منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:57 pm

مفهوم الثقافة Culture

يُعد مفهوم الثقافة من المفاهيم المحورية في علم الاجتماع، بصفة عامة، والأنثروبولوجيا الثقافية، بصفة خاصة. ويشكل مفهوم الثقافة أحد الأفكار الكبرى، التي ساعدت البشرية على إنجاز الكثير من التقدم العلمي والتطور الفكري؛ فالثقافة مفهوم يتميز بأنه ذا طبيعة تراكمية ومستمرة. فهي ليست وليدة عقد أو عدة عقود، بل هي ميراث اجتماعي لكافة منجزات البشرية. لذلك، فإن محاولة تعريف هذا المفهوم محاولة صعبة؛ لأنه على الرغم من شيوع استعمال مصطلح الثقافة على ألسنة العامة من الناس، إلاّ أن المختص في دراسة العلوم الاجتماعية حينما يحاول تعريفه يجد تعريفات عديدة، في نطاق علمه والعلوم الأخرى، وكل تعريف منها يعكس وجهة نظر صاحبه، أو النظرية التي ينتمي إليها. كما يتداخل مفهوم الثقافة مع مفاهيم أخرى؛ لذا نميز، في البداية، بين مفهوم الثقافة وكلٍ من الحضارة والمدنية، ثم نعرض لأهم التعريفات التي حاولت تحديد مفهوم الثقافة، وصولاً إلى وضع تعريف شامل ومتكامل لها.

أصل كلمة ثقافة Culture مشتق من الفعل اللاتيني Colere وتعني الزراعة. وأصبحت الكلمة تستخدم لتعبر عن زراعة الأفكار والقيم. أما كلمة مدنية Civilization، فتشتق من كلمة Civis اللاتينية، وتعني المواطن في صورة سلوكية معينة. وعلى الرغم من وجود خلط بين المفاهيم الثلاثة (الثقافة والمدنية والحضارة)، إلا أن بعض العلماء المحدثين اجتهدوا في توضيح الفروق بينهم. وبدأت هذه التفرقة بين مصطلحي الحضارة والثقافة في ألمانيا، إذ قال توماس مان: الثقافة هي الروح الحقيقية، بينما الحضارة هي الآلية Machanization. وذهب العالم الألماني ألفرد فيبر Weber إلى أن الحضارة هي المجهود الإنساني للسيطرة على الطبيعة، بينما الثقافة هي مظاهر الحياة الروحية والأخلاقية التي تسود المجتمع. أي أن الثقافة تعبر عن المظهر الروحي للمجتمع، بينما تعبر الحضارة عن مظاهر التقدم التكنولوجي. أما المدنية فهي مجموعة الصفات الرفيعة الفاضلة، التي يستخدمها الإنسان في تصرفاته وعلاقته مع الآخرين؛ فالمدنية تعني التقدم والسير إلى الأمام.

وميّز ألفريد فيبر بين مفهومي الحضارة والمدنية من خلال "المدنية والمجتمع والحضارة". ويعني بـ"المدنية" نمو فروع المعرفة وتقدم سبل السيطرة الفنية على القوة الطبيعية، ذلك التقدم المتماسك الذي يخضع لنظام معين. وينتقل من شعب إلى آخر. أما المجتمع، فهو شعب متمركز في مكان معين، والثقافة هي طريقة هذا المجتمع في الحياة. أما "الحضارة" فلا يمكن أن تفهم إلا إذا دُرِست دراسة تاريخية، توضح تطور أجزائها وعلاقتها الواحدة بالأخرى. وتختلف الثقافة عن الحضارة؛ فلكل مجتمع -بسيطها ومعقدها- ثقافة معينة هي كل نتاج الفكر المجتمعي، ونتاج هذا الفكر ومشتقاته. أما "الحضارة" فهي النواحي العملية والمادية لثقافة الأقوام المتحضرة، الذين عاشوا ومارسوا أساليب الحضر. ومما يوضح الفرق، أيضاً، تميز الثقافة بأنها تراكمية ومكتسبة وتنتقل من جيل إلى جيل؛ أما الحضارة فهي، وإن كانت من أوجه الثقافة، إلا أنها مميزة بوصفها نتاجاً مستقلاً، أي من نوع خاص قد يختص به مجتمع معين في فترة تاريخية، دون أن تنتشر منه إلى مجتمع آخر.

ويضاف إلى هذا أن بعض الآراء ترى أن هناك تعاقباً بين الثقافة والحضارة، ومن دعاة هذا الرأي أزوالد شنجلر في كتابه "تدهور الغرب"، الذي جعل لكل ثقافة حضارة. كما أكد على أن المصطلحين يعبران عن مرحلتين متعاقبتين في كل دورة مجتمعية؛ لأن التاريخ الإنساني عند شبنجلر يسير في دورات ثقافية وحضارية مقفلة، كل منها مستقلة عن الأخرى، وكل دورة من هذه الدورات تبدأ بالثقافة، التي هي ضرورة لبناء أي جماعة ولبناء تنظيمها الفكري والاجتماعي.

إن ما يعزز الآراء السابقة ما قاله عالم الاجتماع بول لانديس Paul Landis، من أن: الثقافة تختلف عن الحضارة التي لها معنى أضيق من الثقافة. فالحضارة تقتصر على تلك الشعوب ذات المستوى الرفيع من التطور الثقافي. والشعوب التي وصلت إلى درجة عالية من التقدم (المتمدنة)، ترى في الحضارة كافة العناصر المادية وغير المادية، التي ابتكرها الإنسان. أما الثقافة فتوجد في كل الشعوب، بسيطها ومعقدها؛ فالشعوب البدائية لها ثقافة والشعوب المتقدمة لها ثقافة. وأن الاختلاف بين المفهومين ليس في النوع؛ ولكن في الدرجة من حيث مستوى التقدم.

يتضح، من التحليل السابق، أن الثقافة تشمل جميع جوانب الحياة المعنوية والمادية، وتوجد في كل المجتمعات، البسيطة والمعقدة، أو المتقدمة والمتخلفة، على حد سواء. أما الحضارة، فتشمل كل المنجزات المادية والعملية فقط، التي أنتجتها المجتمعات أثناء التفاعل بين الإنسان والبيئة الطبيعية. وتُعَد المدنية إحدى درجات الحضارة؛ أي إحدى صورها؛ فهي عنصر جديد متطور من الحضارة.

أولاً: مفهوم الثقافة

من أهم التعريفات التي كان لها مكان الصدارة في تعريف الثقافة، تعريف السير إدوارد تايلور ـ الذي نشر في كتابه الكلاسيكي "الثقافة البدائية" Primitive Culture ـ بوصفها ذلك الكل الديناميكي المعقد الذي يشتمل على المعارف والفنون والمعتقدات والقوانين والأخلاق والتقاليد والفلسفة والأديان والعادات التي اكتسبها الإنسان من مجتمعه بوصفه عضواً فيه. وأكد تعريف تايلور ـ كما يقول جامس ميكي ـ على نقطتين أساسيتين، هما:

النقطة الأولى: يكتسب كل منا الثقافة بوصفه عضواً في مجتمعه.

النقطة الأخرى: الثقافة ليست مادية فحسب، بل هي معنوية. وتتكون من الأشياء المادية والأحداث التي يمكن عدها أو قياسها، ومن الأشياء المادية كاللغة والفنون... إلخ. لذا ذهب جامس ميكي إلى أن الثقافة هي المُركب الشامل من التفاعل الاجتماعي.

ووفقاً لذلك، تحتوي الثقافة على الأفكار والاتجاهات العامة المقبولة والمتوقعة، التي يتعلمها الفرد من اتصاله بالواقع الاجتماعي. لذلك فإنها تلعب دوراً مهماً في إعداده ليكون أكثر فاعلية في محيطه الاجتماعي. كذلك، فإن كل جيل جديد لا يبدأ من فراغ؛ ولكنه يستفيد مِمَن حوله. ويكون كل أعضاء المجتمع مطالبون بأن ينقلوا التراث إلى الأجيال القادمة، وما تعلموه من الماضي، وما أضافوه بأنفسهم إلى هذا الكل الثقافي.

وجدير بالذكر، أن الطرق الثقافية ـ في الأفعال أو التفكير ـ لها اتصال مباشر بحاجات الإنسان البيولوجية والاجتماعية، مثل: حاجته للطعام، والشراب، وحفظ النوع، والصداقة مع الآخرين، والأمن، ويطلق على هذه الحاجات "الالتزامات الأساسية الثقافية". والإنسان لا يعيش بحاجاته البيولوجية فقط، إذ يحاول، أيضاً، أن يجد نفسه في الدين والفن والترفيه، وإلى أن يطور نوعاً من وجهة النظر التأملية والفلسفية عن مكانه في هذا العالم. كل هذا يُعبر عن محتوى الثقافة، التي يعبر عنها الإنسان في كل أفعاله. وسوف يتضح معنى الثقافة لو قارنا البيئة الطبيعية للإنسان، والمتمثلة في العالم الطبيعي الذي من حوله، والبيئة الثقافية، التي يخلقها الإنسان ويمضي أوقاته ككائن إنساني. فالبيئة الطبيعية من أرض وماء وسُحب وأمطار ونبات وحيوان ـ باختصار كل ما في الطبيعة، سواء أكان عضوياً أو غير عضوي ـ لم يوجدها الإنسان؛ بينما تمثل الثقافة التي هي من خلق الإنسان العناصر التي أوجدها الإنسان أثناء محاولته للتكيف وتحقيق التوازن، بينه وبين العالم الطبيعي.

إن الثقافة إنتاج الإنسانية ويمكن دراستها؛ إنها الهيكل الخاص والأنظمة وأشكال السلوك، التي لها صفة الاستمرار والتغير. ومن ناحية أخرى، يمكن النظر إلى الثقافة ـ من وجهة نظر تفاعل الأفراد أو الجماعات ـ على أنها الإنتاج النفسي الذي يُتعلم وينتقل إلى الآخرين، ليس من طريق الوراثة الميكانيكية، بل من طريق التعلم الإنساني.

ثانياً: خصائص الثقافة

في إطار ما سبق يمكن تحديد بعض الخصائص العامة للثقافة بأنها:

1.  تنشأ الثقافة في مجتمع معين، ويظهر هذا جلياً في سلوك أعضاء ذلك المجتمع.

2.  الثقافة قابلة للتناقل، وعملية التناقل تقتصر على الإنسان بوصفه الكائن الوحيد الذي يبدو قادراً، بدرجة كبيرة، على أن ينقل ما اكتسبه من عادات لأقرانه. وتُعد اللغة عاملاً أساسياً في هذا المجال. ولا تتضمن عملية التناقل الإجراءات والمعرفة فقط، بل تشمل، أيضاً، تهذيب الدوافع الغريزية، خلال السنوات الأولى من عمر الإنسان.

3.  تتميز الثقافة بالدوام والاستمرار عبر الزمن، بسبب قدرتها على تخليد نفسها، وعلى البقاء بعد انقراض أي من الشخصيات التي تسهم فيها. ومع أن الثقافة تخرج تماماً عن نطاق التركيب الطبيعي للفرد، إلا أنها تصبح خلال مراحل نموه جزءاً من شخصيته.

4.  الثقافة ميراث اجتماعي؛ فالعادات الخاصة بالنظام الثقافي تنتقل وتستمر عبر الزمن، كما يشارك فيها كل الأفراد الذين يعيشون داخل تجمعات منظمة، أو جماعات تحرص على الامتثال لتلك العادات تحت وطأة الضغوط الاجتماعية.

5.  للثقافة وظيفة التوافق؛ فهي تتوافق مع البيئة الجغرافية للمجتمع ومع الشعوب المحيطة بها، كما تتوافق المطالب النفسية والبيولوجية للكائن البشري.

6.  الثقافة هي ذلك الكل المركب والمعقد، الذي يشتمل على المعرفة والعقائد والفنون والقيم والقانون والعادات، التي يكتسبها الإنسان كعضو في المجتمع. ويشمل ذلك الجانبَين: المادي وغير المادي.

7.  الثقافة تنظيم يشمل مظاهر الانفعال والأفكار والمشاعر، التي يعبر عنها الإنسان عن طريق الرموز بفضل اللغة التي يتعامل بها. وبهذه الصفة الرمزية أصبح من السّهل انتقال الثقافة.

8.  الثقافة مكتسبة؛ فهي المصطلح الاجتماعي للسلوك المكتسب المتعلم. فجوهر الثقافة عند الإنسان هو التعلم تمييزاً لها عن الصفات الموروثة، وتأكيداً لقدرة الإنسان على التعلم.

9.  الثقافة عقلية؛ فهي تتكون من السلوك المكتسب والفكر المكتسب لدى أفراد المجتمع. ويتمثل هذا الفكر في المعاني والمثل والأنظمة والمعتقدات.

10. الثقافة تنظيم يقوم على التفاعل الاجتماعي بين الأفراد، ووظيفتها توجيه سلوك هؤلاء الأفراد.

11. الثقافة مثالية وواقعة؛ فالثقافة المثالية تشتمل على الطرق التي يعتقد الناس أن من الواجب عليهم السلوك وفقها، أو التي قد يرغبون في إنتاجها، أو التي يعتقدون أنه من الواجب عليهم السلوك بمقتضاها. أما الثقافة الواقعة، فإنها تشكل من سلوكهم الفعلي. وفي الثقافات التي تجتاز تغيراً سريعاً، فإن الفاصل بين الثقافة المثالية والثقافة الواقعة آخذ بالتأكيد في الاتساع. وتؤدي هذه الفجوة إلى التخلف الثقافي.

رابعاً: مكونات الثقافة

تتكون الثقافة من مقومات ثلاثة، هي:

·   العموميات: وتشمل جميع الأفكار والمشاعر والنتائجات المشتركة بين جميع الراشدين بأحد المجتمعات. وتتضمن -إلى جانب أشياء أخرى- اللغة والدين وعلاقات القرابة والمعتقدات والقيم الاجتماعية، وهي من أكثر جوانب الثقافة مقاومة للتغيير.

·   الخصوصيات: وهي تلك الظواهر التي لا يشارك فيها سوى أفراد من مجموعات اجتماعية متميزة معينة، مثل: الصناعات والمهن ذات المهارة، كالأطباء والمحامين والمعلمين ورجال الدين. وهي أقل مقاومة للتغيير من العموميات.

·   البديلات: وهي تلك الظواهر التي لا تندرج تحت العموميات أو الخصوصيات، وتتمثل في الاهتمامات والأذواق التي تتغير باستمرار، كالمودات والتقاليع. وتُعَد بديلات الثقافة أكثر جوانبها عرضة للتغيير.

خامساً: التخلف الثقافي

للثقافة وجهان: مادي وغير مادي؛ ففي العائلة يتمثل الجانب المادي في المسكن والأثاث والطعام، كما يتمثل الجانب غير المادي في السلطة الأبوية وأساليب التنشئة وتعدد الزوجات وغيرها. ويكون التغير سريعاً في الجانب المادي خلافاً للجانب غير المادي، وبهذا يحدث التخلف الثقافي بينهما.

وترجع سرعة التغير في الجانب المادي إلى كثرة الاختراعات، بالمقارنة بالجانب غير المادي. فالتطور المتسارع في وسائل الاتصالات، والانفتاح على الثقافات والسماوات المفتوحة، يضع قيم المجتمع في موقع متخلف.

وهناك عدة عوامل تقف في سبيل التغير غير المادي، منها:

·   ميل كل ثقافة إلى المحافظة على القديم.

·   الجهل وعدم معرفة حقيقة التجديد أو الاختراع أو طريقة استخدامه، يؤدي إلى رفضه.

·   النزعة المحافظة عند كبار السن وأصحاب المصالح.

·   أنماط التفكير التقليدي.

·   الاتجاهات المعادية للتغير، كالخوف من الجديد والخوف من المخاطرة.

سادساً: وظيفة الثقافة

تحدد ثقافة أي مجتمع أسلوب الحياة فيه، سواء من ناحية وسائل الإنتاج والتعامل والأنظمة السياسية والاجتماعية، أو من ناحية الأفكار والقيم والعادات والتقاليد وآداب السلوك، وغير ذلك.

وتعبّر عناصر الثقافة في أي مجتمع عن خلاصة التجارب والخبرات، التي عاشها الأفراد في الماضي، مشتملة على ما تعرضوا له من أزمات، وما حددوه من أهداف، وما استخدموه من أساليب، وما تمسكوا به من قيم ومعايير، وما نظموه من علاقات. وبهذا المعنى تُعَد الثقافة أساساً للوجود الإنساني للفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه.

وللثقافة وظائف متعددة للفرد، إذ توفر له:

·   صور السلوك والتفكير والمشاعر، التي ينبغي أن يكون عليها.

·   وسائل إشباع حاجاته العضوية البيولوجية والسيكولوجية الاجتماعية. فهي تعلمه كيف ينقذ نفسه من الجوع والعطش، كما تعلمه السلوك الخلقي في التعامل الاجتماعي.

·   تفسيرات جاهزة لطبيعة الكون وأصل الإنسان، ودوره في هذا الكون.

·   المعاني والمعايير التي يميز في ضوئها بين الأشياء والأحداث؛ فهي التي تحدد له الجميل والقبيح، الأخلاقي وغير الأخلاقي.

·   الاتجاهات والقيم ما يساعده في تكوين ضميره الذي يتواءم به مع جماعته، ويعيش متكيفاً معها.

·   ما يشعره بالانتماء لجماعته، وما يربطه بسائر أفرادها لتميزهم عن سائر الجماعات الأخرى.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:57 pm

بيئة الجماعة Group environment

الجماعات كالأفراد تحيا في بيئات متعددة. يُقصد بالبيئة جميع المؤثرات، التي يتعرض لها الأفراد أو الجماعة، سواء أكانت مؤثرات خارجية أم داخلية. فالفرد يتأثر بالعوامل أو القوى التي يتلقاها من خارجه، مثل الظروف الطبيعية والفيزيقية التي يتعرض لها. كذلك، تتعرض الجماعة وتتأثر بالعوامل الفيزيقية المحيطة بها، مثل المكان من حيث سعته وحجمه وإضاءته وضوضائه وطريقة استخدام الأعضاء للمكان؛ وهذا يشكل "البيئة الفيزيقية للجماعة".

ومن العوامل التي يتأثر بها الفرد من داخله اتجاهاته وآرائه نحو الموضوعات المختلفة، ما يشكل سلوكه وتصرفاته. كذلك، تتأثر الجماعات بما يتصف به أعضاؤها من خصائص وسمات؛ لأن تلك الخصائص تعمل بمثابة منبهات تؤثر في استجابات هؤلاء الأعضاء وفي الخصائص الإجرائية للجماعة؛ وهذا يشكل "البيئة الشخصية للجماعة".

ومن العوامل التي يتأثر بها الفرد طبيعة العلاقات الدائرة بينه وبين أعضاء جماعته؛ كذلك، تتأثر الجماعة بالعلاقات الدائرة بين أفرادها، ما يؤثر في جاذبية تلك الجماعة لأعضائها وفي الانسجام والترابط بينهم؛ وهذا يُشكل "البيئة الاجتماعية للجماعة".

وللعمل تأثيره على الأفراد؛ فسلوك كل فرد يتشكل بناءً على نوع عمله وثقافة زملاء العمل ودرجة رضاء الفرد عن ذلك العمل، وشعوره بالنجاح في أدائه. ويرجع ذلك إلى قيمة العمل في تحقيق أهداف الفرد. كذلك، تتأثر الجماعة ويتشكل سلوكها بالهدف الذي تسعى نحو تحقيقه، وبدرجة صعوبة العمل ونوعه. ويشكل ذلك "بيئة عمل الجماعة".

أولاً: البيئة الفيزيقية للجماعة

تلعب الخصائص المادية المحيطة بالجماعة دورها في تشكيل سلوك الأعضاء؛ فصغر حجم المكان يزيد من حدة الانفعال والتوتر بين أعضاء الجماعة. وتلوث البيئة ـ بكافة أشكاله ـ يزيد من شعور الأعضاء بالإحباط، وعدم الارتياح، ويؤدي إلى خفض الإنتاج. كما يشكّل الارتفاع الشديد للحرارة أو انخفاضها، عاملاً مؤثراً على ارتياح الأعضاء وعلى إنتاجيتهم.

وتشير كل جماعة بأن لها حقاً في ملكية مكان معين، وهذا الشعور لا يتضمن أي حق قانوني. ويتولد عن هذا الشعور عدم الارتياح إذا استُغل المكان أو اعتدي عليه من جماعات أخرى. وخلافاً لذلك، إذا سادت العلاقات الطيبة بين الجماعات المختلفة، واحترمت كل منها مشاعر الجماعة الأخرى المتعلقة بملكية مكان معين، فإن ذلك يؤدي إلى ارتياح الأعضاء، ودعم العلاقات بين الجماعات.

وثمة عامل آخر يرتبط بالبيئة الفيزيقية للجماعة، هو ما يُعرف بالحيز الشخصي. ويُقصد به المنطقة المحيطة بالفرد، التي لا يحب لأحد أن يدخل فيها. ويختلف الحيز الشخصي من ثقافة لأخرى، وتبعاً لنوع الجنس والسّن ونوع العلاقة مع الآخرين (كأصدقاء أو غرباء... إلخ). وللحيز الشخصي تأثيرات مهمة على الجماعة وعلى التفاعل الدائر بين أعضائها. فعندما يقتحم أحد الأعضاء الحيز الشخصي لعضو آخر، تظهر ردود الفعل السلبية.

ويتشكل الاتصال داخل الجماعة بناءً على طريقة جلوس الأعضاء؛ فالجلوس حول مائدة مستديرة يشكل التفاعل بصورة مختلفة، عمّا لو كان الجلوس حول مائدة مستطيلة يجلس على رأسها شخص واحد. ويرجع ذلك إلى أن المائدة المستديرة تسمح برؤية الأعضاء كلُ منهم للآخر أثناء الحديث، وذلك بخلاف المائدة المستطيلة. وكلمّا كان الاتصال لا مركزياً زاد شعور الأعضاء بالرضا، وارتفعت الروح المعنوية لديهم، وزادت كفاءتهم في حل المشكلات الصعبة. وتكون الجماعة أكثر كفاءة عند استخدام شبكة الاتصال المركزية في حل مشكلات أكثر بساطة. كذلك، يتشكل سلوك الفرد بناءً على موقعه داخل شبكة الاتصال بالجماعة. فقد يؤدي موقعه إلى ظهوره كقائد، بناءً على درجة إسهامه في الإنجاز العام للجماعة.

ثانياً: البيئة الشخصية للجماعة

لمّا كانت الجماعة هي فردين، أو أكثر، يتفاعلون مع بعضهم، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر، فإن سمات وخصائص هؤلاء الأفراد تشكل تفاعلهم الاجتماعي. وتكون خصائص وسمات كل عضو بمثابة منبهات توجه الأعضاء الآخرين للاستجابة لها، وتحدد أنماطهم السلوكية في مواقف التفاعل المختلفة.

ويكون تأثير هذه السِّمات غير قاصر فقط على نوعية السمة في ذاتها، بل ويشمل، أيضاً، رأي الفرد ـ وكذلك الآخرين ـ واتجاهاتهم نحو تلك السمة. فقد يكون المرح مفيداً في تخفيف توترات الجماعة؛ ولكن ترى الجماعة أنه مضيعة للوقت وتشتيت للانتباه.

وقد بيّنت الدراسات أنه كلمّا ازداد حجم الجماعة، زاد نصيبها من القدرات والخبرات والمهارات؛ ولكن تقل مشاركة الأعضاء في أنشطة الجماعة وفي عدد الرسائل المتبادلة بين الأفراد. كما تتزايد مجاراة الأقلية للأغلبية (لممارسة الجماعة عليهم ضغوطاً من أجل الانصياع)، ويكون تقييم الأعضاء للجماعة أقل إيجابية من تقييم أعضاء الجماعة الصغيرة لجماعتهم.

ويلعب النوع دوره في البيئة الشخصية للجماعة؛ فوجود الجنسين معاً في جماعة واحدة يشكل التفاعل الاجتماعي بصورة مختلفة عن وجود جنس واحد. كما تبين أن النساء يكن أقل تأكيداً لذواتهن، وأقل تنافسية من الرجال، وأعلى مجاراة لرأي الأغلبية من الذكور.

أما عن العمر، فتتزايد المشاركة مع زيادة العمر ويصبح التفاعل الاجتماعي أكثر تميزاً وتعقيداً. كما يزيد سلوك المجاراة مع التقدم في العمر حتى سن 12 سنة، ثم يأخذ في التناقص.

ويزداد احتمال ظهور القائد مع زيادة حجم الجماعة إذا كان العضو أكبر سناً من سائر الأعضاء، وأعلى ذكاءً، وأكثر مشاركة ونشاط وإيجابية ـ من الأقل ذكاءً ـ ما يوفر له الشعبية داخل الجماعة. وكذلك إذا كان لديه مهارات ترتبط بتحقيق أهداف الجماعة، وتميز بالمسؤولية والاعتمادية (أي الاعتماد عليه) وبالقوة البدنية. وكان معدل مشاركته (من حيث الكم والمحتوى) عالياً.

ويتوقف تأثير السّمات السّابقة (وغيرها مما بينته الدراسات) على طبيعة الجماعة. فإذا كانت الجماعة تحيا في ظل بيئة مواتية، أو غير مواتية بدرجة ضئيلة، فإن القائد سيظهر، ويكون اهتمامه موجهاً نحو أداء المهام وتنفيذها. أما إذا كانت الجماعة تحيا في ظل بيئة متوسطة من حيث درجة ملاءمة البيئة لها، فإن القائد سيظهر ويكون توجهه نحو الجانب الانفعالي داخل الجماعة.

وقد بينت الدراسات أن سلوك عضو الجماعة المتوافق يكون أكثر فاعلية، بينما يكون سلوك عضو الجماعة القلق أو غير التقليدي، كافاً للسلوك الفعّال للجماعة.

ثالثاً: البيئة الاجتماعية للجماعة

يُقصد بالبيئة الاجتماعية للجماعة محددات العلاقات الاجتماعية داخل الجماعة. ويمكن تصنيف تلك المحددات في فئتين، يُطلق على الأولى: "تكوين الجماعة"، وعلى الثانية: "بنية الجماعة".

ويُقصد بتكوين الجماعة العلاقة بين خصائص شخصيات الأعضاء، وأثار هذه العلاقات على أداء الجماعة لوظائفها. ويُقصد ببنية الجماعة نمط العلاقات بين الأجزاء المتمايزة في الجماعة.

وعن تكوين الجماعة، بينت الدرّاسات:

1.  تفاوت مشاركة الأفراد في إنتاجية الجماعة، بناءً على الآخرين الموجودين بها؛ فالعدواني في جماعة لا يكون كذلك في جماعة من الغرباء العدوانيين.

2.  أما عن تماسك الجماعة، فقد وجد أنه كلما زاد تماسك الجماعة، زاد شعور الأعضاء بالرضا، وزاد معدل التواصل بينهم، وزادت إيجابية التفاعل الدائر بينهم، وزادت فعالية الجماعة في تحقيق أهدافها. كما تزداد قدرة الجماعة على الاحتفاظ بأعضائها وعلى التأثير فيهم، كما يزداد ولاء الأعضاء للجماعة وشعورهم بالأمان.

3.  كلما زاد تجانس وتقارب سمات الأعضاء الشخصية، زاد التآلف بين أعضاء الجماعة وزادت فعاليتها.

4.  كلما زاد توافق أعضاء الجماعة مع بعضهم، زاد رضاهم ونقص قلتهم، وزادت فعالية الجماعة.

أما عن بنية الجماعة، فلقد بينت الدراسات:

1.  حاجة الجماعات إلى إيجاد نوع من التنظيم أو البنية لكي تحقق أهدافها، ومما ييسر ذلك شعور الأعضاء أنفسهم بحاجتهم لذلك التنظيم أو تلك البنية. وتتأثر بنية الجماعات بالحاجات الخاصة لأعضائها، وبالبيئة الفيزيقية والمادية التي تعيش فيها الجماعة.

2.  يكون الأفراد ذووا النفوذ المرتفع محبوبون بدرجة كبيرة من أعضاء جماعتهم، كما يكونون أكثر احتراماً. ويكون هؤلاء الأفراد أكثر تأثيراً في الجماعة، لأنهم يميلون لاستخدام نفوذهم في التأثير على الآخرين؛ ونظراً لأنهم يتمتعون بحب أعضاء جماعتهم واحترامهم، لذا يكونون أكثر انجذاباً نحو الجماعة.

3.  وللمركز الذي يشغله الفرد تأثيره في بنية الجماعة؛ فذو المركز المرتفع يصدر ويتلقى اتصالات أكثر مما يتلقى الشخص الأقل مركزاً. وإذا انحرف ذو المركز المرتفع عن أعراف الجماعة، فإنه لا يعاقب إذا أسهم انحرافه في تحقيق أهداف الجماعة.

4.   للمجاراة أهميتها في إيجاد النظام داخل الجماعة، وفي تآزر سلوك الفرد وتماسكه. ويختلف الأفراد من حيث نزعتهم لمجاراة معايير الجماعة، فتزداد المجاراة كلما كان الموقف المثير غامضاً للأعضاء. وكلما زاد عدد الأغلبية، وزاد اتفاق أعضاء الجماعة. وتحدث المجاراة بدرجة كبيرة في شبكات الاتصال غير المركزية، بأكثر مما تحدث في الجماعات ذات الشبكات المركزية. ويؤدي الانحراف المستمر عن معايير الجماعة إلى رفض الجماعة للمنحرف، والضغط عليه من أجل الانصياع والمسايرة.

5.   أما عن القيادة ودورها في بنية الجماعة، فقد تبين تمتع القادة الفعّالون بقدرات خاصة بالتوجه نحو العمل، وبميول اجتماعية ودافعية لأن يصبحوا قادة. ويكون توجه القائد نحو العمل بشكل أكبر حين يكون عمل الجماعة: إما ملائماً جداً له، أو غير ملائم جداً له. ويكون توجه القائد نحو العلاقات بشكل أكبر حين يكون عمل الجماعة متوسط الملاءمة له، أو غير ملائم له.

6.   يمارس الأعضاء داخل الجماعة أدواراً متعددة، منها ما يرتبط بإنجاز الأعمال وتحقيق أهداف الجماعة، ومنها ما يرتبط بالجانب الوجداني للجماعة. فالشخص الذي يزود الجماعة بالمعلومات، ويساعد في تحديد الأهداف، ويلخص الاجتماعات، يمارس مهاماً مرتبطة بإنجاز أعمال الجماعة وتحقيق أهدافها. أما الشخص الذي يحاول استثارة الجماعة وتحفيزها وحل صراعاتها والتخفيف من توتراتها، فإنه يمارس مهاماً مرتبطة بالجانب الوجداني للجماعة، أو بتيسير العلاقات بين أعضاها، ما يساعد على بقاء الجماعة واستمرارها في أدائها.

وثمة مجموعة ثالثة من الأدوار تُسمى "الأدوار الفردية"، التي يسعى الأعضاء من خلالها إلى إشباع حاجات شخصية لدى كل منهم. ومن هذه الأدوار ما يسهم في إنجاز مهام الجماعة، مثل الباحث عن المعارف والمعلومات، أو الذي يتطوع بإبداء الرأي، أو الذي يسهم في توجيه الأعضاء، أو المقوّم. ومن هذه الأدوار ما يسهم في دعم العلاقات بين الأعضاء وييسر الجو الانفعالي داخل الجماعة، مثل: المشجع، أو المنسق، أو المعلق على الآراء للتوفيق بينها. ومن هذه الأدوار ما يخرّب عمل الجماعة، مثل: العدواني، والمعوق، والباحث عن التقدير الذاتي، والمتسلط.

هذه الأدوار قد تتداخل أو تتصارع مع بعضها، بل وقد يقوم الفرد بأكثر من دور ما يعرضه لصراع الدور. ويُحل صراع الأدوار، عادة، في صالح الجماعة حتى تحافظ على بقائها واستمرارها. ويحدث ذلك كلما زاد نضج الجماعة ونموها.

رابعاً: بيئة عمل الجماعة

يُقصد ببيئة العمل مجموعة المؤثرات التي تُشكل سلوك أعضاء الجماعة، المرتبط بإنجاز الأعمال والمهام المطلوبة. ويُقصد بالعمل الأداءات التي يجب أن تقوم بها الجماعة لتحقيق أهدافها، سواء أكانت هذه الأداءات مرتبطة بالمدخلات اللازمة لأداء المهام، أو بالأنشطة التي تمارسها الجماعة للوصول إلى المخرجات، أو بتحقيق الأهداف التي تسعى الجماعة للوصول إليها.

يضع الأفراد أهدافاً لجماعتهم تؤثر في سلوكهم، على نحو يتشابه مع تأثير أهدافهم الشخصية. وتزداد فعالية الجماعة كلما كانت الأهداف المختارة، أو الموضوعة، متجانسة. وحال أن تضع الجماعة أهدافها، يعايش الأعضاء التوتر الخاص بالمهمة، وهو توتر يزول عند اكتمال تحقيق الهدف.

ولوضوح الأهداف التي تسعى الجماعة نحو تحقيقها، دور في سلوك الأعضاء. فقد بينت الدراسات ارتباط وضوح الهدف وطرق تحقيقه، ارتباطاً إيجابياً بدافعية الأعضاء وكفاءتهم.

بعد أن تضع الجماعة أهدافها، تبدأ في دراسة متطلبات أداء المهام وتنفيذها. وقد بينت الدراسات أنه كلما زادت متطلبات تنفيذ المهام، تناقص نوع أداء الجماعة. وكلما تباينت أنماط المهام، تباينت أنواع قدرات القيادة المطلوبة وتنوع نشاط القادة. وتكون خصائص نواتج الجماعة دالة لنوع المهمة.

ولصعوبة العمل أثرها في تشكيل بيئة العمل وسلوك الأعضاء؛ فكلما زادت صعوبة العمل، تناقص نوع أداء الجماعة، وزادت ممارسة أعضاء الجماعة للقيادة بشكل متكرر.

أما عن اختيار الجماعة للمهمام، فقد بينت الدراسات أن نجاح الجماعة في أداء مهمة ما، يليه اختيارها لمهام أكثر صعوبة، وأن الفشل يليه اختيارها لمهام أكثر سهولة، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى تباين خصائص نواتج الجماعة. وأن الأعضاء يختارون مهاماً صعبة نسبياً، إذا عرفوا أن أداءهم السابق أسوأ من متوسط أداء جماعات تشبه جماعتهم؛ بينما يختارون مهاماً أقل صعوبة نسبياً، إذا عرفوا أن أداءهم السابق أفضل من متوسط أداء جماعات تشبه جماعتهم.

ومما يساعد في أداء الجماعة للمهام الصعبة، أن يتمكن أعضاؤها من التعبير بحرية عن مشاعر الرضا مع تقدم الجماعة نحو تحقيق أهدافها. وكلما زادت رغبة أعضاء الجماعة في نجاحها، زاد تفضيلهم للمهام التي يتصورون أنها متوسطة الصعوبة.

تعقيب

يتضح من هذا العرض أن الجماعة تعيش في عديد من البيئات، وأن هذه البيئات لا تكون منعزلة عن بعضها، بل متفاعلة تفاعلاً ديناميكياً مستمراً، من شأنه أن يجعل الجماعة وحدة واحدة كلية الوجود Ubiquitous، وليست مجموعة من الأفراد فقط.

ويؤدي تفاعل هذه البيئات إلى توظيف الإمكانات والقوى المتاحة لها (مثل قوة المعايير والقيادة والأدوار والمراكز وغيرها)، لتحقيق ما يصبو إليه أفرادها، وما تسعى الجماعة إلى تحقيقه من أهداف. وليس معنى هذا أن الجماعة تحقق دائماً نتائج طيبة، بل هي قد تحقق نتائج سيئة، في بعض الأحيان (مثلما يحدث عند غموض الأهداف وتصارع الأدوار أو زيادة فشل الجماعة... إلخ).

ويسهم تفاعل هذه البيئات في تكوين هوية خاصة بالجماعة، إذ تصبح حقيقة واقعية حية ملموسة، شأنها شأن أفرادها الواقعيين الحقيقيين. وتصبح هذه الهوية جزءاًً من مفهوم الذات لدى الفرد، يُشتق من معرفته ووعيه بعضويته في الجماعة، ويكسبه المعاني القيمية والوجدانية المتعلقة بهذه العضوية. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى توحد الفرد مع جماعته.

ويؤدي تفاعل هذه البيئات إلى خلق ثقافة خاصة بالجماعة تميزها عن غيرها من الجماعات، وتزود أعضاءها بإطار مرجعي به من المؤشرات ما يساعده على اختيار الاستجابات المناسبة للمواقف، والتي تتفق مع جماعته. فعندما يدخل السجين إلى السجن –مثلاً- فإنه يشعر بنوع من الضياع نتيجة لعزله عن المجتمع ورفض المجتمع له، كما يشعر بالحيرة والشك وافتقاد الذاتية. غير أن هذه الحالة لا تدوم طويلاً؛ إذ إن هناك أعداداً في "جماعته" الجديدة يشعرون بالمشاعر نفسها ويخبرون الموقف نفسه. وسرعان ما يبدأ السجين أنواعاً من النضال والتفاعل بغية التخلص من هذه المشاعر، وسرعان ما تتفق الجماعة على نوع من المعتقدات والاتجاهات والمعايير (أي الثقافة) التي تحدد أساليب تفاعلهم، كما يضعون لأنفسهم قواعد تحدد علاقاتهم، بل ويتفقون على أدوار معينة يؤدونها.

وتحدد هذه البيئات وتفاعلها بعض الموجِّهات الإرشادية، التي يمكن أن تزيد من فعالية الجماعة وإنتاجيتها، مثل: مراعاة الإضاءة والحرارة والضوضاء والتهوية والحيز الشخصي للأعضاء، أو مراعاة الخصائص الشخصية للأعضاء وتوظيفها بالصورة المناسبة، أو وعي القائد بالأدوار التي تمارس داخل الجماعة وحرصه على السيطرة على الأدوار الهدامة، أو مراعاة صعوبة العمل بالقياس إلى الإنتاجية السابقة للجماعة.

ويؤدي تفاعل هذه البيئات إلى زيادة تمايز البُنى الاجتماعية المختلفة داخل الجماعة، مثل البنية السوسيومترية (الخاصة بالعلاقات الاجتماعية بين الأعضاء)، والبنية الخاصة بالمراكز أو القيادة أو الاتصال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:58 pm

المسايرة (الامتثال) الاجتماعية Social Conformity

تُعرّف "المسايرة" أو "الامتثال" بأنها الالتزام بالمعايير السائدة في الجماعة أو المجتمع. ولا يمتثل الناس دائماً للمعايير الاجتماعية لأنهم يقبلون بالقيم الكامنة ورائها. فهم قد يتصرفون، أحياناً، بما يتوافق والطرائق المقبولة؛ لأنه قد يكون من المفيد أن يسلكوا على هذا النحو، أو بسبب العقوبات أو الجزاءات، التي قد تنجم عن خرق القواعد.

إن الامتثال الاجتماعي هو سلوك يعكس مسايرة الفرد للقواعد والمعايير الاجتماعية، ويُعُبّر عنه باستجابات تكون مشابهة لسلوك الآخرين، أو باستجابات تحدد وفقاً لعادات الجماعة ومعاييرها. وقد يُعرّف الامتثال أو المسايرة بأنه العمل على تدعيم مجموعة مستويات سلوكية من جانب الجماعة؛ وحينما نلاحظ أن جماعة معينة من الأفراد يستجيبون بصورة متكررة ومتميزة نحو موقف مثير، فإن المتوقع أن يكون لهؤلاء الأفراد اتجاه اجتماعي ثابت نحو هذا الموقف. ويمكن أن يُطلق على هذه الاستجابة المتميزة، في بعض الأحيان، "سلوك ممتثل".

إذا كان الامتثال هو مسايرة المعايير والتوقعات الشائعة في الجماعة، التي يُعَد الفرد عضواً فيها؛ فإن الامتثال لمعايير جماعة خارجية يُشار إليه –عادة- بعدم الامتثال، لمعايير الجماعة الداخلية.

وقد أوضح روبرت ميرتون اعتماد المسايرة، بالدرجة الأولى، على تكيف الفرد مع وسائل الضبط والتنظيم، التي يفرضها المجتمع لتحقيق أهدافه وغاياته المطلوبة، أو المرغوبة اجتماعياً. وهذا النموذج هو أكثر النماذج شيوعاً في المجتمعات الإنسانية، وهو النموذج الذي يختاره غالبية الأفراد؛ لذا، فهو الأكثر انتشاراً؛ لأنه يحافظ على المجتمع وعلى تنظيمه. وتتوقع معظم المجتمعات تنفيذ هذا النموذج، وتسعى إلى أن يتقيد الأفراد به من خلال تحديدها للقواعد التي يشملها التنظيم. وهذا من شأنه إحداث التوافق والتجانس الاجتماعي داخل المجتمع.

تمثل المعايير Norms السائدة في المجتمع وأساليب الضبط الاجتماعي، القوى التي بها يمتثل الأفراد لنظم المجتمع الذي يعيشون فيه. وتختلف وسائل الضبط تبعاً لاختلاف المجتمعات؛ بل وفي المجتمع الواحد باختلاف الزمان والمكان. ويُعَد القانون أكثر أدوات الضبط تجريداً ووضوحاً؛ بل أوضح وأدق وسيلة، وأكثرها قوة وإلزاماً. وتتوقف فاعلية أساليب الضبط ـ متمثلة في مدى ممارسة الضغط على الأفراد لكي يمتثلوا لقيم المجتمع التي ينتمون إليها ـ على الجماعة ذاتها، ذلك أن طبيعة الجماعة هي التي تحدد وسائل الضبط.

وهناك حدود للتسامح مع غير الممتثل تعتمد على عناصر ثلاثة، هي:

أ. طبيعة الموقف الاجتماعي.

ب. مكانة الفرد وسمعته.

ج. نمط السلوك المتضمن.

يحدث تغير في درجة التسامح في مواقف الأزمات والكوارث. ويكون الانحراف عن المعايير السائدة مُتسامحاً فيه بدرجة كبيرة في المجتمعات الكبيرة والمفككة، عنه في المجتمعات الصغيرة والمتماسكة. كما أن أعضاء الجماعة، الذين يتميزون بسمعة عالية، ينالون القدر الأكبر من الحرية.

إن لكل المجتمعات قواعدها ومعاييرها، التي تحدد السلوك المتوقع وغير المتوقع من أفرادها. ويمتثل هؤلاء الأفراد أو ينحرفون، تبعاً لما يقترفون من سلوك يتفق أو يختلف، مع تلك المعايير. ومن الصعب تخيل مجتمع بلا معايير، إذ  من دونها لا يمكن التنبؤ بسلوك أفراده.

وهناك مجموعة من الأسباب التي تفسر عدم تقبل الأفراد للمعايير، أهمها:

·   قد تُعَد بعض المعايير أقل أهمية من غيرها.

·   قد تتصارع المعايير كلُ مع الأخرى، ولا يستطيع الفرد الامتثال لإحداها.

·   قد ينصرف بعض الأفراد عنها؛ لأنهم لا يعرفون قوتها.

·   قد لا تكون بعض المعايير معروفة لدى بعض الأفراد في المجتمع.

أنواع المُسايرة

للمسايرة أنواع مختلفة؛ فقد تكون مسايرة معيارية، أي: الامتثال للمعايير السائدة في الجماعة، أو مسايرة معلوماتية، أي: التقبل غير النقدي للمعلومات التي تقدم للفرد في مواقف معينة.

إن أكثر أنواع المسايرة شيوعاً هما: "المسايرة الاجتماعية" و"المسايرة الفردية". ويُقصد "بالمسايرة الاجتماعية" تغيير اتجاهات الجماعة، حتى تساير المعايير السائدة والجديدة. وقد بيّنت الدراسات اختلاف المسايرة الاجتماعية من مجتمع لآخر، ومن ثقافة لأخرى. ويرجع ذلك إلى الفروق الاجتماعية والسياسية والجغرافية والأسرية والتربوية في كل مجتمع. فالمجتمعات الرعوية الجليدية، وصائدو الأسماك، وسكان الجبال، تلعب ظروفهم الصعبة دوراً مهماً في اهتمام هذه البيئات بتنمية السلوك الاستقلالي لدى الأفراد؛ بينما يتجه سكان المناطق الريفية الزراعية، والقبائل سكان المناطق الحارة، إلى التمسك بقيمها وعاداتها وتقاليدها وضرورة مسايرة الأفراد لها.

أما "المسايرة الفردية"، فهي تأثر الفرد في أحكامه بوجود الآخرين، بحيث يجعل اتجاهه موافقاً مع ما تذهب إليه غالبية الجماعة. وتوجد عوامل متعددة تؤدي إلى المسايرة الفردية:

·   كلما كانت جاذبية الجماعة للفرد عالية (بناءً على أهدافها أو ما تحققه له من فوائد ومزايا)، أدى هذا إلى مسايرته لمعاييرها.

·   لا يُساير الفرد الجماعة التي يتمتع بعضويتها لفترة قصيرة؛ بل يساير جماعته المرجعية، التي يتوحد بها وتحدد سلوكه واتجاهاته وآراءه ومعتقداته.

·   تتأثر المسايرة الفردية بدرجة اعتماد الفرد على الآخرين، خاصة عندما يكون الآخرون أكثر خبرة وأعلى مكانة منه.

·   يُعَد غموض الموقف أساساً مهماً لمسايرة الفرد؛ لأنه مع زيادة غموض الموقف يزداد اعتماد الفرد على أعضاء الجماعة وعلى ما لديهم من معلومات، ومسايرتهم فيما يذهبون إليه من أحكام، بوصف الجماعة هي المرجع الذي يعتمد عليه لمواجهة مثل هذا الموقف الغامض. ونظراً لصعوبة الموقف وغموضه، وما يمثله من تهديد للفرد تقل معه ثقته في ذاته، فإن ذلك يدفعه إلى الاعتماد على الآخرين.

·   لذكاء الفرد أثره في المسايرة الفردية. فقد تبين أنه كلما زاد ذكاء الفرد كانت مسايرته التلقائية أضعف وأقل، وذلك لقدرته على الفحص والتمحيص والدراسة المتعمقة والمتأنية للمواقف والمعايير.

·   تتوقف المسايرة الفردية على مدى إدراك الفرد لمعايير الجماعة، ذلك أن الأفراد لا يدركون معايير الجماعة بالدرجة نفسها؛ بل إن بعض الأفراد يكون إدراكهم لمعايير الجماعة وفقاً لظنهم، وليس لما هو معلن ومعروف. ومما يسهم في تفاوت إدراك الأفراد لمعايير الجماعة غموض تلك المعايير ذاتها.

·   عند المقارنة بين المسايرين والمستقلين، وُجد أن المسايرين أكثر شعوراً بالمسؤولية، وأعلى في الاتزان الوجداني، وفي سمة الاجتماعية، وأكثر ثقة في الآخرين، وأعلى تسامحاً وصبراً، وأسرع في اتخاذ القرار، وأكثر اندفاعاً وحيوية من المستقلين.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:59 pm

الطبقة الاجتماعية Social Class

على الرغم من أن مصطلح الطبقة يُعَد واحداً من أكثر المصطلحات شيوعاً في علم الاجتماع، إلاّ أنه لا يوجد اتفاق واضح حول تعريفه. فعلماء الاجتماع يستخدمون المصطلح للإشارة إلى الاختلافات الاجتماعية الاقتصادية، بين الجماعات والأفراد التي تخلق صوراً للتفاوت بينهم في الرفاهية المادية والقوة. وتُعد الطبقة بمفهومها العلمي إحدى نتاجات الفكر الماركسي. وعلى الرغم من أن وجهة نظر ماركس في موضوع الطبقة جاءت مبعثرة في مؤلفاته، إلا أنه حددها بأنها: تَجَمّع من الأشخاص يُنجز عملاً واحداً في إطار عملية إنتاجية واحدة، وتختلف باختلاف وضعها الاقتصادي وموقعها من عملية الإنتاج. وتتحدد الطبقة في ضوء مهامها في عمليات الإنتاج، ومن ثَم، يرتبط وجود الطبقات بمراحل تاريخية معينة من تطور الإنتاج.

ووفقاً لتصور ماركس، فإن المتغير الأساسي لنشوء الطبقة هو المِلْكية، أما المتغير الوسيط فهو تقسيم العمل. إضافة إلى ذلك رأى ماركس أن الطبقة لا يتم تشكلها بصورة نهائية إلاّ بوجود الوعي الذاتي بها، والذي لا يمكن أن يوجد إلا من طريق الأيديولوجية الطبقية. لكن الجدير بالملاحظة أنه لم يولِ اهتماماً كبيراً بوضع تحديد دقيق للطبقات، وإنما عُد الأهم من ذلك هو توضيح حقيقة الانقسام الطبقي في المجتمعات الإنسانية، بوجه عام، وفي المجتمع الرأسمالي، بوجه خاص.

أولى لينين قضية الطبقات الاجتماعية اهتماماً كبيراً، فذهب إلى أنها مجموعات كبيرة من الناس تختلف عن بعضها في المركز الذي تشغله في نظام تاريخي محدد للإنتاج الاجتماعي، وفي علاقاتهم مع وسائل الإنتاج، وفي دورهم في التنظيم الاجتماعي للعمل؛ ومن ثَم، في القدر والطريقة التي تستحوذ بها على نصيبها من الثروة الاجتماعية، التي تقع تحت تصرفها. فالطبقات، إذاً، هي مجموعات من الناس تستطيع إحداها أن تستحوذ على الأخرى نتيجة اختلاف المراكز، التي تحتلها في نظام محدد للإنتاج الاجتماعي. وهذا يوضح أن ما طرحه لينين لمفهوم الطبقة يُعد تأكيداً لما توصل إليه ماركس، من ارتباط الطبقة بالنمط التاريخي للإنتاج وبعملية تقسيم العمل الاجتماعي. كما أن لينين فسر الطبقة كما تصورها ماركس، مؤكداً على فكرة استغلال طبقة لأخرى. وفي هذا يُلاحظ أن أي تعريف للطبقة الاجتماعية يستلزم التمييز بين القوى الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية، من ناحية، وبين الفوارق الاجتماعية التي تعتمد على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، من ناحية أخرى.

يرى داهرندوف Dahrendof أن الغموض الذي يحدث بين علماء الاجتماع، فيما يتعلق بدراسة الطبقة، يرجع إلى الخلط بين مفهومي: الطبقة Class، والشريحة Stratum؛ ويعني بالشريحة الاجتماعية فئة من الناس تشغل وضعاً متشابهاً في هرم الترتيب الطبقي، الذي يتميز بخصائص وسمات موقفية، مثل الدخل والمنزِلة Prestige وأسلوب الحياة. كما يرى أن الشريحة فئة وصفية، في حين أن الطبقة فئة تحليلية تُعبّر عن تجمعات تظهر بفعل ظروف بنائية خاصة. وأياً كانت التفرقة التي يضعها داهرندوف بين الطبقة والشريحة الاجتماعية؛ فإنه يضيف إلى التعريف الماركسي بُعدين، هما: المنزِلة الاجتماعية وأسلوب الحياة، اللذين تختلف على أساسهما الطبقات بعضها عن بعض، إضافة إلى أن تجمع كل طبقة يكون على أساس المصلحة المشتركة.

على هذا، فإن تعريف الطبقة من وجهة النظر الماركسية يقوم على:

1. وجود جماعة من الناس تتشابه من حيث الموقع الذي تشغله، في نسق الإنتاج الاقتصادي والاجتماعي.

2. التشابه في الدخل والمنزلة الاجتماعية وأسلوب الحياة.

3. التشابه من حيث نصيب الطبقة في ملكية وسائل الإنتاج.

ولكن ماكس فيبر أوضح تعدد أبعاد تحديد الطبقة الاجتماعية، وعدم قصورها على البعد الاقتصادي وحده. فقد أضاف إلى التعريف الماركسي للطبقة ـ والذي يعتمد على التشابه في الوضع الاقتصادي ـ بعدين آخرين، هما: المكانة Status والقوة Power. ويرى أن كلاً من الطبقة والمكانة والقوة يتداخل مع الآخر. ويُعرّف الطبقة بأنها "أية جماعة من الأشخاص يشغلون المكانة الطبقية" نفسها وفي هذا يميز بين الطبقة المالكة، التي تتحدد مكانة الأعضاء فيها على أساس التمايز في توزيع الملكية، وبين الطبقة المُكتَسَبة، التي يتحدد وضعها الطبقي من طريق مدى استغلالها للفرص المتاحة، وعلى أساس مجموعة المكانات الطبقية لأفرادها.

يتبين من التحليل السابق، أن النظرية التكاملية للطبقات ترتكز على تصور مفهوم المكانة الذي وضعه ماكس فيبر. كما تقوم هذه النظرية على تعدد أبعاد التدرج الطبقي، وعلى التساند المتبادل بين مكونات الطبقة. وانطلاقاً من تصورات النظرية التكاملية يتحدد مفهوم الطبقة في ضوء خصائصها؛ فهي مفتوحة من الناحية القانونية؛ ولكنها شبه مغلقة واقعياُ، وهي متعددة الأبعاد من حيث أنها تتحدد في ضوء متغيرات الدخل والمهنة والتعليم والمنزلة الاجتماعية وأسلوب الحياة والقرابة ومحل الإقامة.

ولمصطلح الطبقة استخدامان أساسيان في علم الاجتماع، يشتركان في النظرة إلى الطبقات بوصفها تجمعات اقتصادية ذات ترتيب هرمي في نسق معين؛ بمعنى أن الطبقات ليست كيانات منفردة وإنما تتحدد بعلاقة كل منها بالأخرى:

الاستخدام الأول: الطبقات بوصفها تكوينات تلعب دوراً فعلياً فيما يحدث من تطورات في المجتمع والتاريخ، والتي يتفاوت الوعي بوجودها من جانب الأفراد أو العائلات، التي تؤلف هذه الطبقات.

الاستخدام الثاني: الطبقات بوصفها فئات Categories، والتي يميز بينها علماء الاجتماع على أساس المعايير الاقتصادية، مثل الدخل والمهنة وغيرها.

وبناءً على ما سبق، يمكن تعريف الطبقة الاجتماعية بوصفها "مجموعة من الناس تتشابه قيمهم الاجتماعية من خلال المكانة الاجتماعية، التي يشغلونها في نسق التدرج الطبقي، ويتحدد وضعهم الطبقي في ضوء متغيرات الدخل والقوة والمهنة وأسلوب الحياة والوعي الاجتماعي وتقييم أعضاء المجتمع لهم".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 2:59 pm

مفهوم الأيديولوجيا Ideology

يُعد دي تراسي De Tracy أول من صك هذا المصطلح في عصر التنوير الفرنسي، في كتابه "عناصر الأيديولوجية". ويعني تراسي بالأيديولوجية علم الأفكار، أو العلم الذي يدرس مدى صحة أو خطأ الأفكار التي يحملها الناس. هذه الأفكار التي تُبنى منها النظريات والفرضيات، التي تتلاءم مع العمليات العقلية لأعضاء المجتمع. وقد انتشر استعمال هذا الاصطلاح بحيث أصبح لا يعني علم الأفكار فحسب، بل النظام الفكري والعاطفي الشامل الذي يُعبّر عن مواقف الأفراد من العالم والمجتمع والإنسان. وقد طُبق هذا الاصطلاح بصورة خاصة على المواقف السياسية، التي هي أساس العمل السياسي وأساس تنفيذه وشرعيته. والأيديولوجية السياسية هي الأيديولوجيا التي يلتزم بها ويتقيد بها رجال السياسة والمفكرون إلى درجة كبيرة، بحيث تؤثر على حديثهم وسلوكهم السياسي، وتحدد إطار علاقاتهم السياسية بالفئات الاجتماعية المختلفة.

والأيديولوجيا السياسية التي تؤمن بها الفئات الاجتماعية المختلفة في المجتمع، قد تتضارب مع بعضها، أو تتسم بالأسلوب الإصلاحي أو الثوري، الذي يهدف إلى تغيير واقع المجتمع وظروفه؛ ولكن جميع الأيديولوجيات تكون متشابهة في شيء واحد، وهو أسلوبها العاطفي وطبيعتها المحركة لعقول الجماهير. ومن ثَم، تعبّر الأيديولوجيا، بصورة عامة، عن أفكار يعجز العلم الموضوعي عن برهان حقيقتها وشرعيتها، لكن قوة هذه الأفكار تظهر من خلال نغمتها العاطفية وأسلوبها المحرك للجماهير، والذي يتناسب مع الحدث الاجتماعي الذي يمكن القيام به. أما المفهوم الماركسي للأيديولوجيا، فيُعبّر عن شكل وطبيعة الأفكار التي تعكس مصالح الطبقة الحاكمة، التي تتناقض مع طموحات وأهداف الطبقة المحكومة، خصوصاً في المجتمع الرأسمالي.

ويحدد كارل مانهايم Mannheim في كتابه "الأيديولوجيا واليوتوبيا" مفهوم الأيديولوجيا، من خلال مستويين: المستوى الأول هو المستوى التقويمي، أما المستوى الثاني فهو المستوى الدينامي. ويتعامل المستوى التقويمي مع الأيديولوجيا على أساس أنها تتضمن أحكاماً تُعني بواقع الأفكار، وبناءات الوعي. أما المستوى الدينامي، فيتناول الأيديولوجيا من خلال سمتها الدينامية، على أساس أن هذه الأحكام دائماً ما تُقاس من طريق الواقع، ذلك الواقع الذي يحيا في ظل تدفق ثابت أو جريان دائم. ويشير مانهايم إلى ما أسماه بالتشوه الأيديولوجي والوعي الزائف، أي التفسير غير الصادق الذي يضعه شخص ما. وهذا ما أكد عليه ديفيد هوكس من أن كلمة "أيديولوجيا" تشير أحياناً إلى طريقة خاطئة في التفكير على نحو نسقي، ووعي زائف.

وفرّق مانهايم بين نمطين من الأيديولوجيا، هما:

الأيديولوجيا الخاصة التي تتعلق بمفهوم الأفراد وتبريراتهم للمواقف التي تهدد مصالحهم الخاصة؛ والأيديولوجيا الكلية التي تتعلق بالتفكير السائد داخل الطبقة أو الحقبة التاريخية، كما هو الحال لنمط التفكير السائد لدى البرجوازية أو البروليتاريا (الطبقة العاملة). وفي ضوء ذلك عرّف الأيديولوجيا بوصفها مجموعة قيم أساسية ونماذج للمعرفة والإدراك، ترتبط ببعضها وتنشأ صلات بينها وبين القوى الاجتماعية والاقتصادية. فإذا أخذنا بتصور مانهايم هذا لمفهوم الأيديولوجيا، نستطيع أن نميز في أي مجتمع طبقي بين أيديولوجيتين:

·   الأولى، أيديولوجيا الجماعات الحاكمة التي تريد فرض تصوراتها وأفكارها على بقية أفراد المجتمع، وتبرير الأوضاع الراهنة والدفاع عنها.

·   الثانية، أيديولوجيا الجماعات الخاضعة، التي تحاول تغيير هذه الأوضاع لصالحها وإحداث تغيرات في بناء القوة القائم، بما في ذلك تحقيق العدالة الاجتماعية وتوزيع الدخول توزيعاً عادلاً.

أما ديفيد جيري، وجوليان جيري، فيقدمان عدداً من التعريفات الخاصة بمفهوم الأيديولوجيا على النحو التالي:

1. أن الأيديولوجيا هي نسق من الأفكار يحدد السلوك السياسي والاجتماعي.

2. أن الأيديولوجيا ـ بصورة أكثر تحديداً ـ هي أي نسق من الأفكار يبرر خضوع جماعة أو طبقة ما، لجماعة أو طبقة أخرى، مع إضفاء نوع من الشرعية على هذا الخضوع.

3. أن الأيديولوجيا هي معرفة موسوعية شاملة، قادرة على تحطيم التحيز وذات قدرة على الاستخدام في عملية الإصلاح الاجتماعي.

ويُلاحظ أن المعنى الأول والثاني أصبحا، في الواقع، محور الاهتمام الرئيسي لمفهوم الأيديولوجيا.

ذهب أنتوني جيدنز في تعريفه للأيديولوجيا أنها مجموعة من الأفكار والمعتقدات المشتركة، التي تعمل على تبرير مصالح الجماعات المهيمنة. وتوجد الأيديولوجيات في كافة المجتمعات، التي توجد بها نظم راسخة لعدم المساواة بين الجماعات. ويرتبط مفهوم الأيديولوجيا ارتباطاً وثيقاً بمفهوم القوة؛ لأن النظم الأيديولوجية تعمل على إضفاء المشروعية على تباين القوة، التي تحوزها الجماعات الاجتماعية.

ولكن هناك من عرَّف الأيديولوجيا بشكل حيادي، بوصفها نسقاً من المعتقدات والمفاهيم، والأفكار الواقعية والمعيارية معاً. ويسعى هذا النسق في عمومه إلى تفسير الظواهر من خلال منظور يوجه ويبسط الاختيارات السياسية والاجتماعية للأفراد والجماعات. ويوضح هذا التعريف الدلالات الحيادية للأيديولوجيا، التي اكتسبها المفهوم من تعدد الأنساق الفكرية التي عملت على إظهار مدى التوازن بين الجانبين الواقعي والمعياري، بوصفهما يمثلان مقومات الأيديولوجيا.

وتتميز الأيديولوجيا بأنها غير ثابتة ثباتاً مطلقاً، وإنما تتمتع بخاصية الدينامية؛ لأنها تشهد عمليات نمو وتحول وربما اختفاء وظهور جديدة. ويحدث ذلك في ضوء الأوضاع والمواقف الاجتماعية المختلفة والمتغيرة. فكثيراً ما تتعرض المجتمعات لقلاقل داخلية أو خارجية، تظهر في شكل انحرافات معينة عن الأيديولوجيا السائدة، أو في شكل تغيرات مهمة في البنية الاجتماعية والاقتصادية، أو في شكل صراع بين القيم الخاصة والعامة والآراء والاتجاهات. كما قد تظهر هذه القلاقل نتيجة لكوارث طبيعية، أو ثورات، أو غزوات، أو غير ذلك. في مثل هذه الحالات، قد تدخل عناصر جديدة إلى النسق الأيديولوجي أو تلغي بعض عناصره، أو يتم تعديل بعضها لتتواءم مع الواقع الاجتماعي الجديد.

ويجعلنا هذا نؤمن بأن النسق الأيديولوجي ليس فكراً جامداً؛ ولكنه دينامي متطور. فعلى سبيل المثال، كان العَالم ينقسم إلى معسكرين، هما الشرقي والغربي، ونتيجة لعمليات وسياسات الاستقطاب والحرب الباردة وتأثيراتها ظهرت أيديولوجيا "الحياد الإيجابي" و"عدم الانحياز". وكذلك نتيجة للصراع الدائم بين الأيديولوجيا الاشتراكية والرأسمالية، انهارت الأيديولوجيا الاشتراكية وتفردت الراسمالية.

وقد أوضح كارل مانهايم هذه الفكرة ـ أي أن الأيديولوجيا قابلة للتغيير والتعديل وفق ما يطرأ على المجتمع من أوضاع ومواقف تتطلب هذا التغيير ـ فيقول: إن السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: كيف يستطيع الإنسان أن يحيا ويستمر في حياته وتفكيره، في وقت أصبحت فيه الأيديولوجيا واليوتوبيا تفرض نفسها على مسارات حياته؟ فقد اعتقد الإنسان منذ وقت طويل أن تفكيره هو جزء من وجوده الروحي، وأنه ليس حقيقة واقعية حسية؛ ولكن هذا الاعتقاد قد تغير حتى من داخل الإنسان نفسه. وقد كان التغير الأيديولوجي يعني لدى الإنسان إعادة توجيه للقيم التي يشتق منها السلوك. ولكن في العصر الحديث تعاظم الاعتقاد بأننا لا يمكن أن نعيش على وتيرة واحدة، أو على مبدأ فكري واحد.

تناولت هذه التعريفات جانباً أو أكثر من جوانب هذا المفهوم، بوصفه مفهوماً حديثاً، إلا أن التعريف الأكثر تكاملاً يحدد الأيديولوجيا بأنها "النسق الكلي للأفكار والمعتقدات والاتجاهات العامة الكامنة في أنماط سلوكية معينة. وهي تساعد على تفسير الأسس الأخلاقية للفعل الواقعي، وتعمل على توجيهه. وللنسق المقدرة على تبرير السلوك الشخصي، وإضفاء المشروعية على النظام القائم والدفاع عنه. فضلاً عن أن الأيديولوجيا أصبحت نسقاً قابلاً للتغير استجابة للتغيرات الراهنة والمتوقعة، سواء كانت على المستوى المحلي أو العالمي".
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:00 pm

الضمان الاجتماعي Social Security

تبلور هذا المفهوم مع ظهور دولة الرفّاة Welfare State. وترجع أصول "دولة الرفاة" إلى التقرير الذي وضعه بيفريدج عام 1942، ومع أن بيفريدج نفسه كان يكره استخدام هذا المصطلح ويفضل عنه "دولة الخدمة الاجتماعية". وانطلاقاً من دولة الرفاة أو الرفاهية، صدرت مجموعة من القرارات التشريعية ومنها الضمان الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، التي تستهدف تقديم الرعاية للفقراء، ومعالجة المشكلات الناجمة عن تطبيق التكنولوجيا وأساليب الإنتاج، ونمو المناطق العشوائية الحضرية؛ هذه المشكلات التي لا يمكن معالجتها إلا بتوافر خدمات اجتماعية تقدمها الدولة. ويُستخدم مصطلح "الضمان الاجتماعي" للدلالة على مجموعة متنوعة من أنساق دعم الدخل، مثل: معاش التقاعد، والمرض، وتعويض الإصابة، والأمومة، وتعويض العجز، وتعويض البطالة، وتعويض الطفل، وتعويض نقص دخل الأسرة. وهناك من يذهب إلى أن الضمان الاجتماعي ليس –ببساطة- مصطلح شامل جامع للأنساق الخاصة بدعم الدخل فقط، وإنما هو محاولة أوسع مجالاً لحماية المجتمع بأسره، من المخاطر الاجتماعية كافة.

اتجه الضمان في البداية نحو منح الفقراء والمحتاجين معونات عينية (الغذاء والكساء)، ثم أخذ بعد ذلك صوراً متنوعة، منها ما يتصل بتقديم المساعدات المالية، التي تتضمنها قوانين الضمان الاجتماعي، لمن تُثبت دراسة حالتهم أنهم على خط الفقر أو دونه، والعجزة والأرامل والأيتام، وغيرهم ممن لا عائل لهم. وكذلك اتجه إلى إقامة بعض المشروعات الخدمية كتقديم العلاج الطبي وصرف الدواء، أو إعطاء منح دراسية للطلاب من الأسر الفقيرة، أو إيواء أطفال الأسر المفككة في أسر بديلة.

كذلك فإن الضمان أو الأمن الاجتماعي هو النظام الذي تضعه الدولة لحماية الأفراد وأسرهم، عند تعرضهم لمواجهة كوارث الحياة، بما يؤمّن لهم العيش والراحة في مستوى كريم ولائق.

وعلى أية حال، تُشير كلمة "ضمان" إلى معنيَين؛ الضمان بمعناه الضيق، وهو الضمان ضد الحرمان والفقر الشديد بتقديم حد أدنى من المساعدة؛ والمعنى الآخر هو الضمان بالمعنى المطلق، وهو ضمان مستوى معين من الحياة، أي ضمان حد أدنى من الدخل الخاص، الذي يرى الفرد أنه يستحقه. ووفقاً لذلك، فإن الضمان الاجتماعي تعبير شامل يُقصد به التكافل الاجتماعي بين الأفراد، بتقديم المساعدات والمزايا التي تُقدم للعاملين وأسرهم في حالات الشيخوخة والعجز والوفاة الطبيعية، وحالة إصابة العمل، وحالات المرض، والأمومة، والتعطل عن العمل.

أهداف الضمان الاجتماعي وفلسفته

في إطار مفهوم الضمان الاجتماعي بأنه نظام لحماية الأفراد وعائلاتهم، يهدف الضمان الاجتماعي إلى دعم الدخل المادي للفرد بما يتلاءم مع حاجاته وظروفه. فقد أصبح مفهوم الضمان الاجتماعي أكثر وضوحاً وتحديداً، وتبلورت فلسفته، في تحقيق الأهداف التالية:

1.  تقديم الرعاية الاجتماعية الشاملة للمواطنين كافة، من خلال تحقيق مستوى ثابت من الدخل يفي بمطالب الحياة الأساسية وسد حاجة الفقراء، للعيش في مستوى إنساني لائق.

2.  محاولة القضاء على الفاقة والعوز والحرمان، وتوفير الأمن الاقتصادي لجميع الأفراد في كافة الفئات الاجتماعية المحتاجة وليس لفئة معينة منهم.

3.  تحقيق تكامل خدمات الضمان الاجتماعي بأهدافه الإنشائية والوقائية، وتوافقها مع احتياجات وعادات وثقافة الأفراد، الذين تخدمهم قوانين الضمان أو الأمن الاجتماعي.

4.  ربط فلسفة الضمان الاجتماعي بسياسة التشغيل وإيجاد فرص عمل مناسبة، من خلال إنشاء مراكز التدريب والتأهيل الاجتماعي، مثل تدريب المرأة على القيام بأعمال التفصيل والخياطة والأشغال اليدوية والآلية، والاقتصاد المنزلي، والثقافة الصحية والحضارية.

5.  تحقيق التكافل الاجتماعي بين فئات المجتمع كافة، وتقديم مساعدات الضمان الاجتماعي بوصفه حقاً مشروعاً يقره المجتمع لكل الفئات المحتاجة من أبناء المجتمع، وليس فقط منحة أو هبة من ذوي البر والإحسان.

وقد دعا الدين الإسلامي إلى الضمان الاجتماعي وأمرنا بوجوب تطبيقه، لنكون بذلك قد سبقنا أنظمة الضمان الاجتماعي الذي تطبقه حالياً أكثر من (150) دولة. وقد سجل الدين الإسلامي، عبر التاريخ، الطريق المبين في مضمار الضمان الاجتماعي، حيث عرّفه ووضع قواعده وأسسه وحدد الفئات المستفيدة منه وكيفية تمويله وإدارته حين لم يكن مصطلح الضمان معروفاً آنذاك. وكانت أداة الإسلام ووسيلته في القضاء على الفقر والحاجة هي الزكاة، وما فرضه الله سبحانه وتعالى في أموال الأغنياء وتخصيصه للفقراء؛ فسادت نظم الرعاية والتكافل. وقد وسّع الإسلام نطاق الفئات المستفيدة من نظام الزكاة؛ فكل محتاج يُعطى من بيت المال. ولم يكتف الإسلام بمقادير الزكاة لتمويل هذا النظام، وإنما أضاف إليها الصدقات، وأموال الغنائم. وجُعلت القاعدة أنه إذا لم تكفِ أموال الزكاة لسد حاجة الفقراء، فُرض في أموال الأغنياء ما يكفي لسد تلك الحاجة، بل لجأ المسلمون، أيضاً، إلى نظام الوقف الخيري والوقف الذري (وهو حبس الأصل وتسييل الثمرة). وهذا الوقف لم يقتصر الصرف من عائده على أبواب الخير، وإنما كان يتجه إلى بناء المستشفيات، والملاجئ، ودور العجزة والأيتام والمقعدين، وبناء المساجد. إن هذه التطورات تدل على اهتمام الفكر الإسلامي بدعم التكافل الاجتماعي وتنظيمه، بما يتلاءم مع الزمن.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:01 pm

الإصلاح الاجتماعي Social Reform

يُقصد بكلمة "الإصلاح" في اللغة العربية: زال عنه الفساد، وصَلُحَ الشيء أي زال فساده. أما المعنى الاجتماعي للإصلاح، فيعني التغيير إلى الأحسن، وتحقيق التقدم وتحديث المجتمع. وينبع هذا التغيير من احتياجات المواطنين، ولا تمليه الصفوة ولا تفرضه فرضاً. ويشير الإصلاح الاجتماعي إلى الحركة العامة، التي تحاول القضاء على المساوئ التي تنشأ من خلل وظائف النسق الاجتماعي أو أي جانب منه. ويقع الإصلاح الاجتماعي في مفهومه وأهدافه بين الخدمة الاجتماعية والهندسة الاجتماعية.

يهدف الإصلاح الاجتماعي إلى تذويب الفوارق بين الطبقات، وتحقيق التكافؤ في الفرص، والمساواة أمام القانون، والعدالة في توزيع أعباء الإنفاق العام، واشتراك جميع أفراد المجتمع في المسؤولية والتمتع بالحريات السياسية.

يرجع الفضل إلى تشارلز بوث في استخدام مفهوم "الإصلاح الاجتماعي"؛ ففي دراسته عن مشكلة الفقر، استطاع التوصل إلى عامل أو نتيجة أساسية، هي: أن الفقر يرجع إلى سوء إدارة وتنظيم المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية، ولا يرجع إلى تقصير الفرد وسوء أخلاقه، كانحرافه السلوكي أو كسله أو إفراطه في تناول المشروبات الكحولية. ومن أسباب الفقر التي وجدها بوث في بحثه، أيضاً، عدم وجود توازن بين متطلبات العائلة ودخلها، إذ إن متطلباتها واحتياجاتها تزيد بكثير عن مقدار دخلها، وذلك لكبر حجمها وقلة دخلها. ومن العوامل الأخرى، التي كشفها بوث في بحثه، عدم وجود مؤسسات الضمان الاجتماعي والصحي، التي تضمن للعمال تأميناً أو دخلاً عن البطالة والمرض. وقد دفعت هذه النتائج بعض أعضاء الطبقة الوسطى في أوروبا إلى المطالبة بالإصلاحات الاجتماعية.

إضافة إلى ذلك، قدّم كيز ميردال بحثاً عن المعضلة الأمريكية، التي ظهرت عام 1944، أوضح فيه مدى تعرض الزنوج إلى الظلم والاضطهاد والتعسف الاجتماعي؛ ما يسبب إحباط آمالهم، وخيبة ظنهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه. وهذا من شأنه أن يولد توتراً في العلاقات بين الزنوج والبيض، ويدفع إلى الانفجار والثورة والعصيان. لهذا أكد كيز ميردال على أهمية إدخال الإصلاحات الاجتماعية في مجال العلاقات العنصرية، في جميع كتابته وبحوثه الميدانية. وأشار إلى أن على علماء الاجتماع في المستقبل أن يحددوا مواقفهم، إي مدى قبولهم أو رفضهم لموضوع الإصلاح الاجتماعي كموضوع يزودهم بحقائق موضوعية، تتعلق بتطبيق القوانين والأحكام الاجتماعية على المجتمع، بغية إصلاحه وتنميته.

ويرى هنري بارت فيرشيلد أن حركة الإصلاح الاجتماعي تهدف وتحاول إبعاد وإزاحة مظاهر الفساد، أو التخفيف منها. تلك المظاهر التي تنجم عن إعاقة النسق الاجتماعي ـ أو أي نسِّيق Sub – System من الأنساق التي تكوّن هذا النسق الاجتماعي ـ عن القيام بوظائفه.

وهناك من يرى أن حركة الإصلاح الاجتماعي تحاول تحسين الأحوال والأوضاع داخل النسق الاجتماعي، دون إحداث تغيير في الطابع الأساسي المميز للنسق نفسه. فيرى حسن سعفان في "معجم العلوم الاجتماعية" أن مفهوم الإصلاح الاجتماعي يعني إحداث تغيير في نموذج من النماذج الاجتماعية، أملاً في الوصول إلى تحسين ذلك النموذج. وتُعني حركات الإصلاح بتخفيف مساوئ النظام الاجتماعي وتصحيح الأوضاع الفاسدة، من طريق التعديل في بعض النظم الاجتماعية، من دون أن يؤدي ذلك إلى تغيير البناء الأساسي للمجتمع. فالإصلاح حركة تحاول تخفيف الآلام الاجتماعية الناجمة عن إحباطات تعوق النسق الاجتماعي، عن أداء وظائفه.

وقد فرّق بعض العلماء بين الثورة والإصلاح؛ فالثورة معنى واسع يُغطي أشكالاً عديدة لاستخدام القوة، قد لا تبدو قانونية أو شرعية بالمعنى المحدود؛ ولكنها تهدف في النهاية إلى إحداث التغيير الفجائي؛ ومن ثَم، فالثورة تشير إلى مجموعة من الأحداث تُستخدم فيها القوة بنجاح للإطاحة بحكومة أو نظام سياسي معين، وإذا لم تنجح الثورة أُطلق عليها تمرداً أو عصياناً مسلحاً أو انتفاضة. أما الإصلاح الاجتماعي، فهو تعديل غير جذري في النظام السياسي والاجتماعي القائم، من دون مساس بالقواعد والأسس. ويهدف إلى إحداث تغيير في الشكل وتعديل في التفاصيل، وإزالة خطأ من الأخطاء. ولا يعدو أن يكون محاولة تحسين، أو رتق الشيء وسند ما هو موجود بالفعل؛ فالإصلاح أشبه بالدعائم التي تحول دون انهيار المبنى.

وعلى الرغم من تباين التصورات والتعريفات، فيمكن الوقوف على بعض العناصر المشتركة، التي قد تصلح أساساً لتصور واضح لمعنى الإصلاح الاجتماعي؛ تصور يتصف بقدر من الشمول والمرونة الواقعية في آن واحد. فالإصلاح هو الحركة العامة الموجهة لإحداث تغيير تدريجي بطيء في المجتمع، تستند في التزامها بالتغيير إلى الإرادة الواعية لأفراد المجتمع، وتهدف إلى إزالة الخلل والفساد المنتشر في قطاعات المجتمع المختلفة، وتحقيق تكافؤ الفرص والعدالة أمام القانون بين جميع أفراد المجتمع وفئاته المختلفة، والعمل على تنمية أساليب المشاركة المجتمعية في بناء المجتمع وتطويره إلى الأفضل، والتمتع بجميع الحريات المدنية والسياسية وحقوق الإنسان في المجتمع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:02 pm

التخطيط الاجتماعي Social Planning

يُعرف التخطيط، بشكل عام، بوصفه منهجاً يتضمن عدة إجراءات، لتحقيق غايات أو أهداف مرغوب فيها. والتخطيط الكفء يعني اتخاذ قرارات رشيدة، في رسم السياسات المختلفة وتنفيذها. ويرى كارل مانهايم أن التخطيط هو أسلوب منظم للتفكير، يحاول أن يحيط بكل الأحداث الموجودة في موقف معين. فنحن نهتم بالظروف العامة بالبيئة والعمل والناس والحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والجمالية في المجتمع، والخطة الصالحة أو الكُفأة هي التي تنجح في تحقيق التكامل، بين كل هذه الجوانب.

والواقع الاجتماعي هو نقطة البدء في عملية التخطيط؛ لأنه ينطوي على محصلة التطور التاريخي الطويل، الذي مرّ به المجتمع. وهذا التطور يتميز بالاستمرار والتواصل. وإذا كان التغير هو القانون العام للحياة الإنسانية أو هو سنة الحياة؛ فإن الاستمرار والتواصل هما عنصرا الربط بين مراحل هذا التغير؛ أي أن الحاضر قد تشكل من خلال الماضي وعبر أحداثه التاريخية، وفي الوقت ذاته يتضمن بذور المستقبل. ووسط ذلك كله يبرز التخطيط بوصفه محاولة علمية واعية للتعجيل بنضج العوامل الموضوعية، التي تدفع بعملية التغيير والتحول نحو غاياته المرتقبة، تلك الغايات التي تتمثل في تحقيق حياة أفضل لأبناء المجتمع.

ويذهب شارل بتلهيم في تعريفه للتخطيط إلى أنه نشاط اجتماعي، تُحدد بواسطته الأهداف التي نسعى إلى تحقيقها في مجال الإنتاج والاستهلاك ـ وذلك بطريقة منسقة ـ مع وضع القوانين الاقتصادية وخواص التنمية الاجتماعية في الاعتبار، والسعي لتحقيق هذه الأهداف بصورة أفضل. بمعنى آخر، يرى أن التخطيط يقوم على أسس ثلاثة، هي:

·   تحديد أهداف منسقة ووضع أولويات للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.

·   تحديد الوسائل الملائمة لتحقيق هذه الأهداف.

·   تفعيل تلك الوسائل تحقيقاً للأهداف المنشودة.

ويذهب بتلهيم إلى تعريف التخطيط بشكل محدد، بوصفه وسيلة لتنظيم استخدام الموارد أكفأ استخدام بحيث تعطي أفضل إنتاج وأعلى دخل، في أقل فترة زمنية.

ويذهب عبدالباسط محمد حسن إلى تعريف التخطيط بشكل شامل، بوصفه عمليات منظمة لإحداث تغييرات موجهة. ويتم ذلك من طريق حصر إمكانات المجتمع وتحديد مطالبه وتقدير حاجاته تقديراً استاتيكياً وديناميكياً، ووضع خطة شاملة متكاملة ومتجددة، في الوقت نفسه، لتحقيق هذه المطالب والحاجات، خلال فترة زمنية معينة. كل ذلك في هدي الفلسفة الاجتماعية التي يريد المجتمع أن يتحرك وينمو في إطارها، مع التنبؤ بما قد يعترض سير المجتمع من عقبات، وتحديد أنسب الوسائل اللازمة لتخطي تلك المشكلات والعقبات، والسير في طريق التقدم المنشود. من هذا التعريف يتضح أن التخطيط يتضمن ما يلي:

·   تقدير موارد المجتمع تقديراً دقيقاً للوقوف على الإمكانات البشرية والمادية.

·   تحديد احتياجات المجتمع تحديداً واقعياً سليماً، وحصر الحاجات وترتيبها ترتيباً تنازلياً في سلم الأولويات.

·   توضيح الوسائل والنظم والتنظيمات، التي يمكن الاستعانة بها لتحقيق هذه الأهداف.

·   تحديد فترة زمنية تتحقق خلالها هذه الأهداف.

·   تحديد الفلسفة الاجتماعية التي يريد المجتمع أن يتحرك وينمو في إطارها.

يختلف التخطيط عن السياسة في أنها اقتراحات تعبر عن احتياجات معينة، ويمكن من طريقها توجيه الخطط والبرامج والمشروعات، وذلك بوصفها إطاراً ودليلاً للخطط الحالية والمستقبلية. أما التخطيط، فإنه يضيف إلى تلك الاقتراحات عنصراً جديداً هو تصميم هيكل متكامل ينسق بين حجم وقيمة العمليات المختلفة، التي تدخل في إطار الخطة، من ناحية، وتحديد المشروعات المختلفة التي يمكن القيام بها، من ناحية أخرى. لذا، فمن الضروري عند وضع الخطة السليمة أن تكون لاحقة لرسم السياسة، وأن توضع أهداف الخطط في إطار السياسة.

ومن المعروف أن لكل دولة سياستها الاجتماعية، التي تحدد أهدافها العامة في مجالات العمل الاجتماعي. وتستمد هذه السياسة وجودها ومفاهيمها واتجاهاتها من أيديولوجية الدولة، وعاداتها وتقاليدها، وأسلوب حياتها، ودرجة تطورها. ويرتبط التخطيط الاجتماعي بهذه السياسة، ويقوم بترجمة مدلولاتها وأهدافها ترجمة عملية في صورة مشروعات وبرامج، تهدف إلى تحقيق ما ترمي إليه هذه السياسة من غايات وأهداف.

يختلف التخطيط عن التوجيه. فقد يكون التوجيه في صورة قانون يصدر، أو قواعد تُتبع في قطاع من القطاعات الأساسية في المجتمع. وقد لا يتطلب تحديد الوسائل والغايات خلال فترة زمنية معينة. أما التخطيط، فهو مرحلة عليا من مراحل التوجيه؛ لأنه يشمل جميع قطاعات المجتمع ـ خاصة في التخطيط القومي الشامل ـ ويُشترط فيه توضيح الغايات، التي ينشدها المجتمع والوسائل الكفيلة بتحقيق تلك الغايات، خلال فترة زمنية محدودة ومعروفة. ومما لا شك فيه أن تحديد الوسائل والغايات، والارتباط بخطة معينة ذات توقيت محدد، من شأنه أن يؤدي إلى تحديد مسؤوليات كل مشترك في عملية التنفيذ، ما يدفع بكل القوى للانطلاق نحو تحقيق الأهداف المقصودة. أما ترك الأمور لمحض الصدفة، أو للتنفيذ التلقائي، فيؤدي في الواقع إلى التباطؤ والتراخي ما قد يعوق الوصول إلى الغايات، التي يُراد الوصول إليها.

وذهب جوزيف هايمز إلى أن التخطيط عملية إرادية تفاعلية، تشتمل على الاستقصاء والمناقشة والاتفاق والعمل للوصول إلى الظروف والعلاقات والقيم المرغوب فيها. يُشير هذا التعريف إلى أن التخطيط الاجتماعي أداة إرادية واعية للتغيير الاجتماعي، حتى لا تترك عمليات التغيير للتلقائية والمصادفة؛ بل نجعلها تخضع للضبط والتحكم حتى تسير الظواهر والنظم في طريق مرسوم ونحو غاية محددة. وهو كعملية اجتماعية اطرادية يعبر عن استمرار الجماعة في تقدمها نحو تحقيق الأهداف الاجتماعية المحددة. ولمّا كان التخطيط عملية مستمرة ـ وليس فقط اتخاذ قرارات تصدر وتنتهي بصدور الخطة ـ فإنه يختلف عن الخطة بوصفها مجموعة القرارات التي أمكن التوصل إليها، والتي تتضمن كلاً من الأهداف والوسائل المختارة لتحقيق هذه الأهداف. كما يُشير هذا التعريف إلى أن التخطيط يمر في مراحل أربع، هي: الاستقصاء، والمناقشة، والاتفاق، والعمل. وهذه المراحل الأربع بينها تفاعل قوي وترابط وثيق، وقد لا تحدث في الواقع بالترتيب نفسه إلا أنها على أي حال ضرورية ولازمة لعملية التخطيط.

إن التخطيط عملية اجتماعية تنطلق من الواقع الاجتماعي، وتسعى لتغييره. وقد يمتد الأمر إلى إزالة أوضاع سائدة وإقامة أوضاع جديدة. وإذا كان التخطيط ينطلق من الواقع الاجتماعي، فإنه يتجه بالضرورة إلى المستقبل، أي من الوجود الفعلي إلى الوجود الممكن؛ ومن ثَم، فهو عمل ابتكاري خلاق. وهو أشمل وأعمق من التنظيم والإنشاء؛ لأنه يتضمنهما ويتجاوزهما في الوقت نفسه. إنه عملية هدم وبناء؛ هدم البناء الاجتماعي القديم المتداعي وبناء هيكل جديد اجتماعي واقتصادي وسياسي، على أساس من العلاقات الاجتماعية الجديدة.

بناءً على ما سبق، يمكن الوصول إلى التعريف الآتي للتخطيط الاجتماعي: هو "عملية مقصودة وواقعية يشترك فيها الفرد والجماعة والمجتمع، وتتضمن إحداث حالة من التوازن بين عناصر ثلاثة هي: الهدف والموارد والزمن، وذلك لتحقيق أقصى درجات الهدف بأفضل استخدام ممكن للموارد وفي أقصر وقت مستطاع".

وعلى ذلك، فأهم خصائص التخطيط، هي:

1.  أنه تدبير متعمد وموجه يستند إلى ممارسة سيطرة ما، والتحكم بدرجة معينة، في الطاقات المادية والبشرية المتاحة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، على حد سواء.

2.  أنه أسلوب علمي يسعى إلى تحقيق الأهداف المحددة، بوسائل ونماذج اقتصادية ورياضية وإحصائية؛ فضلاً عن إتباع السياسات الاجتماعية المناسبة.

3.  يتسم بالشمول والتنسيق، كما يتنبأ بردود الأفعال ويضعها في الاعتبار.

4.  يقوم على أساء تعبئة جميع الموارد الطبيعية والبشرية والفنية، ويستغلها أفضل استغلال، لإحداث أقصى نمو ممكن، في أقصر وقت مستطاع.

5.  هناك جانب اجتماعي للتخطيط يتمثل في إحقاق العدالة التوزيعية، والاهتمام بالحاجات الاجتماعية لإشباعها بأقصى قدر ممكن؛ فضلاً عن تحقيق أعلى مستوى معيشي ممكن.

6.  وأخيراً، للتخطيط، إضافة إلى جانبه النظري، جانب تنفيذي ومتابعة.

أولاً: المبادئ والأُسس التي يقوم عليها التخطيط الاجتماعي

لمّا كان التخطيط عملاً علمياً منظماً يقوم على تقدير الواقع ويستهدف تحقيق التطور، كان من الضروري أن تقوم فلسفته على مجموعة من المبادئ العلمية والأسس الموضوعية، التي يمكن تحديدها فيما يلي:

1.  الواقعية: يُقصد بواقعية التخطيط وضع الخطط على أسس علمية، تقوم على تقدير إمكانات المجتمع، وحصر الاحتياجات الحقيقية للأفراد، ثم العمل على تحقيق أفضل مطابقة ممكنة بين الموارد والحاجات، وفقاً لمعايير علمية دقيقة.

2.  الشمول: يُقصد بهذا المبدأ وضع الخطط الشاملة، التي تتناول مختلف القطاعات الوظيفية في المجتمع، دون الإخلال بمبدأ التوازن الجغرافي. فالمخطط الاجتماعي ينبغي أن يضع في اعتباره ضرورة شمول الخطة على الجوانب التعليمية والثقافية والصحية والترويحية والأسرية والدينية، وغيرها من جوانب الحياة الاجتماعية، لما بينها من ترابط وتساند وظيفي.

3.  التكامل: على المخطط الاجتماعي أن ينظر إلى عناصر الحياة الاجتماعية بوصفها كلاً متكاملاً، أخذاً بمبدأ التساند الوظيفي بين الظواهر الاجتماعية المختلفة، وضماناً لوضع خطط متكاملة لا يشوبها نقص أو يعتريها قصور.

4.  الاستمرار والتجدد: بمعنى ألاّ تنفصل أية مرحلة من مراحل التخطيط عن بعضها بعضاً. فمرحلة الإعداد والتصميم لا تنفصل عن مرحلة التنفيذ، وهذه بدورها لا تنفصل عن مرحلة المتابعة والتقويم. وينبغي الربط بين هذه المراحل بطريقة عضوية، ضماناً لاستمرار العمل ووفائه بالغايات المنشودة.

5.  التنسيق: يتم التنسيق على مستويين، أولهما: التنسيق بين الأهداف التي ترمي الخطة إلى تحقيقها؛ وثانيهما: التنسيق بين الوسائل والإجراءات والسياسات اللازمة لتنفيذ الخطة.

6.  المرونة: التخطيط عمل يتعلق بالمستقبل، ولكي يكون فعّالاً يجب أن يكون شاملاً وصادراً عن هيئة مركزية تراعي مبدأ المرونة الزمنية والمكانية. ويُقصد بالمرونة الزمانية مراعاة مبدأ التغير الاجتماعي التلقائي، الذي قد يحدث خلال الفترة الزمنية المحددة لتنفيذ الخطة. أما المرونة المكانية، فيُقصد بها أن يكون التخطيط الذي يُوضع على المستوى القومي قابلاً للتنفيذ في المستوى المحلي، مع تعديلات طفيفة تستلزمها ظروف المجتمع المحلي، أو خصائصه المميزة.

ثانياً: أهمية التخطيط الاجتماعي

أصبح التخطيط إحدى السمات المميزة للعصر الحاضر، لذا يُوصف العصر الحاضر في كثير من الكتابات العلمية بأنه عصر العلم وعصر التخطيط. وهذه التسميات ليست إلا انعكاساً موضوعياً وتعبيراً واقعياً عما تلقاه حركة التخطيط، القائمة على الأسلوب العلمي من انتشار عالمي، واهتمام يتزايد يوماً بعد يوم.

فالتخطيط الكفء أصبح هو الضمان الوحيد لتحقيق الأهداف الاجتماعية، التي تسعى البلاد النامية إلى تحقيقها. فأهداف التنمية الاجتماعية الشاملة تتضمن توافر فرص العمل للأعداد المتزايدة من السكان، وتقليل التفاوت في توزيع الثروة والدخل بين الأفراد، ورفع مستويات المعيشة، والتنسيق بين هذه المستويات في مختلف المناطق، بحيث يكون تقدمها بمعدل واحد بقدر الإمكان. إن هذه الأهداف لا يمكن تحقيقها بالوسائل التقليدية، أو بالاعتماد على الجهود الفردية، أو المنظمات الأهلية وحدها، بل لا بد من التخطيط الشامل لتحقيقها.

وإتباع سياسة التخطيط ضرورية لإحداث التوازن، بين مختلف الميادين الاقتصادية والثقافية والصحية والترويحية والسياسية، حتى لا يختل التوازن العام لنمو المجتمع؛ وكذلك، لإحداث التكامل بين مختلف الوحدات الجغرافية، التي يتكون منها المجتمع حتى يكون تقدمها بمعدل واحد بقدر الإمكان، وبحيث يتسنى القضاء على الثنائية الإقليمية، التي تتميز بها الدول النامية.

ويساعد التخطيط على تضييق الفجوة التي تفصل بين الدول النامية والدول المتقدمة، وذلك باستخدام الموارد بأكبر قدر ممكن من الكفاية، حتى لا يحدث فيها تعطل أو سوء تقدير، وبالمساعدة على تحقيق حياة أكثر رغداً للأجيال الحالية والمتعاقبة، وبإتاحة الفرص للمجتمعات النامية للتحرر والانطلاق، وبالتنسيق بين القرارات الاقتصادية المتباينة المتباعدة لتحقيق نمو عاجل وزيادة في الدخل القومي، وباستشعار مشاكل المجتمع وحسن استغلال الطاقات المادية والبشرية المتاحة والطاقات المعطلة ـ خاصة في المجتمعات المحلية ـ لعلاجها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:02 pm

الأنثروبولوجيا

Anthropology

 

ظهر هذا المصطلح في بريطانيا عام 1593، وكان المقصود به دراسة الإنسان من جميع جوانبه الطبيعية والسيكولوجية والاجتماعية، وظل يحمل معنى الدراسة المقارنة للجنس البشري. إلا أن تزايد البحث، وخاصة في المجتمعات البدائية، أدى إلى تطورات مهمة في النظر إلى الأنثروبولوجيا، وخاصة في علاقتها بالعلوم المتفرعة منها وغيرها من الدراسات التي تتصل بدراسة الإنسان.

وكلمة "أنثروبولوجيا" من الناحية الاشتقاقية مشتقة من الكلمة الإغريقية Anthropo، أي الإنسان؛ والكلمة Logy أي العلم، أي أن الكلمة في معناها اللغوي هي دراسة الإنسان. ونتيجة لتنوع الأنشطة التي يقوم بها الإنسان، تبنى الأنثروبولوجيون التعريف اللغوي لعلمهم؛ ولذلك يحاولون دراسة الإنسان وكل أعماله، أي كل منجزاته المادية والفكرية، أي الدراسة الشاملة للإنسان. ولهذا فإن الأنثروبولوجيا هي أكثر العلوم التي تدرس الإنسان وأعماله شمولاً على الإطلاق. وهناك دلائل وشواهد عديدة على هذا الشمول؛ فالأنثروبولوجيا تجمع في علم واحد بين نظرتي كل من العلوم البيولوجية والعلوم الاجتماعية، فتركز مشكلاتها، من ناحية، على الإنسان العضو في المملكة الحيوانية، وعلى سلوك الإنسان العضو في المجتمع، من ناحية أخرى. ثم إن الأنثروبولوجيا لا تقتصر على دراسة أي مجموعة من الناس أو أي حقبة تاريخية. بل تهتم بالأشكال الأولى للإنسان وسلوكه بدرجة اهتمامها نفسها بالأشكال المعاصرة؛ إذ يدرس الأنثروبولوجي كلاً من التطورات البنائية للبشرية ونمو الحضارات منذ أقدم الأشكال التي وصلتنا عنها أي سجلات أو بقايا، فضلاً عن الاهتمام بالدراسات المقارنة في سياق اهتمامه بالجماعات والحضارات الإنسانية المعاصرة.

كما تحاول الأنثروبولوجيا كشف وتوصيف المعايير الفيزيقية، التي تميز الجنس البشري عن سائر الكائنات الحية الأخرى؛ وكذلك تلك المعايير التي تصلح للتمييز بين الأنواع العديدة داخل الأسرة البشرية نفسها. وتركز الدراسة المقارنة للحضارات اهتمامها على أوجه الاختلاف والتشابه في الثقافات، التي يمكن ملاحظتها بين الجماعات البشرية العديدة التي تعيش على سطح كوكب الأرض، وتحاول أن تحدد وتعرف القوانين أو المبادئ التي تحكم تكون المجتمعات البشرية وثقافاتها وتطورها.

وعلى هذا فإن مصطلح "الأنثروبولوجيا" مصطلح شامل وواسع؛ إذ يشمل دراسة الموضوعات المختلفة، كالتطور البيولوجي والحضاري للإنسان، والعلاقات البيولوجية بين المجتمعات المعاصرة، والمبادئ التي تحكم علاقات الشعوب بعضها بعض. بيد أن الموضوعات البيولوجية والاجتماعية هي موضوعات متداخلة ومتحدة لتركيزها المشترك على دراسة الإنسان؛ لكنها في الوقت نفسه موضوعات منفصلة ومستقلة بعضها عن البعض الآخر، بسبب تخصص علمائها، إما في الموضوعات الإنسانية أو الطبيعية.

وصفوة القول إن الأنثروبولوجيا تهتم بدراسة الإنسان بوصفه كائناً اجتماعياً أو حضارياً؛ فتدرس هذه العلوم الأنثروبولوجية ـ بكافة مجالاتها وميادينها الخاصة ـ أشكال الثقافة وأبنية المجتمعات، مع التركيز على دراسة أشكال المجتمعات الأولية ومعالجة ما يُسمى بأنماط الثقافة البدائية Patterns of primitive culture.

والمجتمعات البدائية من الموضوعات الرئيسية التي تضطلع بدراسته الأنثروبولوجيا، حيث تدرس مختلف فروع الأنثروبولوجيا العامة كيفية تكيف الإنسان البدائي مع مختلف البيئات الفيزيقية والجغرافية والاجتماعية والثقافية.

ووفقاً لذلك فإن الأنثروبولوجيا تهتم بالبحث عن المبادئ، التي تحكم تطور الإنسان فيزيقياً وثقافياً، ولماذا تغير التركيب الفيزيقي للإنسان؟ ولماذا توجد أنماط بشرية متميزة بمثل هذه الكثرة، على الرغم من أصلها المشترك جميعاً؟ وما طبيعة الثقافة؟ وكيف تتغير الثقافات؟ وما العلاقة المنهجية المنظمة بين مختلف جوانب السلوك الاجتماعي والثقافي للإنسان؟ وكيف يستجيب الأفراد للمثل العليا والأهداف التي تحددها لهم الثقافات؟ وما العلاقة بين الثقافة والشخصية؟. فالعالم اليوم بما يضمه من بقايا نادرة متفرقة للماضي البعيد، هو العمل المتاح للبحث الأنثروبولوجي.

فروع الأنثروبولوجيا

من اليسير الاتفاق حول الخطوط العريضة التي تحدد ميدان الدراسة الأنثروبولوجية العامة؛ ولكن من العسير الاتفاق حول الفروع الأساسية للأنثروبولوجيا. فلا يمكن أن تظل صورة تلك الفروع في بلد واحد على حالها عبر السنين. فقد تزداد فروعها وفقاً للتطورات والبحوث الميدانية والنظرية، التي تعمل حتماً على تطوير تلك الفروع أو التعديل منها. وقد تزداد عدداً، وقد تُدمج فروع في بعضها وتُستحدث أخرى، وهكذا. لذلك فعند محاولة التعرض لأقسام الأنثروبولوجيا وفروعها الرئيسية، تقدم صورة تقريبية مصحوبة ببعد زمني يلقي الضوء على تغير تلك الصورة عبر الزمن.

1. الأنثروبولوجيا البيولوجية Biological Anthropology

هو علم يدرس السجل البيولوجي للإنسان، إذ يبدأ بدراسة المكانة الحيوانية للإنسان، ويحاول اقتفاء أصل وتطور الإنسان من خلال الدراسات المقارنة، ويفحص طبيعة الاختلافات العنصرية بين الشعوب والأقوام، كما يدرس أثر العوامل البيئية المختلفة ـ على تشابه واختلاف أعضاء الجنس البشري ـ على نمو أو اضمحلال السكان. ويستعمل العالم الأنثروبولوجي الطبيعي تكتيكاً خاصاً في بحوثه وجمع معلوماته، إلا أنه يعتمد في معظم دراساته على علوم مختلفة وكثيرة، أهمها علم التشريح، وعلم الآثار، والكيمياء، وعلم الجيولوجيا، والنبات.

كما تدرس الأنثروبولوجيا الفيزيقية السّمات الفيزيقية للإنسان، أي أنها دراسة الإنسان من حيث هو كائن فيزيقي طبيعي. فتدرس الإنسان العضوي في نشأته الأولى، وفي تطوره عن الرئيسيات، حتى اكتسب الصفات والخصائص الإنسانية في صورة الإنسان العاقل Homo Sapiens؛ لذلك تعالج الأنثروبولوجيا الفيزيقية، مثلاً، حجم الجمجمة، وارتفاع القامة، ولون البشرة، ونوع نسيج الشعر، وشكل الأنف، ولون العين. كما تهتم بدراسة التغيرات العنصرية وخصائص الأجناس، وانتقال السمات الفيزيقية، وتتبع الموروثات الإنسانية. كما تدرس إلى جانب ذلك تطور الإنسان منذ مراحله وأشكاله الأولية، التي كانت تربطه بعالم القردة العليا.

2. الأنثروبولوجيا الاجتماعية Social Anthropology

تهتم الأنثروبولوجيا الاجتماعية بدراسة مجموع البناء الاجتماعي لأي جماعة أو مجتمع، بما يحويه هذا البناء من علاقات وجماعات وتنظيمات. ومن هنا تقترب العلاقة بين الأنثروبولوجيا الاجتماعية وعلم الاجتماع. والمفهوم المحوري في الأنثروبولوجيا الاجتماعية هو البناء الاجتماعي Social Structure؛ فالأنثروبولوجي الاجتماعي يفكر في المجتمع الذي هو تكوين منظم لأجزاء متعددة، وليس في الثقافة وواجبه الأول هو اكتشاف هذا النظام وتفسيره (وهو يتكون من العلاقات القائمة بين الأفراد، وهي علاقات ينظمها مجموعة من الحقوق والواجبات المعترف بها).

تدرس الأنثروبولوجيا الاجتماعية ـ تحت مفهوم البناء الاجتماعي ـ الوحدات الرئيسية المكونة لهذا البناء. والمقصود بالبناء: مجموعة العلاقات والروابط والقواعد المتصلة بقطاع أو جانب معين من جوانب حياة هذا المجتمع. فمجموعة العلاقات ـ مثلاً ـ التي تتعلق بتكوين الأسرة، ونظام القرابة، وتربية الأطفال، وشبكة العلاقات بين الزوجين وبينها وبين الأولاد، والعلاقات مع الأصهار... إلخ، كل ذلك يكوّن ما يُسمى: نظام الأسرة أو النظام العائلي. كذلك الحال لمجموعة العلاقات والروابط والتنظيمات المتصلة بمجال كسب العيش، الإنتاج، والتوزيع، والاستهلاك، والادخار... إلخ. كل ذلك يكون تحت مُسمى: النظام الاقتصادي. أما توزيع القوة في المجتمع وقواعد استخدامها وآثار هذا الاستخدام، فيُدرس تحت اسم النظام السياسي. وهناك قطاع عريض أخير من العلاقات المتصلة بالمعايير الدينية والأخلاقية والفن والجمال هو نظام المعايير أو النظام المعياري، وإذا اقتصر على الدين والأخلاق فيُعرف باسم: النظام الديني. هذه هي أهم الوحدات الرئيسية للبناء الاجتماعي أو النظم الاجتماعية الأساسية، أي التي لا يخلو منها مجتمع، سواء عاش في الماضي، أو يمكن أن يعيش في المستقبل.

3. الأنثروبولوجيا الثقافية Cultural Anthropology

تدرس الأنثروبولوجيا الثقافية أصول المجتمعات والثقافات الإنسانية وتاريخها، وتتبع نموها وتطورها. وتدرس بناء الثقافات البشرية وأداءها لوظائفها في كل مكان وزمان. وتهتم الأنثروبولوجيا الثقافية بالثقافة في ذاتها، سواء كانت ثقافة أسلافنا، أبناء العصر الحجري، أو ثقافة أبناء المجتمعات الحضرية المعاصرة. فجميع الثقافات تستأثر باهتمام دارسي الأنثروبولوجيا الثقافية، لأنها تسهم في الكشف عن استجابات الناس ـ المتمثلة في الأشكال الثقافية ـ للمشكلات العامة التي تطرحها دوماً البيئة الطبيعية، وفي الكشف عن محاولات الناس في الحياة والعمل معاً، وتفاعلات المجتمعات الإنسانية بعضها ببعض.

ويمكن أن تكون دراسة الأنثروبولوجيا الثقافية بطريقتين:

الأولى، هي الدراسة المتزامنة: أي في زمن واحد، أي دراسة المجتمعات والثقافات في نقطة معينة من تاريخها.

الثانية، هي الدراسة التتبعية أو التاريخية: أي دراسة المجتمعات والثقافات عبر التاريخ.

تتناول الأنثروبولوجيا الثقافية، بمعناها العام، الحياة الثقافية للمجتمعات الإنسانية. وفي هذا الإطار العريض، يتجه علماء الأنثروبولوجيا الثقافية إلى الاهتمام بالفنون المهارية وتصميماتها، وتقنيات تصنيعها.

4. الأنثروبولوجيا الاقتصادية Economical Anthropology

تهتم الأنثروبولوجيا الاقتصادية بدراسة الاقتصاديات القروية أو القبلية الصغيرة. وقد تزامن ظهور الأنثروبولوجيا الاقتصادية ـ علماً فرعياً ـ مع ظهور أساليب العمل الميداني الحديثة، التي أجبرت الأنثروبولوجيين على مقارنة النظريات الاقتصادية والأنثروبولوجية بواقع الإنتاج والتوزيع، والتبادل في الاقتصاديات القبلية أو القروية الصغيرة التي درسوها.

ومن ثم ظهر هذا الفرع من علوم الأنثروبولوجيا محصلة لاهتمام علماء الأنثروبولوجيا بالنظم الاقتصادية في المجتمعات التقليدية، ومحاولة إيجاد صيغة ملائمة لتفسير الظواهر الاقتصادية في هذه المجتمعات. ويرجع الفضل في تحديد مسمى هذا الفرع إلى المؤرخ الاقتصادي جراس، في مقاله الذي عُدَّ نواة لذلك، ونُشر بعنوان: "الأنثروبولوجيا والاقتصاد". وفيه حدد نطاق اهتمام هذا الفرع بأنه الجمع بين الدراسات الأنثروبولوجية والاقتصادية عند الشعوب التقليدية. وبعد ميلاد هذا الفرع، يوضح ريموند فيرث أنه منذ حوالي العقد الرابع من القرن العشرين، بدأ الاهتمام يتزايد بهذا الفرع من الأنثروبولوجيا العامة.

5. الأنثروبولوجيا السياسية Political Anthropology

تهتم الأنثروبولوجيا السياسية بوصف الأنظمة السياسية وتحليلها على مستوى البُنى، والعمليات، أو التمثيل، والتفاعل، خاصة في المجتمعات القبلية التقليدية. ووفقاً لهذا المعنى، فإن ظهورها تخصصاً مستقل يُعد حدثاً جديداً، على الرغم من أن بداياتها ترسخت في إجراء الدراسات على المجتمعات القبلية. أما اليوم، فلا توجد حدود لميادينها البحثية، إذ تحاول الأنثروبولوجيا السياسية، كما يقول ـ بلانديه ـ أن تتجاوز التجارب والمعتقدات السياسية المحددة، كما تنحو لتأسيس علم لدراسة السياسة ينظر إلى الإنسان بصفته إنساناً سياسية Homo Politicos. كما تبحث كذلك في تحديد خصائص التنظيمات السياسية عبر صورها وتجلياتها التاريخية والجغرافية.

6. الأنثروبولوجيا الطبية Medical Anthropology

تُعد الأنثروبولوجيا الطبية أو أنثروبولوجيا الصحة ـ كما يسميها بعض الدارسين ـ أحد الميادين الفائقة التطور في ميدان الأنثروبولوجيا، إلى حد يجعله يكاد يكتسب مرتبة العلم المستقل. ظهر هذا العلم في بداية القرن العشرين، وقد تزايد الاهتمام به نظراً لتزايد الوعي بجذور الثقافة في القضايا الصحية، مثل تطور المرض، وتوزيعه الجغرافي، والوسائل والأساليب التي تعتمد عليها المجتمعات في مواجهته، والطرق المثلى لتحسين الطب الحديث وتطويره في المجتمعات التقليدية.

وقد أوضح لويس مورجان، أهمية الثقافة في مجال الصحة والرعاية الصحية؛ فالثقافة تتحكم إلى حد كبير في الموضوعات الآتية:

أ. نمط انتشار المرض بين الناس.

ب. طريقة الناس في تفسير المرض ومعالجته.

ج. السلوك الذي يستجيب به الناس لانتشار الطب الحديث.

تؤثر الثقافة في أسلوب الرعاية الصحية، فقد تفشل برامج المساعدات الطبية بسبب الاختلافات في ثقافة مقدمي المساعدة عمن يتلقونها، ما يوجد العقبات التي تحول دون الاتصال الفعّال والتعليم والعلاج. كما تلعب الثقافة دوراً مهماً في الصحة والمرض، من خلال التغذية السليمة؛ فتحسين تغذية السكان لا يتحقق إلا من خلال تقديم مواد غذائية مقبولة ثقافياً لديهم. لذا، أخذ الاتجاه الحديث في الأنثروبولوجيا الطبية بالاتجاه الثقافي للرعاية الفيزيقية والعقلية للأفراد داخل سياقهم الاجتماعي.

7. أنثروبولوجيا الجسد Anthropology of Body

ويأتي أخيراً أحدث فروع الأنثروبولوجيا، وهو أنثروبولوجيا الجسد، ويهتم بدراسة عمليات تجميل الجسد، التي عُدّت أسلوباً يتحول فيه الجسد البشري الطبيعي إلى ظاهرة ثقافية. أما الطرق التي تنفذ بها هذه العملية فتشتمل على تغيرات مؤقتة، كارتداء الزي، والتزين، وأسلوب تصفيف الشعر، وتلوين الجسد... إلخ. كما تتضمن تغيرات دائمة مثل الوشم وغير ذلك مما قد تعده المعايير العربية ضرباً من التشويه الجسدي. فبينما يُنظر إلى تجميل الجسد في المجتمعات الحديثة على أنه تعبير عن الموضة، فإنه يُعد في المجتمعات البسيطة ضرباً من الرمزية الاجتماعية والدينية. فتجميل الجسد يجسد عضوية الفرد في الجماعة، كما يشير إلى المكانة وتغير الدور الذي يقوم به الفرد، ويتم ذلك، في الغالب، بالإشارة إلى خصائص حيوانية أو التأكيد على ملامح جنسية. وقد أوضح التحليل البنائي لاستخدام الجسد في الرمزية الاجتماعية، كيف تتأكد الفروق الطبيعية وتستخدم لغة للتحدث عن الفروق والعمليات الثقافية الاجتماعية. لذا، فإن الجسد البشري ينبغي ألاّ يُعد فقط أداة للتعبير الرمزي، كما في تجميل الجسد أو حركته أو رقصه، ولكنه يمكن أن يُعد أيضاً نموذجاً رمزياً.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:06 pm

الانحراف الاجتماعي

Social Deviancy

 

يُشير مفهوم الانحراف الاجتماعي، بشكل عام، إلى أنماط الفعل التي لا تمتثل للمعايير والقيم، التي يعتنقها أغلبية أعضاء الجماعة أو المجتمع. ويختلف ما يُعد انحرافاً بذات القدر الذي تتباين به المعايير والقيم، التي تميز الثقافات الفرعية المختلفة عن بعضها. فالعديد من أشكال السلوك التي يُنظر إليها بقدر كبير من التقدير في سياق ما أو من قِبل جماعة ما، قد تُعد سلبية في نظر أبناء جماعة أخرى.

يدل لفظ "انحراف" على مخالفة أي من الأنماط السلوكية السّوية والمرغوبة اجتماعياً (فعلاً أو تركاً)، سواء كانت تلك الرغبة بنص القانون، أو العرف، أو القيم الثقافية السائدة. وهكذا فإن الانحراف من المنظور الاجتماعي هو السلوك المخالف لما ترتضيه الجماعة.

الانحراف هو إتيان أي فعل لا تقبله النسبة الغالبة من أفراد الجماعة، ويشمل الانحرافات القانونية وغير القانونية. والسبب في الأخذ بالانحرافات غير القانونية هو أن العادات والأعراف والتقاليد والقيم الأخلاقية، قد يزداد الاهتمام ببعض منها؛ فترقى إلى مستوى القانون، ويبقى بعضها الآخر دون ذلك. وقد تكون السلوكيات المنحرفة بنص القانون أفعالاً خطيرة على أمن الجماعة، وعلى حياة وأعراض أفرادها أو مقدساتهم ومكتسباتهم ومستقبلهم أو تطلعهم العام، ما يتطلب شجب هذه الأفعال ومكافحتها. فالأمر، إذاً، يتعلق بأفراد الجماعة ومعتقداتهم ووجهة نظرهم للأنماط السلوكية غير السوية، وما يجب أن يُجرّم منها بنص القانون.

يشير السلوك المنحرف، إذاً، إلى الخروج أو الانحراف عن المعايير الاجتماعية السائدة في المجتمع. ويوضح روبرت ميرتون أن مفهوم السلوك المنحرف في أساسه يُعد -إلى حد كبير- مفهوماً أخلاقياً، كما أنه يُستخدم في اللغة اليومية للإشارة إلى ما يُعرف بالسلوك السيئ، بصفة عامة. كما يُشير ميرتون إلى نمطين أساسيين من السلوك المنحرف، هما: السلوك اللاتوافقي Nonconforming، والسلوك المنحرف Deviant Behavior ، ويميز بينهما على النحو الآتي:

1. الأفراد غير المتوافقين تتخذ معارضتهم –عادة- صفة العلانية، على حين أن المنحرفين يحاولون –عادة- إخفاء انحرافاتهم؛ فالمعارضون السياسيون يظهرون معارضتهم للنظام السياسي علانية، بينما مرتكبو الجرائم يمارسون سلوكهم في الخفاء.

2. بينما يمثل سلوك غير المتوافقين تحدياً لشرعية المعايير الاجتماعية التي يعارضونها ويرفضونها، فإن المنحرفين ينتهكون المعايير التي يعترفون بها؛ فيحاول المنحرفون تبرير سلوكهم المنحرف، ولكنهم لا يجادلون في أن السرقة انحراف والقتل خطيئة.

3. يسعى غير المتوافقين إلى تحقيق هدف أساسي يتمثل في تغيير المعايير الاجتماعية القائمة، وإحلال معايير أخرى محلها يرون أنها أفضل من المعايير القائمة. في حين أن المنحرفين لا يشغلهم سوى كيفية الهروب من العقوبات المرتبطة بمخالفة المعايير الاجتماعية القائمة بالفعل.

4. يسعى غير المتوافقين إلى تحقيق العدالة في الواقع الاجتماعي، من خلال محاولتهم تغيير البناء الاجتماعي؛ لكن المنحرفين لا يكون لديهم شيئاً جديداً يقدمونه، لأنهم يسعون إلى التعبير عن مصالحهم الخاصة وإشباع حاجاتهم الشخصية.

وبناءً على ذلك ينطبق الانحراف الاجتماعي على أي سلوك لا يكون متوافقاً مع التوقعات والمعايير المقبولة داخل النسق الاجتماعي، والتي يشارك فيها الشخص بقية أعضاء المجتمع.

وقد اهتم علماء الاجتماع بتحديد الفروق المرتبطة بالتسامح Tolerance، مع أنماط معينة من انتهاك المعايير. ومما لا شك فيه أن جميع ألوان الانحراف عن المعايير الاجتماعية تواجه بالرفض والمعارضة من المجتمع، وتتفاوت شدة المعارضة والرفض فتبدأ بأبسطها وتنتهي بأشدها، وذلك على متصل الرفض ـ الذي يعكسه رد فعل المجتمع للانحراف ـ الذي يمكن توضيحه على النحو الآتي:

    " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Image001
 


إن كل مستوى من مستويات هذا التصنيف للانحراف عن المعايير الاجتماعية ـ والتي تعكس مستويات معينة من الخطورة ـ ينطوي على مستويات داخلة فيه، من حيث درجة الشدة، ويرتبط كل منها بصورة معينة من صور الأفعال الانحرافية.

وتتضمن النظرة المتكاملة للانحراف أنماطاً أربعة، هي:

1. انحراف الفرد عن الأهداف العامة للمجتمع، أي أن تحديده لأهدافه الذاتية ـ على المستويين القريب والبعيد ـ تم بمعزل عن تطلعات المجتمع وأهدافه.

2. انحراف الفرد عن الوسائل السوية والسلوكيات الأخلاقية التي تستخدم لتحقيق الغايات. وفي هذه الحالة قد يسير المنحرف بمبدأ "الغاية تبرر الوسيلة".

3. انحراف الفرد عن الأهداف والوسائل؛ فالأهداف قد تكون غير مشروعة، وكذلك وسائل تحقيقها غير مقبولة قانونياً واجتماعياً وأخلاقياً لدى المجتمع.

4. التطبيق الخاطئ والمسايرة الجامدة المفرطة للأهداف والوسائل، ما يجعل الفرد يخرج عن التوقعات المشتركة.

نسبية الانحراف الاجتماعي

الانحراف من الوقائع الاجتماعية التي لازمت المجتمعات البشرية منذ أقدم العصور. والانحراف ليس شيئاً مطلقاً، بمعنى أنه يدل على فعل ثابت له أوصاف محددة؛ ولكنه نسبي تحدده عوامل كثيرة منها الزمان والمكان والثقافة. فقد كانت بعض الأفعال في الماضي لا تُعد انحرافاً؛ ولكنها أصبحت انحرافاً في المجتمع المعاصر، يُحقر مرتكبوها ويُعاقب عليها القانون.

إن الانحراف في العصر الحاضر قد يختلف معناه في مجتمع عنه في مجتمع آخر، نظراً لاختلاف المجتمعات في عناصر ثقافتها وحضارتها. وعلى الرغم من أن الانحراف ظاهرة اجتماعية موجودة في كل المجتمعات الإنسانية، سواء كانت بدائية أم متطورة، قديمة أم حديثة، متخلفة أم متقدمة، فإن ما نتناوله من أنماط النشاط ليس واحداً في الزمان والمكان، ما دام أساس الانحراف تابعاً لوجهة نظر المجتمع في زمان ما أو مكان ما، ومن ثم فإن ما يجعل الفعل منحرفاً ليس الفعل في ذاته ولذاته، بل نظرة مجتمع بذاته إليه.

فالمجتمع هو الذي يحدد ما هو خطأ وما هو صواب، وهو الذي يقرر ما إذا كان فعلاً معيناً يشكل انحرافاً أم لا. ولمّا كانت المجتمعات تختلف من حيث بنائها وتاريخها وثقافاتها، فإنها تختلف في فهمها وفي تقديرها للخطأ والصواب. ولمّا كانت قيم واتجاهات المجتمع تتغير وتتطور على مر الزمان، فقد استتبع ذلك أن يكون الانحراف نسبياً. فقد يَعُد مجتمع فعلاً معيناً في فترة ما انحرافاً، ثم يبيحه فيما بعد. ومن أبرز الأمثلة على ذلك تعاطي الخمور والاتجار فيها، فقد تردد ما بين الإباحة والتحريم عدة مرات في الولايات المتحدة الأمريكية خلال المائة عام الأخيرة.

والانحراف ليس نسبياً إلى الثقافات العامة فحسب، بل إنه نسبي، أيضاً، للثقافات الفرعية Sub-Cultures داخل المجتمع الواحد نفسه؛ فمثلاً الأخذ بالثأر في صعيد مصر يُعد ذا قيمة كبيرة وعرفاً سائداً، إلا أنه في نظر الثقافة العامة للمجتمع المصري وللتشريع المصري هو انحراف وجريمة لا تغتفر. وهناك من الانحرافات ما تُعد أحياناً جناية، وأحياناً أخرى جنحة، حسب الثقافة الفرعية التي تتأثر بتقاليد وعادات معينة؛ فالسطو في بعض البلدان العربية إذا وقع ليلاً يُعد جناية؛ لأنه حدث ليلاً ما يجعل الضرر أكبر مقارنة بما عليه الحال في وضح النهار. لذلك يُعد السطو نهاراً جنحة لأن الضرر يكون أقل.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:07 pm

البيروقراطية

Bureaucracy

 

ترجع أصول هذه الكلمة إلى اللغة الألمانية، وتتكون من شقين: هما Bureau وتعني مكتب، وCracy وتعني حكم، والكلمة في مجملها تعني "حكم المكتب". وفي العام 1798، عرّف قاموس الأكاديمية الفرنسية "البيروقراطية" بأنها: "القوة والنفوذ اللذان يمارسهما رؤساء الحكومة وموظفو الهيئات الحكومية". ومع بداية القرن التاسع عشر ظهرت ثلاثة معاني للبيروقراطية:

الأول: ينظر إليها بوصفها أسلوباً في الحكم والإدارة، يمكن مقارنتها بالملكية والديموقراطية والأرستقراطية.

الثاني: يركز على شكل معين من البيروقراطية بأنها السلطة والقوة، التي تُمنح للأقسام الحكومية وفروعها وتمارسها على المواطنين.

أما الثالث والأخير: فيميل إلى إبراز مخاطر البيروقراطية أسلوباً إدارياً عقيماً.

والجدير بالذكر أن مفهوم البيروقراطية ـ بشكله العلمي السليم ـ يتمثل في أنه تنظيم تتحكم في بنيته وفي العمليات التي يقوم بها القواعد المدونة إلى حد كبير. ويتمثل جوهر هذه القواعد في هرمية المكاتب، أي في أدوار وظيفية محددة تحديداً دقيقاً، وفي أشخاص متفرغين للعمل بأجر مدفوع. وتحدد القواعد الإدارية والقانونية علاقة كل مكتب بغيره من المكاتب، وإدارة الأعمال كل مكتب، وتحدد نظام تجنيد العاملين للبيروقراطية، وأي ترقيات تتم فيما بعد. والتنظيمات التي توجه بهذه الطريقة متميزة تميزاً تاماً عن الأفراد العاملين، كما تعمل على نحو يمكِّن التنبؤ بها تنبؤاً تاماً. والمنطق القائم وراء البنية الأساسية للبيروقراطية هو قيام عملية منضبطة انضباطاً تاماً، خالية من التحيز والارتباط بالأشخاص؛ أي أن البيروقراطية تحُل إدارة الأشياء محل إدارة الأشخاص، بمعنى أنه يصبح لا وجود -في أحسن الأحوال- للبشر بل هي  حالات فقط.

والبيروقراطية في مفهوم روبرت ميشيلز لا تعدو أن تكون مجموعة من الموظفين والعمال، الذين يتقاضون أجراً لقاء عملهم، ويخضعون لسيطرة رؤسائهم وقادتهم، وأن الأوليجاركيه (حكم القلة) هي المصير المحتوم الذي ستنتهي إليه البيروقراطية. وقد أدى هذا التصور للبيروقراطية إلى الإشارة إلى فكرة إساءة استعمال القوة، وبسبب أن أعضاء التنظيم البيروقراطي لديهم قدر من القوة يتعدى النطاق المحدود لوظائفهم الرسمية.

ويُدين مفهوم البيروقراطية بالكثير لماكس فيبر، الذي تناوله في ضوء مفهوم السلطة أو القوة. هذه السلطة تفترض في التنظيم البيروقراطي الرشيد وجود مجموعة من المعايير الاجتماعية تتولى تنظيم السلوك تنظيماً رشيداً، بحيث يتمكن هذا السلوك من تحقيق أهداف محددة. ومن ثم فالطاعة في هذا النمط من السلطة لا تكون لشخص بعينه، وإنما لمجموعة من المبادئ الموضوعية، التي تفرض إتباع التوجيهات والأوامر التي يصدرها الرئيس، بغض النظر عن شخصية هذا الرئيس. وقد ذهب فيبر إلى أن أهم ما يميز التنظيم البيروقراطي هو وجود قواعد محددة موضوعية، تحدد بطريقة رشيدة التسلسل الرئاسي، إضافة إلى ما تنظمه من حقوق وواجبات. ومن السمات الأخرى للبيروقراطية، فصل الإدارة عن الملكية؛ فموارد التنظيم ليست ملكاً لأفراده، كما أن وظائفه لا تُباع ولا تُورث، ولا يمكن أن تُضاف إلى الملكية الخاصة.

والواقع أن ماكس فيبر درس البيروقراطية من منظور واسع، وآثار قضايا ترتبط بالديموقراطية والرأسمالية. وقد ذهب إلى أنه على الرغم من وجود التنظيمات البيروقراطية في بعض المجتمعات القديمة، إلا أنها لم تحقق تقدماً ملحوظاً إلا بظهور الدولة الحديثة، وأن هذه التنظيمات غزت المجالات التربوية والاقتصادية في عالمنا المعاصر. وأدى ذلك إلى ظهور المركزية والقواعد الرشيدة التي تهدف إلى تحقيق أقصى درجات الفاعلية، ما فرض قيوداً حادة على حرية الفرد التلقائية.

ومن خلال القضايا والمفاهيم التي استند إليها فيبر، يمكن تناول نموذجه المثالي للتنظيم البيروقراطي. يرى فيبر أن نشاطات ووظائف التنظيم البيروقراطي تتوزع على الأوضاع الاجتماعية بوصفها نشاطات ووظائف رسمية. وهذا يعني أن ثمة تقسيم عمل محدد وواضح، يسمح بوجود درجة عالية من التخصص. يؤدي هذا التخصص إلى زيادة الخبرة والمعرفة الفنية بين أفراد التنظيم البيروقراطي، وفقاً للخصائص الآتية:

1. تتوزع أعمال التنظيم بوصفها واجبات رسمية، ويؤدي ذلك إلى زيادة تقسيم العمل بدرجة ملحوظة ومستوى عالٍ من التخصص يعتمد على الخبرة الفنية لأعضاء التنظيم بطريقة مباشرة.

2. تتمايز الأوضاع أو الوظائف بما لها من تنظيم في بناء سلطة متدرجة، ويتخذ هذا البناء شكلاً هرمياً يجعل كل موظف مسؤولاً عن مساعديه وعما يتخذه من قرارات. ويتحدد نطاق سلطة الرؤساء على المرؤوسين وفقاً لقواعد محددة وواضحة تماماً.

3. وجود نظام رسمي للقواعد يحكم الأفعال والقرارات، ويحقق الاستمرار في العمل، والتنسيق بين أنشطة الأعضاء.

4. اتجاه غير شخصي يحكم علاقات العاملين مع بعضهم أو مع العملاء في نطاق العمل، كما يُنظر إلى العملاء بوصفهم حالات. وتتخذ المسافة الاجتماعية بين المستويات المتدرجة وبين الموظفين والعملاء طابعاً رسمياً.

5. يعتمد التعيين على المهارات الفنية وعلى التعليم الرسمي، أكثر من اعتماده على الارتباطات السياسية والأسرية. ويتحدد على هذا الأساس الموضوعي فرص التقدم في العمل، وفقاً للأقدمية أو الإنجاز أو كليهما معاً.

6. فصل الإدارة عن الملكية (التي تُقدم إليهم في شكل نقود أو أدوات). إن العاملين في التنظيم لا يمتلكون وسائل العمل والإنتاج، وهم مسؤولون عن تبرير استهلاكها؛ ومن ثم فلا بد من الفصل التام بين ممتلكات التنظيم والمتعلقات الشخصية لشاغل الوظيفة.

7. ليس هناك حق لأي شخص في التنظيم في امتلاك المنصب الرسمي ولا في تملك المكتب وما فيه، كما أن تولي الوظائف لا يقوم على نظام وراثي أو انتخابي.

8. جميع الإجراءات الإدارية والقواعد والقرارات توضع وتثبت كتابة، ومن مجموع المستندات المكتوبة وتنظيم الوظائف الرسمية القائمة يكون ما يُسمى "بالمكتب" شخص معنوي، وهو محور العمل المشترك في العصر الحديث.

يرتكز النموذج المثالي للبيروقراطية على عدة محاور، أهمها وجود درجة عالية من التخصص، وبناء رئاسي للسلطة ينطوي على نطاق محدد للمسؤولية، ونسق رسمي للعلاقات بين أعضاء التنظيم. وتحدد العضوية وفقاً للمقدرة والخبرة الفنية، والفصل بين الدخل الخاص والمرتب الذي يحصل عليه الفرد بصورة رسمية. هذه هي الخصائص والسّمات التي ضمّنها فيبر نموذجه المثالي للبيروقراطية، وهي سمات وخصائص تزيد من فرص اتخاذ قرارات رشيدة تزيد من الكفاية الإدارية، التي هي الهدف الأسمى للتنظيم البيروقراطي. فالإدارة البيروقراطية تُعني، أولاً وقبل كل شيء، بممارسة الضبط على أساس العلم والمعرفة، وهذا ما يجعلها إدارة رشيدة وعقلانية.

وبناءً على ذلك ارتبط معنى البيروقراطية بأنها تمثل تنظيماً رشيداً عقلانياً، ما دفع بعض الدارسين للكشف عن العلاقة بين فكرة الترشيد، كما عبّر عنها ماكس فيبر، والخصائص التي يتضمنها نموذجه المثالي للبيروقراطية. فقد رأى بيتر بلاو –مثلاً- أنه من المفضل تعريف البيروقراطية بوصفها تنظيماً رشيداً يؤدي إلى زيادة الفعالية الإدارية. واستطرد بلاو قائلاً إنه بالإمكان الحكم على مدى رشد الإدارة في ضوء قدرتها على التحقيق المستمر للأهداف التنظيمية.

وعلى الرغم من أن المفهوم يُعد واحداً من النماذج المثالية، التي عرضها فيبر للتنظيم الفعال الرشيد ـ شارحاً السمات المميزة لكل من العاملين والمواقع الوظيفية التي يشغلونها ـ فإن المفهوم ينطوي على أكثر من هذا بكثير. لا تظهر القيمة الكاملة للمفهوم من خلال النظر إلى البيروقراطية بوصفها نتاجاً لعملية الترشيد التي سادت المجتمع فقط، وإنما أيضاً من خلال النظر إليها في ضوء الديموقراطية والهيمنة. فالهيمنة، أو الممارسة المشروعة والمؤسسية للسلطة، تتطلب نوعاً من الإدارة، ومن ثم أدواراً للموظفين الذين يحتلون موقعاً وسطاً بين القائد والقاعدة الانتخابية في إطار النظم الديموقراطية. وتنشأ البيروقراطية عندما يكون تبرير المشروعية مستنداً إلى تبرير قانوني رشيد، يؤكد على الطابع اللاشخصي لممارسة السلطة والقوة، بالاستناد إلى قواعد تنظيمية رشيدة ـ مثل تدرج الوظائف، وقنوات الاتصال، واستخدام الملفات، والسرية ـ والتحديد الواضح لمجالات ممارسة السلطة التي تحددها القواعد العامة وتحكمها التعليمات.

غير أن المشكلة التي يمكن أن تُثار هنا تتعلق بطبيعة القواعد والتعليمات ووظيفتها في الحياة الاجتماعية. فمن الحقائق الثابتة أن البيروقراطية لا تطبق نفسها بنفسها، وإنما يطبقها موظفون يقومون بتفسير معناها وتقييم ملاءمتها للمواقف الفعلية. بمعنى أن على الموظفين أن يصدروا أحكاماً عند ممارستهم لأدوارهم. وهذا يتضمن عناصر قيمية مهمة، ما يصعب معه وجود موظفين أو إداريين محايدين، أو أن يكون تطبيق القواعد تطبيقاً حرفياً حتى يمكن تجنب سوء استخدام السلطة.

البيروقراطية مفهوم اجتماعي وسياسي وإداري ذو وجهين:

·   وجه يعبّر عن الكفاية والموضوعية والدقة وتحقيق الأهداف التنظيمية.

·   والوجه الآخر يعبر عن الروتين وبطء الإجراءات الإدارية وسيطرة العلاقات الشخصية.

والتمييز بين هذين الوجهين يمكننا من النظر إلى البيروقراطية نظرة موضوعية حيادية، نستطيع بها تحليل أبعادها، والكشف عن التأثير الذي تمارسه في مجتمعاتنا الحديثة.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:07 pm

البطالة

Unemployment

 

تحديد مفهوم البطالة تحديداً شاملاً ودقيقاً أمر ليس سهلاً، فعلى الرغم من سهولة إدراك الناس للعاطلين عن العمل، إلا أن محاولة التحديد العلمي والعملي لهذا المفهوم تواجه صعوبات جمة. فكما يقول أنتوني جيدنز: إن البطالة تعني أن الفرد يقع خارج نطاق قوة العمل، ويعني العمل هنا العمل مدفوع الأجر Paid work، كما يعني المهنة أيضاً. ومن صعوبات التحديد الدقيق للبطالة أن بعض الناس الذين يُسجلون عاطلين ربما يعملون في أنماط عديدة من الأنشطة، مثل الخدم والسائقين. كما أن عدداً من الناس يعملون بأجر لبعض الوقت، أو يعملون في وظائف على فترات متقطعة. وأخيراً، هل يدخل المتقاعد عن العمل في نطاق البطالة.

يرى عدد من الاقتصاديين أن مفهوم البطالة ينبغي أن يتضمن معياريين اثنين، هما:

1. العمالة المُحبطة: التي تتمثل في أولئك الذين يرغبون في العمل؛ ولكنهم فشلوا في العثور عليه، فكفوا عن البحث عنه.

2. العمالة التي تعمل إجبارياً لبعض الوقت: وهم مَن لا يستطيعون إيجاد عملاً كل الوقت، حتى لو أرادوا ذلك.

وبناءً على ذلك، فإن البطالة تعني هؤلاء الذين يرغبون في العمل ولا يجدونه حالياً، وتشمل كل الأشخاص الذين تجاوزوا سناً معينة.

وللبطالة ثلاثة شروط أساسية، هي:

1. عدم وجود عمل: أي لا توجد وظيفة مدفوعة الأجر، أو لا يوجد عمل في الأعمال الحرة.

2. البحث عن العمل: بمعنى اتخاذ إجراءات للحصول على وظيفة مدفوعة الأجر، مثل التسجيل بالمكاتب الخاصة والعامة للتشغيل، ومتابعة الإعلانات في الصحف والمجلات، أو إجراء مقابلات من أجل العمل أو الوظيفة.

3. الرغبة في قبول الوظيفة مدفوعة الأجر، أو العمل الحر.

وعلى هذا عُرِّفت البطالة في إطار القواميس المتخصصة بشكل عام بوصفها "الحالة التي يبحث فيها الفرد بدرجة كافية عن العمل المدفوع الأجر، ولكنه لا يجده؛ لأن عدد الأفراد يفوق عدد الوظائف الشاغرة أو المعلن عنها".

ويقترب من هذا التعريف، تعريف موسوعة علم الاجتماع للبطالة بأنها "حالة عدم قدرة الشخص على أن يبيع قوة عمله في سوق العمل، على الرغم من رغبته في ذلك".

تُعرف البطالة في إطار التراث الاقتصادي والاجتماعي المعاصر بمعنيين، هما:

المعنى الأول: عام وموسع، وينظر إلى البطالة بوصفها الحالة التي يكون الفرد فيها بلا عمل؛ بمعنى أن الفرد لم يمارس أي عمل لأية فترة من الزمن، ولم يكن متغيباً بصورة مؤقتة عن العمل.

أما المعنى الضيق،  فيشترط استعداد الفرد للعمل حالياً، ويبحث عنه؛ ولكنه لا يجد العمل المناسب له.

يُلاحظ أن هذين التعريفين تنقصهما الدقة؛ لأن الفرد لا يُعد عاطلاً إلا بعد أن يصل إلى عمر معين، ويصبح قادراً على العمل. إضافة إلى ذلك فإن بعض الأفراد يعملون لبعض الوقت بغير إرادتهم، ويرغبون في العمل طوال الوقت، ومثل هؤلاء لا يدخلون ضمن العاملين لو كانوا يعملون ساعة واحدة في الأسبوع. ومن ثم لا تصلح هذه التعريفات الفضفاضة لتحديد مفهوم البطالة.

على هذا وضعت منظمة العمل الدولية (ILO) معياراً مهماً لتحديد مفهوم "المتعطل"، بأنه "الشخص الذي لا يعمل أكثر من ساعة واحدة أثناء اليوم الواحد، وخلال وقت التعداد، ولكنه قادر على العمل ويبحث بنشاط وجدية عن العمل". وبناءً على ذلك حُدد مفهوم البطالة بمعنى عدم توافر العمل لشخص راغب فيه وقادر على أداء مهنة تتفق مع استعداده، ويرجع ذلك إلى حالة سوق العمل. ولذلك تُقاس البطالة بنسبة العمال المتعطلين بالقياس إلى مجموع الأيدي العاملة. ويشمل المتعطلون جميع الأشخاص فوق سن معينة (تزيد عادة عن خمسة عشر عاماً)، منهم مَن لا يعملون بالأجر أو لا يعملون لحسابهم الخاص، والذين لديهم الاستعداد للعمل بأجر أو لحسابهم الخاص، واتخذوا خطوات محددة بحثاً عن العمل.

لعل هذا التعريف ـ على الرغم من شيوع استخدامه ـ يكاد يجمع غالبية الشروط الموضوعية، التي تتحقق في ظلها حالة البطالة، إلا أنه لم يوضح مدى قبول المتعطل لمستوى الأجر السائد، ولا يوضح فشله في الحصول على العمل.

وبناءً على ذلك يمكن الأخذ بتعريف منظمة العمل الدولية للبطالة، بأنها: "الحالة التي يكون فيها الفرد قادراً على العمل، وراغباً فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى".

أشكال البطالة وأنماطها

تتفق معظم الدراسات الاقتصادية والاجتماعية التي تناولت ظاهرة البطالة، أن أنماط البطالة وأشكالها ليست ثابتة أو نهائية، وإنما هي متغيرة ومتجددة باستمرار، طبقاً لجوانب اهتمام الباحثين، وبناءً على معيار التصنيف المتبع في دراسة ظاهرة البطالة، وكذلك وفقاً لمدة البطالة التي تعانيها الفئات المتعطلة.

ويمكن تقسيم أشكال البطالة إلى الأنواع الآتية:

1. النمط الأول: تقسيم البطالة حسب نمط التشغيل، إلى ثلاثة أنماط هي:

أ. البطالة السافرة Open unemployment

ويُقصد بـ"البطالة السافرة"، حالة التعطل الظاهر التي يعاني منها جزء من قوة العمل المتاحة، أي وجود عدد من الأفراد القادرين على العمل والراغبين فيه والباحثين عنه عند مستوى الأجر السائد دون جدوى، ولهذا فهم في حالة تعطل كامل لا يمارسون أي عمل لفترة قد تطول أو تقصر حسب ظروف الاقتصاد القومي، مثل بطالة الخريجين.

ب. البطالة الجزئية أو نقص التشغيل Underemployment

وتعني الحالة التي يمارس فيها الشخص عملاً، ولكن لوقت أقل من وقت العمل المعتاد أو المرغوب. ومن ثم فهي تتضمن في معناها الواسع وجود جماعة من الناس يعملون لساعات عمل أو أيام أقل مما هو مرغوب، ويعملون من خلال عقود تختلف عمّا هو مرغوب، ويعملون في أماكن غير مناسبة للتشغيل، كما يكون إنتاجهم، عادة، أقل من الأعمال الأخرى.

ج. البطالة المقنعة أو المستترة Disguised unemployment

وهي تلك الحالة التي يتكدس فيها عدد كبير من العمال على نحو يفوق الحاجة الفعلية للعمل، ومن ثم يكون إنتاجهم أو كسبهم أو استغلال مهاراتهم وقدراتهم على نحو متدنٍ. وهذه البطالة تُعد أخبث الأنواع خاصة في الدول النامية، لأنها الوجه الآخر لتدني الإنتاج في العمل المبذول.

2. النمط الثاني: تقسيم البطالة حسب طبيعة النشاط الاقتصادي السائد إلى ثلاثة أنماط، هي:

أ. البطالة الاحتكاكية (الفنية) Frictional Unemployment

وهي الحالة التي تحدث عندما يتعطل بعض الأشخاص، مع ما قد يكون من طلب على العمال لم يتم إشباعه بعد؛ لأن هؤلاء العمال المتعطلين غير مؤهلين لسد حاجة هذا الطلب. وينشأ –عادة- هذا النوع من البطالة بسبب إحلال الآلات محل العمال في بعض الصناعات، أو لصعوبة تدريبهم على الأعمال التي لم يسبق لهم التدريب عليها، والتي يتزايد الطلب عليها في سوق العمل.

ب. البطالة الدورية Cyclical Unemployment

وهي التي تنشأ نتيجة للدورات التجارية المعروفة جيداً في النشاط الاقتصادي المتكامل؛ فعندما يحدث انخفاض عابر في الطلب على البضائع، يُرغم أصحاب المصانع على تخفيض عدد العمال أو تخفيض ساعات عملهم.

ج. البطالة الهيكلية (البنائية) Structural Unemployment

ويُقصد بها ذلك النوع من التعطل الذي يصيب جانباً من قوة العمل، بسبب تغيرات هيكلية تحدث في الاقتصاد القومي، وتؤدي إلى وجود حالة من عدم التوافق بين فرص التوظف المتاحة ومؤهلات وخبرات العمال المتعطلين الراغبين في العمل والباحثين عنه. وتحدث البطالة الهيكلية بسبب تغير في هيكل الطلب على السلع والمنتجات، أو إلى تغير في الفن التقني المستخدم، أو إلى تغيرات في سوق العمل نفسه.

3. النمط الثالث: تقسيم البطالة حسب طبيعتها الخاصة إلى:

أ. البطالة الموسمية Seasonal Unemployment

وهي البطالة التي تحدث أساساً في القطاع الزراعي بسبب موسمية الإنتاج الزراعي. فقد أصبحت الزراعة مهنة لبعض الوقت، خاصة وأن صغر حجم الحيازة الزراعية بفعل تفتت الحيازة أدى إلى الحد من العمالة الزراعية. وقد تحدث في بعض الصناعات في الريف بسبب التغيرات الموسمية في النشاط الاقتصادي نتيجة للظروف أو للتغيرات، التي تطرأ على أنماط الاستهلاك.

ب. البطالة الاختيارية Voluntary Unemployment

وهي الحالة التي يتعطل فيها الفرد بمحض إرادته واختياره، حينما يقدم استقالته عن العمل ، إما لعزوفه عنه أو تفضيله لوقت الفراغ، وإما لأنه يبحث عن عمل أفضل يوفر له أجراً أعلى، وظروف عمل أحسن، أو للانسحاب من سوق العمل بإرادته، كجماعات التكفير والهجرة التي ترفض العمل في الحكومة.

ج. البطالة الإجبارية أو القسرية Involuntary Unemployment

ويُقصد بها الحالة التي يتعطل فيها العامل بشكل قسري، أي من غير إرادته أو اختياره، وتحدث من طريق تسريح العمال بشكل قصري مع أن العامل راغب في العمل (مثل ظاهرة المعاش المبكر الإجباري) وقادر عليه وقابل لمستوى الأجر السائد. وقد تحدث البطالة الإجبارية عندما لا يجد الداخلون الجدد لسوق العمل فرصاً للتوظف، على الرغم من بحثهم الجدي عنه، وقدرتهم عليه، وقبولهم لمستوى الأجر السائد.

وهذا النوع من البطالة يسود بشكل واضح في مراحل الكساد الدوري في الدول الصناعية، أو في حالة خصخصة الشركات والمنشآت العامة في الاقتصاد القومي.

إن عرض أشكال البطالة ليس هدفاً نهائياً أو غاية في حد ذاته، بل تتوقف جدواه على ما يقدمه من وصف موضوعي واقعي لأشكال البطالة القائمة حتى يسهم ذلك في تشخيص دقيق لها، ومن ثم تحليل أعمق وأشمل لكل عناصرها وأبعادها، الأمر الذي يساعد في وضع تصور علمي لمواجهة الآثار المترتبة عليها والتخفيف من حدتها.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:08 pm

الصفوة السياسية

Political Elite

 

يُشير مفهوم الصفوة، بشكل عام، إلى جماعة من الأشخاص يشغلون مراكز النفوذ والسيطرة في مجتمع معين. ويُستخدم بشكل أكثر تحديداً للإشارة إلى النفوذ الذي تمارسه هذه الجماعة؛ خاصة القلة الحاكمة في مجال محدد. لذلك تكون "الصفوة" أكثر الطبقات هيبة وأثراً. وقد يُشير المصطلح أيضاً إلى أعلى فئة في أحد ميادين التنافس، ومن ثم تتألف الصفوة من المبرزين المتفوقين بالقياس إلى غيرهم، ولذلك فهم يعدون قادة في ميدان معين. وبهذا المعنى تكون هناك صفوة سياسية، وصفوة في الفن، وصفوة علمية ودينية... إلخ. وللصفوة تأثير مهم في تشكيل القيم، وفي تحديد اتجاهات قطاعات المجتمع التي تمثلها، أو الميادين التي برزت فيها.

وقد ميّز علماء الاجتماع، من أمثال بارتيو وموسكا وميشيلز، بين الحكام والمحكومين، أو بين الأقلية ذات السلطة أو القوة، وبين الأغلبية التي لا تتمتع بها. كما طرح العلماء تعريفاً واسعاً للصفوة لا يرتبط بالضرورة بفكرة السيطرة السياسية، بل يشير إلى أي جماعة من الأفراد معروفة اجتماعياً ذات خصائص لها قيمة محددة كالمقدرة العقلية أو الوضع الإداري المرتفع أو القوة العسكرية أو القوة الأخلاقية ـ تؤدي إلى درجة عالية من الهيبة والنفوذ الواسع.

ويعد فلفريدو باريتو من أكثر علماء الاجتماع اهتماماً بمفهوم الصفوة. وقد استخدم باريتو مصطلح "التباين الاجتماعي" للإشارة إلى حقيقة اختلاف الناس في خصائصهم الفيزيقية والأخلاقية والفكرية، بحيث يتفوق بعضهم على الآخرين، فيما يتعلق بهذه الخصائص. وعلى هذا الأساس استخدم باريتو مفهوم "الصفوة" للإشارة إلى التفوق في مجالات الذكاء، والطابع، والمهارة، والقدرة، والقوة... إلخ. وعلى الرغم من اعترافه بإمكان حصول بعض الأفراد على لقب "الصفوة"، دون امتلاكهم للصفات التي تؤهلهم لذلك، إلا أنه أكد ـ في الوقت نفسه ـ أن الذين يتميزون بخصائص الصفوة سوف يشكلون بالضرورة صفوة مقبلة.

كما يحاول باريتو أن يضع مفهوماً آخر للصفوة بوصفها الفئة التي تحكم، ويسميها "الصفوة الحاكمة" The Ruling Class. أما التعريف الأشمل لمفهوم الصفوة لدى باريتو، فهي تعني "ذلك العدد الصغير من الأفراد الذين نجحوا في مجالات النشاط الاجتماعي، ووصلوا إلى مرتبة أعلى في الهرم أو التدرج المهني"؛ فرجل الأعمال الناجح والسياسي الناجح، كل أولئك ينتمون عند باريتو إلى الصفوة؛ فالسمة المشتركة بين الأمثلة التي يتحدث عنها باريتو هي النجاح والتفوق.

أما موسكا، فقد نظر إلى مفهوم الصفوة من زاوية مختلفة إلى حد ما. يذكر موسكا أن كل المجتمعات الإنسانية عبر تاريخها انقسمت إلى طبقة حاكمة قليلة العدد، وطبقات محكومة كثيرة العدد. ويسلم موسكا بأن الجماهير تستطيع ممارسة الضغوط على الحكام، وتنشأ هذه الضغوط نتيجة لاستياء الجماهير من بعض السياسات التي تنفذها الصفوة الحاكمة. وقد يؤدي هذا الموقف إلى الإطاحة بالطبقة الحاكمة، وفي هذه الحالة تظهر إلى حيز الوجود طبقة حاكمة من بين الجماهير تتبنى سياسة جديدة، أكثر تلاؤماً مع مصالح الشعب. ويعتقد موسكا أن قوة الطبقة الحاكمة تنبع من أنها تشكل أقلية منظمة في مواجهة أغلبية غير منظمة. وقد أكد موسكا أن الصفوة الحاكمة لا تكتسب قوتها من طبيعة تنظيمها فقط، بل أيضاً من خصائصها المادية والفكرية والأخلاقية، التي تميزها عن الأغلبية المحكومة. ويذهب موسكا بعد ذلك إلى أن القانون النفسي الذي يجبر الناس على النضال من أجل التفوق، يؤدي في النهاية إلى ظهور القلة الحاكمة، تلك التي تتحكم بفضل قدرتها التنظيمية وخصائصها الفردية في القوى الاجتماعية المختلفة.

وقد حدد توم بوتومور Bottomor الصفوة بأنها "القلة التي تحكم المجتمع"، تلك القلة ليست جماعة وظيفية بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، إلا أنها تنطوي، في الوقت نفسه، على أهمية اجتماعية كبيرة تستحق بها أن تُمنح اصطلاحاً محدداً. ومن ثم فإنه يستخدم مصطلح الطبقة الحاكمة للإشارة إلى تلك الجماعات، التي تمارس القوة أو التأثير السياسي، أو التي تكون موجهة أساساً إلى الكفاح من أجل الحصول على القيادة السياسية.

يرى لازويل Lasswell، أن الصفوة تتكون من ذوي النفوذ والسلطة الذين يملكون مقاليد القوة في أي جهاز سياسي أو إداري، وهؤلاء يشملون القيادة والتشكيلات أو التكوينات الاجتماعية، التي ينحدر منها هؤلاء القادة السياسيون، والتي من خلالها يُقدر ويُحسب كل شيء خلال فترة زمنية محددة.

"الصفوة" هي أقلية من الشعب تستحوذ على عملية اتخاذ غالبية القرارات المؤثرة داخل المجتمع؛ ونظراً لاتساع مجالات القرارات فإنها تؤثر على المظاهر العامة للمجتمع أيضاً، ويكون ذلك بوجه خاص في مجال القرارات السياسية. ولذا، فإن للصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أية جماعة أخرى في المجتمع بأسره، ومن ثم فهي في تصور بعض الناس مصدر القيم ومنبع المعايير والاتجاهات، ومن ثم فهي العامل الأساسي لتحقيق التماسك الاجتماعي.

وقد ميز بعضهم في هذا السياق بين حكم الصّفوة وحكم الطبقة Class Ruling. ويركز المفهوم الأول على أسلوب الاختيار لمن يضطلعون بمهام الحكم والإدارة؛ بينما يركز المفهوم الثاني على أسلوب توصيفهم. وتفترض الصفوة وجود توافق حركي بين أعضائها ـ سواء بشكل مقصود أو غير مقصود ـ حفاظاً على وضعهم الاجتماعي أو امتيازاتهم السياسية. ويثير الحديث عن الصفوة موضوعات معينة، مثل: شرعية الصفوة، بمعنى الأسس التي تُبنى عليها ممارستها للسلطة، ومسألة دوران الصفوة، التي تشير إلى درجة انفتاح الصفوة أمام عناصر جديدة أو انغلاقها على عناصر بينها فترات زمنية قد تطول.

ويميل عدد ليس قليل من علماء الاجتماع المعاصرين إلى التمييز بين "الصفوات" المختلفة، طبقاً لطبيعة القوى والنشاطات التي تسيطر عليها. فعلى سبيل المثال، ميز ناديل Nadel بين ثلاثة أنماط من الصفوات هي: الصفوات الاجتماعية، والصفوات المتخصصة، والصفوات الحاكمة.

فالصفوات الاجتماعية تمارس تأثيراً غير مباشر؛ فهي لا تحتكر اتخاذ القرارات، ولكن يرجع مصدر قوتها إلى محاكاة الناس لقادتها.

أما الصفوات الحاكمة، فتضم القادة السياسيون الذين يمارسون قوتهم من خلال وضعهم القانوني واحتكار اتخاذ القرارات.

وأخيراً الصفوات المتخصصة، التي تضم القطاعات العليا من ذوي المهن الفنية العليا، كالأطباء والمحامين والمهندسين.

وتختلف طبيعة الصفوات باختلاف مستوى التطور الاجتماعي والاقتصادي للمجتمعات؛ فالصفوات في مجتمع كالمجتمع المصري تختلف بطبيعة الحال عن قريناتها في المجتمع الأمريكي. بل إنه في داخل المجتمع الواحد قد تختلف الصفوات من فترة لأخرى؛ ففي المجتمع المصري ظهرت صفوات معينة خلال فترة الاستعمار الإنجليزي، مثل كبار ملاك الأراضي وأصحاب المشروعات الصناعية وكبار موظفي الحكومة، ثم ما لبثت هذه الصفوات أن تعرضت لمؤثرات مهمة بعد الحصول على الاستقلال السياسي وقيام ثورة يوليه 1952. ومن الطبيعي أن يؤدي ذلك إلى إضعاف الصفوات القديمة وظهور صفوات جديدة تتلاءم مع التطورات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.

ويتفق رايت ميلز مع بيرنهام، في أن مكانة الصفوة وبناءها لا يتوقفان على مواهب الأفراد أو خصائصهم السيكولوجية؛ ولكنهما يتحددان في ضوء البناء الاجتماعي الاقتصادي لمجتمع معين. وقد نظر ميلز إلى الصفوة من خلال المؤسسات المهمة أو الإستراتيجية في المجتمع الأمريكي، ورأى أن قادة هذه المؤسسات في مجالات الجيش والصناعة والحكومة يشكلون صفوة على المستوى القومي، بحيث تنشأ بينهم صلات وروابط وثيقة. ويذهب رايت ميلز إلى أن هذه الروابط تكون في أوج قوتها حينما يتبادل الأفراد فيما بينهم الوظائف العليا الممثلة لقطاعات المجتمع المختلفة. وهنا يفضل ميلز استخدام تعبير "صفوة القوة" Power Elite، للإشارة إلى أولئك الذين يشغلون الأوضاع القيادية، كرؤساء الشركات والقادة السياسيين، والقادة العسكريين. ويرى أن الصفوة هي التي تتخذ القرارات المصيرية مُبقية الجماهير في حالة سكون وهدوء، مستعينة لتحقيق ذلك بمدح الجماهير وخداعها والتفنن في الترويح عنها؛ وفضلاً عن ذلك كشف ميلز عن الفساد المتفشي داخل الصفوة ذاتها، وهو فساد يعود إلى الحالة التي لا تكون فيها الجماهير منظمة تنظيماً دقيقاً، يسمح لها باتخاذ القرارات الملائمة.

وأخيراً، يمكن تعريف الصفوة السياسية بشكل محدد بوصفها أقلية مسيطرة تتحكم في القرارات السياسية والاقتصادية، ويخضع الأغلبية لهذه القرارات. وللصفوة من القوة والنفوذ ما يتعدى نطاق أي جماعة أخرى في المجتمع بأسره، ولذلك فهي تتمتع بمكانة اجتماعية متميزة داخل المجتمع.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75523
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية "  2 Emptyالجمعة 10 يونيو 2016, 3:09 pm

التثاقف

Acculturation

 

قبل توضيح مفهوم التثاقف، لا بد من الإشارة إلى المفهوم الأكثر اتساعاً وشمولاً، وهو مفهوم الثقافة Culture. فالثقافة، بشكل عام، هي طريقة للحياة يشترك فيها أعضاء المجتمع أو الجماعة، وتُكتسب من خلال عضوية الأفراد في المجتمع ومشاركتهم في طريقة الحياة، أي أنه يتم تعلم الثقافة من خلال التفاعل مع الآخرين.

ولعل من أبسط تعريفات الثقافة وأكثرها وضوحاً، تعريف ادوارد تايلور بوصفها ذلك الكل الديناميكي المعقد، الذي يشتمل على المعارف والفنون والمعتقدات والقوانين والأخلاق والتقاليد والفلسفة والأديان وبقية المواهب والعادات التي اكتسبها الإنسان من مجتمعه بوصفه عضواً في المجتمع. وأكد تعريف تايلور نقطتين أساسيتين:

الأولى: أن كل منا يكتسب الثقافة بوصفه عضواً في المجتمع.

الأخرى: أن الثقافة ليست مادية فحسب، بل هي ظاهرة معنوية، أيضاً، تشمل اللغة والأساطير والفلسفة والعادات. أي أن الثقافة لا تتكون من الأشياء والأحداث التي يمكن عدها أو قياسها، بل تتكون أيضاً من الأشياء غير المرئية، وما نستنتجه من حولنا.

لذا، ذهب جيمس مكي إلى أن الثقافة هي المعنى الذي يشير إلى المضمون الرمزي من المعنى المركب والشامل من التفاعل الاجتماعي. ووفقاً لذلك تحتوي الثقافة على الأفكار والاتجاهات العامة المقبولة والمتوقعة، التي يتعلمها الإنسان من اتصاله بالواقع الاجتماعي.

وتلعب الثقافة خلال السنوات الأولى من حياة الإنسان دوراً مهماً في إعداده، ليكون أكثر فاعلية في محيطه الاجتماعي. كذلك فإن كل جيل جديد غير مطالب بأن يبدأ من فراغ، ولكن عليه أن يستفيد ممن حوله، ويتعلم كيف يتكيف مع العالم الطبيعي والاجتماعي المحيط به. وفيما بعد، فإن أعضاء المجتمع، مطالبون بأن ينقلوا التراث إلى الأجيال القادمة، وينقلوا لهم ما تعلموه من الماضي وما أضافوه إلى هذا الكل الثقافي.

ويرتبط بمصطلح الثقافة مصطلح: اكتساب الثقافة، أو التثاقف Acculturation، ويعني أنه عند انتقال أعضاء الجماعة من جماعتهم للعيش في جماعة أو مجتمع آخر، فإنهم يواجهون عملية تغير ثقافي Cultural Change، لأنهم يواجهون ثقافة تختلف عن ثقافتهم. ومن خلال الاحتكاك والاتصال المباشر يكتسب الأعضاء الجدد في هذا المجتمع ثقافته، وتُسمى هذه العملية اكتساب الثقافة. وهي عملية دينامية مستمرة قد تتم بوعي الأفراد بها أو من دون وعيهم. فنجدهم يكتسبون أنماطاً سلوكية مغايرة للأنماط السلوكية الخاصة بجماعتهم، وقد يشعرون بذلك عند عودتهم إلى جماعتهم الأصلية.

ويوضح هذا أن أحدى خصائص التثاقف المهمة أنه ليس موروثاً بل مكتسباً، وأن الإنسان يكتسبه في كل يوم من حياته.

إذن، فالتثاقف هو العملية التي يكتسب الفرد أو الجماعة من طريقها خصائص ثقافة أخرى، من خلال التفاعل والاتصال المباشر، أو هي اكتساب الثقافة بالمشاركة والاتصال، أو هي عملية التغير الثقافي الذي ينجم عن الاتصال المستمر بين جماعتين متمايزتين ثقافياً.

وقد شاع استخدام هذا المصطلح في الأنثروبولوجيا في أواخر القرن التاسع عشر، خصوصاً في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اهتمت الأنثروبولوجيا الثقافية بالدراسات الثقافية؛ فضلاً عن الاهتمام بدراسة انتقال التراث الثقافي زمنياً داخل الثقافة الواحدة، أو عبر ثقافات متعددة.

تشبه عملية التثاقف من وجهة نظر الفرد التعلم الاجتماعي أو التنشئة الاجتماعية، التي يؤدي فيها الاتصال اللفظي دوراً أساسياً. ويعني التثاقف من المنظور الاجتماعي انتشار القيم والأساليب والنظم، وما يطرأ عليها من تعديلات في ضوء ظروف معينة، ما يؤدي في بعض الأحيان إلى ظهور ما يُسمى بالصراع الثقافي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 2
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
»  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 1
»  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 3
» " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 4
» " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5
»  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: