002.

3.   ميشيل مان، موسوعة العلوم الاجتماعية"، ترجمة عادل الهواري وسعيد مصلوح، مكتبة فلاح، العين، 1994.

4.   نيقولايتما شيف، "نظرية علم الاجتماع وطبيعتها وتطورها"، ترجمة محمود عودة وآخرون، دار المعارف، القاهرة، 1978، ط 5.

5.      Small, A. W. General Sociology, Uni. of Chicago Press, Chicago, 1955.

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:37 pm

المجتمع



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2734   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2735   مقومات المجتمع وشروطه
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2736   أنماط المجتمعات
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2737   المصادر والمراجع


       
مقدمة

يشير مفهوم "المجتمع" Society إلى جماعة من الناس يعيشون معاً في منطقة محددة، تجمع بينهم ثقافة مشتركة تختلف عن غيرها من الثقافات. كما ينظرون إلى أنفسهم ككيان واحد متميز، يتكون من بنيان من الأدوار المتصلة ببعضها ببعض، تتبع في سلوكها المعايير الاجتماعية السائدة. ويتضمن المجتمع جميع النظم الاجتماعية الأساسية الضرورية، كالنظام الاقتصادي والسياسي والتربوي والديني، لمواجهة الحاجات البشرية الأساسية. ويكون المجتمع مستقلاً (ليس بمعنى اكتفائه الذاتي التام من الناحية الاقتصادية) بشموله جميع الأشكال التنظيمية الضرورية لبقائه.

وعلى الرغم من سهولة إدراك المجتمع واقعياً والعيش فيه، إلاّ أنه من الصعب التوصّل بين علماء الاجتماع إلى تعريف محدد للمجتمع، على المستوى الاصطلاحي. فبعض العلماء يُعرَّف المجتمع ـ مثلاً ـ بأنه مجموعة من الأفراد تعيش في بقعة جغرافية محددة من الناحية السياسية ومعترف بها، ولها مجموعة من العادات والتقاليد والمقاييس والقيم والأحكام الاجتماعية والأهداف المشتركة المتبادلة، التي أساسها الدين واللغة والتاريخ والعنصر. كما يُعرَّف آخرون المجتمع بوصفه جماعة من الأفراد تكون في حالة اتصال دائم، ولها أهداف ومصالح مشتركة متبادلة. وهم يعنون بالاتصال الدائم جميع التفاعلات والروابط، التي تجمع بين الأفراد، مهما كانت تلك الروابط: مباشرة أو غير مباشرة، شعورية أو لا شعورية، تعاونية أو عدائية. وعلى ذلك، يتكون المجتمع من مجموعة من جماعات اجتماعية، تكون في حالة اتصال وتفاعل الواحدة بالأخرى.

وثمة اتفاق عام على أن المجتمع هو الجماعة الاجتماعية الأكبر، وأنه مجموعة من الأشخاص تتفاعل اجتماعياً إلى درجة أن كل واحد يدرك وجود الآخر، وأنهم يعدون أنفسهم وحدة اجتماعية واحدة، تشترك في اللغة والفكرة الوحدة، وتعيش داخل حدود إقليمية محددة.

وهذا يعني أن مفهوم "المجتمع" يدل على ثلاثة معانٍ: أولها، أن المجتمع يدل على الحقيقة الأساسية للرابطة الإنسانية. والثاني يتضمن كل نوع وكل درجة من درجات العلاقات المتبادلة بين الناس، سواء كانت العلاقات منظمة أو غير منظمة، مباشرة أو غير مباشرة، شعورية أو لا شعورية، تعاونية أو عدوانية، فهي تشمل النسيج الاجتماعي الكلي للعلاقات الإنسانية. وأخيراً يدل مفهوم المجتمع على أشكال متعددة من المجتمعات المحددة واسعة الانتشار. وعلى هذا، فإن المجتمع في تعريفه الشامل والمحدد هو: جماعة من الناس تتوافر فيها أربعة مقومات، هي: "الإقليم المحدد، والتكاثر من طريق الجنس، والثقافة الشاملة، والاستقلال".





مقومات المجتمع وشروطه:

          بيَّن بعض علماء الاجتماع أن تحديد المجتمع يتطلب توافر شروط وظيفية معينة، هي:

1. نسق الاتصال والتفاعل بين أفراده.

2. نسق الاقتصاد الذي يختص بأمور الإنتاج وتوزيع السلع والخدمات.

3. أجهزة التنشئة الاجتماعية، كالأسرة والمدرسة ووسائل الإعلام.

4. نسق السلطة وتوزيع محدد للقوة يصون التماسك الاجتماعي ويدعمه، ويحدد الأحداث الشخصية المهمة، مثل الولادة والوفاة والزواج.

          وفي هذا الصدد تُوجد أربعة مقومات أساسية تميز المجتمع، هي:

المقوم الأول:  قدرة المجتمع على الاستمرار إلى مدى زمني أطول من عمر الأعضاء، الذين يكونون ذلك المجتمع، بمعنى بقاء المجتمع واستمراره على الرغم من فناء الأجيال المختلفة واندثارهم.

المقوم الثاني:  قدرة المجتمع على تجديد نفسه من خلال التناسل، من ناحية، عن طريق غرس ثقافته من خلال توافر نظام تربوي قادر على تحقيق التنشئة الاجتماعية للأعضاء الجدد، وفقاً لثقافة المجتمع ونظمه، من ناحية أخرى.

المقوم الثالث:   مدى توافر مجموعة من المعايير المشتركة المنظمة للأفعال الاجتماعية للأعضاء، ومدى توافر الشعور بالولاء للمجتمع لدى هؤلاء الأعضاء. وتُعد المعايير Norms موجهات للسلوك الذي يجب الأخذ به، أو تطبيقها في مواقف اجتماعية محددة. وتتحدد الالتزامات، التي يمليها دور الشخص في الجماعة الاجتماعية، عن طريق هذه المعايير التي تضعها الجماعة أو التي تسير عليها. وعلى هذا الأساس فإن المعايير الاجتماعية تكون بمثابة قواعد أو مبادئ سلوكية عامة ملزمة للأفراد، ابتداءً من الأفعال البسيطة في الحياة اليومية، انتهاء بالأحكام الأخلاقية المعقدة، التي تزيد من وحدة المجتمع وتماسكه من خلال تقبل الأفراد لها.

المقوم الرابع:  مدى قدرة المجتمع على تحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال النسبي. ويُقصد بالاستقلال النسبي هنا معنيان؛ أولهما، أن يكون المجتمع وحدة قائمة بذاتها وليس فقط جماعة أو جماعات فرعية ينتمي كل منها إلى مجتمع آخر؛ وثانيهما، أن يتحقق التكامل داخل المجتمع، وأهم مقومات التكامل الاجتماعي هو الاعتماد المتبادل بين الأعضاء، ووجود معايير وقيم يخضع لها الأفراد في سلوكهم، ويسيرون وفقاً لها.

          إذا كان المجتمع مجموعة من الكائنات البشرية، التي تتميز بقدر ملحوظ من الاكتفاء الذاتي والقدرة على الاستمرار في البقاء لمدة أطول من حياة الفرد (وذلك من خلال التناسل الجنسي أساساً)، فقد حُدِدَّت أربعة ظروف مهددة لوجود المجتمع هي: الانقراض البيولوجي (الإنجابي)، أو تشتت السكان وتفرقهم، وسلبية الأفراد، والحروب المؤدية إلى الإبادة، وذوبان المجتمع في مجتمع آخر. وقد دفعت هذه الظروف إلى التأكيد على أهمية المتطلبات، التي تمكن المجتمع من البقاء. وأهم هذه المتطلبات الاكتفاء الذاتي الضروري للاستمرار في الوجود. وإذا أمكن للمجتمع تفادي الظروف المؤدية إلى تلاشيه، فإنه يستطيع ـ بعد ذلك ـ تطوير الوسائل والأساليب التي تمكنه من التناسل المنظم المستمر، وتنظيم علاقاته بالبيئة التي يوجد فيها، وتحديد الأدوار الاجتماعية، وصياغة الأهداف العامة، فضلاً عن أساليب الضبط الاجتماعي.





       

أنماط المجتمعات: Types of Societies

          منذ أن عُرِف علم الاجتماع فثمة جهود مبذولة، من أجل الوصول إلى تصنيف دقيق لأنماط المجتمعات. وربما كانت الثنائيات هي المحاولة المنظمة في هذا المجال؛ فمثلاً يمكن التمييز بين المجتمع البسيط والمجتمع المعقد. ففي المجتمع الأول تسيطر الجماعة على الفرد وترسم له موقفاً ثابتاً لا يتغير أبداً، بينما في المجتمع الثاني يعبر الفرد عن نفسه ويتمتع باستقلال يمكنه من إجراء حسابات عقلية، والدخول في علاقات تعاقدية مع الأفراد الآخرين.

          إن كل محاولات العلماء من أجل تنميط المجتمعات، أغفلت عدم وجود مجتمع يتصف بالتقليدية المطلقة. تماماً كعدم وجود مجتمع يتصف بالحضرية الكاملة؛ ولكن هناك مجتمعات تغلب عليها الصفة الدينية وأخرى الصفة المدنية. وهذه الأنماط من المجتمعات ما هي إلاّ تصنيفات تفيد في التحليل.

          وثمة أمثلة أخرى لأنماط المجتمعات، منها:

1. المجتمع المحلي Local Community:

      يتسم المجتمع المحلي بأن سلوك أفراده تنظمه إلى حد كبير العادات والتقاليد، ومن ثم، ففيه مكان ضئيل نسبي للاختيار الشخصي والقرار الفردي، إذ تحكمه مجموعة من القواعد والتنظيمات والمظاهر العديدة للحياة اليومية، تلك القواعد التي تحدد متى وأين ينبغي أن ينام الفرد؟، وأين يتناول طعامه؟، وأين يتعبد؟، وأين يتسامر؟، ومتى يمارس الجنس ممارسة شرعية؟، ومتى ولماذا يظل المرء عفيفاً؟. وما دامت السنن تمارس قهراً على السلوك فلا حاجة إلى القانون الوضعي الحكومي، فالقانون جزء من التقاليد ولكن التقاليد ليست مقننة ولا تستند على حكم العقل، ولا تملى على الأفراد بصورة تنم عن السلطة ولا تُشرع، لكنها تنبع من التجارب المتراكمة للمجتمع، وهي تُدمج في العادات المعروفة والمقبولة لدى الناس.

      والمجتمع المحلي مجتمع تقليدي، يحدث فيه التغير ببطء شديد، وينقل كل جيل إلى الجيل التالي أغلب الأساليب والمعايير والقوانين الاجتماعية، التي تحكم السلوك وتحدد الأدوار، التي يلعبها كل شخص داخل هذا المجتمع. كما ترتبط العناصر المختلفة في المجتمع المحلي التقليدي ارتباطاً قوياً، وتتكيف في مواجهة أي قدر من الصراع أو الانشقاق.

      وتتميز المجتمعات المحلية ببساطة مظاهر تقسيم العمل، والتباين المحدود في الأدوار. فدور الشخص البالغ في هذه المجتمعات هو، تقريباً، الدور نفسه، الذي يلعبه أي شخص من الرجال؛ ولكن ثمة اختلافات يسيرة بين المتزوجين والأرامل، والذين لم يتزوجوا بعد. والأدوار الاجتماعية المحلية وحدة كلية أو وحدة شاملة، وليست أدواراً متشعبة.

كما أن العلاقات الاجتماعية في هذا المجتمع علاقات شاملة وشخصية، كلها مودة وأُلفة. وهي علاقات تقوم على أهمية حقيقية فعلية، وليست أدوراً أدائية نفعية.

وتقتصر العضوية في المجتمعات المحلية الكبيرة على العضوية الجمعية في العائلة، والجماعات القرابية الكبيرة والصغيرة. وتقوم على أساس السن والجنس والمركز الزواجي في هذه المجتمعات.

كما يتصف المجتمع المحلي بأنه مجتمع صغير منعزل، يتميز بالأُمية والتجانس (التشابه) ويغلب عليه شعور قوي بتماسك الجماعة. وأقرب مثال ملموس للمجتمع المحلي هو: القبيلة في الصحراء، أو المجتمع الزراعي المنعزل.

2. المجتمع الحضري الحديث:

      هو مجتمع يقوم على الروابط القانونية وتضعف فيه قوة التقاليد. ويسود هذا المجتمع عدد قليل من المعتقدات والقيم ومستويات السلوك المقبولة قبولاً عاماً. أي يتضاءل فيه تأثير العرف والتقاليد، ويظهر فيه أثر القانون الرسمي في تنظيم السلوك وضبط التفاعل الاجتماعي. وتتميز هذه المجتمعات بالتغير السريع، وتفتقد الحياة الجمعية وحدتها، ويختفي التماسك، ويتباعد مكان العمل عن مكان الترويح، وتتزايد مظاهر تقسيم العمل، وتتعدد الأدوار الاجتماعية وتتكاثر. كما تتسم العلاقات الاجتماعية في هذه المجتمعات بأنها سطحية ووقتية؛ فالأفراد يرتبطون سوياً لتحقيق أغراض محددة، كما توجه المصالح الخاصة عملية التفاعل الاجتماعي في المواقف المختلفة. يتضح ذلك في العلاقة بين البائع والمشتري في السوق، فلا مجال للمجاملات، وكل شيء يحدده السعر وجودة السلعة. ومثل هذه العلاقات النفعية تتضاءل أمامها قيمة العواطف والخواطر الشخصية، وكلها علاقات تهدف إلى تحقيق غايات ومصالح خاصة.




       

المصادر والمراجع

1.   أحمد زكي بدوي، "معجم مصطلحات العلوم الاجتماعية"، مكتبة لبنان، بيروت، 1986.

2.   بوتو مور، "تمهيد في علم الاجتماع"، ترجمة محمد الجوهري وآخرون"، دار المعارف، القاهرة، 1981.

3.   دينكن ميتشيل، "معجم علم الاجتماع"، ترجمة إحسان محمد الحسن، دار الطليعة، بيروت، ديسمبر 1981.

4.   السيد الحسيني، "مفاهيم علم الاجتماع"، دار قطري بن الفجأة، الدوحة، 1987.

5.   علي خليفة الكواري، "تنمية للضياع أم ضياع لفرص التنمية، محصلة التغيرات المصاحبة للنفط في بلدان مجلس التعاون"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، مايو 1996.

6.   محمد سعيد فرح، "ما علم الاجتماع"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000.

7.   محمد عاطف غيث، "علم الاجتماع"، دار المعارف، القاهرة، 1967.

8.   محمد ياسر الخواجة، "علم الاجتماع الاقتصادي بين النظرية والتطبيق"، دار الأهالي، سورية، 1998.

9.      Young, K. and Mack, R., Sociology and Social Life, American Book Co., N. Y., 1967.











الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:43 pm

الارتباط بالجماعة



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2738   مقدمة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2739   أشكال الارتباط بالجماعة وأنماطه
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2740   قياس الارتباطات الاجتماعية
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel2741   المصادر والمراجع


مقدمة

          يُعرّف، بشكل عام، مفهوم "الارتباط بالجماعة" Sociability أو "الألفة الاجتماعية"، بأنه: الميل إلى الارتباط أو الاتصال بالآخرين بحثاً عن السعادة التي يحققها التفاعل الإنساني، دون التفكير في أي أهداف عملية أو أي أغراض أخرى ذات أهمية.

          ويشترط أن يكون هذا الارتباط بين فرد وفرد، أو جماعة وجماعة، أو بين جماعة وفرد، لا بين أفراد أو جماعات، من ناحية وبين أشياء، من ناحية أخرى؛ لأن الأشياء لا تستطيع أن تتجاوب.

          ولا يمكن حدوث الارتباط بالجماعة ما لم يتحقق شرطان:

أولهما: الاحتكاك الاجتماعي Social Contact ، ويقوم على اقتراب فرد أو جماعة من فرد أو جماعة أخرى، عن طريق تبادل الرسائل اللفظية، كاللغة، أو الرسائل الرمزية، كإشارات اليد أو الإيماءات وغيرها.

ثانيهما: استمرارية التواصل Communication ، ويعني استمرار الاتصال لفترات زمنية طويلة، أو ما يُسمى بالاستمرار النسبي والتغير النسبي.

          وعلى هذا لا يعيش أفراد المجتمع منعزلين عن بعضهم، وإنما يتصل أحدهم بالآخر، مؤثراً فيه ومتأثراً به. وعن طريق هذا التأثير المتبادل تتشكل الحياة الاجتماعية، وينشأ المجتمع الذي يتألف من كل الارتباطات الاجتماعية التفاعلية، التي تربط الأفراد في كلٍ متكامل.

          والسلوك الاجتماعي هو السلوك الذي يحمل معنى خاصاً يقصده فاعله، بعد أن يفكر في رد الفعل المتوقع من الآخرين، المتوجه إليهم سلوكه. ولهذا، فالمعنى الذي يفكر فيه ويقصده هو الذي يجعل السلوك اجتماعياً. فعلى سبيل المثال، يُعد الحادث الذي يقع دون قصد بين راكبي دراجتين، هو ذاته سلوكاً طبيعياً وليس سلوكاً اجتماعياً، أما محاولتهما تفادي وقوع الاصطدام بينهما، واللغة التي يستعملانها بعد الحادث، فذاك سلوك اجتماعي.

          ويتضح ـ من هذا المعنى ـ أن "الارتباط بالجماعة" يتصل بمفهومي الاجتماعي Social ، والعزلة الاجتماعية Social Isolation. ومعنى "الاجتماعي" أن يشارك الفرد في المجتمع، أي يؤدي دوراً في حياة المجتمع، ويراعي قواعده العامة وقوانينه وأعرافه وقيمه. وتبدأ هذه المشاركة من مراعاة قواعد اللياقة والآداب العامة، إلى التوافق مع قوانين المجتمع وقواعده العامة. كما تشير "اجتماعي" أحياناً إلى التقدم Progress إلى أقصى حد ممكن، ولا تعني فقط المحافظة على رفاهية المجتمع. كما يجب أن نميز بين مفهومَي "اجتماعي" و"حسن العلاقات والمودة". فزعيم العصابة أو تاجر المخدرات عضو في جماعة، ولكنه ليس اجتماعياً وليس بحسن المعشر.

          أما "العزلة الاجتماعية"، فمعناها عدم القدرة على إقامة اتصال اجتماعي مع الآخرين، وينتج عن ذلك انعدام فرص التفاعل الاجتماعي. إن الشخص المعزول قد يستجيب للبيئة الطبيعية المحيطة به، ولكنه يكون غير قادر على التفاعل مع البشر.


       

أشكال الارتباط بالجماعة وأنماطه

          يحدث "الارتباط بالجماعة" بأساليب وطرق متعددة، داخل المجتمعات البشرية. وحينما تستقر تلك الارتباطات وتتشكل وتأخذ أشكالاً منتظمة، فإنها تتحول إلى علاقات اجتماعية مباشرة، كارتباطات الأبوة والأخوة والصداقة والجيرة والنسب أو المصاهرة. وتكون هذه الارتباطات ـ عادة ـ واضحة في المجتمعات البسيطة وغير المعقدة، كمجتمع البدو أو القبيلة أو القرية.

          ولتوضيح طبيعة هذه العلاقات وأشكالها، حدّد علماء الاجتماع تصنيفات متعددة للارتباطات الاجتماعية كان من أهمها:

1. ارتباط اجتماعي تلقائي وتعاقدي:

      إن الارتباطات الاجتماعية التلقائية تسيطر عليها العواطف الوجدانية والمشاركات الجماعية، والتقمص الوجداني Empathy، وتخضع لسلطان الضوابط الاجتماعية غير الرسمية، كالدين والعُرف والعادات والتقاليد. أما الارتباطات التعاقدية، فتحددها التشريعات والقوانين وتسيطر عليها النزاعات المصلحية والانتهازية. لذلك، تقوم على التشكك والارتياب والحذر المتبادل، وخاصة من أبناء الجماعات المختلفة.

2. الارتباطات الأولية والثانوية:

      الارتباطات الأولية، كما حددها علماء النفس الاجتماعي، هي علاقات الوجه للوجه Face to Face Relationships، وهي علاقات مباشرة تتسم بالعمق والخصوصية والدوام أو الاستمرار النسبي. أما العلاقات الثانوية، فهي ارتباطات غير مباشرة تتحكم فيها القواعد الموضوعة والنظم القائمة في الجماعة، وتتصف بالسطحية والعمومية والنفعية والجزئية؛ لذا، فهي علاقات مؤقتة وغير دائمة، وتنتهي عادة بانتهاء المصلحة.

3. الارتباطات الأفقية والرأسية:

      تنشأ الارتباطات الأفقية بين الجماعات المتماثلة، أو بين الأشخاص الذين يشغلون مراكز متجانسة، كجماعات الصداقة وزملاء الدراسة ورفاق العمل، وتحددها الأعراف والتقاليد الاجتماعية. أما الارتباطات الرأسية، فتنشأ بين أصحاب المراكز العليا والدنيا في الجماعة، وتحددها القواعد والقوانين الرسمية.

4. الارتباطات المجمعة والمفرقة:

      تعتمد هذه العلاقات أو الارتباطات على أساس ما تحدثه من تقارب أو تباعد بين الأفراد والجماعات. ويتضح هذا عن طريق التمييز بين نمطين من الجماعات، هما: الجماعة الداخلية وهي التي ينتمي إليها الإنسان ويرتبط بأفرادها ويتشرب عاداتها وتقاليدها، ويمتثل لقيمها ومعاييرها إلى درجة ذوبان شخصيته في شخصيتها، فيعبّر عنها بالضمير (نحن)؛ والجماعة الخارجية، وهي التي لا ينتمي إليها الإنسان وتعد غريبة عنه، ولذلك يعبّر عن أفرادها بالضمير (هم). وتؤدي العلاقة المجمعة إلى تقوية الروابط بين أفراد الجماعة الداخلية، وتعمل على توحيد مشاعرهم واتجاهاتهم ومواقفهم حيال الجماعات الأخرى.



       

قياس الارتباطات الاجتماعية

          لكل فرد اختياراته في حياته، أهمها اختياره الأفراد الذين يرتبط بهم. فنحن لا نستطيع أن نتجنب الارتباطات مع الآخرين، فالذين يعيشون في مجتمع يجب أن يتفاعلوا، بأسلوب أو بآخر، في محيط العمل، ومع الأصدقاء، وفي نطاق الأسرة. وتتضمن كل الارتباطات الجماعية اختيارات معينة، تتجسد في النهاية في أشكال متعددة. وعن طريق قياس الارتباطات الجماعية يمكن تحديد مدى التجاذب Attraction، والتنابذ Repulsion، وبناء على تحديد الاختيارات الاجتماعية للأفراد والجماعات، يمكن تحديد أكثر الأفراد شهرة في المجتمع مِمَن يُطلق عليهم المشهورون أو النجوم Stares، وكذلك الأفراد المرفوضون Rejectionists ، أو المنعزلون Isolators.

          ويمكن توضيح طريقة الوقوف على الارتباطات الاجتماعية، بين الأفراد والجماعات، من خلال خريطة الارتباطات الجماعية. فعندما طُلب من خمسة أشخاص في جماعة صغيرة، أن يختاروا الأفراد الذين يفضلون مزاملتهم في العمل، جاءت النتائج في الشكل التالي:

 



 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Image001




حيث يُرمز للأفراد الخمسة بحروف أبجدية، ويشير السهم إلى اتجاه العلاقة أو نوع الاختيار، سواء أكان اختياراً من جانب واحد أو اختياراً تبادلياً. وتوضح هذه الخريطة أن الشخص (هـ) هو أكثر الأفراد ارتباطاً بالجماعة وجذباً، لأن كل أفراد المجموعة قد أجمعوا على اختياره. أما الشخص (ب) فهو الفرد الثاني في الجماعة حيث اختاره ثلاثة أفراد. أما الشخص (أ) فهو الفرد الثالث في الجماعة، إذ اختاره اثنان. أما الشخص الذي يليه فهو (د) الذي اختير مرة واحدة فقط. وفي المؤخرة يأتي الشخص (ج)، الذي لم يختره أحد، فهو إذن شخص منعزل عن الجماعة. ويطلق على مقياس الارتباطات الاجتماعية المقياس السوسيو متري Sociometric، أما الرسم التخطيطي للاختبارات فيُطلق عليه السوسيوجرام Sociogram.

ويعبِّر القياس السوسيو متري عن البناء الاجتماعي للجماعة، من وجهة النظر الكمية. وواضح أن البناء الاجتماعي هو محصلة للعلاقات والروابط الاجتماعية داخل الجماعة.

ويساعد القياس السوسيومتري في فهم حجم القوى والمؤثرات الاجتماعية بين أفراد الجماعة، كما يوضح القياس السوسيومتري بناء الجماعة والتركيب الداخلي لأقسامها ووحداتها الداخلية. ويوضح، كذلك، المنازل الاجتماعية المختلفة للأشخاص (كالقادة والمنعزلين والمتنافسين... إلخ).

          ولقياس الارتباطات والعلاقات الاجتماعية باستخدام الاختبار السوسيومتري يجب:

1. اختيار الموقف الاجتماعي الحقيقي، الذي يتناسب مع المشاركين؛ لأن دلالة المواقف الاجتماعية تختلف حسب طبيعة ووظيفة كل جماعة؛ فالمواقف الاجتماعية في المدرسة تختلف عن نظيرتها في المصنع.

2. صياغة السؤال السوسيومتري في لغة سهلة وواضحة ومفهومة ودقيقة وبسيطة، تدل على الموقف الاجتماعي مباشرة. ويفضل أن تكون عبارات السؤال مأخوذة من واقع لغة الجماعة، التي يجري عليها الاختبار.

3. إعداد تعليمات الاختبار السوسيومتري بحيث تكون تعليمات تفسيرية توضيحية وسهلة وبسيطة ومفهومة، وأن تخلو من الإيحاء باختيار شخص ما، أو رفض شخص آخر.

مثال:

أكتب اسم زميلك في الفصل الذي تحب أن تشترك معه في رحلة علمية (إذا كان العدد أكثر من واحد أكتب الأسماء حسب أفضلية الترتيب):

--------------- -----------------           -----------------------

--------------- -----------------           -----------------------

--------------- -----------------           -----------------------

وأخيراً، فإن:

      الارتباط بالجماعة عملية تتم من خلال التفاعل بين الأفراد، وإقامة العلاقات المتبادلة بينهم. والمحور الأساسي في تلك الارتباطات هو الميل الفطري للارتباط بالجماعة، والاعتماد عليها في إشباع حاجات الأفراد. ويتدعم هذا الميل من خلال أساليب التنشئة الاجتماعية في الأسرة والمدرسة.

      إن الارتباط بالجماعة هو الذي جعل ابن خلدون يقرر أن الإنسان مدني بطبعه، أي أنه لا يستطيع أن يعيش منعزلاً عن الآخرين، بل يميل إلى التآلف والتفاعل معهم، إذ إن العيش وسط الجماعة يمثل ضرورة بيولوجية واجتماعية ونفسية.




المصادر والمراجع

1.   سعد عبدالرحمن، "السلوك الإنساني"، الكويت، مكتبة الفلاح، 1983، ط3.

2.   عبدالباسط محمد حسن، "علم الاجتماع"، مكتبة غريب، القاهرة، 1982.

3.   عبدالله الرشدان، "علم اجتماع التربية"، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، 1999.

4.   محمد الجوهري، "علم الاجتماع ـ النظرية، الموضوع، المنهج"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1998.

5.   محمد سعيد فرح، "علم الاجتماع"، منشأة المعارف، الإسكندرية، 2000.

6.   محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، 1995.

7.   محمد لبيب النجيحي، "الأسس الاجتماعية للتربية"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1976.

8.   محمد ياسر الخواجة، "البحث الاجتماعي (أسس منهجية وتطبيقات عملية)"، دار المصطفى للطباعة والنشر، طنطا، 2002.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:51 pm

التعلم الاجتماعي

التعلم الاجتماعي
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel12921   المصادر والمراجع


       

التعلم الاجتماعي Social Learning

أولاً: تعريف التعلم الاجتماعي

لمّا كان الإنسان في تفاعل دائم ومستمر مع بيئته، فإنه يتلقى عديداً من المثيرات التي تؤثر عليه وتدفعه للاستجابة لها. من هنا يُعرّف التعلم الاجتماعي بأنه نوع من أنواع التعلُم، الذي يهتم بدراسة المثيرات الاجتماعية الإنسانية.

ولمّا كان التعلم تغير شبه دائم في سلوك الفرد، أي أنه تغير قابل للمحو أو التقدم، وكذلك للإضافة أو الحذف؛ فإن التعلم الاجتماعي هو تغير شبه دائم نسبياً في المعرفة أو السلوك، يحدث من خلال المواقف التي تتضمن علاقة فرد بآخر، أو فرد بجماعة، حينما يحدث تأثير متبادل بينهما. وهذا يتعلم الفرد المعايير والقيم والعادات الاجتماعية والمعارف والمهارات، التي تساعده على التوافق الاجتماعي.

وإذا كان الإنسان يولد على الفطرة، وتتولى الأسرة والرفاق وسائر المؤسسات الاجتماعية تنشئته؛ فإن التعلم الاجتماعي هو إكساب الطفل لعادات مجتمعه وقيمه، حتى يصطبغ فهمه وإدراكه للعالم الخارجي بإدراك هذا المجتمع، وحتى يفسر خبراته في إطار ذلك الإدراك.

مما سبق، يمكن تحديد التعلم الاجتماعي بأنه نوع من أنواع التعلم، أو تغير شبه دائم في السلوك، يحدث في سياق اجتماعي من خلال مواقف التفاعل الاجتماعي التي يمر بها الفرد. ومضمون هذا التعلم مضمون اجتماعي، أي يتضمن العادات والقيم والمعارف والمعايير والمهارات، التي تساعد الفرد على:

·   التخطيط واتخاذ القرارات سعياً لبلوغ الفرد أغراضاً وأهدافاً معينة.

·   زيادة فاعلية الفرد، ومسؤوليته، وزيادة وعيه بذاته والعالم الذي يعيش فيه، مع الاحتمالات أو الأحداث الحياتية المتوقعة، وذلك لحل المشكلات التي تواجهه وتعوق تقدمه نحو أهدافه وغاياته.

·   تحقيق الاتساق بين ماضي الفرد وحاضره ومستقبله.

ثانياً: خصائص التعلم الاجتماعي

1. يحدث التعلم في سياق اجتماعي. وهذا يعني أنه يتطلب مشاركة الآخرين ويعتمد على التفاعل الاجتماعي وعلى العلاقات المتبادلة بين الأفراد. ويتأثر التعلم بالعوامل الوجدانية والاجتماعية في الموقف الاجتماعي.

        يحدث التعلم الاجتماعي حينما تتأثر استجابة شخص ما بإدراكه لوجود شخص أو أشخاص آخرين. وقد يكون حضور الآخر واقعياً أو متخيلاً. وقد يكون مقصوداً موجهاً هادفاً، أو قد يكون عرضياً. وقد يكون مباشراً أو استدلالياً مستنتجاً.

2. التعلم الاجتماعي هادف وموجه نحو تحقيق أغراض معينة، وحتى لو كان عارضاً فإنه يقدم للفرد خبرات نافعة ومفيدة. ومعنى ذلك أن التعلم الاجتماعي يتضمن إدراك الشخص لِما سيعود عليه بناءً على تغيير معلوماته، أو مهاراته... إلخ.

3. التعلم الاجتماعي خبرة قيمية تقتضي التخلي عن أنماط قيمية معينة، من أجل اكتساب أنماط قيمية أخرى، كالتخلي عن الأنانية لاكتساب الغيرية. وهو خبرة قيمية لأنه يتضمن اكتساب قيم وسيلية، أي تساعد في تحقيق وإنجاز نتائج تتعلق بالتفضيلات الشخصية، أو يتضمن اكتساب قيم غائية، أي يصير التعلم غاية في حد ذاته.

4. يعتمد التعلم الاجتماعي على استخدام الرموز؛ فلمَا كان التعلم الاجتماعي خبرة شخصية متفردة تنصب على الخبرات المحددة والخبرات المعنوية غير الملموسة، فإنه يزداد احتمال توقع حدوث عمليات للترميز يقوم بها الفرد. ومن هنا يصبح للفرد أسلوبه الشخصي في عملية التعلم، وفي تعميم ما تعلمه على المواقف المشابهة.

ولذلك فإن تعديل السلوك لا يقوم على الربط فقط بين مثير واستجابة، وإنما يتم نتيجة لنشاط العمليات المعرفية: كالإدراك والتوقع والترميز وغيرها. وبذلك تصبح استجابة الفرد استجابة مُعدلة وشخصية.

5. يقوم التعلم الاجتماعي على تفاعل المعرفة والانفعال، إذ لا تختلف أهمية الرموز الشخصية التي يكوّنها الفرد للمثيرات والأحداث عن أهمية المظاهر الانفعالية للتعلم. ومعنى ذلك أن المظهرين الوجداني والمعرفي هما في الوقت ذاته متلازمان ومتعاونان على نحو لا يقبل الاختزال.

6. نظراً لأن التعلم الاجتماعي يحدث في سياق اجتماعي، فإن ثقافة الفرد تؤثر في معالجته العقلية للمعلومات، أو على أسلوبه في التعلم والتفكير، كما تشكل انفعالاته المصاحبة للمعالجة العقلية للمعلومات.

7. يحتاج التعلم الاجتماعي إلى توافر مناخ يقدم دعماً ومساندة لمظاهر التغير وصوره، الحادثة في السلوك.

8. يمكن أن يكون التعلم الاجتماعي خبرة فردية وخبرة جماعية في الوقت نفسه. ويحتاج التعلم الاجتماعي كخبرة جماعية إلى وجود عدد من الأفراد يكونوا على وعي فيما بينهم من قيم وإدراكات مشتركة وأهداف موحدة، وقادرون على أن يتعلم بعضهم من بعض الأفكار والخبرات. كما يمكنهم الانتفاع وتوظيف العلاقات الموجودة داخل الجماعة في إنتاج عدد من القيم المختلفة، التي تبرز التفضيلات الخاصة بأعضائها وفي تجسيد الخصائص النموذجية لطابع الجماعة ومقاصدها.

9. ترى نظرية التعلم الاجتماعي أن قدراً كبيراً من التعلم يتم من خلال رؤية آخر يفعل فيُثاب أو يُعاقب. بعبارة أخرى: من خلال مشاهدة شخص آخر يؤدي الاستجابات الماهرة، أو يقرأ عنها أو يرى صوراً لها. وهو يتعلمها حين يبدأ في محاولة تقليد هذه الاستجابات الماهرة، التي شاهدها من خلال الشخص النموذج أو القدوة.

ثالثاً: التعلم بالملاحظة كنموذج للتعلم الاجتماعي

    تتميز نظرية التعلم الاجتماعي، التي وضعها "ألبرت باندورا Albert Bandura"، بعدة خصائص، أو تقوم على عدة مقومات:

1. يحدث السلوك نتيجة لتفاعل معقد بين العمليات الداخلية لدى الفرد، والمؤثرات البيئية الخارجية. وتقوم هذه العمليات الداخلية على خبرات الفرد السابقة، التي تتضمن تمثيلاً رمزياً للأحداث الخارجية السابقة.

2. تتيح العمليات العقلية للفرد أن يسلك سلوكاً مستبصراً عند حله للمشكلات؛ أي أن الفرد لا يلجأ إلى استخدام المحاولة والخطأ في حله للمشكلات.

3. ينظم الفرد سلوكه الاجتماعي بناءً على النتائج المتوقعة؛ فالسلوك لا يسيطر عليه التعزيز الخارجي المباشر، بل يحدث كنتيجة للخبرات المبكرة؛ إذ بناءً على تلك الخبرات نميل إلى توقع أن أنواعاً معينة من السلوك سوف يكون لها آثار نرغب فيها، وأن أخرى سوف تؤدي إلى نتائج لا نريدها، وأن لمجموعة ثالثة تأثيراً ومغزى ضئيلاً. فمثلاً: لا يؤّمن الشخص على سيارته بعد ارتكابه لحادثة، بل يؤمن عليها قبل ذلك، اعتماداً على المعلومات التي يستقيها من الآخرين عن النتائج المحتملة لمثل هذه الكوارث.

4. يمكن اكتساب السلوك دون استخدام التعزيز الخارجي؛ إذ يمكن للفرد أن يتعلم كثيراً من المظاهر السلوكية بناءً على "القدوة والمثل"؛ فيلاحظ الفرد الآخرين ثم يكرر أفعالهم. وهذا معناه أن الفرد يكتسب السلوك من طريق التعلم بالملاحظة.

إن مقداراً كبيراً من التعلم الإنساني يمكن أن يحدث على أساس "بديلي"، أي من خلال ملاحظة سلوك الآخرين، وما ترتب عليه من عواقب (وتكون ملاحظة سلوك الآخرين بالمشاهدة، أو من خلال القراءة عنه، أو الاستماع إلى وصفه).

5. إن الناس قادرون على ملاحظة سلوكهم وترميزه وتقويمه، على أساس ذكريات سلوكهم الذي لقي تفريزاً والذي لم يلق تعزيزاً؛ وكذلك على أساس عواقب أو نتائج مستقبلية متوقعة. فيكون بذلك قادرين على ممارسة قدر من تنظيم الذات.

6. تتيح المهارات المعرفية الرمزية للناس أن يحولوا ما تعلموه ـ أو أن يربطوه بما لاحظوه في عدد من المواقف ـ إلى أنماط سلوكية جديدة. ويستطيعون عندئذ تنمية أنماط سلوكية جديدة مبتكرة، بدلاً من تقليد ما رأوه فقط.

7. يمكن اكتساب الاستجابات الانفعالية بالطرق المباشرة أو الطرق البديلة، من طريق الملاحظة. كذلك، يمكن إطفاء أو كف أو إزالة مثل هذه الاستجابات بالطريقة المباشرة أو بالطريقة البديلة؛ فملاحظة نماذج تتفاعل من غير خوف مع الموضوعات التي تخيف شخص ما، يمكن أن يؤدي إلى تعديل استجابة الخوف.

يتضح مما سبق أن التعلم الاجتماعي يحدث بناءً على ملاحظة نموذج معين، وللملاحظة تأثيرات متعددة، منها:

·   اكتساب استجابات جديدة لم تكن موجودة ضمن خبرة الفرد المعرفية السابقة.

·   قد تؤدي مشاهدة نموذج، أو أكثر، إلى تغيير قوة الاستجابات الممنوعة أو المحرّمة، سواء بالتثبيت أو التحلل، وذلك بأن يلائم الفرد الملاحظ بين حدود سلوكه ـ المكتسب على نحو سابق ـ ومستويات التسامح مع الآخرين في الوقت نفسه. فإذا رأى غيره يرتكب نوعاً من السلوك المحرم دون أن يُوقع عليه أي عقاب، أو أن يُثاب عليه، فالاحتمال الغالب أن الفرد سوف يزيد من ميله ودافعيته إلى أداء هذا السلوك المُحرم، في المواقف المشابهة التالية التي تُعرض له.

·   إن رؤية ما يؤديه النموذج من أنشطة، تكفي لإحداث رغبة إيجابية لدى الفرد المُلاحظ لأداء الأنشطة نفسها، أو ما يماثلها. وينحصر دور الملاحظة في الكشف عن مدى علاقة منمذجة تبرر إمكانية القيام بسلوك معين. ويُطلق علماء التعلم الاجتماعي على هذا التأثير مُسمى "التيسير الاجتماعي".

·   تُعد ملاحظة أعمال وتصرفات الآخرين وعواقبها مصدراً من المصادر الأساسية لاستخلاص الملامح العامة، واكتساب القواعد السلوكية، والمبادئ الفكرية، والمعايير الاجتماعية.

رابعاً: العوامل المؤثرة في التّعلُم بالملاحظة

يمكن وضع هذه العوامل وتصنيفها في فئتين: إحداهما خاصة بالمُلاحِظ، والأخرى خاصة بالنموذج.

1. العوامل الخاصة بالمُلاحِظ

أ. عمليات الانتباه

    إن الانتباه هو العملية الأساسية في التّعلم بالملاحظة. وتوجد عوامل عدة تؤثر في الانتباه في هذه الحالة، منها:

(1)  الإمكانات الحسية لدى المفحوص: فالنماذج التي تُقدم للمكفوفين أو الصُم، يجب أن تختلف عن تلك التي تُقدم للعاديين.

(2)  الخبرة السابقة للمُلاحِظ: إذا ظهر أن النواتج المُتعلَمة من الملاحظة ـ في مواقف سابقة ـ تؤدي إلى التعزيز، فإن أنماط السلوك المماثلة لها تكون موضع الانتباه في مواقف الملاحظة اللاحقة. وهذا ما يُسميه باندورا "القيمة الوظيفية السابقة" للانتباه لنموذج من نوع معين، وذي كفاءة معينة.

ب. عمليات الاحتفاظ

    تتعرض المعلومات التي يُحصل عليها بالملاحظة إلى عمليات الاحتفاظ، حتى تكون مفيدة وفعّالة في المواقف التالية، أي في عملية التعلم. ويحتفظ بالمعلومات إما في صورة رموز، أو في صورة لفظية.

ج. عمليات الإنتاج السلوكي

    وهي تلك العمليات التي تحدد إلى أي مدى يُترجم الملاحِظ ما تعلمه واحتفظ به وخزّنه، إلى أداء ظاهر.

د. عمليات الدافعية

    للتعزيز وظيفتان:

(1)  الأولى أنه يحدث لدى الملاحظ توقعاً ما بأنه سوف يُعزّز على النحو الذي يُعَزّز به النموذج (ثواباً أو عقاباً)، إذا أدى الأنشطة التي يلاحظه يُعزز عليها.

(2)  الوظيفة الثانية، أنه يقوم بدور الدّافع لتحويل التعلم إلى أداء فعلي؛ فما يتعلمه المرء بالملاحظة يظل كامناً حتى يتوافر للملاحظ دواعي استعماله وتوظيفه.

    وتلعب التعليمات المقدمة للمتعلم قبل أن يشاهد النموذج، دورها في إثارة دافعية المتعلم. فقد تكون هذه التعليمات متضمنة دافعية عالية أو منخفضة، فتؤثر على انتباه المفحوص للسلوك القدوة. وقد لوحظ في هذا الصدد ما يلي:

(1)  أن الدافعية العالية يمكن أن تُثار من طريق إخبار المتعلم أنه سوف يُكافأ بمقدارٍ يتناسب مع المقدار، الذي يستطيع أن يبديه من سلوك القدوة.

(2)  أن التعليمات المثيرة للدافعية بمقدار قليل، ينتُج عنها نوع من التّعلُم يندرج تحت ما يمكن تسميته "التعلم المؤقت"، أو "التعلم العرضي الطارئ".

(3)  إن التعليمات المثيرة للدافعية بمقدار كبير يمكن أن تُقدم للمتعلم، بعد أن يؤدي القدوة السلوك وقبل اختبار المتعلم. مثل هذا الإجراء يساعد المُتعلم على أن يلاحظ الفرق بين أدائه وأداء القدوة للسلوك.

هـ. التنظيم الذاتي

الناس قادرون على ملاحظة سلوكهم وترميزه وتقويمه على أساس ذكريات سلوكهم، الذي لقي تعزيزاً والذي لم يلق أي تعزيز؛ وكذلك على أساس عواقب أو نتائج مستقبلية متوقعة. إنهم، على هذا الأساس، يقدرون على ممارسة قدر من تنظيم الذات.

وعلى الرغم من أن الناس لا يملكون ذاتاً مستقلة لها القدرة على تناول البيئة ومعالجتها بإرادتهم، فإنهم قادرون، إلى حد ما، على تنظيم الذات. فهم يستطيعون تناول بيئاتهم باستخدام التفكير التأملي، وإدراك نتائج أفعالهم.

ويتحقق تنظيم الذات من خلال ملاحظة الناس لسلوكهم وأدائهم، والحكم عليها وتقويمها باستخدام المعايير الشخصية لكل منهم، وأخيراً استجابة الذات إيجابياً أو سلبياً للمثيرات التي يتعرضون لها.

2. العوامل الخاصة بالنموذج

أ. خصائص القدوة أو النموذج

(1)  خصائص ذات تأثير على المتعلم وموجودة لدى الشخص القدوة، مثل: السن والجنس والمركز أو المكانة. وكلما كان الشخص القدوة ذا مكانة عالية للمتعلم، كان تقليده له أكبر.

(2)  مشابهة القدوة للمتعلم: تقل المحاكاة كلما بعُد النموذج (أو القدوة) عن أن يكون شخصاً حقيقياً. أي تقل المحاكاة كلما بعُدت المشابهة عن صفات الأشخاص الحقيقيين (مثل شخصيات الكاريكاتير أو الرسوم المتحركة السينمائية).

ب. نوع السلوك المُقتدى به (أي المؤدَى بواسطة النموذج)

(1)  كلما ازداد تعقد المهارة المطلوب تعلمها، قلت درجة تقليدها؛ أي أن المهارات الأكثر تعقيداً تُقلد بدرجة أقل، إذا لم يتيسر للمتعلم المُشاهدة الكافية بالعدد المناسب من المرات.

(2)  تُقلد الاستجابات العدوانية (أو السلوك العدائي) بدرجة عالية لدى الأطفال.

(3)  يتبنى المُتعلم المعايير الأخلاقية (القيم الخاصة) التي يُتاح له مشاهدتها من خلال النموذج أو القدوة، كذلك يمكنه ضبط النفس بواسطتها، باستخدام أساليب مشابهة لأساليب القدوة.

ج. النتائج المترتبة على السلوك القدوة

إن أنواع السلوك الصادرة عن الشخص القدوة، والتي أُثيبت أو كوفئت تكون قابلة أكثر من غيرها لأن تكون موضوع المحاكاة أو التقليد.

تعقيب

تتسق فكرة التعلم بالملاحظة مع الخبرة والمنطق، إذ من المعقول أن نتعلم بملاحظة شخص آخر وتقليده.

وقد ثبتت صلاحية التعلم بالملاحظة وفائدته في مجال العلاج والإرشاد النفسي، وكذلك في كثير من المواقف التعليمية والتدريبية.

ويؤكد التعلم الاجتماعي على أهمية الجماعة وقيمها ونظمها، كمحدد أساسي لسلوكيات الخصائص الاجتماعية التي يكتسبها أفراد هذه الجماعة.




المصادر والمراجع

1.      أيوب حسين محمود، "دور بعض الخصائص في التعلم الاجتماعي بالملاحظة"، رسالة دكتوراه، غير منشورة، كلية التربية، جامعة عين شمس، 1995.

2.      جابر عبدالحميد جابر، "نظريات الشخصية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986.

3.      عبدالحليم محمود السيد وآخرون، "علم النفس العام"، مكتبة غريب، القاهرة، 1990.

4.      فؤاد أبو حطب، أمال صادق، "علم النفس التربوي"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2000.

5.      فؤاد البهي السيد، "علم النفس الاجتماعي"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1981.

6.      Bandura, A., Walters, R., Social Learning and Personality Development, Holt, Rinehart and Winston Inc., London, 1963.

7.      Goldstein H., Social Learning and Change, Tavistok, pub., N.Y.

8.      Sahakian, W., Psychology of Personality, Rond McNally Col, Pub, Co., Chicago, 1977.

 

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:52 pm

نمو الجماعة


 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel12922   نمو الجماعة
 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 BOlevel12923   المصادر والمراجع

نمو الجماعة Group Development
للجماعات أهميتها الكبيرة في حياة أعضائها، وفي المجتمعات الكبيرة التي تنتمي إليها. والجماعة هي فردان أو أكثر يتفاعلون مع بعضهم البعض تفاعلاً بناءً، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر ويتأثر به، تحقيقاً لأهداف خاصة بكل منهم وأهداف مشتركة بينهم. ويسود الجماعة روابط متعددة: وجدانية، وأخرى مستمدة من السلطة والقوة، وثالثة مستمدة من وجود هدف مشترك بين أعضائها، ثم روابط اتصالية.
ونمو الجماعات ظاهرة حتمية تستلزمها حياة الجماعة وارتقائها، ونضج أعضائها كوحدة، وتحقيقها لأهدافها. ودراسة نمو الجماعات ذات أهمية كبيرة في مساعدة المتخصصين والمسؤولين للتدخل ـ في الوقت وبالطريقة المناسبة ـ في حياة الجماعة، حتى يمكنهم توجيهها توجيهاً سليماً. فلو فرض المسؤول عن جماعة حديثة التكوين، أعباءً كثيرة عليها؛ فإن ذلك سيؤدي إلى انهيارها؛ لأنها لم تكن وصلت بعدُ إلى درجة النضج المناسبة، التي تؤهلها لتحمل تلك الأعباء.
ويساعد الوقوف على نمو الجماعات ومراحلها، القائمين على أمرها في التنبؤ بما سيكون عليه سلوك أعضائها في المراحل المختلفة. فمدرب فريق كرة القدم- مثلاً- يستطيع أن يتنبأ بأن الفريق عند مرحلة معينة سيسوده جو من الصراع والتنافس الحاد بين الأعضاء، يعقبه وضع معايير مناسبة للتعاون بينهم، تمهيداً لوحدة الفريق وسعيه نحو تحقيق ذاته.
وتؤدي دراسة نمو الجماعات وفهمها إلى إدراك المسؤولين للفروق بين الجماعات المختلفة، من حيث المرحلة النمائية لكل منها، وسرعة نموها. فمدرس فصول متعددة في الصف الواحد مثلاً، سيدرك أن كل فصل دراسي عند مستوى نمائي يختلف عن الفصل الآخر، ومن ثم، فإن دور المدرس - لا بدّ - أن يتشكل تبعاً لكل فصل ودرجة نموه كجماعة.
أولاً: تعريف نمو الجماعة
يُعرّف النمو عامة بأنه التقدم نحو شكل وتركيب أكثر تعقيداً، واكتماله؛ أو أنه سلسلة من التغيرات الارتقائية التراكمية المطردة والهادفة. ولا يحدث النمو فجأة أو بصورة عشوائية. وللنمو مظهران: تكويني ووظيفي، ويسير نمو كل منهما في خطوات متلاحقة متتابعة تعتمد كل خطوة منها على السابقة عليها، وتمهد الطريق إلى الخطوة التالية لها. وعلى الرغم من استمرار النمو وتداخل خطواته، إلا أنه يُقسم، عادة، إلى مراحل مثل تقسيم السّنة إلى فصول رغم تداخلها.
من التعريف العام السّابق للنمو، يمكن تحديد مواصفات نمو الجماعات في:
1. سلسلة من التغيرات تمر بها الجماعة أثناء فترة حياتها. وتكون هذه التغيرات في شكل حلقات لكل منها خصائصها ومميزاتها، التي تميزها عن غيرها. وتمهد كل حلقة منها للاحقة بها وتتأثر بالسابقة عليها. وتكون هذه التغيرات في خصائص التفاعل داخل الجماعة، وفي دور قائدها وأعضائها، وفي الروابط السائدة بينهم، ومن ثم في إنتاجيتها. وتسعى هذه التغيرات، عادة، إلى تحقيق أقصى درجات نضج الجماعة، تحقيقاً لأهدافها التي تسعى إليها.
2. تكون هذه التغيرات في ضوء الخصائص المميزة للجماعة كجماعة، وليست تغيرات في الخصائص المميزة للأعضاء، كأفراد مستقلين بعضهم عن بعض. فمثلاً، تنتقل الجماعة في نموها من التفاعل العشوائي إلى تفاعل متمركز حول القائد، إلى تفاعل متمركز حول العمل أو المهمة.
3. يختلف نمو الجماعات تبعاً لنوعها؛ فهناك مراحل نمائية معينة تمر بها جماعات العلاج النفسي، تختلف عن المراحل التي تمر بها جماعات التدريب، وتختلف عن المراحل التي تمر بها الفصول الدراسية، وتختلف عن المراحل التي تمر بها جماعات الخدمة الاجتماعية.. وهكذا.
4. لا تسير الجماعات في نموها بسرعة واحدة، إذ تختلف تلك السرعات تبعاً لعدة عوامل، مثل: نوع الجماعة وخصائص أعضائها والأهداف التي تسعى نحو تحقيقها.
5. قد تتوقف إحدى الجماعات في نموها عند مرحلة معينة، وذلك بناءً على مقدار ما تحققه المرحلة لأعضائها من ارتياح وأهداف، أو بناءً على الوقت المتاح لهم لمواجهة المراحل الحرجة في نمو الجماعة، أو بناءً على المدة الزمنية التي تستغرقها حياة الجماعة. (فالجماعات التي تكوَّن في المعامل التجريبية تستغرق فترات زمنية أقصر من جماعات التدريب، والأخيرة تستغرق فترات زمنية أقل من الفصول الدراسية).
6. يكون نمو الجماعة في البداية سريعاً، فيحدث الكثير من البناء والتنظيم في التفاعل خلال الساعات الأولى لتكوين الجماعة. ويتجه قدر كبير من النمو في مرحلته المبكرة إلى إرساء النظام الاجتماعي للجماعة، ثم يتجه التفاعل إلى الاستقرار في ضوء المعايير التي تضعها الجماعة، ولكن ليس بالسرعة نفسها للمراحل المبكرة لنمو الجماعة.
ثانياً: مراحل نمو الجماعات
    تختلف مراحل نمو الجماعات تبعاً  لنوع كل جماعة والهدف من تكوينها، إضافة إلى خصائص أعضائها. وفيما يلي عرض لبعض نماذج نمو الجماعات.
أ. مراحل نمو جماعات العلاج النفسي
    تشترك جماعات العلاج النفسي في أن أعضاءها يسعون إلى تحقيق غاية معينة، تحقق لهم جميعاً الإيجابية والراحة والطمأنينة والتفاعل الناجح مع الآخرين. فمنهم من يسعى إلى أن يتخلص من عزلته الاجتماعية ويزداد اندماجه مع من حوله، ومنهم من يسعى إلى أن يكون أكثر إيجابية وفعالية في أدائه لأدواره، وتنفيذ ما يوكل إليه من مهام ومسؤوليات، ومنهم من يسعى إلى التخلص من خجله بحيث يصبح أقل تهيباً وعزوفاً عن المشاركة في الحديث والاجتماعات، وأكثر انطلاقاً وطلاقة في التعبير أثناء تفاعله الاجتماعي مع أعضاء جماعته، ومنهم من يسعى إلى أن يكون أكثر صراحة ووضوحاً في فهمه لذاته وفي تقبله لها وفي تقبله للآخرين.
نموذج لمراحل نمو جماعات العلاج النفسي
(1) مرحلة التكوين
في هذه المرحلة يقدم الأعضاء أنفسهم للجميع، ثم يعبّرون عن مشاعرهم ويوضحون خصائص كل منهم الشخصية، مستخدمين أساليب التعبير اللفظية وغير اللفظية. ويتلقون تغذية راجعة من المرشد ومن سائر أعضاء الجماعة. وتستغرق هذه المرحلة ما بين جلسة واحدة وأربع جلسات، ومع نهايتها تكون الأدوار والعلاقات قد اتضحت.
(2) مرحلة الانتقال
    تبدأ مرحلة الانتقال عقب مرحلة التكوين، وفيها يتبنى الأعضاء الهدف الخاص بالجماعة ويدركون أنه هدف فريد متميز.
    في البدايات الأولى لهذه المرحلة يُدرك الأعضاء أن الهدف من وجودهم في الجماعة هو توفير مناخ نفسي يساعد في العلاج. في هذه الأثناء تظهر بعض المشاعر السلبية نحو مناقشة المشكلات الشخصية للأعضاء، (وذلك بناءً على ما تراكم لدى الأعضاء من خبرات سابقة متعلقة بمناقشة تلك المشكلات). ويصحب ذلك ضعف في مشاركة الأعضاء مراعاة للمعيار الاجتماعي الخاص بعدم مناقشة المشاكل الشخصية داخل جماعة. يعقب ذلك تقبل لمعيار جديد، يرتبط بتقبل تعبير كل فرد عن مشكلاته الشخصية داخل الجماعة. ويحدث ذلك التقبل عندما يقدّم المرشد المسؤول عن الجماعة نموذجاً لعرض مشكلة شخصية تساعد في اكتشافه وكشفه لذاته مع أعضاء الجماعة. ويحدث ذلك التقبل، أيضاً، إذا تخيّر المرشد الوقت المناسب لكي يعرض كل عضو مشكلته ويكشف عن ذاته، في جو آمن مطمئن قائم على التشجيع والتقبل.
(3) مرحلة الأداء والفعل
يوجه المرشد أعضاء الجماعة إلى أن أوضاعهم ومشاعرهم لن تتغير، وأن مشاكلهم لن تحل، إلاّ إذا اتخذوا خطوات إيجابية في هذا الاتجاه. ويقدم المرشد في هذه المرحلة نموذجاً لوضع الأهداف والتخطيط لتحقيقها، ثم يقوم كل عضو من أعضاء الجماعة بالإجراء نفسه. في هذه المرحلة قد تحدث بعض المواجهات والخلافات بين الأعضاء، ويكون على المرشد القيام بدور "حارس بوابة الأمان".
وفي هذه المرحلة يمارس الأعضاء مع المرشد بعض أساليب تعديل السلوك ووسائله، مع التكليف ببعض الواجبات المنزلية، التي تدعم ما تعلمه كل عضو في سبيل تحقيق أهدافه.
(4) مرحلة الإنهاء
    لا يكون الإنهاء فجائياً بل يكون تدريجياً مصحوباً بتناقص تدريجي في الكشف عن الذات، يقوم به المرشد النفسي كنموذج لباقي الأعضاء. وتبدأ مرحلة الإنهاء في الثلاث جلسات الأخيرة، وفيها يسعى كل عضو إلى تلقي تغذية راجعة من باقي الأعضاء، ويُعبّر كل مرشد عن تقديره للجماعة ولمقدار نموها ونمو أعضائها.
ب. نموذج لمراحل نمو جماعات العمل
(1) المرحلة الأولية أو المبكرة
تتميز بالتوجه نحو السلطة في جميع الموضوعات. وتظهر حاجة الجماعة إلى توطيد وترسيخ مراكزهم في التسلسل الهرمي للجماعة، ويسود القلق بين الأعضاء. ويكون سلوك الأعضاء، في الغالب، ذا توجه فردي، كما يكون مستوى أداء العمل منخفضاً.
(2) المرحلة المتوسطة
تتميز هذه المرحلة بظهور التفاعلات، سواء بين الأعضاء أو مع السلطة، في محاولة لتكوين رأي أو اتفاق بين الأعضاء على نظم المكافآت والعقوبات، التي تحدد بناءً على مختلف أنواع السلوك. ويظهر في هذه المرحلة العداء والخصومات بين الأعضاء.
وعندما يُصبح التسلسل الهرمي في القيادة ثابتاً وراسخاً، تظهر الثنائيات والشلل في داخل الجماعة. ويمكن أن يظهر التنافس بين الثنائيات والشلل من أجل إثبات قوتهم. ونظراً لما تتميز به هذه المرحلة من خصائص، فإن نهايتها تكون بمثابة راحة لأعضائها.
(3) مرحلة النضج
تنمو المشاعر الودية بين الأعضاء، وتتوطد المعايير، ويزداد تماسك الجماعة، وتُمارس ضغوطاً على المنحرفين عن معاييرها للانصياع لتلك المعايير. وتصبح الجماعة في هذه المرحلة أكثر قدرة على تأدية العمل بأمان، ويكون مستوى جودة العمل عالياً، كما يحظى بقبول الأعضاء ورضاهم.
وتتميز هذه المرحلة بانتهاء الصراع والعدوانية بين الأعضاء، ويزداد معدل الثقة بينهم، وتزداد الجماعة تكاملاً ومرونة، كما تزداد حرية الفرد في التعبير عن مشاعره.
ج. نموذج لمراحل نمو جماعات التدريب
(1) المرحلة الأولى: الاختبار والاعتماد
في هذه المرحلة يزداد اعتماد الأعضاء على المدرب. وتعمد الجماعة إلى حل المشكلات المرتبطة بالسلطة داخلها معتمدة على المدرب، وإلى وضع معايير تدعم ذلك الاعتماد.
ويسعى كل عضو في الجماعة إلى تحديد وضعه، وذلك باختبار علاقته بالسلطة، وباختبار المواقف المختلفة التي تمر بها الجماعة.
ومع تقدم هذه المرحلة "يتعلم الأعضاء كيف يتعلمون"، وذلك بسعيهم لمعرفة أهداف الجماعة وطرق تحقيقها. ونظراً لأن هذه المرحلة تُعد اختباراً لعلاقة الأعضاء بالجماعة، فإنها تتصف بنقص في العمل والأداء، وتنوع في الخبرات الانفعالية التي يعيشها الأعضاء.
(2) المرحلة الثانية: الصراع داخل الجماعة
تتميز الجماعة في هذه المرحلة بتحرك أعضائها بين العديد من الأقطاب الثنائية:
·   تفضيل النشاط في مقابل تفضيل السلبية، بحثاً عن الأمان.
·   تفضيل الاستقلال في الأداء في مقابل الاعتماد على القائد، أو بعض الأعضاء.
·   تفضيل تجريب أساليب جديدة في العمل والأداء والتعامل والتعلم، في مقابل استخدام الأساليب التقليدية.
     ويتصف المناخ السائد خلال هذه المرحلة بالصراع والقلق والإحباط والتهديد والمقاومة، إلاّ أنه مع تقدم الجماعة يبدأ الأعضاء في تعلم كيف يقدمون المساعدة لبعضهم، وكيف يتبادلونها فيما بينهم. ويتضمن هذا التخلص من العوائق التي تقف عقبة أمام عملية التعلم، مثل القلق والعدائية. كما يتجه الأعضاء إلى التعبير عن أنفسهم بحرية، وإلى إنكار الذات، وإلى التخلص من حدة الانفعالات السائدة بينهم.
(3) المرحلة الثالثة: تماسك الجماعة
    مع تناقض القلق والعدائية ومشاعر الإحباط والقطبية الثنائية بين الأعضاء، تتجه الجماعة نحو وضع معايير وقيم لتوجيه سلوك الأعضاء. وتؤدي هذه المعايير إلى وضع وتكوين ذاتية خاصة بالجماعة. وتمر الجماعة بمرحلتَين فرعيتَين، هما:
(أ) تماسك الجماعة
    تتحدد بنية الجماعة بشكل واضح، كما تتحدد أدوار الأعضاء. ويسود الشعور "بالنحن"، ويزداد شعور الأفراد بمسؤوليتهم في تحقيق أهداف الجماعة.
(ب) نمو الروابط الوجدانية
    تنمو الروابط الوجدانية بين الأعضاء، وتزداد الوحدة القائمة على الوعي بينهم، كما يزداد الانفتاح في التعامل بين الأعضاء. ويتصف المناخ السائد بالتسامح والدعم الوجداني المتبادل وحل المشكلات الخاصة بالسلطة. كما توجه الروابط الوجدانية وتستخدم لأداء العمل وتسييره، نحو تحقيق أهداف الجماعة.
(4) المرحلة الرابعة: دعم العلاقات بين الدور والوظيفة
    تصبح الجماعة "وحدة وظيفية عاملة"، تزود أعضاءَها بالدعم والقبول المتبادل، وبمرونة تطبيق المعايير. كما تتجه الجماعة نحو توظيف الفروق الفردية بين أعضائها في إطار تعاوني، من أجل تحقيق أهداف الجماعة. وتتميز الجماعة في هذه المرحلة بالقدرة على حل المشكلات.
    وتوُصف الجماعة بالقدرة على الاستبصار؛ إذ يكتشف الأعضاء طُرقاً متعددة وجديدة للاستقصاء والبحث الذي يساعد على تحقيق نضج الجماعة ونمو أعضائها. كما يتجه الأعضاء إلى استخدام طرق متعددة للتعلم.
د. نموذج لمراحل نمو جماعات الفصل الدراسي
(1) المرحلة الأولى: البداية
تتميز هذه المرحلة بالحاجة إلى التوجيه والإرشاد. وكتعبير عن هذه الحاجة، تدور أسئلة التلاميذ حول التعرف على التلاميذ الآخرين والمدرسين. وتظهر على التلاميذ كثير من مشاعر القلق والتوتر، تجاه المدرسين والزملاء ونظام الدراسة.
تنتقل الجماعة، بعد ذلك، إلى الاستفسار عن الأهداف البعيدة للجماعة وكيفية تحقيقها، ورأي التلاميذ في بعضهم، وكيف يمكن تحقيق التوافق فيما بينهم؟
يكون الفصل في هذه المرحلة تجمعاً لبعض التلاميذ، وليس جماعة ذات بناء اجتماعي محدد، أو معايير تنظم التفاعل. وبناءً على ذلك، يكون التفاعل عشوائياً متخبطاً ومتمركزاً حول قائد معين. وتُعد هذه المرحلة من المراحل الحرجة في نمو الجماعات؛ لأنها تحدد الجو الانفعالي العام للجماعة، كما تحد توقعات الجماعة من أعضائها.
وتكون التفاعلات شخصية، وردود الأفعال محدودة وتتميز بالحذر، وتتركز حول المدرس. وحال أن يعرف التلاميذ كلاً منهم الآخر ـ أو يكون قد سبق لبعضهم المعرفة ـ فإنهم يتجهون إلى تشكيل بعض الجماعات الفرعية الصغيرة. ويحدث ذلك، عادة، في الفترة الأخيرة من هذه المرحلة.
(2) المرحلة الثانية: وضع المعايير
يشعر التلاميذ بأنهم في حاجة إلى تنظيم التفاعل بينهم؛ لذا تصبح الحاجة ماسة لوضع معايير معينة تحدد لهم ما هو مقبول وما هو مرفوض، وكيفية تنفيذ المهام المختلفة.
يتميز سلوك التلاميذ بأنه اختباري؛ فيختبر التلاميذ تقبل المشرف أو المدرس لهم، كما يختبرون حدود تعاملهم مع بعضهم، وكذلك يختبرون الإجراءات المختلفة اللازمة لتحقيق الأهداف.
وتكتسب هذه المرحلة أهميتها من كونها الخطوة الأولى الفعلية لتكوين الجماعة، كما أنها مرحلة وضع القواعد والمعايير، التي سوف تسير عليها الجماعة.
وتُعد المشاركة في القيادة والمسؤولية مظهراً أساسياً، من مظاهر تقويم هذه المرحلة.
(3) المرحلة الثالثة: الصراع
تتميز هذه المرحلة بالنزوع نحو الاستقلال وعدم الاعتماد على القائد. ويرجع ذلك إلى نجاح الجماعة في وضع معايير للعمل والسلوك، ما يكسبها الثقة والقدرة على حل المشكلات وإدارة الفصل.
وينشأ الصراع بين الرغبة في الاعتماد على القائد، وبين استخدام وتفعيل المعايير التي سبق أن وضعتها الجماعة. ويؤدي هذا الصرع إلى شعور التلاميذ بالقلق والعدائية، وإلى تكوين بعض الجماعات الفرعية الصغيرة.
ويتصف التفاعل في هذه المرحلة بأنه غريب الأطوار، ينتقل من فرد لآخر ومن موضوع لآخر بسرعة وعشوائية، وباستخدام التلاميذ للتعبيرات الانفعالية الطائشة. ويكون الجو الانفعالي غير مريح، ما يؤدي إلى انسحاب بعض التلاميذ من التعامل. وتزداد رغبتهم في مغادرة الفصل، وزيادة قلقهم ما يؤدي إلى ضعف أدوارهم ومشاركتهم داخل الفصل.
(4) المرحلة الرابعة: إنهاء الصراع (الانتقال)
تنحل الصراعات بين التلاميذ، ويُحل محلها الاختلاف في الرأي، مع قبول الفروق الفردية بين الأعضاء. فيشعر كل تلميذ بالحرية في التعبير عن رأيه، وأن من حقه المشاركة في المناقشات، وأن يختلف في رأيه، وأن يقبل الرأي المعارض، وأن يشارك في القيادة. ويكون هذا تمهيداً لشعور جماعة الفصل "بالنحن".
وتظهر المشاعر الإيجابية مع الرغبة في مساعدة التلاميذ بعضهم بعضاً. ويخصص الفصل وقتاً أطول ومجهوداً أكبر للعمل، ويحتل الاهتمام بالعمل مركز الصدارة داخل الجماعة. ويبدأ الأعضاء في إعادة النظر في الأهداف والخطط وطرق ومراحل تنفيذها.
(5) المرحلة الخامسة: الإنتاج
تمهد هذه المرحلة لظهور الجماعة "كجماعة"، وتتميز بانتشار الثقة بين الأعضاء وبالمشاركة في القيادة. كما يكون الاتصال فعالاً وبناء. ويهتم الأعضاء بالعمل، ويسود التعاون بينهم، وتنمو المعايير الخاصة بعلاقات الود والصداقة. ويتدعم الشعور "بالنحن" كجماعة، مع النظر إلى المدرس كعضو في الجماعة.
تؤدي الخصائص السابقة إلى تبني أعضاء الجماعة لأهداف واحدة، وتوحد أهداف الفرد مع أهداف جماعته، وينخفض الغياب، ويزداد الولاء والإخلاص لجماعة الفصل.
وفي هذه المرحلة يعتبر المدرس عضواً في الجماعة ومشاركاً لها، وينظر إليه الأعضاء بوصفه عضواً أكثر من كونه مدرساً. ويؤدي هذا إلى شعور المدرسين بالراحة أثناء التعامل مع الفصل، ويتدعم هذا الشعور بزيادة إنتاج الجماعة، وزيادة تقبل التلاميذ لقواعد السلوك التي يُتفق عليها.
(6) المرحلة السادسة: التواد
إذا كان أعضاء الجماعة في المرحلة السابقة مستعدين للعمل من أجل الجماعة، فإنهم في هذه المرحلة يصبحوا مستعدين للعمل من أجل أنفسهم، ومن أجل سيادة ودعم مشاعر الود والصداقة والتواد بينهم. وتحقيقاً لهذا الدعم، تُعيد الجماعة النظر في المعايير التي سبق أن وضعها الأعضاء حتى تصبح وسيلة أقوى وأفضل في تحقيق التواد والتقارب الوجداني، بين التلاميذ بعضهم بعضاً.
ولم يعد للصراعات بين الأعضاء أثراً ضاراً على التفاعل والأداء داخل الجماعة؛ لأن الجماعة تجتازها وتحلها في سهولة ويسر للمحافظة على كيانها.
ومن خصائص العضوية في الجماعات التي وصلت إلى هذه المرحلة، أن التلاميذ يظلون أصدقاء خارج المدرسة أو بعد انفضاض الجماعة. كما يكون المدرس نموذجاً للأعضاء ومصدراً للمعلومات والخبرات.
(7) المرحلة السابعة: تحقيق الذات
تُعد هذه المرحلة المستوى المثالي لنضج الجماعة. ويبلغ الفصل الدراسي هذه المرحلة عندما تسمح المعايير السائدة بممارسة كل تلميذ لنمط التعلم الخاص به، بما يناسب حاجاته، وباستخدام أسلوبه المفضل في التعلم، موظفاً ما لديه من إمكانيات وقدرات فردية خاصة. وتتحقق هذه المرحلة للجماعة، عندما تسمح المعايير لها بأن تغير وتعدل من نفسها بنفسها كي تصبح أكثر فعالية، سواء من ناحية العمل، أو من ناحية المشاعر المتبادلة بين التلاميذ.
وتُصبح الجماعة أكثر انفتاحاً للتعبير عن مشاعر الخلاف والتواد، على نحو يؤدي إلى دفع العمل لتحقيق الأهداف المرجوة، وجعله أكثر قدرة على توجيه الأنشطة الوجدانية المرتبطة بالعاطفة والتواد، من أجل تحقيق الذات.
ونظراً لأن بلوغ جماعة الفصل الدراسي لهذه المرحلة يستغرق وقتاً طويلاً، ويحتاج إلى رعاية ومتابعة دقيقة خلال المراحل السابقة؛ فإن هذه المرحلة تكون نادرة التحقيق ولا تبلغها إلاّ جماعات قليلة.
    وفيما يلي جدول يوضح خصائص مراحل نمو جماعة الفصل الدراسي، خلال المراحل السبع السابقة.
خصائص مراحل نمو جماعة الفصل الدراسي
خصائص الاتصال
خصائص محور العمل
خصائص التفاعل وصوره
المرحلة
حذر ـ محدود ـ موقفي ـ يدور حول موضوع الموقف
اضطراب العمل ـ البحث عن كيفية حماية كل عضو لذاته ـ البحث عن حلفاء
عشوائي ـ متمركز حول القائد ـ ثنائيات وجماعات فرعية صغيرة
البداية
موجه لإشباع الحاجة للأمن ـ متمركز حول الموقف ـ بداية الانفتاح بين الأعضاء
اختبار للحدود ـ البحث عن إجابات ـ محاولات للقيادة
شارد ـ خيال مضطرب ـ متردد ـ متمركز حول القائد
وضع المعايير
في اتجاه واحد ـ مشوه ـ إطلاق مسميات على الأعضاء ـ مزيد من الهجوم ـ مزيد من الانفتاح بين الأعضاء أثناء الغضب والصراع
قائم على المواجهة ـ قلق ـ عدائي ـ صراعي
مضطرب ـ متمركز حول شخص واحد أو شخصين
الصراع
انفتاح بين الأعضاء ـ نقص استخدام المسميات بين الأعضاء ـ انفتاح وردود فعل
تذبذب بين العمل واهتمامات الجماعة ـ يدور حول المعايير الجديدة والمشاعر الشخصية
أقل اضطراباً ـ أقل ظهوراً للصور النمطية ـ أقل تمركزاً حول القائد
إنهاء الصراع (الانتقال)
انفتاح محدود بمعرفة الأعضاء بعضهم بعضاً وتبادلهم للاستجابات ـ ردود أفعال تجاه معايير التواد والصداقة
تعاون جمعي ـ قيادة جماعية ـ الشعور "بالنحن"
متمركز حول العمل ـ يتحدد وضع الأعضاء بناءً على نوع العمل
الإنتاج
مزيد من الانفتاح بين الأعضاء ـ الاستعداد للمخاطرة البنّاءة ـ استجابة إيجابية
تقدير الذات ـ تغيير المعايير لتحقق الصداقة والود بدرجة أكبر
متمركز حول الجماعة ويتجه نحو الفرد
التواد
مفتوح ـ بناء ـ دقيق ـ يتركز حول الإنسان كإنسان أكثر من إشباع الحاجات
مرن ـ ينتقل من العمل إلى الشخص إلى الجماعة تبعاً لمقتضيات الموقف
نموذج تفاعلي يناسب العمل ـ متمركز حول العمل
تحقيق الذات


تعقيب
·   من العرض السابق لمراحل نمو الجماعات، يتضح اختلاف هذه المراحل من جماعة لأخرى. وقد أدى هذا الاختلاف إلى محاولة الباحثين وضع تصورات عامة لمراحل نمو تلك الجماعات.
وكمثال لهذه التصورات ما أشار إليه بعض الباحثين من أن الجماعات الخبرية (أي الجماعات التي نعيشها وتنشأ بيننا، وذلك في مقابل الجماعات المعملية، التي يكوّنها الباحثون في المعامل النفسية لإخضاعها للدراسة) أو الواقعية، تمر بمراحل ثلاث أساسية:
·   انبثاق الجماعة: وهي مرحلة تستغرق فترة تراوح ما بين ستة أسابيع وستة أشهر، وتتميز بتفجر وتحرر العمليات التي تؤدي إلى نضج أعضائها.
·   المحافظة على الكيان: وفي هذه المرحلة يلتحق أعضاء جدد بالجماعة، ويكون على قدامى الأعضاء العمل على إدماجهم. ومع تكرار دخول الأعضاء الجدد يشعر القُدامى بالملل، لانخفاض معدل العمل والأداء داخل الجماعة.
·   الإرهاق: إذا استمر دخول الأعضاء الجدد مع اختفاء بعض الأعضاء القُدامى، فإن باقي القُدامى يشعرون بالإرهاق والملل.
·    يرجع اختلاف مراحل نمو الجماعات في مختلف المجالات إلى اختلاف اهتمامات الباحثين؛ فمنهم من ركّز اهتمامه على البناء الاجتماعي للجماعة، أو على محور العمل، أو الاتصال والتفاعل وغيرها.
كما يرجع اختلاف مراحل نمو الجماعات، أيضاً، إلى اختلاف تركيز الباحثين على إحدى الوظيفتين الأساسيتين للجماعة. هل هي أداء المهمة الموكلة إلى الجماعة؟ أم إشباع الاحتياجات العاطفية والوجدانية للأعضاء؟
·   وحتى تتحقق الفائدة العملية من توظيف مراحل نمو الجماعات، فعلى المسؤول عن الجماعة أن يكون دقيق الملاحظة، وأن يسجل المظاهر المختلفة التي يراها داخل الجماعة. وبناءً على هذه المظاهر يستطيع استخدام الأسلوب المناسب للتدخل، مثل: المحاضرات أو جلسات الحوار أو مواجهة الأعضاء بعضهم بعضاً، أو تزويد الجماعة بتغذية راجعة بما يحدث داخلها، أو استخدام أسلوب حل المشكلات، أو الاستعانة بالمتخصصين.



المصادر والمراجع

1.      حسين عبدالعزيز الدريني، "علم النفس الاجتماعي"، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة (ب. ت).

2.      فؤاد البهي السيد، "الأسس النفسية للنمو"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1968.

3.      هاني محمد رشاد درويش، "أثر التدخل الإعلامي على اتجاهات الطلاب نحو تطوير الامتحانات في جماعات تمر بمراحل نمائية مختلفة"، رسالة دكتوراه، غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 1996.

4.       Ciassna, K. N. Phases in Group Development, The Negative Evidence. Small Group Behavior, 1984, V.15.

5.       Gazda, G. Basic Approaches to Group Psycho therapy and Groups Counseling.  U.S.A (Harl'es C Thomas Puls) 1975.

6.      Gendlin, E.T & Beele III, J., An Experiential Approach to Group Therapy. Journal of Research and Development in Education, 1968.

7.       Roark, A. E. V. Stanford, G., Human Interaction in Education. Boston: Allyn and Bacon Pub, 1974.

8.       Tuckman, Bruce, Developmental Sequence in Small Groups, Psychological Bulletin, 1965, 63.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالسبت 28 مايو 2016, 10:53 pm

القِيم Values

للقِيم أهميتها الكبرى في حياة المجتمعات والأفراد، فهي التي تحدد معالم الأيديولوجية أو الفلسفة العامة للمجتمع. فالقيم السائدة في المجتمع الرأسمالي –مثلاً- تختلف عن القيم السائدة في المجتمع الشيوعي. والقيم السائدة في المجتمع الديني تختلف عن القيم السائدة في المجتمع العلماني؛ لأن القيم انعكاس للطريقة التي يفكر بها أبناء المجتمع، أو الثقافة المشتركة الواحدة.

وتُعَد القِيم من المعالم المميزة للثقافات الفرعية داخل المجتمع الواحد؛ فالقيم التي تسود بين سكان الريف، تختلف -في بعض منها- عن القيم التي تسود بين سكان المجتمعات الحضرية. كما تختلف القيم التي تنتشر بين المراهقين عن تلك التي بين الشباب والشيوخ. فالقيم هي التي توجه سلوك أبناء الثقافة الفرعية وأحكامهم، فتحدد لهم ما هو مرغوب فيه وما هو مرغوب عنه؛ بل تشكل الغايات المثلى التي يسعى أبناء هذه الثقافة إلى تحقيقها.

وللقِيم أهميتها التربوية لأنها مصدر لتشكيل السلوك؛ فهي المعايير التي يستخدمها كل من التلميذ والمعلم في الحكم على السلوك السّوي وغير السوي. وقد كشفت الدراسات عن أهمية القيم في خلق البيئة التربوية المناسبة، التي تحقق المزيد من فهم التلاميذ واستيعابهم، ومن التفاعل بين التلميذ والمعلم. فتزايد التقبل من جانب المعلم لتلاميذه، يترتب عليه زيادة اهتمام التلاميذ بالعمل المدرسي، وزيادة ابتكاريتهم وكفاءتهم في التحصيل الدراسي.

كما تُبين أهمية القِيم في علاقاتها بالأسلوب الذي يتبعه المعلم، مع التلاميذ أو الطلاب في عملية التدريس. فَنَسَقُ القيم الذي يتبناه المعلم ـ بوصفه مصدراً لعملية التفاعل مع التلاميذ ـ يؤثر في مستوى أدائه.

أما في مجال التوجيه التربوي والمهني، فللقيم دور مهم؛ فالمستقبل المهني للفرد لا يعتمد فقط على استعداده للعمل، وإنما على المجتمع الذي يعيش فيه ويعمل، والتوجهات السائدة في هذا المجتمع. فالنظام الاجتماعي الذي تسمح قيمه المهنية بالانتقال من مستوى اقتصادي اجتماعي إلى مستوى آخر، يختلف –مثلاً- من ناحية أثره في التوجيه التربوي أو المهني، عن النظام الذي يفرض على الأبناء العمل في مهن الآباء نفسها. كما أن المجتمع الذي يشترط شروطاً لا تتعلق بقدرات الفرد وميوله للالتحاق بعمل ما، يؤثر في التوجيه المهني لأفراده. وبناءً على النظرة الاجتماعية للعمل (الفني أو الأكاديمي... إلخ)، يتجه الأفراد إلى نوع التعليم المرغوب فيه من المجتمع بدرجة أكبر.

ويتجه الفرد للمهنة التي تشبع احتياجاته وقيمه، كما يختار الدراسة التي تؤهله للالتحاق بهذه المهنة والعمل فيها والاستمرار والنجاح في أدائها. فثمة علاقة –مثلاً- بين القيمة الجمَالية، واختيار الفرد للمهن الفنية والعمل كفنان أو مؤلف، وبين القيمة الاجتماعية ودراسة الخدمة الاجتماعية والإرشاد النفسي، ثم العمل كأخصائي اجتماعي، أو في مجال الإرشاد النفسي، أو في مجال التمريض.

وللقيم أهميتها في تحقيق الصحة النفسية للأفراد؛ فهي من عوامل الوقاية من الأمراض النفسية. فالقيم المرتبطة بذات الفرد تشكل وجهة نظره للحياة وطريقته في التعامل الاجتماعي، ومن ثَم، تحقيق التكيف النفسي. كما أن القيم التي تحدد معايير الحلال والحرام، وما هو مقبول أو مرفوض في المجتمع، تشكل سلوك الفرد وتعامله الاجتماعي، ما يؤثر في توافقه النفسي. ويؤدي الصراع القيمي، أو عدم اتساق القيم لدى الفرد، إلى حدوث اضطرابات في الشخصية وسوء في التوافق الاجتماعي (فالمرضى النفسيين يظهرون اتجاهاً مضاداً أو معاكساً للقيم الدينية). لهذا يكون تعديل القيم واحداً من وسائل وأساليب العلاج النفسي.

ويعتمد نمو الضمير عند الطفل على معايير الوالدين وقيمهم. ويؤدي تعارض القيم داخل الأسرة إلى اضطراب عمليات التطبيع الاجتماعي وتنشئة الأبناء؛ فتنشأ شخصياتهم مضطربة بشكل يعوق توافقهم المستقبلي.

وإذا كان الشعور المتوازن بالسعادة أو الرضا دالة للصحة النفسية للأفراد، فإن للقيم دورها في تحقيق تلك السعادة. فالقيم المرتبطة بالتفاؤل تكون ذات علاقة إيجابية بالسعادة، وكذلك ترتبط القيم التي تؤكد على التفاعل الاجتماعي البناء بالسعادة ارتباطاً عالياً. وللقيم الدينية إسهامها العالي في شعور الفرد بالسعادة والرضا، فالملتزمون دينياً يرتفع لديهم معنى الحياة، أي شعور الفرد بالحب والسعادة والعلاقة الطيبة مع الآخرين.

أولاً: تعريف القيم

تختلف تعريفات القيم بناءً على المجال الذي تنتمي إليه (الاقتصاد، الفلسفة... إلخ)، وتبعاً لنوع القيم ذاتها (اجتماعية، دينية... إلخ).

1. يتضح اختلاف تعريفات القيم بناءً على المجال الذي تُستخدم فيه أو تنتمي إليه. فللقيمة في مجال الاقتصاد –مثلاً- عدة معاني، منها: صلاحية شيء لإشباع حاجة (قيمة المنفعة)، ومنها ما يساويه متاع حين يُستبدل بغيره في السوق، ومن ثَم، فهي تقدير الشخص لهذا المتاع، أو تقدير الجماعة لما يُتبادل بين أفرادها (قيمة المتاع وقيمة المبادلة). ونظراً لكثرة استخدام مفهوم القيمة في علم الاقتصاد، لذا سُمي هذا العلم "علم القيمة".

أما الفلاسفة فيرون أن مهمة الفلسفة تستند إلى أساس قيمي، سواء في اتجاهها إلى النقد أو الإبداع. فهي التي تبرر المبادئ، وتكشف الافتراضات، وتناقش القيم الرئيسية، ظاهرة كانت أو خفية، وراء مشكلات الثقافة السائدة بما يحتدم فيها من صراع، وما يختلج فيها من توتر. وهي التي توضح معنى ذلك في حياة الفرد والجماعة، وتبيّن دلالته في حاضر الثقافة ومستقبلها. وهذا من شأنه تعميق إحساس الإنسان بقيمه، ما يجعله يدعم قدرته على توجيهها نحو ما ينبغي له أن يكون. وترى الفلسفات المثالية، بوجه عام، استقلال القيم وانعزالها عن الخبرة الإنسانية. أما الاتجاه الثاني، فيتمثل في الفلسفات الطبيعية التي ترى القيم جزء لا يتجزأ من الواقع الموضوعي، للحياة والخبرة الإنسانية. فالأشياء لا ترتبط بقيم سامية لسر كامن فيها؛ بل دائماً تكون قيم الأشياء نتاج اتصالنا بها، وتفاعلنا معها، وسعينا إليها، وتكوين رغباتنا واتجاهاتنا نحوها. فالقيم من نسيج الخبرة الإنسانية، وجزء لا يتجزأ من كيانها. فالأشياء ليست في ذاتها خيرة أو شريرة، صحيحة أو خاطئة، قبيحة أو جميلة، وإنما هذه الأحكام نصدرها نحن من واقع تأثيرنا في هذه الأشياء، وتأثرنا بها.

2. أما العامل الثاني الذي أدى إلى اختلاف تعريف القيم، فهو اختلاف تعريف كل نوع أو فئة من تلك القيم. فالقيمة الاجتماعية هي الحكم الذي يصدره الإنسان على شيء ما، مهتدياً بمجموعة من المبادئ والمعايير، التي وضعها المجتمع الذي يعيش فيه، والذي يحدد المرغوب فيه والمرغوب عنه من السلوك؛ أو هي اهتمام أو اختيار أو تفضيل يشعر معه صاحبه أن له مبرراته الخلقية أو العقلية أو الجمالية، أو كل تلك مجتمعة، بناءً على المعايير التي تعلمها من الجماعة، ووعاها في خبرات حياته نتيجة عملية الثواب والعقاب والاتحاد مع غيره أو الارتباط به.

ويتضمن مفهوم القيمة بالمعنى الاجتماعي اتخاذ قرار أو حكم يتحدد على أساسه سلوك الفرد أو الجماعة إزاء موضوع ما، ويتم ذلك بناءً على نظام معقد من المعايير والمبادئ. وهذا معناه أن القيمة ليست تفضيلاً شخصياً أو ذاتياً؛ بل تفضيل له ما يبرره في ضوء المعايير الاجتماعية العامة.

وبناءً على هذا المفهوم، ميّز العلماء بين القيم الخاصة بالمجتمع القديم، الذي تسوده القيم التقليدية، والقيم الخاصة بالمجتمع العصري الذي تسوده القيم العصرية، وبين قيم المجتمع الريفي وقيم المجتمع الحضري.

أما مفهوم القيمة بالمعنى النفسي، فهي تنظيمات معقدة لأحكام عقلية انفعالية معممة نحو الأشياء، أو الأشخاص، أو المعاني، سواءً كان التفضيل الناشئ عن هذه التقديرات المتفاوتة صريحاً أو ضمنياً. ويمكن تصور هذه التقديرات على أساس أنها امتداد يبدأ بالتقبل، ويمر بالتوقف، وينتهي بالرفض.

ويتضمن مفهوم القيمة بالمعنى النفسي تركيزه على قيم الفرد ومحدداتها المختلفة. كما يتضمن هذا المفهوم ثلاثة مقومات معرفية بوصفها أحكاماً عقلية، ومقوماً انفعالياً، من حيث امتدادها بين القبول والرفض لموضوع معين، ومقوماً نزوعياً، من حيث تحريكها للفرد في اتجاه معين وتوجيه سلوكه الشخصي.

وبناءً على المفهوم النفسي للقيم، ميّز علماء النفس بين القيم الوسائلية والغائية، وبين القيم الملزمة والتفضيلية والمثالية، وبين القيم العامة والخاصة.

أما المفهوم الديني للقيم فيُنظر إليها على أنها عملية تفضيل تقوم على الاستقامة والاعتدال، وتنطلق أساساً من مصادر أحكام الشريعة (الإسلامية) ومعاييرها ومبادئها. وهي تحدد المرغوب فيه حلالاً طيباً وتأمر به، والمرغوب عنه حراماً خبيثاً وتنهى عنه. وتعمل كدوافع أو مثيرات لسلوك الفرد والمجتمع نحو خلق الشخصية السوية المتكاملة وتنميتها، وذلك بما يكفل للإنسان السعادة الأبدية. وثمة تعريف آخر أكثر عمومية للقيم الدينية يرى أنها اهتمام الفرد وميله نحو معرفة ما وراء العالم الظاهري، فهو يرغب في معرفة أصل الإنسان ومصيره. ويرى أن هناك قوة تسيطر على العالم الذي يعيش فيه، وهو يحاول أن يصل نفسه بهذه القوة.

ويتضمن المفهوم الديني للقيم التأكيد على أنها مجموعة الصفات السلوكية العقائدية والأخلاقية، التي توجه السلوك. وهي التي تصنع نسيج الشخصية وتطبعها بطابعها. وتُبني القيم الدينية على تصور محدد للكون والخالق، وللإنسان والعقل والعلم والمعرفة.

وبناءً على المفهوم الديني للقيم ذكر الباحثون عدداً منها، مثل: قيم الإيمان، والتقوى، والتعبد، والحق، والحرية، والمسؤولية.

ويتضح، مما سبق، تعدد تعريفات القيم واختلافها، إلا أن التعريف الذي يمكن الأخذ به هو أنها: "صفة يكتسبها شيء أو موضوع ما، في سياق تفاعل الإنسان مع هذا الشيء أو الموضوع"؛ أو هي لفظ نطلقه ليدل على عملية تقويم يقوم بها الإنسان، وتنتهي بإصدار حكم على شيء أو موضوع أو موقف ما؛ أو هي القرار الذي يصدره الإنسان لأمر ما، بناءً على دستور من المبادئ أو المعايير.

ويُلاحظ على هذا التعريف أنه تعريف إجرائي، أي قابل للملاحظة. فهو صفة ملحوظة، أو كلمة ننطق بها، أو حكم يتخذه الفرد، أو قرار يصدره. ويتضمن التعريف أن القيمة معيارية الطابع؛ لأنها تقوم على أساس دستور من المبادئ أو المعايير.

ثانياً: خصائص القيم

نظراً لتعدد القيم وتنوعها، ولاختلاف تعريفاتها، أورد العلماء خصائص متعددة لها. وقد يبدو على هذه الخصائص أحياناً التناقض والتداخل والتعارض. ومن هذه الخصائص:

1. نسبية القيم

يُقصد بنسبية القيم أن معناها لا يتحدد ولا يتضح عند النظر إليها في ذاتها مجردة عن كل شيء، بل لابد من النظر إليها خلال الوسط الذي تنشأ فيه؛ لذلك فالحكم عليها ليس حكماً مطلقاً بل حكماً ظرفياً وموقفياً، وذلك بنسبتها إلى المعايير التي يفضلها المجتمع، في زمن معين وبإرجاعها إلى الظروف المحيطة بثقافة القوم.

والنسبية قد تكون زمانية، تختلف من وقت لآخر؛ أو مكانية، تختلف من مجتمع لآخر؛ أو شخصية، تختلف من فرد لآخر.

2. ثبات القيم

توصف القيم بأنها أبطأ في التغيير من الاتجاهات والرغبات والميول، لهذا فإن ثباتها يكون نسبياً. وتزداد نسبية ثباتها لتوجهها نحو أهداف معينة قابلة للتغيير؛ ولأنها لا تعكس فقط حاجاتنا الخاصة، بل تعكس، أيضاً، ما يثيب أو ما يعاقب عليه المجتمع، في فترة معينة.

3. معيارية القيم

ترجع طبيعة القيم المعيارية إلى أنها تتضمن إصدار أحكام أو اتخاذ قرارات لأمر ما، بناءً على دستور من المبادئ أو المعايير الاجتماعية السائدة، في مجتمع ما في فترة معينة.

4. القيم مفاهيم مجردة

تتضح الطبيعة المجردة للقيم في أنها لا تُقاس مباشرة، بل تُقاس بطريقة غير مباشرة. فالقيمة لا تُقاس مباشرة بل يُستدل عليها من مجموع استجابات الفرد إزاء موضوع معين. فالتدين كقيمة لا يُقاس مباشرة، بل بسؤال الفرد عن تصرفاته في بعض المواقف (كالصيام في يوم حار، ومساعدة المرضى، وإغاثة الملهوف في موقف خطر... إلخ).

5. القيم تتضمن الاختيار والتفضيل

تتضمن القيم الاختيار والتفضيل لكل ما هو مرغوب فيه، على أساس عقلي أو اجتماعي أو خُلقي أو ديني. وكثيراً ما يتضمن الاختيار والتفضيل توتراً وصراعاً بين ما يرغب فيه الإنسان، وما ينبغي أن يكون عليه الحال في نظر الجماعة.

6. القيم تسلسلية أو ترتيبية

    تترتب القيم لدى كل فرد ترتيباً هرمياً، يُعرف بالسلم أو الإطار أو النسق القيمي. وعلى قيمة هذا النسق تكون القيمة الغالبة على سلوك الفرد؛ فالتاجر تكون قيمه الاقتصادية على قمة هرم قيمه، والمحامي تكون القيمة النظرية على قمة هرمه القيمي، ورجل الدين تكون القيمة الدينية على قمة هرمه القيمي.

ويحاول كل فرد أن يحقق قيمه جميعاً؛ ولكن إذا حدث تعارض بينها، فإنه يخضع بعضها للبعض الآخر وفقاً لترتيب خاص به. والقيم في ترتيبها لا تكون ثابتة، بل تتبادل المراكز فيما بينها تبعاً لظروف الفرد.

7. القيم محصلة للخبرات والممارسات الاجتماعية

تُكتسب القيم أثناء عملية التطبيع أو التنشئة الاجتماعية. فالقيم بوصفها معيارية تتأثر بالمستويات المختلفة، التي يكونها الفرد نتيجة احتكاكه بمواقف اجتماعية، ونتيجة لخضوعه لعملية التعلم والتعليم في البيئة التي يعيش فيها.

ولهذه الخاصية انعكاسها على إلزامية القيم لسلوك أعضاء مجتمع معين، في زمن معين.

8. القيم ذات طبيعة تقويمية

تتضمن القيمة عملية تقويم يقوم بها الإنسان، وتنتهي بإصدار حكم على شيء أو موضوع أو موقف ما، أو اتخاذ قرار بشأن تفضيل، أو انتقاء لسلوك معين، إزاء ذلك الشيء أو الموضوع أو الموقف.

ثالثاً: النسق القيمي

من خصائص القيم أنها تترتب فيما بينها لدى الفرد أو لدى المجتمع، ويُطلق على هذا الترتيب النسق القيمي. ويُقصد به أنه نموذج منظم ومتكامل من التصورات والمفاهيم الدينامية الصريحة أو الضمنية، يحدد ما هو مرغوب فيه وما هو مرغوب عنه. أي أنه مجموعة القيم المتساندة بنائياً والمتباينة وظيفياً، في داخل إطار ينظمها ويشملها ويرسم لها تدرجاً خاصاً. ويتخذ هذا التدرج شكلاً هرمياً تكون على قمته القيمة الغالبة، على سلوك الفرد أو الجماعة.

ويؤدي نسق القيم مجموعة من الوظائف، أهمها:

1. للمجتمع

·   تزويد أعضاء المجتمع بمعنى الحياة وبالهدف الذي يجمعهم من أجل البقاء. كما أن التكامل الأخلاقي في جماعة معينة يكون محكوماً بالقدر الذي يتبنى به جميع أعضاء الجماعة مجموعة من القيم، على النحو الذي تُصبح به حياة هذه الجماعة منظمة.

·   ربط أجزاء الثقافة ونظمها بعضها ببعضها حتى تبدو متناسقة. كما تعمل على إعطاء هذه النظم أساساً عقلياً يستقر في ذهن أعضاء المجتمع المنتمين إلى هذه الثقافة أو تلك.

·   وجود تشابه أخلاقي بين أعضاء مجتمع معين، نظراً لالتزامهم بالقيم السائدة أو الغالبة في مجتمعهم.

·   يحدد النسق القيمي لكل مجتمع مشكلاته الاجتماعية، ذلك أن المشكلة لا يكون لها كيان مستقل من دون تعريفها عن طريق القيمة. ولن تكون الجريمة كذلك إلا إذا أقرتها قيم الفرد والجماعة.

2. للفرد

·   يصبغ النسق القيمي كل فرد بصبغته الخاصة. فالشخص الذي يحب المال يسعى بكل جهده للحصول عليه، ويكون "حب المال" قيمة عنده غالبة على سلوكه. وقد يكون الكرم أو الكرامة من قيمه أيضاً، ولكنها تحتل مرتبة دُنيا.

·   توجيه سلوك الفرد نحو غايات وأهداف محددة؛ فمن كان يحب المال كقيمة سيسعى جاهداً لاكتنازه؛ ومن كان يُحب العلم كقيمة، سيبذل قُصارى جهده لتحصيله والارتقاء به.

·   تُعَد أنساق القيم مستويات يعتمد عليها الأشخاص في الاحتفاظ بالتقدير الذاتي لأنفسهم، بصفة مستمرة بين أقرانهم وزملائهم. كما تساعد الفرد على إجراء وإصدار تبريرات معينة، لتأمين حياته والدفاع عن ذاته.

·   يؤدي النسق القيمي إلى توافق الشخص النفسي والاجتماعي. فلكل مرحلة عمرية نسق من القيم تتميز به عن غيرها من المراحل، طبقاً للخصائص المعرفية والوجدانية والسلوكية لها. ويؤدي هذا النسق في حالة توازنه، إلى تحقيق توافق الفرد مع القواعد والمعايير الاجتماعية والأخلاقية السائدة في المجتمع.

والنسق القيمي للأفراد والمجتمعات ليس ثابتاً؛ بل يتغير تبعاً لما يمر به المجتمع من ظروف وأحداث؛ فالحروب والأزمات تغير النسق القيمي للمجتمعات، وكذلك يؤدي احتكاك الثقافات إلى دخول قيم جديدة على المجتمعات، ما يؤدي إلى تغير النسق القيمي لتلك المجتمعات.

ويتشكل النسق القيمي للأفراد تبعاً لمراحل نموهم، ولما يمرون به من ظروف وأحداث. ويشمل ذلك: مستوى التعليم ونوعه، ونوع الجنس، والإطار الثقافي العام، والمستوى الاقتصادي والاجتماعي، ودرجة التدين ونوع المعتقد.

رابعاً: تغير القيم

يأخذ التغير في القيم أشكالاً وصوراً متعددة، منها:

1.  اكتساب القيم أو التخلي عنها مثل اكتساب الأطفال لقيم مجتمعهم. فعند فترة مراهقتهم يتخلون عن بعض قيمهم المرتبطة بالصداقة، ليكتسبوا قيماً جديدة.

2.  إعادة توزيع القيمة كأن تبدأ القيمة لدى عدد قليل من الأفراد ثم تنتشر أفقياً، أي مكانياً، وتنتقل رأسياً، أي زمانياً. فقادة الثورات يتبنون مجموعة من القيم التي ينشرونها بين أتباعهم، ثم في مجتمعاتهم، ثم تنتقل هذه القيم من جيل لآخر.

3.  التأكيد على شأن القيمة أو التقليل من شأنها، كالتأكيد على القيم الدينية والإقلال من شأن القيم العلمانية أو عكس ذلك.

4.  تغير النسق القيمي وإعادة تدرجه (كما سبق توضيح ذلك). فمع نمو الفرد يزداد عدد القيم التي يتبناها في نسقه القيمي؛ ولكن عند انضمام قيم جديدة إلى النسق القيمي السائدة، يحدث نوع من إعادة الترتيب أو التوزيع لهذه القيم، حسب أهميتها للفرد.

5.  تغير طرق تحقيق القيم؛ فكسب "المال" كقيمة قد يتغير من الحلال إلى الحرام أو العكس؛ وتحقيق "الحرية" كقيمة قد ينتقل من الدعوة إلى الهجوم، وإلى العدوان، أو الجهاد.

6.  تتغير القيم ارتقائياً عند الانتقال من الطفولة المبكرة وحتى نهاية العمر. فمع نمو الفرد تزداد المعايير التي يحتكم إليها وضوحاً وكفاءة في تحديد قيمه. كما يتغير مفهوم المرغوب فيه والمرغوب عنه. ويمضي ارتقاء القيم منتقلاً من العيانية إلى التجريد، ومن البساطة إلى التركيب، ومن الخصوصية إلى العمومية، ومن الوسيلة إلى الغاية. ويكون ارتقاء القيم محصلة للتفاعل بين الفرد بسماته ومحدداته الخاصة، وبين الإطار الحضاري الذي يعيش فيه.

خامساً: اكتساب القيم

لما كانت القيم مكتسبة، فإن التعلم والتعليم هما الطريق لتحقيق ذلك. ويتم التعلم بعدة وسائل وأساليب، منها ما هو مباشر وما هو غير مباشر:

1.  القدوة؛ فالوالد قدوة لأبنائه، والمعلم قدوة لتلاميذه، ورئيس العمل قدوة لموظفيه. وكلّما كانت القدوة صادقة في سلوكها، متسقة في أقوالها وأفعالها، متشابهة في ثقافتها مع الآخرين، ومتسمة بالصِّدقية والثقة، كلما ساعد ذلك في انتقال القيم وإكسابها للآخرين.

2.  تقديم الحقائق الموضوعية التي تتناسب في مستواها وطريقة تقديمها للآخرين. فالحقائق تزيد المتلقي فهماً ومعرفة، ومن ثَم، وعياً واقتناعاً بموضوع القيمة وقدرة على تفسيره. وتؤدي الحقائق المدعمة بالأمثلة إلى تغير الجانب الوجداني، ما ييسر قبول القيمة والعمل بها.

3.  ربط التصرف بالنتيجة أو السلوك بالآثار المترتبة عليه. فأسلوب الوعظ لتعليم القيم لا يؤتي النتائج المرجوة منه في ذاته؛ ولكن إذا تدعّم الوعظ مع ربط التصرف أو السلوك بالنتائج المترتبة عليه، ساعد ذلك على اكتساب القيم وزيادة تقبلها.

4.   استخدام المناقشات الجماعية ييسر تبني القيم؛ لأن المناقشة تتضمن جانباً معرفياً، كما تتضمن إيجابية ومشاركة الأفراد في اتخاذ القرار، ما ييسر تبنيهم للقيم ودفاعهم عنها. لذلك تتضمن المناقشات ممارسة الجماعة للضغوط على أعضائها المخالفين للقيمة، حتى ينصاعوا لما اتفقوا عليه.

5.   يؤدي التعلم المباشر للقيم دوره الكبير في إكسابها. ومن أمثلة ذلك تدريس الدين والأخلاق بالمدارس، وتنفيذ المشروعات المرتبطة بالقيم (مثل العطف على الفقراء والمحتاجين، زيارة المرضى... إلخ).

6.   يساعد التقييم والنقد الذاتي لسلوك الفرد، في فهمه لقيمه وآثارها في التعامل مع الآخرين وفي تحقيقه لأهدافه. وكلما كان التقييم الذاتي أميناً ومخلصاً، أسهم في إكساب القيمة ونموها وتعديلها أو تثبيتها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:48 pm

العادات والتقاليد Customs and Traditions

أولاً: العادات

العادة بالمعنى اللغوي العربي هي "كل ما اعتيد حتى صار يُفعل من غير جهد، وأصبح يتكرر على نهج واحد". والعادي هو العتيق، مثلما يُقال: مجدي عادي أي عتيق.

وتعني كلمة "العادة" في اللغة الإنجليزية، نمط السلوك المكتسب بالتكرار أو التعود أو الاستعمال المتكرر.

تعني العادة بالمعنى اللغوي الأنماط السلوكية المكتسبة عن طريق التعود والتكرار، في حين تُعرف العادة في القواميس الاجتماعية المتخصصة بأنها صورة من صور السلوك الاجتماعي، استمرت فترة طويلة من الزمان واستقرت في مجتمع معين، وأصبحت راسخة واصطبغت إلى حد ما بالصبغة الرسمية. والعادات الجمعية هي أساليب للفكر والعمل ترتبط بجماعة فرعية أو بالمجتمع بأسره. ويقترب من التعريف اللغوي تعريفي ميشيل Mitchel  للعادات بوصفه اصطلاح يُشير إلى أشكال التفكير والسلوك المستقر، الذي يقوم به الفرد في المجتمع. ويُستعمل هذا الاصطلاح من قِبل علماء الأنثروبولوجيا الاجتماعية لوصف التصرفات الروتينية للحياة اليومية، أو الأحكام الداخلة ضمن الروتين، أو النماذج الحضارية المستمدة من التصرفات المتكررة، أو الطبيعة المميزة للكل الحضاري.

العادات ظاهرة اجتماعية تتعلق بأفعال الناس، ويشتق وجودها من الفطرة الاجتماعية، فهي ضرورة اجتماعية تصدر عن المجتمع. وهي تلقائية لا تصدر عن سلطة معينة تصنعها وتنفذها وتسهر عليها، وإنما دعاماتها قبول الناس لها. فنحن، مثلاً، عندما نلقي السلام والتحية أو نصافح بالأيدي عند لقائنا ببعضنا بعضاً، أو عندما نتبادل خطابات وبرقيات التهاني والمواساة، وعندما نحتفل بالأعياد والمواسم والموالد وما إلى ذلك، فكل هذه الأفعال تلقائية لا توجد سلطة رسمية تفرضها علينا، وإنما تدفعنا إلى ممارستها سلطة المجتمع القائمة على قبول الناس لها.

من ذلك يتبين أن العادات هي مظاهر سلوكية متفق عليها بين أفراد المجتمع، وتنقسم إلى:

1. عادات فردية سلوكية

وهي ما يُطلق عليها كلمة Customs، وهي أنماط سلوكية متكررة يتصرف الفرد بمقتضاها على نحو خاص، حتى تصبح ممارسته لها لا شعورية، ولا يمثل الخروج عليها ضرراً للمجتمع. وهي في الأغلب الأعم متعلقة بإشباع حاجات الفرد البيولوجية من مأكل ومشرب وملبس، مثل تناول بعض المشروبات في أوقات معينة وبطريقة خاصة، كتناول القهوة مع اللبن صباحاً، أو القهوة مع التدخين، أو طريقة استخدام أدوات الأكل، أو طريقة طهي الطعام.

2. عادات جمعية أو جماعية شائعة Common habits

وهي القواعد السلوكية المتكررة، التي ترجع إلى المجتمع الذي يعيش فيه الفرد. وتستند هذه القواعد السلوكية إلى فكر اجتماعي، وبكثرة تكرارها تصبح أنماطاً سلوكية. وهي تنتشر أفقياً عن طريق التجاور والاختلاط، ورأسياً عبر فترة تاريخية طويلة، وتصبح ممارستها ثابتة مستقرة، ومن الصعب التخلص منها؛ ومثال ذلك عادات التحية وآداب المائدة، وآداب المجاملة المختلفة، وطرق تناول الطعام، وطرق الخطبة والزواج، وطرق تمثيل الأسرة في المجالس والتنظيمات الاجتماعية.

والفرق بين العادات الجمعية والعادات الفردية، هي أن الأخيرة أسلوب فردي وظاهرة شخصية. والدليل على ذلك أنه يمكن أن تتكون العادة الفردية وتُمارس في حالات العزلة عن المجتمع لسبب أو لآخر، كما في حالات الأطفال الذئاب وغيرهم. ويكاد الإنسان أن يكون مجموعة من العادات تمشي على الأرض، وأن قيمته تعتمد كثيراً على عاداته. فطريقة الشخص في ملبسه ونظافته وكلامه ومشيه وأكله وشربه وما شابه ذلك، كلها عادات فردية تسهم في تقييم الفرد وتحدد درجة نجاحه في الحياة.

أما العادات الجمعية فظاهرة اجتماعية تمثل أسلوباً اجتماعياً، بمعنى أنها لا يمكن أن تتكون وتُمارس إلاّ في الحياة الاجتماعية في المجتمع، وأثناء التفاعل بين أفراده وجماعاته. ومن أهم الخصائص المميزة للعادات الجمعية، ما يتصل بها من جزاء اجتماعي توقعه الجماعة على مخالفيها. أما العادات الفردية فلا تحتاج إلى هذا الجزاء الاجتماعي.

وتنشأ العادات الاجتماعية في عقول الناس، وتتجسد في أفعال أعضاء الجماعة، وتنتشر عن طريق التقليد تدريجياً أو عن طريق المحاولة والخطأ. وبمرور الوقت تكتسب العادات الجمعية قوة التقاليد، لأنها تمثل طرقاً مألوفة للإنسان في عمل الأشياء، وظاهرة جوهرية لمعيشة الناس بعضهم مع بعض، إلا أنها تربط فيما بينهم في الوقت الحاضر وتلقنهم تجربة الماضي؛ لأنها تنحدر إليهم من جيل إلى آخر بوصفها الطريقة الصحيحة التي يجب إتباعها. من ذلك يتضح أن العادات الاجتماعية تعمل على استقرار المجتمع بما تفرضه من جزاء اجتماعي يقع على الفرد المخالف لها؛ ولذلك فهي من العوامل الجوهرية في الضبط الاجتماعي. بناءً على هذا يمكن تعريف العادات الاجتماعية بأنها الأنماط السلوكية المتكررة والمكتسبة اجتماعياً، والتي تفرضها الجماعة على الأفراد، ويتوقع منهم أن يتّبعوها وإلاّ تعرضوا للجزاء الاجتماعي، الذي توقعه الجماعة على مخالفيها، سواء بالاستياء أو الاستهجان أو النفور والانتقام، حتى يهتدي بها الناس وتسهل معيشتهم مع بعضهم. إن بعضاً من هذه العادات يكون إيجابياً ومفيداً ونافعاً للحياة الاجتماعية، إذ يؤدي إلى تعزيز وحدة المجتمع وتوثيق العلاقات بين الأفراد والمجتمع، ويمكنهم من قضاء حاجاتهم في يسر وسهولة تامة.

ثانياً: التقاليد

تعني التقاليد Traditions لغوياً العادات المتوارثة، التي يُقلد فيها الخلف السلف. وفي اللغة الإنجليزية تعني الرأي أو العادة المتوارثة من السلف إلى الخلف، أو الممارسة عريقة القدم Long Established.

وإذا كانت التقاليد تعني لغوياً الأنماط السلوكية المتوارثة من السلف إلى الخلف، فإنها في مُعجم العلوم الاجتماعية تعني طرائق للسلوك مستقلة في وجودها عن الفرد، وتفرض نفسها عليه وتعين على تقوية الشعور الجمعي وتحقيق الاندماج التام بين عناصر المجتمع. إنها صُنع الماضي ودعامة الحاضر؛ فهي حصيلة التجربة العملية للمجتمع، ومقياس مهم للنظم والقيم الاجتماعية، فيها ثقافة وحضارة، وعلم وحكمة. يقدّسها الناس، عادة، حتى وإن بدا فيها ما لم يُفهم سببه وما لا يقره العقل تماماً، وهي عنصر مهم في السلوك والتربية. وتمتاز التقاليد بأمور ثلاثة: الاستقرار والاستمرار والاحترام، فهي ثروة خالدة من ثروات المجتمع، تبسط سلطانها وتستنكر كل تصرف خارج عليها، وعليها تقوم الشرعية التي يُضيفها الناس على أفعالهم.

وتعني التقاليد كذلك في قاموس علم الاجتماع: أنها نمط سلوكي يتقبله المجتمع عموماً دون دوافع أخرى، عدا التّمسك بنسق الأسلاف. ويربط بعض الدارسين بين التقاليد والعادات من حيث أن التقاليد تمثل العادات التي فقدت مضمونها وصوتها، وإنما يحتفظ بها الإنسان كاسم فقط يُطلق على مضمون جديد. وخلافاً لذلك يرى بعض الدارسين أن التقاليد والعادات هما شيء واحد؛ لأنهما جزء من التراث الثقافي الذي يحافظ عليه المجتمع.

وهكذا يتضح أن التقاليد تتصف بخاصية التوارث من جيل إلى جيل، والرغبة في التمسك بها، بل والالتزام بها لأنها تأتينا من أسلافنا وآبائنا الذين يورثوها إلينا بوصفها نافعة ومفيدة وصحيحة. والتقاليد عادات نافعة لأنها ترشد الناس بطريقة سهلة ومريحة إلى جميع طرق التصرف الصائبة والمناسبة في مختلف أمور حياتهم، وبذلك تهيئ لهم الحياة والعمل المشترك دون إعاقة أو اضطراب. ويرجع ذلك إلى أنها:

1. تمدهم بمجموعة من الأنماط السلوكية الجاهزة والمُعدة من قبل لكي يتبعوها، لتسهّل عليهم تحقيق حاجاتهم الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وتناسل، وبذلك يستطيعون المحافظة على بقائهم واستمرارهم.

2. تضع لهم القوانين والنظم وترسم لهم الأساليب والتصرفات، التي تتيح لهم التعاون والتفاعل مع بعضهم، وتعلمهم كيف يتكيفون مع المواقف البيئية المختلفة، وكيف يستجيبون لهذه المواقف استجابة موحدة، تجنّبهم الصراع والفُرقة وتحافظ على تماسكهم.

إن تكرار التقاليد بين أعضاء المجتمع وتوارثها من جيل إلى جيل، أو من السّلف إلى الخلف، يضفي عليها احتراماً وتقديساً كبيرين يزيدان من رسوخها وقوة تأثيرها واستقرارها على مر الزمن من جيل إلى جيل، ومن عصر إلى آخر. والإنسان أمام قوة التقاليد مغلوب على أمره، لا يستطيع أن يتصرف بمحض إرادته وحرية اختياره؛ فما هو معتاد دائماً يكون محبباً ومرضياً عنه ومقبولاً من جميع أعضاء المجتمع.

يتضح مما سبق أن التقاليد هي مجموعة من القواعد السلوكية الاجتماعية، التي ارتضاها المجتمع، وهي تنتشر انتشاراً رأسياً (أي من الماضي إلى الحاضر) لتصبح تقليداً يتوارثه الخلف عن السلف. وتُوصف التقاليد بأنها أقوى في إلزامها من العادات الجمعية لرسوخها؛ لأنها ذات قواعد قوية في تأثيرها على الآخرين ولاستحسانهم لها، ولأنها مريحة وتقدم للناس الشعور بالأمن والطمأنينة. ويتمثل الاختلاف بين العادات والتقاليد في أن العادات الاجتماعية أنماط سلوكية ألفها الناس وارتضوها، ويسيرون على هديها ويتصرفون بمقتضاها دون التفكير فيها. وهي تختلف من مجتمع لآخر وفقاً لظروفه وخصائصه وسماته التي تميزه. أما التقاليد، فهي أنماط سلوكية ألفها الناس وتوارثوها ويشعرون نحوها بقدر كبير من الاحترام، ولا يفكرون في العدول عنها أو تغييرها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:49 pm

مجتمع القرية Rural Society

يُعرف المجتمع الريفي، بشكل عام، بوصفه المجتمع الذي يعيش في مستوى تنظيم منخفض. ويتكون من الفلاحين والرعاة وصيادي الحيوانات والأسماك. ويُفهم، عادة، كمقابل للمجتمع الحضري. ويتميز المجتمع الريفي بسيطرة نسبية للحرف الزراعية، والعلاقة الوثيقة بين الناس، وصغر حجم تجمعاته الاجتماعية، والتخلخل السكاني النسبي، مع درجة عالية من التجانس الاجتماعي وضآلة التميز والتدرج الداخليين، فضلاً عن ضآلة الحراك الاجتماعي الرأسي والوظيفي عند السكان.

هل يمكن أن نميز قيم المجتمع الريفي بأنها تختلف في أسسها عن قيم المجتمع البدائي أو الحضري؟ يقول "روبرت ردفيلد Redfield" في كتابه "المجتمع الريفي والثقافة": أننا لو نقلنا قروياً من موطنه إلى مكان آخر ريفي بعيداً عن مجتمعه، وكان مزوداً بمعرفة لغة هذا المكان الجديد فإنه يستشعر ألفة سريعة. قد يكون ذلك راجعاً إلى أن الأسس الموجهة للحياة متشابهة؛ فهناك أوجه شبه عامة ومشتركة في الحياة القروية في جميع أنحاء العالم، طالما أن الفلاحين يعملون بالزراعة، التي تشكّل، في الوقت نفسه، طريقتهم في الحياة. ويعتقد "ردفيلد" أنه وجد مجموعة مترابطة من القيم والاتجاهات في الحياة الريفية تتلخص في أن القرويين يرتبطون بالأرض ارتباطاً وثيقاً يصل إلى حد التقديس. كما أنهم يتعلقون بالطرق التقليدية القديمة ويضحون بمصلحتهم الشخصية في سبيل العائلة. ويسيطر الشعور الديني على الكثير من مظاهر سلوكهم. ويبدون بعض مظاهر الشك والريبة، وخاصة تجاه سكان المدينة. ويُضيف: أن العمل الزراعي في نظرهم هو من أهم الأعمال وأجلَّها قدراً؛ لأنه مرتبط بنوع من الشعور الديني، إذ إن العمل بجد في الأرض يُرضي الله ويضمن الرزق. كما ينظر سكان الريف إلى سكان المدن على أنهم أُناس مرفهون، تتعب بسرعة ولا تحتمل المشقة وغير قادرة على مزاولة العمل الشاق في الزراعة، الذي هو مصدر زهو القروي. وطبيعي أن يمتد هذا الاحتقار إلى الأعمال التجارية.

كما تُمارس الحياة في المجتمع الريفي في إطار من الود الجماعي الكبير للغاية مع الجميع، بحيث يُصبح من الطبيعي إيجاد روابط خاصة. ويتطلب انتظام الحياة في المجتمع الريفي أن يقبل كل فرد، ولو ظاهرياً على الأقل، القوانين والأعراف، التي تحكم السّلوكيات ونظام القيم السائد. وكل من يسعى إلى التفرد يُحدث أخطاء في حسن سير الحياة الاجتماعية. كما أن الطفل الريفي مندمج بعمق في بيئته المحلية التي يعيش فيها، ويتطابق بسهولة مع والديه الذين يتقاسم معهم المسؤولية في مرحلة مبكرة جداً من حياته. ويوضح هذا أن البيئة الريفية تشجع حدوث اندماج مبكر للشخصية، ومن ثَم، فمن الصعب أن يحصل الفرد الريفي على استقلال كامل في الرأي، طالما أن والده لا يزال مصدراً رئيسياً للدخل الاقتصادي، ورئيساً للأسرة الريفية.

أما مفهوم القرية، فهناك تعريفات عديدة له. ولعل أكثر التعريفات المطروحة تشير إلى أنها نموذج له طريقة معينة في الحياة يعتمد أساساً على الزراعة؛ بينما يذهب "ريموند فيرث Firth" إلى أن اصطلاح أو مفهوم القرية، ينطبق على كل مجتمع يتكون من عدد من المنتجين الصغار لغرض الاستهلاك الخاص Private Consumption. إن تعريف "فيرث" هذا يُخرج المزارعين الذين يزرعون الأرض عن طريق الغير لغرض الاستغلال أو الربح، وهم موجودون في أغلب القرى. لذلك ذهب "إيركو Ericwo" إلى تقسيم سكان القرى إلى طبقتين متمايزتين، هما:

الطبقة الأولى: القرويون الذين يملكون أرضاً أو يزرعون عن طريق الإيجار ويعيشون عليها، وتكون طريقتهم في الحياة المعتمدة على الأرض ـ وليست الزراعة ـ عملاً مربحاً لهم.

الطبقة الثانية: هم أولئك المزارعون الذين ينظرون إلى الأرض على أنها مصدر من مصادر الربح، وأنها نوع من أنواع رأس المال.

ما أهم الخصائص التي يتسم بها المجتمع الريفي؟

اتفق علماء الاجتماع والأنثربولوجيا، من خلال ملاحظاتهم وبحوثهم الميدانية في كثير من المجتمعات الريفية، على أن القرى لها خصائص وسمات عامة تميزها عن غيرها من المجتمعات الأخرى. فالمجتمعات الريفية يسكنها الفلاحون المتجانسون والمتعاونون والمتكاملون، وتسود بينهم علاقات المواجهة، ويتخذون من الزراعة عملاً رئيسياً لهم. وهم لا يشكلون كثافة سكانية في مناطقهم. كما أن المجتمعات الريفية يمكن تمييزها بالعين المجردة، بكل مظاهرها الخارجية الواضحة، وثقافتها الريفية المميزة. ويمكن تحديد أهم خصائص هذه المجتمعات فيما يلي:

1. تزداد العلاقات الاجتماعية في المجتمع الريفي بدرجة كبيرة. وتكون فيه العلاقات السائدة قائمة على علاقات الوجه للوجه، أي علاقات الأواصر القوية، التي تقوم على اللقاء المباشر، والتعاون والتكامل الدائم، والتفاهم المشترك الوثيق، والإيثار الكامل، والاشتراك الكامل، في كافة المناسبات الاجتماعية. ويسود التضامن الاجتماعي نتيجة للتشابه في السمات العامة، والخبرات المتماثلة، والاتفاق في الأهداف العامة المشتركة، ما يؤدي إلى سيادة العلاقات الشخصية غير الرسمية.

2. يتسم المجتمع الريفي بأحادية المهنة وهي الزراعة. وعلى أساس أن العمل في الزراعة غير متخصص، فإن على الفلاح العمل في كل نواحي الإنتاج الزراعي؛ فعليه أن يجيد بعض المهام المكملة للعمل الزراعي، كقطع الأخشاب أو إصلاح الجسور وأدوات الزراعة وما إلى ذلك. وقد أدى عدم التخصص إلى وجود نظام معين لتقسيم العمل؛ فالرجال –مثلاً- يقومون جميعاً بالعمل نفسه مهما كان عددهم في الأسرة، وكذلك الأمر للنساء.

3. يتسم المجتمع الريفي بالتجانس، ولعل صفة التجانس هي التي تميز المجتمعات ذات المهنة الواحدة عن المجتمعات متعددة المهن. فالريفي يعيش في الواقع مجتمعاً واحداً بكل أبعاده المهنية والاقتصادية والاجتماعية، ويتفاعل فيه وينفعل به. فالقروي يعرف مجتمعه كله وذلك لتشابه اللغة والعقائد والأعراف وأنماط السلوك، مع الاشتراك في المصالح العامة والمهنة الرئيسية. وهذا هو ما أطلق عليه إميل دوركايم "التضامن الآلي"، الذي يسود هذه المجتمعات التقليدية ذات الحجم الصغير نسبياً، والتي يتصف سكانها بالتجانس والتشابه في طريقة الحياة، وتقسيم العمل، والارتباط القوي نظراً لمعرفة كل منهم بالآخر، واشتراكهم سوياً في احترام القيم والسلطة العامة. كذلك، فإن نطاق الفردية في هذا المجتمع محدود للغاية؛ فالأبناء يترعرعون على منوال حياة آبائهم ومن ثم يتوقع لهم أن يعيشوا طريقة حياة آبائهم نفسها. وهذا من شأنه دعم تجانس المجتمع الريفي.

4. تتسم الحياة الريفية بالبساطة. وتظهر هذه البساطة في بُعد الفلاح عن مظاهر التعقيد الموجودة في المدينة. ويرجع هذا إلى بساطة الأعمال التي يقوم بها، والتي اتخذت شكلاً متكرراً، إلى جانب بساطة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها. ومن مظاهر بساطة الحياة في الريف أن الفلاح لا يعلق أهمية بالغة على الكماليات، التي تصبح في المدينة في مرتبة الضروريات.

5. تتسم الحياة الريفية بقوة الضبط الاجتماعي غير الرسمي؛ فالمجتمع الريفي يتميز بقوة الضبط المتمثلة في العادات والتقاليد والأعراف. فالريفيون يعيشون حياتهم الخاصة متأثرين بالقواعد السلوكية غير الرسمية، فيتمسكون بعاداتهم وتقاليدهم ويحافظون عليها بشدة ويتناقلونها عبر الأجيال. كما تلعب الشائعات دوراً مهماً في الرقابة على السلوك، وتصرفات الأفراد في القرية.

بناءً على ذلك، يمكن تعريف المجتمع الريفي بأنه المجتمع الصغير نسبياً، والذي يعمل غالبية سكانه بالزراعة كعمل رئيسي لهم، والذي يتميز بالعلاقات المباشرة والوثيقة المتمثلة في علاقات المواجهة؛ لذلك فهم أكثر تجانساً واعتماداً على بعضهم. كما أنه يخضع لقوة الضبط الاجتماعي غير الرسمي المتمثلة في العادات والتقاليد والقيم والأعراف، كما تنتقل معايير السلوك في مثل هذا المجتمع من جيل إلى جيل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:50 pm

الاضطراب الاجتماعي Social Confusion

أول من استخدم هذا المصطلح عالِم الاجتماعي الفرنسي، "إميل دوركايم". وكان يعني به أنماط العلاقات الاجتماعية التي لا تتوافر فيها العوامل والظروف والشروط، التي تحقق السعادة والرضا والطمأنينة للإنسان. ذلك أن سعادة الإنسان ورضاه يتحققان عندما يكون السلوك الإنساني متمشياً ومنسجماً مع المعايير السائدة في المجتمع، خصوصاً عندما تشكل المعايير الاجتماعية نظاماً متكاملاً خالياً من الصراعات والتناقضات. ولكن تناقض المعايير الاجتماعية واضطرابها يؤثر على سلوك الأفراد تأثيراً سلبياً، ومن ثَم، يؤدي إلى ظهور ما يُسمى بظاهرة الاضطراب الاجتماعي، أو التفسخ الاجتماعي. أي أن الاضطراب الاجتماعي هو حالة من التخبط وانعدام الأمن وفقدان المعايير، الأمر الذي تصبح معه التمثلات الجمعية للمعايير منهارة تماماً.

وبهذا المعنى يُفترض في حالة الاضطراب الاجتماعي وجود ظرف مسبق يكون فيه السلوك محدداً معيارياً، ثم تتسبب أزمة اجتماعية أو ظروف معينة في قلب التوازن. وانتشار القلق لدى عدد كبير من الناس، يؤدي إلى زلزلة القوة القاهرة للتقاليد وخلخلة المعايير وإشاعة الاضطراب على نطاق واسع. ويزيد من ذلك زيادة مستوى الخصوصية في المجتمع الجماهيري، وفقدان المودة التي كانت إحدى خصائص الجماعات الأولية القرابية.

ويُستخدم هذا المصطلح بمعانٍ ثلاثة في التراث الاجتماعي السائدة في علم الاجتماع، هي:

1. التفكك الشخصي، خاصة النوع الذي يؤدي إلى عدم سيادة القانون والافتقار إلى التوجيه الرشيد للأفراد.

2. الموقف الاجتماعي، الذي يشهد صراعاً بين المعايير وبين الجهود التي يبذلها الفرد للامتثال لها.

3. الموقف الاجتماعي، الذي تنعدم فيه المعايير تماماً نتيجة لتغيرات اجتماعية وثقافية، تقلب التوقعات السلوكية العادية للفرد.

إن "الاضطراب" أو "التفسخ الاجتماعي" هو حدوث حالة من الضعف في مقدرة المجتمع على تنظيم وتوحيد ـ ومن ثَم ضبط ـ الكيفية التي تتحقق بها الرغبات وتُشبع بها الغرائز والنزوات الطبيعية لدى مختلف الأفراد. وقد أشار "روبرت ميرتون" في مقالته التقليدية عن "البنية الاجتماعية والتفسخ الاجتماعي Social Structure and Anomie، التي كتبها عام 1938، إلى ردود فعل الفرد وتكيفه مع الضغوط الاجتماعية التي تفرزها ثقافة مجتمعه، والتي تنبثق عن البنية الاجتماعية. ذلك أن البنية الاجتماعية لبعض المجتمعات تضع الحدود والحواجز أمام بعض فئات المجتمع، لكي تمنعها من تحقيق رغباتها وتحد من إشباع غرائزها ـ أو على الأقل تجعلها صعبة التحقيق والمنال ـ بدرجة غير متكافئة لدى جميع الأفراد والجماعات. ويؤدي هذا إلى قيام نماذج من البنية الاجتماعية داخل المجتمع تحث هذه الفئات وتفسح المجال أمامها ـ أو أمام بعض منها على الأقل ـ لإتباع وسائل غير مشروعة لتحقيق رغباتها وإشباعها، حين لا يمكن تحقيق ذلك بالوسائل المشروعة.

ولكي يشرح "ميرتون" ذلك، ميّز بين الغايات والوسائل في أي مجتمع، ويُقصد بالغايات الأهداف المشروعة لجميع أعضاء المجتمع، وتتكامل هذه الأهداف بدرجة كبيرة أو صغيرة كلُ مع الأخرى، وتنتظم في نوع خاص من الترتيب الهرمي. أما الوسائل النظامية، فهي الوسائل أو الأساليب المتفق عليها لتحقيق تلك الأهداف. وهنا يرى "ميرتون" أن الامتثال يحدث عندما تتفق الأهداف مع الوسائل النظامية. لكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الصدد هو: كيف يحدث الاضطراب والفوضى داخل المجتمع؟ يرى "ميرتون" أن ذلك يحدث عندما تؤكد الثقافة السائدة على أهداف محددة، ولا يستطيع كثير من الأفراد الوصول إلى الوسائل المشروعة لتحقيق هذه الأهداف. فعلى سبيل المثال، تتمسك الثقافة بأن كل أفراد المجتمع يجب أن يتعلموا، في حين يؤكد الاقتصاد على أن الأفراد يجب أن يظلوا يعملون طوال ساعات الاستيقاظ لكي يستطيعوا الكسب من أجل العيش. النتيجة الطبيعية، إذاً، تتمثل في سلب الأفراد القدرة على الوصول إلى أهداف التعليم. وهذا معناه أن افتقاد التكامل بين الوسائل والأهداف في المجتمع، يؤدي إلى حالة من الاضطراب أو التفسخ الاجتماعي.

ويسعى كل فرد إلى التكيف مع ثقافة مجتمعه، إلا أن بعضاً من الأفراد قد لا يأبهون ببنائها أو نظامها، أو لا يهتمون بقواعدها القانونية والأخلاقية. كما قد لا يأبه الكثيرون أو لا يعيرون كثيراً من الاهتمام إلى الكيفية التي يستخدمونها في تحقيق أهدافهم؛ فيؤدي ذلك إلى استخدام الوسائل غير المشروعة وإتباع طريق الانحراف لتحقيق الأهداف، ما يؤدي إلى حدوث الاضطراب الاجتماعي داخل المجتمع. وهذا يقود الأنظمة الاجتماعية ويوجهها لكي تمارس ضغطاً معيناً على هؤلاء الأفراد، حتى يتمثل سلوكهم لما هو متعارف عليه اجتماعياً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:51 pm

أحوال المعيشة Living Conditions

    يتضمن مفهوم "أحوال المعيشة" كل ما يتمتع به الفرد من مسكن وملبس ومأكل ومشرب. ويتحدد ذلك –عادة- بمستوى دخله والبيئة التي يعيش فيها، والطبقة الاجتماعية التي ينتمي إليها.

كيف يُقاس مستوى المعيشة وأحوالها؟ وما المقصود بالمستوى الأدنى للمعيشة؟

    يُشير البنك الدولي إلى أن متوسط نصيب الفرد من دخل الأسرة وإنفاقها يُعدان مقياسين ملائمين للدلالة على مستوى المعيشة، طالما يشملان الإنتاج بغرض تحقيق الاستهلاك الذاتي. إن هذين المقياسين لا يغطيا أبعاداً، مثل: الثروة، والصحة، والعمر المتوقع، ومعرفة القراءة والكتابة، والوصول إلى سلع وخدمات النفع العام، أو موارد الملكية المشتركة في المجتمع.

    لذا، اعتمد برنامج الأمم المتحدة الإنمائي على مؤشرات الحاجات الإنسانية Basic Needs. وتشتمل الحاجات الأساسية، المعبِّرة عن أحوال المعيشة، على حاجات مادية مثل: الطعام والسكن والملابس والمياه النقية ووسائل التعليم والصحة، وحاجات غير مادية، مثل: حق المشاركة والحرية الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

    قد يعاني بعض الأفراد فقراً في إشباع إحدى هذه الحاجات، كأن تكون ظروف مسكنهم أدنى من الحد الأدنى للمعيشة، بينما يشبعون حاجة أساسية أخرى كالطعام بما يتجاوز مقياس الحد الأدنى للمعيشة. فهل يعيش هؤلاء الناس في حالة معيشية متدنية؟ في الواقع لا توجد معايير موضوعية كاملة لتحديد هذا المستوى المعيشي؛ ولكن من الثابت أن الوحدة المعيشية، سواء كانت فرداً أم أسرة، تُعَد ذات مستوى معيشي متدنٍ إذا كانت تعيش تحت خط الفقر.

    وعند تحديد خط الفقر Poverty Line، هناك اتجاه عام يميل إلى:

1. عَدُّ الإنفاق الاستهلاكي مقارناً بالدخل المتاح، هو المؤشر الأكثر صدقاً في التعبير عن مستوى معيشة الأسرة.

2. قياس مستوى الرفاهية على أساس مستوى الفرد، وليس الأسرة كوحدة مرجعية.

3. قياس أفضل مؤشر لمستوى معيشة الأسرة هو متوسط الإنفاق الاستهلاكي للفرد داخل الأسرة.

    والجدير بالذكر، أن مفهوم الحاجات يختلف من مجتمع إلى آخر، ومن فرد إلى آخر، ومن ثقافة إلى أخرى. كما يختلف مفهوم الحاجات الاجتماعية الإنسانية عن مفهوم حاجات الكفاف Subsistence Needs. فحاجات الكفاف تعني توافر الحاجات الضرورية، من الطعام والصحة والمسكن والملبس، أي أنه يعني توفير الحد الأدنى من السلع والخدمات التي تحفظ بقاء الكائن الحي. أما مفهوم الحاجات الاجتماعية الإنسانية، فإنه مفهوم دينامي متطور، بمعنى أن القدر اللازم من السلع والخدمات لإشباع الحاجات الاجتماعية يزيد ويتنوع ويرتقي كلّما حقق المجتمع نجاحاً في مجالات التنمية المختلفة.

    كما أشار بعض الباحثين إلى أن هناك فرقاً بين الحاجات الفردية والحاجات الجماعية؛ فالحاجات الفردية تتمثل في الحاجة إلى الغذاء والكساء والمسكن، أما الحاجات الجماعية فتتمثل في الحاجة إلى الماء النقي والصرف الصحي والعلاج والتعليم والبيئة غير الملوثة. ومن البديهي أن هناك مجالاً رحباً للتسامي في إشباع هذه الحاجات، سواء على المستوى الفردي أو على المستوى المجتمعي. لكن مفهوم الحاجات الأساسية المعبِّرة عن أحوال المعيشة، يعطي الأفضلية في الوقت الراهن للمؤشرات غير المادية للخدمات الإنسانية، مثل: التعليم والصحة والإسكان والنقل، ذلك أن إتاحة الخدمات لكل الفئات المحرومة يساعد على زيادة النمو والإنتاج في العمل بشكل كبير. وعلى الرغم من أن مفهوم الحاجات الأساسية قابل للتطبيق عالمياً، إلا أنه يختلف باختلاف المستوى التنموي للمجتمع، ومن ثقافة إلى أخرى.

    وعلى هذا يمكن تعريف مفهوم "الأحوال المعيشية" بشكل أكثر تحديداً، بوصفها عملية مركبة ومتكاملة تتضمن توافر كافة الاحتياجات، والإمكانات المادية للفرد أو الأسرة، كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن، وكذلك الحاجات غير المادية (الاجتماعية)، كالتعليم والعلاج والنقل والمواصلات والبيئة النظيفة الخالية من التلوث. ولا شك أن هذه الحاجات ليست استاتيكية أو ثابتة، وإنما هي ذات طبيعة دينامية ومتطورة من خلال ارتباطها بتطور المجتمع وتقدمه.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:51 pm

مفهوم علم الاجتماع Sociology

علم الاجتماع هو الدراسة العلمية للسلوك الاجتماعي للأفراد، والأساليب التي ينتظم بها المجتمع بإتباع خطوات المنهج العلمي.

يُلاحظ الفرد داخل المجتمع أن وسائل الإعلام المختلفة تطالعه بأنباء وأخبار معينة، منها ما يتعلق بكوارث طبيعية، وأخرى تتعلق بصراعات ومشكلات تحتاج إلى حلول، وقسم آخر يتحدث عن قضايا العمل واضطرابات العمال، وقسم يتعرض لاتجاهات مشجعي كرة القدم. مثل هذه الأحداث ـ إذا صح أن نُطلق عليها هذه التسمية ـ هي أحداث عامة تحدث في الحياة اليومية؛ ولكن أحياناً يتساءل المرء لِمَ أصبح الآن مشجعو كرة القدم أكثر عنفاً عما كانوا عليه في الماضي؟ ولِمَ يجد بعض الأزواج أن الحياة الزوجية أصبحت لا تُطاق؟ فعندما نسأل أنفسنا مثل هذه الأسئلة، فإننا نسأل سؤالاً "اجتماعياً"، بمعنى أننا معنيون أو مهتمون بالطريقة التي يسلك بها الأفراد في المجتمع، وتأثير ذلك السلوك على أنفسهم وعلى المجتمع. ومعنى ذلك، أن مفهوم "الاجتماعي" هو المفهوم الأساسي في علم الاجتماع؛ لأن الفرد لا يملك إلاّ أن يكون كائناً اجتماعياً يعيش في وسط اجتماعي وعلى اتصال مستمر ببقية أفراد المجتمع، بحيث يندمج في محيطهم ويتفاعل معهم بصورة إيجابية. وهذا يؤكد أنه من دون وجود تفاعل إنساني مستمر، لا يمكن أن يُطلق علينا صفة "اجتماعية".

ويُعَد "أوجست كونت" الذي صك هذا المصطلح عام 1830 وربط فيه بين الكلمة اللاتينية Socius، وتعني شعباً أو قبيلة أو مدينة متحالفة مع روما (وأصبحت تعني فيما بعد كلمة المجتمع Society)، والكلمة اليونانية Logos، وتعني العقل أو المعرفة. وسرعان ما انتشر هذا المصطلح بشكل واسع، وأصبح يُستخدم فعلياً في جميع اللغات للدلالة على كل دراسة علمية واعية ودقيقة نسبياً للمجتمع.

أما موضوع علم الاجتماع، فهو من المسائل التي تناولها جدل ساخن ومستمر خلال القرنين التاسع عشر والعشرين. وقد انحصر نطاقه في دراسة موضوعَين رئيسيَين، هما: الحقائق الاجتماعية، والعمليات الاجتماعية. وعلى الرغم من أن هذين الموضوعين محوران أساسيان في علم الاجتماع دون غيره، إلا أن الجدل لا يزال ساخناً. فقد ذهب "هربرت سبنسر" –مثلاً- إلى أن علم الاجتماع هو العلم الذي يصف ويفسر نشأة وتطور النظم الاجتماعية والضبط الاجتماعي والعلاقات بين النظم الاجتماعية؛ وأن عليه أن يقارن بين المجتمعات البشرية، على اختلاف أنواعها وأشكالها، أو بين المجتمعات على اختلاف نشأتها وتطورها، وأن يهتم بدراسة عمليتي البناء والوظيفة الاجتماعية.

ولكن "جورج زيمل" يرى ضرورة التفرقة بين ما هو اجتماعي Social، والعلم الاجتماعي Sociological؛ فالمجال الاجتماعي يتضمن ما يدور بين الناس، أما العلم الاجتماعي فهو المجال الذي يتناوله الدارس الاجتماعي، لتحديد وتحليل الجوانب المهمة له.

وهذا ينقلنا إلى موضوع آخر يهتم به علم الاجتماع، وهو الحقائق العلمية Scientific Facts. فالحقائق تستدعي بالدرجة الأولى إثباتها؛ لأنها معلومات مؤكدة لحالة ما. ويمكن أن يُتفق عليها إذا كان علم الاجتماع يتوصل إلى الحقائق العلمية بالبحث العلمي المنظم، وإذا كانت وجهات النظر أو الآراء تتكون دون الرجوع إلى الحقيقة؛ فإن الاجتماعيين يقبلون الآراء ووجهات النظر، التي تستند إلى حقائق علمية. إن علم الاجتماع هو الدراسة العلمية لمظاهر أو جوانب الحياة الاجتماعية للفرد، فهو كم من المعرفة تكوّن خلال تراكم استخدام المنهج العلمي في دراسة أبنية ومكونات الحياة الاجتماعية.

    يدرس علماء الاجتماع سلوك الأفراد في مضمونه الجمعي، فلا يوجد إنسان منعزل بذاته؛ ولكنه وغيره من الأفراد يتعاملون معاً في حدود الجماعات الاجتماعية. فكل إنسان يولد داخل جماعة ويمضي بقية حياته في علاقات اجتماعية منمطة. فكل عملية يقوم بها الفرد، كاختيار شريك للحياة أو شراء ملابس جديدة، ترتبط كثيراً بتوقعات الآخرين منه. فردود أفعالنا ومظاهر سلوكنا ما هي إلا نتيجة لتوقعات أفراد المجتمع الآخرين منا، من جهة، ونتيجة للتفاعل الاجتماعي بيننا وبينهم، من جهة أخرى. ويتوقع كل فرد منا سلوكاً معيناً من أقاربه وأصدقائه، وحتى من أولئك الأفراد الذين نلتقي بهم عبر الشارع؛ كذلك، فإن أولئك الأفراد يتوقعون منا سلوكاً معيناً في كل موقف. إذن يمكن أن نطلق على حياة الجماعة أنها "نمطية". فإذا حاول الإنسان فهم وتفسير أفعال الآخرين، فإنه يحتاج إلى وقت طويل لدراسة الأشكال التي تنظم بها الجماعات وظائفها وطرق تأديتها. وهذا النوع من دراسة الحياة الاجتماعية هو محور اهتمام علم الاجتماع. لذا، حدد كل من "كامبل يونج" و"ريموند ماك"، علم الاجتماع بأنه الدراسة العلمية للمظاهر الاجتماعية للحياة الإنسانية والمعرفة البشرية المرتبطة بها، من خلال عملية التفاعل الاجتماعي (ويعني بذلك المثير والاستجابة المتعاقبة أو المتبادلة بين اثنين أو أكثر من الناس)، ومن ثَم، يهتم علم الاجتماع بالإنسان والسياق الاجتماعي والجماعة الإنسانية.

أما "بيتريم سروكين"، فيرى أن علم الاجتماع هو ذلك المفهوم الذي يشير إلى جميع المعلومات الخاصة بالتشابه بين مختلف الجماعات الإنسانية، وأنماط التفاعل المشترك بين مختلف جوانب الحياة الاجتماعية الإنسانية؛ لذلك عرّفه بأنه العلم الذي يدرس الثقافة الاجتماعية، كما عرّفه بأنه دراسة الخصائص العامة المشتركة بين جميع أنواع المظاهر الاجتماعية والعلاقات بين هذه الأنواع، وكذلك العلاقات بين الظواهر الاجتماعية وغير الاجتماعية. أما "رايت ميلز"، فيرى أن علم الاجتماع هو العلم الذي يدرس البناء الاجتماعي للمجتمع والعلاقات المتبادلة بين أجزائه، وما يطرأ على ذلك من تغير. أما "جورج ليندبرج"، فيرى أن علم الاجتماع هو علم المجتمع؛ بينما يرى "ماكيفر" أنه العلم الذي يدرس العلاقات الاجتماعية.

يتضح مما سبق مدى تعدد وتباين تعريفات علم الاجتماع، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أهمية هذا العلم واتساع معارفه ومجالاته المتنوعة. كما يُلاحظ، أيضاً، على هذه التعريفات أنها أحياناً توسّع نطاق هذا العلم حتى تجعله يشمل نطاق المجتمع كله، الأمر الذي يوضح صعوبة الاتفاق حول تعريف محدد ومتفق عليه بين المشتغلين بهذا العلم.

ومن أهم القضايا التي يدو حولها هذا العلم:

1. العلاقات الاجتماعية المتبادلة بين الناس، من خلال عمليات التفاعل الاجتماعي، من أجل معرفة مظاهر التماثل والاختلاف.

2. المجتمع وظواهره وبناؤه ووظيفته.

3. مكونات الأبنية الاجتماعية المختلفة، مثل الجماعات العامة.

4. المقارنة بين الظواهر والحقائق الاجتماعية المختلفة.

وأخيراً يتسم علم الاجتماع بخصائص أساسية:

أ. علم الاجتماع علم تجريبي يقوم على الملاحظة وإعمال الفكر في الظواهر الاجتماعية، لا على البحث في مسائل ميتافيزيقية (علم ما بعد الطبيعة). كما أن نتائجه ليست تأملية بل تفسر العلاقات بين موضوعات البحث الاجتماعي تفسيراً علمياً.

ب. علم الاجتماع علم تراكمي، بمعنى أن النظريات الاجتماعية الجديدة تستند على نظريات أخرى سابقة عليها.

ج. علم الاجتماع ليس علماً أخلاقياً، بمعنى أن عالم الاجتماع لا يسأل عما إذا كانت الأفعال الاجتماعية خيراً أم شراً، ولا يصدر أحكاماً أخلاقية؛ ولكنه ينشد تفسيرها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:52 pm

الاستقرار الاجتماعي Social Stability

    يُشير الاستقرار أو التوازن الاجتماعي إلى نوع من التساند بين مجموعة ظواهر اجتماعية مترابطة. مثل هذا التساند قد يكون ظاهراً أو كامناً، وقد يكون دينامياً (متجدداً) أو استاتيكياً (ثابتاً).

    حظي هذا المصطلح بالاهتمام في التحليل الاجتماعي. فقد اهتمت النظرية الوظيفية بتحقيق الاستقرار والتوازن داخل المجتمع. وظهر الاتجاه المحافظ Conservative في علم الاجتماع، الذي يركّز على دراسة العوامل التي تساعد أو تدعم الواقع الاجتماعي القائم بمكوناته الثقافية والسياسية، بوصف أن نُظُم المجتمع المختلفة ـ الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والتربوية والثقافية ـ تشكل البناء الاجتماعي، الذي يشبع احتياجات الأفراد. وبقدر ما تكون هذه النظم قادرة على أداء وظائفها من خلال البيئة الاجتماعية، التي يسودها التواءم والتساند، تكون قدرة المجتمع على البقاء.

    ظهرت جذور هذا المنظور في فلسفة "أوجست كونت" الوضعية، عندما ربط بين قيام الثورة الاجتماعية وإلغاء الملكية وتأسيس الجمهورية في القرن السابع عشر، وشيوع عدم الاستقرار الاجتماعي والسياسي، وظهور أنواع شتى من المشكلات الاجتماعية. يرى "كونت" ضرورة إعادة القانون والنظام مرة أخرى إلى المجتمع، بإصلاح المجتمع ومعالجة المشكلات التي يواجهها. ولكي يوضح نظريته في الإصلاح الاجتماعي، شرح بنية المجتمع وتركيبه الذي تحتوي على جانبين، جانب استاتيكي Static (مستقر وثابت) يتشكل من مجموعة النظم والمؤسسات، وجانب ديناميكي (متغير ومتجدد) يشير إلى طرق التفكير والثقافة التي تتغير وتتبدل مع الزمن، والتي لها تأثيرها المباشر على المجتمعات.

    أشار "سوروكين" في كتاب "الديناميات الاجتماعية والثقافية"، إلى خمسة استخدامات لمصطلح الاستقرار أو التوازن الاجتماعي:

1. حالة استقرار الظواهر الاجتماعية، مثل المحافظة على الأوضاع القائمة في النسق السياسي.

2. التوازن المؤقت بين الظواهر الاجتماعية.

3. التساند المتبادل بين القوى الاجتماعية.

4. حالة التوافق والتكيف والانسجام بين الظواهر الاجتماعية، مثل إشباع الحاجات الشخصية داخل النظام العام.

5. اتجاه النسق الاجتماعي إلى استعادة حالته السابقة.

    وقد قدم "باريتو" مفهوماً لتوازن النسق واستقراره بوصفه يشير إلى قدرة النسق على الاحتفاظ بحالته، إذا ما تعرض لتعديلات أو تغييرات. فهناك تساند متبادل بين عناصر النسق الاجتماعي، بحيث أن أي تغير قد يطرأ على عنصر معين سوف تصاحبه تغيرات في العناصر الأخرى.

    ومن أجل تحقيق الجماعة لبقائها واستقرارها واستمرارها داخل المجتمع، يوجد المجتمع بعض النظم الاجتماعية، وتُسمى النظم الرئيسية أو الأساسية. فمهما اختلفت طبيعة المجتمعات وأسس قيامها وظروف حياتها أو مراحل تطورها، لابد أن تضع نظاماً محدداً لإنجاب الأطفال وإعدادهم (تنشئتهم اجتماعياً)، وتنظيم العلاقة بين الرجل والمرأة، تلك هي الأسرة كنظام اجتماعي. ولابد لكل جماعة أن تعمل لكي تنتج الأساسيات اللازمة لإعاشتها، كما يجب أن ينظّم المجتمع لأفراده أساليب الإنتاج وتوزيع العائد من هذا الإنتاج والاستهلاك، وذلك هو النظام الاقتصادي. وكل مجتمع إنساني لمس أفراده منذ فجر تجربتهم الاجتماعية الحاجة إلى التفكير فيما وراء الطبيعة، وهذا ما يُسمى النظام الديني. كذلك يكون النظام السياسي ملازماً للنظام الاجتماعي، فلا مجتمع بلا سياسة، سواء في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. تلك هي النظم التي لا يخلو منها مجتمع، والتي تكون في حالة من التوازن والتساند المتبادل، وتظل السِّمة المشتركة بينها جميعاً أنها سريعة التغير.

    ويظل الأساس الذي يقوم عليه الاجتماع الإنساني، وفقاً للنموذج الوظيفي، هو اتفاق أعضاء المجتمع، أي الإجماع، بمعنى أنهم يتفقون ـ بوجه عام ـ على القيم والمعايير نفسها والاعتماد المتبادل نتيجة للحياة الاجتماعية المشتركة، لتحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعي. وفي إطار ذلك، فإن النظرية الاجتماعية الحديثة (الوظيفية) تميل إلى النظر إلى المجتمع بوصفه توازناً دينامياً مستقراً يمتلك آليات إرجاعية في بنائه، تُعيد المجتمع إلى حالة استقراره.

    بناءً على ما سبق، فإن الاستقرار الاجتماعي يعني استمرار وجود النماذج والظواهر الاجتماعية والثقافية في المجتمع ـ المحلي أو الكبير ـ دون تعرضها لتغير فجائي أو جذري. وهذا لا يعني بالضرورة وجود حالة من الثبات المطلق تسود المجتمع (لأن المجتمع الثابت ـ إذا افترض وجوده ـ يكون مستقراً). أي أن المجتمع الذي تطرأ عليه تغيرات تدريجية وبطيئة وكافية لإعادة التوافق دون أن تؤدي إلى اضطراب أو تفكك، يكون مجتمعاً مستقراً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:53 pm

الأسرة المعيشية House Hold

    واجه تحديد مفهوم "الأسرة"، بشكل عام، صعوبة بالغة؛ نظراً لأنها تجمع بين سمات بيولوجية عامة لدى البشر، وسمات أخرى عديدة (ثقافية ـ اجتماعية ... إلخ). فنجد، على سبيل المثال، "ماكيفر" يُعرّف الأسرة بأنها جماعة تقوم على أساس العلاقات الجنسية المستمرة على نحو يسمح بإنجاب الأطفال ورعايتهم. إن هذه المحاولة تتجاهل الجوانب الثقافية الكامنة في الأسرة؛ لأنها اهتمت فقط بالجوانب البيولوجية. وتحدث علماء الاجتماع في الوقت الحاضر عن التحول الذي طرأ على نظام الأسرة، حيث تتجه إلى أن تصبح الأسرة نوعاً من الرابطة أو التفاعل المستمر بين بعض الأشخاص، أو ما يُسمى بالمرافقة Companionship، وهذه النظرة تغفل أهمية الأسرة كجماعة إنسانية. في حين يرى "روبرت لوي" أن الأسرة هي الوحدة الاجتماعية القائمة على الزواج، أي أنه يجعل من الأسرة ظاهرة ثقافية خالصة. ويرى كل من بيلز وهوجير الأسرة بوصفها جماعة اجتماعية تربط بين أعضائها روابط القرابة. وهكذا نلاحظ أن أي تعريف مقبول للأسرة يجب أن يأخذ في اعتباره كلاً من الجانبين الثقافي والبيولوجي، كما يراعي الخصائص النظامية والشخصية، على حد سواء.

    وتشير الأسرة المعيشية، أو العائلية، إلى نسق أسري يعيش في نطاقه أجيال متعددة في عائلة واحدة، أو وحدة معيشية واحدة Household . ويتأسس الحنين إلى الأسرة العائلية بشكل أكبر على الأساطير، كما هو الحال في المجتمعات الغربية.

    ويُنظر للأسرة تقليدياً على أنها وحدة ذات وظائف متعددة، ولاسيما التنفيس المشروع عن الرغبة الجنسية للطرفين، والتناسل، والتنشئة الاجتماعية للأطفال، والإنتاج في بعض الحالات. وفي هذا الصدد يرى "بارسونز" أن التصنيع نتج عنه تغيران مهمان، هما: هيمنة الأسرة النووية، وزوال الأسرة العائلية. ومن ثَم، تآكل الوظائف المتعددة للأسرة. فقد أُسقطت وظائف الرعاية الصحية والتنشئة والإنتاج عن كاهل الأسرة، وأوكلت إلى المؤسسات العامة. ويرى "بارسونز" أن الأم داخل الأسرة تقوم بأدوار بالغة الأهمية في التربية، ويقوم الرجال بأدوار العمل الآلي. ويُنظر إلى الأدوار بين الزوجين على أنها أقرب إلى التكامل منها إلى عدم التكافؤ، وربما تنزع إلى مزيد من التكافؤ للأسرة المتوازنة، حيث يقوم الرجل بالمساعدة في إدارة شؤون الأسرة. أما تباين الأدوار بين الزوجين ـ ذلك التباين الذي يرتبط باتساع شبكة القرابة ـ فيُقال إنه في سبيله إلى الاختفاء، حيث تتطور بدلاً منه الأدوار المشتركة بين الزوجين، والتي تتسم بالتحضر والجِدة.

    وعلى هذا يُقصد بالأسرة، بشكل عام، أنها نظام اجتماعي له صفة الاستمرار، وتقوم على علاقات بيولوجية واجتماعية هدفها إنجاب الأطفال وتربيتهم، إلى جانب أداء بقية الوظائف المختلفة. والأسرة وسيط أساسي ينقل إلى الأطفال مختلف القيم، التي تُوجد في المجتمع والخاصة بمختلف جوانب الحياة الاجتماعية. والأسرة، كغيرها من النظم الاجتماعية، تؤثر وتتأثر بالتغيرات السائدة في المجتمع. هذا عن مفهوم الأسرة بشكل عام، أما مفهوم "الأسرة المعيشية" فيُعد من المفاهيم التي أثارت جدلاً ونقاشاً كبيرين بين المهتمين بدراسة سوسيولوجيا العلاقات الاجتماعية، وإن كان هناك اتفاق عام بين علماء الاجتماع على أن الأسرة المعيشية تشتمل على حياة الأفراد المرتبطين بصلات القرابة، ويقيمون في بيت واحد، ويعيشون في حياة مشتركة. غير أن "أرشي مافيجي" رأى أن هناك ثلاثة عناصر أساسية في تحديد مفهوم الأسرة المعيشية، هي:

1. وجود علاقات تطوعية ولكنها مُلزمة.

2. وجود حد أدنى من قرابة الدم.

3. المعيشة المشتركة بين أفراد الأسرة.

    لذا، تضمن التراث السوسيولوجي عدداً من المصطلحات والمفاهيم، التي ترتبط بتحديد مفهوم "الأسرة المعيشية"، مثل: الميزانية المشتركة، والموارد المشتركة، والدخل المشترك، والاستهلاك المشترك، والمطبخ المشترك. وهذا ما يوضح أن الأسرة المعيشية وحدة إنتاج واستهلاك عائلي. وفي إطار ذلك، أشار "أحمد زايد" إلى أن "الأسرة المعيشية" هي الوحدة الإنتاجية المكتفية ذاتياً، والتي تستهلك معظم إنتاجها في داخلها، دون أن يُباع جزء منه في السوق، ومن دون أن تحتاج إلى شراء أي سلع أو خدمات خارج نطاقها. ويتفق هذا مع ما ذهب إليه "محمد عودة" من أن الأسرة المعيشية هي التي تقوم بإنتاج القيم الاستعمالية Use values، بواسطة أفراد الأسرة الممتدة من أجل سد احتياجاتها الأساسية، باستخدام وسائل إنتاجية بالغة القدم في عملية الإنتاج الزراعي. غير أن "راي بوش" أكد على أن الأسرة المعيشية تتألف من أسرة نووية، تتكون من الوالدين والأبناء، وقد ينشأ أبناء جدد، وآباء من الجيل السابق وأقارب آخرين، ثم تتسع لتضم الأسرة الممتدة التي تشمل الأبناء المتزوجين وزوجاتهم وأبنائهم. كما أنها تمثل وحدة إنتاجية، كما تنظم الإنتاج على نحو مستقل إلى حد كبير، في الوقت الذي توجه جزءاً كبيراً من إنتاجها الزراعي للأسواق. ونظراً لتباين بناء الأسرة المعيشية من مكان إلى آخر، ومن مجتمع إلى آخر، فإن الأسرة المعيشية هي الوحدة العائلية، سواء كانت أسرة نووية أو ممتدة تتكون من مجموعة من الأفراد تربطهم صلات دم، ويعيشون حياة مشتركة في الإنتاج والاستهلاك. ويُعد رب الأسرة هو العائل لكل أفراد الأسرة، سواء كان أباً أو أماً أو أكبر الأبناء. كما يُشترط وجود حد أدنى من التعاون والمشاركة، في بعض القرارات الأسرية المهمة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:54 pm

مجتمع المدينة Urban Society

    تُعرّف المدينة، بشكل عام، بوصفها وحدة اجتماعية حضرية، محدودة المساحة والنطاق، ومقسمة إدارياً. ويعتمد النشاط فيها على الصناعة والتجارة، وتقل فيها نسبة المشتغلين بالزراعة، وتتنوع فيها الخدمات والوظائف والمؤسسات. وتمتاز بكثافتها وسهولة مواصلاتها، وتخطيط مرافقها ومبانيها وهندسة أراضيها، وتتمايز فيها الأوضاع والمراكز الاجتماعية والطبقية.

وتمر المدينة بمراحل نمو مختلفة. وقد وضّح "ممفرد Mumford" مراحل نمو المدينة في كتابه "ثقافة المدينة"، على النحو التالي:

1. مرحلة النشأة، ويسميها Eopolis، وتتميز بانضمام بعض القرى إلى بعضها، واستقرار الحياة الاجتماعية، لاسيما بعد اكتشاف الزراعة واستئناس الحيوان، وقيام الصناعات اليدوية والحرفية البسيطة. وكانت الجماعات التي تكوّن المدن في البدء جماعات مرتبطة برابطة الدم والقرابة، ولعب الدين دوراً مهماً في حياة هذه المدن.

2. المدينة المتوسطة Polis، وتتميز هذه المرحلة بوضوح التنظيم الاجتماعي والإداري والتشريعي، واستقرار الوضع السياسي للطبقتين الحاكمة والمحكومة، وانتعاش التجارة واتساع نطاق الأسواق وتنوع الأعمال والوظائف والتخصصات، والتميز الطبقي بين مختلف الفئات، وقيام المؤسسات والفنون، ونشأة المدارس. وقد أصبحت المدينة في هذه المرحلة "مركز ثقل"، يقصدها الأفراد للاستمتاع بمباهج الحياة المتقدمة وقضاء مصالحهم.

3. المدينة الكبيرة ويسميها Metropolis، أو المدينة الأم Mother City، حيث نجد في كل إقليم مدينة تنفرد بمميزات خاصة، وتأخذ وضعاً إستراتيجياً مميزاً، وتتوافر فيها الطرق السهلة المُعبدة، وتحتل التجارة والصناعة فيها المقام الأول. وقد تصل بعض هذه المدن إلى أن تصبح عاصمة الدولة أو الإدارة المحلية، وتتركز فيها كل مظاهر النشاط الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، بحيث تُصبح بحق هي المدينة الأم.

4. المدينة العظمى Megalopolis، وتُعد هذه المرحلة بداية انحلال المدينة، وتأخذ عوامل الضعف في الظهور؛ لأن عوامل كثيرة تغذيها، من أهمها أن الإنتاج الآلي يحل محل الفن الأصيل، وتأخذ الفردية في الظهور، وتزداد أسباب الصراع بين طبقة رؤوس الأموال والعمال. ويُلاحظ، كذلك، انتشار الانحرافات في محيط الأحداث والجرائم في محيط الرجال، والمؤامرات والدسائس في محيط النقابات والهيئات والمؤسسات.

    وعلى الرغم من الجاذبية والشمول في كتابات "ممفرد" عن تطور مراحل نمو المدينة، إلا أن المدن المعاصرة ـ أياً كانت أنماطها وأحجامها ـ تكافح من أجل البقاء والاستمرار في إثراء الحياة الإنسانية؛ فالمدن وُجدت لتبقى وتزدهر وليس للانهيار. ومن هنا تتجه المدينة إلى خلق حياة حضرية أكثر إشباعاً وسعادة. لذا، فقد تبنى "ويرث Werth" مدخلاً تاريخياً ـ إلى حد ما ـ في دراساته الحضرية، وهو يرى أن بداية الحضارة ارتبطت على نحو بارز بنمو المدن الكبرى.

    وقدم "ويرث" تعريفاً محدداً للمدينة بوصفها طريقة واضحة مميزة في الحياة؛ فالمدينة في تصوره هي وحدة عمرانية كبيرة نسبياً، تتميز بالكثافة السكانية، وهي مقر دائم لأفراد غير متجانسين اجتماعياً. ويظهر تأثير المدينة على الإنسان كلما ازدادت نمواً في الحجم؛ فبازدياد عدد المقيمين بالمدينة تزداد الروابط بينهم ضعفاً، كما تتعرض العلاقات الاجتماعية للتغير والتبدل، فتصبح غير شخصية وسطحية ومؤقتة وسريعة الزوال. كما أن ساكن المدينة يكيف علاقاته بطريقة رشيدة ومعقدة. كما تُمارس الحياة في المدينة بإيقاع سريع. ويؤكد ويرث على تنوع جماعات المدينة، والصراع بين مختلف الانتماءات، والحراك الجغرافي والاجتماعي المتزايد لسكانها. لذا، ذهب بعضهم إلى تعريف المدينة بأنها: المكان الذي أصبح من الكبر بحيث لم يعد الناس يعرفون بعضهم بعضاً.

    في حين يرى "بارك Bark" أن المدينة ليست فقط تجمعات من الناس، مع ما يجعل حياتهم فيها أمراً ممكناً، بوجود الشوارع والمباني والكهرباء ووسائل المواصلات. كما أنها ليست فقط مجموعة من النظم والإدارات، مثل المحاكم والمستشفيات والمدارس والشرطة والخدمات. إن المدينة، فوق هذا كله، اتجاه عقلي ومجموعة من العادات والتقاليد والعواطف المتأصلة في هذه العادات؛ بمعنى آخر أن المدينة ليست فقط مكان فيزيقي أو بناء صنعه الإنسان، وإنما هي نتاج الطبيعة وذات طبيعة إنسانية، على وجه الخصوص. ومن ثَم، فالمدينة في النهاية مكان إقامة طبيعي للإنسان المتمدن، ولهذا فإنها تُعَد منطقة ثقافية تتميز بنمطها الثقافي المتميز.

    أما "زيمل Zemel" فحاول أن يبحث في الأسس النفسية، التي تكمن وراء الطابع المتروبوليتي (المدينة المتضخمة) للحياة؛ فدرس التوترات، والعواطف، ونوع الذكاء الذي يجب أن يتمتع به الأفراد، الذين ينجحون في الحياة في مثل هذا النوع من المدن الكبرى. كما اهتم -في الوقت نفسه- بدراسة التنظيم الاجتماعي المتناهي التعقيد، الذي يؤدي إلى قيام الروابط والجماعات المتعددة التي تعتمد على تقسيم دقيق للعمل. ويعتقد "زيمل" أن أهم خاصية في تعريف المدينة الكبرى، هي امتدادها الوظيفي أبعد من حدودها الطبيعية.

    ويرى "ماكس فيبر" أن العنصر المشترك في تعريفات المدينة هو أنها تتكون من مجموعة أو أكثر من المساكن المتفرقة، لكنها نسبياً تُعَد مكان إقامة مغلق. وتُبنى المنازل في المدن –عادة- قريبة بعضها من بعض، فيكون الحائط لصيق الحائط، كما هو الحال في المدينة الحديثة الآن. أي أن المدينة منطقة محلية ومكان يتميز بالمساكن الكثيفة، مُشكِّلة نوعاً من المستوطنة شديدة الازدحام، إلى الدرجة التي يُفتقر فيها التعرُّف المتبادل بين السكان. وعلى هذا يرى فيبر أن المدينة الحديثة هي نسق أو محل إقامة مغلق نسبياً لتجاور المنازل بشكل كبير، ومن شروطها الضرورية وضوح وظيفتها الاقتصادية.

    لذا، ذهب "ماينر Miner" إلى أن المدينة تُعَد مركزاً للسيطرة والهيمنة الاقتصادية، وأن دورها كظاهرة للقوة شيء مهم. ويظهر ذلك في القوة السياسية والقوة الاقتصادية، وعادة، ما توجد معاً في المدينة. وبوجه عام، فإن وظائف المدينة من حيث السيطرة الاقتصادية والسياسية والثقافية، هي خصائص أولية للمدينة، وأن شكل المدينة هو نتيجة لهذه الوظائف؛ ولذلك، فإن تباين أشكال المدن يرجع إلى اختلاف وظائفها.

    وقد حدد علماء الاجتماع الحضري خصائص أساسية للمجتمع الحضري، من خلال ثمانية أبعاد رئيسية هي:

1.   المهنة: يعمل معظم أفراد المدينة أساساً بالأعمال التجارية والصناعية والحرف والإدارة. وقد ترتب على أنساق المهنة في مجتمع المدينة عدة نتائج، من أهمها انفصال جماعات المهنة عن الجماعات القرابية، والتخصص الدقيق والمتقن في مجال العمل، وظهور معايير لتحديد المكانة المهنية للفرد، ومقاييس مختلفة للنجاح المهني، كالتحصيل الدراسي المتخصص والخبرة الفنية ومستويات الكفاءة، وغير ذلك.

2.   البيئة: يتميز مجتمع المدينة بعزلة نسبية عن البيئة الطبيعية، الأمر الذي يجعل للبيئة الاجتماعية والبشرية غلبة وسيطرة واضحة.

3.   حجم المجتمع: يتميز مجتمع المدينة بكبر حجمه النسبي عن النموذج الريفي، ومن ثَم، فإن ثمة علاقة طردية بين الحضرية واتساع الحجم.

4.   كثافة السكان: يتميز مجتمع المدينة بارتفاع معدلات الكثافة السكانية كسمة مميزة، وترتبط فيه الخصائص الحضرية بعلاقة طردية مع ارتفاع معدل كثافة السكان.

5.   التجانس والتغاير: تتميز المدينة بالتغاير والتباين في الخصائص النفسية والاجتماعية والعرقية، ومن ثَم، يرتبط التغاير ارتباطاً طردياً بالمدينة.

6.   التمايز الاجتماعي والتدرج الطبقي: يتميز مجتمع المدينة بتدرج المهن هرمياً، وتؤسس المكانة الاجتماعية والطبقية للفرد في حدود ما استطاع أن يحقق لنفسه من كسب مادي، بعيداً كل البُعد عن انتمائه لجماعة قرابية معينة. إضافة إلى ذلك، فإنه مع زيادة تقسيم العمل وتخصصه في المجتمع الحضري، تتضح –وباستمرار- أهمية الدور المهني للفرد، كعامل من أهم عوامل كسب المكانة في المجتمع.

7.   الحراك والتنقل: يتميز مجتمع المدينة بزيادة معدلات الحراك الاجتماعي بأشكاله المكانية والاجتماعية، ومن ثَم، ترتبط معدلات الحراك في صوره المختلفة ارتباطاً طردياً مع زيادة الحياة الحضرية.

8.   أنساق التفاعل: يتميز المجتمع الحضري باتساع نطاق تفاعل الفرد، ومن ثَم، تغلب العلاقات غير الشخصية والمؤقتة أو الثانوية. كما تبدو هذه العلاقات بدورها ذات طابع سطحي رسمي انقسامي. وباختصار يتفاعل سكان المدينة مع بعضهم كأرقام أو عناوين، وليسوا كأشخاص.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات  الاجتماعية "  1 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:54 pm

الخصخصة Privatization

الخصخصة مصطلح حديث نسبياً، وقد أشارت الكتابات الاقتصادية التي عالجت الخصخصة إلى أكثر من مُسمى. فقد قيل "الخصخصة" أو "التخصيص" أو "التحول إلى القطاع الخاص"، وكلها مفردات تُفيد حالة الانتقال من العام إلى الخاص، ونقل المؤسسات الحكومية إلى ما يُسمى القطاع الخاص. كما تُشير الخصخصة على النطاق الأوسع إلى إدخال قوى السوق وآليات العرض والطلب والمنافسة إلى اقتصاد الدولة. وفي كثير من الحالات ـ خاصة في وسائل الإعلام غير المتخصصة ـ يُشير المصطلح –ببساطة- إلى بيع المشروعات العامة للقطاع الخاص. وبين هذين البُعدين المتطرفين عَبَّر الكتاب المختلفون عن معانٍ مختلفة. فقد عرَّف "دونالدستون" الخصخصة بأنها: "أي تحويل للملكية أو الإدارة من القطاع العام إلى القطاع الخاص، بشرط أن تتحقق السيطرة الكاملة للقطاع الخاص، والتي لا تتحقق في الغالب إلاّ بالانتقال الفعلي لملكية الأغلبية إلى القطاع الخاص". وعلى العكس من ذلك يُعرف "راماندام" (1989) الخصخصة بأنها: "سلسلة متصلة عريضة من الإجراءات تمتد بين إلغاء التأميم، من ناحية، ونظام السّوق، من الناحية الأخرى". ويصف الخصخصة بأنها مدى تدخل عمليات المشروع العام داخل نظام قوى السوق، بما فيها التحرير Liberalization والخروج عن اللوائح الحكومية.

وذهب "كوان Cowan" إلى تعريف الخصخصة بوصفها "تحويل أو نقل أي نشاط أو تنظيم أي وظيفة من قطاع الأعمال العام، إلى النشاط الاقتصادي الخاص". ويتفق هذا التعريف مع المفهوم الذي قدمه "حسين عمر" للخصخصة بوصفها "تحويل الاقتصاد المصري إلى اقتصاد يعتمد على القطاع الخاص بدرجة كبيرة، وذلك عن طريق بيع الأصول والوحدات الإنتاجية المملوكة للدولة ـ كلاً أو جزءاً ـ لقطاع الأعمال العام، إما بشكل مباشر أو عن طريق طرح أسهم الشركة للبيع في الأسواق المالية".

وفي واقع الأمر تحدد جوهر عملية الخصخصة بوصفها مجموعة من السياسات المتكاملة، التي تستهدف الاعتماد الأكبر على آليات السوق، ومباداءات القطاع الخاص والمنافسة، من أجل تحقيق أهداف التنمية والعدالة الاجتماعية. ومن ثَم، لا تقتصر عملية الخصخصة على فكرة بيع وحدات القطاع العام إلى القطاع الخاص، وإنما هي عملية أوسع نطاقاً من ذلك وأعمق مضموناً، حيث تتضمن تحويل ملكية بعض وحدات القطاع العام إلى القطاع الخاص، من أجل الترشيد الاقتصادي ورفع الكفاءة، ثم تنشيط نطاق المنافسة، ثم إلغاء قيام القطاع العام ببعض الأنشطة غير الملائمة له. وإسناد عملية إنتاج الخدمات إلى القطاع الخاص لتحقيق خفض في تكلفة المنتج. وأخيراً تخفيض القيود البيروقراطية على حركة ومباداءات القطاع الخاص.

وتتضمن الخصخصة مستويات أو أشكال ثلاثة، هي:

الشكل الأول: الخصخصة الكاملة، وتعني البيع الكلي للمشاريع العامة وتحويلها إلى الملكية والإدارة الخاصة، إضافة إلى بيع الدولة حقها كلياً.

الشكل الثاني: الخصخصة الجزئية، وتعني جعل المشاريع العامة تؤدي وظائفها كما لو كانت مشاريع خاصة، تخضع لقواعد السوق التنافسية نفسها. ومن أبرز صورها عقود الإدارة، حيث تعهد الدولة لجهات خاصة ذات كفاءة مسؤولية إدارة كل أو بعض المشاريع العامة، وفقاً لقواعد العمل في السوق التنافسية.

الشكل الثالث: فك ارتباط المشاريع العامة بالبيروقراطية الحكومية، من خلال إلغاء صور الرقابة الحكومية على الأنشطة الاقتصادية، والاعتماد بدرجة أكبر على قوى السوق وآلياته. ومن أبرز صورها إلغاء سياسات التسعير الجبري، والاستغناء عن العمالة الفائضة بالمشاريع العامة، وترشيد الدعم الحكومي للمشاريع العامة، وتعديل التشريعات العمالية لتتواءم مع التوجهات الجديدة.

الخصخصة هي طريقة تفكير وأداة نفعية تقوم على تصور نظام جديد لتقسيم العمل والمهام الخاصة بالاقتصاد القومي، بين الحكومة والقطاع الخاص. إنه تقسيم للعمل في اتجاه وحيد، هو إمكانية تخلي الحكومة والقطاع العام عن بعض الوظائف والأنشطة للقطاع الخاص، وليس العكس.

وتتحدد، في إطار ذلك، أهداف الخصخصة في تحقيق ما يلي:

1. رفع مستوى الكفاءة الاقتصادية لإدارة الأموال داخل الدولة.

2. تخفيف العبء عن الموازنة العامة للدولة، فيما يتعلق بالدعم الذي تقدمه الدولة للشركات العامة وتعويض خسائرها.

3. توسيع قاعدة الملكية للأفراد، والحصول على زيادة في الإنتاج والتصدير وتحسين الجودة.

4. توافر حصيلة لدى الدولة من بيع الوحدات العامة، تستطيع أن تواجه بها عجز الموازنة العامة.

5. التغلب على عدم كفاءة نظم الرقابة والمحاسبة في الوحدات العامة.

وفي إطار ذلك توجد ثلاثة مقومات رئيسية لنجاح الخصخصة، يمكن تحديدها فيما يلي:

·   دعم واقتناع وتفهم من الجماهير العريضة في المجتمع لعملية الخصخصة.

·   التزام الحكومة بعملية الخصخصة والعمل على تحقيقها بأسلوب رشيد.

·   أن تقترن عملية الخصخصة بعملية إصلاح اقتصادي شاملة، وذلك على أساس أن الخصخصة جزء من سياسات الإصلاح الاقتصادي، وما تشمله من إجراءات تعمل على تحرير الاقتصاد وتنمية روح المنافسة في السوق.

والجدير بالذكر، أن قرار الخصخصة يحمل في طياته درجة عالية من المخاطرة للحكومات، التي يكون عليها دائماً التخفيض من درجة المعارضة السياسة والوصول بها إلى معدلات مقبولة، إلى جانب اتخاذ إجراءات مناسبة يمكن أن ينجم عنها برنامج خصخصة ناجح، لإحداث نوع من الرضا والتأييد الشعبي.

فالمعروف أن التغيير المنشود لا ينجح دائماً إلا إذا تم عن رغبة واقتناع وإرادة، من الذين يحدثونه أو يتأثرون به؛ أما إذا كان بغير اقتناع منهم فسيلقى المقاومة، خاصة وأن تنفيذ أي سياسة تنموية جديدة يستلزم جهوداً وتضحيات يقع العبء الأكبر منها على أفراد الشعب جميعاً.

كذلك، أثبتت الدلائل العملية أن الخصخصة ترفع من مستوى الأداء، ليس فقط في الدول المتقدمة بل وفي الدول النامية أيضاً. فقد قيّم جلال وآخرون 1974، في دراسة صادرة عن البنك الدولي، المكاسب والخسائر الناتجة عن خصخصة اثنتي عشرة شركة تعمل معظمها في أسواق غير تنافسية في أربع دول مختلفة (تشيلي، وماليزيا، والمكسيك، والمملكة المتحدة)، فوجدوا أن هناك مكاسب تحققت في إحدى عشرة حالة من الحالات الاثنتي عشرة تحت الدراسة، وأنه لا توجد إلا حالة واحدة خسر فيها العاملون على المستوى الإجمالي كنتيجة للخصخصة.

إن نجاح برامج الخصخصة يعتمد -إلى حد كبير- على وضوح الأهداف، التي ترنو الدولة إلى تحقيقها من تحويل عدد من مؤسساتها العامة إلى القطاع الخاص؛ لأن مسار الخصخصة يتحدد بهذه الأهداف. فعلى سبيل المثال: إذا كانت الدولة تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة وترغب في زيادة إيراداتها، فقد تبدأ بتخصيص المؤسسات الكبيرة والرابحة؛ أما إذا كانت ترغب في زيادة كفاءة الأداء واستخدام التقنيات الحديثة، فإنها تعمل على إدارة هذه المؤسسات من خلال شراكة مؤسسات أجنبية؛ ولكن إذا كانت ترغب في تحسين مستوى الدخل فإنها سوف تحوّل المؤسسة العامة إلى القطاع الخاص، وهكذا.

لذا، قصر كل من فيكرز Vickers، وديارو Yarrow، أهداف الخصخصة على:

1. تقليص التدخل الحكومي في القطاعات الصناعية إلى حد كبير.

2. رفع الكفاءة الإنتاجية للصناعات المخصخصة.

3. حل مشكلات اتخاذ قرارات الإنفاق للقطاع العام.

4. توسيع قاعدة الملكية للمساهمين، من خلال تشجيع ملكية العاملين للأسهم.

وبناءً على ما سبق، يمكن تعريف الخصخصة بشكل أكثر تحديداً بوصفها مجموعة متكاملة من السياسات والإجراءات، التي تكفل نقل ملكية وإدارة المشاريع العامة أو المشتركة إلى القطاع الخاص، من أجل تحقيق التنمية بالاعتماد على حرية المنافسة، وتشجيع المبادرات الفردية، وتعبئة موارد القطاع الخاص، وإصلاح الجهاز الإداري للدولة، وتبسيط الإجراءات الحكومية.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2
»  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 3
» " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 4
» " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5
» " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: