| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الخميس 16 يونيو 2016, 11:45 pm | |
| |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الخميس 16 يونيو 2016, 11:49 pm | |
| الأُسْرة
مقدمة
الأسرة[1] Family هي مجموعة الأفراد، الذين يرتبطون معاً برباط الزواج أو القرابة ويعيشون معاً في تفاعل، وتتكامل أدوارهم في مسكن واحد، وذلك على أساس من علاقات الدم، أو القانون، أو العرف. وتُعَدّ الأسرة وحدة بناء المجتمع، فكلما كانت متماسكة، وقوية، وصحيحة نفسياً، انعكس ذلك على المجتمع، وأصبح مجتمعاً قوياً، يتمتع أفراده بالصحة النفسية، وتقل الاضطرابات بين أفراده.
وقد تكون الأُسرة نووية أو ما تُعرف بالأسرة النواة Atomistic Family ويتميز أفرادها بالفردية والتحرر الواضح من الضبط الأسري. والعلاقات تتميز بعلو مصلحة الفرد مصالح الأسرة ككل. وتمتاز الأسرة بصغر حجمها وهي التي تشمل الأب والأم والأبناء فقط، ويعيشون معاً تحت سقف واحد. وقد تكون الأُسرة ممتدة Extended Family، أي تمتد لتشمل الأجداد، والأعمام والعمات، أو الأخوال والخالات، وأولادهم، ويعيش الجميع معاً في عيشة واحدة، فيتكاملون اقتصادياً واجتماعياً، ويمثلون وحدة واحدة في إطار المجتمع، ومن ثم فهي تتكون بنائياً من ثلاثة أجيال أو أكثر.
[1] الأسرة من الناحية اللغوية: المصدر الأسرة بمعنى الدرع الحصينة، وأهل الرجل وعشيرته. والجماعة يربطها أمر مشترك. الجمع أسر، والأسرة من الناحية الاصطلاحية هي الأسرة الإنسانية، والتي تعتبر جماعة اجتماعية بيولوجية نظامية تتكون من رجل وامرأة (بينهما رابطة زواجية مقررة) وأبنائهما. وأهم الوظائف الخاصة، إشباع الحاجات العاطفية والجنسية وتهيأة المناخ الاجتماعي الثقافي الملائم لرعاية وتنشئة وتوجيه الأبناء. وتتألف الأسرة الإنسانية من الأباء والأبناء، وقد تشتمل على أبناء بالتبني ويُطلق على هذا الشكل مصطلح الأسرة النواة.
مراحل حياة الأُسرة
1. المرحلة الأولى: هي مرحلة الزواج وتكوّن الأُسرة. تبدأ باختيار الزوجين كل منهما للآخر، بعد معرفة كل منهما للآخر. وقد يُبنى الاختيار على صورة فتى الأحلام، وفتاة الأحلام، التي يرسمها كل من الولد والبنت، في مراحل حياتهما السابقة، وذلك من خلال تعاملاته مع المحيطين به في حياته اليومية، إذ يقابل أناساً، يرتاح إليهم، فترتسم بعض ملامحهم داخله، مرتبطة بالطيبة والرقة والحنان والعطف ومساعدة الآخرين، أو الشجاعة والإقدام والمهارة، وغير ذلك من الصفات المرغوب فيها. ثم تنسى المواقف، التي حدث فيها التعامل مع الشخص، ولكن يبقى بعض ملامحه. وتتكامل تلك الملامح معاً، بمرور السنوات، مكوّنة خطوطاً عريضة لملامح فارس الأحلام أو فتاة الأحلام. وقد تكون الخطوط واضحة الملامح إلى درجة أن ترى البنت صورة فارس الأحلام في خيالها، وعندما يتقدم لها شاب لخطبتها، فإنها تبحث فيه عن صورة فارس أحلامها. وقد لوحظ أن أغلب صور فارس الأحلام لدى الفتيات، تشبه والدها إلى حدّ كبير، مع بعض التعديلات النابعة من لا شعور الفتاة. وفي غمرة الحماس للصورة الخارجية، التي تتطابق مع صورة فارس الأحلام، غالباً ما تندفع البنت، من دون دراسة لشخصية العريس المتقدم، في الموافقة وإتمام الزواج. ولا أنسى تلك السيدة، التي حضرت إلى العيادة، في حالة اكتئاب نفسي شديد، وكراهية للحياة، مع إحباط ويأس من حياتها الزوجية، ونقص شهية للطعام، واختلال النوم. وعند البحث عن أسباب تعاستها واكتئابها، لوحظ أن عدم توافقها الزوجي، من جميع الوجوه، وسوء معاملة الزوج لها، هما السبب. وهي متزوجة منذ ست سنوات، ولديها طفلان. وعندما سألتها عن اختيارها زوجها، كيف تم؟ أجابت بأنه عندما تقدم لطلب يدها، جاءت جلسته تحت صورة والدها، المكبرة، والمعلقة في حجرة الاستقبال، وكان والدها قد توفاه الله منذ عامين، ولاحظت أن هناك شبهاً كبيراً في الملامح بينهما، فوافقت، من الفور دون تردد. وما أن تزوجته، حتى ظهرت طباعه السيئة، وسوء معاملته، وضربه المبرح لها. فظلت تتحمله، خوفاً من الطلاق، حتى أصابها اكتئاب، وانفجرت من داخلها بفعل تراكم الإحباطات اليومية.
وأحياناً يتم الاختيار من خلال التعامل اليومي وتعود رؤية الشخص، فتتم الألفة وترفع الحشمة بينهما، فيشعران بالارتياح، كل منهما للآخر. وهنا تكون الصداقة قد سبقت مشاعر الحب، ولم تتأتَّ الصداقة، إلا من خلال إعجاب كل منهما بأداء الآخر، ودوره، وطريقة تعامله، فيتم إسقاط مشاعر الحب عليه، ثم يكون الاختيار للزواج. وهو اختيار أكثر واقعية ونضجاً، من النوع السابق، المرتبط بفتى أو فتاة الأحلام.
وأحياناً، يكون للإغراءات المادية والإمكانات الدور الأكبر في الاختيار، من دون قناعة داخلية بملاءمة هذا الشخص لتلك الفتاة. وهنا يكون الزواج أشبه بصفقة مادية، تجارية، تحسب على أساس المكسب والخسارة. وإذا لم يتغير هذا المبدأ، سريعاً، إلى مشاعر متبادلة، محورها المودة والرحمة، فإن مصير هذا الزواج الفشل، سواء كان معلناً بالطلاق، أو غير معلن في صورة عيشة سيئة، ظاهرها الزواج، وباطنها العذاب، لكل من الطرفين، أو لأحدهما، مع معاناة الأولاد جفاف نبع الحنان والحب، المفترض تدفقه عليهم من دفء الأُسرة العاطفي.
وقد يكون الاختيار، أحياناً، مُرتباً من قِبل الأُسرة (أو الأُسرتين)، يخضع فيه العروسان لرغبة الأهل، من دون النظر إلى مدى قبول كل منهما للآخر. وهذا الزواج غالباً ما يشبه بالبطيخة، فإما أن تكون حمراء، حلوة الطعم، وإما أن تكون فاسدة، لا طعم لها. فإذا كانت حلوة، استقامت الحياة، وطابت لكلا الطرفين. وإذا كانت فاسدة، فما حيلتهما؟! لا شك أنهما سيحاولان التحمل ومجاهدة كل منهما لنفسه، بغية الاستمرار والمحافظة على الشكل، والاستمرار في إرضاء الكبار والأُسرتين. ولكن ما لا ينبع من الداخل، وما يتم من قهر النفس على ما لا تريده، خاصة في الحياة الزوجية، هو نوع من التعذيب، يصعب استمراره، فيقع المحتوم، ويحدث الطلاق. ويكون الضحايا هم الأبناء، ضحايا لاختيار مفروض ومرتب، ولم يُبنَ على فهْم وإرادة حرة من الطرفين.
وبعد الاختيار، يتمم الزواج، غالباً، بعد فترة خطبة وعقد القران، الذي يتم فيه إعلان الزواج وتوثيقه، مدنياً حفظاً لحقوق الطرفين والأبناء. وتستمر هذه المرحلة إلى أن يولد الطفل الأول.
2. المرحلة الثانية من عمر الأسرة: وتبدأ بولادة الطفل الأول. وتتميز هذه المرحلة برعاية الأبناء، وتوجيه الاهتمام إليهم، والانشغال بتربيتهم، وبناء مستقبلهم، مع جعل الأُسرة مستقرة، مادياً، لمواجهة مطالب الأبناء. وقد تعاني الأُسرة في هذه المرحلة، وجود طفل معوق، أو تمرد أبنائها المراهقين، أو إدمان أحدهم، أو انحراف سلوكه.
3. المرحلة الثالثة: وتبدأ عندما يترك الأبناء بيت الأُسرة، ويبدءون في الاعتماد على أنفسهم، أو ينشغلون عن الوالدين، بالدراسة الجامعية، أو العمل، أو بالأصدقاء. ويأخذ الوالدان في إعادة ترتيب حياتهما من جديد، فيسعى كل منهما إلى البحث عن معنى لحياته، ويجدّ في البحث عن اهتمامات جديدة، أو يبدأ صداقات جديدة. وأحياناً يعيد أحدهما، أو كلاهما، اختياراته من جديد، بحثاً عن معان جديدة للحياة. وقد تأخذ تلك الاختيارات صورة الأزمة، ويطلق عليها أزمة منتصف العمر، ويهيئ لحدوث هذه الأزمة، ولا سيما لدى الزوج، الروتين اليومي، المتكرر منذ سنوات، مع الاستقرار المادي، وعدم وجود أهداف جديدة، يبغي تحقيقها في مسيرة حياته، وزوجته قد وصلت إلى سن اليأس، وفقدت الكثير من مظاهر أنوثتها وجاذبيتها، فأصبحت مثيراً غير كافٍ لتحريك الغريزة الجنسية، تلك التي خبت جذوتها، بفعل تقدمه في السن، وأصبح يحتاج إلى مثير أقوى، تجسده فتاة حسناء، صغيرة السن. وهكذا ترتبك نواحي حياته المختلفة. وعندما تشعر الزوجة بتغير زوجها، تثور، بدورها، وتصبح عصبية. فيترك لها البيت إلى زواج جديد، أو إلى إقامة منفردة، باحثاً عن نفسه وهويته من جديد، من خلال صداقات، أو علاقات عاطفية، أو عزلة واكتئاب. ولذا، فإن من واجب الزوجة، في هذه المرحلة، أن تحافظ على هدوئها، وأن تبدو طبيعية في تعاملها، وألاّ تثور، أو تفقد تواصلها مع زوجها، لأن هذا يساعده على اجتياز الأزمة، بأقل الخسائر للأسرة. أما ثورتها وعصبيتها فستدفعانه إلى الارتباط بأخرى ارتباطاً متسرعاً، لا يحسب حسابه جيداً. وهي في خضم ثورتها ستعمل على كسب أولادها في صفها، وذلك بأن تجعلهم يكرهون والدهم. الأمر الذي قد يحطمهم، نفسياً، ويلقي بهم في هوة الإدمان أو الاكتئاب. وهو هدم لكل ما بنته يداها، في سنوات عمرها السابقة.
4. المرحلة الرابعة: وهي المرحلة الأخيرة للأُسرة. إذا كبر الوالدان، وضعفت صحتهما، أو توفي أحدهما. وتكوّنت بدلاً من أُسرة الأصل هذه، أُسَر صغيرة للأبناء. كما يقتسم الأبناء الميراث بينهم، أو يحملون لواء الأُسرة الأصلية، لاستكمال مسيرة الأُسرة الممتدة.
تأريخ تطور الأسرة
ولقد مرت الأسرة بمراحل مختلفة، عبر العصور، حتى وصلت إلى شكلها الحالي. ففي عصور الصيد، كان الرجال يقضون أغلب الوقت في مطاردة الحيوانات. وأحياناً، لا يعودون، فكانت الأم هي التي تقوم على شؤون الأُسرة ورعاية الأطفال. ولم تكن المجتمعات، حينئذٍ، قد عرفت الزواج بشكله الحالي. ولكن كانت العلاقات الزوجية متعددة، وكان الأطفال لا ينسبون إلى أب محدد، ولكن ينسبون إلى القبيلة، أو إلى الطوطم الذي تتخذه الأُسرة شعاراً لها. وكان لسيطرة الزوجة على الأسرة مظاهر، منها أنها كانت تطلق الزوج. وكان ذلك يتم عندما تحوّل المرأة باب خيمتها إلى الجهة المقابلة. ثم أصبحت الأُسرة أبوية، سيطر عليها الأب، عندما استأنس الإنسان الحيوانات، بدلاً من الجري وراءها لاصطيادها، أصبح يربيها ويرعاها، فأصبحت مهنة الرعي من نصيب الرجل، ورعاية الأولاد من نصيب الزوجة. وخضعت الأُسرة لحماية الأب، الذي ارتبط بها، وانتقلت معه أينما حل، وحيث يوجد الكلأ والماء. ثم استزرع الإنسان النباتات، في مساحات من الأرض التي يعيش عليها. وبدأ بذلك عصر الزراعة. واشترك معه أفراد الأُسرة، بمن فيهم الزوجة، في أعمال الزرع والحصاد ورعاية حيوانات المزرعة. ولكن ظلت السيطرة للأب على مقدرات الأُسرة. واهتمت الزوجة، إلى جانب مساعدتها زوجها، في المزرعة، بتربية الأبناء. وساعدت مهنة الزراعة على الاستقرار والارتباط بالأرض، التي تتم زراعتها. فقامت المجتمعات الصغيرة، التي تحولت، بمرور الوقت، إلى مجتمعات كبيرة. ثم استلزمت تلك المجتمعات وجود بعض الحرف الصناعية، لتوفير حاجاتها، من ملابس وخلافه، فقامت المجتمعات الصناعية، وأصبح وقت العمل محدداً، ودور الآلة في مساعدة الإنسان واضحاً، واتُّجه إلى تعليم الأبناء، وإعدادهم لأداء مهنة بعينها، قد تختلف عن مهنة الأب. وظلت السيطرة للزوج، إلا في حالة خروج المرأة للعمل، فشاركته، اقتصادياً، وأصبح لها دور المشاركة في قيادة الأُسرة. ثم جاء عصر المعلومات، فتقدمت الآلة، وأصبحت تؤدي الأعمال العضلية، التي كان يؤديها الرجل، بمجرد الضغط على بعض الأزرار. وفقدت العضلات دورها. وأصبح صراع العقول، واستيعاب التكنولوجيا، هو المحك في السيطرة على العصر وتطويعه، بالنسبة إلى الرجل والمرأة على السواء، خاصة بعدما أخذت الدول دوراً في توفير الحماية والأمن لأفرادها، رجالاً كانوا أو نساء. وعلى الرغم من أن الأُسرة ما زالت أبوية، تنسب إلى الأب، إلا أن الزوجة، تعلمت واستوعبت العصر، وأصبحت تشارك الرجل في كثير من مجالات العمل. وكثيراً ما شغلها هذا عن دورها الأسمى، وهو رعاية الأبناء، وتربيتهم تربية صالحة، فانحرف الأبناء، واضطرب سلوكهم، واهتز شعورهم بالأمان وبجوّ الأُسرة. وهو ثمن باهظ، تدفعه الأُسرة أولاً، ثم ينعكس على المجتمع، بعد ذلك ... أليست الأُسرة هي وحدة بنائه!
الكيان الأسري
ويكفل كيان الأُسرة، ضمن إطاره، ومن خلال عقد الزواج بخطواته الدينية، الارتباط بين الزوجين بقدسية لا ترقى إليها علاقة أخرى. فيكون لكل منهما حقوق على الآخر، وعليه، كذلك، واجبات تجاه الطرف الآخر. فعلى الزوج الإنفاق على الأُسرة، وعلى الزوجة رعاية الأطفال، الذين هم الهدف الأساسي من تكوين الأُسرة. كما تحرم العلاقات الجنسية داخل نطاق الأُسرة، ما عدا الزوجين. ولقد كان ذلك مباحاً قبْل الأديان، إذ كان الولد يقيم علاقة جنسية مع أمه، وكان ذلك على حساب الأب، الذي تقدمت به السن، فعُزل وفقد دوره في الأسرة. وكذلك، كان للبنت علاقة جنسية مع أبيها، وكان ذلك على حساب الأم، التي يتلاشى وجودها، فتعزل إلى أن تموت. فجاءت الأديان بتحريم العلاقات الجنسية بين أفراد الأُسرة، حفاظا على العلاقات بين أفرادها. كما كفلت الأُسرة أفرادها، اقتصادياً، ومنحتهم المساندة والدعم الاجتماعي، وهو ما يحميهم من المرض النفسي ويقيهم بل يقوّيهم على مواجهة شدائد الحياة. وللأُسرة، إضافة إلى كفالة أفرادها ورعايتهم، وخاصة الأطفال، دور مهم في نقْل التراث الاجتماعي إلى أفرادها، إذ تعلمهم اللغة والدين، والأخلاق والأعراف، والعادات والتقاليد، السائدة في مجتمعهم، وتعدّهم للتعايش مع هذا المجتمع. وإذا نجحت في ذلك، فإنها تحقق التكيّف لأفرادها. وأحيانا تتخبط الأُسرة بين ثقافات مختلفة، ويتبع ذلك عدم وضوح رؤية الوالدين إلى تنشئة أبنائهما، وتختلط الأمور على الأبناء، ويصبحون مشبعين بثقافات أخرى، غير ثقافة مجتمعهم، فيهتز تكيّفهم ويصطدمون بالمجتمع، ولكنهم لا يستطيعون تغييره. ولذا، فإنهم إما أن يهربوا منه، بالهجرة إلى مجتمع آخر، أو يمرضون، كمرحلة عابرة، ريثما يعودون إلى التكيّف مع المجتمع.
التحليل النفسي للأسرة
هناك بعض المظاهر النفسية للأسرة تتمثل فيما يلي:
الأسرة المنهارة Broken Family والتي يُمزقها الطلاق، أو الانفصال، أو وفاة أحد الوالدين أو كلاهما. التكوكب الأسري Family Constellation والذي يقوم على التأثيرات المختلفة على الطفل، التي تستمد من أفراد أسرة الطفل، بحسب عمر من يؤثر على سماته الشخصية، وغير ذلك من آثار على العلاقات بالطفل. الأسرة الحاضنة Foster Family وهي الأسرة البديلة، أو الأسرة بالتبني. تاريخ الأسرة Family History يُشكل أهمية خاصة عند العلاج النفسي، لتحديد عنصر الوراثة وعلاقته بالمرض النفسي أو العقلي للمريض. ويُنصح دائماً أن يكون تسجيل تاريخ الأسرة لثلاثة أجيال على الأقل، وأن تُسجل الحقائق والوقائع والسلوك المستهجن والغريب والشاذ والحالة الصحية العامة للأسرة. وقد لا يتحقق ذلك لامتناع أسرتي الأب والأم عن ذكر ما يشين الأسرة ، أو يُحرج المريض، وكذلك بسبب ميل كل من الأسرتين لإلقاء اللوم على الأخرى. الرواية الرومانسية للأسرة Family Romance وهي الرواية المختلقة التي يتوهمها بعض الأطفال عن أصل مولدهم، ويتخيلون فيها أنفسهم من نسل نبيل. الطب النفسي الأسري Family Therapy يقوم على علاج الأسرة كُلها نفسياً، بدلاً من علاج الفرد وحده، باعتبار أن الأمراض النفسية أساسها اضطرابات أسرية.
مشكلات الزواج
معظم مشكلات الزواج تدور حول محاور رئيسية، منها نقص التفاهم بين الزوجين، وعدم القدرة على استمرار الحياة الزوجية، وحدوث ما يؤدي إلى إنهائها.
1. فيما يتعلق بمشكلات قبل الزواج فهي تنحصر في:
أ. مشكلة اختيار الزوج أو الزوجة.
ب. العنوسة وتأخر الزواج بالنسبة للإناث أو الذكور، وقد يكون من ورائها حرمان دائم من الحياة الزوجية.
ج. الإحجام عن الزواج وهو سلوك غير مرغوب فيه في رأي الدين، ويُعتبر سيئة لأنه يضر بالفرد والمجتمع.
د. التفاوت بين الزوجين أي عدم التكافؤ بين شخصيتي الزوجين.
هـ. الاختلاط الزائد والتجارب قبل الزواج، ومخاطره عديدة.
2. فيما يتعلق بالمشكلات أثناء الزواج، فهي تنحصر في:
أ. مشكلات تنظيم النسل: قد تحدث خلافات بين الزوجين عند رفض أحدهما لإنجاب الأطفال، والإصرار من الجانب الآخر على الإنجاب.
ب. العقم وهو من أكبر مهددات الحياة الزوجية بالانفصام أو بتعدد الزوجات.
ج. تدخل الأقارب وتعقيد المشكلات التي كان يمكن أن تُحل دون تدخل الأقارب.
د. اضطراب العلاقات الزواجية: قد يكون من أسبابها عدم التكافؤ الجنسي أو الاضطرابات الانفعالية، كالغيرة الجامحة أو الطلاق.
3. مشكلات ما بعد انتهاء الزواج:
أ. الطلاق: ويتم عند فشل الحياة الزوجية، وهو أبغض الحلال عن الله. ويحدث نتيجة عدم التكافؤ أو انعدام الثقة أو كثرة الشكوك والشجار الدائم، وسوء التفاهم وسوء المعاملة، أو الخيانة الزوجية، أو هجر بيت الزوجية.
ب. الترمل: وتتمثل مشكلة الأرامل في أنهم يمثلون عجائز في مجتمع الشباب، حزانى في دنيا تموج بالمرح، فرادى في عالم الأزواج. مشكلات عامة في الزواج
الزواج غير الناضج: ويقع بين صغار السن أو المراهقين، ممن لم تنضج شخصياتهم اجتماعياً وانفعالياً. الزواج المتسرع: ويحدث نتيجة تهور أو تغرير أو إغراء أو نزوة أو علة، للتخلص من خطر العنوسة أو كثرة الأولاد أو اغتنام فرصة قد تضيع. زواج الشوارع: والذي يتم على أساس تَعَرُّف خارج البيوت، وبعيداً عن الأهل في شارع أو حديقة أو ملهى، بعيداً عن الرقابة ورأي الأهل. الزواج الجبري: ويقع اضطراراً أو قسراً بالإكراه. ومن ثم فهو غير عادي، ويحدث في ظروف شاذة. الزواج المبادلة: ويحدث عندما يتزوج فتى من فتاة، يتزوج أخوها من أخته. وقد يكون الزواج موفقاً وقد يكون فاشلاً كل الفشل. زواج الغرض: بهدف تجاري أو مكانة اجتماعية. ومثل هذا الزواج عادة يسوده الجفاء والتخاصم والتشاحن والحقد والانتقام وتتخلله المشكلات. الزواج القائم على الغش: والكذب والخداع. وغالباً ما تفشل مثل هذه الزيجات، كأن يقول الرجل عندما يتقدم للزواج أنه غير متزوج وهو مخادع.
الزواج العرفي: غير الرسمي وفيه تحايل على القانون، أو التهرب من كشف السر وهو زواج مهدد بالفشل، وغالباً ما ينتهي إليه.
المصادر والمراجع
محمد عاطف غيث، قاموس علم الاجتماع، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1979. المعجم الوسيط، ج1. عبدالمنعم الحفني، موسوعة علم النفس والتحليل النفسي. حامد عبدالسلام زهران، التوجيه والإرشاد النفسي، عالم الكتب، ط2، 1980.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:08 am | |
| الاضطراب
مقدمة
الاضطراب Disorder يعني الخلل، الذي يؤدي إلى الارتباك في أداء الدور المطلوب. وقد يكون هذا الخلل في أحد أجهزة جسم الإنسان، ما يترتب عليه ارتباك هذا الجهاز في أداء دوره الوظيفي. وينعكس ذلك على الإنسان، فيضطرب. وذلك مثل خلل الجهاز الدوري، في صورة ضعف عضلة القلب (Cardiac Muscle)، وعجزها عن ضخ الدم إلى جميع أجزاء الجسم (Heart Failure)؛ مما يؤثر في أجهزة الجسم المختلفة، ويعكس اضطراباً في أداء الإنسان.
وقد يكون الخلل في أحد أجزاء آلة، فيؤثر في أدائها بوجه عام، مثل الخلل في ضخ بنزين السيارة، الذي ينعكس على تشغيل المحرك؛ ومن ثم، على حركة السيارة، فينتج منه الاضطراب والعطب.
وقد يكون الخلل في أحد أنظمة عمل مجموعة، سواء كانت هذه المجموعة، تمثل إحدى الأُسر (الأب والأم والأولاد)، أو تمثل مجموعة قيادة قوات مسلحة، أو تمثل مجلس الوزراء، أو حتى تمثل إدارة مدرسة صغيرة، أو إدارة مصنع، إلى غير ذلك من العمل الجماعي. ولو كان الخلل، مثلاً، في التواصل داخل الأُسرة، يؤدي إلى سوء الفهم، وسوء الأداء للأدوار، في داخلها مما يسبب الاضطراب، الذي قد يظهر على بعض أفرادها. وفي الوقت نفسه، يرتبك أداء الأُسرة بوجه عام. ولو كان الخلل في نظامها الاقتصادي، مثل كونها تنفق أكثر من دخل أفرادها، وتتراكم عليها الديون، فإنه سيصيبها بالاضطراب، وستعجز عن أداء دورها في تربية أطفالها التربية الملائمة.
وهكذا، فإن الاضطراب، يحدث للآلة، مثلما ينتاب الإنسان، بل إنه ينتاب الجماعات والدول. والخلل في جزء، ينعكس على المجموع والأداء الكلي، على التكامل بين منظومة الجماعة.
والاضطراب الذي يصيب الإنسان، قـد يكون علـى مستـوى الوظيفـة (Function)، فيفسر عن أعراض مرَضية (Symptoms)، مثال ذلك، اختلال إحدى وظائف الأمعاء الغليظة (Large Intestine)، وظيفة تنظيم إخراج الفضلات. فإن اختلالها، ينتج منه إما عدم الإخراج وصعوبته، وهو ما يسمى بالإمساك (Constipation)؛ أو سرعة الإخراج وازدياده، وهو ما يسمى بالإسهال (Diarrhea).
وقد يكون الاضطراب على مستوى اللزمة المرَضية (Syndrome) إذ تتلازم مجموعة من الأعراض، لتمثل معاً متصاحبة، وتلاحظ بصفة شبه دائمة، ولكن أسبابها، ليست معروفة بصورة محددة، ودقيقة. وذلك مثل لزمة داون (Down's Syndrome) أو ما يسمى باللزمة شبه المنغولية (Mongoloid Syndrome)؛ وذلك لمشابهة المصابين بها، في الشكل، الشعوب المنغولية. إذ يتميزون بصغر الرأس، وانزلاق العينين بزاوية ناحية جانبَي الجبهة، مع تغطية الجفن الأعلى الزاوية الأنفية للعين، فيباعد ما بين العينَين. ويكون اللسان ضخماً، مشققاً عرضياً؛ وكف اليد مربعة، فيها خط عرضي واحد، وتخرج منها أصابع قصيرة؛ وتكون البطن بارزة، مع تشوهات بالقلب. وتتلازم هذه المواصفات معاً ويصاحبها نقص الذكاء، وهو التخلف العقلي (Mental Retardation).
وقد يكون الاضطراب أعراضاً مرَضية متلازمة، تحدث معاً بصورة متكررة، ومعروفة السبب، وهو ما يطلق عليه لفظ مرض (Disease) . وذلك مثل مرض السكر (البول السكري) (Diabetes Mellitus)، الذي يلازمه جفاف الحلق، وكثرة شرب الماء (Polydepsia)، وازدياد الشهية للطعام (Polyphagia)، وإدرار البول وازديـاد كميته (Polyuria)، ونقص الوزن، وفقْد الطاقة، والشعور بالإجهاد. وسببه معروف، وهو نقص هرمون الإنسولين (Insulin Hormone) في الدم، الناتج من غياب الخلايا المفرزة له، في البنكرياس، أو كسلها.
وسواء كان الاضطراب على مستوى الوظيفة، في صورة عرض مرَضى، أو على مستوى اللزمة المرَضية، أو على مستوى المرض، فإنه يلزم التشخيص الجيد، على كل تلك المستويات، أي أن يحدد كل عرض ويُعرف بدقة، ويتميز كما قد يشابه من أعراض. وكذلك مجموعة الأعراض وتمييزها عما يشابهها من لزمات. ثم البحث عن العوامل المسببة للمرض، وصولاً إلى التشخيص الجيد. وعدم الوصول إلى معرفة العوامل المسببة للاضطراب، يعد قصوراً في الممارسة الطبية، يترتب عليه قصور العلاج.
ومثال ذلك، تلك السيدة، التي ذهبت إلى طبيب، تشكو ألماً في الرأس (صداعاً). وعندما سمع الطبيب ذلك منها، أسرع، من دون تردد، إلى كتابة مسكّن لها، وأعطاها الوصفة الطبية (Prescription) وعندما سألته السيدة عن حالتها، أجابها أنها حالة صداع (Headache) بسيطة، وأنها ستشفَى لدى أخذ المسكّن (Analgesic) وذهبت السيدة، وتناولت المسكن لعدة أيام. ولم يختفِ الصداع. فعادت إلى الطبيب، شاكية أن الصداع ما زال موجوداً. فأضاف الطبيب، في الوصفة الطبية، مسكّنات أخرى. ونصح السيدة، أن تتناولها لعدة أيام أخرى.
ولكنها بعد تناول كل تلك المسكّنات، شعرت بآلام في معدتها، ولاحظت تغيراً في لون البراز (الغائط) (Stool) إلى اللون الأسود. فأسرعت إلى متخصص، أفضل من الطبيب السابق، ففهم حالتها، من خلال الاستفسار عن أعراض مرَضية أخرى، تشعر بها، غير الصداع. إذ وجد لديها أرقاً، وهموداً في الجسم ونقص شهية للطعام، وضيقاً وسأماً وحزناً، وفقْد الاهتمام بالأشياء، التي كانت تهتم بها، وسرعة الاستثارة، وعدم التحمل. فأخبرها أن صداعها جزء من لزمة مرَضية (Syndrome)، تعانيها، تسمى الاكتئاب (Depression) وأخبرها، كذلك، أن المسكّنات، التي تناولتها بناء على وصفة الطبيب السابق، أحدثت جروحاً في جدران المعدة (Gastric Erosions)، هي سبب آلام المعدة وتغير لون البراز (الغائط). وأعطاها علاجاً للاكتئاب وللمعدة. وتحسنت السيدة.
ولكن عندما توقفت عن أخذ العقاقير، عاودها الصداع. فذهبت إلى طبيب متخصص آخر أكثر حذقاً وعلماً فلم يكتفِ بتشخيص لزمة الأعراض المرَضية؛ ولكنه بحث عن أسباب اكتئابها فوجد أنها ضغوط نفسية عليها، من قبل زوجها، وهي لا تقوى على مواجهتها. فطلب مقابلة الزوج، ونصحه بتخفيف تلك الضغوط. فطابت السيدة، من دون حاجة إلى عقاقير كيماوية؛ وذلك لأنه وجه العلاج إلى السبب مباشرة. وهكذا يكون علاج الأسباب والتعامل معها، علاجاً شافياً، يقتلع المرض من جذوره، ولا يعرّض المريض للأعراض الجانبية (Side Effects) للعقاقير.
تعدد عوامل الاضطراب
كان الطب، في الماضي، ينسب حدوث الاضطراب إلى عامل مسبب واحد. ولكن، اكتشف خطأ هذا الاتجاه؛ إذ إن العامل الواحد لا يكفي لإحداث المرض، ولكن، لا بدّ من تضافر مجموعة من العوامل المسببة (Multicausation)، على إحداث أي مرض. والأدلة على ذلك كثيرة. فمثلاً، قد يوجد ميكروب الدرن Tuberculosis TB في الهواء، الذي يستنشقه مجموعة من الناس. ولكن واحداً منهم، أو بعضهم، قد يصاب بالدرن؛ بينما لا يصاب الآخرون. كذلك فيروس الإنفلونزا (Influenza Virus)، يوجد في الهواء، ويستنشقه كثيرون. ولكن بعضهم فقط، يصابون بالإنفلونزا، دون الآخرين. وهو ما يعني، أن هناك عوامل أخرى، لا بدّ من وجودها، لكي يحدث الاضطراب، تتمثل في نقص المناعة (Immunity) لدى الشخص، والناجم عن حالته، النفسية والغذائية، وظروفه المعيشية، من مسكن وما يستوفيه من مواصفات صحية. ومن ثَم، تعد واحدية السبب، ليست هي النظرية المثلي في فهْم الأمراض، كما كانت من قبل. ولذلك، كانت العودة إلى نمط الحكيم، الذي يتسم بالحكمة واتساع الأفق في نظرته إلى الإنسان المصاب باضطراب، من حيث جسده ونفسه وعلاقاته الاجتماعية، وصولاً إلى العوامل، التي أسهمت في حدوث المرض، والعمل على تلافيها تمهيداً للشفاء منه.
التعريفات المختلفة للاضطراب
1. التعريف الذاتي للاضطراب
والاضطراب لدى الإنسان حسب المحك، الذي يقارن به الشخص المضطرب، كإطار مرجعي (Reference) فإذا كان الشخص يشكو من أعراض ذاتية، مثل الشعور بالألم أو التنميل أو الدوار (Vertigo)، فإن مثل هذه الأعراض لا يمكن الاحتكام فيها إلا إلى شعور المريض الذاتي. والشئ نفسه يحدث عندما يتوهم الشخص مرضاً معيناً، ويشعر بأعراضه، ولا يوجد ما يبرهن عليه إكلينيكيا (Clinical) ، فإن تقدير شكوى المريض والاهتمام بها، ومساعدته، في كلتا الحالتَين، يكون بناء على التعريف الـذاتي (Subjective) للاضطراب، وهو شعور الشخص بالخلل والشكوى من أعراض، حتى من دون براهين إكلينيكية عليها، وقبول ذلك منه، حتى في حالة توهم المرض (Hypochondriasis) وذلك لأن توهم المـرض، هو مرض، كذلك، وإن كان مرضاً نفسياً، إلا أنه يسبب للمريض معاناة، لا يشعر بها سواه، ويجب أن يعالج منه علاجاً نفسياً.
2. التعريف النسبي للاضطراب
وأحياناً يُقارن الشخص بنفسه، قبل حدوث الاضطراب (Premorbid) فيلاحظ مدى التغيير الذي طرأ عليه. وهذه المقارنة هي محك نسبي، أي مقارنة الشخص بنفسه قبل حدوث الاضطراب، مثل المصاب بمرض السكر (البول السكري)، الذي يقارن نفسه بعد المرض، بنفسه قبل المرض، ويجد الفارق واضحاً في ما يشعر به من أعراض مرَضية، أما إذا تسبب له مرض السكر بنقص الوزن والهزال، فإن المقارنة يجريها الآخرون، فيقولون له لقد لاحظنا عليك تغيراً في صورة نقص الوزن، منذ مدة معينة.
وأحياناً، تكون المقارنة بين الشخص والآخرين من أقرانه، الذين يعيشون معه في بيئته نفسها، مثل مدرس المدرسة الابتدائية، الذي يقارن سلوكيات تلاميذه في فصل دراسي، فيلاحظ أن تلميذاً معيناً، هو كثير الحركة، لا يهدأ (Hyperactive)، ولديه نقص في التركيز والتحصيل الدراسي، ومندفع في تصرفاته (Impulsive) فيطلب من الإخصائي النفسي في المدرسة تحويل هذا الطفل إلى العلاج من اضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة (Attention Hyperactivity Disorder). والمدرس، في هذه الحالة، قد احتكم إلى طريقة مقارنة الطفل برفاقه في سنه نفسها وبيئته، كإطار مرجعي، أي أن هذا الطفل، بالنسبة إلى رفاقه، يعد مضطرباً؛ وهذا هو المحك النسبي لتعريف الاضطراب، أي حسبان الشخص مضطرباً بالنسبة إلى ما كان عليه قبل ذلك، أو مقارنة بأقرانه.
ولكن هذا التعريف للاضطراب، يوقع أحياناً، في إشكالية أنه لِمَ لا تكون البيئة والآخرون، هم المضطربين؟ ولما لا يكون التغير، الذي حدث للشخص، بالنسبة إلى ما كان عليه، هو تغيراً نحو الصحة، وليس نحو الاضطراب؟
وتجيب عن ذلك قصة طفل صغير، كان في قريته، التي يعمل أهلها في الزراعة، وأغلبهم مصاب بالبلهارسيا (Schistosoma)، وخاصة البولية (Schistosoma haematobium) وكان الأطفال يقفون يتبولون، أمام بعضهم، كمجموعة مكونة من خمسة أطفال، فكان أربعة منهم يتبولون دماً، في آخر عملية التبول، وهم سعداء بذلك، إلا الطفل الخامس، الذي كان يحاول أن يتبول، ولو نقطة دم واحدة، في آخر تبوله، ولكنه كان يفشل في ذلك. وكان هذا يؤلمه، ظنا منه، أنه بهذا لا يتطابق مع المجموعة، ولا بدّ أنه يعاني شيئاً (اضطراباً)، هو الذي يجعله مختلفاً عن الآخرين بيئته نفسها. وهذا المثال يشير إلى مدى الخطأ، الذي يمكن أن ينجم عن المقارنة بالآخرين، والتعريف النسبي للاضطراب. فالطفل الذي لا يتبول دماً، كان هو الطفل الوحيد السوي، من بين الأطفال الخمسة، بينما كان الأربعة الآخرون، هم المرضى.
وأحيانا، يكون التغير الذي طرأ على الشخص، تغيراً نحو الصحة، مثل التغير، الذي حدث للرسل بالبعثة، واختيار الله ـ سبحانه وتعالى ـ إليهم لتبليغ رسالاته. فمثلاً، عندما بعث محمد ـ صل الله عليه وسلم- كان تغير عما قبل البعثة. ولم يكن هذا التغير اضطراباً؛ وإنما كان قمة الصحة. ولكن قومه، عندما قارنوا ما جاء به من رسالة، بما كان لديهم من عادات وعبادات، قالوا إنه مجنون، كما ذكر القرآن الكريم: "وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون" (سورة الحِجر، الآية السادسة). وهكذا حدث لجميع الأنبياء والمصلحين، الذين حملوا رسالات سماوية إلى أقوامهم. ومن ذلك نلاحظ أن التعريف النسبي للاضطراب، قد ينتج منه أخطاء سواء قُورِن الشخص بنفسه، قبل حدوث التغير، أو بأقرانه من بيئته نفسها.
3. التعريف المطلق للاضطراب
وهناك التعريف المطلق للاضطراب، وهو الذي يَعُدّ أي شخص، يشذ عن المقاييس المطلقة، مضطرباً. وهي المقاييس التي اتُّفق عليها طبياً، كحدود للسواء، مثل ضغط الدم (Blood Pressure)، ودرجة الحرارة (Body Temperature)، ونسبة السكر في الدم (Blood Sugar) وهذه المقاييس، تصف الإنسان الأمثل. ولكن هناك من يشذ عن المقاييس المطلقة، ولا يعاني أو يشكو أي اضطراب؛ فكثيراً ما يصادف المسـح الطبي (Medical Survey)، شخصا لديه ارتفاع كبير في ضغط الدم، ولكن ليس لديه أي شكوى مرَضية. كذلك، كثيراً ما ترتفع نسبة السكر في الدم لدى شخص ما، من دون معاناة أو شكوى أي عرض من أعراض مرض السكر واضطرابه لديه.
العلاقة بين الصحة والاضطراب
إذا كانت الصحة، بوجه عام، هي الوجود الإيجابي للشخص، بنواحيه الثلاث، البيولوجية والنفسية والاجتماعية وتناسقها فإن الاضطراب هو الخلل، الذي يعوق الوجود الإيجابي للشخص، في أي من نواحيه الثلاث الآنفة، أو تناسقها وتكاملها، من أجل الأداء الإنساني الأمثل.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:12 am | |
| الاعتقاد
مقدمة
الاعتقاد هو الاقتناع العقلي بفكرة معينة وشحنها بالمشاعر، إلى درجة قد لا تقبل نقاشاً، أي أن الإنسان أصبح مقتنعاً بتلك الفكرة على المستوى العقلي، وتعداه إلى المستوى الوجداني، فغلّف الفكرة بمشاعر من القناعة الوجدانية، وأصبحت متوائمة مع ذاته، ويزعجه أن تصير محلاً للنقاش، ومناقشتها لا تغير منها.
وقد يكون الاعتقاد بفكرة صحيحة مقبولة من المجتمع، الذي يعيش فيه الشخص، ومناسبة للثقافة السائدة في هذا المجتمع، فلا تصطدم به، ولا تلقى معارضة منه. وقد يكون الاعتقاد غير مقبول من المجتمع وشاذاً عنه، وحينئذ إمّا أن يكون هذا الاعتقاد تمرداً وخروجاً على السائد في المجتمع، وإمّا أن يكون مرضاً واضطراباً، وهذان الاحتمالان يتم الخلط بينهما من قبل المجتمع. فمثلاً عندما بعث النبي محمد -r- ودعا الناس إلى الاعتقاد الجديد بأن يعبدوا إلهاً واحداً وينبذوا عبادة الأوثان، وُصِف من قِبل مجتمعه بأنه متمرد صاحب هوى كذاب وساحر، أو أنه مجنون، ويورد ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: )وَقَالُوا يَاأَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ( (الحجر: 6)، وقوله تعالى: )أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَتهم رَسُولٌ مُبِينٌ (13) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ(، (الدخان: 13-14) وكذلك كان الموقف مع كل الأنبياء السابقين وهو ما أورده القرآن الكريم في قوله تعالى: )كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ( ( الذاريات: 52).
وذلك، لأن المجتمعات ترفض الاعتقادات الجديدة، خاصة التي تهزّ عقائدها، وتزلزل كيانها، وتهدد استقرار الأمور فيها. فلقد كانت الاعتقادات الجديدة، التي حملها الأنبياء إلى أقوامهم، خروجاً على السائد في تلك المجتمعات. ونظراً إلى غرابة الاعتقادات التي حملها الأنبياء إلى أقوامهم، فإن الله أيّدهم بمعجزات من جنس ما اشتهر به أقوامهم. فمثلاً، قوم موسى -عليه السلام- اشتهروا بالسحر، فكانت المعجزات التي أيد الله بها موسى هي من القبيل نفسه، مع الفارق أنها إعجاز حقيقي من خلق الله، ليست كحيل وخداع السحرة، وبرع قوم عيسى –عليه السلام- في الطب فكانت معجزات عيسى هي إبراء الأكمه والأبرص، بل وإحياء الموتى، بإذن الله. وبرع قوم محمد –r- في الشعر والفصاحة، إذ كانت تقام له أسواق، فكانت معجزته الخالدة هي القرآن الكريم البالغ الفصاحة، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
ويمر الاعتقاد بمراحل متدرجة لدى الإنسان، إذ يبدأ كفكرة مجردة، ثم القناعة العقلية بتلك الفكرة، ثم تدعيمها بالمشاعر والانحياز العاطفي، ثم انعكاس الفكرة في سلوك الإنسان وتصرفاته بحيث تصبح جزءاً من سلوكه اليومي. ولقد مرت العقيدة الإسلامية بمراحل مشابهة، حيث استغرقت فكرة الإيمان بالله الواحد الأحد، وقتاً طويلاً لإرسائها وتدعيمها بالمشاعر وصولاً إلى الإيمان الداخلي، ثم بعد ذلك جاءت التكليفات السلوكية التي تعكس هذا المعتقد الداخلي من صلاة وصيام وزكاة وغيرها من أركان الإسلام وسلوكياته.
الضلال
والاعتقـاد المَرَضـي، وهـو الضلال (Delusion) ، يعرفه أطباء النفس بأنه فكرة ثابتة خاطئة لا يمكن تصحيحها بالحجة والمنطق، ولا تتناسب مع ثقافة الشخص وبيئته. مثال ذلك، المريض الذي يعتقد أنه نبي مرسل من عند الله، وتكون هذه فكرة ثابتة لديه لا يمكن تصحيحها بحجة أو منطق، وهي غير مناسبة مع دينه كمسلم يؤمن أن محمداً هو خاتم الأنبياء والمرسلين. وينعكس هذا الاعتقاد المرضي في سلوكه، فيعامل الآخرين على أنه نبي، وأنهم يجب عليهم أن يؤمنوا به ويساعدوه على نشر دعوته.
وقد تكون ضلالات أولية، وهى التي تظهر فجأة، ولا يمكن تشكيك المريض فيها. وقد تكون ثانوية وهي التي تظهر ثانوية لاضطراب آخر سبقها في الظهور، مثل الهلاوس، أو اضطراب الوجدان، أو الضلال الأولي. وقد تكون متوافقة مع الوجدان أو غير متوافقة.
وأحياناً تكون الضلالات منتظمة ، إذا كانت مترتبة على بعضها بطريقة شبه منطقية، مثل المريض الذي يعتقد أنه نبي ولذلك يضطهده المحيطين به ويخططون لإيذائه، ويضعون له السم في الطعام. وأحياناً تكون غير منتظمة، إذا كانت غير مترتبة على بعضها. أو مفرطة الغرابة، وهي التي من فرط سخافتها لا يمكن تصورها (مثل المريض الذي يعتقد أن غزاة من الفضاء ثبتوا أقطاباً كهربائية داخل مخه)، وقد تتفق الضلالات مع الوجدان عندما يكون محتواها مناسباً لحالة الوجدان (مثل المكتئب الذي يعتقد أنه هو المسؤول عن ثقب الأوزون لأنه كان يستعمل صبغة شعر)، وهذا يتفق مع شعوره بالذنب كمريض بالاكتئاب، ومريض الهوس الذي يعتقد أنه عظيم جداً، وهذا يتفق مع مشاعر السرور الشديد لديه. وقد لا تتفق الضلالات في محتواها مع الوجدان.
والضلالات (الاعتقادات المرضية)، من حيث ما تحمله من معنى، قد تكون:
1. ضلال الاضطهاد (Delusion of Persecution): إذ يعتقد أن هناك من يضطهده ويضمر له السوء، ويظهر ذلك في صورة:
أ. ضلال الإشارة (Delusion of Reference): اعتقاد المريض أن كل ما يحدث حوله يشير إليه، فإذا همس إنسان لجاره اعتقد أنه يقصده بذلك.
ب. ضلال التأثير (Delusion of Influence): إذ يعتقد المريض أن هناك من يؤثر عليه، ويدفعه للتصرف أو التفكير، من دون أن يكون له إرادة في ذلك، وهو ما يسمى بضلال السلبية. وذلك، مثل المريض الذي يعتـقد أن شخصاً معيناً يسحب أفكاره من رأسه، ويضع مكانها أفكاراً ليست خاصة به، أو أن وسائل الإعلام تذيع أفكاره على الناس، من دون إرادة منه.
ج. ضلالات التسمم أو العدوى: إذ يشعر المريض بتغير، ويعزي ذلك إلى أن هناك من يضع له السم في الطعام.
2. ضلال الخيانة (Delusion of Infidelity): وفيه الغيرة والاعتقاد بأن خيانة زوجته له تحدث مراراً، ويذكر أحد أساتذة الطب النفسي ذلك المريض، الذي أحضرته زوجته وهى باكية من اتهامه لها بالخيانة. وقالت إنه، ليلة أمس، فتح باب البيت في الثالثة صباحاً، وظل يسبها ويشتمها بصوت عالٍ حتى أيقظ الجيران، مدعياً أنه سمع طرقاً على الباب لعشيقها، الذي يأتيها كل ليلة بعد أن ينام الزوج. وحين جلس الأستاذ المعالج إلى الزوج، منفرداً، قال إنه لا يثق بها وأنه يراقبها لإثبات خيانتها، الذي هو متأكد منها تمامـاً، ولا ينقصه إلاّ أن يمسك بها متلبسة، وأنه يذهب وراءها وهي ذاهبة لعملها، وأحياناً يدخل عليها مكان عملها فجأة، وأنه ليلة أمس ظل منتظراً عشيقها خلف الباب إلى أن كانت الساعة الثالثة فسمع طرقاً خفيفاً على الباب، فقفز يفتحه، ولكنه لم يجد أحداً. ويفسر ذلك بأنه (أي عشيقها) هرب بسرعـة، فلم يجد شيئاً يفعله، سوى أن يسب ويشتم بصوت عالٍ حتى يسمع ذلك العشيق الذي فر هارباً (كما يعتقد الزوج).
3. ضلال الحب (Delusion of Love): أو المحب الخيالي، إذ يحب المريض شخصاً، ويعتقد تماماً أنه يبادله الشعور نفسه، على الرغم من أنه قد لا يوجد بينهما أي تعارف. ويحدث ذلك في بداية الفصام، أو في الشخصيات المضطربة النمو.
4. ضلال العظمة (Grandiose Delusion): وفيها يعتقد المريض أنه شخص مهم بصفة خاصة، أو أنه عظيم جداً كما يحدث في حالات الهوس، أو أنه نبي من عند الله، وأحياناً يعتقد أنه الرب (والعياذ بالله).
5. ضلال اعتلال الصحة: إذ يعتقد المريض أنه معتل الصحة، جسمانياً، وتسمى ضلال اعتلال الصحة الجسمي، أو أنه معتل الصحة العقلية إلى درجة أنه لن يبرأ منها، وتسمى ضلالات الجنون الذي لا يبرأ في حالات الاكتئاب والفصام. ويذكر الأستاذ نفسه تلك السيدة، التي كان لديها اكتئاب شديد، وكان عندها اعتقاد أنها مجنونة، وأنها لن تبرأ من هذا الجنون، وأنه قد انتقل منها إلى أبنائها، فذبحتهم لتنقذهم من الجنون ثم حاولت الانتحار. ولكن محاولتها لم تنجح، واُنقذت، وأدخلت إلى مستشفى، فكررت محاولة الانتحار بإلقاء نفسها من طابق علوي؛ فأصيبت بإصابات بالغة.
6. ضلالات الإحساس بالذنب (Delusion of Guilt): إذ يلوم المريض نفسه، ويقلل من قدرها، بدرجة شديدة، ويحملها كل الذنب في كل الأمور، كما يحدث في حالات الاكتئاب الشديدة. وذلك، مثل المريض الذي يلوم نفسه بشدة ويشعر بالذنب الشديد لأنه كان يستعمل صبغة الشعر في وقت ما، ومن ثَمّ، تسبب في ثقب الأوزون الذي حدث للغلاف الجوي.
7. ضلالات العدمية (Nihilistic Delusion): إذ ينكر المريض وجود جسده، أو جزء منه، أو ينكر وجود عقله أو العالم من حوله. ويُعَدّ هذا النوع الدرجة الشديدة لنوعين آخرين من الضلالات، أحدهما يتعلق باعتقاد الشخص أنه قد تغير وأصبح شخصاً آخر، والثاني يتعلق باعتقاد الشخص أن كل ما حوله قد يتغير من أماكن وأشخاص. ويروي أستاذ الطب النفس قصة المريض الذي جاءه يشكو من أن نصفه الأيسر ليس موجوداً، وحين شكه بالدبوس في يده اليسرى سحبها، فسأله لماذا سحبها، إذا لم تكن يده موجودة ويشعر بها؟ فأجاب، أنه سحبها بسبب شكة الدبوس، ولكن نصفه الأيسر ليس موجوداً ومنه يده اليسرى، كذلك. ولم يفلح الأستاذ في إقناعه بوجود نصفه الأيسر بشتى البراهين. إنه الاعتقاد المرضي، الذي لا يمكن تصحيحه بأي حجة أو منطق (الضلال).
8. ضلالات الفقر (Delusion of Poverty): وهنا يعتقد المريض أنه فقير معدم، وأن الحرمان والعوز مصيره هو وأسرته، كما يحدث في مرض الاكتئاب. ويذكر الأستاذ نفسه، قصة الرجل، كبير السن، الذي كان يعرفه عن قرب، وكان ميسور الحال. وفي يوم طلب من الأستاذ أن يعطيه مبلغاً من المَال نظراً إلى الضائقة المادية التي يمر بها. فتعجب لهذا الطلب، لمعرفته بيسره المادي، فأجّل الاستجابة لطلبه. وسأل ابنه وزوجته، هل يمر، فعلاً، بضائقة مادية؟ وكانت المفاجئة، أنه في الشهور الأخيرة سَيّطر عليه اعتقاد أنه فقير، وأنه طلب من كثيرين من معارفهم الطلب نفسه (أي إعطائه مبلغا من المال)، على الرغم من أن حالتهم المادية لا تزال ميسورة، وليست هناك ضائقة مادية على الإطلاق.
وهناك الأفكار المبالغ في قيمتها (Overvalued Ideas)، وهي تشبه الضلال، ولكنها ارتبطت بمشاعر خاصة، وأصبحت تطغى على ما عداها من أفكار. والفلسفات الكاذبة (Pseudo philosophy)، وهى تشبه الضلالات، من حيث أنها خاطئة في محتواها، ولكنها غير ثابتة، إذ إنها يمكن أن تهتز لدى المريض خلال المناقشات.
وهناك ممارسة الوهم الكاذب ، وهو نوع من الكذب يبدو فيه الشخص أنه يعتقد في، واقعية، خيالاته ويمارسها، مثل ذلك الفصامي الذي يعتقد أنه متزوج من جنيـة (أي أنثى من الجان)، ويعيش هـذا الوهم ويتصرف على أساسه، حتى أمام الآخرين الذين لا يرون شيئا مما يدعى وجوده.
الاضطراب الضلالي
ويوجد اضطراب تَغْلب فيه الضلالات، أو تكون أساسه، إلى درجة أن أطلق عليه اسمها، فسمي بالاضطراب الضلالي، وهو نوعين:
1. الاضطراب الضلالي.
2. الاضطراب الضلالي المشارك. 1. الاضطراب الضلالي (Delusional Disorder)
وهو اضطراب تسود فيه الضلالات أو الضلالات المنتظمة، من دون سبب جسماني، وتغيب فيه مواصفات الاضطراب الوجداني (الهوس والاكتئاب)، والفصام العقلي، وليس هناك أعراض أخرى يجدر ذكرها. غير أن الوجدان يكون مناسباً لمحتوى الضلالات، وتظل شخصية المريض متماسكة إلى حدٍّ كبير واختبار الواقع سليم نسبياً.
وأهـم ما يميز صورة هذا الاضطراب الإكلينيكية، هو وجود ضلالات غير مفرطة في الغرابـة، ولا ترجع إلى مرض عقلي آخر (مثل الفصام أو الاضطراب الوجداني)، وليس هناك سبب عضوي يكمن خلف هذا الاضطراب. وموضوعات الضلالات عادة هي: الحب أو العظمة أو الغيرة أو الاضطهاد أو ذات محتوى جسماني. وبناء على الموضوع الضلالي البارز، يكون نوع الاضطراب، ومن ثم فأنواع الاضطراب الضلالي هي:
أ. هوس المحب
إذ تسيطر على الشخص ضلال (اعتقاد) أنه محبوب من آخر حباً رومانسياً لدرجة الالتحام الروحي، وعادة يكون هذا الآخر من طبقة عالية أو مشهور أو رئيسه في العمل، وقد يكون غريباً عن صاحب الضلال تماماً. وقد يبذل المضطرب (صاحب الضلال) مجهودات للاتصال الشخصي بموضوع الضلال خلال التليفون أو الخطابات أو الهدايا أو الزيارات، أو الملاحظة المستمرة أو اعتراضه في الطريق.
ويكثر انتشار هذا الاضطراب بين الإناث في المرحلة الإكلينيكية (ظهور الأعراض المرضية والمثول في عيادات الطب النفسي)، بينما يلاحظ انتشاره أكثر بين الذكور في مجال الطب النفسي الشرعي. ويروي أستاذ علم النفس قصة الطالبة التي حضرت له ندوة في مدرستها الثانوية، ثم بدأت تراسلني بالبريد وتعبر عن حبها الشديد، ولم يرد عليها لمعرفته بهذا الاضطراب من خلال خطاباتها، فانتقلت إلى المكالمات الهاتفية، وحين لم تجد استجابة منه، حضرت إلى عيادته، وطلبت مقابلته، من دون أن تأخذ دورها كمريضة، فرفض مقابلتها، فكانت آخر رسائلها إليه، والتي تضمنت عتاباً شديداً، ولوعة بالغة، من حب لم يكن طرفاً فيه، ولم يشجعها، إطلاقاً، عليه، وذلك لمعرفته بما يمكن أن ينجم عن الاستجابة لمن لديه ضلالات المحب.
وكثيرون من المشاهير، خاصة الرجال، يستجيبون لتلك الضلالات لدى هؤلاء المريضات، تحت شعارات أن الحب شعور طيب ينبغي ألا يصد، ولكن غالباً ما تكون العاقبة سيئة، إذ تتمادى المحبة في حبها ثم تتدخل في حياة الشخص، موضوع الحب، بتصرفات تسبب له الكثير من المشاكل، وهو مسؤول عن ذلك لأنه ساعدها أن تضع ضلالاتها حيز الواقع وتتمسك بهـا. أمـا النساء موضوع الحب لدى الرجال المرضى بالاضطراب الضلالي، فغالباً لا يستجبن لمن يحبونهم ضلالياً، وغالباً ما يبلغن البوليس إذا تكررت مطاردة المحب لهن وشعرن بتهديده لحياتهن الاجتماعية.
ب. العظمة الضلالية
يعتقد الشخص، بما لا يدع مجالاً للشك، أنه عظيم، ولكنه غير معروف، أو أنه اكتشف اكتشافات مهمة، ويتقدم، أحياناً، لهيئات حكومية، ليسجل هذه الاكتشافات الوهمية. ويُروى أن مريضاً كان طالباً في المرحلة الثانوية، وكان يضايق مدرسي الفيزياء خلال الشرح في الحصة الخاصة بالفيزياء، ويحاول أن يثبت للمدرس أنه يفهم أكثر منه، وأنه اكتشف أخطاء في نظرية النسبية التي وضعها (أينشتين)، فكان المدرس يطرده من الفصل إلى الأخصائي الاجتماعي بالمدرسة، الذي حوله الأخصائي النفسي لمعالجته، وحين تحدث معه، وصل الحوار إلى أن قال الطالب إن المدرسين يستفزونه ويضايقونه، وإذا استمروا على ذلك، فإنه سوف يصنع أمراً خطيراً! فسأله الطبيب، ماذا سيصنع. فأجاب: أليس الذي يمسك الأرض في مكانها من الكون هو الجاذبية، التي بينها وبين الشمس؟ فأجاب الطبيب بالإيجاب. قال: إنني سوف أفصل تلك الجاذبية، وأجعل الأرض تضيع في الفضاء السحيق. فطلب الطبيب منه أن يحضر والده، وهو حاصل على مؤهل جامعي. وحين حضر الأب أخبره أن ابنه مريض، وأنه غير مستبصر بمرضه، وأنه يبدو متماسك التفكير، ولكنه لديه ضلالات عظمة سوف تدمر مستقبله الدراسي، إذا لم يأخذ العلاج، وأعطيته وصفة طبية بالعلاج. ولم يقتنع الأب بما قاله له الطبيب. ثم بعد عشر سنوات جاء الأب ومعه الابن إلى الطبيب نفسه، وأخبره برحلة طويلة من فشل الابن، دراسياً، ودخوله مستشفيات الصحة النفسية عدة مرات بعد الفشل الدراسي الذريع، الذي جعله يتحول إلى مضطرب السلوك من النوع العنيف، إذ ضرب والده وأخيه، وأحدث بهم إصابات بالغة، وذلك كعدوان ضد المجتمع الذي لم يستطع أن يثبت فيه أنه عظيم (من وجهة نظره المرضية). وهكذا، تسبب الاضطراب الضلالي الذي لم يعالج، في وقته، في ضياع هذا الطالب، دراسياً ونفسياً.
وقد يعتقد صاحب الضلال أنه على علاقة خاصة بشخص بارز، كنجم سينمائي مشهور، أو أنه مستشار لرئيس الدولة. وقد تحمل ضلالات العظمة محتوى عقائدياً (دينياً)، يسيطر بها الشخص على مجموعات من الناس، ويصبح قائداً لها، ويطلب منهم أن يبايعونه أميراً للمؤمنين، مثلاً. ويذكر أستاذ الطب النفسي قصة طالب الطب، الذي انتابته ضلالات العظمة هذه، فتفرغ لدراسة الدين، وترك الطب، وأقنع أسرته بضلالاته، خاصة وأنه الولد الوحيد، وكان متفوقاً دراسياً، وكانوا يثقون بقدرته العقلية، ثم طلب منهم أن يبايعوه أميراً للمؤمنين، ففعلت الأسرة، ثم أمر أخته التي كانت تدرس الطب، أن تترك دراسته، عملاً بأحاديث الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ بالتداوي بالحبة السوداء، إذ قال: "فِي الْحَبَّةِ السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلاَّ السَّامَ"(البخاري: 5256)، وما ورد في القرآن الكريم عن فوائد العسل الصحية في قوله تعالى: )يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاس((النحل: 69). ومن ثَمّ، فلا داعي لدراسة الطب فانصاعت لأمره؛ وبعد أن تزوجت تلك الأخت ظلت تدين بالوفاء لأخيها، لدرجة أنه حين مرض ابناها بالحمى، وأخذهما زوجها إلى طبيب، رغما عنها، وكتب لهما الطبيب علاجاً، لم تعطه لهما دون علم الزوج، وظلت تداويهما بالعسل والحبة السوداء، حتى توفى أحدهما وأصيب الآخر بالصمم. وهذا نموذج لما يمكن أن يفعله صاحب ضلال العظمة، لمن يقعون تحت تأثير ضلالاته.
ج. الغيرة الضلالية (ضلالات الخيانة)
وفى هذا النوع يكون المضطرب مقتنعاً تماماً، ومن دون سبب، بأن زوجته، تخونه ويجمع أدلة واهية ليؤكد خيانتها، ويقوي من ضلالته بهذه الأدلة، وغالباً يُقدم على خطوات غير عادية، تحت سيطرة الضلالات، فيواجه زوجته بذلك، وقد يحبسها في المنزل ويغلقه عليها، أو يمنع خروجها، بمفردها، أو يتتبعها، سراً، وكثيرا ما يعتدي عليها بالضرب. ويروى أن ابنين متزوجين أحضرا والدهما ووالدتهما إلى طبيب نفسي، وحين جلس الوالد، وكان منفعلاً، وجه كلامه إلى الطبيب، قائلاً: "اُنظر إلى هذه السيدة، إنها زوجتي (الوالدة)، وهي تخونني منذ أن تزوجتها، من سبعة وثلاثين عاماً، وسبق أن طلقتها مرتين بسبب خيانتها، وهي كاذبة وتنكر كل خياناتها، ولكن عندي أدلة على خيانتها، وأريد أن أطلقها الليلة، إلا أن أبنائي طلبوا أن أؤجل الطلاق حتى آخذ رأيك، لأنها الطلقة الأخيرة". وبينما كان يقول ذلك، كانت زوجته تبكي، بشدة، وكانت في التاسعة والخمسين من عمرها؛ ثم طلب الطبيب من السيدة وولداها الخروج، وجلس مع الوالد على انفراد، ليسمع ما لديه من أدلة. ولاحظ أن أدلته كلها واهية، ولكنه الإعتقاد المرضي (الضلال)، هو الذي يسيطرعلى عقله، وكان من خلال تفريغه لشحنته الانفعالية قد هدأ، فقال الطبيب له: "ألا ترى معي أن قرار الطلاق الذي ستأخذه، قرار خطير، خاصة أنها التطليقة الأخيرة؟". قال: "نعم". فقال له: "إذاً، لنرجئ قرار الطلاق، ونأخذ هذا العلاج، لكي تهدأ أعصابك، وتستطيع التفكير بهدوء، على أن نلتقى جلستين نفسيتين أسبوعياً". فوافق؛ وتردد على الطبيب عدداً من الجلسات النفسية، التي كشفت أصل عقدته. لقد كان من قرية، ونظراً لعدم توافر المدارس له ولأخوته، على مقربة منهم، آنذاك، وصعوبة المواصلات، اضطر الأب إلى تأجير شقة لهم في المدينة ليقيموا فيها، وأقامت معهم الأم لخدمتهم والإشراف عليهم، وفي يوم ما، وهو فى المرحلة الثانوية، خرج إلى زميله لكي يذهبا إلى السينما، ولكنه لم يجد زميله فعاد إلى البيت، وكان معه مفتاحاً فدخل من دون أن يشعر به أحد، وإذا به يجد أمه فى وضع جنسي كامل مع زوج أخته الكبرى، فذهل للحظة، ثم اندفع خارجاً من البيت وظل يمشي عدة ساعات عاد بعدها إلى البيت. ولكنه، في خلال تلك الساعات، كان يفكر أيقول لأبيه؟ وإذا قال له، فإنه سيصدم والده الذي يحبه، وسوف ينهدم بيت أخته، ولديها أولاد من زوجها هذا! ولكن هداه تفكيره، في نهاية الأمر إلى كتم الأمر في نفسه، ولا يطلع عليه أحداً، ولكنه قاطع أمه منذ تلك اللحظة، إلى أن توفيت، إذ كان يتجنبها ولا يخاطبها، ولا يجلس في مكان هي فيه. وعندما تزوج، كان خوفه الشديد من خيانة زوجته، فكان يتصيد لها الهفوات، وكان يعاقبها على الخيانة المحفورة في ذاكرته، والتي لم تكن هي طرفاً فيها. لقد طرح عليها مشاعره الأولية تجاه أمه، ومنها مشاعره تجاه خيانة أمه التي أخذت هي (أي الزوجة) مكانها؛ وكانت المرة الأولى التي يحدث شخصاً غيره في هذا الموضوع، وبتفسير ما حدث، داخلياً، له، وبفهمه خطأ الخلط بين أمه وزوجته، في داخل نفسه، حلت عقدته، وتحسنت نفسيته، للمرة الأولى، بعد مرور سنوات طويلة من ضلال الخيانة.
د. الاضطهاد الضلالي
وهو أكثر أنواع الاضطراب شيوعاً، وقد تكون الضلالات بسيطة أو معقدة، وعادة تشمل موضوعاً واحداً أو مجموعة موضوعات مرتبطة ببعضها، مثل أن هناك من يتآمرون ضده، أو من يحتال عليه، أو يتجسس عليه، أو يتتبعه، أو يدس له سماً أو عقاراً، أو يحقد عليه بخبث أو يضايقه، أو يعترضه في تحقيق أهدافه. ويروي الأستاذ الدكتور محمود حمودة، جامعة الأزهر، قصة المريض الذي حضر إلى عيادته، وجلس يتحدث بصوت هامس، لأن ما يقوله خطير، وتُعَدّ وصمة عار في جبين الوطن. فسأله الأستاذ، باهتمام وجدية، عن التفاصيل. فقال إنه كان يعمل في مكان ما بمؤهل شهادة إتمام الثانوية العامة، مؤقتاً، لأنه كان منتسباً لكلية جامعية، وفى هذا المكان طلب منه رئيسه أن يوقع على كشف حساب، فرفض (أي المريض) التوقيع على الكشف، إلاّ بعد مطالعة الفواتير. وعندما طلب كوباً من الشاي ليشربه لاحظ أن الشاي لونه أحمر زيادة عن اللون المألوف، فشكّ أن فيه شيئاً قد وضع له عقاباً على رفضه التوقيع. ومع ذلك شربه ليتأكد من ظنونه، ولكنه بعد شربه شعر بانحلال في أعصاب أطرافه السفلي، وظل يشرب كوب الشاي يومياً لينظر ماذا هم فاعلون؟ إذ شعر أنهم يودون إيذاءه. ثم ذهب إلى المكتبة، وفتح كتاباً في علم السموم، وقرأ فيه عن كل السموم ليعرف ما هو نوع السم الذي يضعونه له. واكتشف، من قراءته، أنهم يضعون له سم الاستركنين، وكان، آنذاك، قد حصل على مؤهله الجامعي، فترك العمل في ذلك المكان، وانتقل ليعمل مدرساً في مكان آخر. ولكنهم، لم يتركوه، على حد قوله، فإذا ركب حافلة ركب خلفه اثنان، وإذا نزل تتبعوه. فسأله الأستاذ: هل وصلوا إلى بيتك؟ فأجاب: هذه هي المصيبة يا دكتور!! إنني حين أدخل إلى سريري لأنام أشعر بالغاز الذي يسلطونه عليَّ، فأستنشقه، ويحدث تفككاً في جسمي فلا أشعر إلاَّ في الصباح عندما أستيقظ من نومي، وأنا لا أدري. وأشعر أن مقاومتي ضعفت وأعصابي تعبت منهم. فقال له: "فعلاً لقد تحملت الكثير، وهذا العلاج سيريح أعصابك"، وكان علاجاً للضلالات، وبعد أسبوع عاد، وقد خفت حدة ضلالاته كثيراً، ولم يعد هناك من يتتبعوه أو يسلطون عليه الغاز.
في بعض الحالات تكون بؤرة الضلالة هي العدل أو الحق، الذي يتطلب موقفاً قضائياً، وهذا ما يطلق عليه البارانوي كثير التشكي. وهؤلاء الأشخاص، غالباً، يندمجون في مجالات متكررة للحصول على الإشباع بواسطة الشكوى أمام المحاكم والهيئات الحكومية الأخرى. وأصحاب الضلالات الاضطهادية، غالباً، عدوانيون سريعو الغضب، ويلجأون إلى العنف ضد من يعتقدون أنهم يؤذونهم. ويروي الدكتور حمودة قصة الرجل الذي أحضر ابنه بعد أن تسلمه من قسم الشرطة، بسبب بلاغاته الكاذبة عن أشخاص يصلون معه في المسجد، أنهم يخططون لمؤامرة قومية خطيرة، بعد أن لاحظ ضابط الشرطة أنه ليس طبيعياً، من خلال تردده عليهم عدة مرات، لشكوى غير موجود لها أي أساس في الواقع.
هـ. الضلالية الجسمانية
وتحدث الضلالات الجسمانية بأشكال مختلفة أكثرها شيوعاً اقتناع الشخص خطأ أنه تخرج منه رائحة كريهة من جلده أو من فمه أو من فتحه الشرج أو من الفرج. مثل المريض الذي حضر يشكو من خروج رائحة كريهة من جلده، وأن تلك الرائحة تجعل رفاقه يبتعدون عنه، وتسبب له الحرج، وأنه تردد على أطباء الأمراض الجلدية كثيراً لهذا السبب إلى أن أرسله أحدهم للطبيب النفسي، وما أن أُعطى العقاقير الخاصة بالاضطراب الضلالي ومعها مضاد للاكتئاب حتى تحسنت حالته تماما.
وقد يشكو المريض أن لديه عدوى الحشرات على جلده، أو أن لديه عدوى طفيلية داخلية، أو أن جزءاً من جسمه لا يعمل (مثل الأمعاء الغليظة)، أو أن جزءاً من جسمه قبيح الشكل، ويبغي إصلاحه مثل أنفه أو فمه. وعادة مرضى الضلالات الجسمانية يذهبون إلى الأطباء العضويين للعلاج، أو إلى جراح تجميل لتصحيح الجزء الذي يتصور أنه قبيح، فيجد الجراح أن الجزء لا يحتاج إلى تصحيح، وأن أي تدخل جراحي سيحدث تشوهاً، فيرسله إلى الطبيب النفسي.
انتشار الاضطراب الضلالي
يُعَدّ الاضطراب الضلالي غير شائع الانتشار، وربما لأن حالاته لا تمثل للتشخيص الاكلينيكي، إذ يمثل مرضاه في المحاكم في مشكلات قضائية، أو يذهبون إلى الأطباء العضويين، أو ينعزلون. وهو أكثر بين الإناث، وبين الأقارب من الدرجة الأولى.
وعادة يبدأ الاضطراب الضلالي في متوسطي العمر (40 ـ 55)، وقد يبدأ مبكراً أو متأخراً عن ذلك. ومساره متفاوت من حالة لأخرى، فأحياناً يصبح مزمناً (خاصة النوع الاضطهادي)، وأحياناً يمر بفترات من الهوادة، يعقبها فترات أخرى من الاشتداد، وفي بعض الحالات يظل الاضطراب شهوراً قليلة، ثم يختفي، من دون انتكاس.
ونادراً ما يعوق الاضطراب الضلالي الأداء اليومي للشخص، إذ إن ذكاء الشخص وقدرته الوظيفية لا تتأثر، حتى عندما يصبح الاضطراب مزمناً. ولكن الذي يتأثر، غالباً، هو علاقات الشخص الاجتماعية والزوجية. وبصفة عامة، فإن المصابين بهذا المرض، يبدون عاديون في مظهرهم وسلوكهم، ما لم تناقش ضلالاتهم. أسباب الاضطراب الضلالي
وأسباب الاضطراب الضلالي ليست معروفة إلى الآن، وهناك اتجاه يقول إنها أحد أنواع الفصام العقلي، أو اضطراب الوجدان الفرعية (الهوس والاكتئاب)، إلاّ أن الدراسات الأسرية أشارت إلى أن الاضطراب الضلالي مستقل عنها، إذ لوحظ أنه لا يزداد حدوث الفصام واضطراب الوجدان في عائلات مرضى الاضطراب الضلالي، ولم يلاحظ زيادة حدوث الاضطراب الضلالي في عائلات مرضى الفصام، كما أن هذا الاضطراب لا يتحول إلى الفصام أو اضطراب الوجدان إلا نادراً، وبدايته في سن متأخرة عما هي في الفصام واضطراب الوجدان. كل هذا، يرجح أن الاضطراب الضلالي ليس أحد أنواع الفصام أو اضطراب الوجدان.
وهناك محاولات بيولوجية لربط ما يحدث في هذا الاضطراب من ضلالات مركبة وما يحدث في بعض حالات الأمراض العصبية، خاصة التي تشمل الجهاز الطرفي والنوى القاعدية. ولكن التفسيرات النفسية الدينامية أكثر إسهاماً في هذا الاضطراب، إذ لوحظ أن هؤلاء الأفراد لديهم حساسية زائدة، مع شعور بعدم الأمان، مثل الخوف من أن يصبح جنوسي مثلي (لواطي)، ولوحظ أن الأنا يتخذ حيلاً دفاعية، هي التكوين العكسي والإسقاط والإنكار. وعلى الرغم من أنه لا توجد أدلة بحثية تقرر العلاقة السببية بين عوامل دينامية محددة وحدوث الأعراض الضلالية، إلا أن الخبرة الإكلينيكية تشير إلى أن المرضى يفيدون من العلاج النفسي.
قد يكون الضلال الاضطهادي دفاعاً ضد الميول الجنسية المثلية، باستخدام حيل الإنكار والإسقاط الدفاعية، كما قال (فرويد)، مثل:
شعور (أنا أحبه) يتم إنكاره، ويتغير بواسطة التكوين العكسي إلى أنا لا أحبه أنا أكرهه. وهذا الشعور يتحول من خلال الإسقاط إلى لست أنا الذي أكرهه، هو الذي يكرهني، وهذا هو ما يظهر في حالة المرض (ضلال الاضطهاد).
إنه يضطهدني، وبدلاً من استشعار الميول الجنسية المثلية السالبة، فإن المريض يرفض حب أي شخص، عدا نفسه.
أمّا في ضلالات الحب، يغير الشعور (أنا أحبه) إلى (أنا أحبها)، وهذا الشعور خلال الإسقاط يصبح (هي تحبنى). أمّا في ضلالات الغيرة فتوجد محاولة لإبعاد تهديد الميول الجنسية المثلية، حيث يتغير شعور (أنا أحبه) إلى الإنكار (أنا لا أحبه)، ولاسقاط عليها (هي تحبه وتخونني معه)، وهذا ما يحدث في ضلالات الخيانة، ونفس هذه الديناميات النفسية في حالة الإناث.
وأشارت الملاحظة الإكلينيكية، كذلك، إلى أن بعض المرضى البارانويين يخبرون نقصاً في الثقة باستقرار العلاقات، يعزى إلى الجو الأسري العدائي المستمر، فغالباً ما تكون الأم مسيطرة والأب متباعد (أو غائب) أو سادي، إذ يستخدم التكوين العكسي كدفاع ضد العدوان والحاجة للاعتمادية ومشاعر العطف. فالحاجة إلى الاعتمادية تحول إلى استقلال مبالغ فيه، والإنكار يستخدم لتجنب الوعي بالواقع المؤلم، ويسقط رفضه وغضبه على الآخرين، والإسقاط هنا لحماية الشخص من التعرف على النزعات غير المقبولة في نفسه.
فالشعور بالدونية، يؤدي من خلال التكوين العكسي والإسقاط إلى ضلالات العظمة، وضلالات الحب استبدال لمشاعر الرفض (أو إسقاط للحب النرجسي المستخدم كدفاع ضد نقص اعتبارات الذات والانجراح). أمّا الضلالات الجسمانية، فتفسر دينامياً كنكوص إلى النرجسية الطفلية، إذ يسحب المريض ارتباطه العاطفي بالآخرين ويركزه على جسمه في الضلالات الجسمانية. العلاج
يدخل المريض مستشفى، إذا كان هناك خطر منه على نفسه أو على الآخرين، (الانتحار أو القتل، مثلاً)، ويعطى مهدئات من طريق الحقن، إذا كان في حالة (هياج). أمّا في الحالات غير الخطيرة، فيكوّن المُعالِج علاقة ثقة مع المريض، أولاً، ثم يصف له عقاقير من مضادات الذهان، ويوضح له أعراضها الجانبية، حتى لا يشك في نوايا الطبيب، عند ظهور الأعراض الجانبية. ويكون البدء بجرعات صغيرة، تزداد ببطء، حتى تتحقق درجة مناسبة من التحسن. وإذا فشل العلاج لمدة ستة أسابيع، تعطى مجموعة أخرى من مضادات الذهان، ويلاحظ أن سبب الفشل عادة هوعدم تعاطي العلاج، ويصاحب ذلك العلاج النفسي الفردي.
2. الاضطراب الذهاني المشارك (المستحث) (Shared Psychotic Disorder)
هو اضطراب ضلالي، يحدث للمريض نتيجة لعلاقته الوثيقة بشخص آخر، هو صاحب هذه الضلالات أصلاً، أي أنه هو المريض الأصلي وشاركه المريض الأول ضلالاته، ولذا يسمى هذا الاضطراب بالبارانوي المشارك، ويسمى بالذهان المرتبط.
وأهم ما يميز صورة الاضطراب الذهاني المستحث الإكلينيكية، وجود ضلالات لدى الشخص كنتيجة لعلاقته الوثيقة بآخر، الذي لديه فعلاً اضطراب ذهاني وضلالات بارزة. وهذه الضلالات مشتركة بين الشخصين، ومحتوى هذه الضلالات، في حدود الممكن، وغالباً يبنى على الخبرة الماضية المشتركة للشخصين، وأحياناً يمكن أن تكون الضلالات المستحثة مفرطة في الغرابة، وعادة يكون الشخص المضطرب، أساساً، مسيطراً في العلاقة التي بينهما ويملي ضلالاته تدريجياً على الآخر (الطرف السالب في العلاقة)؛ وعادة يحدث هذا بعد فترة من تعايشهما معاً، وانعزالهما، وعدم احتكاكهما بالناس الآخرين.
ولقد حدث هذا لزوجين كانا يعملان في دولة أخرى، حيث انتابت الزوجة ضلالات أن هناك من يروجون شائعات ضدها، تهدف إلى النيل من شرفها، فتعتقد أنهم يتهمونها بممارسة الجنس مع رجل آخر (هذا الرجل كان قد شاركهم إحدى الرحلات منذ فترة ولم تره هي بعد تلك الرحلة)، وأقنعت الزوج بضلالاتها (اعتقاداتها المرضية)، لدرجة أنه تشاجر، غير مرة، في السوق، وهو يشتري السلع اللازمة لهما. وساءت علاقاتهما بزملائهما في العمل، على الرغم من أنهما يعملان في مكانين متباعدين، وليست بين المكانين علاقة، فقررا العودة إلى بلدهما. وحين حكيا الأمر إلى شقيق الزوجة، عرف أنهما مرضى، وذهب بهما إلى الطبيب النفسي، الذي رأى أنه لكي يُعالجا لا بدّ من فصلهما مدة، حتى يمكن تحرير الضلالي المشارك، وهو هنا الزوج، من الضلالي المسيطر، وهي الزوجة. ثم عولجا منفصلين، فكان تحسن الزوج (الضلالي المشارك) أسرع من تحسن الزوجة، ولم يسمح الطبيب لهما أن يعيشا معاً، إلاّ بعد أن تحوصلت ضلالات الزوجة، وأصبحت مستبصرة بأنها اعتقاد مرضي.
فعندما يُعزل مضطرب الذهان المستحث عن المضطرب الأصلي، تتناقص حدة الضلالات لديه. والشائع أن هذا الاضطراب يحدث في علاقة شخصين فقط (أحدهما أصلي والآخر تابع)، ولكن سجلت حالات لأكثر من تابع (أي لديهم ذهان مستحث)، قد تصل إلى اثنا عشر شخصاً، وقد تشمل أسرة بأكملها، والمصابون بهذا الاضطراب نادراً ما يبحثون عن علاج، والحالات التابعة، عادة، تظهر للضوء عندما يعالج الشخص الأصلي.
ويُعَدّ الذهان المستحث اضطراباً نادراً، يكثر بين الإناث، وفي الطبقات الاجتماعية الدنيا. والمصابون بعاهات جسمانية أكثر عرضة لاعتمادهم على الآخرين. وتصل نسبة الانتشار إلى 95% من الحالات.
وعلى الرغم من أن هناك قول شائع بأن فصل التابع المصاب بالذهان المستحث عن المضطرب الأصلي والمسيطر في العلاقة، ينتج عنه تحسن، إلاّ أن الدراسات الإكلينيكية قررت نسبة شفاء قليلة من 10% إلى 40% فقط، ولكن عدم التحسن بعد الفصل يحتم إعادة النظر في التشخيص، فقد يكون اضطراباً ضلالياً أو فصام. السـبب
عادة، يكون السبب نفسياً اجتماعياً لوجود شخصين، أحدهما مسيطر، والآخر تابع، والعلاقة بينهما حميمة، وارتباطهما بالعالم الخارجي معدوم، وهناك مكسب متبادل لكلا الشخصين، ويسعى التابع ليحوز القبول من الشخص المسيطر. العــلاج
يلزم فصل الشخص المصاب بذهان مستحث عن مصدر الضلالات (الشخص المسيطر)، وتعطى العقاقير المضادة للذهان، إذا لزمت فقط ،ولكن العلاج النفسي مهم جداً لمساعدة المريض في التخلص من ضلالاته المستحثة، والارتباط بالواقع الخارجي والعالم من حوله.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:13 am | |
| الإغفاءة
الإغفاءة Nap
وهي النومة الخفيفة[1]، حيث يتغير الوعي، وتزول حالة اليقظة، ويدخل الإنسان إلى مرحلة أولية من النوم. وهذه السِّنَة يمكن أن تحدث للإنسان المرهق لا إرادياً. فبعض الناس، حين يكونون مرهقين، ويقودون سياراتهم، تُدركهم تلك الإغفاءة أو السِّنَة لثوانٍ قليلة. وغالباً ما يترتب عليها الكثير من حوادث السيارات. وهي تباغت، كذلك، الإنسان المجهَد، حينما يستريح في مقعده، لدقائق قليلة. ويمكِن أن تقتصر الإغفاءة على مرحلة الدخول في النوم، التي تُعَدّ مدخل النوم[2]، وتراوح بين دقيقتين وعشر دقائق. ولا يشعر الشخص فيها أنه نام على الرغم من استغراقه في النوم، وأحياناً، يصدر عنه شخير Snoring خلالها، ويؤكد من حوله أنه نام فعلاً. وقد تمتد الإغفاءة إلى المرحلتين، الأولى والثانية من النوم غير المصحوب بحركة العين السريعة، على أقصى تقدير، ولكنها لا تصل إلى المرحلتين، الثالثة والرابعة، لأنهما مرحلتان عميقتان من النوم. وقد يرى الشخص فيها أحلاماً مختصرة، من النوع الذي يهدف إلى المحافظة على النوم.
[1] وغفا من الناحية اللغوية غَفْواً، وغُفُوِّا بمعنى نام قليلاً. والإغْفَاءَةُ هي النومة الخفيْفة. يُقال: `الذ من إغفائة الفجر. ومن الناحية الاصطلاحية فهي بمعنى غفا أو غَفِيَ To take a nap بمعنى نام نومة خفيفة، ويُعرف بالنوم البطيء.
[2] مدخل النوم عبارة عن المرحلة الأولى من النوم، أو ما يُعرف بالإغفاء الخفيف، حيث يسهل ايقاظ النائم بضجة خفيفة أو حركة حوله
المصادر والمراجع
1. محمود حمودة، "الطفولة والمراهقة .. المشكلات النفسية والعلاج"، القاهرة، 1998.
2. هيثم مناع، "عالم النوم"، 1990.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:18 am | |
| الألم إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام
مقدمة
إن أكثر ما يواجهه الطبيب، من الشكاوى المرضية، هي الشكوى من الألم Pain. وعلى الرغم من شيوع الألم، كشكوى مرضية، إلا إنه أقلها تحديداً. إذ إنه إحساس ذاتي للمريض، يعبر عنه، ويصفه، كما يدركه. لذا، تختلف حدّة التحديد، حسب إدراك المريض، كما أن درجة إحساس المريض بالألم، تختلف حسب حَدّ الألم (Threshold Pain) لديه، ودرجة تحمله. فهناك من يتحمل الألم بدرجات عالية، وهناك من لا يتحمل أدنى الدرجات منه. لذلك، فإن الألم يُعَدّ ظاهرة (عرض) نفسية سيكولوجية، والعجيب أنه يزول، أو تخف حدته، بالإيحاء، إلى درجة أن هناك من يستعملون الإيحاء الذاتي لتحمل درجات عالية من الألم، ومنهم من يمشي على النار من دون أن يشعر بألم، وهذا يعزى إلى سيطرة العقل وقدرته على أن يتجاهل وجود آلام عضوية حقيقية في الجسد.
ويمكن أن يزول الألم بتشتيت الانتباه، وذلك مثلما يحدث في حالات استخدام الألم المشتت (Counter Irritation)، وهذا ما كان يستعمل في العلاج الشعبي في صورة الكي بالنار لجزء من الجسم، فيحدث ألماً يشغل اهتمام المريض عن الألم الأصلي المستهدف علاجه، فينساه المريض. وقد يكون من دون سبب واضح، وهذا كله لا يعني أنه شيء متخيل ليس له سبب، ولكنه يعني وجود اختلال عضوي أو نفسي.
ويمكننا أن نُعرِّف الألم بأنه الإحساس السيئ، المصاحب بانفعال مزعج، والناشئ عن تلف أصاب أنسجة الجسم، سواء كان هذا التلف حقيقي، أو مدرك من قِبل الشخص، على الرغم من أنه غير حقيقي. ويهدف الألم إلى حماية جسم الإنسان بتحذيره من المثيرات التي قد تدمر أنسجته، ولذا، تزيد مستقبلات الألم السطحي التي تنتشر في الجلد، لأنه الدرع الواقي لأنسجة الجسم من الأذى، ليس بسبب مكانته أو صلابته، ولكن بسبب كثرة المستقبلات فيه، سواء كانت للحرارة أو الرطوبة أو اللمس أو للألم بصفة خاصة، إذ إن النهايات العادية للأعصاب، المنتشرة بين خلاياه (أي الجلد)، لحمايته، بتنبيه الإنسان للابتعاد عن المثير وإنقاذ جسمه.
وهناك نوعان من الألياف العصبية المتخصصة في نقل الإحساس بالألم، أحدهـما ألياف صغيرة مغطاة بالميلين (myelinated) وهي سريعة جداً في نقل الإثارة المؤلمة، إذ تنقلها بسرعة تراوح بين 12 و30 متراً في الثانية الواحدة، وهو أسرع معدل للنقل العصبي في الجسم. وثاني النوعين ألياف غير مغطاة بالميلين، وهي بطيئة جداً، مقارنة بالنوع الأول، إذ أن سرعتها من نصف متر إلى مترين في الثانية الواحدة، وحين يطعن شخص ما بآلة حادة، فإنه يحس بألم حادّ شديد ومحدد الموضع في نفس لحظة الطعن، وهذا ما تنقله الألياف العصبية سريعة النقل، ثم يعقبه نوع آخر من الألم، غير محدد الموضع، وشديد ومنتشر وغير مريح، وهو ما تنقله الألياف البطيئة، وكأن الألم الأول هو صرخة الجزء المصاب من أنسجة الجسم، بينما الألم المنتشر الذي يليه هو صرخة الأنسجة المجاورة للجزء المصاب.
ويأخذ الألم طريقه من المستقبلات الطرفية الموجودة في كل أنسجة الجسم إلى الجهاز العصبي المركزي عبر القرن الخلفي (الظهري) الخاص بالإحساس من النخاع الشوكي (Spinal Cord)، الموجود في القناة الفقارية للعمود الفقري، حيث ينتهي بعضها في النخاع الشوكي وجذع الدماغ، وبعضها يصعد إلى المهاد (Thalamns)، وتسمى بالمسارات الشوكية المهادية (Spinothalamic Tract)، ومنه (أي من المهاد) إلى قشرة المخ الحسية (Sensory Cerebral Cortex)، التي تقع إلى الخلف من الأخدود المركزي (Central Sulcus) .ولا ترتبط قشرة المخ بالإدراك البسيط للألم، ولكنها ترتبط بتمييز نوع الألم وفهم معناه. والمثير المؤلم يسبب استجابة تجنبية وانسحابية له مع شحنة انفعالية غير سارة، وهو يختلف في ذلك عن المثيرات التي تنقلها الحواس الخاصة (البصر والسمع والشم والتذوق واللمس)، إذ إنها لا تولد انفعالاً معيناً إلاّ بناء على خبرة سابقه (أي ارتباط إحساس ما بخبرة مؤلمة سابقة). ومثال على ذلك، من يبصر ثعباناً، فإنه لا يتولد لديه انفعال الخوف منه، إلاّ في حالة معرفته بخطره، سواء كانت خبرة ذاتية، أو منقولة إليه من آخرين؛ ولكن الألم وحده ينفرد بالشحنة الانفعالية غير السارة، بمجرد إدراكه، ودون خبرة سابقه، ولعل ذلك يرجع لاتصال مسارات الألم بالمهاد، قبل صعودها إلى قشرة المخ. والمهاد يُعَدّ أحد أجزاء الجهاز الانفعالي (Limbic System).
ويحدث الألم بتأثير المثيرات المؤلمة، التي تطلق مادة كيميائية من الأنسجة المتألمة، أطلق عليها المادة (P)، وهي تثير نهايات الأعصاب العارية الموجودة بالجلد والعضلات وأنسجة الجسم المختلفة التي تنقل أو تستقبل الألم كمستقبلات خاصة له. ويترتب على ذلك، الإحساس بالألم، وهو، بدوره، يعمل على تنشيط الجهاز العصبي لإفراز مواد مسكنة، داخلياً، تشبه في مفعولها الأفيون ومشتقاته، إلى درجة أن العلماء أطلقوا عليها اسم المواد شبه الأفيونية ، وهي الانكفالينات والأندورفينات (Enkephalins & Endorphins)، ولها مستقبلات خاصة بها، وهذه المواد تسكن الألم، ويعزى إليها الأثر التسكيني للألم الذي تحدثه الإبر الصينية (Acupuncture)، وكذلك الإيحاء، كما يعزى إليها تسكين الآلام الجسمانية التلقائية. وعندما يثبط إفرازها، بتأثير الإدمان للأفيون ومشتقاته، أي التعاطي المنتظم للأفيون، فتحدث آلام شديدة في الجسم، ضمن الأعراض الانسحابية.
ونظراً إلى أن كثيراً من الأحشاء نشأت في الجنين، في مكان من جسمه، بعيد عن مكانها عند اكتمال جسد الجنين، وأخذت معها الإمداد العصبي المتعلق بها من منطقة المنشأ، فإن الألم في تلك الأحشاء يُحس به في المكان السطحي نفسه الذي نشأت منه، ويطلق عليه الألم الراجع (المشع) إلى مكان آخر (Referred Pain)، وهو ما يحدث في آلام الحالب، إذ يُحس بها في الخصية، وإثارة الحجاب الحاجز الذي يحسها الشخص في كتفه، وألم عضلة القلب، الذي يشعر به الشخص في جانب ذراعه ويده اليسرى، وألم الأحشاء وأنسجة الجسم العميقة، يصعب تحديدها وترتبط بإثارة الجهاز العصبي الذاتي (Autonomic Nervous System)، فيحدث الغثيان والعرق والقيء، ويتغير ضغط الدم، بخلاف الألم السطحي الذي يكون محدداً.
ويُعَدّ الألم ظاهرة نفسية فسيولوجية وذاتية، يصعب تقديرها من شخص لآخر، وهو ما نسميه بتفاوت عتبة الألم. فهناك من يشعرون بالألم ويتجاهلونه ولا ينفعلون معه. فمن المعروف أن الجنود أثناء المعركة لا يشعرون بجروحهم، ولكنهم يشعرون بها بعد انتهاء المعركة، وهذه الظاهرة سُميت (Stress-Analgesia)، وتشير إلى دور الموقف النفسي في مدى إدراك الألم والتفاعل معه انفعالياً، كما أن الألم يقلّ بالإيحاء والتشتت، حتى لو كان ألماً عضوياً، أي ناتج عن تلف لأنسجة الجسم.
ويصعب، أحياناً، التمييز بين الألم بسبب مرض عضوي، والألم الناتج عن مرض نفسي. ولكن الألم الناتج عن مرض عضوي، إمّا أن يكون فيه علامات موضوعية للمرض تحدده وتكشف عن وجوده، مثل السرطان (Cancer) أو التهاب الأعصاب (Neuropathy)، وإما أن يكون الألم يتبع توزيعاً تشريحياً مطابق لتوزيع العصب المعتل، مثل اعتلال العصب (Neuralgia) وذلك خلافاً للألم الناتج عن مرض نفسي، فلا يصاحبه علامات موضوعية، ولا يتبع توزيعاً تشريحياً لعصب بعينه.
العوامل المؤثرة في ظاهرة الألم 1. العوامل العضوية للألم
ويتأثر الألم بعوامل عضوية، مثل سلامة الألياف العصبية الناقلة للألم، وقدرتها على توصيل الإثارة المؤلمة لمراكز الإحساس العليا في المخ، ومستوى اليقظة (Consciousness)، للشخص الذي يقوم به الجهاز المنشط الشبكي (Reticular Activating System) (الذي يوجد أعلى جذع الدماغ، وأسفل قشرة المخ، وهو المسؤول عن حالة اليقظة)، وإفراز الناقلات العصبية داخل الجهاز العصبي مثل السيروتونين (Serotonin)، الذي يسكن الألم، وكذلك المواد الأفيونية التي سبقت الإشارة إليها وإلى دورها المهم في تسكين الألم. كما أن الإجهاد الجسماني ونقص القدرة على الاحتمال، تعدل من إدراك الألم، وتزيد الشعور به. فالشخص المجهد، جسدياً، تقل إطاقته للألم وقدرته على احتماله، فيزداد شعوره به، الأمر الذي يزيد من تعبه وإجهاده، فيزداد ثانية إدراكه للألم، وهكذا تحدث لديه دائرة مفرغه. 2. العوامل النفسية للألم
ويتأثر الألم بالعوامل النفسية، بدرجة كبيرة، فقد يكون الألم تعبيراً عن حالة مزاجية، أو تعبيراً عن صراع نفسي يعيشه المريض، إذ يكبت الصراع، ويعبر عنه، رمزياً، بالألم، ويكون هذا هو المكسب الأول، ويتبعه المكسب الثاني من الحصول على الاهتمام من المحيطين وإشباع احتياجاته، وهو المكسب الثانوي، وذلك كما يحدث في الهستيريا.
وقد يكون الألم تعبيراً عن عدوان كُبِتَ، أو تعبيراً عن شعور بالذنب وعقاب النفس، طلباً للمغفرة، وتكفيراً عن الذنب الذي يستشعره المريض. ولقد كان الألم يفهم، قديماً، على أنه ثمن للإثم الذي ارتُكب، لدرجة أن كلمة (Pain)، ومعناها الألم، مشتقة من كلمة يونانية تعني عقاب، ولا يزال هذا المفهوم سائداً في بعض الثقافات. إن طول فترة الألم والمعاناة، يُعَدّ تطهيراً للنفس والجسد من الذنوب التي اقترفها الشخص في مراحل حياته السابقة.
ولعل الفهم النفسي للألم، يفسر بعض الظواهر المؤلمة الغريبة، مثل الألم في حالات شبح الطرف (Phantom Limb)، وهو الطرف الذي بُتِرَ (Amputated)، ومع ذلك يشعر فيه الشخص بالألم على الرغم من أنه مبتور، وغير موجود بالجسد، لأن الجزء المبتور، ما زال جزءاً من صورة الجسد المتكونة في العقل، والتي لا يمكن تغييرها بسهولة. وكذلك ظاهرة الألم المزمن، في أحد أجزاء الجسم، والذي لا يوجد سبب عضوي لاستمراره، أو الألم الذي نتج بعد حادث في جزء كان مصاباً من الجسم، واسـتمر مؤلماً لفترة طويلة بعد الحادث، على الرغم من عدم وجود دلالات عضوية لأية آثار للإصابة تفسر استمرار الألم. وقد يكون دور العوامل النفسية هو تضخيم الشعور بالألم وتهويله، فمن المعروف أن هناك شخصيات تبالغ في إظهار الألم مثل الشخصية الهستيرية، التي تبالغ، بشكل عام، في إظهار انفعالاتها، ويكون تعبيرها عن الألم درامياً.
ولقد لوحظ أن المرضى الذين يصابون بالألم، كثيراً ما يظهرون ارتفاعاً على مقياس مينسـوتا المتعدد الأوجه ("M.MPI" "Minosota Multiphasic Inventory") الذي يُعَدّ مقياساً موسعاً لأبعاد وصفات الشخصية، في جزئيات توهم المرض (Hypochondriasis) والاكتئاب (Depression)، والهستيريا، وهذه الجزئيات الثلاثة، تعكس الميول الجسدية للانفعالات المختلفة، إذ يميل هؤلاء الأشخاص إلى التعبير عن معاناتهم الانفعالية، بصورة جسدية، إما في شكل اضطراب التجسيد (Somatization Disorder)، أو اضطراب التحول (Conversion Disorder)، أو توهم المرض (Hypochondriasis) ، أو الألم جسدي الشكل، أو اضطراب تشوه الجسد الوهمي (Body Dysmorphic Disorder).ويكثر انتشار الألم بين الإناث، فتصل نسبته إلى ضعفها لدى الذكور، وقمة انتشاره في العقدين، الرابع والخامس، كما يزداد انتشاره بين الطبقات الكادحة. 3. العوامل الاجتماعية للألم
يظهر مرضى الألم، غالباً، عدم رضى عن دورهم في الحياة، من عمل وعلاقات زواجية، وقد يصل الأمر إلى عدم الرضـا عن الجنس، كنوع للشخص. فإذا كانت امرأة، مثلاً، فإنها تكون غير راضية عن كونها أنثى، وتكره حدوث الدورة الشهرية (الحيض). كما يكون لدى المرضى صعوبة في التواصل مع بيئتهم. والمرض، في صورة الألم، يحقق لهم تواصلاً واهتماماً من المحيطين بهم، ولكن الاهتمام والرعاية من المحيطين، في الوقت نفسه، تنميان الدور المرضي (sick role) لدى هؤلاء المرضى، فيتمسكون بالمرض، أي بالألم، لما يحققه لهم من اهتمام ينالونه من الآخرين.
مضاعفات الألم
يقعد الألم المريض، وغالباً ما يعوق حركته لِما يسببه من ضمور العضلات، وخشونة المفاصل، وضعف القدرة، الحركية والجسدية، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة الوزن، والبدانة، وما يرتبط بهما من أمراض، مثل ارتفاع ضغط الدم (Blood Hypertension)، ومرض البول السكري (Diabetes Mellitus)، إضافة إلى ما يحدثه تناول المسكنات (Analgesics) الكثيرة، التي يتناولها المريض لتخفيف الألم، من مضاعفات على الجهاز الهضمي مثل قرحة المعدة (Peptic Ulcer)، الناجمة عن كثرة تعاطي مركبات الساليسلات (Salicylates) المسكنة للألم، وتأثيرها على أجهزة الجسم التي تقوم بوظيفة إخراج تلك العقاقير، مثل الكبد والكلى. وقد يصبح الشخص مدمناً من جراء استمرار تعاطيه لمواد مسكنه قوية، مثل الأفيون ومشتقاته، أو تعاطيه لمواد مهدئة، وقد يعرضون أنفسهم لفحوصات جسدية جراحية من جراء إلحاحهم في طلب التشخيص والعلاج، مما يعرضهم لمضاعفات العمليات الجراحية المختلفة كعمليات الاستكشاف (Surgical Exploration).
وتوجد لزمات ترتبط بالألم، كأحد أهم أعراضها، نورد منها ما يلي:
1. ألم العصب الحارق (الحراق) (Causalgia)
وهي حالة تحدث عندما يصاب عصب طرفي بجرح غير كامل، وفيها يكون الإحساس الشديد والمستمر بالألم، مع الحرقان في المنطقة الحسية التابعة لهذا العصب، ولمس الطرف المصاب يزيد من الإحساس بالألم. ولذا فإن المريض يرفض أي تدخل أو محاولة لتحريك الطرف؛ ويتورم الجلد وينتفخ في المنطقة المصابة، ويصبح أحمر اللون، مع ارتفاع درجة حرارته ونعومته، والسبب في ذلك يعود إلى حدوث دورة قصيرة من الألياف العصبية الإرادية الصاعدة (Somatic Afferent Fibres) مع الألياف السمبتاوية الهابطة (Sympathetic Efferent Fibres) لقطع كل منهما في الموضع المصاب، إذ تطلق مادة مثيرة عند تلك النهايات المقطوعة. وتستعمل الكمادات الموضعية مع المسكنات في علاج الحراق، وإذا لم تجدي يكون العلاج بقطع الشق السمبتاوي من العصب، جراحياً.
2. ألم اعتلال العصب بعد الهربس (Post-Herpetic Neuralgia)
وهو ألم ثابت، شدبد وحارق، ويأخذ شكل نوبات للمنطقة التي يغذيها العصب بالإحساس، ولمس المنطقة المصابة يزيد من الألم، وعادة يكون السبب هو تلف الألياف العصبية السميكة المغطاة بالميلين بسبب نشاط الفيروس. وهذا النوع من الألم يصعب علاجه، ولكن عقار الكاربامازبين (Carbamazepine)، ومضادات الاكتئاب قد يساعدان على تقليل الألم، وأحياناً يصل الأمر إلى قطع العصب، جراحياً، لإراحة المريض من شدة الألم، أو حقن مادة لإحداث فقد في الإحساس عند جذر العصب.
3. ألم لزمة المهاد (Thalamic Pain):
وينتج ذلك عن إصابة الجزء المثبط من المهاد، ويبدأ بتخدير في نصف الجسم على الجانب المقابل للإصابة، ويكون الألم كاوياً ومنتشراً، ويتفاقم بالملامسة والملابس، ويعالج بعقار الكاربامازبين، وفي الحالات التي لا تتحسن تكون الجراحة واردة.
4. ألم شبح الطرف (Phantom Limb Pain)
يحدث بعد بتر الطرف في 10% من الحالات، حرقان ثابت ومستمر، وذلك بسبب تكون ورم في نهاية العصب الذي بتر كجزء من الطرف، إذ يحس المريض بالألم في مكان ما من الطرف الذي بُتِرَ فعلاً. ويتحسن هؤلاء المرضى بعقار الكاربامازبين، مع مضادات الاكتئاب والعلاج النفسي، لتعديل صورة الجسم لدى المريض.
وهنـاك اضطراب مشهـور صنف بواسطة الجمعية الأمريكية للطب النفسي، عام 1994، سُميَّ باضطراب الألم جسدي الشكل (Somatoform Pain Disorder)، ويتميز هذا الاضطراب بالانشغال بالألم في غياب مشاهدات جسمانية مناسبة، تشير إلى عامل عضوي مسؤول عن الألم أو شدته.
وهذا الألم إما غير متسق مع التوزيع التشريحي للجهاز العصبي، أو يتسق مع التوزيع التشريحي، ولكن الفحص الدقيق ينفي وجود مرض معروف كالذبحة الصدرية ، أو ألم عرق النسا (Sciatic Pain)، وليس له آلية باثوفسيولوجية يعزى إليها، كما هو الحال في صداع التوتر (Tension Headache)، الناتج من تقلص عضلي. وهذا الانشغال بالألم شديد ومستمر لمدة ستة أشهر على الأقل.
والعلاقة بين العوامل النفسية والألم، قد تكون ظاهرة، في بعض الحالات، إذ توجد علاقة مبدئية بين بدء الألم، أو اشتداده، والصراع النفسي، أو الحاجة النفسية، وقد تكون العلاقة غير ظاهرة. ويصاحب هذا الاضطراب تغيرات حسية أو حركية (Paresthesia, Spasm) ويتميز مريض هذا الاضطراب بكثرة زياراته للأطباء، للحصول على ما يخفف الألم، على الرغم من طمأنة الأطباء له .ويسرف الشخص في تعاطي المسكنات من دون أن تخفف حدة الألم، ويطلب إجراء جراحات، وعادة يرفض إعزاء الألم إلى عوامل نفسية. وفي بعض الحالات، يكون للألم أهمية رمزية، مثل الألم الذي يشير إلى ذبحة صدرية (Angina Pectoris) لدى شخص مات والده من مرض بالقلب، ويكثر في التاريخ المرضي السابق لهؤلاء المرضى، وجود اضطراب التحول (الهستيريا)، ونادراً ما تكون الشخصية هستيرية وغير معبرة عن انفعال، وكثيراً ما توجد أعراض الاكتئاب، إذ يضاف تشخيص نوبة الاكتئاب الجسيم (Major Depressive Episode) إلى الاضطراب الألم جسدي الشكل.
بداية الاضطراب ومسارها ومضاعفاتها
يبدأ عند أي سن، من الطفولة إلى الشيخوخة، ولكن يكثر حدوثه في الثلاثينيات والأربعينيات، والبداية مفاجئة، وتزداد شدته عدة أسابيع أو شهور، وفي أغلب الحالات يظل ثابتاً لعدة سنوات يأتي بعدها الشخص للعلاج النفسي. ونظراً إلى أن الاضطراب مزمن، والألم مزعج للمريض، فإنه كثيراً ما يعوقه عن العمل، وكثيراً ما يعتمد على المسكنات والمهدئات فيصبح مدمناً، أو يلجأ إلى إجراء عمليات جراحية لا داعي لها.
وتصنف الجمعية الأمريكية للطب النفسي هذا الألم إلى الأنواع الآتية:
1. اضطراب الألم المرتبط بعوامل نفسية: إذ يكون للعوامل النفسية الدور الأعظم في بدء أو شدة أو تفاقم أو استمرار الألم، ويحدد ما إذا كان حاداً: مدته تقل عن ستة أشهر، أو مزمناً: مدته ستة أشهر أو أكثر.
اضطراب الألم، المرتبط بكل من عوامل نفسية، وحالة مرضية جسمانية: وهو، كذلك، حادّ أو مزمن، إذ يوجد سبب جسدي للألم، ويصاحبه عوامل نفسية تجعله يتفاقم أو يستمر. اضطراب الألم، المرتبط بحالة مرضية جسمانية: وهو لا يُعَدّ ضمن الاضطرابات النفسية، إذ يكون سبب الألم هو الحالة الجسمانية، وهنا، لا يمكن إغفال دور الحالة النفسية.
ويلزم تمييز هذا الاضطراب من الحالات الآتية:
المثول الدرامي بألم عضوي: إذ يمثل شخص، بألم عضوي، ولكنه يبالغ في إظهاره، فيصعب تمييزه، لضآلة المشاهدات الإكلينيكية، ولكن يوجد سبب عضوي ولا توجد مواصفات الألم النفسي. اضطراب التجسيد (Somatization Disorder)، والاكتئاب (Depression)، والفصام (Schizophrenia): فقد يشكو المريض من آلام عديدة فيجسده، ولكن نادراً ما يسود الألم الصورة الإكلينيكية التي تتضمن أعراضاً مرضية أخرى. في الادعاء (إدعاء المرض ـ التمارض): يحدث الشخص الأعراض قصداً لتناسب هدف واضح، مثل مدمن الأفيون الذي يشكو ألماً جسمانياً شديداً، ويحمله أهله إلى أحد أقسام الطوارئ بالمستشفيات، وهناك، أثناء فحصه بوساطة الطبيب، يظهر آلاماً شديدة، لا تفسرها مشاهدات إكلينيكية، فيشك الطبيب في مصداقية الشكوى، ويكتشف إدمانه من خلال إلحاحه ليعطى مسكناً قوياً كالأفيون. الألم المرتبط بتقلص العضلات (مثل صداع التوتر): لا يشخص كألم جسدي الشكل، لوجود آلية باثوفسيولوجية تفسر الألم.
أسباب الألم جسدي الشكل 1. عوامل بيولوجية
يمكن لقشرة المخ أن تثبط روافد الألم، وربما يكون السيروتونين (Serotonin)، هو الناقل العصبي الرئيسي في التثبيط، ويحتمل أن يكون هناك دور تلعبه الأندورفينات (Endorphins)، (الأفيونات الداخلية)، في تعديل الشعور بالألم ويبدو أن نقصها هو المسؤول عن زيادة الألم. 2. عوامل بيئية واجتماعية
ترى نظرية التعلم (Learning Theory)، أن سلوكيات الألم تتعزز عندما تكافأ، وأنها تنطفئ (تُثَبَّط) عندما يتم تجاهلها أو عقابها. فعندما يتعود الشخص أن شكواه من الألم ستعطيه اهتمام المحيطين به، وأنها تجنبه الأنشطة التي يكره مزاولتها، فإنها، أي شكوى الألم، ستتعزز لديه، وهذا ما تسميه المدرسة التحليلية، بالمكسب الثانوي، وإذا تعوده الطفل، فإنه يجعله مهيأ لهذا الاضطراب، ومن ثم، فإن التربية من البيئة المحيطة تنمي هذا الاضطراب أو تمنعه. 3. عوامل نفسية
ترى المدرسة التحليلية، أن للألم معنىً نفسياً تكون من خبرات الطفولة، فهو طريقة للحصول على الحب، أو عقاب للنفس تحت تأثير الشعور بالذنب، والمريض يستخدم في ذلك حيلاً دفاعية هي النقل (Displacement)، والاستبدال (Replacement)، والكبت (Repression).وقد يكون للتوحد (Identification)، كحيلة دفاعية، دور عندما يكون موضوع الحب لدى المريض (أحد الوالدين مثلاً) يعاني ألماً، ويكون لحيلة الترميز دور عندما يمثل الألم تعبيراً عن وجدان غير متبلور.
علاج اضطراب الألم جسدي الشكل
إعطاء مرضى هذا الاضطراب لعقاقير مسكنة لا يكون مفيداً، إضافة إلى أنه يحمل مخاطر أن يصبح الشخص مدمناً، خاصة أن هذا الاضطراب مزمن، كما أن إعطاء المهدئات (Sedatives) ومضادات القلق (Anxiolytics)، ليس له ما يبرره، إضافة إلى أنها، بعد فترة من تعاطيها، تصبح هي مشكلة أخرى، إذ يحدث الإدمان لتلك العقاقير، أما إعطاء مضادات الاكتئاب، مثل الأميتربتيلين (Amitryptiline)، أو الإيمبرامين (Imipramine)، فإنها تفيد، سواء كان تقليلها للألم، من خلال مفعولها المضاد للاكتئاب، أو كان لها مفعول تسكين للألم مباشرة، بوساطة إثارتها للمسارات العصبية المثبطة للألم وقفلها لأخذ الأمينات الحيوية (Biogenic Amines)، عند مستوى القرن الخلفي (Dorsal Horn)، للمادة الرمادية (Gray Mater) في النخاع الشوكي.
ويساعد في تخفيف الألم التغذية الحيوية (Biofeedback) المرتدة، وتتم بوساطة أجهزة تعطي الشخص تغذية راجعة عن حالة العضلة (أو العضلات) المسببة للألم بانقباضها أو توترها، إذ توضع أقطاب هذا الجهاز على تلك العضلات، ثم يشغل الجهاز، ويطلب من الشخص إحداث استرخاء لتلك العضلات، مسترشداً بالصوت المنبعث من الجهاز، في هيئة صفير متصل أو متقطع، وكلما استرخت العضلات تماماً، اختفي الصوت، وكلما توترت العضلات، اشتد صوت الصفير طبقاً للشدة. وهناك تمارين الاسترخاء بدون أجهزة، وهي تخفف الألم كذلك، كما أن التنويم والإيحاء المصاحب له، وكذلك الإثارة الجلدية للعصب المقابل (Counter Irritation) تُعَدّ حيلاً مستخدمة لتقليل الشعور بالألم، وأحياناً تستخدم جراحة لقطع العصب الناقل للألم، ولكن هذه الأساليب فقط تسكن الألم، مؤقتاً، وغالباً ما يعود.
لذلك، فإن العلاج النفسي يُعَدّ مهماً في علاج هذا الاضطراب، وفهم ما يعنيه الألم بالنسبة إلى الشخص، فهماً دينامياً، إضافة إلى تدريبه على أساليب الاسترخاء ، وكذلك ممارسة التمارين الرياضية، وعلاج الاضطرابات النفسية المصاحبة، يساعد على اختفاء الألم. وأحياناً يلزم وضع هؤلاء المرضى في مستشفيات وفي برنامج للسيطرة على الألم (Pain Control Program)، حيث يستخدم العلاج المعرفي والسلوكي والجماعي.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:21 am | |
| الاكتئاب
الاكتئاب
يُعَدّ الاكتئاب من أقدم الأمراض النفسية المعروفة؛ إذ وصف في كتابات قدماء المصريين، بحزن القلب، والرغبة في الموت، مع النوم والكسل، وكان ذلك قبل الميلاد بما يزيد على ألف عام. كما وصفت أعراض الاكتئاب في قصة انتحار أجاكس، في إلياذة هوميروس، في القرن الثامن قبل الميلاد. وفي عام 450 قبل الميلاد، أسماه هيبوقراط السواد الارتدادي (الميلانخوليا). وفي العصور الوسطى، قسم ابن سينا الميلانخوليا إلى أربعة أنواع، طبقاً لمزاج الشخص المضطرب. ثم أسماه أطباء النفس الفرنسيون، بالاكتئاب، عام 1854، ووصفوا تناوبه مع الهوس. ويتفاوت الاكتئاب بتفاوت أسبابه أو طبيعة الاضطراب المرَضية، وقُسم، تبعاً لذلك، إلى عدة اضطرابات اكتئابية، هي:
الاكتئاب الجسيم. الدسثيميا (الاكتئاب العصابي المزمن). الاضطراب ثنائي القطب، النوبة الاكتئابية. النوبة المختلطة. الاضطراب الدوري (سيكلوثيميا). اكتئاب ما بعد الذهان. الاكتئاب الموسمي.
1. الاكتئاب الجسيم
وأهم ملامحه، هو الاكتئاب الوجداني، أو سرعة الاستثارة، في حالة الأطفال والمراهقين، أو فقْد الاهتمام، أو فقْد الاستمتاع في كل الأنشطة، أو أغلبها، إضافة إلى أعراض مصاحبة لمدة أسبوعَين على الأقل. تمثل تغير الأداء الوظيفي السابق. وهي ثابتة أغلب ساعات اليوم، طوال الأسبوعَين.
وهناك أعراض تكمل صورة الاضطراب، وهي اضطراب الشهية، وتغيّر الوزن، واضطراب النوم، وزيادة النشاط الحركي أو نقصه، ونقص الطاقة، والشعور بفقد القيمة، أو الإحساس بالذنب الشديد غير المناسب، وصعوبة التفكير، أو صعوبة التركيز، وتكرار فكرة الموت، أو أفكار أو محاولات انتحارية. والاضطراب ليس تفاعلاً طبيعياً لفقد شخص عزيز، كما أنه ليس طارئاً على اضطراب ذهاني (مثل الفصام والاضطراب فصامي الشكل، والاضطراب الضلالي).
ويصف الشخص شعوره بالاكتئاب أو الحزن أو اليأس وفقْد الحماسة. وفي بعض الحالات، قد ينكر الشخص شعوره بالاكتئاب. ولكن المحيطين به، يلاحظون حزنه واكتئابه. كما يصف فقْد الاهتمام، بأن أنشطته السارة، فقدت مسرتها، وأنه فقد الاستمتاع بالأشياء. ويلاحظ انسحابه من أصدقائه، وإهمال أنشطته الترفيهية المعتادة، التي كانت مصدر سروره قبل ذلك.
ويكون اضطراب الشهية، غالباً، بفقْدها. ولكنه يكون، أحياناً، بازديادها إلى درجة واضحة. ويصاحب فقْدها الشديد نقص الوزن. وفي حالة الأطفال، يفشل في الوصول إلى الوزن المتوقع له. وعادة، يصاحب زيادة الشهية زيادة الوزن. كذلك، يضطرب نوم المكتئب، وغالباً ما يأرق. وأحياناً، يزداد نومه. والأرق يشمل صعوبة الدخول في النوم. وقد يتخلل النوم. وربما ألمّ في الصباح الباكر. أما كثرة النوم، فتشمل النوم أكثر من المعتاد، أو النوم المتقطع، وأحياناً يكون سبب حضور المريض للعلاج، هو اضطراب النوم.
أما الفوران الداخلي، فيأخذ شكل عدم القدرة على الاستقرار في مكان، أو هو رغبة في التجوال، أو الطرق باليد، أو شد الشعر، أو حك الجلد. والتبلد الحركي يأخذ بطء حركة الجسم، وبطء الكلام، مع فترات صمت، قبل الإجابة عن الأسئلة، ويكون الكلام بصوت خافت، وعلى نغمة واحدة، إضافة إلى نقص كمية الكلام، أو البكم. ويصاحب ذلك نقص الطاقة، والشعور بالإجهاد، دون مجهود جسماني، وتبدو المهام للمريض في صعوبة المستحيل.
ويتفاوت الإحساس بفقد القِيمة، من مشاعر العجز، إلى التقييم السالب للنفس، مع انتقاد النفس لكل فشل بسيط وتضخيمه، فضلاً عن الشعور بالذنب، الذي قد يصل إلى درجة الضلال، إضافة إلى كثرة الأفكار عن الموت، وتفضيله على الحياة. وقد يوجد لدى المكتئب أفكار انتحارية، أو خطة لذلك، يمكن أن ينفذها، محاولاً الانتحار.
والأعراض المصاحبة للاكتئاب، تشمل: البكاء، والقلق، وسرعة الاستثارة، واجترارات وسواسية، وانشغال بصحته الجسمانية، ونوبات هلع ورهابات. وعندما توجد أعراض ذهانية (ضلالات أو هوس)، فإن محتواها، عادة، يكون واضحاً متماشياً مع حالة الوجدان. والضلالات الشائعة في الاكتئاب، أن الشخص مضطهد، بسبب سوء أخلاقه، أو عجزه الشخصي. وقد توجد ضلالات العدمية للعالم أو الشخص، وربما تكون ضلالات جسمانية (توهم أنه مصاب بالسرطان، أو مرض آخر خطير)، وقد تكون ضلالات الفقر. وعندما يوجد الهوس، يكون عابراً، وقد يحوي أصواتاً تلومه. ونادراً ما يكون محتوى الضلالات والهوس، غير متسق مع حالة الوجدان.
وهناك أعراض خاصة، تظهر في أعمار معينة، في حالات الاكتئاب، وهي:
أ. الأطفال في مرحلة ما قبل البلوغ: تكثر الشكوى الجسمانية، والفوران الداخلي، والهوس، المتفقة مع حالة الوجدان (عادة، صوت واحد، يتحدث إلى الطفل). كما يكثر في اكتئاب الأطفال، أن يصاحبه القلق (القلق العام، وقلق الانفصال واضطراب التجنب).
ب. المراهقون: توجد السلبية، أو السلوك المضاد للمجتمع، وتعاطي العقاقير وإدمانها، مع العناد، واضطراب السلوك. وتكثر الرغبة في ترك البيت. ويشكو المريض أن الآخرين لا يفهمونه. وتشكو الأسرة عدم استقراره، وعدوانه، ومعارضته لكل شيء، وعدم تعاونه، في شؤون البيت، إضافة إلى انسحابه من الأنشطة الاجتماعية، والانعزال في حجرته، وتأخره الدراسي، وعدم الاهتمام بمظهره، مع حساسية خاصة للرفض في العلاقات العاطفية.
ج. كبار السن: أحياناً تكون أعراض الاكتئاب في كبار السن، اضطراب الاهتداء، وفقْد الذاكرة، والتشتت، الأمر الذي يوحي بوجود خرف. كما أن فقْد الاهتمام، وفقْد الاستمتاع بأنشطه معتادة، قد يبدو كتبلّد، أو صعوبة في التركيز، يعطي صورة الخرف الكاذب، الذي يرجع إلى الاكتئاب، ويلزم تمييزه عن الخرف، الذي هو اضطراب عقلي عضوي. ونوبة الاكتئاب الجسيم إما أن تكون واحدة أو مترددة.
البداية والمسار والمآل لاضطراب الاكتئاب الجسيم
يكثر بدء الاكتئاب في أواخر العشرينيات. ولكن قد يبدأ في أي سن، بما في ذلك الطفولة المبكرة والرضاعة. وتتفاوت البداية من فجائية إلى تدريجية ( إذ تكتمل الأعراض على مدى أيام أو أسابيع ). وتتفاوت مدة الاكتئاب العظمى، فالنوبة التي لا تعالج، تظل مدة ستة أشهر أو أكثر، ومآل نوبات الاكتئاب هو التحسن الكامل، ويعود الشخص إلى سابق أدائه الوظيفي والاجتماعي. ولكن، في عدد غير قليل من الحالات، يظل بعض أعراض النوبة لمدة عامَين، من دون تحسّن لفترة شهرين أو أكثر. وهذه النوبات تسمى النوع المزمن. وبعض الناس، يصابون بنوبة واحدة، ولكن 50% ممن يصابون بنوبة اكتئاب جسيم، تعاودهم الإصابة بنوبات أخرى، وهم أكثر عرضة لحدوث الاضطراب ثنائي القطبية. وأهم مضاعفات الاكتئاب، هو الانتحار. 2. الدسـثيميا (الاكتئاب العصابي المزمن)
وهو اضطراب الوجدان المزمن، الذي يتضمن اكتئاب الوجدان أو استثارته، في الأطفال والمراهقين، معظم فترات اليوم، وفي أغلب الأيام؛ ولمدة سنتَين، على الأقل، عند الراشدين، وسنة واحدة، على الأقل، عند الأطفال والمراهقين. إضافة إلى بعض الأعراض المصاحبة الآتية: نقص الشهية أو زيادتها، أرق النوم أو زيادته، نقص الطاقة والشعور بالإجهاد، نقص اعتبار الذات، صعوبة التركيز، صعوبة اتخاذ القرارات، والشعور بالعجز. ولتشخيص هذا الاضطراب، يجب أن تظل الأعراض مدة سنتَين، لا تختفي خلالها مدة تزيد على شهرَين، وألاّ تتفق مواصفاته مع نوبة الاكتئاب الجسيم، خلال مدة السنتَين، وألاّ يكون طارئاً على اضطراب ذهاني مزمن، مثل الفصام، وألاّ يكون راجعاً إلى سبب جسماني، أو تعاطي مادة ذات مفعول نفسي.
كثيراً ما يكون السبب الظاهري للاكتئاب العصابي، اضطراباً نفسياً غير وجداني، مثل القهم العصابي، أو اضطراب التبدين، أو القلق، أو إدمان مادة ما؛ أو يكون اضطراباً جسمانياً، مثل التهاب المفاصل الروماتيزمي. هذه الحالات من الاكتئاب العصابي، تسمى النوع الثانوي، بينما تلك التي لا تعود إلى اضطراب آخر، تسمى النوع الأولي.
يبدأ الاكتئاب العصابي بداية غير واضحة. وقد تكون قبل سن الحادية والعشرين، وتسمى البداية المبكرة. وقد تكون عند هذه السن أو بعدها، وتسمى البداية المتأخرة، والمسار مزمن. وغالباً ما يطرأ على المصابين بهذا الاضطراب، نوبات الاكتئاب الجسيم، وحينئذٍ، يطلق عليه الاكتئاب المتضاعف، وهذا ما يجعل هؤلاء المرضى، يبحثون عن العلاج. وفي هذه الحالة، غالباً ما يظل الاكتئاب العصابي، بعد تحسّن نوبة الاكتئاب الجسيم.
والإعاقة التي يسببها هذا الاضطراب، طفيفة، لأنه مزمن. ونادراً ما يحتاج المريض إلى دخول مستشفى. ونظراً إلى أن هذا الاضطراب مزمن، فإن أخطر مضاعفاته هو الإدمان، كمحاولة من المريض لعلاج نفسه بتعاطي المنشطات. وفي حالة الأطفال والمراهقين، يتأثر التفاعل الاجتماعي، ويصبحون أكثر خجلاً وسلبية، أو عناداً وغضباً. وقد يتأثر إنجازهم الدراسي.
ويصعب تمييز الاكتئاب المزمن، بصفة خاصة، من نوبات الاكتئاب الجسيم؛ لأن أعراضهما واحدة، فنوبة الاكتئاب الجسيم، يقلّ فيها أداء الشخص المعتاد بصورة ملحوظة، بينما الاكتئاب العصابي خفيف الشدة، وربما لا يؤثر في أداء الشخص، ويظل لعدة سنوات. وعندما تطرأ نوبة اكتئاب عظمى، يسمى بالاكتئاب المتضاعف. كما يجب تمييزه من تغيرات الوجدان الطبيعية، والتي لا تؤثر، بأي درجة، في أداء الشخص، وليست شديدة، ولا متكررة. 3. الاضطراب ثنائي القـطب، أحدث نوبة اكتئاب
ويتميز بحدوث نوبة اكتئاب جسيم، حالية أو حديثة، مع حدوث نوبة سابقة من الهوس. 4. النوبة المختلطة
وتتميز باتفاق مواصفاتها مع كل من نوبة الهوس ونوبة الاكتئاب، (عدا المدة)، وتقريباً كل يوم، خلال أسبوع على الأقل. والاضطراب يسبب خللاً اجتماعياً ووظيفياً، أو يستدعي وضع المريض في مستشفى، لمنع إيذاء نفسه والآخرين، أو لوجود أعراض ذهانية. والأعراض لا ترجع إلى تأثيرات فسيولوجية مباشرة لمادة ما، مثل الإسراف في تعاطي مادة ذات مفعول نفسي، أو عقار طبي كعلاج، أو حالة طبية مرَضية (مثل زيادة نشاط الدرقية). 5. الاضطراب الدوري (سيكلوثيميا)
ويتسم هذا الاضطراب بالوجدان المضطرب المزمن، الذي استمر، على الأقل، مدة سنتَين (أو سنة واحدة عند الأطفال والمراهقين)، شاملاً عديداً من نوبات الهوس الخفيف، وفترات عديدة من الاكتئاب الوجداني، أو فقْد الاهتمام والاستمتاع فقْداً شديداً، أو مدة لا تكفي لتشخيص نوبة الاكتئاب الجسيم أو نوبة الهوس. ولا يخلو فيها من الأعراض الهوسية الخفيفة، أو الاكتئابية، مدة تزيد على شهرَين. ومن الجدير بالذكر، أن الحدود بين الاضطراب ثنائي القطب والسيكلوثيميا غير واضحة. ويعتقد بعض الباحثين، أن السيكلوثيميا شكل خفيف من الاضطراب ثنائي القطب.
وتشبه الأعراض المصاحبة، تلك المصاحبة لنوبة الهوس والاكتئاب الجسيم، عدا أنه لا يوجد خلل واضح في الوظيفة، المهنية والاجتماعية، بل في بعض الحالات، يكون الشخص أكثر إنتاجاً وظيفياً، واندماجاً اجتماعياً، خلال نوبة الهوس الخفيف. ويشيع الإدمان، كعرض مصاحب لمحاولة علاج النفس بالمهدئات والكحوليات والمنشطات.
عادة يبدأ اضطراب السيكلوثيميا في المراهقة، أو بداية الرشد. وتكون البداية غير واضحة، والمسار مزمن. ويضطرب أداء الشخص، الوظيفي والاجتماعي، خلال فترات الاكتئاب، ولكن إلى درجة تقلّ كثيراً عما يحدث في نوبات الاكتئاب الجسيم. وقد يتحول هذا الاضطراب إلى اضطراب ثنائي القطبية، أو نوبات هوس أو اكتئاب. 6. اكتئاب ما بعد الذهان
وهو يشبه الأعراض المتبقية للاضطرابات الذهانية. أو هو تأثيرات جانبية، تنشأ عن مضادات الذهان، المستخدمة في علاج الفصام؛ إذ إنها قد تقلل من الأمينات الأحادية، وتحدث الاكتئاب، الذي يصعب تمييزه من اضطراب الفصام الوجداني النوع الاكتئابي. ومواصفاته هي مواصفات نوبة الاكتئاب الجسيم، التي تحدث خلال المرحلة المتبقية من الفصام. والأعراض ليست بسبب تأثير مادة ما، أو جزءاً من اضطراب الوجدان، أو بسبب حالة مرَضية جسمانية. 7. الاكتئاب الموسمي
ثمة علاقة مبدئية، بين بدء النوبة من الاضطراب ثنائي القطب (الاكتئاب والهوس) أو نوبة الاكتئاب الجسيم المترددة، وبين فترة ستين يوماً معينة من السنة، مثل الظهور المنتظم للاكتئاب، في الفترة من بداية شهر أكتوبر إلى نهاية شهر نوفمبر، وتحسّن الاكتئاب، أو تحوُّله إلى هوس أو هوس خفيف، الذي يحدث خلال فترة فبراير إلى منتصف أبريل. وهذه الملاحظة أدت إلى الأخذ في الحسبان النمط الفصلي (الموسمي)، لاستكمال التوصيف الإكلينيكي لاضطرابات الوجدان (الاكتئاب والهوس)، على أن يتكرر ذلك في ثلاث نوبات، في ثلاث سنوات منفصلة، أو على الأقل في سنتَين متتاليتَين.
انتشار الاكتئاب
يُعَدّ الاكتئاب من أكثر الأمراض النفسية شيوعاً بين البالغين. إذ تصل نسبة الإصابة به، في وقت ما من حياة البالغين، إلى 20% لدى الإناث، و10% لدى الذكور. وتراوح نسبة المصابين به، في وقت ما، بين 4.5 و9.2% من الإناث، وبين 2.3 و3.2% من الذكور. ومعدل الانتشار العام يراوح بين 3 و5 %. والنساء يصبن به أكثر من الرجال.
ويفسر ذلك بأن النساء أكثر تعبيراً عن انفعالاتهن من الرجال؛ لذا، فإنهن يظهرن الحزن والتعاسة أكثر من الرجال. بينما يلاحظ أن تعرف الاكتئاب لدى الرجال، أكثر صعوبة. ويشير بعض الباحثين، أن معدل الانتشار المرتفع، لتعاطي مادة ذات مفعول نفسي، بين الرجال، يمكن أن يكون مكافئاً للاكتئاب أو الاكتئاب المقنّع (في صورة أعراض جسمانية). وقد يكون السبب، هو ما تتعرض له المرأة خاصة من ضغوط، مثل الحمل والولادة، والشعور بالعجز أو القهر، في بعض المجتمعات، إضافة إلى ما تتعرض له من تغيرات هرمونية مع الدورة الشهرية.
ويحدث الاكتئاب في كل الأعمار، بما في ذلك الطفولة، ولكن نسبة 50 % يصابون بين العشرين والخمسين، بمتوسط عام 40 سنة. ويكثر الاكتئاب بين المطلقين والأرامل، والمهاجرين حديثاً. وينتشر بين جميع الطبقات الاجتماعية، ويزداد بين الأقارب من الدرجة الأولى للمصابين به. ويُعَدّ الاكتئاب من أهم أسباب الانتحار، فلوحظ أن ما يراوح بين 50 و70% من المنتحرين، كانوا يعانون الاكتئاب.
وبالنسبة إلى الاضطراب الدوري (سيكلوثيميا)، والاكتئاب العصابي (دسثيميا)، فإن الدراسات الانتشارية لهما قليلة. ولكن تشير الملاحظة الإكلينيكية إلى ارتفاع نسبة انتشارهما.
أسباب الاكتئاب
أجريت دراسات عديدة، لكشف أسباب الاكتئاب، تناولت النواحي، البيولوجية والنفسية والاجتماعية. ولكن ما زالت الأسباب غير معروفة، بالتحديد. ولوحظ تضافر عوامل مختلفة عليه، بيولوجية ونفسية واجتماعية. أولاً: العوامل البيولوجية 1. الجينات الوراثية:
كشفت الدراسات الأُسرية، ودراسات التوائم، عن أدلة، تشير إلى وجود عامل جيني، له دور مهم في نقل الاكتئاب. فلقد لوحظ أن الاكتئاب، ينتشر في عائلات معّينة. واستُنتج من ذلك أهمية الأصول الجينية، في حدوث الاكتئاب. وافتُرض أنه جين أحادي سائد، أو أنه متعدد الأساس الجيني. كما افتُرض أنه يرتبط بالجين الأنثوي، وذلك لشيوع الاكتئاب أكثر بين النساء. 2. الأمينات الحيوية
ثمة علاقة سببية، بين الاكتئاب والأمينات الحيوية في الدماغ، وذلك من خلال ما يلي:
* نقص الأمينات الحيوية، ينتج منه مرض الاكتئاب، كما في حالة تعاطي الرزربين.
* وجود اختلال في مخلفات أيض الأمينات الحيوية، في الدم والبول، والسائل النخاعي الشوكي لمرضى الاكتئاب.
* نقص ناتج أيض النورأدرينالين، في مرضى الاكتئاب، بينما يكون مرتفعاً في 50% من مرضى الهوس. كما أن العلاقة المقترحة، بين التنظيم التقليلي (Down-Regulation)، لمستقبلات البيتا الأدرينالية، والاستجابة الإكلينيكية لمضادات الاكتئاب ـ هي المؤشر الوحيد للدور المباشر للنورأدرينالين في الاكتئاب. وكذلك تنشيط مستقبلات ألفا2، قبل المشبكية الأدرينالينية، يقلل من إفـراز الأدرينالين؛ وهي موجودة على عصبونات السـيروتونين، وتنظم كمية السيروتونين المفرزة. كما أن وجود مضادّات اكتئاب فاعلة، وذات مفعول أدريناليني خالص، مثل (Desipramine) ـ يدعم دور النورأدرينالين في باثوفسيولوجيا أعراض الاكتئاب.
* نقص السيروتونين، يرسب الاكتئاب.
* بعض مرضى الاكتئاب، الذين يعانون ميولاً انتحارية، لديهم نقص في تركيز السيروتونين، في السائل النخاعي الشوكي (مخلفات أيض)، ونقص تركيزه في الصفائح الدموية. ومع أن مضادّات الاكتئاب، التي تنشّط السيروتونين، تعمل، أساساً، على إقفال آلية إعادة أخذ السيروتونين، فإن أجيالاً جديدة من مضادّات الاكتئاب، قد يكون لها تأثيرات أخرى في نظام السيروتونين.
* الدوبامين: كان معروفاً، أن نقص نشاط الدوبامين، يرتبط بالاكتئاب، وزيادته، ترتبط بالهوس. ولكن اكتشاف أنواع فرعية من مستقبلات الدوبامين، زاد من فهْم وظيفة الدوبامين وتنظيمه، قبل المشبك أو بعده، وعلاقة ذلك باضطراب الاكتئاب. إذ لوحظ أن العقاقير، التي تقلل تركيز الدوبامين، مثل الرزربين، وكذلك الأمراض، التي يقلّ فيها تركيز الدوبامين، مثل مرض باركنسون ـ ترتبط بأعراض اكتئابية. كما أن العقاقير، التي تزيد تركيز الدوبامين، مثل التيروسين والأمفيتامين والبوبروبيون (bupropion)، تقلل أعراض الاكتئاب. وهناك نظريات حديثة، ترى أن المسار الميزولمبي (Mesolimbic) للدوبامين، مختل الوظيفة في الاكتئاب، وأن مستقبل الدوبامين 1 (D1)، قد يقلّ نشاطه في الاكتئاب.
* وجود دور لبعض الناقلات العصبية من الأحماض الأمينية، خاصة الجابا والبيتدات الناشطة عصبياً، ولا سيما المورفينات الداخلية في بعض الاضطرابات الوجدانية.
* العلاقة بين تعاطي أقراص منع الحمل والاكتئاب الذي يتحسن بإعطاء بيريدوكسين الأنزيم المساعد على تخليق السيروتونين. 3. اختلال النشاط الهرموني
لوحظ وجود اختلالات هرمونية، في مرضى الاكتئاب، من خلال الآتي:
* زيادة إفراز الكورتيزون، في بعض المكتئبين، في اختبار الدكساميثازون المثبط، وهو استرويد خارجي، يقلل من معدل الكورتيزون في الدم. وهذا يشير إلى خلل في المحور الطرفي الهيبوثلامي النخاعي الكظري. وخلص بعض الباحثين إلى علاقة بين أعراض اضطراب الاكتئاب، واختلال هذا المحور، وإلى اختلال وظيفة الهيبوثلاموس، وتغيّر النوم والشهية والسلوك الجنسي، والتغيرات البيولوجية في الغدد والمناعة. كما ربط بين بطء الحركة ونقص الوظائف المعرفية، الذي يُلاَحَظ في الاكتئاب واضطراب النوى القاعدية، كما في مرض الباركنسون.
ويلخص بعض الدراسات شذوذ الهرمونات في المصابين بالاكتئاب، في الآتي: نقص إفراز الميلاتونين، ليلاً، نقص إفراز البرولاكتين، كاستجابة لإعطاء التربتوفان، نقص المعدل الأساسي لهرمونات (F.S.H. & L.H)، ونقص معدل التستوستيرون لدى الرجال. وأهم المحاور الهرمونية، التي تتأثر باضطرابات الوجدان، هي (الكظرية الأدرينالينية والدرقية وهرمون النمو).
* الإيقاعات اليومية (Circadian Rhythms ـ الساعة البيولوجية): شذوذ نمط النوم، في الاكتئاب، مع التحسن العابر في الاكتئاب، الذي يحدث بتأثير حرمان النوم ـ أدى إلى افتراض، أن الاكتئاب انعكاس لنظام شاذ في إيقاع الساعة البيولوجية الداخلية. كما أن بعض التجـارب على الحيوانات، أشارت إلى أن مضادّات الاكتئاب المعتادة، هي فاعلة في تغيير إيقاع الساعة البيولوجية.
* اكتئاب الدورة الشهرية وما قبلها؛ وتوقّفها في حالات اضطراب الاكتئاب الشديدة.
* نوبات الهوس أو الاكتئاب، قد تصاحب مرض كوشنح، أو تعاطي الكورتيزون. 4. اختـلال الكهارل
لوحظ زيادة الصوديوم المتبقي، في حالات الاكتئاب، بنسبة 50%، وفي حالات الهوس بنسبة 200%. ثانياً: العوامل الاجتماعية والبيئية
لوحظ أن الظروف الحياتية الضاغطة، في الطفولة، مثل فقْد أحد الوالدَين، وغياب التخطيط الأُسري في طريقة التربية، وتصلّب الأم في معاملة الطفل، والتربية الاعتمادية ـ تهيئ لحدوث الاكتئاب. كما أن فقْد الزوج (أو الزوجة)، والعزلة الأُسرية، والضغوط، الاقتصادية أو الدينية، قد يرسب الاكتئاب. ثالثاً: العوامل النفسية
إن عدم النضج الانفعالي، وثنائية المشاعر، والفهْم الخاطئ للخبرات الحياتية، وتقويم النفس السالب، والتشاؤم واليأس ـ كلها عوامل نفسية، تهيئ لحدوث للاكتئاب.
ومن أبرز التغيرات الدينامية للاضطرابات الوجدانية:
* تترسب نوبات الاكتئاب بفقْد موضوع الحب، الذي يحفز نكوص الأنا إلى المرحلة الفمية السادية، بسبب التثبيت في الطفولة المبكرة.
* تبدأ الاكتئابـات بازدياد الحاجـات النرجسية، (الشعور أنه ما من أحد يحبني). ولكن، سرعان ما تنقلب هذه العدوانية إزاء الموضوعات المحبطة، إلى عدوانية ضد أنا المريض، وتظهر كراهية الذات في صورة الشعور بالإثم، أي تنقلب الأنا العليا ضد الأنا.
علاج الاكتئاب
في خطة العلاج، يجب أن يضع المعالج في حسبانه خطر المريض على نفسه (بالانتحار)، الأمر الذي قد يستلزم إدخال المريض مستشفى، بل وضعه تحت الملاحظة المستمرة داخلها. ويشمل العلاج ما يلي: أولاً: العلاج الكيماوي والكهربائي 1. مضادّات الاكتئاب
وتشمل مجموعات أربع، هي منشطات الجهاز العصبي، والمركبات ثلاثية الحلقات، ومثبطات الأنزيم المؤكسد للأمينات الأحادية، إضافة إلى مضادات الاكتئاب الحديثة. ومن أهمها، حالياً، مثبطات إعادة أخذ السيروتونين انتقائياً (Selective Serotonin Reuptake Inhibitors)، مثل الفلوكستين (Fluoxetine) وسيتالوبرام (Citalopram).ويعتمد اختيار العقار على الاستجابة السابقة للمريض، أو على نوع الاكتئاب، كيماوياً (أدريناليا ـ أو سيروتونيا). 2. جلسات العلاج بالكهرباء
خاصة الاكتئاب الشديد، المصاحب بميول انتحارية، وتكون مصاحبة بالعقاقير. وتستخدم، حالياً، في علاج الاكتئاب، بنجاح، خاصة بعد أن أصبحت تُجرى بعد تحذير، ولا يشعر بها المريض، وهي بتمرير كهرباء، من خلال جهاز الصدمات الكهربائي، الذي يحول فرق الجهد إلى 30 ـ 170 فولت، لمدة ثانية واحدة، إلى خمس ثوان. وعند مرور هذه الكهرباء بالدماغ، تحدث تشنجات. لذلك، سميت بالعلاج الكهربائي المحدث للتشنجات، أو النوبات المحدثة كهربائياً. ولكن تأثير مرخي العضلات، الذي يستخدم مع التخدير، لا يظهر تلك التشنجات.
يشاع عن هذا النوع من العلاج، خطأً، أنه يحدث تلفاً بالدماغ، وهذا غير صحيح. إذ تُعَدّ النوبات المحدثة كهربائياً من العلاجات الطب نفسية المهمة، والمفيدة، والمأمونة. ولقد بدأ استخدام هذا النوع من العلاج (روما)، عام ( 1938)، ثم تعدلت طريقة الاستخدام، بإعطاء مرخي العضلات، في عام (1957).
ولقد لوحظ أن العلاج بالنوبات المحدثة كهربائياً، بعد عدد من الجلسات (من 4 إلى 6 جلسات)، يؤدي إلى تغيير في موجات الدماغ الكهربائي، إذ تصبح بطيئة، وذات فرق جهد عالٍ، ومنتشرة ومتماثلة في الجانبَين. وهذا يعني أنها ناشئة عن التراكيب العميقة في الدماغ، غالباً الدماغ البيني، أي المنطقة التي تشمل المهاد وتحت المهاد. وهذا يؤثر في الحالة الوجدانية. إضافة إلى التأثير في ما تحت المهاد، ينبه الغدة النخامية، فتفرز هرموناتها، لأن نقصها، قد يكون مسؤولاً عن بعض الأعراض.
وهذا هو التفسير النيوروفسيولوجي، لتأثير النوبات المحدثة كهربائياً. وهناك تفسير آخر كيمياوي، يفترض أن التحسن الإكلينيكي، نتج من تغيرات كيمياوية في المخ، إذ يحقق التوازن المفقود بين الناقلات العصبية المختلفة (الكولينية والسيرتونية والنورأدرينالينية)، إضافة إلى إحداث تغيير في كل ناقل على حدة. وهناك أبحاث برهنت على أن النوبات المحدثة كهربائياً، تحدث نقصاً في تخليق وإفراز الجابا، إضافة إلى زيادة نشاط الأفيونات الداخلية. ومن أعراضها الجانبية: نساوة عابرة، وحدوث فجوات بالذاكرة، وتغيّم الوعي بعدها، أو قلق بعدها. لذا، تلزم ملاحظة المريض جيداً. ثانياً: العلاج النفسي
يُعَدّ العلاج النفسي من المداخل المهمة في علاج حالات الاكتئاب بصفة خاصة، لتفريغ الشحنة الانفعالية العدوانية، المتوجهة نحو الذات، وتقليل حدة العداء بين الأنا العليا والأنا، وتقليل الشعور بالذنب، ومساعدته على الارتباط بالواقع، وعدم العزلة، وتعديل أفكاره تجاه نفسه والآخرين. ثالثاً: العلاج الاجتماعي
مساعدة المريض، اجتماعياً، وحل مشاكله الاجتماعية، وإحداث التغييرات البيئية المناسبة، لتقليل معاناته.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:24 am | |
| الانتباه
مقدمة
الانتباه[1] Attention وهو تركيز حالة اليقظة (الوعي) تجاه مثير معين، وهو عملية انتقاء إيجابي لمثير أو أكثر من بين المثيرات، الداخلية والخارجية، التي تتزاحم على مداخل إدراك الإنسان. فعندما يكون شخص ما جالساً في محاضرة، فإن صوت المحاضر مثير، وصورة المحاضر مثير آخر، والكرسي الجالس عليه الشخص، ينقل إحساساً إلى جسمه، كمثير ثالث، وملابسه مثير رابع، والأشخاص المحيطين به مثيرات أخرى. وقد يكون الشخص جائعاً فيشكل الجوع مثيراً، كذلك. ومع وجود كل هذه المثيرات، إلا أن الشخص يركز وعيه تجاه صوت المحاضر، من دون غيره من المثيرات. ويمكن الشخص أن يركز في أكثر من مثير، في وقت واحد. وذلك مثل السائق، الذي يقود عربة، ويتحدث إلى شخص، يجلس إلى جـواره، فهو ينتبه لمحدثه، في اللحظة عينها، التي يقود فيها السيارة بطريقة آلية (تلقائية). ولا يستطيع الإنسان أن ينتبه لمثيرَين يحتاجان إلى درجة عالية من التركيز، في وقت واحد، كأن يحاول التركيز في حل لغزَين رياضيين، في آن واحد. والانتباه إما أن يكون أولياً؛ ويقصد به الانتباه اللاإرادي، الذي يتم تلقائياً، من دون إرادة من الشخص، ويطلق عليه الانتباه الغريزي، أو المنعكس، كالانتباه لصوت طلق ناري مفاجئ، أو لصوت ينطق اسمك بشكل مفاجئ. وإما يكون ثانوياً، وهو الانتباه الإرادي، الذي يوجه فيه الشخص يقظته تجاه مثير معيَن، بإرادته، كالانتباه لصوت المحاضر، من دون غيره من المثيرات.
وهناك عوامل داخلية، تؤثر في الانتباه. منها كون المثير يشبع حاجة بيولوجية، مثل الجائع الذي تجذب انتباهه رائحة الشواء، أو يوافق رغبة الشخص، كالمراهق الذي يجذب انتباهه صورة فتاة حسناء. وهذه العوامل الداخلية هي أهم في توجيه الانتباه من العوامل الخارجية، المتمثلة في نوع المثير (فالصورة تجذب الانتباه أكثر من الصوت)، وشدته (فالصوت المرتفع يجذب الانتباه أكثر من الصوت الخافت)، ومكانه (فالمثير المواجِه أكثر جذباً من المثير الجانبي). كما أن وضوح ألوان المثير، وظهوره المتقطع، من العوامل الخارجية، التي تجذب الانتباه.
وللانتباه شقان: أحدهما حسي، يتركز فيه الوعي في المثير، لاستقباله من طريق الحواسّ. والشق الآخر معرفي، يتركز في فهْم المثير واستيعابه، وربطه بالخبرة السابقة، وتخزينه في الذاكرة. ويُعَدّ التأمل أحد أشكال الانتباه المُركز في اتجاه مثير معيّن، مستبعداً المثيرات البيئية الأخرى. ويدّعى مَن يزاولون التأمل، أنه يؤدي إلى وضوح الفكر. والمسؤول عن وظيفة الانتباه هي الأجزاء عينها من الجهاز العصبي، المسؤولة عن وظيفة الوعي، أي الجهاز الشبكي المنشط وقشرة المخ، إذ ينقّي الجهاز الشبكي المنشط المعلومات (المثيرات) القادمة عبْر الحواسّ الخمس. وعلاج اضطراب نقص الانتباه لدى الأطفال، بالمنشطات، أدّى إلى افتراض أن الانتباه، يتم بوساطة الكاتيكول أمينات (الدوبامين والنورأدرينالين)، والقشرة قبْل الجبهية، تشترك، كذلك، من طريق المسارات الدوبامينية .
[1] الانتباه : Attention من أنشطة العقل، وهو نشاط اختياري يميز النشاط العقلي. أو هو حالة شعورية يمكن ملاحظتها عن طريق مستويات تمثل الواقع أو متخيلة من الوضوح.
اختلال الانتباه
وقد يختل الانتباه بصورة من الصور التالية:
1. قلة الانتباه أو انعدامه Inattention: إذ تقلّ قدرة الشخص أو تنعدم على التركيز تجاه المثيرات المختلفة. وأكثر هذا الخلل ظهوراً لدى الأطفال، في صورة قصر مدى الانتباه، المصاحب بفرط الحركة والاندفاعية في التصرفات. فيفشل الطفل في إنهاء المهامّ التي يبدأها، ويسهل تشتته، فيبدو أنه لا يستمع لما يقال له. ويجد صعوبة في التركيز في العمل المدرسي فيفشل دراسياً. كما يندفع في أي فعل، من دون تفكير، وقد يكون فعلاً ضارّاً، يضره مثل تسلق سور الشرفة. وينتقل من نشاط إلى آخر، من دون إتمام النشاط الأول، ولا يرتب أشياءه الخاصة، ويحتاج إلى إشراف مكثف لإنهاء واجباته. ولا يستطيع انتظار دوره في طابور. وقد تكثُر حركته إلى درجة تزعج الآخرين، فلا يستطيع الجلوس ساكناً لفترة. وهذا الخلل، قد يترتب عليه فشل الطفل، دراسياً، على الرغم من ذكائه, ولذا، فإن التبكير في علاجه، هو أمر في غاية الأهمية، إنقاذاً لمستقبله. ولكن الأهل ربما لا يَعُدّون الطفل مضطرباً أو هو يستحق العلاج، على الرغم من شكوى المدرسين اضطراب الطفل. ولا بد من احترام رأي المدرسين، وذلك لمعرفتهم بالسوية في هذه السن، إذ إنهم كثيراً ما يتعاملون مع الأطفال الأسوياء، ومن خلال المقارنة، يعرفون السوي من غير السوي. كما أنهم يتعاملون مع الطفل في موقف تعليمي، يستدعي التركيز والانتباه والجلوس ساكناً في الفصل، لاستيعاب ما يشرحونه له. ويعالج هذا الاضطراب، سلوكياً، بوضع الطفل في برنامج علاجي مع مدربة خاصة، بهدف تنمية الانتباه، وملاحظة الذات. ويصاحبه، أحياناً، جلسات نفسية، لِفهْم نفسية الطفل وصراعاته الداخلية. وقد يلزم العلاج الأُسَري، لتهيئة جو الأُسرة، وإزالة الإحباطات، وتهدئة الصراعات، التي قد تكون موجودة. وهناك العلاج بالعقاقير المنشطة لقشرة المخ، ولكنها تحمل أخطار الإدمان للطفل، ويمكن الاستعاضة عنها بالشاي والقهوة اللذين يعطيان بجرعات مناسبة، على مدار اليوم. وقد يقلّ الانتباه أو ينعدم، في حالات نقص الوعي، مثلاً، حالة شبه الغيبوبة. ويقلّ أو ينعدم، كذلك، في حالات الاكتئاب.
2. زيادة الانتباه Hyperprosexia: يؤدي ازدياد شدة الانتباه إلى درجة ملحوظة، إلى تنبيه الشخص إلى كل المثيرات المحيطة به، في وقت واحد. وهذا يجعله مشوشاً، وغير مستوعب لِما يدور حوله بصورة صحيحة. وهو ينطبق عليه كل شيء يزيد على حدّه، ينقلب إلى ضده، فازدياد الانتباه على الحدّ، يصبح خللاً، ويخل بتكيّف الشخص.
3. التشتت Distractibility: ويُعرف أيضاً بتحول الانتباه أو السرحان يتجه الشخص، خلاله، بتركيزه إلى كل المثيرات الجديدة، فلا يتابع مهمة لإنهائها، بسبب جذب المثيرات الجديدة. وهو ما يحدث في مرض القلق والهوس.
4. نقص الانتباه الانتقائي Aprosexia: ويُعرف أيضاً بالسهيان، وفيه يفشل الشخص في تركيز انتباهه تجاه المثيرات الباعثة على القلق. وهذا الخلل يُفسر ما يحدث للطلاب، أثناء المذاكرة، من شرود، وعدم قدرة على الانتباه لِما يحاول استيعابه في كتابه المدرسي. ويلاحظ أنه عندما يمسك بجريدة أو مجلة، يمكنه أن يركز انتباهه جيداً، ويستوعب ما يقرأه. وإذا عاد إلى الكتاب المدرسي، صعب عليه الانتباه لِما يقرأ. والسبب هو ارتباط الكتاب المدرسي بالتوتر والقلق. وكحيلة هروبية من هذا القلق، يفقد الطالب انتباهه، لا إرادياً، وربما يسرح في حلم يقظة، وربما في لا شيء، وربما في مشاكل تافهة، لا تستحق أن ينشغل بها. وعلاج هذه الظاهرة، وقائياً، أن نتوقف عن إرهاب أطفالنا في الدراسة والامتحانات، بل نسعى إلى جعلهم يحبون الكتاب المدرسي، وربطه بالمكافآت والتشجيع، لا بالعقاب والتأنيب. وأما مَن كبروا من الطلاب على كراهية الدراسة، والخوف من الكتاب المدرسي، والتوتر عند الإمساك به، فلا بد من سرعة تغيير هذا الموقف بالقضاء على هذه الرهبة، تدريجياً، وبوعي المشكلة؛ إذ إنه نصف حلها.
عمليات أخرى خاصة بالانتباه
1. جذب انتباه الغير Attention Getting وهو السلوك الذي يتبع بهدف شد وجذب انتباه الغير، وهو أكثر ما يكون عند الأطفال وقد يتبعه الكبار.
2. آلية (ميكانيزم) جذب الانتباه Attention Getting Mechanism: حيلة لا شعورية لجذب الانتباه.
3. وسائل الانتباه Attention Getting Techniques
4. مستوى الانتباه Attention Level درجة صفاء الوعي، ويُرَاوَح بين النقص الكامل للوعي، إلى الوعي الكامل.
5. سعة الانتباه Attention Span مدى الانتباه:
وهناك أيضاً:
6. مجال الانتباه أي ميدان الانتباه Field of Attention
7. تذبذب الانتباه أي تأرجح الانتباه وعدم ثباته Fluctuation of Attention
8. بؤرة الانتباه وهو المحور الذي يتركز فيه الانتباه Focus of Attention
9. هامش الانتباه أي حاشية أو حافة الانتباه Margin of Attention
الانشغال: وهو اتجاه الانتباه إلى المثيرات الداخلية دون الخارجية وعلى حسابها. ويظهر ذلك عند مرض الاكتئاب.
المصادر والمراجع
محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1979. محمود حمودة، "الطب النفسي ... النفس أسرارها وأمراضها"، المؤلف، القاهرة، 1998. عبدالمنعم الحفني، "موسوعة علم النفس والتحليل النفسي"، مطبعة مدبولي، القاهرة، ط 4 ، 1994.. حامد عبدالسلام زهران ، "قاموس علم النفس"، مطبوعات الشعب، 1972.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:26 am | |
| الانتحار
الانتحار
الانتحار هو إنهاء الشخص لحياته عن قصد. ويُعَدّ الانتحار من أكثر الطوارئ النفسية، ويصعب التعرف على المنتحرين بدقة. وهم، غالباً، غير قابلين للعلاج في العيادة الخارجية، ويقاومون دخول المستشفيات، ويكونون عرضة لتكرار محاولة الانتحار، أثناء العلاج.
ويصل معدل انتشار الانتحار في الدول المتقدمة إلى 25 حالة انتحار في كل مائة ألف من المواطنين، ويقلّ عن ذلك في الدول الأقل تقدماً، إذ يُقَدّر بعشر حالات في كل مائة ألف. ولكن، هذه الأرقام لا تمثل الحقيقة تماماً، إذ إن هناك من يموتون منتحرين من دون أن يعرف ذلك، ومن يلقون حتفهم في حوادث سيارات، ويكون الدافع الحقيقي هو الانتحار. وهناك من ينتحرون ببطء، مثل من يهمل في اتباع نظام غذائي أو علاجي هام لحياته، مثل مريض السكر وضغط الدم المرتفع. كما أن الإدمان، قد يكون هدفاً للانتحار البطيء، إذ يكون ظاهره الحصول على لذة المخدر، وباطنه عداء الشخص لنفسه ورغبته في تدميرها. وعلى الرغم من أن محاولات النساء الانتحارية أربع أمثالها بين الذكور، إلاّ أن الانتحار الذي يودي بالحياة، فعلاً، أكثر بين الذكور عنه بين الإناث بنسبة (1:3). ويظهر العنف، في الطرق التي يلجأ إليها الرجال خلافاً للنساء، فالرجال ينتحرون بإطلاق الرصاص على أنفسهم، أو الشنق أو إلقاء أنفسهم من مكان مرتفع، أما النساء فينتحرن عادة بابتلاع العقاقير أو السم ولعل المقارنة واضحة في قصة انتحار (أنطونيو) بالسيف، بينما انتحرت (كليوباترا) بسُم الأفعى. ويعزى السبب في ذلك إلى دور هرمون الذكورة المرتبط بالعنف.
وهناك عوامل ترتبط بالانتحار أهمها:
1. وجود اضطراب نفسي: فقد لوحظ أن أكثر من 90% ممن ينتحرون، أو يحاولون الانتحار، لديهم اضطراب نفسي مما يلي:
أ. الاكتئاب: وهو أكثر التشخيصات النفسية ارتباطاً بالانتحار، إذ إن المكتئب محبط، ورافض للحياة. وينتحر حوالي 15% ممن لديهم اكتئاب شديد. ولوحظ أن 80% من المنتحرين كانوا يعانون من الاكتئاب. وتزداد خطورة الاكتئاب حين تصاحبه أعراض ذهانية، أي أعراض خلل عقلي، في صورة اضطراب العلاقة بالواقع والفهم له، والضلالات والهلاوس.
ب. الإدمان: لوحظ أن 25% من المنتحرين كانوا مدمنين. والادمان لبعض المواد يطلق التثبيطات لدى المرضى المكتئبين؛ فيجعلهم يقدمون على الانتحار. ولعل هذا يفسر موت كثيرين بتأثير جرعة زائدة من المادة ذات المفعول النفسي، التي يدمنونها.
ج. الاضطرابات النفسية التابعة للولادة، والاضطراب السابق لنزول الحيض.
د. الذهان: الذي فيه هلاوس تحث على تدمير الذات، أو ضلالات الشعور بالذنب. وهذه تحمل أخطار شديدة للانتحار.
هـ. اضطرابات الشخصية: إذ إن مضطرب الشخصية المزمن للسأم والملل، كثيراً ما يحاول الانتحار.
وجود تاريخ لمحاولات انتحارية أو تهديدات: فلقد لوحظ أن 25 إلى 50% ممن ينتحرون قد سبق أن حاولوا الانتحار، حتى من يحاولون الانتحار كطريقة لجذب الانتباه، قد تنجح إحدى المحاولات المتكررة، في إنهاء حياتهم. السن: لوحظ أن الانتحار غير شائع بين الأطفال، ولكنه يكثر بين المراهقين، ويصل إلى قمته لدى الرجال، مع تقدم العمر، ليصل إلى قمته عند عمر الخامسة والسبعين وفي النساء بين الخامسة والخمسين والستين. كما لوحظ أن أزمة منتصف العمر تتناقص أهميتها في حدوث الانتحار. الجنس: الرجال أكثر انتحاراً، على الرغم من كثرة المحالاوت من النساء. العوامل الاجتماعية: إذ تزداد أخطار الانتحار بين غير المتزوجين والأرامل والمطلقين ومن يعيشون وحدهم وفشلوا في حياتهم العاطفية كما يكثر الانتحار في المناطق الحضرية عن المناطق الريفية. العوامل المهنية: يكثر الانتحار بين غير المهرة من العمال، والعاطلين، وبين بعض المهن، مثل رجال البوليس والموسيقيين والمحامين والأطباء. كما أن الفشل المهني كثيراً ما يرتبط بحدوث الانتحار. عوامل صحية: لوحظ أن 50% ممن حاولوا الانتحار كانوا مصابين بمرض جسماني أو ألم مزمن أو أجرى لهم عملية جراحية حديثاً، أو أن مرضهم سوف يودي بحياتهم مثل السرطان أو الإيدز. وجود تاريخ عائلي لحالات انتحار أو محاولات انتحار. عوامل بيولوجية: إذ لوحظ نقص السيروتونين، واتساع بطينات الدماغ، وشذوذ تخطيط الدماغ، في بعض الحالات. وهناك نظريات تفسر حدوث الانتحار، أهمها النظرية الاجتماعية عن الانتحار، التي ذكرها (إميل دور كايم)، في كتابه عن الانتحار عام ( 1897)، إذ يرى، من منظور اجتماعي بحت، أن الإنسان ينتحر أو يعيش طبقاً لموقفه من الجماعة، التي يعيش فيها. فهو ينتحر عندما تقل ارتباطاته الاجتماعية. لذا فإن الانتحار أكثر بين المطلقين، الذين ليس لديهم أطفال. أي الشخص الذي يصبح وحيداً، لا يستمد دوافع لوجوده من خلال علاقات تربطه بالآخرين، أو أنه على النقيض من ذلك لديه روابط اجتماعية قوية جداً حتى أنه ليضحي بنفسه من أجل الجماعة، مثلما يحدث في بعض الطوائف اليابانية، أو أنه ينتحر لأن علاقاته الاجتماعية قد اضطربت، فلا يستطيع تحملها ويقرر إنهاء حياته.
أما النظرية الدينامية فترى أن طاقة العدوان، تتوجه ضد الذات بدلاً من أن تتوجه إلى شخص المحبوب، الذي كان مفروضاً أن تتجه إليه. كما أن شدة وصلابة الأنا الأعلى وتسلطه وقسوته، تلعب دوراً مهماً في الشعور بالذنب، الذي يتقرر بعده الانتحار تحت تأثير الشعور لدى المنتحر بأنه سيئ ولا يستحق الحياة، ويجب أن يكفر عما اقترفه من ذنوب. قد لا تكون حقيقية.
ويجب تقويم المحاولة الانتحارية، نفسياً، من خلال الإجابة على الأسئلة الآتية:
هل الطريقة التي اختارها خطيرة فعلاً؟ هل دُهش المريض لنجاته من الموت؟ وهل كان يثق بأن الطريقة التي استخدمها سوف تودي بحياته؟ هل كان المريض يرغب في توصيل رسالة لمن حوله؟ أو أنه فقط أراد الموت؟ هل نَفّذ الخطة بطريقة يسهل اكتشافها أم لا؟ هل كانت الخطة اندفاعية، أو أنها مخططة بتعقل وروية؟ هل الظروف النفسية والحياتية، التي أدت إلى المحاولة، قد تغيرت أم لا؟
وهناك عوامل تزيد من احتمال حدوث الانتحار ينبغي الاهتمام بها، وهي:
وضع خطة الانتحار. حدوث محاولة سابقة. وجود قلق أو اكتئاب أو إرهاق. توفر وسيلة للانتحار.
5. التحدث عن الانتحار.
6. تحضير نفسه للانتحار، بإعطاء حاجاته للآخرين، أو كتابة ذلك.
7. أزمة حياتيه، مثل حزن حاد، أو إجراء جراحه ميئوس من نجاحها.
8. الهدوء، الذي يبدو عليه بعد فترة توتر، فيبدو وكأنه قد حسم أمره.
9. تاريخ أسرى للانتحار.
10. التحسن المفاجئ في حالته النفسية من دون وجود مبررات منطقية كافية.
العلاج في الحالات الانتحارية
ليس كل من يفكرون في الانتحار يستحقون أن يعالجوا في مستشفى، ولكنه قرار الأخصائي المعالج. فبعض من هؤلاء يمكن علاجهم في العيادة الخارجية، ولكن ليس في غياب تدعيم اجتماعي، مع التأكد من عدم وجود خطة للانتحار، وعدم سلوك اندفاعي، فإذا لم تتوافر هذه الضمانات الثلاثة (وجود تدعيم اجتماعي وعدم وجود خطة وعدم اندفاعية)، يفضل إيداعه مستشفى.
وهناك وسائل وقائية يمكن مساعدة الشخص الانتحاري بها، وهي:
تقليل الألم النفسي، بتعديل الجو الأسري. بناء دعم واقعي، بتفهم أن المريض لديه شكوى واقعية. تقديم بدائل للانتحار.
وكثيرون من أطباء النفس، يعتقدون أن أي مريض سبق أن حاول الانتحار، يجب إيداعه المستشفى. ويمكن إعطاء المريض مضادات الذهان، أو مضادات الاكتئاب، مع علاج نفسي، فردي وجماعي وأسري، مع التدعيم الاجتماعي، والملاحظة داخل المستشفى. أمّا باقي السبل العلاجية، فتعتمد على تشخيص المريض، ويجب مراعاة أن تحسن المريض المكتئب يجعله عرضه لأخطار الانتحار، لأن تحسن الاكتئاب يحسن الطاقة الجسمانية ويجعله قادراً على تنفيذ خطة الانتحار.
ويصنف مرضى الانتحار، حسب التنبؤ بالمصير، إلى:
انتحاريين بصورة حادة، والتنبؤ بمصيرهم حسن. مزمنين في محاولات الانتحار، وهؤلاء يصعب علاجهم ويجهدون من يعني بهم.
ويجب أن يتم تقويم حالة المريض الانتحاري، على فترات متقاربة، بخصوص خطر انتحاره، مع وضع خطة علاجية على مستوى عالٍ من الأمان، وتنفيذها بواسطة الفريق المعالج.
المصادر والمراجع
محمود عبد الرحمن حموده، "الطب النفسى ـ الطفولة والمراهقة ـ المشكلات النفسية والعلاج"، منشور بواسطة المؤلف، القاهرة، 1998. محمد شعلان، "الاضطرابات النفسية في الأطفال"، الجزء الأول، الجهاز المركزي للكتب الجامعية والمدرسية والوسائل التعليمية، الطبعة الأولى، القاهرة.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:28 am | |
| الانشقاق
مقدمة
الانشقاق Dissociation هو حيلة دفاعية، يُعزل فيها بعض الوظائف، العقلية أو السلوكية، عن باقي النشاط النفسي (أو الوظائف النفسية). وتعمل تلك الوظائف مستقلة أو بصورة آلية. ويتخذ الانشقاق أشكالاً عدة، طبقاً للوظائف التي يعزلها. وتسمى هذه الأشكال الاضطرابات الانشقاقية. وهي:
النساوة الانشقاقية. الشِّراد الانشقاقي. اضطراب الهوية الانشقاقي ( تعدّد الشخصية). اختلال الإنية. المشي أثناء النوم. الكلام أثناء النوم.
1. النساوة الانشقاقية (النفسية)
ويتميز اضطراب النساوة النفسية، بعدم قدرة مفاجئ على استدعاء معلومات شخصية مهمة، من دون سبب عضوي. وتحدث النساوة خللاً كبيراً، إلى درجة لا يمكن فهْمها في إطار النسيان الطبيعي؛ ومن دون سفر إلى مكان آخر، واتخاذ هوية جديدة، كما في الشِّراد النفسي. وليست النساوة عرضاً، ضمن اضطراب تعدد الشخصية. وليس سببها، كذلك، تأثيرات فسيولوجية مباشرة، لمادة ذات مفعول نفسي، أو لحالة مرَضية جسمانية. كما أن الأعراض تسبب انزعاجاً مهماً، أو خللاً في الأداء، الوظيفي أو الاجتماعي.
واضطراب النساوة الانشقاقية (النفسية) على أربعة أنواع. هي:
أ. نساوة لفترة محدودة: وهو أكثر الأنواع شيوعاً. إذ يُحدث فشلاً في استدعاء كل الأحداث، التي وقعت، خلال فترة معينة من الزمن. وهي، عادة، ساعات قليلة، تتبع حادثاً مزعجاً جداً. مثل شخص نجا من حادث سيارة، كانت تقلّه مع أسْرته، التي هلكت جميعها. فقد يعجز عن تذكّر ما حدث، حتى يومَين بعد الحادث، على الرغم من أنه يتذكر ما قبله وما بعده.
ب. نساوة انتقائية: إذ يكون الفشل في استدعاء بعض الأحداث، التي وقعت خلال فترة معينة، مع تذكر بعضها الآخر.
ج. نساوة كاملة: وهي أقلّ الأنواع انتشاراً. يفشل معها الشخص في استدعاء كل ما يتعلق بحياته.
د. نساوة مستمرة: وفيها لا يستطيع الشخص استدعاء الأحداث التالية لوقت معين، بما في ذلك الوقت الحاضر.
وخلال نوبة النساوة، يكون الارتباك واضطراب الاهتداء، والجدال غير الهادف. وعندما تكون فترة النساوة في الماضي، فإن الشخص، عادة، يعي اختلال الاستدعاء لديه. وقد تصاحب النساوة بعدم تمايز تجاه اختلال الذاكرة أو انعصاب التابع لحادثه.
يلاحظ اضطراب النساوة النفسية، غالباً، في المراهقة وبداية الرشد. ونادراً ما يبدأ في كبار السن. وبدايته مفاجئة. وكذلك الشفاء منه، ولكن مع انتكاسات قليلة. في بعض الحالات، خاصة إذا وجد مكسب ثانوي، فإن الحالة قد تظل لوقت طويل. ومن المهم استرجاع الذكريات المفقودة إلى دائرة الشعور، بسرعة، ما أمكن. وإلا فإن الذكريات المكبوتة، ستكون نواة في اللاشعور، لإنتاج نوبات نساوة، مستقبلاً. والإعاقة، التي تنشأ عن النساوة، متفاوتة من الخفيفة إلى الشديدة، طبقاً لمدة النوبة، وأهمية الأحداث المنسية، بالنسبة إلى وظيفة الشخص، وعلاقاته الاجتماعية. ولكن، نظراً إلى أن الشفاء سريع، في أغلب الحالات، فإن الإعاقة، تكون، عادة، طفيفة.
ويجب أن يميز من الاضطراب العقلي المعرفي، الذي يكون خلل الذاكرة فيه للأحداث القريبة، أكثر من الأحداث البعيدة. وليس بسبب التعرض لصدمة نفسية. وتختفي النساوة فيه ببطء شديد، إذا حدث تحسّن، وعودة الذاكرة أمر نادر. علاوة على نقص الانتباه، واضطرابات الوجدان، التي غالبـاً ما تكون مصاحبة للاضطراب العقلي المعرفي. كما يجب تمييزه من الانسمام بمادة، الذي تصاحبه غشيات (Blackouts)، مع فشل في استدعاء الأحداث، التي وقعت خلال فترة الانسمام. ولكن تعاطي المادة، والفشل في عودة كاملة للذاكرة يميزانه من النساوة الانشقاقية.
واضطراب النساوة الكحولية، تختل فيه الذاكرة القريبة، وهذا النوع من النساوة، لا يحدث في النساوة النفسية؛ إضافة إلى تبلّد الوجدان، والفبركة، ونقص الوعي بخلل الذاكرة. وكذلك النساوة التابعة لارتجاج المخ، التي تميز بأنها اضطراب في الاستدعاء، يكون محدوداً بفترة (Circumscribed). وترجع النساوة، غالباً، إلى الوراء، شاملة الفترة الزمنية، التي سبقت إصابة الرأس؛ بينما في النساوة النفسية، يكون اضطراب الاستدعاء، غالباً، متقدماً أو لاحقاً للإصابة. ويمكن تمييز النساوة الراجعة، التي تتبع إصابة الرأس، من الحالات النادرة من النساوة النفسية الراجعة، باستخدام التنويم، أو الفحص تحت تأثير حقن الأميتال.
كما أن التحسن الفجائي للذكريات المفقودة، يشير إلى الأساس النفسي للاضطراب. كما يجب تمييز النساوة الانشقاقية من الصرع، الذي يبدأ فيه خلل الذاكرة فجأة، ويصاحبه شذوذات حركية، أثناء النوبة. وتكرار تخطيط الدماغ الكهربائي، يشير إلى شذوذات، كذلك. وهناك من يدَّعون النساوة. ويصعب تمييزهم من النساوة الانشقاقية، ولكن التنويم، وحقن الأميتال، قد تفيد في التمييز بينهما.
وتُعَدّ النساوة الانشقاقية، أكثر الاضطرابات الانشقاقية انتشاراً. ويزداد انتشارها، أثناء الكوارث الطبيعية والحروب. وتستشري في فترة المراهقة، خاصة بين الإناث. الأسباب
تحدث نوبات النساوة الانشقاقية تلقائياً. ولكن التاريخ المفصل، الدقيق، يكشف عن صدمات عاطفية مرسبة، مثل الكوارث الطبيعية. وقد تعمل نزعة (حب أو عدوان)، لا يستطيع المريض التعامل معها، كعامل مرسب. وأحياناً، تترسب بصدمة خفيفة للرأس، لا تحدث تأثيراً فسيولوجياً. كما يمكن أن ترسبها النوبات المحدثة كهربائياً.
دينامياً، ينشق وعي المريض، كطريقة للتعامل مع الصراع الانفعالي. ويصاحب ذلك كبت النزعات المزعجة، في دائرة الشعور والإنكار، إذ يتجاهل بعض الواقع من العقل الواعي. علاج اضطراب النساوة الانشقاقية
الحقن الوريدي للصوديوم أميتال، في جلسات تفريغ نفسي، قد يفيد المريض في استعادة الذاكرة. والتنويم قد يفعل الشيء نفسه. ولدى رجوع الذاكرة، يُعالج المريض، نفسياً، لمساعدته على التعامل مع انفعالاته المنشقة.
2. اضطراب الشراد الانشقاقي (النفسي)
وفيه يسافر الشخص، فجأة، إلى مكان بعيد عن البيت، أو مكان العمل المعتاد، مع اتخاذ هوية جديدة، كليةً أو جزئياً، وعدم تذكر هويته السابقة، أو تغيّم ما يتعلق بها. وقد يصاحب ذلك ارتباك واضطراب الاهتداء (Disorientation).وبعد شفائه، لا يذكر الأحداث، التي وقعت خلال فترة الشراد.
وليس ذلك خلال مسار اضطراب الهوية الانشقاقي، كما أنه ليس بسبب تأثيرات فسيولوجية مباشرة، لمادة ذات مفعول نفسي، أو بسبب حالة مرَضية جسمانية، مثل صرع الفص الصدغي. والأعراض تسبب انزعاجاً مهماً، أو خللاً في الأداء، الوظيفي أو الاجتماعي.
في بعض الحالات، قد يتميز الاضطراب باتخاذ هوية جديدة كاملة، أثناء الشراد، وعادة أكثر اجتماعية من الشخصية السابقة، التي تكون، عادة، هادئة. وفي مثل هذه الأحوال، قد يعطي الشخص نفسه اسماً جديداً، ويتخذ عنواناً جديداً، وينخرط في أنشطة اجتماعية معقدة، ومتكاملة، ولا توحي بمرض عقلي، ولا نفسي. وفي أغلب الحالات، يكون الشراد غير واضح، إذ يتكون من سفر قصير، ويبدو هادفاً، في الظاهر. وتقلّ الاتصالات الاجتماعية، في هذه الحالات. وتكون الهوية الجديدة غير مكتملة. وأحياناً، توجد نوبات من العنف، ضد ممتلكات شخص آخر. ويلاحظ أن كل حالات الشِّراد، يسافر فيها الشخص، ويبدو أكثر هادفية في سلوكه، منه في التجوال المتغيم، الذي قد يحدث في النساوة الانشقاقية.
ويحدث الشِّراد النفسي، في أي سن. وهو، عادة، قصير المدة، من ساعات إلى أيام. ولكنه قد يظل لعدة أشهر؛ وقد يمتد السفر إلى آلاف الأميال، خاصة مع تقدم وسائل المواصلات. والشفاء، عادة، تلقائي وسريع. ونادراً ما يتكرر حدوثه. ويسبب الاضطراب إعاقة متفاوتة الدرجة، طبقاً لطول مدة الشراد، وما ينشأ عن ذلك من انهيار علاقاته الاجتماعية، أو حدوث سلوك عدواني، يترتب عليه إدانة قانونية.
ويجب تمييزه من اضطراب الهوية الانشقاقي (تعدد الشخصية)، الذي توجد فيه انتقالات مميزة للهوية، متكررة. وليس محدوداً بنوبة واحدة، كما في الشراد الانشقاقي. ومن النساوة النفسية، التي يميزها فشل مفاجئ في استدعاء أحداث شخصية مهمة، تشمل بيانات هوية الشخص. ولكن لا يوجد فيها سفر هادف، واتخاذ هوية جديدة، جزئية أو كلية.
وكذلك لا بدّ من تمييزه من الصرع النفسي الحركي، الناشئ عن اضطراب وظيفة الفص الصدغي. ولا يوجد فيه اتخاذ هوية جديدة، ولا يظهر عليه انشراح وجداني. وليس هناك ضاغط يرسب ظهوره. ومن التمارض الذي يمَيَّزه، بوساطة التنويم، أو في جلسات تفريغ للشحنة النفسية، تحت تأثير حقن الأميتال، على الرغم من أن بعض الناس يستمرون في الادعاء، وهم تحت التنويم.
ويُعَدّ اضطراب الشراد الانشقاقي نادراً، ولكنه شائع، في أوقات الحروب والكوارث الطبيعية، أو الأزمات الشخصية، المصاحبة بصراع داخلي حادّ. الأسبــاب
السبب الأساسي لهذا الاضطراب، هو نفسي. يكمن في رغبة الشخص الداخلية في الانسحاب من الخبرات العاطفية المؤلمة. وهناك بعض أنواع الشخصية المضطربة، التي تُعَدّ مهيأة لهذا الاضطراب، وهي الشخصيات الحدية، وشبه الهستيرية، وشبه الفصامية. كما أن تعاطي الكحول بكثرة، يمهد لحدوثه. العـلاج
عادة، تكفي المساندة والرعاية لمثل هذا المريض، حتى يشفى تلقائياً. ولكن، في الحالات، التي يظل فيها الشراد مدة طويلة، يلزم علاج نفسي، لتيسير عملية استعادة الذاكرة للهوية السابقة. ويمكن استخدام التنويم أو حقن الأميتال، في المساعدة على ذلك.
3. اضطراب الهوية الانشقاقي (تعدّد الشخصية)
يتميز اضطراب تعدّد الشخصية بوجود اثنتَين، أو أكثر، من الشخصيات المنفصلة الواضحة، التي تحدد كل منها بسلوكيات ومواقف واتجاهات خاصة، عندما تكون مسيطرة.
تُعرّف الشخصية، هنا، بأنها نمط ثابت، نسبياً، من الاستقبال والتفكير، والتعامل مع النفس والبيئة، يظهر في إطار متسع من المواقف، الاجتماعية والشخصية. وهناك حالات للشخصية تختلف، فقط، في مدى اتساع الإطار، الاجتماعي والشخصي.
وفي الحالات التقليدية لاضطراب تعدّد الشخصية، يوجد، على الأقل، شخصيتان كاملتان، وأحياناً توجد شخصية واحدة منفصلة، وحالة واحدة أو أكثر من حالات الشخصية. وفي الحالات التقليدية، كذلك، يكون لكل من الشخصيات، وحالات الشخصية، ذكريات منفردة، وأنماط سلوكية، وعلاقات اجتماعية مميزة. وفي حالات أخرى، قد يوجد درجات متفاوتة من الذكريات المشتركة، والسمات السلوكية العامة، أو العلاقات الاجتماعية. وتقلّ الحالات التقليدية، التي لها شخصيتان أو أكثر، لدى الأطفال والمراهقين، عنها لدى البالغين. ويتفاوت عدد الشخصيات، أو حالاتها، لدى البالغين، اثنتَين إلى أكثر من مائة، في الحالات المعقدة جداً.
ويُنْتَقَل، عادة، من شخصية إلى أخرى، فجأة، خلال فترة تمتد من ثوانٍ إلى دقائق. ولكن، نادراً ما يكون الانتقال تدريجياً، على مدى ساعات أو أيام. ويحفز الانتقال بوساطة ضغط نفسي اجتماعي. وقد يحدث الانتقال، لوجود صراعات بين الشخصيات، أو تنفيذاً لخطة وافقت عليها، أو تحت تأثير التنويم، أو الفحص، أو بتأثير الحقن بأموباربيتال الصوديوم. وغالباً، تعي الشخصيات بعضها بعضاً، إلى درجات متفاوتة. وقد تخبر الآخرين، كأصدقاء أو رفاق، أو كأشخاص غير مرغوب فيهم (مكروهين). وفي لحظة ما، فإن شخصية واحدة، هي التي تتعامل مع العالم الخارجي. والشخصية التي تمثُل للعلاج، قلّما تعرف الشخصيات الأخرى. وقد تتناقض الشخصيات في الاتجاهات والسلوك وتصور الذات. على سبيل المثال، العانس الخجِلة، قد تتحول، في الشخصية الأخرى، إلى داعرة، فاضحة التصرفات.
وأغلب الشخصيات تكون واعية بفترات من الفقد الزمني، أو تشوهات في خبرتها بالوقت. فعلى سبيل المثال، قد يصبح الشخص واعياً بفترات من النساوة، أو فترات من التغيّم في الإحساس بالوقت.
قد تتصرف شخصية أو أكثر من الشخصيات، بدرجة مقبولة من التكيف. بينما التغير في شخصية أخرى، قد يكون واضحاً إلى درجة الاضطراب الوظيفي، أو لديها اضطراب عقلي محدد، مثل اضطراب الوجدان، أو القلق. وغالباً، لا يكون واضحاً ما إذا كان هذا، يمثل اضطراباً مصاحباً، أو هو عرض مصاحب لاضطراب الهوية الانشقاقي. فلقد لاحظ بعض الدراسات، أن الشخصيات المختلفة، داخل الشخص، قد تختلف في الصفات الفسيولوجية، والاستجابات المختلفة للاختبارات النفسية، فقد تختلف في النظارة الطبية. وتستجيب استجابات مختلفة، للعلاج نفسه. ويختلف مستوى الذكاء في كل منها. وقد تقرر واحدة أو أكثر من الشخصيات، أنها من الجنس المقابل، أو من جنسية مختلفة، أو في عمر مختلف، أو من عائلة مختلفة. وكل شخصية تظهر، من التصرفات والسلوكيات، ما يلائم السن المقررة لها. وقد تقرر شخصية أو أكثر، أنها تسمع لواحدة أو أكثر من الشخصيات الأخرى، أو أنها تحدثت إليها أو اندمجت معها في نشاط (يجب تمييز هذه الأصوات والأنشطة من والضلالات). وعادة، يكون لكل شخصية اسم مختلف عن الاسم الأصلي. وأحياناً يكون الاختلاف في الاسم الأول والأخير للشخص، وربما لا يكون لواحدة من الشخصيات اسم، أو يعطى المريض اسم وظيفته.
ويبدأ اضطراب تعدّد الشخصية، أحياناً، في الطفولة. ويميل الاضطراب إلى أن يصبح مزمناً. وعادة، لا يمثُل المريض للعلاج، إلا متأخراً. وقد تمارس إحدى الشخصيات وظيفتها بصورة ملائمة نسبياً، بينما تكون أدوار الشخصيات الأخرى هامشية. ويتفاوت مستوى الإعاقة، من متوسطة إلى شديدة، طبقاً لعدد الشخصيات ونوعها. ومن مضاعفات هذا الاضطراب، محاولات الانتحار، وتشويه الذات، والعدوان الموجه إلى الآخرين، الذي يشمل إيذاء الأطفال، أو الاعتداء والاغتصاب، والإدمان. والشفاء منه، لا يكتمل، بوجه عام.
ولقد أشارت الدراسات الحديثة، إلى أن هذا الاضطراب ليس نادراً، كما كان يعتقد من قبْل. وأكثر شيوعه في مرحلة المراهقة المتأخرة، ومطلع الشباب. وهو، لدى الإناث، أكثر منه لدى الذكور. وانتشاره بين أقارب الدرجة الأولى للمضطربين، أكثر منه بين جماهير الناس، بصفة عامة. الأسباب
العوامل البيولوجية: لوحظ، في دراسة لاضطراب تعدّد الشخصية، أن 25% من الحالات، لديهم صرع. وفي دراسة أخرى، لوحظ زيادة نشاط الفص الصدغي لقشرة المخ، في صورة زيادة تدفق الدم إليه، في واحدة من الشخصيات الفرعية، وليس في الشخصية الرئيسية. العوامل النفسية: كشف عدد من الدراسات، أن هناك تاريخاً لإيذاء جنسي، بصفة خاصة، في نسبة 80% من الحالات، إضافة إلى أنواع الإيذاء الأخرى، في الطفولة، جسمانية ونفسية.
علاج اضطراب تعدّد الشخصية
يُعَدّ العلاج الناجح لهذه الحالات، هو العلاج النفسي، الذي يهدف إلى تبصير المريض بصراعاته الداخلية، وحاجته النفسية إلى شخصية أخرى، غير شخصيته الأصلية. وربط ذلك بخبراته السابقة، وصدماته النفسية. ثم تكامل الشخصيات، للوصول إلى شخصية واحدة. كذلك التنويم، وعمل جلسات تفريغ، تحت تأثير حقن الأميتال، يمكن أن يكشفا عن صدمات نفسية مكبوتة.
4. اختلال الإنية Depersonalization Disorder
يتميز اختلال الإنية بتغير، ثابت ومتكرر، في إدراك النفس، إلى الحد الذي يُفقِد الشخص الشعور بواقعيته، مؤقتاً. وتوصف، من قِبل الشخص، بشعوره بأنه إله، أو كأنه في حلم، أو شعوره بالانسلاخ، بعيداً عن جسده، وكأنه ينظر إلى نفسه من بعيد، أو يصف أنواع مختلفة من الخدر الحسي، أو الإحساس أنه غير مكتمل السيطرة على أفعاله، بما في ذلك كلامه. فكل هذه المشاعر مناوئه للأنا، على الرغم من محافظة الشخص على علاقته بالواقع، وفهْمه له. وهذا التغير، تكفي شدته لإزعاج الشخص. وليس سببه اضطراب آخر، مثل الهلع، أو رهاب الأماكن المتسعة، وصرع الفص الصدغي. إذ يمكن أن يكون اختلال الإنية عرضاً مصاحباً لاضطراب آخر، وهو تغير في إدراك النفس، إذ يُفقَد أو يتغير، مؤقتاً، الإحساس المعتاد بالنفس وواقعيتها.
ويصاحب اختلال الإنية، كثيراً، باختلال إدراك البيئة. وهو إدراك الموضوعات (أو العالم المحيط)، كأشياء غير مألوفة، وغير حقيقية، إذ يدرك المريض الأشياء متغيرة الشكل أو الحجم، أو الناس كموتى، أو آلات. والأعراض الشائعة المصاحبة، كذلك، تشمل الدوخة، والاكتئاب، والاجترارات الوسواسية، والانشغال بأعراض جسدية، والقلق أو الخوف من أن يصبح مجنوناً، واختلال الإحساس الذاتي بالوقت، مع شعور أن الاستدعاء صعب أو بطيء.
ويبدأ الاضطراب في سن المراهقة، أو بداية الرشد؛ ونادراً ما تكون البداية بعد سن الأربعين. وغالباً تكون مفاجئة، ويكون المسار مزمناً، يتميز بفترات من الهوادة والاشتداد. وأغلب الاشتدادت، تحدث، عندما يوجد قلق أو اكتئاب. وتتفاوت الإعاقة، بين ضئيلة وشديدة. وقد تتفاقم الحالة بوجود الأعراض المصاحبة، مثل القلق أو الخوف من الجنون. ومن مضاعفات اختلال الإنية توهم المرض، أو الإدمان.
تُعَدّ ظاهرة اختلال الإنية شائعة جداً. وليس بالضرورة أن تكون مرَضية، فغالباً ما تكون خبرة منفصلة، يمر بها الشخص. إذ أشارت الدراسات، إلى أن من يمرون بخبرة اختلال الإنية العابر، يصلون إلى 70%، في مجتمع ما، ويستوي في ذلك الذكور والإناث، ويكثر حدوثه في الطفولة، خلال نمو الوعي بالذات، وكذلك لدى البالغين، عندما يسافرون إلى أماكن جديدة، وغريبة عنهم. أما معدل انتشار اختلال الإنية المَرضي، فغير معروف، لِقلّة الدراسات في هذا المجال؛ وإن كانت تلك الدراسات القليلة، تشير إلى أنه أكثر حدوثاً بين الإناث منه بين الذكور. الأسباب العوامل البيولوجية
لقد ارتبط حدوث اختلال الإنية بالصرع وأورام المخ، وتعاطي العقاقير ذات المفعول النفسي. مما أكد أن له أسباباً بيولوجية، وأخرى جهازية، مثل اضطراب وظيفة الغدة الدرقية، والبنكرياس. العوامل النفسية
تمثّل حالات القلق والاكتئاب، والتعرض للضغوط النفسية، والصدمات العاطفية، وفي تجارب الحرمان الحسي ـ تربة خصبة لاختلال الإنية. علاج اختلال الإنية
ليس هناك عقاقير جُربت في هذا الاضطراب؛ وإن كان القلق المصاحب له، يتحسّن بمضادات القلق. وكذلك، التحليل النفسي، أو العلاج النفسي التبصيري، يفيد في هذه الحالات. ولكن، إذا كان اختلال الإنية مصاحباً لاضطراب آخر، فإنه يتحسّن بعلاج الاضطراب المسؤول عنه.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:34 am | |
| التفكير
مقدمة
يطلق التفكير[1] Thinking على عملية التخيل العقلي الداخلي للأفكار، من دون النطق بها. ويعتمد التفكير على المفاهيم التي تتكون بدءاً من الطفولة، حينما، يتعلم الطفل خصائص الأشياء والأحداث وأسماءها ويختزنها في ذاكرته كي يستخدمها في عملية التفكير الموجَّه (لحل مشكلة ما)، أو غير الموجه.
ويعتمد التفكير على تكوين المفاهيم، وفهْم المعاني، وإدراك العلاقات بين الأشياء، التي تكتسب من خلال عملية التعلم السابق، المتمثلة في الإدراك والذاكرة والوجدان. كما يعتمد على الوعي والانتباه، فلا يمكِن شخصاً أن يفكر تفكيراً موجَّهاً هادفاً، من دون وعى وانتباه، على الرغم من أن الصورة العقلية، قد تحدث من دون وعي وانتباه، في حالات التفكير غير الهادف، مثلما يحدث في الأحلام أثناء النوم، وفي أحلام اليقظة. ولا يمكِن ملاحظة التفكير، سواء كان هادفاً أو غير هادف، ما لم يصدر سلوك يعبّر عنه، لغوياً كان أو حركياً. ومن ثم، فإن عملية التفكير، تعتمد على سلامة مراكز الوعي والانتباه، المتمثلة في الجهاز المنشط الشبكي، وارتباطه بقشرة المخ ومراكز الإدراك والذاكرة، والترابط بين مناطق قشرة المخ المختلفة.
ويتطور التفكير عبْر مراحل النمو العقلي، من الطفولة إلى الرشد، حسب اكتساب المفاهيم، والقدرة على تصورها، واستخدام الرموز، وتجريد المعاني، ويُعَدّ التفكير التجريدي أعلى درجات التفكير. وفي السطور التالية، سنعرض للنمو المعرفي، الذي يتضمن وظائف الإدراك والذاكرة والتفكير، بدءاً من أبسط نماذجه، وهو المنعكسات الفطرية، وانتهاء بأرقاه وهو التفكير التجريدي.
[1] التفكير من الناحية اللغوية ، المصدر فكرَ في الأمر أي أعمل العقل فيه، ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول. وفكر في المشكلة بمعنى أعمل عقله فيها ليتوصل إلى حلها ـ فهو مفكر. والتفكير هو أعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها. ومن الناحية الاصطلاحية هو عملية عقلية معرفية، عبارة عن عملية انعكاس العلاقات والروابط بين الظواهر أو والأشياء أو الأحداث في وعي الإنسان.
النمو المعرفي في مرحلة الرضاعة
سمَّى العالم (بياجيه)[1] هذه المرحلة بالحسية الحركية، إذ يكون الفهْم والتعامل مع البيئة، من خلال المنعكسات الموروثة، المبنية على الإدراك الحسي للعالم من حوله، وهي عمليات بدائية للذكاء. ويقسمها (بياجيه) إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى
يستخدم فيها حديثُ الولادة المنعكسات، مثل البكاء والمصّ والبلع، وحركة الجسد الغليظة. وتضيف الخبرات الحس حركية الجديدة، من خلال عمليتَي المماثلة والمواءمة (Assimilation & Accommodation) رصيداً، يؤدى إلى تكيّف أكثر، وتراكيب سلوكية أكثر تعقيدا. ويقصد بالمماثلة تكرار استخدام السلوك في مواقف أخرى بالطريقة عينها، ومع أشياء أخرى. أما المواءمة، فهي توفيق، وظيفته طبقاً للأبعاد المحددة للموضوع، الذي يحاول أن يتمثله. المرحلة الثانية
وهي من عمر شهر إلى أربعة أشهر، يتأثر الرضيع فيها بتراكم الخبرة، وتتغير المنعكسات الفطرية. وأهم ما يميزها التفاعلات الدائرية (Circular Reaction) .وهي إعادة الفعل الحركي، وصولاً إلى استجابة معيّنة يحدثها، مثل: اكتشاف الطفل، مصادفة، أن إحداث ضوضاء من فمه، يعطي شعوراً بلذة، فإنه يكرر الفعل من أجْل اللذة. وتقسم هذه الأفعال الدائرية إلى:
* أفعال دائرية أولية (شهر ـ 4 أشهر): وهي تتمركز حول جسد الطفل، مع عدم الاهتمام بما هو خارجه.
* أفعال دائرية ثانوية (4 ـ 8 أشهر): فيها يحرك الطفل الأشياء أو يخبطها، مع الاهتمام بما تحدثه من منظر أو صوت. ويتأمل الأشياء التي تعطى له، وهذا التعرف التأملي، هو بداية عملية التعلم والاستكشاف للبيئة. ولكنه عندما تغطى الأشياء لا يبحث عنها، لأنه لم يصل بعد إلى مفهوم ثبات الأشياء.
* أفعال دائرية ثلاثية (12 ـ 18 شهراً): ويميزها نمو ثبات الأشياء، فعندما يغطى شيء فإنه يظل يبحث عنه. ولكن عند إخفاء الشيء تحت غطاء، ثم نقله إلى تحت غطاء آخر، فإنه يتوقف عند الأول. فالأفعال الدائرية الثلاثية، تعتمد على الإدراك البصري، وليس الطفل قادرا على استنتاج أن الشيء مخبأ في مكان ما. المرحلة الثالثة
(وهي من عمر ثمانية عشر شهراً إلى أربعة وعشرين شهراً). وفيها يصبح الطفل قادراً على أن يبحث عن شيء مخبأ، حتى لو لم يبصره، فهو يستنتج أن الشيء، يجب أن يكون مخبأ في مكان ما، إذ استقر لديه ثبات الشيء، من دون رؤيته، وأصبح لديه ذاكرة، تمكنه أن يتخيل الشيء في ذهنه، عندما يغيب عنه. وهناك نوعان من الذاكرة في الطفولة:
إحداهما، ذاكرة التعرف (Recognition Memory)، ويحتاج الطفل فيها إلى مثيرات خارجية، أو مفاتيح إدراكية، لتعرف الخبرات السابقة، أو الموضوعات (مثل الابتسامة الاجتماعية للأم عند سن أربعة أشهر).
وثانيتهما، ذاكرة تثار منفصلة (Evocative Memory)، من خلالها، يصبح الطفل قادراً على بعث ذكرى الموضوع، أو أي خبرة، من دون مثير خارجي. ويرى (بياجيه) أن نمو عمليات التفكير، باستخدام الرموز والخيالات، ونمو اللغة، يبدأ مع نمو ثبات الموضوع والذاكرة.
[1] هو جان بياجيه Jean Piaget وهو عالم نفسي، ولد بسويسرا وعين سنة 1940 مديراً لمعمل علم النفس في جنيف كما عُين منذ 1955 أستاذا لعلم النفس للطفل بجامعة السوربون، وشغل عدة مناصب تربوية دولية،منها مساعدا لمدير العام المنظمة اليونسكو واشتهر بدراساته في مجال تفكير الطفل، ويرى أنّ التعليم يلعب دوراً هاماً في تطوير الأبنية الفكرية وفي مجال الإدراك. وهو يختلف عن مدارس نفسية أخرى، حيث يرى أن الإدراك، خاصة إدراك الأشكال، يتأثر نتيجة حركات عشوائية عضلية وبصرية يتم تصحيحها بالتدريج. فالطفل الصغير لا ينسب حجماً أو شكلاً دائماً للأشياء التي حوله، كما أن نشاطه المنطقي الذي يبرزه في سلوكه والذي يتضمن الأشياء، ونسبتها إلى بعضها البعض، ينتج عن نشاطه من خلال المحاولة والخطأ.
النمو المعرفي في مرحلة الطفولة المبكرة
ويسميها (بياجيه) مرحلة ما قبل العمليات (من سنتين إلى 7 سنوات) وفيها يبدأ الطفل في استخدام الرموز العقلية (الخيالات أو الكلمات)، إذ نمت قدرته اللغوية، فأصبح قادراً على استخدام الرمز بالكلمات إلى الأشياء، وتعطي اللغة مرونة عظيمة لمجال الذكاء. ونموها يمكِّن الطفل من استخدام الذاكرة التخيلية، لبعث الذكريات (إعادة معايشة الأحداث السابقة)، وتكوين خطط مستقبلية. فالطفل، في هذه المرحلة، أصبح لديه معرفة بثبات الموضوع، وقدرة على المحاكاة المؤجلة، واللعب الرمزي، ورسم الأشكال، من دون الرجوع إلى مفاتيح حسية مباشرة، إضافة إلى اللغة. ويتميز التفكير، في الطفولة المبكرة، بالنمط السحري، الذي يعني أن ما يتمناه الطفل سوف يتحقق، وعدم التفرقة بين الأفكار والأفعال، وبين الواقع والأحلام والخيالات، وغياب السببية والمنطق، وعيانية التفكير وحرفيته؛ فلا يعنى القول غير حَرفيته، وعدم القدرة على وضع احتمالات بديلة. كما تنمو لديه قدرة وضع الأشياء في مجموعات بسيطة، والتفكير تسوده الإدراكات المباشرة. فهو، غالباً، يدرك جانباً واحداً من الموضوع أو الموقف يتمركز حول الذات، فينسب كل الملاحظات إلى نفسه. ولا يستطيع الطفل، خلال هذه المرحلة، إدراك أصول الأشياء (أي إرجاع ناتج العمليات إلى أصولها). وهو ما أسماه (بياجيه) بعدم القدرة على فهْم ثبات المادة.
النمو المعرفي في مرحلة الطفولة المتأخرة
ويسميها (بياجيه) مرحلة العلميات العيانية (7 سنوات ـ 11سنة)، إذ تصبح العمليات العقلية مرنة. ويصبح الطفل قادراً على تركيز انتباهه في أكثر من جانب للموقف. ويصبح التفكير قابلاً للمراجعة، إلى درجة أنه يمكِنه أن يعود إلى بداية العملية العقلية، إذا رغب في تكرارها. وهو ما يعطيه قدرة على أن يتكيف مع مفاهيم الأرقام والتصانيف المعقدة للموضوعات. ويلاحظ أنه يوجد فرق كيفي في الوظيفة المعرفية للطفل بين 6 و7 سنوات، مقارنة بالطفل الذي يبلغ 7 سنوات فأكثر. فالأخير قادر على التعامل مع الأشياء بتسلسل منطقي. ويعي العلاقات المنطقية. ويعي مفاهيم الانعكاس. ويسميها (بياجيه) مرحلة العمليات العيانية. فلقد أصبح الطفل قادراً على ترتيب الأرقام، وتصنيف الأشياء، طبقا للتشابه والاختلاف بينها، مع قدرة على معرفة ما تتضمنه الأنواع من فرعيات.
النمو المعرفي في المراهقة
يصبح المراهق قادراً على استخدام المفاهيم المجردة، في ما يسمى بمرحلة التصور القبلي (أو التفكير المنطقي)، إذ يستطيع استخدام الرموز في التفكير، وإدراك النسبة والتناسب، وبناء النتائج على مقدمات توصل إليها، والقياس المنطقي، وقبول وجهة النظر المقابلة، وفهم نظرية الاحتمالات، والتفكير الثانوي (أي التفكير في التفكير). وهكذا، تصبح المراهقة بداية صحيحة للتفكير الراشد.
وفي المراهقة المتأخرة، يصبح المراهق قادراً على أن ينسلخ من مشاعره وأفعاله، ويدرك نتائج سلوكه أو أفكاره (وهو ما نسميه بملاحظة الذات). وهي مرتبطة بالنمو المعرفي، المرتبط بالإحساس بالزمن وما يتعلق بالمستقبل، والقدرة على افتراض مواقف متعددة، وتخيل نتائجها في عقله. وهو جزء مهم في التخطيط للمستقبل، وفي التواصل مع الكبار، وقبول التوجيه. وهنا، تصبح آراء رفاقه، ليست هي كل الحقيقة، ولكنه يقارن رأيه بآرائهم، ويحترم الكبار، ويتخذ قراراته بعد تفكير.
ويلاحظ أنه عندما يواجَه الفرد بمشكله، ويوجه تفكيره إلى حلها، فإنه يمر بالخطوات الآتية:
تعرف المشكلة، والبدء في الاتجاه إلى التفكير فيها. تحديد المشكلة ومعرفة أبعادها وظروفها وملابستها، والعوامل المؤثرة فيها. تقديم الافتراضات لحل المشكلة . اختبار الافتراضات، واختيار أنسبها، كحل للمشكلة.
وفي مواجَهة المشكلة، قد يكون الشخص تقليدياً، يتبع الأساليب والطرائق، التي اعتادها في خبرته التعليمية السابقة. وهذا قد يعوق الشخص، ويمنعه من الإتيان بالجديد، فيتجمد إزاء المشكلة، التي تتطلب حلاً غير تقليدي. وقد يفكر الشخص بطريقة تباعدية، غير تقليدية، فيصِل إلى أكثر من حل غير تقليدي للمشكلة، فيُعَدّ شخصاً مبتكراً وقادراً على الإتيان بالجديد من الأفكار. ولا شك أن هذا النوع من التفكير (عندما يصاحب الذكاء المرتفع)، ينمّ على المبدعين والمخترعين، الذين قد يوصفون من قبل مجتمعاتهم بالجنون، لعدم قدرتها على قبول الجديد من أنماط التفكير.
يتبع ....
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:35 am | |
| تابع ....
التفكير
* خصائص عملية التفكير
يتميز التفكير، وهو عملية عقلية معرفية، بالخصائص التالية
التفكير نشاط عقلي غير مباشر: فلكي يتوصل الإنسان إلى إقرار علاقات بين الأشياء، فانه يعتمد على احساساته وادراكاته المباشرة، وأيضاً على معلومات الخبرات السابقة التي تتجمع في الذاكرة . يعتمد التفكير على ما استقر في ذهن الإنسان من معلومات عن القوانين العامة للظواهر. ينطلق التفكير من الخبرة الحسية الحية وهو لا ينحصر فيها ولا يقتصر عليها. التفكير انعكاس للعلاقات والروابط بين الظواهر والأحداث والأشياء، في شكل لفظي ورمزي. يرتبط التفكير ارتباطاً وثيقاً بالنشاط العملي للإنسان. التفكير دالة الشخصية: فالتفكير جزء عضوي وظيفي من البنية الكلية للشخصية. فنظام الحاجات والدوافع والعواطف والانفعالات لدى الفرد، واتجاهاته والقيم والميول والخبرة السابقة، والاحباطات والاشباعات في حياته، كل هذا ينعكس على تفكيره ويوجهه، بل إن أسلوب الفرد في التفكير، يتحدد من أسلوبه في الحياة بصفة عامة.
* العمليات العقلية في التفكير
التفكير عند الإنسان عبارة عن عملية عقلية Mental Process معقدة، تتألف من مجموعة من العمليات العقلية Operations التي يتم خلالها نشاط التفكير وهذه العمليات هي:
المقارنة Comparison وتعرف بالمقابلة أو الموازنة، وتتمثل في العلاقات والارتباطات بين الظواهر أو الأشياء أو الأحداث، واستخلاص واستفراد هذه الظواهر أو الأشياء أو الأحداث في الإدراك وفي التصور عند الإنسان. التصنيف Classification وهو العملية التي يتم فيها تجميع الأشياء أو الظواهر، وفقاً لما يميّزها من معالم عامة مشتركة، وحيث يوضع لها تجميع Grouping أو تصنيف Categorizing وبحيث تضم مفاهيم معينة للظواهر أو الأشياء. التنظيم Systematization وهو العملية التي يتم بها ترتيب أو تنسيق فئات الأشياء أو الظواهر في نظام معين، وفقاً لما يوجد بين هذه الفئات من علاقات متبادلة. التجريد Abstraction حتى يتحقق التفكير، فإنه يتم وفق تمييز الخصائص المستقلة للأشياء، كما يتم بطريقة متجردة عن الأشياء ذاتها. التعميم Generalization يرتبط التجريد بالتعميم، على أساس أنه عند التوصل إلى تحديد الخصائص المتجردة للأشياء، فإن هذا يعني أن التفكير اتخذ شكل التعميم. الارتباط بالمحسوسات Concretization يتطلب التجريد عملية عقلية عكسية، وهي الانتقال من التجريد والتعميم إلى الواقع الحسي، الذي يُعد شرطاً مهماً للفهم الصحيح للواقع. التحليل Analysis وهو العملية العقلية، التي يتم بها فك ظاهرة كلية مركبة إلى عناصرها المكونة لها، إلى مكوناتها الجزئية. التركيب Synthesis عكس عملية التحليل، إذ إن التركيب كعملية عقلية، يتم بإعادة توحيد الظاهرة المركبة من عناصرها التي تم تحديدها في عملية التحليل. الاستدلال Reasoning يقوم الاستدلال العقلي على استنتاج صحة حكم معين من صحة أحكام أخرى. ويؤدي الاستدلال الصحيح إلى تحقيق الثقة في ضرورة وحتمية النتائج التي يتوصل إليها.
والاستدلال نوعان:
أ. الاستنباط Deduction وهو العملية الاستدلالية التي بها نستنتج أن ما يصرف على الكل يُصرف أيضاً على الجزء.
ب. الاستقراء Induction وهو العملية الاستدلالية، التي بها يتم التوصل إلى نتيجة عامة من ملاحظة حالات جزئية معينة.
* أشكال التفكير
من أشكال التفكير:
التفكير المجرد Abstract Thinking وهو يستخدم الصور. ولكنه يستخدمها في كثير من الأحيان كمثير فقط وبداية لعملية التفكير المجرد أي غير المصور. التفكير الذاتي: Autistic Thinking يتمركز حول الذات، ولا يضع في حسابه عاملي الزمان والمكان. وفي الاضطرابات العقلية يحدث تغيير في السمات الرئيسية للتفكير، ويُضخم التوهم ويقلل تصحيح الواقع للتفكير، ولا يتحول إلا جزء قليل جداً من تفكير المريض إلى فعل، وهاتان هما السمتان الرئيسيتان للتفكير الذاتي. التفكير الذاتي Egocentric Thinking ويتمركز حول الذات. وعندما يكون هذا النمط الغالب من التفكير، فمعنى ذلك أن الفرد قد فشل في الإبقاء على الحد الفاصل بين الحقيقة والخيال، وهذا التفكير يُمكن الفرد من إشباع رغباته. تفكير استحواذي[1]Obsessional Thinking والتفكير الاستحواذي هو تفكير ازدواجي للتوفيق بين اتجاهين متناقضين، وتجنب الميل إلى جانب أي منهما. ويتمثل هذا التفكير في استخدام "لكن" و "إذا" في الكلام والكتابة. ويتمثل كذلك في الوساوس الشاذة المرضية في محتواها، مثل الانشغال بأفكار ميتافيزيقية، أو وساوس الكف التي تتسم بالشكوك المبالغ فيها، والوساوس الاندفاعية حيث نجد الفرد مُحاصراً بفكرة ارتكاب أعمال عنيفة كإيذاء نفسه أو إيذاء شخص عزيز عليه. تفكير إسنادي Predicate Thinking يتمثل في التفكير في كل ما يشبه الشيء على أنه الشيء نفسه. التفكير الأولي Primary Thinking وهو التفكير اللا شعوري. التفكير العُصابي Schizophrenic Thinking وهو التفكير الذي يختلط فيه التفكير الثانوي أو الشعوري، بالتفكير الأولي أو اللا شعوري وبالتفكير الذاتي. التفكير الثانوي Secondary Thinking وهو التفكير الشعوري. التفكير الراغب Wishful Thinking وهو التفكير القائم على ما توجهه الرغبات الشخصية، أكثر مما توجهه العوامل الموضوعية أو المنطقية. النمط المفكر Thinking Type وهو أحد أنماط الشخصية. ويغلب عليه الاسترشاد بالمعطيات الموضوعية والوقائع الموضوعية والأفكار المعترف بها عالمياً، وهو نمط من الشخصية منطو على نفسه. التفكير الانفعالي Thobbing وهو التفكير الذي يلونه التعصب والانحياز.
[1] الاستحواذ على الشيء بمعنى الاستيلاء عليه.
* أشكال الفكر
يتصل بالتفكير، الفكر، وهو في اللغة من مصدر فَكَرَ في الأمر أي أعمل العقل فيه ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول. وأْفكَرَ في الأمر بمعنى فكر فيه. فهو مُفْكِرّ.
والتفكير ـ وفق ما سبق عرضه ـ هو أعمال العقل في مشكلة للتوصل إلى حلها.
والفكر من الناحية الاصطلاحية هو التفكر أو الظن أو القصد أو النية
والفكر من الناحية الاصطلاحية Thought هو الفكرة الواحدة، أو التفكير المشتمل على نشاط ذهني، أو الحديث الصوتي شبه المنطوق.
وهناك من أشكال الفكر
الدوافع الفكرية Thought Impulses وهي عناصر الحلم غير الصادرة عن العمليات الغريزية، ولكنها تصدر نتيجة التوترات اليومية. القوة المطلقة للفكر Omnipotence of Thought وفيه كأن الأفكار حقائق واقعية يمكن التعامل معها على هذا الأساس. وكأن بالأفكار يمكن السيطرة على الآخرين والأشياء، سواء عن قرب أو بعد، والتأثير في الأحداث وتغيير مجرى الأمور. قراءة الأفكار Thought Reading وهو حدس ما يدور بعقل الآخرين من أفكار.
* اضطرابات التفكير" Disorders of Thinking
اضطراب إنتاج التفكير: وتحدث نتيجة سيطرة العناصر العقلية الداخلية، مثل الدوافع والخيال، على عملية التفكير. ولا تتقيد بالواقع ولا بالمنطق. كما هو في مرض الفصام Schizophrenia مرض ذهاني يؤدي إلى عدم انتظام الشخصية وتدهورها التدريجي. والمريض يعيش في عالم بعيد عن الواقع البتة. ومن هذه الاضطرابات التفكير الذاتي والخيالي ـ (التفكير غير الواقعي أو غير المنطقي). اضطراب سياق التفكير حيث لا يستطيع المريض التعبير عن الأفكار بمجرد تكونها، ولا يستمر التفكير في مجرى أو سياق أو تسلسل متصل، ولا ترتبط الأفكار منطقياً بعضها ببعض .
ومن مظاهر اضطراب مجرى التفكير:
طيران الأفكار ـ تأخر أو بطء التفكير ـ الترديد أوالمداومة ـ المنع أوالعرقلة ـ الخلط أو الإسهاب ـ التشتت أو عدم الترابط.
* اضطراب محتوى الفكر
حيث تسيطر الانفعالات القوية، وتلون الأفكار وتحدد محتواها في صورة أوهام ووساوس ومخاوف.
الأوهام: معتقدات وهمية خاطئة لا تتفق مع الواقع، ولا يمكن تبريرها أو إثباتها ولا يتخلى عنها المريض ومنها:
ـ توهم العظمة: حيث يتوهم الفرد أنه عظيم أو ذو ثروة أو قائد. ويظن ذلك في الهذاء (البارانويا) والشلل الجنوني العام.
ـ توهم الإثم واتهام الذات: حيث يتوهم المريض بأنه من المعتدين الآثمين، وينتابه تأنيب الضمير الزائد والندم. ويحدث ذلك في حال الاكتئاب.
ـ توهم الإشارة: يتشكك الفرد في كل همس أو ابتسامة أو فيما يسمع.
ـ توهم الانعدام: وفيه يعتقد المريض في انعدام أو فناء أجزاء معينة من جسمه كأن يعتقد أن مخه غير موجود، أو أنه ميت فعلاً.
ـ توهم تغير الكون: حيث يتوهم المريض أن كل شيء حوله أصبح على غير حقيقته.
الوساوس: وهي أفكار لا شعورية ملحة وثابتة تتردد باستمرار، وتقحم نفسها في شعور المريض ضد إرادته، فلا يُفكر فيما عداءها. ويظهر ذلك عند القلق. الخواف: هو خوف مرضي لا مبرر له ولا يقاوم ولا يستطيع المريض التخلص منه. فقر الأفكار: حيث تكون الأفكار فقيرة وضعيفة. ويظهر ذلك في الضعف العقلي.
هذا بالإضافة إلى اضطرابات أخرى منها:
البلادة الفكرية ـ ضغط الأفكار ـ انتزاع الأفكار ـ إقحام الأفكار ـ الانشغال ـ تناقض الأفكار ـ السفسطة. وفي السفسطة تتشوه الأفكار وتصبح غريبة وغامضة وبعيدة عن الواقع.
المصادر والمراجع
حامد عبدالسلام زهران، "قاموس علم النفس"، مطبوعات الشعب، 1972. حامد عبدالسلام زهران، "الصحة النفسية والعلاج النفسي". طلعت منصور وآخرون، "أسس علم النفس العام". عبدالمنعم الحفني، "موسوعة علم النفس والتحليل النفسي"، مطبعة مدبولي، القاهرة، ط 4 ، 1994. عبدالمنعم الحفني، "الموسوعة النفسية". محمود حموده، "الطفولة والمراهقة .. المشكلات النفسية والعلاج"، القاهرة، 1998. محمود حموده، "الطب النفسي .. النفس وأسرارها وأمراضها"، القاهرة، 1997. المعجم الوسيط، ج2 |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:38 am | |
| التواصل
مقدمة
التواصل Communication هو العملية، التي بوساطتها تنقل معلومة أو خبرة، من شخص إلى آخر، أو إلى مجموعة من الناس. ويكون التواصل البشري (Human Communication)، وفق رموز معينة، متفق عليها، سواء كانت تلك الرموز لفظية، في صورة اللغة، أو غير لفظية، في صورة الحركة وتعبيرات الوجه والإيماءات، وما يسمى بلغة الجسد.
وللتواصل طرفان، أحدهما مرسل، والآخر مستقبل، وبينهما رسالة، تمر عبر أداة التوصيل. ويحيط بالتواصل بيئة أو محيط خارجي. وللرسالة تغذية راجعة، تعود إلى المرسل.
1. المُرْسِل
وهو الطرف الفاعل في عملية التواصل. وعنده احتياج إليه، سواء كان هذا الاحتياج مادياً، مثل من يطلب شيئاً مادياً، كقلم أو كتاب أو غيرهما؛ أو معنوياً، مثل من تكون لديه فكرة أو معلومة، ويود نقلها. وهو يتخير أداة يحملها هذا الاحتياج، أو ينفذ هذا الاحتياج من خلالها، وهي قناة التوصيل، والمرسل لديه رصيد من الخبرات السابقة بالتعامل والتواصل، اكتسب من خلاله مهارات تواصلية، لفظية وغير لفظية. كما أنه يتسم بصفات، تؤثر في تواصله مع الآخرين. وهي: أ. سمات جسمانية
تؤثر سمات الشخص الجسمانية، في تواصله مع الآخرين. فالشخص الضخم، المكتنز البِنية الجسمانية، يختلف في تواصله عن الشخص النحيل، القصير. وصاحب الصوت الأجش، يختلف عن صاحب الصوت الهادئ. وذو الملامح الضخمة، أو المشوهة، يختلف في تواصله عن ذي الملامح المتسقة. ب. سمات نفسية
إن صفات الشخص النفسية، تنعكس في تواصله مع الآخرين. فالشخص الانطوائي، يختلف في تواصله عن الشخص الانبساطي، الأول ذو سمات، تقلل من تواصله مع الآخرين، إذ إنه يميل إلى التفكير أكثر من الكلام، وتجعل صداقاته قليلة، ولكنها صداقات تدوم لفترات طويلة. وهو، كذلك، محدود في علاقاته الاجتماعية وتواصله. بينما الانبساطي، يتسم بكثرة التواصل مع الآخرين، وزيادة الطاقة الاجتماعية، وقلة التفكير، وكثرة تكوين الصداقات وسهولة فَقْدِها. ج. سمات اجتماعية
إن سمات الشخص الاجتماعية، تؤثر في توافقه مع أفراد مجتمعه. فالشخص المرتبط بزواج، يختلف تواصله عن الأعزب. ويؤكد ذلك وضع ما يميز ذلك الارتباط، في بعض المجتمعات، مثل الدبلة، أو العلامة، التي توضع للسيدة الهندية المتزوجة على وجهها. د. الحالة الصحية
الشخص السليم، يختلف تواصله عن الشخص المريض. فإذا كان هناك شخص مريضاً، مثلاً، بهبوط في القلب (Heart Failure)، ولديه صعوبة في التنفس ونهجان، فإن تواصله، سيختلف، حتماً، عن الشخص السليم؛ وذلك لأن حالته المرضية، تؤثر في قدرته على التواصل، اللفظي وغير اللفظي، إضافة إلى تأثيرها النفسي فيه. وإذا كان الشخص يعاني ضعفاً عاماً شديداً أو فقر دم (أنيميا)، فإنه سيعاني عدم قدرته على التواصل تواصلاً ملائماً، لضعف قدرته على التركيز، وترتيب أفكاره. هـ.سلامة الحواس
إن الحِوار والتواصل مع الآخرين، يحتاج إلى سلامة الحواس؛ وذلك لأن التواصل اللفظي، يستلزم سلامة حاسة السمع، وما يرتبط بها من مراكز قشرة المخ. إذ تنقل الأذن الاهتزازت الصوتية (الموجات الصوتية)، عبْر العصب السمعي، الذي يوصلها إلى قشرة المخ، التي تفهم معنى الرسالة اللفظية، فيسمع المرسل ما يقول ويستوعبه. ويستلزم، كذلك، سلامة حاسة البصر، ليرى المرسل ما إذا كانت الظروف ملائمة لإخراج الرسالة أم لا. فضلاً عن سلامة القدرة التعبيرية، سواء اللفظية أو الحركية، مثل تعبيرات الوجه، وحركات اليدَين، التواصلية. و. الحالة الغذائية
تتأثر حالة المرسل بحالته الغذائية، فإذا كان يتضور جوعاً، فإن تواصله، سيختلف عما لو كان في حالة ملائمة من الشبع. ويلاحظ أن بعض الناس، يتأثرون عندما يقلّ السكر في الدم لديهم عن مستوى معين (Hypoglycemia)، مثلما يحدث، في صيام شهر رمضان المعظم، من عصبية البعض وعدم قدرتهم على التواصل والحِوار الهادئ، بسبب حالتهم الغذائية؛ وللحالة الغذائية ولمستوى السكر في الدم دور مهم في عملية التركيز، والقدرة على العمل العقلي السليم، وذلك لأهميتها في عمل خلايا المخ. ز. الحالة المزاجية (Mood State)
وهي الحالة المسيطرة، من الشعور الداخلي، والتعبير الخارجي، للشخص، خلال الفترة الحالية التي يعيشها، وتراوح من ساعات إلى أيام. وتنعكس الحالة المزاجية على تواصل الشخص. فإذا كان مرحاً مسروراً، فإن تواصله سيعكس ذلك بشكل، لفظي وغير لفظي. وإذا كان مكتئباً (Depressed)، أو حزيناً، فإن تواصله سيعكس حالته؛ إذ المكتئب، يميل إلى العزلة وعدم التواصل، وإذا اضطر، فإنه يرسل بكلمات قليلة، فتكون رسائله مقتضبة، مصاحبة بتواصل غير لفظي، يعكس تعبيرات الاكتئاب والضيق لديه. ح. الحالة العقلية (Mental State)
لا شك أن حالة الشخص العقلية، تنعكس على تواصله؛ فما التواصل إلا نتاج إدراك العقل (Perception) للمثيرات (Stimuli) الصادرة عن البيئة الخارجية، وتفاعله معها. فإذا كان المرسل مريضاً بالاضطراب الضلالي (Delusional Disorder ) مثلاً ولديه اعتقاد ثابت باضطهاد الآخرين له (Paranoid)، فإنه سيتواصل معهم، من هذا المنطلق، تواصلاً حذراً، فيه شك وريبة في نياتهم، فتكون رسائله حذرة، تحمل حيطة أكثر مما تحمل خبراً. وينعكس ذلك على تواصله، اللفظي وغير اللفظي. وإذا كانت ضلالاته من نوع العظمة (Grandiosity)، فإنه سيتواصل مع الآخرين، على أنهم أقلّ منه فهْماً للأمور. وإذا كان مصاباً بالهوس (Mania)، فإن نشاطه العقلي الزائد، وتشتته بين المثيرات الخارجية العديدة، وكثرة كلامه، وفرط حركته، وسوء حكمه على الأمور، وعدم استبصاره بحالته، ستنعكس على تواصله. ولأنه متضخم الشعور بالذات، ويشمل برعايته كل مَن في الكون، بصورة مرَضية (Expansive Behavior)، يضر بها نفسه والآخرين ـ فإنه سيقحم نفسه في حياة الآخرين، في تواصل من جانب واحد، وسيستثيرهم إلى مشكلات ومشاجرات، لا نهاية لها.
ومع تخيُّل شخص مصاب بالتخلف العقلي، إلى درجة متوسطة، أو شديدة، يلاحظ أن قدرته الذكائية، لن تساعده على التواصل؛ إذ إن القدرة على التواصل، تطّرد ملاءمتها مع الذكاء. فكلما كان الذكاء مرتفعاً، كان الشخص أكثر قدرة على التواصل. وكلما قلّت القدرة الذكائية، قلت القدرة على التواصل، بنوعَيه، اللفظي وغير اللفظي. ط. اتجاهات معينة أو قيم معينة
تؤثر الاتجاهات أو القِيم في الشخص، وتنعكس على تواصله مع الآخرين؛ فالشخص المتدين، مثلاً، ينعكس تدينه على تواصله، مثل تكراره جملة: (إن شاء الله)، وجُملاً أخرى تواصلية، تعكس اتجاهه الديني. وكذلك، تنعكس اتجاهات الإنسان العلماني على تواصله. ومن هنا، قيل: (كل إناء ينضح بما فيه)، أي أن قِيم الإنسان واتجاهاته، تظهر عليه، في تواصله، اللفظي وغير اللفظي. ولذلك، كانت معايشة الشخص مهمة لمعرفته.
ولا تقتصر المعايشة على ساعات، بل تستلزم أياماً، مصداق ذلك الأسئلة الموجهة إلى شخص، ادّعى معرفة آخر: (هل رافقته في سفر؟ هل جاورته في سكن؟ هل شاركته في تجارة؟)، وذلك لإتاحة قدر كافٍ من التواصل يتيح الحكم عليه.
2. المُسْتَقْبِل
وهو الطرف المتلقي لرسالة التواصل، وتؤثر في تواصله كل السمات، التي سبق ذكرها في المُرْسِل. ولكن، من موقف المُسْتَقْبِل. فالسمات، الجسمانية والنفسية والاجتماعية، والحالة، الصحية والغذائية، لها أدوار مهمة في قدرة الشخص على استقبال الرسالة، والتعامل معها.
ولكن دور الحالة المزاجية، يختلف عنه لدى المُرْسِل. فعندما تتحدث إلى شخص مكتئب، يتأثر استقباله الرسالة بحالة الاكتئاب لديه. وربما لا يتفاعل معها إطلاقاً إذا كان اكتئابه شديداً. وقد ينفجر في عدوان، لا مبرر له، كردّ على الرسالة، وهو ما نسميه سرعة الاستثارة (Irritability)، أي أنه يستجيب استجابة شديدة جداً، مقارنة بالمثير، وهو هنا الرسالة، فإنهــا لا تستحق كل هذه الثورة. لذا، فإن البعض، عندما يود أن يكلم شخصاً مهماً (ذا منصب)، فإنه يسأل المحيطين به، أولاً، عن حالته المزاجية. فإذا كان مكتئباً، أجّل موضوع التواصل. والزوجة الذكية، تعرف حالة زوجها المزاجية، وتعرف متى تتحدث إليه، وتتواصل معه في أمر ما، ومتى تحجم عن التواصل، وتلزم الصمت. وكذلك الأبناء، من خلال معرفتهم بأبيهم، يعرفون حالته المزاجية، التي تسمح بتواصل وحِوار مريح، وتلك التي يتجنّبون فيها التواصل معه.
كما أن حالة المُسْتَقْبِل العقلية، مهمة جداً، في تواصله وفهْمه للرسائل. فإذا كان شكّاكاً، مثلاً، فإن فهْمه للرسائل، اللفظية وغير اللفظية، يتلوّن بذلك التشكيك. وإذا كان، أي المُسْتَقْبِل، يعاني اعتقادات اضطهادية، فإنه سيفهم ما يؤكد اعتقاداته، ويفسر الرسائل تفسيراً يعكس ذلك، ويظهر في تفاعله، الذي سيكون عدائياً. والعكس يحدث في حالة الاعتقادات الخاطئة في الحب (ضلال الحب) (Delusion of Love)، فمثلاً، عندما تتوهم فتاة أن شخصاً مشهوراً يحبها، وتختلق موقفاً للتواصل معه، أو مصادفة، فإنها تفسر أي تواصل منه معها على أنه قِمة الحب والإعجاب، من دون فهْم واقعي؛ وذلك لسيطرة الاعتقادات الخاطئة على فهْمها للأمور وتفسيرها لها. أما إذا كان المُسْتَقْبِل يعاني نقصاً في الذكاء، بسبب تخلّف عقلي (Mental Retardation)، أو خرف (Dementia)، فإنه لن يستطيع فهْم الرسائل فهْماً ملائماً، ويحتاج إلى تبسيطها تبسيطاً، يلائم قدرته الذكائية.
كذلك، قدرة المُسْتَقْبِل على الانتباه (Attention) والتركيز (Concentration) في الرسالة، لاستقبالها ـ هي مهمة لكي تدخل الرسالة إلى دائرة وظيفة الإدراك، لتعمل فيها الفهم؛ وإلى دائرة وظيفة الذاكرة، لتسجلها، حتى يمكن التعامل معها، من خلال الذاكرة العاملة (Working Memory)، والربط بالخبرة السابقة بالمواقف المشابهة، والتفكير في الرد على الرسالة. فإذا كان الانتباه مختلاً، كما يحدث في حالات اضطراب نقص الانتباه (Attention Deficit Hyperactivity Disorder)، الذي يشيع لدى الأطفال، فإن الرسالة لن تصل إلى العقل، ليتعامل معها. فلن تدرَك، ولن تسجل في الذاكرة (Memory).ومن ثَم، لن تعمل وظيفة التفكير (Thinking).
وعندما يُعِدّ المُسْتَقْبِل الرد على الرسالة، ويبدأ بإخراجه، سواء كان لفظياً أو غير لفظي، فإنه يتحول، في هذه اللحظة، إلى مُرْسِل، وينتهي دوره، مؤقتاً، كمُسْتَقْبِل.
3. الرسالة
وهي المحتوى المنقول من المرسل إلى المُسْتَقْبِل، سواء كانت معلومة، أو مهارة، أو اتجاهاً أخلاقياً أو تفاعلاً موقفياً. ولكل نوع من الرسائل، قناة توصيله الملائمة، أو ما يمكن تسميته بالأداة الملائمة لتوصيله (Tool).فعندما يودّ المرسل أن ينقل معلومة (Knowledge) إلى مستقبل، فإن الأداة المثلى لتوصيلها، هي اللغة اللفظية. بينما لا تكفي اللغة اللفظية لتوصيل مهارة حركية نفسية (Psychomotor Skill)، مثل تعليم قيادة السيارة، كمهارة حركية. فلو أسمعت شخصاً عدداً، لا حصر له، من المحاضرات في كيفية قيادة سيارة، من دون أن يرى، عملياً، قيادة سيارة، ويتدرب عليها، تحت إشراف مدرب، فإنه لن يتعلمها. والشيء نفسه، بالنسبة إلى الاتجاهات والمواقف (Attitudes). فلا يكفي لتوصيلها توصيلاً فعالاً، النقل عبْر رسالة لفظية. والأمثل أن تُنقَل في موقف، يكون المرسل فيه مجسداً لدور القدوة، في تفاعل موقفي. ولن يجدي كثيراً النقل اللفظي للرسالة، مهْما كُرَّرت، لتوصيل الاتجاه المطلوب استيعابه أخلاقياً. فلو حاول الأب تربية ابنه على عدم الكذب، وهو، أي الأب، يكذب أمامه، فإن الابن، سيكون، غالباً، كذاباً، بتأثير القدوة، على الرغم من المحاولات اللفظية للتربية على الصدق، أي أن المعايشة والقدوة، توصلان الاتجاهات الأخلاقية، أفضل كثيراً من التلقين اللفظي، والخطب الرنانة.
يتبع .....
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75827 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 الجمعة 17 يونيو 2016, 12:39 am | |
| تابع ....
التواصل
4. أداة التواصل
وهي الوسيلة المستخدمة في نقل محتوى الرسالة. وتنتَقَى طبقاً لنوع الرسالة. وهي إما اللغة اللفظية، فيكون التواصل لفظياً (Verbal Communication).وإما أن تكون الرسالة غير لفظية، فيكون التواصل غير لفظي (Non-Verbal Communication)، أو ما يسمّى لغة الحركة والجسد (Body Language). أ. التواصل اللفظي
وهو التواصل بالألفاظ، من طريق الكلام، إذ تكون الكلمات والجمل، هي أداة التوصيل. وكلما كان المرسل متمكناً من اللغة، التي يتواصل بها، كان أكثر قدرة على توصيل رسالته. وقدرة الشخص اللغوية، تعتمد على مستوى ذكائه (اُنظر الذكاء)، ومدى معايشته المثيرات اللغوية في البيئة من حوله، منذ نعومة أظفاره. وسلامة جهازه العصبي، بما يشمله من حواسّ وأجهزة الكلام (اُنظر وظيفة الكلام)، هي مهمة لاكتساب اللغة، مثل السمع.
وعلى الرغم من أن اللغة، هي الألفاظ المتفق عليها من قِبل من يستخدمونها، كأصوات، تخرج عبر أجهزة النطق، إلا أن الاختلاف في المعاني المتداولة للألفاظ، بين مكان وآخر، قد يسبب سوء الفهم، فتصل الرسالة مخالفة لما أراده المُرْسِل. فمثلاً، يستخدم مواطنو بعض الأقطار العربية، عبارة: (يا ولد) لنداء الرجل الشاب، وعبارة (يا شيبة) لنداء على الرجل العجوز، واستعمال هاتَين العبارتَين، في أقطار أخرى من الوطن العربي، يجعل من ينادى يغضب، لأنهما عبارتان، تنطويان على استخفاف. وكذلك كلمة (حرمة)، كمرادف لكلمة (مرأة)، تجعل المرأة تغضب، في بعض الأقطار العربية، عندما تنادَى بها، لكونها كلمة مهينة.
وقد تتعدد معاني اللفظ الواحد، فلا يفهم المُسْتَقْبِل أي المعاني يقصده المُرْسِل، مثل وصف شخص بأنه (كبير)، فلم يحدد المرسل ما إذا كان يقصد أنه كبير السن، أو كبير الحجم، أو كبير المنصب والمكانة. ومن ثَم، تأتي أهمية وضوح معاني الألفاظ، وعدم اللَّبس في توصيل الرسائل، من طريق استخدام مفردات، لا تحتمل معاني أخرى، منعاً لارتباك المُسْتَقْبِل. ب. التواصل غير اللفظي
يُعَدّ التواصل غير اللفظي أكثر أصالة وقِدماً، من التواصل اللفظي، سواء على مستوى تطوّر البشرية، أو على مستوى تطور الإنسان ونموه؛ فتكوّن اللغات اللفظية، استغرق وقتاً طويلاً من عمر البشرية، حتى وجدت المفردات اللغوية، بما تحمله من مفاهيم ودلالات للألفاظ. وتواصل البشر، خلال هذا الوقت، تواصلاً غير لفظي.
والشيء نفسه، يحدث للطفل، في مراحل نموه المبكرة. إذ لا يستطيع التعبير بالألفاظ، ولكنه يعبر بالحركة وتعبيرات الوجه عمّا يريد. فمثلاً إذا كان يرفض ثدي أمه، فإنه يدفعه بيده بعيداً، ويشيح عنه بوجهه؛ وذلك لأنه لا يستطيع التعبير اللفظي، الذي يحتاج إلى عام كامل من عمر الطفل، حتى يمكنه أن ينطق بكلمات بسيطة، تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، مثل كلمة (ماما). ولا ينتهي التعبير غير اللفظي، بعد اكتساب اللغة وإجادتها. ولكنه يظل أحد مكونات التواصل المهمة، وشقها الذي لا يمكن تجاهله.
ولقد درس العلماء التواصل غير اللفظي، لتحديد حجمه، أو نسبته في تواصلنا اليومي. ولاحظوا أنه في موقف ما، يكون التواصل غير اللفظي، هو كل الرسالة، أي بنسبة 100%، مثل رجل يعجب بامرأة، فيغمز لها بعينه، من دون ألفاظ. وفي موقف آخر، يكون التواصل غير اللفظي عكس التواصل اللفظي، ويعكس المعنى المراد، من دون النظر إلى الألفاظ، أيّاً كانت. وهنا يكون التواصل اللفظي، على الرغم من وجوده، يساوى 0%، بينما غير اللفظي يعادل 100%. مثال ذلك عندما تداعب الأم طفلها الذي يبلغ عدة أعوام، وهي تبتسم، وتنطق لفظاً يستعمل كشتيمة، ويسمع الطفل ذلك، ولكن لا يعيره أي اهتمام، لأن المعنى غير اللفظي أقوى وأوقع، فابتسامة الأم وإقبالها عليه في حب، (كتواصل غير لفظي)، يجرد لفظ الشتيمة من أي تأثير، ويبتسم الطفل متفاعلاً معها.
وفي موقف آخر يكون التواصل اللفظي مساوياً لغير اللفظي، مما يفرغ الرسالة من محتواها، فلا توصل شيئاً، على الإطلاق. وذلك مثل المراكبي، الذي يقود مركباً في عرض النهر، ويحييه شخص على الشاطئ، فيردّ عليه التحية، ويعقبها بعبارة: (تفضّل شرّفنا)، أي تفضّل بزيارتنا. وحينما يسمع ذلك الشخص تلك العبارة، لا يعيرها التفاتاً، لأنه يعرف أنها (عزومة مراكبية)، أي أنها لا تعني شيئاً؛ فكيف للشخص، الذي يسير على الشاطئ، أن يصل إلى ذلك المركب، في عرض النهر، ملبياً الدعوة؟ والشيء نفسه، عندما يفترق اثنان، ويلوح أحدهما بيده، من خلف ظهره، ووجههه إلى الناحية الأخرى، قائلاً: (فكر أن تزورنا). فعلى الرغم من أنه يطلب منه الزيارة، إلا أن لسان حاله، يقول عكس ذلك، فهو يعطيه ظهره مولياً بعيداً، وربما كان تلويح يده يشير إلى النفي (أو العكس) لِمَا يقول، فتكون حصيلة الرسالة صفراً. وخلص العلماء إلى أن حجم التواصل غير اللفظي، نسبة إلى التواصل اللفظي، هو 80% إلى 20%.
تُرى ما هي مفردات التواصل غير اللفظي، المكونة لنسبة 80% من التواصل اليومي؟ وتجيب عن ذلك، ملاحظة شخص في برنامج حياته اليومية، المملوء بإيماءات صامتة، من دون ألفاظ، مثل الإيماء بالرأس، علامة الموافقة؛ أو هز الرأس، علامة النفي. وكذلك تعبيرات الوجه، مثل الابتسام، علامة الرضى والاستحسان؛ والعبوس، علامة الغضب، أو تعبيراً عن الضيق أو عدم الرضى. وحركات الأطراف، مثل اليدَين، في إلقاء التحية أو الإشارة، علامة الموافقة أو الرفض. وحركة الجسد واتجاهه، فالزوايا المختلفة للجسم، قد تعني وضعاً تواصلياً، قابلاً أو رافضاً، محباً أو عدوانياً. وهذا كله تواصل غير لفظي. إضافة إلى ما يصاحب الألفاظ من ضغط على بعض الحروف أو إطالتها، ونغمة الصوت المصاحبة لها، هادئة أو حادة، وتعبيرها عن استفهام إنكاري أو استفهام فقط.
وحتى طريقة المصافحة، تُعَدّ لغة غير لفظية في التواصل، بل هي من أهم مفردات التواصل غير اللفظي. فهي لا توصل للآخر مقدار القبول والترحيب، ومقدار الحرارة في اللقاء والرغبة فيه من عدمه فقط، ولكنها تعكس وضع كلٍّ من المتصافحين، خلال اللقاء.
فهناك من يصافح الآخرين، متعمداً أن تكون كفّه متجهة إلى أسفل، فتكون يده هي العليا في المصافحة، ويد الآخر، هي السفلى. فتكون الأولى في وضع المعطي، والثانية في وضع المتلقي. وتكون الأولى، كذلك، في وضع السيطرة والسيادة، بينما الثانية في وضع الخضوع والاستسلام. وينمّ ذلك بتعاليه على الآخر. وثمة من يوجّه كفّه إلى أعلى باسطاً إياها، معبراً بذلك عن قبوله سيطرة من الآخر والخضوع له. وهناك من تكون كفّه عمودية، فيكون وضع يد المصافح عمودياً، كذلك، أي أن الكفَّين متقابلتان، في وضع وسط، لا تعلو إحداهما على الأخرى. وهو ما يعكس شعوراً بالتساوي، والندية، وعدم التعالي على من يصافحه. وزد المصافح بكلتا يديه، تعبيراً عن فرط الاهتمام والترحيب، وإظهاراً لمدى الرغبة في التقرب ممن يصافحه. وأضف من يضغط على يد من يصافحه، إظهاراً لقوّته؛ ومن يضغط ضغطة خفيفة، يوصل بها شيئاً، لا ينطقه لسانه. فضلاً عن المصافح بأصابع ممدودة مستقيمة، لا حرارة فيها؛ أو الذي يترك يده لمصافحه، في برود، يشبه السمكة الميتة. وهي تنمّ على مشاعر باردة، أو خوف من إظهار المشاعر، أو تعكس حالة عدم الاهتمام بالشخص الآخر. ناهيك من يعطي راحة يده للمصافح، وفي الوقت نفسه، يبعدها بالإبهام، من طريق جعل الإبهام يفرد أو يستقيم، فيبعد يد المصافح، فيعمل الإبهام (كسوسته)، لدفع اليد إلى الخلف، تخلصاً من المصافحة. وتكشف المصافحة، كذلك، قلق الآخر وتوتره، من خلال ارتعاش كفّه وتعرّقها، اللذَين يعكسان زيادة الشق السمبتاوي من الجهاز العصبي المستقل (Autonomic Nervous System). وهما علامتان مهمتان، تلاحظان في حالات القلق (Anxiety States).
وكما تختلف اللغة اللفظية، من مجتمع إلى آخر، أو من ثقافة إلى أخرى، فإن اللغة غير اللفظية تختلف، هي الأخرى، في الاتفاق على معناها، في هذا المجتمع أو ذاك. فمثلاً، تستعمل حركة رفع الإبهام، مع قبض الأصابع الأربعة الأخرى، في بعض البلدان، في التطفل على ركوب السيارات مجاناً. بينما هي، في أقطار أخرى، علامة تأكيد وموافقة. وفي بعض الأقطار تدل هذه الحركة على الإهانة. وهكذا، لكل ثقافة لغتها التواصلية غير اللفظية.
والتواصـل اللفظـي، يسْهُـل تزييفه والكذب فيه؛ بينما التواصل غير اللفظي، يصعُب الكذب فيه، لأن ارتباطاته عميقة داخل الشخص، لا يسْهُل تغييرها، مثل الألفاظ. ولذلك، فإن من يكذب أمام شخص يعرفه حق المعرفة، فإنه يكتشف كذبه. وهو ما يحدث كثيراً بين الأم وابنها، إذ تكتشف، من خلال تعبيراته غير اللفظية، أنه يكذب. وكذلك الزوجان، إذ غالباً ما تكتشف الزوجة كذب زوجها، إذا كان قليل الكذب. أما إذا كان معتاده، ويمارسه يومياً، فإنه يُعَدّ محترفاً، يصعُب كشفه.
وتمثّل المسافات بين الأشخاص، بعداً آخر من أبعاد التواصل الإنساني. وهي تندرج تحت التواصل غير اللفظي. فهناك المسافة الحميمة، وهي المسافة الضيقة، التي يتلاصق طرفاها، ويترابطان بعلاقة حميمة. وثمة المسافة الصديقة، وهي أكبر وأوسع من المسافة الحميمة، وتتفاوت باختلاف درجة الصداقة وقوّتها بين الأشخاص. وأوسع منها تلك المسافة، التي تفصل بين المعارف، من غير الأصدقاء. غير أن المسافة الأوسع، هي تلك التي تفصل بين الغرباء، الذين لا يربط بينهم أي معرفة.
وانتهاك هذه المسافات مزعج. وآية ذلك مفاجأة شخص شخصاً آخر، لا يعرفه، بالاقتراب منه إلى درجة الملاصقة أو التقبيل. ولا شك أن هذا الاقتراب، سيعَد انتهاكاً لحرمة الحيز الشخصي. لذلك، سيرفض هذا الفعل، وسيدفع بالآخر بعيداً. وما بالك، لو كانت هذه المفاجأة لفتاة أو سيدة! إنها ستتجاوز اقتحام المجال الشخصي، إلى هتك لحرمة المرأة. وسيَعُدّها القانون قضية هتك عرض.
ولئن اقتضت المفردات كثيراً من المعجمات، فإن إيماءات التواصل غير اللفظي، اضطلعت نفسها بشرح معانيها؛ فالإطراق، بالنظر إلى الأرض، كرد فعل لرسالة ما، يعني التفكير فيها، أو الاحتجاج الصامت عليها. والوقوف والانصراف، بعد سماع رسالة ما، كرد فعل لها، يعني رفضها، والثورة عليها، بالانسحاب. وإجالة النظر في أرجاء مكان، وإدارة الوجه يمنة ويسرة، يعنيان التهرب من الرد، والبحث عن مخرج.
أما تعبيرات الوجه، فإنها تعكس الحالة، الانفعالية والوجدانية. وتمثّل إجابات بليغة جداً وبسيطة، في آن معاً. فابتسامة الاستحسان والموافقة، وما يصاحبها من تعبيرات الوجه، تبدو اختلافاً تاماً عن ابتسامة السخرية والرفض أو التهكم. وتعبيرات الوجه بالرضا، تختلف عن تعبيره بالغضب والاستياء أو الرفض والتذمر. ولا يمكن فصل نظرة العين، وتقطيب الحاجبَين، عن وضع زاويتَي الفم وعضلات الوجه؛ فهي صورة متكاملة لتعبير واحد. إذ الشخص الذي يرفع حاجبَيه، متعجباً، ينعكس ذلك في نظرة عينَيه، وتتسق مكونات الوجه الأخرى، لتخرج انفعال التعجب. وحين يغضب، ويقطب حاجبَيه، فإن نظرة عينَيه، وزاويتَي فمه، وعضلات وجهه، توحي بحالته.
ولا يخفى ما ينمّ به التثاؤب، من شعور بالكسل والملل، وعدم الاهتمام بالجليس، وتفضيل النوم عليه. وكذلك اتجاه محور الجسد ينمّ على التوجه الداخلي للشخص، قبولاً أو رفضاً. فحين يكون متقبلاً الآخر، محباً له، يتوجه إليه، ويقْبِل عليه. وحينما يرفضه، يشيح عنه بوجهه، بل قد يوليه جانبه، وربما يجعله ظِهْرِيّا.
ويتكامل وضع الأطراف مع محور الجسد. ففتح الذراعَين، في مقابلة شخص، ووضع الرجْلين، المصاحب لهما، يتركان انطباعاً مختلفاً عن بقاء الذراعين مُسدلتَين، والرجْلَين متقاطعَتين. كما أن لكل من اليدَين والرجْلين مفردات غير لفظية خاصة، تعبّر بوضوح عن حالة الشخص. فمثلاً، الشخص الذي يهز رجْلَيه، باستمرار، وهو جالس، يعبّر عن توتر؛ والشخص الذي يضرب الأرض برجْلَيه، يعبّر عن ضيق وغضب. والشخص الذي يخفي وجهه براحتَيه، يخفي شيئاً ما في داخله، لا يريد أن يلاحظه الآخرون؛ والذي يفرك كفَّيه، يعبّر عن توتر؛ وكذلك الذي يفرقع أصابعه، يعبّر عن شعور بالملل، ورغبة في إنهاء الموقف أو تغييره؛ والشخص الذي يضرب بقبضته المنضدة، يعبّر عن رفضه واحتجاجه الغاضب.
ولغة التواصل غير اللفظي، تُعَدّ لغة دولية، تُتَداول مفرداتها بين كل البشر، متجاوزة حاجز اللغة اللفظية. فالابتسامة، لغة دولية، تصل إلى الآخر، وكذلك تعبير الوجه عن الغضب، وما تنقله المصافحة، ووضع الجسم، وحركة الأطراف، باستثناء بعض المفردات التي قد تختلف، طبقاً لِمَا اتفق عليه في بعض المجتمعات.
وعلاقة الرسالة غير اللفظية بتلك اللفظية، إما أنها تؤكدها، مثل من يلحق بموافقته اللفظية، إيماءة برأسه، علامة الموافقة؛ أو من يرفض، بقوله (لا)، ويؤكد ذلك بحركة رافضة، من رأسه ويده. وقد تكون الرسالة غير اللفظية بديلاً من تلك اللفظية، مثل الإيماء بالموافقة، دون النطق بكلام، أو التصفيق، تعبيراً عن الاستحسان. وربما تكون مخالفة للرسالة اللفظية، مثل المريض المتألم، الذي يُسأل عن حالته، فيجيب، لفظاً، أنه بحالة طيبة، وهو، في الوقت نفسه، ينطق إجابته بتعب شديد. وصور المخالفة، في التعامل اليومي، كثيرة. منها قول الرجل لزوجته، إنه يحبها، بينما هو ينظر إلى ناحية أخرى، ولا يقبل عليها، ولا تنعكس لغته الجسدية ما يقول. وهنا، تطبّق عليه الزوجة المثل: (أسمع كلامك، أصدقك. أشوف أمورك، أستعجب). ومقدار المخالفة، يكشف مدى صدق الرسالة اللفظية أو كذبها. وكثيراً ما تكون الرسالة غير اللفظية موضحة، وشارحة، للرسالة اللفظية، مثل من ينطق كلمة (كبير)، ويشير بيده، موضحاً ما يقصد به من ضخامة الحجم، مستبعداً المعاني الأخرى للكلمة (مثل كبير السن أو كبير المكانة).
وهناك مصاحبات للرسائل، اللفظية وغير اللفظية، مثل استخدام العطور، فالزوجة قد تضع عطراً معيناً، يؤكد تواصلها غير اللفظي. وربما لا تضع العطر، لتوضح العكس. وكذلك الملابس، تصاحب الرسائل، موضحة إياها. ومثالها الزوجة، التي ترتدى ملابس معينة، لتحقق تواصلاً مع زوجها، في اتجاه الاقتراب والالتحام الجسدي؛ وكذلك تزيينها البيت بالورود.
5. بيئة التواصل
وهو الجو الذي يكون فيه التواصل وما يحيط به، من ظروف خارجية، كحواجز بين المتواصلين (المرسل والمُسْتَقْبِل)، مثل الزجاج أو الجدران أو الضوضاء، التي تحُول دون انتقال الرسالة بوضوح إلى المُسْتَقْبِل، أو الفراغ الذي لا يوصل الموجات الصوتية، فيعوق التواصل اللفظي، ويحتم التواصل غير اللفظي. ومن ثَم، فإن التواصل، يحتاج إلى بيئة ملائمة، خالية من العوائق، فضلاً عن انتقاء أداته الملائمة. وإذا كان التواصل في جو مظلم، أو فيه فاصل لا يوصل الضوء ـ يكون التواصل لفظياً فقط. وإذا كان العائق ضوضاء، أو حاجز يوصل الضوء، ويمكّن من الرؤية، ولكنه يعوق وصول الصوت ـ تكون الأداة المفضلة، حينئذٍ، هي التواصل غير اللفظي.
وأحياناً، تكون البيئة معوقة للتواصل، ليس لوجود حواجز، تمنع وصول الرسالة، ولكن مخافة ما يترتب على التواصل، من حيث محتواه، مثل الشعور بوجود شخص متجسس، يعوق حرية التواصل، مما قد يلغيه إلغاءً تاماً، أو يحمل على التظاهر بإجرائه. وأحياناً، يمكن التغلب على وجود متجسس، باستعمال شفرة خاصة، وهي رموز، لغوية أو غير لغوية، متفق عليها، بين المرسل والمُسْتَقْبِل. وكثيراً ما يستعمل ذلك في التواصل بين القيادة ووحدات قواتها، في الحروب، تلافياً لتنصت العدو وكشفه أسرار التحركات العسكرية المراد تنفيذها.
كما أن للبيئة المحيطة بالتواصل، تقاليد وعادات، وقوانين وأعراف اجتماعية، تؤثر فيه؛ إذ إن لكل مجتمع عاداته وتقاليده، التي تؤثر في تواصل أفراده. ففي بعض الدول الغربية، مثلاً، يحيّي الرجل المرأة الأجنبية، أي التي ليست من محارمه، بتقبيلها. وإذا ما حدث ذلك في المجتمع العربي الإسلامي، فإنه يُعَدّ هتكاً لحرمة تلك المرأة، وخدشاً لحيائها. كما أن تحية من يرتدون القبعة، تكون بخلعها، في الدول الغربية. بينما لا عهد بذلك في مجتمعات الشرق. أما في اليابان، فتكون التحية بضم اليدَين، مع الانحناء إلى الأمام انحناء، يختلف عنه في الدول، العربية والغربية. ومرد الاختلاف في التواصل إلى تأثير العادات والتقاليد.
ونظراً إلى التغذية الراجعة من المُسْتَقْبِل إلى المُرْسِل، يمكن تقسيم التواصل إلى:
أ. الاتصال من جانب واحد
إذ يلقي المُرْسِل رسائله إلى المُسْتَقْبِل أو المُسْتَقْبِلين، ولا يتلقى منهم رداً، وذلك مثل من يلقي خطاباً في جمْع من الحاضرين، أو يلقي حديثاً في أحد الأجهزة الإعلامية. وهذا التواصل لا يثري المُرْسِل، بتلقي تعليقات أو استفسارات أو إضافات إلى رسائله الموجهة. وفي الوقت نفسه، يقلّل من مشاركة المستمع أو المتلقي (المُسْتَقْبِل)، الذي يكون في وضع سلبي، يؤدي، غالباً، إلى السهو في الرسالة، وعدم التركيز فيها. ومن ثَم عدم فهْمها، وعدم تسجيلها في الذاكرة، فيكون تأثيرها فيه ضعيفاً.
ب. التواصل التفاعلي المسيطر
يكون فيه المُرْسِل مسيطراً، يتولى إصدار الأوامر؛ والمُسْتَقْبِل دونه، في المكانة والسلطة، ولا يملك حرية الرفض أو الرد الناقد. مثل القائد، الذي يصدر أمره إلى الجندي، الذي لا يسعه سـوى الطاعــة والتنفيـذ. وتكـون التغذيـة الراجعة منه غالباً (نعم ـ عُلِمْ ـ تمام)، لا تثري القائد (المُرْسِل)، ولا تضيف إلى معلوماته جديداً. ومثال آخر، الأب المسيطر، الذي يَرهب أولاده محاورته. وعندما يوجه إليهم رسالة، يقولون، ما معناه، سمعاً وطاعة، كتغذية راجعة. ولكنهم، عملياً، قد يفعلون العكس، وذلك لعدم قناعتهم الداخلية بالرسالة الصادرة عن الأب، الآمرة، التي لا تحتمل النقاش، لسطوة الأب وتسلطه.
ج. التواصل من دون استقبال
وهو إرسال من طرفَين، في آن واحد. فكلاهما مُرْسِل، ولا يوجد مُسْتَقْبِل، يفهم ويستوعب ثم يرسل الرد الملائم. ومن ثَم، يوجد في هذا النوع من التواصل، رسائل متطايرة، من مرسلين، لا تجد مُسْتَقْبِلاً؛ حتى إنه يمكن أن يُسمّى تواصل الصم العمي. وهو نوع شائع في التواصل. إذ يتكالم اثنان، فيتكلمان في وقت واحد، فلا يسمع أي منهما الآخر؛ أو يتكلم أحدهما، والآخر مشغول بما سيقول هو، فلا يسمع، ولا يدرك ما قاله الأول؛ أو يتكلم أحدهما، والآخر منشغل بماذا يرد عليه. ومن ثَم، فهو لم يسمع كلامه كله، وإنما عرف العنوان فقط، الذي يتواصل فيه.
ولا شك أن هذا النوع من التواصل، يحدث سوء فهْم، أو عدم تفاهم، ويباعد بين المتواصلين أكثر مما يقرب بينهم. ويطلق عليه، بالعامية، (حِوار الطرشان). والأمثلة عليه كثيرة، فالزوج يصيح بزوجته، بينما هي تتمتم بكلمات، في سِرها، من دون أن تفهم ما يقول؛ أو تنشغل بما ستدافـع به عن نفسها، من دون الفهم وإعمال العقل في ما يوجهه إليها من رسائل؛ فيشعر أنها لا تفهمه، فهو يتكلم في موضوع، وترد هي في موضوع آخر. وتزداد، تبعاً لذلك، هوة الخلاف بينهما، ولا يصلان إلى اتفاق.
د. التواصل التفاعلي
وهو التواصل، الذي يتبادل الأدوار فيه، المُرْسِل والمُسْتَقْبِل، بندية وتفاهم متبادلين. وهذا النوع من التواصل، هو الأمثل. إذ يثري كل من الطرفَين الآخر. وتصل الرسالة، كما يريدها المُرْسِل. ويحصل على تغذية راجعة، تفيد قبول الرسالة من عدمه، وأوجُه الاعتراض عليها. فيوضح للمُسْتَقْبِل ما لم يفهمه. وهكذا، يتشارك الطرفان في حِوار حقيقي، وتواصل صحي، فيحقق كلٌّ منهما ذاته.
وللتواصل مستويات ثلاثة، طبقاً لمدى الرسالة ومستقبلها. وهي:
أ. التواصل الداخلي (Internal Communication): تقتصر فيه الرسالة على شخص المُرْسِل، فيكون هو المُسْتَقْبِل، حين يكلم نفسه، فلا تتجاوزه الرسالة إلى غيره. وهو أقصر أنواع التواصل.
ب. التواصل الجماعي (Group Communication): يكون بين شخصَين فقط، وهما المُرْسِل والمُسْتَقْبِل، أو عدة أشخاص.
ج. التواصل الجماهيري (Mass Communication): وهو تواصل مُرْسِل، مع مجموعة من الجماهير. ويلزمه إعداد مسبق، يتضمن تحديد الهدف من الرسالة، وتحليل المناسبة، ونوعية المستقبلين. إذ لا بدّ من سهولة الرسالة ومراعاتها لمستوى المتلقّين، فضلاً عن ارتباطها بالمناسبة، إضافة إلى إعداد خطوطها العريضة، تجنباً لنسيان أجزاء مهمة منها، والخروج بخلاصة، في كلمات قليلة، واضحة للمستقبلين. وبعد انتهاء الرسالة، يأتي دور الإجابة على أسئلة الجماهير، التي تلقتها.
وقد يكون التواصل مباشراً، بين المُرْسِل والمُسْتَقْبِل، أو مجموعة المُسْتَقْبِلين. ويكون غير مباشر، من طريق أجهزة الاتصال المختلفة، مثل التليفون (الهاتف)، أو الفاكس، أو البريد، أو من طريق أجهزة الاتصال الإعلامي، مثل التليفزيون (التلفاز)، والمذياع والصحافة. |
|
| |
| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 2 | |
|