نمو الجماعة نمو الجماعة المصادر والمراجعنمو الجماعة Group Development
للجماعات أهميتها الكبيرة في حياة أعضائها، وفي المجتمعات الكبيرة التي تنتمي إليها. والجماعة هي فردان أو أكثر يتفاعلون مع بعضهم البعض تفاعلاً بناءً، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر ويتأثر به، تحقيقاً لأهداف خاصة بكل منهم وأهداف مشتركة بينهم. ويسود الجماعة روابط متعددة: وجدانية، وأخرى مستمدة من السلطة والقوة، وثالثة مستمدة من وجود هدف مشترك بين أعضائها، ثم روابط اتصالية.
ونمو الجماعات ظاهرة حتمية تستلزمها حياة الجماعة وارتقائها، ونضج أعضائها كوحدة، وتحقيقها لأهدافها. ودراسة نمو الجماعات ذات أهمية كبيرة في مساعدة المتخصصين والمسؤولين للتدخل ـ في الوقت وبالطريقة المناسبة ـ في حياة الجماعة، حتى يمكنهم توجيهها توجيهاً سليماً. فلو فرض المسؤول عن جماعة حديثة التكوين، أعباءً كثيرة عليها؛ فإن ذلك سيؤدي إلى انهيارها؛ لأنها لم تكن وصلت بعدُ إلى درجة النضج المناسبة، التي تؤهلها لتحمل تلك الأعباء.
ويساعد الوقوف على نمو الجماعات ومراحلها، القائمين على أمرها في التنبؤ بما سيكون عليه سلوك أعضائها في المراحل المختلفة. فمدرب فريق كرة القدم- مثلاً- يستطيع أن يتنبأ بأن الفريق عند مرحلة معينة سيسوده جو من الصراع والتنافس الحاد بين الأعضاء، يعقبه وضع معايير مناسبة للتعاون بينهم، تمهيداً لوحدة الفريق وسعيه نحو تحقيق ذاته.
وتؤدي دراسة نمو الجماعات وفهمها إلى إدراك المسؤولين للفروق بين الجماعات المختلفة، من حيث المرحلة النمائية لكل منها، وسرعة نموها. فمدرس فصول متعددة في الصف الواحد مثلاً، سيدرك أن كل فصل دراسي عند مستوى نمائي يختلف عن الفصل الآخر، ومن ثم، فإن دور المدرس - لا بدّ - أن يتشكل تبعاً لكل فصل ودرجة نموه كجماعة.
أولاً: تعريف نمو الجماعة
يُعرّف النمو عامة بأنه التقدم نحو شكل وتركيب أكثر تعقيداً، واكتماله؛ أو أنه سلسلة من التغيرات الارتقائية التراكمية المطردة والهادفة. ولا يحدث النمو فجأة أو بصورة عشوائية. وللنمو مظهران: تكويني ووظيفي، ويسير نمو كل منهما في خطوات متلاحقة متتابعة تعتمد كل خطوة منها على السابقة عليها، وتمهد الطريق إلى الخطوة التالية لها. وعلى الرغم من استمرار النمو وتداخل خطواته، إلا أنه يُقسم، عادة، إلى مراحل مثل تقسيم السّنة إلى فصول رغم تداخلها.
من التعريف العام السّابق للنمو، يمكن تحديد مواصفات نمو الجماعات في:
1. سلسلة من التغيرات تمر بها الجماعة أثناء فترة حياتها. وتكون هذه التغيرات في شكل حلقات لكل منها خصائصها ومميزاتها، التي تميزها عن غيرها. وتمهد كل حلقة منها للاحقة بها وتتأثر بالسابقة عليها. وتكون هذه التغيرات في خصائص التفاعل داخل الجماعة، وفي دور قائدها وأعضائها، وفي الروابط السائدة بينهم، ومن ثم في إنتاجيتها. وتسعى هذه التغيرات، عادة، إلى تحقيق أقصى درجات نضج الجماعة، تحقيقاً لأهدافها التي تسعى إليها.
2. تكون هذه التغيرات في ضوء الخصائص المميزة للجماعة كجماعة، وليست تغيرات في الخصائص المميزة للأعضاء، كأفراد مستقلين بعضهم عن بعض. فمثلاً، تنتقل الجماعة في نموها من التفاعل العشوائي إلى تفاعل متمركز حول القائد، إلى تفاعل متمركز حول العمل أو المهمة.
3. يختلف نمو الجماعات تبعاً لنوعها؛ فهناك مراحل نمائية معينة تمر بها جماعات العلاج النفسي، تختلف عن المراحل التي تمر بها جماعات التدريب، وتختلف عن المراحل التي تمر بها الفصول الدراسية، وتختلف عن المراحل التي تمر بها جماعات الخدمة الاجتماعية.. وهكذا.
4. لا تسير الجماعات في نموها بسرعة واحدة، إذ تختلف تلك السرعات تبعاً لعدة عوامل، مثل: نوع الجماعة وخصائص أعضائها والأهداف التي تسعى نحو تحقيقها.
5. قد تتوقف إحدى الجماعات في نموها عند مرحلة معينة، وذلك بناءً على مقدار ما تحققه المرحلة لأعضائها من ارتياح وأهداف، أو بناءً على الوقت المتاح لهم لمواجهة المراحل الحرجة في نمو الجماعة، أو بناءً على المدة الزمنية التي تستغرقها حياة الجماعة. (فالجماعات التي تكوَّن في المعامل التجريبية تستغرق فترات زمنية أقصر من جماعات التدريب، والأخيرة تستغرق فترات زمنية أقل من الفصول الدراسية).
6. يكون نمو الجماعة في البداية سريعاً، فيحدث الكثير من البناء والتنظيم في التفاعل خلال الساعات الأولى لتكوين الجماعة. ويتجه قدر كبير من النمو في مرحلته المبكرة إلى إرساء النظام الاجتماعي للجماعة، ثم يتجه التفاعل إلى الاستقرار في ضوء المعايير التي تضعها الجماعة، ولكن ليس بالسرعة نفسها للمراحل المبكرة لنمو الجماعة.
ثانياً: مراحل نمو الجماعات
تختلف مراحل نمو الجماعات تبعاً لنوع كل جماعة والهدف من تكوينها، إضافة إلى خصائص أعضائها. وفيما يلي عرض لبعض نماذج نمو الجماعات.
أ. مراحل نمو جماعات العلاج النفسي
تشترك جماعات العلاج النفسي في أن أعضاءها يسعون إلى تحقيق غاية معينة، تحقق لهم جميعاً الإيجابية والراحة والطمأنينة والتفاعل الناجح مع الآخرين. فمنهم من يسعى إلى أن يتخلص من عزلته الاجتماعية ويزداد اندماجه مع من حوله، ومنهم من يسعى إلى أن يكون أكثر إيجابية وفعالية في أدائه لأدواره، وتنفيذ ما يوكل إليه من مهام ومسؤوليات، ومنهم من يسعى إلى التخلص من خجله بحيث يصبح أقل تهيباً وعزوفاً عن المشاركة في الحديث والاجتماعات، وأكثر انطلاقاً وطلاقة في التعبير أثناء تفاعله الاجتماعي مع أعضاء جماعته، ومنهم من يسعى إلى أن يكون أكثر صراحة ووضوحاً في فهمه لذاته وفي تقبله لها وفي تقبله للآخرين.
نموذج لمراحل نمو جماعات العلاج النفسي
(1) مرحلة التكوين
في هذه المرحلة يقدم الأعضاء أنفسهم للجميع، ثم يعبّرون عن مشاعرهم ويوضحون خصائص كل منهم الشخصية، مستخدمين أساليب التعبير اللفظية وغير اللفظية. ويتلقون تغذية راجعة من المرشد ومن سائر أعضاء الجماعة. وتستغرق هذه المرحلة ما بين جلسة واحدة وأربع جلسات، ومع نهايتها تكون الأدوار والعلاقات قد اتضحت.
(2) مرحلة الانتقال
تبدأ مرحلة الانتقال عقب مرحلة التكوين، وفيها يتبنى الأعضاء الهدف الخاص بالجماعة ويدركون أنه هدف فريد متميز.
في البدايات الأولى لهذه المرحلة يُدرك الأعضاء أن الهدف من وجودهم في الجماعة هو توفير مناخ نفسي يساعد في العلاج. في هذه الأثناء تظهر بعض المشاعر السلبية نحو مناقشة المشكلات الشخصية للأعضاء، (وذلك بناءً على ما تراكم لدى الأعضاء من خبرات سابقة متعلقة بمناقشة تلك المشكلات). ويصحب ذلك ضعف في مشاركة الأعضاء مراعاة للمعيار الاجتماعي الخاص بعدم مناقشة المشاكل الشخصية داخل جماعة. يعقب ذلك تقبل لمعيار جديد، يرتبط بتقبل تعبير كل فرد عن مشكلاته الشخصية داخل الجماعة. ويحدث ذلك التقبل عندما يقدّم المرشد المسؤول عن الجماعة نموذجاً لعرض مشكلة شخصية تساعد في اكتشافه وكشفه لذاته مع أعضاء الجماعة. ويحدث ذلك التقبل، أيضاً، إذا تخيّر المرشد الوقت المناسب لكي يعرض كل عضو مشكلته ويكشف عن ذاته، في جو آمن مطمئن قائم على التشجيع والتقبل.
(3) مرحلة الأداء والفعل
يوجه المرشد أعضاء الجماعة إلى أن أوضاعهم ومشاعرهم لن تتغير، وأن مشاكلهم لن تحل، إلاّ إذا اتخذوا خطوات إيجابية في هذا الاتجاه. ويقدم المرشد في هذه المرحلة نموذجاً لوضع الأهداف والتخطيط لتحقيقها، ثم يقوم كل عضو من أعضاء الجماعة بالإجراء نفسه. في هذه المرحلة قد تحدث بعض المواجهات والخلافات بين الأعضاء، ويكون على المرشد القيام بدور "حارس بوابة الأمان".
وفي هذه المرحلة يمارس الأعضاء مع المرشد بعض أساليب تعديل السلوك ووسائله، مع التكليف ببعض الواجبات المنزلية، التي تدعم ما تعلمه كل عضو في سبيل تحقيق أهدافه.
(4) مرحلة الإنهاء
لا يكون الإنهاء فجائياً بل يكون تدريجياً مصحوباً بتناقص تدريجي في الكشف عن الذات، يقوم به المرشد النفسي كنموذج لباقي الأعضاء. وتبدأ مرحلة الإنهاء في الثلاث جلسات الأخيرة، وفيها يسعى كل عضو إلى تلقي تغذية راجعة من باقي الأعضاء، ويُعبّر كل مرشد عن تقديره للجماعة ولمقدار نموها ونمو أعضائها.
ب. نموذج لمراحل نمو جماعات العمل
(1) المرحلة الأولية أو المبكرة
تتميز بالتوجه نحو السلطة في جميع الموضوعات. وتظهر حاجة الجماعة إلى توطيد وترسيخ مراكزهم في التسلسل الهرمي للجماعة، ويسود القلق بين الأعضاء. ويكون سلوك الأعضاء، في الغالب، ذا توجه فردي، كما يكون مستوى أداء العمل منخفضاً.
(2) المرحلة المتوسطة
تتميز هذه المرحلة بظهور التفاعلات، سواء بين الأعضاء أو مع السلطة، في محاولة لتكوين رأي أو اتفاق بين الأعضاء على نظم المكافآت والعقوبات، التي تحدد بناءً على مختلف أنواع السلوك. ويظهر في هذه المرحلة العداء والخصومات بين الأعضاء.
وعندما يُصبح التسلسل الهرمي في القيادة ثابتاً وراسخاً، تظهر الثنائيات والشلل في داخل الجماعة. ويمكن أن يظهر التنافس بين الثنائيات والشلل من أجل إثبات قوتهم. ونظراً لما تتميز به هذه المرحلة من خصائص، فإن نهايتها تكون بمثابة راحة لأعضائها.
(3) مرحلة النضج
تنمو المشاعر الودية بين الأعضاء، وتتوطد المعايير، ويزداد تماسك الجماعة، وتُمارس ضغوطاً على المنحرفين عن معاييرها للانصياع لتلك المعايير. وتصبح الجماعة في هذه المرحلة أكثر قدرة على تأدية العمل بأمان، ويكون مستوى جودة العمل عالياً، كما يحظى بقبول الأعضاء ورضاهم.
وتتميز هذه المرحلة بانتهاء الصراع والعدوانية بين الأعضاء، ويزداد معدل الثقة بينهم، وتزداد الجماعة تكاملاً ومرونة، كما تزداد حرية الفرد في التعبير عن مشاعره.
ج. نموذج لمراحل نمو جماعات التدريب
(1) المرحلة الأولى: الاختبار والاعتماد
في هذه المرحلة يزداد اعتماد الأعضاء على المدرب. وتعمد الجماعة إلى حل المشكلات المرتبطة بالسلطة داخلها معتمدة على المدرب، وإلى وضع معايير تدعم ذلك الاعتماد.
ويسعى كل عضو في الجماعة إلى تحديد وضعه، وذلك باختبار علاقته بالسلطة، وباختبار المواقف المختلفة التي تمر بها الجماعة.
ومع تقدم هذه المرحلة "يتعلم الأعضاء كيف يتعلمون"، وذلك بسعيهم لمعرفة أهداف الجماعة وطرق تحقيقها. ونظراً لأن هذه المرحلة تُعد اختباراً لعلاقة الأعضاء بالجماعة، فإنها تتصف بنقص في العمل والأداء، وتنوع في الخبرات الانفعالية التي يعيشها الأعضاء.
(2) المرحلة الثانية: الصراع داخل الجماعة
تتميز الجماعة في هذه المرحلة بتحرك أعضائها بين العديد من الأقطاب الثنائية:
· تفضيل النشاط في مقابل تفضيل السلبية، بحثاً عن الأمان.
· تفضيل الاستقلال في الأداء في مقابل الاعتماد على القائد، أو بعض الأعضاء.
· تفضيل تجريب أساليب جديدة في العمل والأداء والتعامل والتعلم، في مقابل استخدام الأساليب التقليدية.
ويتصف المناخ السائد خلال هذه المرحلة بالصراع والقلق والإحباط والتهديد والمقاومة، إلاّ أنه مع تقدم الجماعة يبدأ الأعضاء في تعلم كيف يقدمون المساعدة لبعضهم، وكيف يتبادلونها فيما بينهم. ويتضمن هذا التخلص من العوائق التي تقف عقبة أمام عملية التعلم، مثل القلق والعدائية. كما يتجه الأعضاء إلى التعبير عن أنفسهم بحرية، وإلى إنكار الذات، وإلى التخلص من حدة الانفعالات السائدة بينهم.
(3) المرحلة الثالثة: تماسك الجماعة
مع تناقض القلق والعدائية ومشاعر الإحباط والقطبية الثنائية بين الأعضاء، تتجه الجماعة نحو وضع معايير وقيم لتوجيه سلوك الأعضاء. وتؤدي هذه المعايير إلى وضع وتكوين ذاتية خاصة بالجماعة. وتمر الجماعة بمرحلتَين فرعيتَين، هما:
(أ) تماسك الجماعة
تتحدد بنية الجماعة بشكل واضح، كما تتحدد أدوار الأعضاء. ويسود الشعور "بالنحن"، ويزداد شعور الأفراد بمسؤوليتهم في تحقيق أهداف الجماعة.
(ب) نمو الروابط الوجدانية
تنمو الروابط الوجدانية بين الأعضاء، وتزداد الوحدة القائمة على الوعي بينهم، كما يزداد الانفتاح في التعامل بين الأعضاء. ويتصف المناخ السائد بالتسامح والدعم الوجداني المتبادل وحل المشكلات الخاصة بالسلطة. كما توجه الروابط الوجدانية وتستخدم لأداء العمل وتسييره، نحو تحقيق أهداف الجماعة.
(4) المرحلة الرابعة: دعم العلاقات بين الدور والوظيفة
تصبح الجماعة "وحدة وظيفية عاملة"، تزود أعضاءَها بالدعم والقبول المتبادل، وبمرونة تطبيق المعايير. كما تتجه الجماعة نحو توظيف الفروق الفردية بين أعضائها في إطار تعاوني، من أجل تحقيق أهداف الجماعة. وتتميز الجماعة في هذه المرحلة بالقدرة على حل المشكلات.
وتوُصف الجماعة بالقدرة على الاستبصار؛ إذ يكتشف الأعضاء طُرقاً متعددة وجديدة للاستقصاء والبحث الذي يساعد على تحقيق نضج الجماعة ونمو أعضائها. كما يتجه الأعضاء إلى استخدام طرق متعددة للتعلم.
د. نموذج لمراحل نمو جماعات الفصل الدراسي
(1) المرحلة الأولى: البداية
تتميز هذه المرحلة بالحاجة إلى التوجيه والإرشاد. وكتعبير عن هذه الحاجة، تدور أسئلة التلاميذ حول التعرف على التلاميذ الآخرين والمدرسين. وتظهر على التلاميذ كثير من مشاعر القلق والتوتر، تجاه المدرسين والزملاء ونظام الدراسة.
تنتقل الجماعة، بعد ذلك، إلى الاستفسار عن الأهداف البعيدة للجماعة وكيفية تحقيقها، ورأي التلاميذ في بعضهم، وكيف يمكن تحقيق التوافق فيما بينهم؟
يكون الفصل في هذه المرحلة تجمعاً لبعض التلاميذ، وليس جماعة ذات بناء اجتماعي محدد، أو معايير تنظم التفاعل. وبناءً على ذلك، يكون التفاعل عشوائياً متخبطاً ومتمركزاً حول قائد معين. وتُعد هذه المرحلة من المراحل الحرجة في نمو الجماعات؛ لأنها تحدد الجو الانفعالي العام للجماعة، كما تحد توقعات الجماعة من أعضائها.
وتكون التفاعلات شخصية، وردود الأفعال محدودة وتتميز بالحذر، وتتركز حول المدرس. وحال أن يعرف التلاميذ كلاً منهم الآخر ـ أو يكون قد سبق لبعضهم المعرفة ـ فإنهم يتجهون إلى تشكيل بعض الجماعات الفرعية الصغيرة. ويحدث ذلك، عادة، في الفترة الأخيرة من هذه المرحلة.
(2) المرحلة الثانية: وضع المعايير
يشعر التلاميذ بأنهم في حاجة إلى تنظيم التفاعل بينهم؛ لذا تصبح الحاجة ماسة لوضع معايير معينة تحدد لهم ما هو مقبول وما هو مرفوض، وكيفية تنفيذ المهام المختلفة.
يتميز سلوك التلاميذ بأنه اختباري؛ فيختبر التلاميذ تقبل المشرف أو المدرس لهم، كما يختبرون حدود تعاملهم مع بعضهم، وكذلك يختبرون الإجراءات المختلفة اللازمة لتحقيق الأهداف.
وتكتسب هذه المرحلة أهميتها من كونها الخطوة الأولى الفعلية لتكوين الجماعة، كما أنها مرحلة وضع القواعد والمعايير، التي سوف تسير عليها الجماعة.
وتُعد المشاركة في القيادة والمسؤولية مظهراً أساسياً، من مظاهر تقويم هذه المرحلة.
(3) المرحلة الثالثة: الصراع
تتميز هذه المرحلة بالنزوع نحو الاستقلال وعدم الاعتماد على القائد. ويرجع ذلك إلى نجاح الجماعة في وضع معايير للعمل والسلوك، ما يكسبها الثقة والقدرة على حل المشكلات وإدارة الفصل.
وينشأ الصراع بين الرغبة في الاعتماد على القائد، وبين استخدام وتفعيل المعايير التي سبق أن وضعتها الجماعة. ويؤدي هذا الصرع إلى شعور التلاميذ بالقلق والعدائية، وإلى تكوين بعض الجماعات الفرعية الصغيرة.
ويتصف التفاعل في هذه المرحلة بأنه غريب الأطوار، ينتقل من فرد لآخر ومن موضوع لآخر بسرعة وعشوائية، وباستخدام التلاميذ للتعبيرات الانفعالية الطائشة. ويكون الجو الانفعالي غير مريح، ما يؤدي إلى انسحاب بعض التلاميذ من التعامل. وتزداد رغبتهم في مغادرة الفصل، وزيادة قلقهم ما يؤدي إلى ضعف أدوارهم ومشاركتهم داخل الفصل.
(4) المرحلة الرابعة: إنهاء الصراع (الانتقال)
تنحل الصراعات بين التلاميذ، ويُحل محلها الاختلاف في الرأي، مع قبول الفروق الفردية بين الأعضاء. فيشعر كل تلميذ بالحرية في التعبير عن رأيه، وأن من حقه المشاركة في المناقشات، وأن يختلف في رأيه، وأن يقبل الرأي المعارض، وأن يشارك في القيادة. ويكون هذا تمهيداً لشعور جماعة الفصل "بالنحن".
وتظهر المشاعر الإيجابية مع الرغبة في مساعدة التلاميذ بعضهم بعضاً. ويخصص الفصل وقتاً أطول ومجهوداً أكبر للعمل، ويحتل الاهتمام بالعمل مركز الصدارة داخل الجماعة. ويبدأ الأعضاء في إعادة النظر في الأهداف والخطط وطرق ومراحل تنفيذها.
(5) المرحلة الخامسة: الإنتاج
تمهد هذه المرحلة لظهور الجماعة "كجماعة"، وتتميز بانتشار الثقة بين الأعضاء وبالمشاركة في القيادة. كما يكون الاتصال فعالاً وبناء. ويهتم الأعضاء بالعمل، ويسود التعاون بينهم، وتنمو المعايير الخاصة بعلاقات الود والصداقة. ويتدعم الشعور "بالنحن" كجماعة، مع النظر إلى المدرس كعضو في الجماعة.
تؤدي الخصائص السابقة إلى تبني أعضاء الجماعة لأهداف واحدة، وتوحد أهداف الفرد مع أهداف جماعته، وينخفض الغياب، ويزداد الولاء والإخلاص لجماعة الفصل.
وفي هذه المرحلة يعتبر المدرس عضواً في الجماعة ومشاركاً لها، وينظر إليه الأعضاء بوصفه عضواً أكثر من كونه مدرساً. ويؤدي هذا إلى شعور المدرسين بالراحة أثناء التعامل مع الفصل، ويتدعم هذا الشعور بزيادة إنتاج الجماعة، وزيادة تقبل التلاميذ لقواعد السلوك التي يُتفق عليها.
(6) المرحلة السادسة: التواد
إذا كان أعضاء الجماعة في المرحلة السابقة مستعدين للعمل من أجل الجماعة، فإنهم في هذه المرحلة يصبحوا مستعدين للعمل من أجل أنفسهم، ومن أجل سيادة ودعم مشاعر الود والصداقة والتواد بينهم. وتحقيقاً لهذا الدعم، تُعيد الجماعة النظر في المعايير التي سبق أن وضعها الأعضاء حتى تصبح وسيلة أقوى وأفضل في تحقيق التواد والتقارب الوجداني، بين التلاميذ بعضهم بعضاً.
ولم يعد للصراعات بين الأعضاء أثراً ضاراً على التفاعل والأداء داخل الجماعة؛ لأن الجماعة تجتازها وتحلها في سهولة ويسر للمحافظة على كيانها.
ومن خصائص العضوية في الجماعات التي وصلت إلى هذه المرحلة، أن التلاميذ يظلون أصدقاء خارج المدرسة أو بعد انفضاض الجماعة. كما يكون المدرس نموذجاً للأعضاء ومصدراً للمعلومات والخبرات.
(7) المرحلة السابعة: تحقيق الذات
تُعد هذه المرحلة المستوى المثالي لنضج الجماعة. ويبلغ الفصل الدراسي هذه المرحلة عندما تسمح المعايير السائدة بممارسة كل تلميذ لنمط التعلم الخاص به، بما يناسب حاجاته، وباستخدام أسلوبه المفضل في التعلم، موظفاً ما لديه من إمكانيات وقدرات فردية خاصة. وتتحقق هذه المرحلة للجماعة، عندما تسمح المعايير لها بأن تغير وتعدل من نفسها بنفسها كي تصبح أكثر فعالية، سواء من ناحية العمل، أو من ناحية المشاعر المتبادلة بين التلاميذ.
وتُصبح الجماعة أكثر انفتاحاً للتعبير عن مشاعر الخلاف والتواد، على نحو يؤدي إلى دفع العمل لتحقيق الأهداف المرجوة، وجعله أكثر قدرة على توجيه الأنشطة الوجدانية المرتبطة بالعاطفة والتواد، من أجل تحقيق الذات.
ونظراً لأن بلوغ جماعة الفصل الدراسي لهذه المرحلة يستغرق وقتاً طويلاً، ويحتاج إلى رعاية ومتابعة دقيقة خلال المراحل السابقة؛ فإن هذه المرحلة تكون نادرة التحقيق ولا تبلغها إلاّ جماعات قليلة.
وفيما يلي جدول يوضح خصائص مراحل نمو جماعة الفصل الدراسي، خلال المراحل السبع السابقة.
خصائص مراحل نمو جماعة الفصل الدراسي
خصائص الاتصال | خصائص محور العمل | خصائص التفاعل وصوره | المرحلة |
حذر ـ محدود ـ موقفي ـ يدور حول موضوع الموقف | اضطراب العمل ـ البحث عن كيفية حماية كل عضو لذاته ـ البحث عن حلفاء | عشوائي ـ متمركز حول القائد ـ ثنائيات وجماعات فرعية صغيرة | البداية |
موجه لإشباع الحاجة للأمن ـ متمركز حول الموقف ـ بداية الانفتاح بين الأعضاء | اختبار للحدود ـ البحث عن إجابات ـ محاولات للقيادة | شارد ـ خيال مضطرب ـ متردد ـ متمركز حول القائد | وضع المعايير |
في اتجاه واحد ـ مشوه ـ إطلاق مسميات على الأعضاء ـ مزيد من الهجوم ـ مزيد من الانفتاح بين الأعضاء أثناء الغضب والصراع | قائم على المواجهة ـ قلق ـ عدائي ـ صراعي | مضطرب ـ متمركز حول شخص واحد أو شخصين | الصراع |
انفتاح بين الأعضاء ـ نقص استخدام المسميات بين الأعضاء ـ انفتاح وردود فعل | تذبذب بين العمل واهتمامات الجماعة ـ يدور حول المعايير الجديدة والمشاعر الشخصية | أقل اضطراباً ـ أقل ظهوراً للصور النمطية ـ أقل تمركزاً حول القائد | إنهاء الصراع (الانتقال) |
انفتاح محدود بمعرفة الأعضاء بعضهم بعضاً وتبادلهم للاستجابات ـ ردود أفعال تجاه معايير التواد والصداقة | تعاون جمعي ـ قيادة جماعية ـ الشعور "بالنحن" | متمركز حول العمل ـ يتحدد وضع الأعضاء بناءً على نوع العمل | الإنتاج |
مزيد من الانفتاح بين الأعضاء ـ الاستعداد للمخاطرة البنّاءة ـ استجابة إيجابية | تقدير الذات ـ تغيير المعايير لتحقق الصداقة والود بدرجة أكبر | متمركز حول الجماعة ويتجه نحو الفرد | التواد |
مفتوح ـ بناء ـ دقيق ـ يتركز حول الإنسان كإنسان أكثر من إشباع الحاجات | مرن ـ ينتقل من العمل إلى الشخص إلى الجماعة تبعاً لمقتضيات الموقف | نموذج تفاعلي يناسب العمل ـ متمركز حول العمل | تحقيق الذات |
تعقيب
· من العرض السابق لمراحل نمو الجماعات، يتضح اختلاف هذه المراحل من جماعة لأخرى. وقد أدى هذا الاختلاف إلى محاولة الباحثين وضع تصورات عامة لمراحل نمو تلك الجماعات.
وكمثال لهذه التصورات ما أشار إليه بعض الباحثين من أن الجماعات الخبرية (أي الجماعات التي نعيشها وتنشأ بيننا، وذلك في مقابل الجماعات المعملية، التي يكوّنها الباحثون في المعامل النفسية لإخضاعها للدراسة) أو الواقعية، تمر بمراحل ثلاث أساسية:
· انبثاق الجماعة: وهي مرحلة تستغرق فترة تراوح ما بين ستة أسابيع وستة أشهر، وتتميز بتفجر وتحرر العمليات التي تؤدي إلى نضج أعضائها.
· المحافظة على الكيان: وفي هذه المرحلة يلتحق أعضاء جدد بالجماعة، ويكون على قدامى الأعضاء العمل على إدماجهم. ومع تكرار دخول الأعضاء الجدد يشعر القُدامى بالملل، لانخفاض معدل العمل والأداء داخل الجماعة.
· الإرهاق: إذا استمر دخول الأعضاء الجدد مع اختفاء بعض الأعضاء القُدامى، فإن باقي القُدامى يشعرون بالإرهاق والملل.
· يرجع اختلاف مراحل نمو الجماعات في مختلف المجالات إلى اختلاف اهتمامات الباحثين؛ فمنهم من ركّز اهتمامه على البناء الاجتماعي للجماعة، أو على محور العمل، أو الاتصال والتفاعل وغيرها.
كما يرجع اختلاف مراحل نمو الجماعات، أيضاً، إلى اختلاف تركيز الباحثين على إحدى الوظيفتين الأساسيتين للجماعة. هل هي أداء المهمة الموكلة إلى الجماعة؟ أم إشباع الاحتياجات العاطفية والوجدانية للأعضاء؟
· وحتى تتحقق الفائدة العملية من توظيف مراحل نمو الجماعات، فعلى المسؤول عن الجماعة أن يكون دقيق الملاحظة، وأن يسجل المظاهر المختلفة التي يراها داخل الجماعة. وبناءً على هذه المظاهر يستطيع استخدام الأسلوب المناسب للتدخل، مثل: المحاضرات أو جلسات الحوار أو مواجهة الأعضاء بعضهم بعضاً، أو تزويد الجماعة بتغذية راجعة بما يحدث داخلها، أو استخدام أسلوب حل المشكلات، أو الاستعانة بالمتخصصين.
المصادر والمراجع
1. حسين عبدالعزيز الدريني، "علم النفس الاجتماعي"، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة (ب. ت).
2. فؤاد البهي السيد، "الأسس النفسية للنمو"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1968.
3. هاني محمد رشاد درويش، "أثر التدخل الإعلامي على اتجاهات الطلاب نحو تطوير الامتحانات في جماعات تمر بمراحل نمائية مختلفة"، رسالة دكتوراه، غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 1996.
4. Ciassna, K. N. Phases in Group Development, The Negative Evidence. Small Group Behavior, 1984, V.15.
5. Gazda, G. Basic Approaches to Group Psycho therapy and Groups Counseling. U.S.A (Harl'es C Thomas Puls) 1975.
6. Gendlin, E.T & Beele III, J., An Experiential Approach to Group Therapy. Journal of Research and Development in Education, 1968.
7. Roark, A. E. V. Stanford, G., Human Interaction in Education. Boston: Allyn and Bacon Pub, 1974.
8. Tuckman, Bruce, Developmental Sequence in Small Groups, Psychological Bulletin, 1965, 63.