| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الخميس 16 يونيو 2016, 11:52 pm | |
| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:29 pm | |
| الجنون والمجنون
مقدمة
الجنون Madness يقصد به اختفاء العقل وزواله، مما يخل بأداء الشخص، سلوكياً وانفعالياً، فيوصف بأنه مجنون Mad. وزوال العقل (اُنظر العقل) يعني أنه كان موجوداً لدى الشخص، ثم زال عنه، أي أنه كان عاقلاً، ثم اختفى عقله، لسبب ما. واختفاء العقل، هو المرض العقلي (Mental Disorder). وهو ما يطلق عليه أطباء النفس (Psychiatrists) لفظ الذهان (Psychosis). ولا ينطبق ذلك على التخلف العقلي (Mental Retardation)؛ لأنه نقص العقل، في سنوات تكوّنه (منذ بدء الحمل، إلى عمر ثمانية عشر عاماً). وليس زواله بعد التكوّن أو وهو في حالة نمو سوي. ولا ينطبق ذلك أيضاً على غياب العقل (Amentia) ،الذي قد يولد به بعض الأطفال، حيث يكون العقل غير موجود، من البداية، لغياب ما يقوم به من قشرة المخ.
وللذهان (الجنون) سمات عامة، تميزه. وهي:
خلل التفكير (Disturbance of Thinking) المتمثل في تفكك التفكير (Loose Association of Thinking) (اُنظر التفكير)، واعتقادات خاطئة (Delusions) (اُنظر الاعتقاد)، وخلل الإدراك (Disturbance of Perception) (اُنظر الإدراك). اضطراب إدراك الواقع واختباره (Reality Testing)، الذي يبني عليه الشخص ردود فعله وتصرفاته (اُنظر إساءة التقدير). خلل الحكم على الأمور (Impaired Judgement)، الناجم عن اضطراب القدرة على تقدير الأمور المختلفة، فيكون سوء التصرف وعدم تقدير النتائج (اُنظر إساءة التقدير). عدم الاستبصار بحالته المرضية (Lack of Insight)، وعدم فهْم ما يجري حوله. والاستبصار (Insight) يقصد به معرفة المريض بمرضه، ورغبته في العلاج. عدم فهْم تصرفات المريض، في إطار من الفهْم المنطقي، أو عدم فهْم التغيرات، التي حدثت له في الإطار المنطقي نفسه أيضاً.
والجنون (أو الذهان)، كما يصنفه الدليل الإحصائي التشخيصي، الرابع، للإضطرابات العقلية Diagnostic and Statistical Manual of Mental Disorders, Fourth Edition DSM-IV :
الهذيان. الخرف. اضطرابات النساوة. الفصام. اضطرابات ذهانية أخرى. الاكتئاب المصاحب بأعراض ذهانية. الهوس (الاضطراب ثنائي القطب). الذاتوية (الاضطرابات مشوهة النمو).
أولاً: الهذيان (Delirium)
وهو اضطراب عقلي، يتميز، أساساً، باضطراب الوعي، والتغير المعرفي، الذي يحدث في فترة قصيرة، مع نقص قدرة المحافظة على الانتباه للمثيرات الخارجية، وصعوبة الانتقال من مثير إلى آخر، واختلال التفكير، كما يبدو، من اللف والدوران، أو عدم ترابط الأفكار بعضها ببعض، وعدم اتساق الكلام، مع نقص مستوى الوعي، واختلال الإدراك الحسي، واضطراب دورة النوم واليقظة، واضطراب النشاط الحركي، وعدم الاهتداء (عدم إدراك الزمان والمكان، أو عدم إدراك الأشخاص) وخلل الذاكرة. وعادة، تكون البداية سريعة، والمسار متموج، والمدة قصيرة.
واضطراب الوعي في الهذيان، يُعَدّ العلامة الأساسية، إذ تختل حالة اليقظة، ووعي الشخص بنفسه والبيئة، من حوله، ويصاحبها خلل الانتباه، فتكون صعوبة المحافظة على الانتباه، وصعوبة الانتقال من مثير إلى آخر. ويسهل تشتت الشخص بمثيرات، ليس لها علاقة. ويجب تكرار الأسئلة، عدة مرات، بسبب عدم قدرة الشخص على تركيز انتباهه. ويصعب أن يندمج في محادثة، لأنه متشتت الانتباه، أو لأنه مواظب على تكرار استجابة لأسئلة سابقة. وينشأ عن نقص الانتباه فقد الذاكرة للأحداث القريبة، إلى حدّ ما.
والمصاب بالهذيان، لا يستطيع المحافظة على اتساق التفكير. ويفقد وضوح التفكير المعتاد. كما يفقد الهدف، ويبدو متناثراً وغير مترابط. وكثيراً ما توجد اضطرابات الإدراك، في صورة خداعات أو هلاوس، وأغلبها بصرية، وغالباً ما يصاحبها اقتناع ضلالي بواقعية الهلاوس، ويصاحبها استجابة سلوكية انفعالية، ترتبط بمحتواها.
وتختل دورة النوم واليقظة، حيث يصعب نوم المريض ليلاً، ويظل ساهراً. ويكثر انخفاض مستوى الوعي، الذي يتدرج من الدوخة إلى ما يشبه الغيبوبة. وتكثر الكوابيس، أثناء النوم، وقد ترتبط بالهلاوس. ويضطرب النشاط الحركي، في صورة عدم الاستقرار، وكثرة الحركة، وتحريك الأغطية، ومحاولة القيام من السرير، والخبط على الأشياء المحيطة به، وفجائية تغيير الوضع. وقد تقل الحركة إلى ما يشبه الذهول الكتاتوني. وغالباً ما ينتقل من نقيض إلى آخر (من كثرة الحركة إلى انعدامها).
الأعراض المصاحبة للهذيان
وتشمل الخوف والقلق والاكتئاب، وسرعة الاستثارة، والغضب والسرور والتبلد. والخوف أكثرها، وسببه الهلاوس المهددة، أو الضلالات غير المنتظمة، وقد يزداد الخوف لدى المريض إلى درجة إيذاء نفسه، أو يهاجم من توهم، زيفاً، أنهم مهددون له. أما مشاعر الاكتئاب الشديدة، فقد تؤدي إلى إيذاء النفس والبكاء، وطلب المساعدة.
والعلامات العصبية غير شائعة، في حالات الهذيان. والاستثناء الوحيد هو الحركات غير العادية (Abnormal Movements)، مثل مختلف أنواع الرعشة (الرعشة المرفرفة Flapping Tremors)، التي تصاحب حالات الفشل في وظائف الكبد (Liver cell Failure)، وعلامات الجهاز العصبي المستقل (Autonomic Nervous System) (مثل سرعة ضربات القلب، والعرق، واحمرار الوجه، واتساع فتحة إنسان العين Dilated Pupil، وارتفاع ضغط الدم Hypertension ).
وقد توجد اضطرابات أخرى لوظيفة قشرة المخ، تشمل عدم القدرة على تسمية الأشياء (Dysnomia)، وعدم القدرة على الكتابة(Dysgraphia).
بداية الهذيان ومساره ومضاعفاته ومآله
يبدأ الهذيان في أي سن. ولكنه شائع، بصفة خاصة، في الأطفال، وبعد سن الستين. وهو اضطراب قصير المدى. وأحياناً، يبدأ فجأة، كما في حالة إصابة الرأس. وأحياناً، يسبق بأعراض ممهدة، تظل عدة أيام أو ساعات (وتشمل عدم الاستقرار، وصعوبة التفكير الواضح، وزيادة الحساسية للمثيرات، السمعية والبصرية، والأرق ليلاً، والنوم نهاراً، والكوابيس). وظهور الأعراض، يكون ببطء، وأكثر في حالات الهذيان الناتج من مرض جهازي أو اختلال أيضي.
ويُعَدّ تماوج الأعراض، من أهم مواصفات الهذيان. والشخص يكون أسوأ ما يمكن، خلال ساعات عدم النوم ليلاً، أو في الظلام. وأحياناً، يكون الشخص منتبهاً ومتسقاً في تفكيره. وتسمى هذه الظاهرة بفترة التحن المؤقتة (Lucid interval). وتحدث في أي وقت، ولكنها أكثر حدوثاً في الصباح، وهذا يساعد على تمييز الهذيان من المتلازمات العقلية الأخرى.
وعادة، تظل نوبة الهذيان مدة قصيرة (حوالي أسبوع). ونادراً ما تظل لأكثر من شهر. وإذا عولج سبب الهذيان، يكون الشفاء كاملاً. وإذا ظل السبب موجوداً، فإن الصورة الإكلينيكية، تتحول، تدريجاً، من الهذيان إلى شكل آخر من الأمراض العقلية، أكثر ثباتاً (مثل الخرف)، أو تكون الوفاة.
ومن أهم مضاعفات الهذيان، هي الإصابات الناتجة من السقوط من السرير، في محاولة المريض الهروب من الهلاوس (Hallucinations) المخيفة. وإذا أهمل العلاج فإنه قد يتحول إلى خرف، أو نساوة عضوية، أو اضطراب الشخصية العضوية.
تشخيص الهذيان
عادة، يشخص الهذيان بجوار سرير المريض، إكلينيكياً. فهو يتميز ببداية مفاجئة للأعراض، وتتماوج هذه الأعراض (زيادة ونقصاناً) خلال ساعات اليوم. وهو يشترك في مواصفاته العامة باضطراب الوعي والمعرفة، ولكن يختلف طبقاً للسبب.
ويلزم تمييز الهذيان من الاضطرابات الآتية:
الفصام والاضطراب فصامي الشكل، والاضطرابات الذهانية الأخرى: وذلك لوجود هلاوس وضلالات واختلال تفكير. إلا أنها في الهذيان، تكون غير منتظمة، مع تماوج المسار، ونقص الانتباه، سواء في استمرار تجاه مثير، أو انتقاله إلى مثير آخر، وخلل الذاكرة، والاهتداء، كلها سمات تميز الهذيان. الخرف: الذي فيه يوجد خلل الذاكرة، مثل الهذيان. ولكن في الخرف، يكون الشخص يقظاً. إلا أنهما قد يوجدان معاً. ولا يمكن أن يشخص الخرف، في حالة وجود الهذيان. ولكن يشخصان معاً، في حالة استقرار الخرف قبل الهذيان. عند الخلط بينهما، يفضل أن يشخص هذيان، لأنه يعطي الفرصة لعلاج فعال، إلى أن يتضح التشخيص الصحيح. استحداث أعراض نفسية (Factitious): إذ يكون تخطيط الدماغ (EEG) طبيعياً، يساعد على استبعاد الهذيان.
انتشار الهذيان
يجد الأطباء النفسيون، عادة، الهذيان في الحالات، التي يدعون للاستشارة في شأنها، في أقسام الطب والجراحة، في المستشفيات العامة، حيث لوحظ أن حوالي 10% من كل المرضى، الذين يدخلون إلى المستشفيات العامة، يظهرون الهذيان بدرجة ما. ويختلف معدل الحدوث في أقسام المستشفى، فعلى سبيل المثال، يصل إلى 30% من المرضى، في أقسام الجراحة ذات الرعاية المركزة، وفي وحدات الرعاية المركزة لمرضى شرايين القلب التاجية؛ ويصل إلى 20% من مرضى الحروق الشديدة، تتراوح النسبة بين 40 و50 % من المرضى، الذين شُفُوا من جراحات عظام الحوض. ويكثر انتشاره بين الأطفال والشيوخ، كما يكثر بين المصابين بآفات في الدماغ، ومن سبقت إصابتهم بالهذيان. ويُعَدّ حدوث الهذيان علامة سيئة؛ فلقد قدر معدل الوفيات، خلال ثلاثة أشهر، لمن أصابهم هذيان، بنسبة 23 ـ 33%، وخلال سنة، وصلت إلى 50%.
أسباب الهذيان
وأسباب الهذيان مركبة ومتعددة ومتداخلة، في خليط من ظروف موقفية وعوامل شخصية ودوائية. فمثلاً، سبب الهذيان، بعد عملية جراحية، يشمل ضغط الجراحة، وألم ما بعد العملية، والأرق وعلاج الألم، واختلال الكهارب (العناصر المعدنية الموجودة بالدم مثل الصوديوم والبوتاسيوم) والعدوى والحمى ونزف الدم.
ويمكن تصنيف الأسباب، كما يلي:
أمراض جهازية (Systemic Disease)، مثل هبوط القلب (Heart Failure)، ونقص التغذية، وفقر الدم، والعدوى، والحمى، (Fever)، والجفاف (Dehydration)، وتسمم بالبولينا (Uremia)، وزيادة أو نقص إفراز الغدة الدرقية (Thyroid Gland)، وكل الأسباب، التي تؤدي إلى نقص الأكسجين في الدم. ويلاحظ أن هذه الأسباب، إذا تركت من دون علاج، تؤدي إلى مرض مخي، مثل الخرف. اضطرابات أيض (Metabolic Disorders)، مثل اختلال الكهارب (Electrolyte Imbalance) واختلال اتزان الحامض القلوي (Acid-Base Balance)، وزيادة أو نقص الكالسيوم في الدم. أمراض عصبية (Neurological Diseases)، مثل التهاب الدماغ، وإصابات الرأس، خاصة تلك التي تحدث تجمعاً دموياً تحت الأم الجافية. العقاقير، وخاصة مدرات البول (Diuretics)، (التي تسبب جفافاً، مع اختلال الكهارل في الدم) والملينات (Laxatives) (لنفس السبب)، والمنومات (الباربتيورات) (Barbiturates)، والمطمئنات العُظمى (Major Tranquilizers)، والمهدئات، إذ إن لها تأثيراً مضاداً للأستيل كولين (Acetyl choline) الذي يسبب هذياناً، وبصفة خاصة لكبار السن. احتباس البول الحاد، واحتباس البراز، يرتبطان، أحياناً، بحالات الهذيان.
وجمعت هذه الأسباب تحت التقسيم السببي للدليل الإحصائي التشخيصي الرابع للإضطرابات العقلية، كما يلي:
هذيان بسبب حالة مرَضية جسمانية. هذيان بسبب الانسمام بمادة (Substance Intoxication). هذيان بسبب انسحاب مادة (Substance Withdrawal). هذيان متعدد السبب، ينشأ عن اثنَين أو أكثر من الأسباب السابقة.
علاج الهذيان
يستلزم إدخال المريض مستشفى، حيث يُفحص جيداً، بحثاً عن السبب، الذي قد تكشفه الاستقصاءات المعملية. إضافة إلى علاج السبب، يلزم علاج عام للأعراض، يشمل تخفيف التوتر، ومنع المضاعفات والإصابات، والتغذية، ومراعاة الكهارل بالجسم والسوائل.
ويعتمد العلاج على الموقف، الذي حدث فيه الهذيان. فمثلاً، في حالة الهذيان، الذي يتبع إزالة المياه البيضاء من العين (كتراكتا) (Cataract)، والناتج من عصب العينَين، يتحسن بعمل فتحة صغيرة في العصابة، لإدخال بعض الضوء. وفي حالة العزل الحسي (Sensory Deprivation)، المسبب للهذيان، فإن المريض، سيفيد من إضاءة حجرته ليلاً، وكثرة تردد أعضاء الفريق العلاجي، وأفراد الأُسرة إليه، وشرح الأمر له، وطمأنته، مع وضع تلفاز في حجرته.
ويقتصر العلاج بالعقاقير على الضروري جداً منها، خاصة في حالة الفوران الداخلي (Agitation)، وعدم الاستقرار، لمنع المضاعفات والإصابات. والعقار المفضل هو الهالوبيريدول (Haloperidol) بجرعة تراوح بين 1.5 و50 مجم. وأحياناً، يلزم إعطاء دروبريدول (Dropridol)، حقناً في الوريد. وهو يشبه الهالوبريدول ومن مجموعته نفسها. ويجب تجنّب الفينوثيازين (Phenothiazins) تماماً، لنشاطها المضادّ للكولين (Anti-Cholinergic effect)، والذي يزيد حالة الهذيان. وفي حالة الأرق، يعطى بنزوديازبين (Benzodiazepines) قصير المفعول (Short Acting)، ويجب تجّنب الباربيتورات (Barbiturates).
ثانياً: الخرف (Dementia)
وهو فقد (نقص) القدرات الذكائية، أو نقصها، الذي يؤثر في أداء الشخص، الوظيفي والاجتماعي. ويظهر في صورة خلل الذاكرة والحكم على الأمور، ونقص التفكير التجريدي، وخلل الوظائف العليا لقشرة المخ، أو تغيّر الشخصية.
وخلل الذاكرة، هو أكثر الأعراض بروزاً. وهو أكثر للأحداث القريبة (Recent Events)، مثل نسيان الأسماء، وأرقام الهاتف، والاتجاهات، والمحادثات، وأحداث اليوم. وفي الحالات الأكثر شدة، ينسى كل الجديد وربما لا ينهي المهام، التي بدأها، لنسيانه. وهذا يسبب ترك صنابير المياه مفتوحة أو البوتاجاز مشتعلاً. وفي الحالات المتقدمة، ينسى أسماء المقربين إليه، أو وظيفته وتعليمه وتاريخ ميلاده. وأحياناً، ينسى اسمه، ويظهر تردداً، أثناء الفحص، في الإجابة عن الأسئلة.
وتظهر على المخرف علامات تدل على اختلال حكمه على الأمور، وأنه لا يستطيع التحكم في نزعاته. فيصبح سليط اللسان، يستخدم الألفاظ الجافة، لا يحترم القوانين أو العرف والتقاليد، كما أنه يلقي بنكات غير مناسبة. بالإضافة إلى إهماله لمظهره الشخصي ونظافته مما يؤدي إلى اضطراب واضح في علاقاته الاجتماعية. ويُعزى هذا السبب من الخرف إلى إصابة الفصوص الأمامية للمخ.
ويشمل الخرف اختلافات متفاوتة لاضطراب الوظائف العليا لقشرة المخ، فعلى الرغم من أن اللغة، ربما لا تتأثر في بعض الاضطرابات العصبية، التي تسبب الخرف، فإنها تصبح غير طبيعية في البعض الآخر؛ فقد يبدو الكلام غامضاً وظوبيا أو لغْواً، لا يعني شيئاً، أو تظهر الحُبسة (اُنظر فحص الحالة العقلية)، مثل حُبسة التسمية (صعوبة تسمية الأشياء). وفي الأشكال الشديدة للخرف، قد يصبح الشخص أبكم، وتضطرب قدرته التركيبية، فلا يستطيع رسم الأشكال ذات الأبعاد الثلاثة، أو يرتب أعواد الكبريت في شكل معين، ويفشل في تعرف الأشياء، على الرغم من سلامة الحواس(Agnosia). ولا يستطيع تنفيذ نشاط حركي معين، على الرغم من سلامة الوظيفة الحركية (Apraxia) (Motor Aphasia).
وتتغير الشخصية، في حالات الخرف، إما بتغير الطباع، أو تفاقم صفات الشخصية، التي كانت موجودة قبل المرض (الوسواسي تزداد وسوسته، والاضطهادي تزداد اضطهاديته). ولكن الشائع أن ينسحب الشخص، ويصبح متبلداً، وتقلّ علاقاته الاجتماعية، ويوصف من قبل الآخرين أنه تغير (عاد ليس هو نفسه).
والأعراض المصاحبة، قد تكون خفيفة، في صورة قلق أو اكتئاب. وقد يحاول إخفاء قصور الذكاء، بأعراض تعويضية، مثل زيادة الترتيب، أو ربط الأحداث بتفاصيل دقيقة، لتجنّب فجوات الذاكرة، أو الانسحاب الاجتماعي. وأحياناً، تلاحظ الأفكار الاضطهادية، وتنتج اتهامات زائفة، وشجارات لفظية وجسمانية. والشخص الغيور، عندما ينتابه الخرف، قد يصاب بضلالات الخيانة الزوجية، ويعتدي، فعلاً على زوجته.
بداية الخرف ومساره ومآله
والغالب في الخرف، أن يحدث في الشيخوخة. ولكن تحت تأثير عوامل معينة، يمكن أن يحدث الخرف في أي سن؛ إذ يشخص الخرف في أي سن، بعد استقرار معدل الذكاء (عادة، عند الثالثة أو الرابعة من العمر). فإذا كان الطفل في سن الرابعة، وأصيب بمرض عصبي مزمن تدخل مع وظائفه المكتسبة السابقة، إلى درجة تقلل ذكاءه، فإنه يُشخص خرفاً مع تخلّف عقلي.
ويعتمد مسار الخرف على العامل المسبب. فعندما يكون الخرف ناتجاً من نوبة واضحة لمرض عصبي، مثل نقص الأكسجين الواصل إلى المخ، أو التهاب المخ، أو إصابة الرأس ـ فإنه يبدأ فجأة، ويظل ثابتاً، نسبياً، لفترة طويلة. أما الخرف التنكسي الأولي، من نوع ألزهيمر (Alzheimer)، فبدايته عادة متخفية، تتقدم ببطء، في مسار اشتدادي يصل إلى التدهور في عدة سنوات. وهناك الخرف الناتج من ورم في المخ، أو تجمّع دموي، تحت الأم الجافية، أو عوامل أيضية فتكون بدايته متدرجة. ويمكن علاج السبب، كما في نقص هرمون الغدة الدرقية؛ فإن الخرف، يمكن علاجه، وإيقاف مساره.
في الماضي، كان مصطلح الخرف يعني، أنه لا رجعة في مساره، ولا شفاء منه. ولكن، الآن، يوصف الخرف على أنه حالات متلازمة، ذات أعراض ومواصفات إكلينيكية فقط، ولا تحمل أي إشارة إلى التنبؤ بالمآل. فقد يكون الخرف متزايداً (اشتدادياً) أو ثابتاً أو متقطعاً أو متراجعا (متهاوداً)؛ وهذا يعود إلى طبيعة السبب، الذي يكمن خلف الخرف، والعلاج المتاح، في التوقيت المناسب وفاعليته.
الإعاقة والمضاعفات لحالات الخرف
يشخص الخرف، عادة، عندما يكون الفقد في الذكاء كافياً لأن يتداخل مع الوظيفة، الاجتماعية أو المهنية. إلا أن درجة الإعاقة تتفاوت، وفي الخرف الاشتدادي، يصبح الشخص غير مدرك لما حوله، ويلزم له عناية دائمة. وقد يتجول ويفقد طريق العودة، أو يتعرض لحادث. وقد يؤذي نفسه أو الآخرين، أو ينتابه هذيان، بالإضافة إلى الخرف.
تشخيص الخرف
يعتمد التشخيص الإكلينيكي للخرف، على معرفة التاريخ المرَضي، من المريض والمحيطين به؛ وعلى فحص الحالة العقلية. إذ يلاحظ، من التاريخ المرَضي، تغيّر في إنجاز المريض وسلوكه، سواء في البيت أو في العمل. كما يشكو المريض من النسيان، وقصور الذكاء لديه، أو ينكر ذلك ويبرره، في محاولة لإخفاء خلل الذكاء لديه، أو شكوى من حوله من الأعراض التعويضية، مثل الترتيب الشديد، أو الانسحاب الاجتماعي، أو ربط الأحداث بتفاصيل دقيقة، أو تلاحظ انفجارات من الغضب أو السخرية، أو الإلقاء لنكات غير مناسبة سخيفة، أو التقلب الانفعالي، أو التبلد الوجداني. ويمكن أن نلخص السمات التشخيصية، مع أسباب الخرف، في ما يلي:
1. الخرف من نوع ألزهيمر (Alzheimer's Dementia) :
ويتميز هذا الاضطراب ببداية متخفية، ومسار اشتدادي، يصل إلى التدهور، مع صورة إكلينيكية لخرف متنوع، يشمل مختلف القدرات الذكاء والذاكرة والحكم على الأمور والتفكير التجريدي Abstract Thinking ، مع تغيرات في الشخصية والسلوك، وباقي صور الخرف، التي سبق ذكرها؛ على أن تستبعد كل الأسباب الأخرى، التي تسبب خرفاً، من التاريخ المرَضي، والفحص الإكلينيكي، والاختبارات المعملية.
ويبدأ اضطراب ألزهيمر، في أغلب الحالات، في الشيخوخة (بعد سن الخامسة والستين)؛ وفي بعضها قبل الشيخوخة، ونادراً قبل سن الخمسين، ببداية متخفية، ومسار اشتدادي، يصل بالمريض إلى التدهور. ففي المراحل المبكرة، يوجد خلل في الذاكرة، في صورة نقص معرفي ظاهر، وقد يوجد تغيرات في الشخصية، مثل التبلد (Apathy)، ونقص التلقائية، والانسحاب الاجتماعي، ويظل المصاب بهذا الاضطراب منظماً جداً، وحسن المظهر، متعاوناً.
ويتصرف بطريقة مقبولة اجتماعياً، باستثناء سرعة استثارة، ينشأ عنها بعض الانفجارات الانفعالية، أحياناً. ولكن مع تقدم المرض إلى المرحلة المتوسطة، فإن الاختلالات المعرفية، تصبح واضحة تماماً، ويتأثر السلوك والشخصية بشكل واضح. وفي المراحل الأخيرة، قد يصبح الشخص أبكم (Mute) وغير منتبه تماما، ويصبح معوقا لا يستطيع العناية بنفسه، وتنتهي بالوفاة، خلال خمس سنوات، من بدء الأعراض، في حالة الخرف البادئ، في الشيخوخة .
وينتشر مرض ألزهيمر في نسبة (2-4%) من جموع الناس، الذين يتجاوزون الخامسة والستين من العمر. وتزداد هذه النسبة مع تقدم العمر، خاصة بعد الخامسة والسبعين. ويكثر انتشاره بين الإناث، كما يكثر بين أقارب المصاب (قرابة درجة أولى)، عنه بين الناس، بصفة عامة.
أسباب مرض ألزهيمر
ما زال سبب مرض ألزهيمر غير معروف. ولكن افتُرض العامل الوراثي لزيادة انتشاره بين الأقارب. ولوحظ حدوثه بين أغلب المرضى بلزمة داون(Down's Syndrome)، الذين يظلون على قيد الحياة إلى العقد الثالث من العمر. كما اكتشف حديثاً، شذوذ في الجين الصبغي الرقم (21)، لدى مرضى ألزهيمر، وهو الجين الشاذ نفسه في لزمة داون: التسمم بالألومنيوم، الذي لوحظ وجوده، بمعدلات مرتفعة، في أنسجة الدماغ للمرضى المتوفين بسبب مرض ألزهيمر. كما لوحظ نقص في كمية الإنزيم، اللازم لتخليق الأستيل كولين (Choline Acetyltransferase). كما افترض أن السبب عدوى فيروسه، أو أنه مرض في المناعة الذاتية (Autoimmune Disease).
ومن المشاهدات، التي دعمت نظرية نقص الكولين، كسبب للخرف، أن مضادات الكولين (مثل: الأتروبين وسكوبولامين)، تزيد من الخلل المعرفي في مرضى الخرف، بينما مماثلات الكولين (Agonists) مثل (Physostiginin, Arecoline)، وجد أنها تحسّن من قدراتهم المعرفية. ولوحظ أيضاً نقص النورا بينفرين (Norepinephrine)، في مساراته في منطقة (Locus Ceruleus)، وذلك في الفحص الباثولوجي لأدمغة (Brains)، ضحايا ألزهيمر. وهناك ناقلان عصبيان متورطان أيضاً في مرض ألزهيمر (Somatostatin & Corticotropine) ، وهما من البيبتيدات النشطة عصبياً.
علاج مرض ألزهيمر
لا يوجد علاج محدد لمرض ألزهيمر. ولكن هناك محاولات علاجية، تستخدم عقاقير، تزيد من الأستيل كولين (Acetyl Choline) ، مثل تتراهيد روأمينوكريدين أو الكولين واللثيثين (Tetrahydroaminocridine, choline, lethithine) ، التي يتكون منها الأستيل كولين. ولوحظ أن خلطه مع العوامل، التي تحفظ النشاط قبل المشبكي للخلايا العصبية، مثل البيراسيتام(Piracetam) ، الذي يعرف، تجارياً، باسم نوتروبيل (Nootropil). بالإضافة إلى رعاية المرضى، التي قد تصل إلى رعاية مستمرة، في الحالات الشديدة التدهور، وإعطاء عقاقير للأعراض النفسية، إذا لزم الأمر. كما يجب توجيه الاهتمام إلى أسرته التي تُعنى به، والتي قد يصيبها الملل من رعايته لفترة طويلة، دون تحسن.
ويمكن تجنّب العقاقير ذات المفعول المضادّ للكولين (Anticholinergic)؛ يستثنى من ذلك عقار الثيوريدازين (Thioridazine)، الفعال في السيطرة على سلوك مرضى الخرف على الرغم من مفعوله المضادّ للكولين، خاصة عندما يُعطى بجرعات قليلة. كذلك البنزوديازبين القصير المفعول (Short Acting Benzodizepines). ويستخدم عقار التاكرين (Cognex Tacrin) وهو مثبط للإنزيم، الذي يكسر الكولين، وأعطى تحسناً بنسبة تراوح بين 20 و 25%، في دراسات منضبطة منهجياً؛ وإن كان بعض المرضى لا يطيقونه، وقد يرفع إنزيمات الكبد لمرضى آخرين.
يعطى المرضى علاجاً تدعيمياً وتعليمياً، يشرح لهم طبيعة المرض ومساره، يساعدهم على تقليل الإعاقة، مع تقوية وتدعيم الوظائف، التي تظل تعمل، ولم يصبها العطب بعد. كما يساعد المعالج المريض على تقوية الحيل التكيّفية، التي يستخدمها المريض، مثل وضع تقويم أمامه، لمعرفة اليوم، وعمل جدول لمعرفة الأنشطة اليومية، وكتابة نُبَذ عن المشكلات، التي تواجهه، وعدم الاعتماد على الذاكرة، مع مساعدة من يعنى به على تقليل الشعور بالذنب ولوم النفس.
2. الخرف الوعائي (Vascular Dementia)
ويطلق عليه، أحياناً، الخرف الناتج من احتشاءات متعددة (Multi-Infarct Dementia) . وهوالخرف، الذي يكون التدهور المعرفي فيه، على شكل خطوات. ويترك، في البداية، بعض الوظائف المعرفية، نسبياً. كما توجد علامات عصبية بؤرية (Focal Neurological Signs) واضحة، مثل ضعف الأطراف، وعدم تماثل المنعكسات العصبية العميقة (Deep Neurological Reflexes)، وصعوبة الكلام، وضيق الخطوات في المشي، وذلك طبقاً لمناطق الدماغ، التي يصيبها التلف.
ويوجد برهان على المرض الوعائي المخي، يظهر من خلال الفحص الجسماني، كارتفاع ضغط الدم، أو تضخم عضلة القلب، أو شذوذات وعائية دموية في فحص قاع العين (Fundus). وهذا المرض الوعائي، يجب أن يوضع على المحور الثالث (اُنظر الحالة النفسية).
ويصاحبه نوبات من الضحك والبكاء، وصعوبة الكلام، وصعوبة البلع. وقد توجد فترات من تغيم الوعي (Confusion)، أو الإغماء (Coma)، والصداع واضطراب النوم، وتغيرات في الشخصية. ويلاحظ أن هذا النوع من الخرف، يبدأ في سن مبكرة عن مرض ألزهيمر. ويظهر الفحص الباثولوجي مناطق من التلين في الدماغ، مع تغيرات باثولوجية متفاوتة، في الأوعية الدموية.
ويلزم تمييزه مما يلي:
أ. نوبات القصور الدموي المخي العابر(Transient Ischaemic Attacks)، وهي فترات قصيرة من فقْد بعض الوظائف البؤرية العصبية، التي تقلّ عن فترة أربع وعشرين ساعة (عادة، بين 5 دقائق و 15 دقيقة). وهناك آلية، قد تكون مسؤولة عن هذه النوبات، هي صمات (Emboli) صغيرة جداً، تسبب هذا القصور الدموي العابر، وتزول، تلقائياً، من دون تغير باثولوجي في أنسجة المخ.
ب. مرض ألزهيمر (الذي سبق وصفه).
انتشار الخرف الوعائي وأسبابه
يقلّ انتشاره كثيراً عن مرض ألزهيمر. ويكثر بين الذكور. والمرض الوعائي الموجود، هو المسؤول عن الاحتشاءات في الأوعية الدموية، الصغيرة الحجم والمتوسطة. ويترتب عليها ضمور خلوي، ينتشر في مناطق متسعة من الدماغ، وانسداد الأوعية الدموية بواسطة جلطات صغيرة، في أماكن أخرى في الجسم، أو من جراء تصلب شرايين المخ.
علاج الخرف الوعائي (الناتج من الإحتشاءات المتعددة)
علاج المرض الوعائي، وضغط الدم المرتفع، قد يمنع من تقدم المرض. كما أن التوقف عن التدخين يحسن من الوظائف المعرفية، إضافة إلى علاج الخرف بوجه عام، مثل الاهتمام بصحة المريض الجسمانية، وتوفير رعاية أُسَرية، وعقاقير نفسية، إذا لزم الأمر، مثل المنوم، في حالة الأرق، أو مضادّ الاكتئاب، في حالة وجود اكتئاب.
3. الخرف بسبب حالة طبية عامة (General Medical Condition)
وهو القصور، المعرفي والوظيفي، كالسابق ذكره في خرف ألزهيمر. وهذا القصور، ليس في مسار الهذيان، مع دليل من التاريخ المرَضي، أو الفحص الجسدي أو المعملي، أن الاضطراب نتيجة مباشرة للحالة الطبية العامة في القائمة الآتية:
أ. خرف بسبب الإيدز ( H.I.V).
ب. خرف بسبب إصابة الرأس (Head Trauma) .
ج. خرف بسبب مرض باركنسون (Parkinson) .
د. خرف بسبب مرض هنتنجتون (Huntington) .
هـ. خرف بسبب مرض بـيك (Pick's Disease).
و. خرف بسبب مرض (Creutzfeldt-Jakob Disease)
ز. خرف بسبب طبي غير الأسباب السابق ذكرها، مثل: نقص هرمون الغدة الدرقية (Hypothyroidism) أو ورم في المخ.
وفي ما يلي لمحة عن كلٍّ منها:
أ. خرف بسبب الإيدز(مرض نقص المناعة المكتسب) (H.I.V) :
لوحظ وجود بؤر من التلف، في المادة البيضاء (White Matter)، وما تحتها من تراكيب، مع زيادة البروتين والخلايا الليمفاوية، في السائل النخاعي الشوكي (CSF). وتظهر أعراض الخرف مصاحبة برعشة، وعدم القدرة على أداء حركات سريعة متكررة، والرنح (Ataxia)، وزيادة المنعكسات العصبية وشدتها، وصلابة ثني المفاصل (Rigidity). وعندما يحدث للأطفال يتسم بتأخر النمو، وصلابة ثني المفاصل (Hypertonia) ، وصغر حجم الرأس، وتكلس النوى القاعدية (Basal Ganglia).
ب. خرف بسبب إصابة الرأس
وهو ينجم بعد إصابة الرأس مباشرة. والخلل العقلي، يعتمد على مكان الإصابة والتلف الذي أحدثته.
ج. خرف بسبب مرض باركنسون
وهو مرض عصبي، بطيء التقدم، يتميز بالرعشة أثناء السكون (Static Tremors) وتصلب العضلات، وعدم ثبات الوضع. والخرف يصيب 20-60% من مرْضى باركنسون، ويزداد في المرضى كبار السن، أو الذين يشتد المرض لديهم. وكثيراً ما يتفاقم الخرف لدى مرْضى باركنسون، بسبب الاكتئاب.
د. الخرف بسبب كوريا هنتنجتون (Huntington's Dis)
وهو مرض وراثي، يصيب المعرفة والانفعالات والحركة. ويصيب الرجال والنساء على السواء، ينقل بجين وراثي سائد أحادي (Autosomal Dominant Gene) على الذراع القصير للصبغي (Chromosome) الرابع. ويشخص، عادة، في نهاية الثلاثينيات من العمر وبداية الأربعينيات. ولكنه قد يبدأ مبكراً، في عمر 4 أعوام، في الشكل الذي يصيب الصغار، أو يظهر متأخراً، عند الخامسة والثمانين. وبدايته متخفية بتغيرات في السلوك والشخصية، بما فيها الاكتئاب وسرعة الاستثارة والقلق. وبعضهم يمثلون بشذوذات الحركة، تبدأ بما يشبه التململ العصبي، وتزداد إلى رقص وكنغ عام (Chorcoathetosis) ، وخلل الذاكرة، الذي يخل بأداء الوظائف، وسوء الحكم على الأمور. وهذا الاضطراب، قد يصيب 50% من أبناء المصاب به. وحاليا يوجد اختبار جيني (Genetic)، يمكن أن يحدد أي الأفراد أكثر عرضة لهذا المرض.
هـ. الخرف بسبب مرض بيك (Pick's Disease)
وهو مرض تنكسي (Demyelinating)، يصيب الدماغ، خاصة الفصوص، الأمامية والصدغية. ويحدث تغيراً في الشخصية، في مساره المبكر. بينما تحدث أعراض الخرف، في مساره اللاحق، حين يشتد الخرف، تدريجاً، مع تزايد الضمور (Atrophy)، الذي يلاحظ بواسطة تصوير الدماغ الطبقي، بواسطة الكومبيوتر (CAT)، أو الرنين المغناطيسي (MRI)؛ وهو السبيل إلى تمييز مرض بيك من ألزهيمر، إذ لا يمكن التفرقة بينهما، إكلينيكياً.
و. خرف بسبب مرض كروتزفيلد - جاكوب : (Creutzfeldt-Jakob Disease)
وهو مرض، يسبب التهاباً أقلّ من الحاد إسفنجي في المخ. ينشأ عن مجموعة من الفيروسات بطيئة التأثير، ويتميز بحركات لاإرادية خاصة (Myoclonus) ، وفترات من نشاط تخطيط الدماغ والخرف، ولكن ربع المرضى، تقريباً، لا يمثلون بهذا الشكل النمطي. ويمكن الجزم بهذا المرض، بعد فحص عينة من الدماغ، بعد الوفاة فقط. ويحدث عند أي سن في البالغين، ولكنه يكثر بين عمرَي40 و60 سنة. وبنسبة 5-15 %، قد يكون للوراثة دور في المرض. وأعراضه المنذرة (Prodromal)، قد تكون في صورة إجهاد وقلق، واضطراب الشهية، والنوم الكثير، ونقص التركيز. ثم بعد شهور، يظهر خلل التحكم، وتغيّر الرؤية، وخلل المشي (Gait) ، وحركات تشبه الرقص (الكوريا) (Chorea) أو الكنغ (Athetosis). ويظهر تخطيط الدماغ نوبات من الموجات الثلاثية المتماثلة(Periodic sharp triphasic and synchronus discharges) . وهو يعدي في حالات نقل القرنية (Cornea)؛ إذ إن العامل الناقل للمرض، لا يهلك بالمطهرات؛ ولذا، تؤخذ الحيطة الشديدة، عند عمليات أخذ عينة من أدمغة المتوفين.
4. الخرف بسبب تأثير ثابت لمادة
ويحدث فيه القصور نفسه، المعرفي والوظيفي، السابق ذكره في خرف ألزهيمر. والقصور لا يحدث في مسار الهذيان، ويظل إلى ما بعد الفترة المعتادة للانسمام أو الانسحاب للمادة. ويوجد دليل من التاريخ المرَضي، أو الفحص الجسماني أو المعملي، أن سبب القصور هو التأثير الثابت لتعاطي مادة (مثل: الإدمان أو علاج بمادة معينة).
5. الخرف بسبب متعدد
ويحدث فيه أيضاً القصور المعرفي نفسه، السابق ذكره في خرف ألزهيمر. ويوجد برهان من التاريخ المرَضي، أو الفحص الجسماني أو المعملي، يشير إلى أن الاضطراب له أكثر من سبب (مثل: إصابة الرأس، وتعاطي الكحول المزمن، وألزهيمر، أو سبب وعائي). ولا يحدث هذا القصور في إطار مسار الهذيان.
ويلزم تمييز الخرف، بوجه عام، من الآتي
علامات الشيخوخة العادية: والتي لا يكون فيها خلل الذاكرة شديداً، ولا يكفي للتداخل مع الأداء، الوظيفي والاجتماعي. الهذيان: ويختلف الخرف عنه في وجود خلل الذاكرة، مع اليقظة، وثبات الأعراض، وعدم تماوجها. الفصام: وفيه يغيب السبب العضوي، خلافاً للخرف. نوبة الاكتئاب الجسيم: التي قد تسبب خلل الذاكرة، وصعوبة التركيز والتفكير، وهو ما يسمى بالخرف الكاذب (Pseudodementia). وفي حالة غياب السبب العضوي، مع وجود أعراض تشير إلى اكتئاب أو خرف، فمن الأفضل أن يشخص اكتئاباً، وتفترض أعراض الخرف ثانوية للاكتئاب، لأن فرصة الشفاء من الاكتئاب أفضل. وإعطاء مضادّات الاكتئاب، أو العلاج الكهربائي، قد يكشف عن التشخيص الحقيقي، حيث تتحسن حالة المريض المعرفية، إذا كان اكتئابياً.
انتشار الخرف
ينتشر الخرف بنسبة تصل إلى (5 %) من كبار السن، إلى درجة، تجعلهم غير قادرين على رعاية أنفسهم. وبنسبة (10 %) خفيفة الدرجة، ويزداد معدل انتشار الخرف مع تزايد السن، فيرتفع في سن الثمانين وما فوقها، إلى خمسة أمثال معدله في سن السبعين وما دونها. ونظراً إلى تزايد معدل الأعمار، في السنوات الأخيرة، وكثرة عدد المسنين، فإن الخرف أصبح مشكلة صحية عامة.
علاج الخرف
يكون طبقاً للسبب. فإذا كان السبب قابلاً للعلاج، أمكن الشفاء إلى درجة كبيرة، مثل حالات نقص إفراز الغدة الدرقية، أو نقص حمض الفوليك (Folic acid)، أو الزهري (Syphilis)، أو التجمع الدموي تحت الأم الجافية (Subdural Haematoma) ، أو استسقاء الدماغ الطبيعي الضغط (Normal Pressure Hydrocephalus). لكن هناك أسباباً يجدّ العلم، حالياً، في الوصول إلى علاج لها، خاصة مرض ألزهيمر، ومرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز).
مع علاج السبب، تراعى تغذية المريض، وعلاج المشكلات الطبية المصاحبة، مثل التهابات الجهاز البولي، ومراعاة الأنشطة الترفيهية، ودور العلاج النفسي ـ الاجتماعي، في إعطاء المساندة والتوجيه للمريض وأُسْرته. وينصح بعدم تعريض مرضى الخرف للمواقف الجدية المعقدة؛ لأنها تربكهم. ويفضَّل الجو الأُسرَي المألوف، الذي يتحسنون فيه، مع محاولة شغلهم، طيلة الوقت.
تعالج الأعراض المصاحبة للخرف، مثل القلق والاكتئاب، والأعراض الذهانية، بالمضادّ المناسب، على أن تكون بجرعات قليلة، وبحذر؛ لأن هؤلاء المرضى، لديهم قابلية لحدوث الهذيان من العقاقير النفسية.
يتبع .....
عدل سابقا من قبل ابراهيم الشنطي في الجمعة 17 يونيو 2016, 2:33 pm عدل 1 مرات |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:31 pm | |
| تابع ......
الجنون والمجنون
ثالثاً: اضطراب النساوة (Amnestic Disorder)
يتميز هذا الاضطراب بخلل الذاكرة، القصيرة والبعيدة، التي تعزى إلى عامل جسماني محدد، أو تأثير مادة؛ فيصبح الشخص عاجزاً عن تعلم شيء جديد (لفقْد الذاكرة للأحداث القريبة). وهذا هو سبب النساوة المتقدمة (Antrograde Amnesia)، وعدم القدرة على استدعاء أشياء، كان يعرفها في الماضي (لفقد الذاكرة طويلة الأمد). وهذا يفسر النساوة الراجعة (Retrograde Amnesia). ولا يمكن تشخيص النساوة، إذا وجد خلل الذاكرة، في إطار نقص قدرة المحافظة على الانتباه، وتحويل الانتباه من مثير إلى آخر (كما في الهذيان)؛ أو إذا كان مرتبطاً بخلل في التفكير التجريدي، وضعف الحكم على الأمور (Lack of Judgement) أو اضطراب وظائف قشرة المخ العليا (Higher Cerebral Function)، أو تغير الشخصية (كما في الخرف).
يصاحب اضطراب النساوة عدم الاهتداء (Disorientation)، الناتج من النساوة الشديدة، والاختلاق (Confabulation)، لملء فراغات الذاكرة (Amnestic Gaps)؛ وذلك بتخيل أحداث لم تقع أصلاً. وذلك مع عدم استبصار بفقْد الذاكرة، وإنكاره ، حتى مع وجود براهين عليه. وبعضهم يقبل المشكلة، ويظهر عدم الاهتمام. وكثيراً ما يصاحبها التبلد (Apathy)، ونقص المبادرة والبرود الانفعالي. وينشأ عن النساوة اختلال في وظيفة الشخص، الاجتماعية، والمهنية. وقد تسبب أخطاراً، مثل نسيانه ناراً مشتعلة، قد تسبب حريقاً.
البداية والمسار والتنبّؤ بالمآل، في حالات اضطراب النساوة
تكون بداية أعراض النساوة مفاجئة في أغلب الأحيان، إلا أن ذلك قد يختلف من مريض لآخر تبعاً لطبيعة مسبب الحالة. وقد يستعيد المريض ذاكرته كلياً أو جزئياً بعد فترة مرض تطول أو تقصر تبعاً لطبيعة مسبب المرض. ففي حالات النساوة المصاحبة لصرع الفص الصدغي أو لقصور الدم المغذي للمخ أو عند توقف عضلة القلب، يكون مسار المرض مزمناً وغالباً ما يستعيد المريض ذاكرته كاملة. ويكون العلاج في هذه الحالات بتعرض المريض لصدمات محدثة للتشنجات (Electroconvulsive Therapy) (ECT) وتعاطي عقاقير من مجموعة البنزوديازبين أو الباربتيورات. كما يوجد العديد من الحالات التي تسبب نساوة ثابتة مثل إصابات الرأس، والتسمم بغاز أول أكسيد الكربون، والنزف تحت غشاء الأم الجافية، والاحتشاء المخي (Cerebral Infarction) والالتهاب الناشئ عن فيروس الهربس (Herpes Simplex).
رابعاً: اضطرابات جنون الفصام (Schizophrenias)
يعد الفصام من أهم وأشهر أنواع الجنون. ويعرَّف بأنه مجموعة من الاضطرابات، تختلف في عواملها السببية، وفي الاستجابة للعلاج ومصير المرض. وتتفق في أنها لُزْمَة (Syndrome) مكونة من أعراض مميزة، ناشئة عن اضطراب التفكير والإدراك والوجدان والسلوك. وهذه الأعراض، تصل إلى درجة الذهان، في بعض الأوقات، خلال مسار المرض. أو هو اضطراب عديد من وظائف الأنا، ينتج منه عدم قدرة المريض أن يميز، بدقة وثبات، بين الواقع، الداخلي والخارجي، مع فشله في المحافظة على اتصاله بالعالم الخارجي. ولا يجوز أن يطلق عليه لفظ "انفصام"؛ إذ إن الفصام، يعني تفكك وظائف العقل، بينما الانفصام، يعني الانقسام، وهذا ما يحدث في حالات تعدد الشخصية (Multiple Personality)، والتي يطلق عليها "ازدواج الشخصية"، والتي ذكرت ضمن الانشقاق.
ولقد بذلت محاولات عديدة لتحديد مفهوم الفصام، منها:
محاولة (كريبلين) (Kreaplin): الذي أكد مفهوم التدهور العقلي المصاحب للمرض، مما دعاه إلى تسميته بالخرف المبكر. وقرر أن ملامحه الإكلينيكية هي السلبية والانسحاب وأسلوبية الحركة وفقْد الإرادة والانتباه، وضعف الحكم على الأمور، والتناقض بين الوجدان والتفاعل العام، واضطراب التفكير، وعدم التمييز بين الواقع والخيال؛ وأنه ليس ناتجاً من تسمم أو هستيريا أو صرع أو هذيان أو ذهان الهوس والاكتئاب. محاولة (بلولر) (Bleuler): الذي لم يرَ أن التدهور إحدى السمات المهمة لمرض الفصام. وقسم الأعراض المرَضية، في الفصام، إلى أعراض أساسية (جوهرية)، وهي اضطراب التفكير، المتميز بتفكك الروابط، واضطراب الوجدان، والذاتوية (Autism)، وثنائية المشاعر(Ambivalence)، وأعراض مصاحبة وهي الهلاوس والضلالات. وبلولر هو أول من أسماه بمرض الفصام (Schizophrenia)، ومعناه الانقسام العقلي، وهذا المعنى يختلط لدى عامة الناس مع إزدواج الشخصية، الذي يطلق عليه، حالياً، اضطراب تعدد الشخصية. محاولة (شنيدر) (Schneider): الذي وصف عدداً من الأعراض، أسماها أعراض الدرجة الأولى (First-Rank Symptoms) ذات الأهمية في تشخيص الفصام، وتشمل : سماع المريض لأفكاره بصوت مرتفع، وهلاوس سمعية تُعَلِّق على سلوك المريض، وضلالات التأثير جسمانياً بواسطة قوى خارجية، وأن هناك قوى خارجية، تتحكم في تفكيره وتنشره على الناس، وضلالات الخضوع لسيطرة قوى خارجية، تتحكم في تصرفاته.
وما زالت المحاولات مستمرة، في صورة التصانيف الحديثة للأمراض النفسية. وكان آخرها التصنيف التشخيصي الإحصائي الرابع (DSM-IV) (1994)، اللذان استبعدا تشخيص مرض الفصام، من دون أعراض ذهانية، كما كان يحدث في الفصام، الكامن أو الحدي (Borderline) أو البسيط (Simple) ، وأصبحت تشخص على أنها اضطرابات شخصية. كما وضعا لاضطراب الفصام دلالات محددة، يشخص بها، إكلينيكياً، وفيما يلي وصف مفصل للصورة الإكلينيكية للفصام، تليها دلالات التشخيص، حسب التصنيف (حموده 1997) (1).
للصورة الإكلينيكية لجنون الفصام، مميزات عامة، هي
وجود أعراض ذهانية، خلال المرحلة الناشطة للمرض (Active Phase) . تشمل الأعراض المميزة العديد من الوظائف النفسية المضطربة. نقص الأداء الوظيفي، عما كان قبل (وفي حالات الأطفال والمراهقين، يكون نقص متوقع، في الإنجاز الدراسي والاجتماعي). المدة لا تقلّ عن ستة أشهر. وقد تشمل أعراضاً ممهدة (Prodromal Symptoms)، أو أعراضاً متبقية (Residual Symptoms) . في بعض مراحل المرض، يجب أن يشمل الفصام ضلالات (Delusions)، أو هلاوس (Hallucinations)، أو اضطرابات محددة ومميزة، في شكل التفكير والوجدان. ولا يعزى الاضطراب إلى حالة مرَضية جسمانية، أو إلى تأثير مادة. وليست الأعراض ناشئة عن اضطراب الوجدان ، أو الفصام الوجداني.
وقبل الاسترسال في عرض تفاصيل الصورة الإكلينيكية، علينا أن نأخذ في الحسبان ثلاثة أشياء:
لا يوجد عرض مرَضي واحد (أو علامة مرَضية واحدة)، نشخص به الفصام؛ فكل أعراض الفصام، يمكن رؤية بعضها في عدد من الاضطرابات، العصبية والنفسية. تتغير أعراض المريض الواحد، من وقت إلى آخر. لا بد من الأخذ في الحسبان مستوى المريض التعليمي، وذكاءه، وثقافته البيئية. فمثلاً، عدم قدرة المريض على التجريد، قد يعكس تعليمه وذكاه، كما أن بعض المعتقدات الغريبة، قد تعكس نمطاً من الثقافة، البيئية أو الدينية. نقص الأداء الوظيفي مهما كان قبل إذ يتدهور إنجاز الشخص، على مستوى العمل والعلاقات الاجتماعية، واهتمامه بنفسه؛ ويلاحظ هذا التغير بواسطة الأهل والأصدقاء. وإذا بدأ الاضطراب في الطفولة أو المراهقة، يحدث فشل في الوصول إلى الإنجاز الاجتماعي المتوقع له. ومن ثمَ، فإن العرض الواحد، مثل الضلال المتحوصل[1] (Encapsulated delusion)، من دون أن يصاحبه نقص في الوظيفة الاجتماعية، أو العمل، لا يشخص فصاماً، إذ يجب أن يشمل الفصام إعاقة (اضطراب)، في عديد من الوظائف النفسية.
الأعراض المرَضية المميزة لمرض الفصام
1. اضطراب التفكير، الذي يبرز، خاصة، في صورة اضطراب محتوى التفكير، والقوة المتحكمة فيه.
أ. اضطراب محتوى التفكير، ويشمل الضلالات (Delusions)، التي قد تكون متعددة، أو مفرطة في الغرابة. وقد تكون ضلالات اضطهادية (Paranoid Delusions) ( كمن يعتقد أن هناك من يتجسسون عليه، أو يخططون لإيذائه، بدس السم له أو تشويه سمعته)؛ أو ضلالات الإشارة (Delusions of Reference) ( كمن يعتقد أن الناس تلمح إليه، أو تسخر منه، بالقول أو الإشارة)؛ أو ضلالات أخرى، مثل العدمية (Nihilism)، أو العظمة (Grandiose)؛ أو ضلالات الاعتقاد بأن قوة خارجية، تحكم أفعاله وتصرفاته (Delusions of being Controlled).
ب. اضطراب القوة المتحكمة في التفكير إذ يتوهم أن هناك من يسحب أفكاره من رأسه (شخص أو قوة، معلومة أو خفية) (Thought Withdrawal)، أو يتوهم أن أفكاراً توضع في رأسه، ليست خاصة به (Thought Insertion) ، وذلك من دون إرادة منه؛ أو أن أفكاره تذاع على الناس، في وسائل الإعلام (Thought Broadcasting)( الصحافة والإذاعة والتليفزيون).
ج. اضطراب أسلوب التفكير (Form of Thinking)، ومن أكثر أشكاله شيوعاً فقدان روابط التفكير (بين الأفكار وبعضها) (Loose Association)؛ إذ ينتقل المريض من موضوع إلى موضوع آخر مختلف تماماً؛ أو أن العلاقة بين الموضوعَين عارضة، من دون وعي الشخص بذلك. وعندما يزداد فقدان الروابط، يأخذ التفكير شكل عدم الاتّساق. وقد يوجد فقْد في محتوى الكلام، فيكون مناسباً في الكمية، ولكنه يتضمن القليل من المعلومات، لغموضه، أو لأنه مجرد (Abstract)، أو عياني (Concrete) أكثر من اللازم؛ أو يتصف بالتكرارية أو الأسلوبية. وقد يوجد انسداد في مسار التفكير، ولكنه أقلّ شيوعاً، أو يتكلم بلغة جديدة.
2. اضطراب الإدراك، في شكل هلاوس (Hallucination) متنوعة، ولكن أكثرها شيوعاً الهلاوس السمعية (Auditory)، التي تكون أصواتها مألوفة لديه، وغالباً، تكون ألفاظها مهينة له. وقد تكون لشخص واحد أو لعدد من الأشخاص. وقد يكون الكلام موجهاً إليه بصورة، مباشرة أو غير مباشرة (مثل وصف سلوكه).
وقد تكون الهلاوس حسية (لمسية) (Tactile)، في صورة تنميل أو إحساس كهربائي، أو تكون هلاوس حشوية (Somatic hallucination)، مثل الإحساس بحركة ثعابين داخل البطن، ونادراً ما تكون هلاوس، بصرية (Visual) أو تذوقية (Gustatory) أو شمية (Olfacory). وجود الهلاوس، البصرية والتذوقية والشمية، في حالة غياب الهلاوس السمعية، يلفت الانتباه إلى وجود اضطراب عقلي عضوي. وهناك اضطرابات إدراكية أخرى، تشمل إحساسات التغير الجسماني، والحساسية الشديدة للأصوات والرؤى والروائح.
3. اضطراب الوجدان، ويشمل، غالباً، فقدان الشعور (Apathy)، أو تناقض الوجدان (Incongrous Mood) أو عدم التمايز الوجداني (Indifferent Mood).
4. الإحساس بالنفس، الذي يعطي الإنسان السوي الإحساس بالتفرد، واتجاه النفس الخاص. وأحياناً، يسمى ذلك تلاشي حدود الأنا (Loss of Ego-Boundaries)، ويظهر ذلك في صورة ارتباك هوية (Identity) (اُنظر الهوية) الشخص، ومعنى وجوده في الحياة، أو بعض الضلالات، خاصة تلك التي تحتوي التحكم بواسطة قوى خارجية.
5. اضطراب الإرادة، باضطراب قدرة الشخص على المبادرة إلى أنشطة هادفة وموجهة، وقد يعوق ذلك أداءه لعمله، فيصبح غير مهتم بعمله، أو تصبح لديه ثنائية الإرادة (Ambivalence) ،التي تؤدي إلى توقف نشاطه الهادف، الموجه ذاتياً.
6. العلاقة بالعالم الخارجي تتمثل في انسحاب المريض إلى العالم الخارجي، ويصبح تفكيره غير واقعي، ومنصباً حول ذاته. وعندما تزيد هذه الحالة، تسمى "الذاتوية" (ويشكو أهله من أنه يعيش في عالم خاص به، ومنسلخ، عاطفياً، عن كل ما حوله).
7. السلوك، وستجسد في قلة حركة المريض ونشاطه التلقائي وتفاعله مع البيئة من حوله. وقد يزيد ذلك إلى درجة، يبدو فيها غير متيقظ للبيئة من حوله، (كما في حالة الذهول الكتاتوني). وقد يتصلب في وضع معين، ويرفض المحاولات لتغيير هذا الوضع (كما في حالة التصلب الكتاتوني). وقد يصبح السلوك غير محكوم وغير هادف (كما في حالة الهياج الكتاتوني).
وقد يصاحب ذلك ملامح إكلينيكية أخرى، مثل: فقر التفكير أو التفكير السحري (اُنظر التفكير)، أو السلوك المتكرر، والقلق والاكتئاب، أو الغضب، أو اختلال الإنِّية[2] (Depersonalization)، واختلال إدراك البيئة(Derealization) من حوله، أو اضطرابات الذاكرة، أو عدم إدراك البيئة (Disorientation).
وعادة، يبدأ مرض الفصام في سن المراهقة، أو بداية الحياة الراشدة. وتشير الدراسات إلى أنه أكثر مباكرة إلى إصابة الرجال مبكراً منه إلى الإناث. ويلزم لتشخيص مرض الفصام، أن تستمر الصورة المرَضية لمدة ستة أشهر، وتشتمل على المرحلة الناشطة للأعراض الذهانية. وقد تشتمل على مرحلة منذرة(Prodromal)، أو مرحلة متبقية (Residual).
وتتميز المرحلة المنذرة (الممهدة) (Prodromal Stage)، بانهيار مستوى الأداء الوظيفي للشخص، والانسحاب الاجتماعي، وبعض السلوك الغريب (Bizarre Behaviour)، وإهمال الشخص لنظافته، وتبلده العاطفي، وغرابة الأفكار، ونقص المبادرة والاهتمامات. ويلاحظ التغير بواسطة الأهل والأصدقاء. ويتفاوت طول هذه المرحلة، ويصعب تحديد بدايتها بدِقة. ويُعَدّ التنبؤ سيئاً، خاصة عندما تكون غامضة البداية والتدهور تدريجي، على مدى سنوات عديدة.
وتتميز المرحلة الناشطة (Active Phase)، بالأعراض الذهانية : مثل الضلالات، والهلاوس، وفقدان الروابط بين الأفكار، وعدم اتّساق الأفكار، وفقر محتوى الكلام، والتفكير غير الواقعي، والسلوك المضطرب.
أما المرحلة المتبقية (Residual Phase)، فعادة، تتبع المرحلة الناشطة من المرض. وهي تشبه، إلى حدّ كبير، المرحلة المنذرة. إلا أن الجمود العاطفي، واضطراب الأداء الوظيفي، هما أكثر شيوعاً فيها منها في المرحلة المنذرة. وقد يظل فيها بعض الأعراض الذهانية، مثل الضلالات أو الهلاوس، ولكن من دون تأثير قوي.
المسار والتنبؤ بمصير جنون الفصام
يبدأ الفصام، غالباً، بأعراض ممهدة، ويتبعها ظهور الأعراض الأكثر وضوحاً، وهي الذهانية (وهذه هي المرحلة الناشطة)، وذلك خلال أيام، إذا كانت البداية حادّة، أو خلال أشهر قليلة، إذا كانت البداية متدرجة. وقد تكون البداية مسبوقة بعامل مرسب (Precipitating Factor) ( مثل الانتقال من مكان إلى آخر للعيش أو الدراسة، أو تعاطي عقار مخدر، أو فقدان أحد الأقارب، بالوفاة، أو مرض جسماني).
والمسار التقليدي لمرض الفصام، يتمثل في اشتدادات، تتبادل مع فترات من الهوادة، وأحياناً، يلاحظ الاكتئاب بعد كل نوبة. ويستمر التدهور في التزايد لعدة سنوات (خمس سنوات في المتوسط)، ثم يقف، وتقل شدة الأعراض الموجبة، وتظل الأعراض السالبة (مثل الجمود العاطفي، والعزلة الاجتماعية، ونقص الأداء الوظيفي، وضعف الإرادة). وهذا يجعل حياة المريض بلا هدف، ويتكرر تنويمه في المستشفيات. أما أن يعود الشخص إلى سابق عهده، من الأداء الوظيفي قبل المرض، فذلك يندر حدوثه.
وتوجد بعض العوامل، التي تنبئ بمصير حسن لمرض الفصام، منها:
عدم وجود اضطراب شخصية، قبل المرض. الإنجاز الوظيفي المناسب، في فترة ما قبل المرض. وجود عوامل مرسبة للمرض. البداية المفاجئة للمرض. البداية في منتصف العمر (البداية المتأخرة للمرض). وجود أعراض وجدانية (Mood) (خاصة تلك التي ظهرت في الاكتئاب). وجود أعراض كتاتونية وبارانوية. عدم استمرار مسار المرض (تراجعه لفترات، يتحسن فيها المريض). وجود تاريخ عائلي لاضطراب الوجدان. المريض المتزوج. يلقى مساندة اجتماعية مناسبة.
ويلاحظ أن عكس هذه الأشياء، ينبئ بمصير سيئ لمريض الفصام.
الإعاقة التي يحدثها جنون الفصام
نلاحظ من عرض الصورة الإكلينيكية، ومسار الفصام ومصيره، أنه عند مرحلة معينة من المرض، تصبح الإعاقة في عديد من الوظائف اليومية، مثل العمل، والعلاقات الاجتماعية، والعناية بالنفس. وقد يلزم الإشراف على حالة المريض الغذائية ونظافته، وحمايته من نتائج سوء تصرفه وضعف حكمه على الأمور، أو أفعاله الناتجة من ضلالات أو استجابة الهلاوس. وبين النوبات، يتفاوت احتياجه للرعاية، من إعاقة تستدعي رعاية في مصحة، إلى تحسّن، يجعله يعتمد على نفسه.
مضاعفات مرض الفصام
للفصام مضاعفات، منها:
الفشل الدراسي، على الرغم من أن المريض قد يتمتع بذكاء، متوسط أو فوق المتوسط. فشل المريض في عمله، أو ضعف مستوى أدائه، أو عدم قدرته على الاستمرار في العمل نفسه. الإقامة بالمستشفيات، لفترات طويلة من حياته. ارتكاب بعض جرائم العنف، المفرطة في الغرابة. قِصر حياة الفصاميين؛ إما لكثرة الانتحار بينهم، أو سوء التغذية، الذي ينشأ عنه الأمراض، أو لسوء الرعاية الطبية. وتجدر الإشارة إلى أن (50%) من مرضى الفصام، يحاولون الانتحار، وأن (10%) منهم ينهون حياتهم، فعلاً.
انتشار جنون الفصام
لوحظ أن معدل حدوث الفصام (وهو عدد الحالات الجديدة، التي تشخص فصاماً، في سنة ما) هو حالة واحدة في كل عشرة آلاف من عامة الناس. بينما معدل الانتشار (عدد كل حالات الفصام، التي شخصت خلال عام، سواء جديدة أو قديمة)، يراوح بين (2, 0 %) و (2%) من عامة الناس. وحدوث الفصام، يكون بين الخامسة عشرة والأربعين من العمر، مع ازدياد معدل الحدوث في أواخر العشرينيات من العمر. ونسبة انتشار الفصام في الذكور، هي نفسها بين الإناث. ويكثر بين غير المتزوجين، وآخر الأطفال ميلاداً في الأسرة. وينتشر بين كل الأجناس، ويكثر انتشاره في المدن الكبيرة المزدحمة، وبين الطبقات الاجتماعية الدنيا (الفقيرة)، ويزداد ظهور الفصام في بداية الصيف، وفي فصل الخريف.
ولوحظ أن انتشار الفصام، يزداد بين الأقارب، فيَصِل إلى عشرة أمثاله بين عامة الناس. فإذا كان أحد الوالدَين مصاباً بالفصام، فإن نسبة الانتشار بين الأبناء، تصل إلى (15%). أما إذا كان كِلا الوالدَين مصاباً به، فإن النسبة تصل إلى(40%). وفي حالة إصابة أحد الإخوة، تكون نسبة الانتشار بين بقية الإخوة (7 ـ 10%). أما في حالة التوائم، فإن النسبة أعلى من ذلك كثيراً، خاصة في حالات التوائم المتماثلة.
وتشير إحصائيات المستشفيات العقلية، إلى أن نسبة مرضى الفصام، تراوح بين 50 و60% من المرضى، الذين ينزلون فيها.
أسباب جنون الفصام
لقد حظيت دراسات أسباب الفصام بكمّ هائل من الدراسات. واعتادت الكتب التقليدية، أن تفرد لهذا المرض العديد من الصفحات. بيد أن كل ما تم أُنجز في هذا المجال، لا يعدو كونه نظريات فقط؛ ولم يعرف، حتى الآن، السبب الحقيقي للفصام. ولعل هناك من يسأل ما الداعي لذكر هذه الأسباب، إذا كانت نظريات فقط؟ والجواب هو أن هذا التراث من البحث العلمي، يعد خطوة على طريق الوصول إلى المعرفة الحقيقية للأسباب. ومهما كانت هذه الخطوات متناثرة، وبعضها مبتعداً عن الهدف، إلا أن الكثير منها اقترب من الهدف، خاصة الجوانب البيولوجية. وإليها يرجع الفضل في ما أنجز من نجاح، في علاج بعض أنواع الفصام. هاكم أهم تلك النظريات (أو العوامل)
1. العوامل الجينية (Genetic Factors)
من خلال الدراسات، التي تناولت أُسْرة الفصامي، لوحظ أن معدل انتشار المرض بين أفرادها، أكثر منه بين عامة الناس. ومن دراسات التوائم، لوحظ أن الانتشار بين التوائم المتماثلة، يصل إلى (47%)، وبين تلك غير المتماثلة (10-12%). وكشفت دراسات التبنّي (للأطفال الذين أخذوا من آبائهم الفصاميين، وربوا في أسرة غير فصامية)، أن معدل الانتشار بينهم، هو نفسه، كما لو ربوا مع آبائهم البيولوجيين. كما أن متابعة التوائم المتماثلة، الذين فُصِل بعضهم عن بعض، فنشأوا في أماكن متباعدة ـ كشفت عن معدل الانتشار نفسه، الناجم عن تنشئتهم معاً. واستخلص من ذلك أهمية العامل الجيني في حدوث مرض الفصام. وكشفت فَنِّيات البيولوجيا الجزيئية، أنه متعدد الجينات(Polygenetic inheritance)، وأن أكثر من نصف الكروموسومات، ترتبط بالفصام، ولكن أكثرها ارتباطاً هو الذراع الطويل للكروموسومات 5 و11 و18والقصيرة لكروموسمي 19وX. إلا أن عدم تطابق معدل الحدوث بين التوائم المتماثلة، يشير إلى أهمية العوامل غير الجينية أيضاً.
2. العوامل البيوكيماوية
وتعد من أكثر العوامل المسببة للفصام حظاً، في الدراسات، التي تناولت أسباب الفصام. وتقسم إلى:
أ. الناقلات العصبية.
ب. الإنزيمات.
ج. الأندورفين.
د. البروستاجلاندين.
هـ. الجلوتين.
و. المناعة.
ز. الفيروسات.
ح. المهلوسات والمواد شاذة المثيل.
ط. الجلوتامات.
أ. الناقلات العصبية
أشارت الدراسات إلى أن ازدياد أو نقص ناقلات عصبية معينة أو تغيرها، في المستقبلات، قبل المشبكية (Presynaptic)، أو بعدها (Postsynaptic)، أو وجود داخلية مولدة للذهان، يعطي أعراض الفصام. وهذه الناقلات العصبية هي:
(1) ازدياد نشاط الدوبامين (Dopamine)، إما لازدياد إنتاجه، أو تراكمه، بسبب نقص الإنزيم المؤكسد للأمينات الأحادية، أو زيادة نشاط ثانوي لنقص مثبطات الجابا (GABA)، أو لازدياد حساسية المستقبلات بعد المشبكية، أو ازدياد تخلق مستقبلات دوبامينية.
(2) زيادة نشاط النورأدرينالين (Noradrenaline)، يسبب حساسية تجاه المثيرات الداخلة إلى المخ، مما يجعلها تبدو كأعراض ذهانية.
(3) نقص عصبونات الجابا(GABA-Neurons)، وهي أساسا مثبطة، خاصة في منطقة نواة (Accumbens)، مع ازدياد الدوبامين في المنطقة نفسها، كما لوحظ أن مضادّات الذهان، تزيد من نشاط الجابا؛ وأن الديازيبام (Diazepam)، الذي يعد ذا مفعول محبذ لنشاط الجابا، له مفعول مضادّ للذهان، في بعض مرضى الفصام. ولكن بعض الباحثين، رأى أن نقص الجابا ثانوي، بالنسبة إلى الدوبامين والنورأدرينالين.
(4) نقص السيروتونين (Serotonin)، الدوبامين لوحظ أن مضادّات الذهان، تتحد بمستقبلات السيروتونين. ويقلّ مولد السيروتونين (التريبتوفان)، في حالات الفصام الحادّة، ويزداد مع التحسن الإكلينيكي. كما أن تعاطي الأمفيتامين، لمدة طويلة، يسبب نقص السيروتونين، وهذا يشير إلى أن لنقص السيروتونين دوراً في الفصام.
(5) زيادة الفينيل إيثيل أمين (Phenyl-ethylamine)، وهو ليس ناقل عصبي حقيقي؛ ولكنه يشبه الأمفيتامين، في تركيبه ومفعوله، إذا وجد زائداً في البول والدم والسائل المخي الشوكي. ولوحظ أعلى تركيز له في الجهاز الطرفي الحشوي، خاصة في حالات الفصام البارانوي المزمن. ولكنه وجد زائداً أيضاً في مرض الهوس، مما يشير إلى أنه يسبب قابلية داخلية للذهان، أكثر من كونه عاملاً محدداً في مرض الفصام.
ب. الإنزيمات
لوحظت علاقة بين بعض الإنزيمات والأعراض الذهانية تتضح في:
(1) الإنزيم المؤكسد للأمينات الأحادية (MAO) : وهذا الإنزيم، يعد الطريق الأساسي لهدم الناقلات العصبية (خاصة النورأدرينالين والدوبامين والسيروتونين)، التي افترض أن لها دوراً في إحداث الذهان؛ إذ إن نقص نشاط هذا الإنزيم، يسبب ازدياد الناقلات العصبية، نسبتها أو ازدياد فاعليتها. ولما كان نشاط الإنزيم(MAO) في الصفائح الدموية نموذجاً لنشاطه في المخ، فإن نقصه فيها، لدى مرضى الفصام، بالمقارنة بالمجموعة الضابطة، عُدَّ دليلاً على ارتباطه بمرض الفصام. كما أنه لوحظ ارتباط بين انخفاض نشاط الإنزيم في الصفائح الدموية والهلاوس السمعية والضلالات والفصام الاضطهادي بصفة خاصة؛ ولكنه لوحظ في أمراض عقلية أخرى، منها الاضطراب ثنائي القطبية والكحولية.
(2) إنزيم الدوبامين بيتاهيدروكسيلاز (Dopamine Betahydroxylase) : وهو إنزيم يساعد على تحوّل الدوبامين إلى نورأدرينالين في الخلايا النورأدرينالية. والعوامل التي تثبطه، تسبب تراكماً للدوبامين، الذي يزيد من الذهان، في مرض الفصام والهوس.
(3) إنزيم الكاتيكول أو ميثيل ترانزفراز(Catchol-O-methyl transferase): له دور مهم في تمثيل الكاتيكولامينات. واتهم بتورطه في إنتاج مواد شاذة المثيل. ولكن لا توجد أدلة ثابتة، تؤكد ازدياد هذا الإنزيم أو نقصه، في مرض الفصام. وافتُرض أن نقصه، يولّد عنه مواد، تشبه الهارمين (Harmine)، المحدثة للهلاوس، بدلاً من الميلاتونين (Melatonin)، ومن ثم تزيد الخلايا الصبغية في الجلد.
(4) إنزيم الكرياتين فوسفوكيناز: (Creatine phosphokinase): وجد زائداً لدى مرضى الفصام، ومرضى الذهان الوجداني، المتوفين حديثا في المستشفيات. كما لوحظ شذوذات، تشريحية وفسيولوجية، في نهايات الأعصاب الحركية للعضلات الإرادية، في بعض مرضى الذهان. وقد يكون هذا ناتجاً من شذوذ الناقلات العصبية المركزية، أو عدوى فيروسية.
ج. الأندورفين (Endorphins)
وهي مجموعة من البيبتيدات (Peptides)، التي تشبه الأفيون، وتوجد طبيعياً في المخ. إذ تعرف بعض الدراسات نوعاً من الأندورفينات (جاما)، لها نشاط يشبه مضادّات الذهان؛ وعلاج بعض مرضى الفصام بها، أعطى بعض التحسن. ومن المحتمل، أن يكون لمستقبلات الأفيون دور في تنظيم تخليق الدوبامين والسيروتونين وإفرازهما، إلا أن الأدلة على دور الأندورفينات، في مرضى الفصام، ما زالت غير كافية.
د. البروستاجلاندين (Prostaglandines)
وهي مجموعات الأحماض الدهنية الضرورية، ومن بينها بروستاجلاندين (E)، الذي يقلل إفراز الكاتيكولامين. ولوحظ أن مضادّات الذهان، تثبط إفراز البروستاجلاندين، بينما تزيد الكاتيكولامينات من إفرازه. ولكن مضادّاته، ليس لها تأثير في أعراض الفصام، كما لوحظ أن البروستاجلاندين (E)، هو مثبط، في حالة نقص الأحماض الدهنية الضرورية، خاصة حمض اللينوليك؛ وأن تحسناً في بعض مرضى الاضطراب فصامي الشكل، نتج من العلاج بزيت بذور الكتان، التي يزيد فيها أحماض اللينوليك واللينولينك.
هـ. الجلوتين (Glutin)
وهو مادة بروتينية، توجد في دقيق القمح، وعُدَّت عاملاً مسبباً للفصام. إذ لوحظ أن هذا المرض، قد ازداد باستهلاك القمح، في الحرب العالمية الثانية، وازدياد معدل حدوث مرض السلياك (Celiac) بين مرضى الفصام. كما لوحظ ازدياد معدل حدوث الذهان، بين مرضى السلياك. وطرأ تحسّن على مرضى الفصام، الذين خلا غذاؤهم من الجلوتين واللبن، بحسب دراسة منهجية؛ ولكن الدراسات الأخرى، لم تؤكد ذلك.
و. المناعة
اقترح أن يعد الفصام أحد أمراض المناعة الذاتية (autoimmune)، الناشئة عن وجود أجسام مضادّة في دم الفصاميين، وكأن المستضد (antigen) هو أنسجة المخ. وينتج من ذلك نفاذية الجدار الخلوي، أو تحطيم الخلية، أو وجود مستعمرات من الخلايا اللمفية (Lymphatic cells) ، الشديدة الحساسية. إذ لوحظ أن معدل الأجسام المضادّة للدماغ، بين الأسوياء، وهو (3.5%) بينما يصل إلى (20.6%)، بين أقارب الفصاميين من الدرجة الأولى.
ز. الفيروسات (Viruses)
افتُرض أن مرض الفصام، ينشأ عن عدوى فيروسية، بطيئة المفعول، في أشخاص مهيئين جينيا. وبُرهن على ذلك بوجود أجسام مضادّة للفيروس، وجدت في الدماغ والسائل الشوكي المخي لبعض مرضى الفصام. كما أن التهاب المخ بفيروس الهربس (Herpes Simplex)، يسبب لزمة مرَضية، تشبه الفصام.
ح. المهلوسات والمواد شاذّة المثيل
لوحظ أن المسكالين (Mescaline)، الذي هو مادة محدثة للهلاوس، يشبه، في تركيبه، شكلاً مثيلياً من النورأدرينالين. وهذا أدى إلى اقتراح أن مواد شاذة المثيل، تنتج داخلياً، وتعد مواد مهلوسة. كما أن إعطاء مادة مطلقة لمجموعة الميثيل، مثل المثيونين أو البيتان (Betaine) ، يسبب تفاقم أعراض الفصام. إلا أن تتبع هذه المركبات، لم يؤكد الاختلاف في كميتها المثيلية، بين الفصاميين والأسوياء.
ز. الجلوتامات (Glutamate)
هو حمض أميني، وناقل عصبي منشط. قررت بعض الدراسات أن له دوراً في الأسُس البيولوجية للفصام.
3. العوامل النيوروفسيولوجية (Neurophysiological)
لقد أوحى التشابه في الأعراض، بين بعض آفات الدماغ البؤرية والفصام، بافتراض أن الفصام آفة في الدماغ. وأكد ذلك بوجود شذوذات في تخطيط الدماغ (EEG)، لدى مرضى الفصام، أكثر منها لدى عامة الناس. وكشف تحليل موجات التخطيط الكهربائي للدماغ، باستخدام الكومبيوتر، عن زيادة في موجات دلتا البطيئة، وموجات بيتا السريعة، مع نقص في موجات الألفا. ولوحظ أن هذا التغير يشبه ما يحدث للبالغين، عند تعاطيهم عقار (ال - إس - دي) (LSD) المحدث للهلاوس. كما لوحظ أن هذا النمط من زيادة موجات البيتا، ونقص موجات الألفا، يحدث في المجموعة الضابطة من الأسوياء، عند الإثارة الحسية، أو عند تنفيذ مهام عقلية. وذلك يشير إلى أن الفصاميين يكونون في حالة مزمنة من إزدياد اليقظة، التي قد تعني نقص ترشيح المداخل الحسية وتكاملها.
أمّا طريقة رسم خريطة للنشاط الكهربائي للمخ (Brain Mapping)، التي تظهر خرائط ملونة من تخطيط الدماغ مع بيانات الجهد الكهربي المستثار(Evoked Potential)، فقد كشفت عن زيادة على الجانبَين، من نشاط دلتا، خاصة في المناطق الجبهية، وزيادة نشاط بيتا، خاصة في المنطقة الصدغية الجدارية اليسرى، في مرضى الفصام، المقارنة بالمجموعة الضابطة من الأسوياء.
ونظراً إلى ارتباط الجهاز الطرفي (Limbic System)، بالانفعالات، افتُرض أنه يتأثر بالفصام. كما بنيت مشاهدات الفحص، بعد الوفاة، لمرضى الفصام، نقصاً في حجم اللوزة والحصين والبروز المتاخم له (Amygdala, Hippocampus, Parahippocampal Gyrus) ؛ وتأيدت هذه المشاهدات بالرنين المغناطيسي (MRI) للفصاميين الأحياء.
ومن المحتمل أن تكون النوى القاعدية (Basal Ganglia) مصابة لدى مرضى الفصام وذلك للملاحظات الآتية:
أ. غرابة حركات، ومشي، وحركات وجه مريض الفصام.
ب. تشابه اضطراب الحركة الملاحظ في مرضى الفصام مع اضطراب الحركة المصاحب لمرض هنتنجتون Huntington's، وهو مرض يصيب النوى القاعدية.
ج. كشفت بعض الدراسات عن نقص في حجم النوى القاعدية خاصة (Globus Pallidus & Substantia Nigra) وزيادة عدد مستقبلات (D2)، في (Caudate & Putamen)، لدى مرضى الفصام، إلا أنه لم يعرف ما إذا كانت زيادة تلك المستقبلات ثانوية لمضادّات الذهان، أم لا. وحالياً، يدرس دور السيروتوتين في النوى القاعدية، في مضادات الذهان غير النمطية، والمفيدة في أعراض الذهان، مثل (Clozapine, Resperidone).
4. العوامل النيوروباثولوجية (Neuropathological)
كشفت الدراسات (بحقن الهواء في الدماغ، أو بتصوير الدماغ المقطعي، باستخدام الكومبيوتر -CAT) عن ضمور في الدماغ، يؤدي إلى اتساع بُطيناته، خاصة البطين الثالث. ولوحظ أن هناك ارتباطاً بين اتساع البُطينات والأعراض المزمنة لمرضى الفصام، والتي لا تتحسن بالعلاج؛ وأن بطينات الدماغ، تكون طبيعية، في الحالات الحادة من الفصام، وهي التي تتحسن بالعلاج. ولوحظ عديد من الشذوذات العصبية الطفيفة، غير محددة الموضع، في (60 - 70%) من مرضى الفصام، ينتج منها علامات عصبية دقيقة (Fine Neurological Sign)، مثل قصور في التعرف اللمسي (Tactile Identification) والتحكم الحركي، والاتزان والمشية أوالرعشة؛ ووجدت علاقة بين هذه العلامات واضطراب التفكير.
ومن بين الملاحظات النيوروباثولوجية، اتساع أخاديد قشرة المخ (Cortical Sulci)، الذي يوحي بضمور القشرة المخية (Cortical Cerebral Atrophy)، الذي لوحظ في بعض مرضى صغار السن، وفي بدايات المرض، مما يؤكد أنه ليس ثانوياً للعقاقير التي أعطيت. ووجدت علاقة موجبة بين كلٍّ من اتساع البُطينات وضمور قشرة المخ، وبين العلامات العصبية الدقيقة، وضعف الشخصية قبل المرض، والأعراض الفصامية السالبة. واستجابة هؤلاء المرضى لمضادات الذهان ضئيلة جداً، ومصيرهم عدم التحسن.
ولاحظت الدراسات المجهرية زيادة التليف في الخلايا العصبية (Gliosis)، في منطقتَي الدماغ، الأوسط (Midbrain) وتحت المهاد (Hypothalamus)، بنسبة تصل إلى (70%) من الفصاميين المزمنين، الذين تبرز في صورهم الإكلينيكية الأعراض السالبة، (عادة، ينجم التليف عن استجابة لتلف عصبوني)، ويحدث بكثرة في المناطق القاعدية الجبهية من الدماغ. وهي متفقة مع ملاحظة اتساع البُطينات في نسبة معينة من مرضى الفصام. وهذا التلف العصبوني، يؤكد القول أن الفصام ناتج من عدوى فيروسية، في بعض أنواعه.
وهذه المشاهدات، تؤكد مفهوم أن الفصام، في بعض أنواعه، يعد مرضاً في الدماغ، خاصة تلك الأنواع التي لها أعراض سالبة، واستجابة ضئيلة للعلاج. ومصيره عدم التحسن.
5. العوامل النفسية
ويمكن تلخيصها في ما يلي:
أ. نقص ترشيح المثيرات الحسية : يصف بعض الفصاميين خبرة ذاتية، مكتسبة من تغير الإدراك؛ إذ يواجهون بفيض من المثيرات، في الحالات الحادّة، تسبب تشتتهم. ويفسر الانسحاب والتصلب الكتاتوني (Catatonic Rigidity)، أنهما محاولتان لتقليل فيض المثيرات. كما تفسر الضلالات، أنها إعادة لتنظيم هذه المثيرات المضللة، التي لا يمكن فهْمها في ضوء العلاقة بالواقع. ومن ثَم، استنتج أنه لدى الفصاميين نقص في ترشيح المثيرات الحسية، أو اختلال وظيفة المداخل الحسية؛ مما يسبب حملاً زائداً من المثيرات، ينشأ عنه ازدياد اليقظة.
ب. الصراع (Conflict): أكد (فرويد) أن الذهان، يشبه العصاب في وجود الصراع اللاشعوري؛ ولكن فيه انهيار الدفاعات (Defences) في مواجهة النزعات (instincts). وينكص الفصامي (Regression) إلى مراحل مبكرة من النمو النفسي.
ج. ضعف الأنا (Ego): وقد يكون فطرياً أو مكتسباً، نتيجة لنقص الأمومة. وينشأ عنه نقص التمييز بين النفس والموضوع، ونقص تناغم الوظائف النفسية وتكاملها، وبدائية الدفاعات والصراع المتولد حول العدوان؛ مما يؤدي إلى نقص المقاومة لكل أنواع الضغوط، وفقْد العلاقة بالواقع.
د. اضطراب العلاقة بالآخرين: ويعود إلى مراحل نمو الطفل الأولى، التي تتسم بانعدام الثقة بالآخرين، والحساسية الشديدة تجاه رفضهم إياه؛ الأمر الذي يجعله هشاً يميل إلى الانسحاب والذاتوية، كحيل للمحافظة على أمانه الداخلي، وتقديره لذاته، وتجنّبه القلق. وهذا يفصله عن الواقع أكثر، ويزيد من رفض الآخرين إياه، فيزداد إحباطه، أكثر ويتهدد تقديره لذاته أكثر.
هـ. اختلال العلاقة الباكرة بالموضوع : رأت (ميلاني كلاين)، أن الأشهر الأولى من حياة الطفل، وما ينشأ خلالها من مشاعر، موجبة أو سالبة، تجاه النفس والآخرين ـ هي أساس الموقف البارانوي الفصامي، وتكوين دفاعات مرَضية تظل إلى الحياة البالغة. بينما ركز (فيربيرن) في انشقاقات الأنا (Ego Dissociations)، التي تتداخل مع وظائفه التكيفية وتكامله واختباره للواقع. وهذه، مع العلاقات غير الناضجة للموضوع، تمنع الانتقال من الاعتمادية الفمية إلى الاعتمادية الناضجة، المبنية على التمييز بين النفس والآخر. وأكد (وينكوت)، أن تكامل الأنا المنفصل، يتبلور في إحساس ثابت بالنفس؛ وأن الأم الطيبة تنمي نفساً حقيقية، بينما تنمي الأم غير الطيبة نفساً زائفة، تتحطم في الذهان.
6. العوامل البيئية
وتتمثل في التفاعل الأُسري، وعلاقة الوالدَين بالطفل:
أ. الرابطة المزدوجة في التعامل مع الأطفال: تتمثل في أن يصدر أحد الوالدَين أمراً إلى الطفل، ويقصد عكسه، فيَصِل الأمران معاً (افعل ولا تفعل) إلى إدراك الطفل، فيربكه، خاصة إذا عوقب على أي منهما (الفعل أو عدم الفعل). وهذا يعكس عدم وضوح التفكير المنقول إليه من العالم الخارجي. وهذه النظرية وضعها (باترسون)، عام 1956.
ب. سيطرة أحد الوالدَين، وانعزال الآخر وضعفه: وهذا هو مفهوم (Skew) ، مع الطلاق العاطفي بين الوالدين، وهذا هو مفهوم (Schism)؛ الأمر الذي ينشأ عنه تشوّه في هوية الأطفال، مما يهيئهم لمرض الفصام. وهذه نظرية (ليدز)، عام 1965.
ج. التفكير المختل في عائلات الفصاميين وهو مع التهيئة الوراثية، يؤديان معا دوراً مشتركاً في إحداث الفصام. إذ لوحظ اضطراب التفكير في (45%) من آباء الفصاميين، المقارنة بنسة (19%) من آباء غير الفصاميين. ويشبه هذا بوضع برامج خاطئة (مختلة) في كومبيوتر، هو أصلا معيب. وهذه نظرية (واين وسنجر).
د. التعرض لكرب (Stress) : إدراك الشخص لموقف الكرب، واستشعاره الخطر المصاحب بإفراز وفرة من الأدرينالين، يحدثان خطأ بيوكيماوياً، ينتج مواد سامة، مولدة للذهان. وهذا يزيد من الشعور بالكرب، وما يتبعه من استشعار الخطر فازدياد الخطأ البيوكيماوي. ويظل الفصامي في دائرة مفرغة من الكرب والمرض.
علاج جنون الفصام
نظراً إلى أن مرض الفصام، يعد، في نسبة كبيرة منه، مرضاً مزمناً؛ إذ يمثل (50-70%) من المرضى، الذين تطول إقامتهم بالمستشفيات العقلية. وغالباً، لا يعود الشخص إلى سابق عهده، من الإنجاز والأداء الوظيفي؛ مما يجعل مبدأ (الوقاية خير من العلاج) مهماً جداً، إضافة إلى علاج الحالات المرَضية ما أمكن ذلك.
1. العلاج الوقائي: دون زواج الفصامي، ما أمكن. كان لا بدّ منه، فلتكن زوجته غير فصامية، وألاّ ينجب إلاّ طفلاً واحداً؛ لأن التهيئة الوراثية للمرض، تنتقل إلى الأبناء، بنسبة (15%-40%). كما ينصح بعدم الزواج من أقاربه.
2. العلاج للحالات المرَضية: إن الاختلال، الذي يصيب العديد من الوظائف النفسية، في مرض الفصام، يتطلب عدة مداخل علاجية، تسهم معاً في الأخذ بيد المريض إلى الشفاء أو التحسن. وهذه المداخل هي:
أ. العلاج الكيمياوي: ويشمل، حالياً، العلاج بمضادّات الذهان(Antipsychotics) (أو مضادّات الفصام) أساساً، وهي مجموعة المطمئنات العظمى (Major Tranquilizers) ، ومن أمثلتها عقار (الترايفلوبرازين) (Trifluperazine)، الذي يعرف، تجارياً باسم الستلازين أو استلازيل (Stellasil)، وعقار الهالوبيريدول (Halloperidol) الذي يعرف تجاريا باسم السافيناز أو السريناز (Serenace).
وهناك مضـادّات الذهان غير النمطية : مثل رسبريدون (Resperidone) ، الذي يعمل كمضادّ لنشاط السيروتونين والدوبامين معاً، ويخفف الأعراض، السالبة والموجبة. ولوحظ أيضاً، أن إعطاء مضادّات الذهان غير النمطية، ذو تأثير ملحوظ في نشاط السيروتونين؛ إذ إنها تضادّ مفعوله، عند مستقبلاته، وتقلل الأعراض الذهانية، مثل (Clozapine, Resperidone, Ritanserin). وقد أشارت بعض الدراسات، إلى أنه كما يتورط السيروتونين في اضطرابات الوجدان، في إحداث السلوك الانتحاري والاندفاعي، فإنه أيضاً متورط في الفصام حيث تلاحظ السلوكيات نفسها.
مضادات التشنج: التي لوحظ أنها تقلل من نوبات العنف، في بعض مرضى الفصام؛ ولكنها لا تعالج الأعراض الذهانية.
العلاج بالنوبات المحدثة كهربائياً: ويستخدم في بداية الفصام، أو في الحالات الحادّة، أو المصاحبة بأعراض تصلبية (كتاتونية)، أو في حالات الخمول والتبلّد، أو حالات الفصام، المصاحبة بأعراض اضطراب وجداني. وأحياناً، يكون مبرر إعطائه، هو تقليل جرعة مضادّات الذهان، اللازمة للسيطرة على الأعراض الذهانية.
ب. العلاج النفسي
(1) العلاج النفسي الفردي
ويهدف إلى تدعيم المريض، من خلال العلاقة العلاجية، التي قد يصعب تكوينها، بسبب شكه وقلقه وعدم راحته للألفة الحميمة، وخوفه من نزعاته التدميرية. ولكي يتغلب المعالج على ذلك، يجب أن يكون نشيطاً، مهتما، وصادقاً، ومتعاطفاً. والفهم الدينامي، يمكن أن يقلل من قلق المريض، ويجعله يتخلص من ضلالاته، ويشجعه على التعامل مع الحياة الواقعية من حوله. ويمكن أن يعمل المعالج كأنا مساعد (Auxiliary Ego) للمريض، بهدف مساعدة المريض على تعرّف الحياة الواقعية والمشاكل اليومية والتعامل معها.
ونادراً ما يمكن عمل علاج نفسي عميق، في حالات الفصام، لأنه يستلزم مريضاً مناسباً؛ إذ إنه يعتمد على قوة الأنا لدى المريض، إلى الحد الذي يمكّنه من تحمّل انفعالاته العنيفة، والتحكم في نزعاته، والتمييز بين نواحي الطرح في العلاقة العلاجية. فمن خلال الفهْم التدريجي لأعراضه الذهانية ومعناها، ومواجهة مخاوفه وصراعاته تجاه الجنس، والعدوان، وتحمّل صراعاته، الداخلية والخارجية، من دون نكوص لدفاعات ذهانية ـ يحقق إحساساً ثابتاً بالنفس، وقدرة على التآلف والتوافق النفسي، بحل الصراعات النفسية (أو قبولها)، وتقبّل العالَم، والتكيّف معه.
وتعد العلاقة العلاجية النفسية، هي المدخل إلى كل الطرائق العلاجية المختلفة، سواء كانت جسمانية أو اجتماعية أو نفسية.
(2) العلاج النفسي الجماعي
ويتحقق بوضع المريض ضمن مجموعة من المرضى، في وجود المعالج ومساعده، حيث تنمى المهارات الاجتماعية والتفاعل مع الآخرين، مع إعطاء التدعيم والمساندة من المجموعة للمريض. وقد يأخذ صورة ممارسة أنشطة جماعية.
(3) الجو العلاجي
يوضع المريض في جو علاجي مُعَدّ مسبقاً، بواسطة فريق العلاج الذي يستطيع، من خلال المشاركة المبدئية، مساعدة المريض على ضبط نزعاته، واختبار الواقع، وتقليل القلق والإثارة البيئية، مع مساعدته على العناية بنظافته ورعاية نفسه. كما يشجع الفريق العلاجي المريض على الاندماج في المجموعة والتفاعل مع المرضى الآخرين، مع السماح ببعض الخصوصيات للمريض.
ج. العلاج الاجتماعي
ويشمل جانبَي الأُسرة والعمل.
(1) علاج الأُسرة
ويكون بشرح حالة المريض للأُسرة، ومساعدتها على تقّبل مشاكله. وقد يلزم إجراء بعض التغيير في سلوكياتها وتقليل الانتكاس لحالة المريض؛ إذ إن لوحظ أن العداء، وكثرة الانتقاد الموجه إلى لمريض، أو الانغماس معه في أعراضه الذهانية، تزيد من معدل انتكاسه وهذه المؤشرات الثلاثة (العداء والانتقاد والانغماس)، تصف الجو الانفعالي في الأُسرة، والذي كلما ازداد، كان سبباً لانتكاس المريض.
(2) العلاج المهني
ويتمثل في استمرار المريض في عمله، ما أمكن؛ أو إيجاد عمل مناسب له، إذا أصبح غير قادر على أداء وظيفته السابقة. وقد يكون ذلك داخل المستشفى، بعد تحسّنه كعلاج بالعمل؛ ولكن يفضَّل إخراجه، وإلحاقه بعمل مناسب.
مكان العلاج
أما مكان العلاج، فهل يكون داخل المستشفى أو خارجه؟ وما هي دواعي إدخال المريض الفصامي مستشفى أمراض عقلية؟ يلاحظ أن أُسرة المريض، خاصة في المجتمع المترابط، هي الأكثر حرصاً عليه وعلى رعايته، وحسب توجيهات الطبيب المعالج. ولذا، يفضَّل علاج المريض ضمن أُسرته، لربطه بالواقع، وعدم عزله عن حياته العادية، خاصة إذا كان جو الأسرة الانفعالي مناسباً، وضغوطها النفسية ضئيلة. ولكنْ، هناك دواعٍ لإدخال المريض المستشفى، وهي:
ملاحظة المرض وتشخيصه، وإجراء الاستقصاءات، النفسية والاجتماعية والجسمانية، اللازمة. حماية المريض أو المحيطين به من نزعاته العدوانية التي لا يمكن ضبطها خارج المستشفى. إبعاده عن الضغوط، الأُسرية أو البيئية، التي قد تسهم في تدهور حالته. رفض المريض العلاج، وعدم استطاعة الأهل تنفيذ البرنامج العلاجي.
استمرارية العلاج
في حالة تحسّن مريض الفصام، تقلّل الجرعة إلى النصف أو الثلثَين من الجرعة المعطاة في المرحلة الناشطة. ويراعى أن يستمر علاج الفصام لمدة عام، من تحسّن المريض وخروجه من المستشفى، مع متابعته وتقييمه، في نهاية هذه المدة، وتقليل الجرعة، أو إيقاف العقاقير. ويفضَّل أن يكون ذلك بمضادات الذهان طويلة المفعول، التي تعطى حقناً في العضل.
[1] الضلال المتحوصل: هو الضلال الذي استطاع المريض أن يغلقه بداخله ويعزله عن تصرفاته وسلوكه.
[2] اختلال الإنِّية: يشعر فيها الشخص أنه ليس هو أو كأنه في حلم أو كأنه ينظر إلى نفسه من بعيد.
يتبع ..... |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:37 pm | |
| الحُب
مقدمة
الحب Love كلمة رقيقة تصف المشاعر الكامنة للكائنات، وتعبر عن ميل تجاه شخص (أو شيء)، وهذا الميل، غالباً، ما يكون مرتبطاً برغبة الاقتراب منه. ويصفونه بأنه سر غامض، في محاولة لإضفاء قدسية عليه، أو لعدم كشف أغوار النفس وفضحها، وما يكمن خلف الحب، لأن ذلك يجرد الحب من الهالة الضخمة، التي نسجت حوله على مر القرون والأزمان. فمن لديه الشجاعة أن يعلن لمن يرتبط بها أن الحب وهم كبير، وأن ما يشعر به تجاهها، وما تشعر به تجاهه، إنما هو وهم صنعاه وعاشا فيه معاً؟! ومن لديه الشجاعة أن يقول لأمه إنها تحبه بدافع من أنانيتها، لأنه امتداد لها؟! ومن لديه الشجاعة أن يعلن ذلك، كتفسير لكل علاقات الحب المُدّعاة من قبله أو من قبل الآخرين؟!
طبيعة الحب، ورحلته مع الإنسان
ولكي نفهم طبيعة الحب، علينا أن نتتبع رحلته مع الإنسان منذ مولده، لنرى هل هو فطرة خلقت بداخلنا؟ أو أنه وهم نعيشه؟ أو هو شعور داخلنا نسقطه على الآخرين؟ أو أننا اخترعناه لكسر حدة الشعور بالوحدة؟
بداية، بعد أن يولد الطفل، لا يدرك من حوله، لذا، فهو لا يشعر إلاّ بنفسه، وبحاجته هو، من دون غيره. فعندما يشعر بالجوع، يبكي ويظل كذلك من دون مراعاة لمن حوله، إلى أن تأتي أمه، فتطعمه، فيهدأ. ويتكرر الشيء نفسه عندما يشعر بالخوف، إذ تأتي الأم لتهدئته.
ونلاحظ من ذلك، أن كل حبّه يتوجه إلى نفسه، وارتباطه بالأم الذي يبرز بعد فترة من ولادته، إنما هو ارتباط بمن يشبع له حاجاته. والدليل على ذلك، أنه لو ولدته أم وأعطته لأخرى تعنى به، فإنه سيرتبط بمن اعتنت به وأشبعت حاجاته. إنه حبٌّ من أجل نفسـه، وحفاظٌ على بقائه. وهذه الظاهرة يسميها علماء النفس "النرجسية الأولية"، أي حب الذات الأولى (Primary Narcissism)، وهو غريزي من أجل البقاء، ويظل الطفل على هذه الحال، من حبه لنفسه فقط، إلى أن يدرك أن هناك آخرون، هم أمه وأبوه وأخوته، ولكنه يظل على أنانيته، فيرغب أن يكون كل شيء له وحده، كل اللعب وكل الحلوى. فإذا أحضر له والده قطعة من الحلوى، فإنه يرفض إعطاء أخيه جزءاً منها، وهنا تتدخل الأم، في محاولة لجعله يتنازل عن جزء من حلوته مقابل حبها له وحب أخيه، وأنها ستحضر له حلوى، مرة أخرى، إذا أعطى أخيه جزءاً الآن. فيتنازل الصغير عن جزء من الحلوى، أي أنه يتنازل عن جزء من حبِّه لنفسه، يعطيه للآخرين، كي يأخذ من الآخر مقـابلاً لهذا الحب. هذا المقابل قد يكون مادياً، كإحضار حلوى له مرة أخرى، أو معنوياً، يتمثل في رضاء الأم وحبِّها له. وهكذا يحوز الطفل القبول الاجتماعي، داخل الأسرة وخارجها، بتنازله عن جزء من حبِّه لنفسه، وهو ما نسميه "النرجسية الثانوية" (Secondary Narcissism)، وتعني حب النفس من خلال الحصول على الحبِّ من الآخرين.
وعندما يشب الطفل، يكون البلوغ، إذ تُفرز الهرمونات الجنسية، فتحرك شهوته وميوله تجاه الجنس الآخر (Heterosexual Inclination) لكنه يتعلم من المجتمع، أن الميول الجنسية شيء مخجل، ولا يُقبل التعبير عنه بشكل مباشر، وإنما المقبول هو الحب الذي يتغنى به الناس، ويعبر عن الميول نفسها. فيستخدم كلمة الحب للتعبير عن ميوله وغرائزه، التي تحركت بعد البلوغ، والعجيب أن تلك المشاعر أحياناً تكون موجهة نحو بنت الجيران، التي كان يلعب معها، قبل البلوغ، ولم تكن سوى رفيقة لعب، وكثيراً ما كان يضربها، أي أن الذي غير موقفه، هو هرمون الذكورة الجنسي (Testosterone)، ولو أعطى، فرضاً، هرمونات أنثوية (Estrogen & Progesterone)، لأحب ابن الجيران بدلاً من بنت الجيران.
ونلاحظ، من خلال عرضنا لرحلة الحب مع الطفل والمراهق، ما يلي:
الأساس أن الطفل يحب نفسه. يتعلم الطفل أن يتنازل عن جزء من حبه لنفسه، يوجهه للآخر، كي يأخذ من الآخر مقابلاً لهذا الحب، سواء كان المقابل مادياً أو معنوياً. يعبر المراهق عن رغبته الجنسية بكلمة الحب.
ومن هذه الملاحظات الثلاث، نخلص إلى أن الحب إنما هو حب النفس في المقام الأول، ويحب الشخص آخر كي يحصل على مقابل لهذا الحب، هذا المقابل هو الإشباع المادي أو المعنوي. والأدلة على ذلك ليست قليلة منها:
ما يتردد في أقوال الناس، كثيراً، وفي صراحة ووضوح، (أحبك قوي قوي، أكثر من نفسي لا). قد يختفي الحب، أو تقل حدّته، بعد تحقق الإشباع، مثل الإشباع الجنسي، الذي يتحقق بعد الزواج، فتنطفئ جذوة الحب المتقدة، ويحل الفتور بعد الشوق والهيام، بل أحياناً يصل الأمر إلى الملل والطلاق. عند اكتشاف المحب خيانة محبوبه، ينقلب هذا الحب إلى عداء قد يصل، أحياناً، إلى درجة القتل أو التشويه. عندما يختلف الحبيبان، لسبب ما، فإن كل منهما يتعصب لرأيه، ويتعاطف مع نفسه، وينحاز إليها، أكثر من تعاطفه مع الطرف الآخر. في حالات الفراق، واختفاء المحبوب، من دون أمل في عودته، يكون النسيان وإحلال البديل.
ولكن ما هي دوافع الحب المعنوية؟
إنها الحاجات النفسية (Psychological Needs)، التي يرغب الشخص في إشباعها، سواء كان واعياً بها، أي في مستوى عقله الظاهر، أو غير واعٍ بها، على مستوى عقله الباطن. وأشهر الدوافع النفسية للحب، هي حب فتاة لرجل في سن أبيها، كبديل للأب، أو حب فتى لامرأة في سن أمه، أو أكبر منه بعدة سنوات، كبديل للأم. إنها الــرغبة في أن يظل كل منهما مستشعراً لحنان الأب، أو الأم، في مقابل طفولته. ولو فُرض أن الأكبر تحمل طفولة الأصغر، فإن الأصغر قد ينضج ويصبح في غير حاجة لحنان أب أو أم، وهنا يثور ويبحث عن آخر يكون نداً له.
ومن بين الحاجات النفسية فارس الأحلام أو فتاة الأحلام، التي يحلم بها المراهق (أو المراهقة)، وعندما تجد هذا الفارس، فإنها تهيم به حباً من أول نظرة له، ويطلق البعض عليه الحب من أول نظرة. ولقد تكونت صورة فارس الأحلام في عقل الفتاة عبر سنوات حياتها السابقة، بدءاً من الطفولة، عندما كانت تمر بمواقف أو أحداث تجعلها تميل لملامح معينة في الشكل والشخصية. فالطفل عندما يلقى معاملة طيبة من شخص، فإنه يطمئن إلى هذا الشخص، وترتبط ملامح هذا الشخص في ذهنه بالمعاملة الطيبة، وتظل تتجمع في ذهن الفتاة ملامح كل من تطمئن إليهم، حتى تتكون في النهاية لديها صورة مفضلة، لشخص يبعث في نفسها الإحساس بالأمان والثقة، وتود الارتباط به. وهذه الصورة قد تكون واضحة في ذهن الفتاة، وقد تكون غير مكتملة الوضوح، والشيء نفسه يحدث للفتى فيما يتعلق بفتاة أحلامه.
كما نلاحظ حباً مبنياً على خبرات سابقة ليست خاصة بالشخص نفسه، بل مضافاً إليها خيال المراهقة وأحلام اليقظة. وما بُني على الخيال، فقط، لا يصلح أساساً للواقع، فقد يكون من طرف واحد، ومن خيال أحد الطرفين، دون الآخر. وإذا كان من الطرفين، فإنه خيال مراهقة، ويفترض كل منهما أن يجد في الآخر المواصفات التي تخيلها، وهذا نادراً ما يتحقق. لذلك، غالباً ما يُصدم كل منهما في الآخر، وسرعان ما يموت الحب، الذي كان متوهماً، لأن كل منهما يحب تحقق الصورة التي في داخله عن شخص الآخر، وإذا لم تتحقق، يكون الإحباط، الذي يولد العدوان بدلاً من الحب.
أمّا دوافع الحب المادية، فهي حاجات الإنسان المادية، من جنس ومال ومكانة اجتماعية، فكثيراً ما تكون تلك الماديات دافعاً للحب، بحثاً عن إشباع تلك الحاجات.
وإذا كان ما سبق تقسيم للحب على أساس الدوافع، فإن هناك تقسيماً آخر لأنواع الحب، طبقاً لشخص المحبوب. فهناك الحب العاطفي، وحب الأصدقاء والأخوة والأبناء، وحب الوطن، وحب الإنسانية، وحب الوالدين، وحب الله. 1. الحب العاطفي
وهو الحب بين رجل وامرأة، وتلعب فيه الحاجات المادية، من غريزة جنسية أو غيرها من حاجات الحياة، دوراً. كما يضطلع البناء النفسي، وحاجات الإنسان المعنوية، بالدور الأكبر في هذا النوع من الحب. 2. حب الأصدقاء والأخوة الأبناء
إذ يرى الشخص نفسه في أخيه أو صديقه أو ابنه، إمّا لأنه يشبهه، أو ينتمي إليه، حيث يعيد معايشة صورة الذات في شخص المحبوب، أو يتفق معه في تفكيره ومشاعره، أو يختلف عنه فيكمله، أو لأن كل منهما يوجد في الصورة، التي كان يرغب الآخر في أن يكونها. 3. حب الوطن
وهو حب لِما ينتمي إليه الشخص، من أرض يتوارى في ترابها رفات آبائه وأجداده، ويرتبط بها بذكريات طفولته، وأيام شبابه، ولو كان منتمياً لوطن آخر لأحبه الحب نفسه. 4. حب الإنسانية
وهو حب لقِيم وأخلاقيات زرعها المجتمع في نفس الطفل، عندما علمه كيف يتنازل عن جزء من حبه لنفسه، ليحب به الآخرين، كي يأخذ حبّاً مقابلاً، وقبولاً أكثر من المجتمع، ويكفيه في ذلك أن يرضي جهاز قيمه الداخلي (ضميره) ليشعر بالراحة. 5. حب الوالدين
هو عرفان بالجميل لمن دعونا في طفولتنا، وأصبحت ترتبط صورتهما في أنفسنا بالحنان والرعاية والأمان، التي كثيراً ما عشناها معهما في طفولتنا، وكثيراً ما رأينا أبناء يكرهون آباءهم لأنهم لم ينالوا منهم ما كانوا يبغون من رعاية، وفي حالات التبني للأطفال الرضع يحبون من ربّاهم ورعاهم، ولا يلتفتون إلى آبائهم البيولوجيين (الحقيقيين). 6. حب الله
هو جزء من الإيمان، وشرط لاكتماله، وشكر لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى، أو طمعاً في جنته، أو خوفاً من عقابه. وهو في كل الأحوال لمصلحة الإنسان ومنفعته في الدنيا، بشعوره أنه في معية الله، فيشعر بالأمان والاطمئنان، وتغشاه السكينة، كما هو لمصلحته ونفعه في الآخرة، فهو الآمن، في يوم الخوف العظيم. وجزاء هذا الحب، الجنة التي وعد الله بها المؤمنين.
ومكـان الحـب ليـس في القلب (Heart)، كما صور ذلك الشعراء، ولكنه في المخ، فما القلب سوى عضلة (Cardiac Muscle)، تدفع الدم إلى جميع أجزاء الجسم، أما الدماغ (Brain)، فهو مركز الانفعالات والعواطف ومصدرها، وليست نقطه بعينها داخل الدماغ، ولكن هناك مجموعه من التراكيب داخل المخ ترتبط ببعضها، يطلق عليها العلماء الجهاز الانفعالي (Emotional System)، أو يطلق عليها الجهاز الطرفي (Limbic System)، وهذه المجموعة لا تقوم بوظيفتها منفصلة، ولكنها ترتبط بقشرة المخ (Cerebral Cortex) كما ترتبط بالغدة النخامية (Pituitary Gland)، سيدة الغدد في الجسم، وتوجد أسفل المخ، على قاع الجمجمة (Base of the skull) وعندما يرى الشخص محبوبه، فإن الرؤية تمر عبر جهاز الإبصار، إلى قشرة المخ البصرية (Visual Cortex)، التي تستخرج من أرشيف الذاكرة (Memory) ما يرتبط بشخص المحبوب من انفعالات وأفكار، فتتولد شحنه تصل إلى الجهاز الانفعالي، الذي ينشط، فيولد انفعالاً يسرى في أجهزة الجسم المختلفة، ومنها القلب، الذي يختل إيقاعه، فتزداد سرعته، وتشتد ضرباته، وهذا كله يحدث في سرعة خاطفة، لدرجة أن الشعراء ربطوا بين تغير ضربات القلب (Heart Beats)، وبين شخص المحبوب، ومن ذلك قول أحدهم (بانت سعاد فهاج القلب من بان).
ويتساءل أناسُ: هل من وسيلة لكبح جماح الحب؟
إن فهم الدافع الداخلي للحب، فهماً واضحاً، من دون لبس، يقلل كثيراً من حدة الحب، ويخلصه مما يشوبه من خيال، وينزل به إلى أرض الواقع. فالخيال هو المسؤول عن اشتعال نار الحب، إضافة إلى أن الإشباع للحاجة الدافعة للحب، غالباً ما ينهي الحب ويطفئ جذوته. ونلاحظ أنه كلما كانت دوافع الحب معنوية، وعلى عمق لاشعوري (Deep Unconscious)، كلما كان الحب رومانسياً يصعب فهمه، ومن ثم تستعر جذوته.
وقد يشكو بعض الناس من حب التملك الخانق، الذي يطوق به الطرف الآخر، وهذا يرجع إلى أن المحب عندما كبر وأحب آخر، كان بالنسبة له شيئاً مشبعاً كقطعة الحلوى (السابق الإشارة إليها)، فإذا كان أنانيا (أي أن نرجسيته الأولية عالية)، فإنه يريد الشخص كله لنفسه، ويستأثر به من دون الآخرين، حتى ممن لهم حقوق عليه، مثل الوالدين والأخوة والأصدقاء، لأنه لا يشعر إلا بحاجته هو، تحت شعار الحب والغيرة.
والحقيقة غير ذلك، فهي أنانية لم تُهذّب منذ الطفولة، أو أنها هُذّبت تحت ضغط الواقع، كما يحدث كثيراً، ولكن بعد الزواج نكص (Regressed)، الشخص في علاقة إرتباطية تعويضية لعلاقة الأم (أو الأب). ولذلك، فإننا نرى بعض الأزواج والزوجات يرتبطون بالآخر بشكل مرضي، وليس حبّاً للطرف الآخر، فحب الآخر يعني، منطقياً، حب رفاهيته وسعادته، ولكن في عرف الأنانيين، يعني تملكه من دون الآخرين، لدرجة أن هناك مثل شائع يجعل موت الآخر أفضل من تركه، وهو عن المرأة التي تقول في مقولة شائعة (جنازته ولا جوازته أي من امرأة غيرها)، وتقصد بذلك زوجها الذي تحبه (من وجهة نظرها). ولذا، فإن هذا ليس حبّاً، بقدر ما هو أنانية تنطوي على عدوان، يصل إلى درجة الموت للمحبوب. وهذا يخالف موقف المُحِبّة الحقيقية، التي تنشد الرفاهية لمن تحب أيّاً كان، والتي يجسدها موقف المرأة التي كانت في نزاع على ابنها، مع أخرى تدعي، كذلك، أنه طفلها، فقال القاضي، مختبراً لمشاعرهما تجاهه، نشطره نصفين لتأخذ كل امرأة نصفه، فصاحت الأم الحقيقية المُحِبّة رافضة ذلك، وموافقة أن تتركه للأخرى، على أن لا يموت.
لذلك، فإن حب تملك الطرف الثاني، إلى درجة خنقه وعدم إعطائه قدراً كافياً من الحركة والحرية، هو أنانية وعدوان تجاه الآخر، وإن كان ظاهره حبّاً. وهناك بعض الحالات المريضة، فعلاً، التي، من خلال مرضها، يظهر عرض حب التملك والاستحواذ، وعدم القدرة على الانفصال، ومنها قلق الانفصال (Separation Anxiety) إذ لا يستطيع المريض الانفصال عن الشخص موضوع الارتباط، وذلك لتعرضه لصدمات انفصال تمت في طفولته لموت أو سفر، أو بسبب اعتماده الشديد، في طفولته، أو تعلم هذا من أحد الوالدين. كما أن المريضة بالهلع (Panic)، وهو حالة شديدة من القلق، قد ترتبط بشريكها، ولا ترغب أن يغادرها كي لا يصيبها مكروه. وعلاج ذلك يكمن في تنمية نضج المريض، واعتماده على ذاته، وتقليل نكوصه، ومساعدة عقله في السيطرة على مشاعره الطفولية التي قد تدمر حياته.
الحب والكراهية
قد يكون الحب غطاءً للبغض والكراهية. وهذا يندرج، في علم النفس، تحت ما يسمى بالتكوين العكسي (Reaction Formation)، وهي حيلة دفاعية (Defensive Mechanism)، فمثلاً، البنت التي تغار من أخيها الأصغر، الذي أخذ مكانها من الحب والاهتمام، قد تظهر حبّاً مبالغاً فيه لهذا الأخ، إخفاءً للكراهية التي تستشعرها تجاهه، وتخاف عليه منها. ويتم هذا لا شعورياً، وعلى مستوى العقل الباطن.
وقد يكون الحب ضرباً من الجنون (المرض الذهاني) (Psychotic Disorder)، وذلك حالة ضلال الحب (Delusion of Love)، وهو ما يوجد ضمن حالات الاضطراب الضلالي، ويعرف بهوس المحب (Erotomania).
هل المرأة أكثر حباً ورومانسية من الرجل؟
قد يتُصور، بشكل عام، أن المرأة عاطفية رومانسية، تُعطي للناحية العاطفية الوزن الأكبر في الأمور. وهذا يصدق على المرأة عندما تكون بعيدة عن الواقع، وغير مرتبطة بمشكلاته، أو بمعنى أوضح عندما تكون حالمة، لا تحمل مسؤولية، تنتظر فارساً يخطفها على حصان أبيض، أي عندما تكون مفرطة في الخيال، تعيش أحلام اليقظة، أكثر من معايشتها للواقع، بما يحمله من تبعات ومسؤوليات. ولكن الواقع يشهد أن هذا ليس قاصراً على المرأة، فهناك الكثير من الرجال ممن يعيشون بالطريقة نفسها، بل إن أكثر القصص رومانسية، سجلها رجال لتجارب شخصية عايشوها أو شهدوها عن قرب لأقرانهم من الرجال.
وفي قصص الحب العربية الشهيرة، كان الفتى، دائماً، هو الهائم في بحور من خيال الحب، يُنشد الشعر في محبوبته، أو يهيم على وجهه، كما فعل قيس بن الملوح، و"كثير" المتيم بعَزّة، لدرجة أنه سمى بكثير عزة. لذا، فليست المرأة رومانسية، والرجل واقعياً، أو العكس، ولكن يتفاوت واقعية كل منهما حسب درجة اقترابه من الواقع وتحمله للمسؤوليات.
ولذا، فإن المحك الأساسي هو مدى تحمل كل طرف لمسؤوليات ترتبط بالواقع، فلنأتي بأكثر الرجال رومانسية، ونعطيه مسؤولية مادية، ليتولى الإنفاق على أسرة، مثلاً، من خلال عمل ينشغل فيه بحق، فإنه سرعان ما يصبح واقعياً. والشيء نفسه يحدث بالنسبة لأكثر النساء رومانسية. لذا، تُصبح الرومانسية من عدمها، نمط حياة، وطريقة للمعايشة، يختارها الشخص طبقاً لتربيته، وما عوده والداه. فالطفل الذي يتحمل مسؤولية ويشبّ على ذلك، ويكون منشغلاً وغير محبط، يعيش الواقع، ويرتبط به، ولا يهرب منه إلى عالم الرومانسية الخيالي، لأن الإحباط يجعل الشخص يهرب من الواقع، كما أن التربية تعوّد الطفل أيهما يستخدم أكثر في تعامله اليومي، العقل أم العاطفة والانفعال، وطبقاً لذلك يشبّ خاضعاً لعقله أو عاطفته.
هل الرجل أناني (أكثر حباً لنفسه) من المرأة؟
يُقصد بالأنانية، هنا، حب الذات الذي يطغى على طباع الشخص في تعامله مع الآخرين، والأنانية كجزء من الطباع، تعتمد، أساساً، على طريقة التنشئة، وإلى أي حدٍّ يُنَميِّ لدى الشخص إحساسه بذاته، وانحيازه لها، وبعده عن مراعاة الآخرين واحتياجاتهم، فإذا عودنا الطفل أن تُشبع احتياجاته هو، أولا، حتى لو كان على حساب الآخرين، فإنه سوف يتقمص مبدأ (أنا وبعدي الطوفان).
وللأسف الشديد، نحن ما زلنا كمجتمع شرقي، يحب الأبناء الذكور، ويرفع من قِيمتهم فوق الإناث، ويعطي الأولوية للولد على أخته، بل يجعله يتحكم فيها، حتى لو كانت أكبر منه سناً، وأحسن منه تصرفاً، فقط لأنه ذكر، بل وتخدمه. وكانت، إلى عهد قريب، لا تجرؤ أن تأكل معه، فبعد أن ينتهي من أكله، تجلس لتأكل ما تبقى، وهذا ما يزال سارياً في بعض المجتمعات.
لا شك أن هذا الأسلوب في التربية، سيجعل الولد أنانياً، يفضل نفسه على غيره، ولكن، من أعطاه هذا التفضيل، إنها هي، المرأة، في صورة الأم، لأنها ترى المجتمع يحكمه الرجال، فهم يضعون القوانين وينفذونها، وهي، أي الأم هنا، واقعية، ولكن، لكي تجعله رجلاً قادراً على العطاء، عليها أن تربي فيه مراعاة احتياجات الآخر، لأنها، هي، نفسها، آخر بالنسبة له، وعندما تكبر، هي في حاجة لرعايته لها، ولو كان أنانياً، فالويل لها. ومن ثم، فإن الرجل ليس أنانياً في صورته الجينية، (Genetically)، ولكنها التربية هي التي تنمي الضمير، وتهذب من الغرائز والاحتياجات، وترسي أُسس الأولويات لديه.
وبعد، فإن الصراحة والموضوعية المنطقية والتحليلية البحتة، عند البحث في الحديث عن الحب، والبُعد عن الخيال الأسطوري للحب، قد يجرد الحب من قدسيته، ويهوى به إلى أرض الواقع. هذه القدسية، التي اعتدناها من الشعراء والأدباء، إذ جعلوا الحب صنماً ضخموا في قدسيته بالقصائد الطوال وأساطير الخيال، ولكنه، في الحقيقة، شكل آخر من أشكال الأنانية وحب الذات (نرجسية ثانوية)، شكل يساعدنا على التكيف والاستمرار في هذه الحياة، وهو ضروري ليجعلنا نتحمل إحباطات الحياة، ونستطيع العيش فيها، ولكن إذا أصبح الحب نفسه هو المحبط، فتوضيح حقيقته على هذه الصورة، قد يكون معيناً على مواجهة ذلك الإحباط. إنها نفس الإنسان البالغة التعقيد. وتلك هي حقيقة الحب، التي ستكون مرة لأُناس، وبلسماً وشفاءً لآخرين.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:39 pm | |
| الذاكرة
الذاكـرة Memory
الذاكرة[1] هي تسجيل الأحداث واستدعاؤها عند الطلب. وتتكون من ثلاث مراحل[2]، هي الانطباع ارساخ الانطباعات Fixation (التسجيل) والتخزين بمعنى الاستبقاء Retention ، والاستدعاء Recall ثم التعرف Recognition فعندما تقابل شخصاً يخبرك باسمه، يتم إدراك المعلومة، التي ينقلها صوته، وتسجل في ذاكرتك. وهذه هي مرحلة التسجيل، التي يتحول فيها الصوت إلى "شيفرة"، تسجل في مركز الذاكرة في المخ. وتمضي فترة قبل أن تقابل الشخص عينه ثانية، وهذه مرحلة تخزين المعلومة. وعند مقابلتك له، ثانية، فإنك تستحضر اسمه في ذهنك، وتناديه به، وهذا هو استدعاء المعلومة. * أنواع الذاكرة
والذاكرة أنواع، تقسم حسب عمق الانطباع ومدة التخزين، فالانطباع الأولى عن المعلومة، من دون إدراكها تماماً، هو ما يسمى بالذاكرة الحسية، ومدة اختزانها تقلّ عن ثانية واحدة. وذلك ما لم يتم نقلها، فوراً، إلى نوع آخر، هو الذاكرة قصيرة الأمد، بتركيز الانتباه أكثر في المعلومة وإدراكها، فتتحول المثيرات إلى معانٍ، يمكن حفظها في مدة تقلّ عن دقيقة (عدة ثوان). أمّا إذا حدث إدراك أشد للمعلومة وفهْم أعمق، بناء على الخبرة السابقة، فإنها تنقل إلى مخزن الذاكرة طويلة الأمد. ويُلاحظ أن هناك كمّاً هائلاً من المعلومات، يدخل إلى حواسّنا (من طريق العين والأذن والأنف والتذوق والجلد). وكلها معلومات خام، لا يتم إدراكها كلها إدراكاً كاملاً. وعدم الانتباه لأي معلومة منها، يجعلها لا تتجاوز مدى الذاكرة الحسية، فتتلاشى في أقلّ من ثانية. بينما الانتباه الجزئي، يعطي فهماً جزئياً، ينقلها إلى مخزن الذاكرة قصيرة الأمد، حيث تخزن لعدة ساعات أو أيام. بينما الانتباه الكامل، والإدراك الكامل، والربط بالخبرة السابقة، وما يصاحب ذلك من تجريدات، ينقل المعلومة إلى الذاكرة طويلة الأمد، فتخزن فيها الذاكرة إلى الأبد. * مناطق الذاكرة في المخ
وتشير الدراسات إلى أن مناطق الذاكرة في المخ، هي الفص الصدغي من قشرة المخ، والأجسام الحلمية في المهاد والجهاز الطرفي. إلا أن تخزين المعلومة، يتم في المنطقة التي ترد إليها، فالصورة تدَرك بالقشرة البصرية من المخ، وتخزن فيها، وكذلك الصوت، يتم إدراكه بالقشرة السمعية، ويخزن فيها ... وهكذا. أمّا الذاكرة المركبة (من بصرية وسمعية وشمية وتذوقية ولمسية معاً)، فتخزن مكوّناتها، كل في مكانه من المنطقة الوارد إليها، وعند استدعائها، يؤدي الارتباط بين مناطق قشرة المخ المختلفة، دوراً في الاستعادة المتكاملة.
ولوحظ أن للأحماض النووية دوراً في عملية التذكر، خاصة حمض (الرنا) (RNA )، إذ يوجد حمضان نوويان في الخلية، أحدهما (الدنا) (DNA )، وهو موجود في نواة الخلية، ويحمل الجينات الوراثية، ولا يترك النواة إطلاقاً، بينما الحمض النووي الآخر، وهو (الرنا)، فيتحرك إلى خارج النواة، إلى السيتوبلازم، حيث يتحكم في نشاط الخلية. وله دور في وظيفة الذاكرة. ولقد دعمت هذه الملاحظة بثلاثة أنواع من الدراسات:
دراسات أجريت على حيوانات، تم تعليمها استجابات معينة، ثم حقنها بمادة تثبيط حمض الرنا. فلوحظ فقْد هذه الحيوانات لتلك الاستجابة، بعد عملية الحقن. لوحظ ازدياد هذا الحمض في خلايا معينة، بعد اكتساب خبرة معينة، متعلقة بهذه الخلايا (مثل خلايا الاتزان، بعد عملية تعليم فأر المشي على سلك للوصول إلى غذاء). وكذلك ازدياد نسبة حمض (الرنا). نقل حمض (الرنا) من حيوان إلى آخر، أدى إلى نقل الاستجابات نفسها كذلك. فأصبح يستجيب استجابات، لم يسبق له أن تعلمها. وعندما تم حقن هذا الحيوان بالمادة المثبطة لحمض (الرنا)، فقدت هذه الاستجابات.
* العوامل التي تؤثر في الذاكرة[3]
وثمة عوامل تؤثر في الذاكرة، أهمها:
الانتباه Attention: إن للانتباه دوراً مهماً في نقل المعلومة من الذاكرة الحسية إلى الذاكرة قصيرة الأمد. وزيادة الانتباه للمعلومة، تؤدي إلى إدراكها أكثر، وربطها بالخبرة السابقة وهو ما ينقل المعلومة إلى الذاكرة طويلة الأمد. كما أن الانتباه ضروري لعملية الاستدعاء من مخزن الذاكرة. لذلك، فإن المعلومة التي لا تجد انتباهاً كافياً لن تسجل في الذاكرة، إذ على قدر الانتباه والربط بالخبرة السابقة، يكون عمق الانطباع في الذاكرة. الإدراك Perception الواضح للمعلومة، وربطها وتصنيفها، طبقاً للخبرة السابقة. نوع الانفعال Emotion المصاحب للمعلومة. فالفرد ينسى الخبرات المؤلمة، بينما يتذكر الخبرات السارّة. كما أن القلق وقت استدعاء المعلومة، قد يعوق تذكرها. ربط المعلومة وتصنيفها وتجديدها: طبقاً للخبرة السابقة، تحفظها على المدى الطويل، وتسهل استدعاءها.
ومراعاة هذه العوامل، تُحسن عملية تسجيل المعلومات واستدعائها. ويلاحظ أن المعلومة، بعد أن تسجل وتدخل إلى الذاكرة طويلة الأمد، قد تنسى بعد فترة من الزمن، ويفسر النسيان بواحدة من النظريات الثلاث الآتية:
نظرية التآكل (أو الضمور): وتفترض أن المعلومة تضمر، إذا لم نستعملها بصفة مستمرة، كالعضلة التي تضمر بسبب عدم استعمالها. ولكن يناقض هذه النظرية قدرة الأعمى على تذكر ما رآه قبل العمى. نظرية التداخل: ويحدث التداخل إما بطريقة الكف الراجع، إذ تدخل معلومة جديدة لتعوق استدعاء معلومة قديمة. أو بطريقة الكف اللاحق، إذ تتدخل معلومة قديمة في تسجيل معلومة جديدة. نظرية الكبت: وتفسر طبقاً لنظرية التحليل النفسي. فالكبت إحدى الحيل الدفاعية، التي يتخلص بها الشخص من الخبرات غير المرغوب فيها، بدفعها إلى دائرة اللاشعور. ويلاحظ أن ما يسرنا، نحب أن نتذكره، في عملية تشبه الاجترار، إلى درجة يتم معها تثبيته وتدعيمه في الذاكرة. بينما ما يسيئنا، لا يحدث له هذا الاجترار، لذا، يعتريه الضمور. وهذا ينطبق على مكفوف البصر، الذي يجتر ما سبق أن رآه، في صورة تخيلات، تجعله يذكر هذه الأشياء، على الرغم من مرور وقت عليها، من دون رؤيتها. كما أن المكافأة تسبب سروراً، يجعل الإنسان يرغب في تكرار الخبرة، لتكرار اللذة الناجمة عنها، فيكرر الموقف اجتراراً أو واقعاً، بما يساعد على تدعيمه.
* اختلال الذاكرة
قد تختل الذاكرة بواحدة أو أكثر من الصور الآتية:
1. النساوة[4] (فقدان الذاكرة) Amnesia:
إذ يفشل الشخص في استدعاء الأحداث السابقة. وتشمل:
أ. نساوة للأحداث القريبة: وتحدث في سن الشيخوخة أو مرض كورسا كوف (Korsakoff's Syndrome)، وهو نقص الثيامين (أحد مكونات فيتامين ب)، المرتبط بالإدمان المزمن على الكحول. وقد يحدث في حالات الجوع الطويل (في المجاعات)، أو تصلب شرايين المخ.
( ب) نساوة للأحداث البعيدة: وهي فقدان الشخص القدرة على استدعاء الأحداث، التي مر عليها بعض الوقت، والتي يفترض أنها أصبحت راسخة.
( ج) فقدان الذاكرة لأحداث معينة: وقد تسمى فجوات الذاكرة، مثلما يحدث في حالات الهستيريا، حين تكون الأحداث مرتبطة بالخوف، أو الغضب، أو الخجل. وهذا النوع من النساوة يُعَدّ انتقائياً.
2. تشوه الذاكرة
ويشمل:
أ . تشوه الاستدعاء: وذلك في صورة تزييف الأحداث الماضية، عندما يتحدث عنها، ودرجة التزييف تعتمد على درجة الاستبصار ونقد الذات. وهذا التزييف يشيع في الشخصيات الهستيرية. وقد يكون التشوه في صورة التلفيق (الاختلاق). وهو تذكر أحداث على أنها حدثت للمريض، وبينما هي لم تحدث إطلاقاً. وهذا يحدث في حالات المرضى، الذين لديهم فجوات في الذاكرة، ناجمة عن النساوة للأحداث القريبة. ولا أنسى تلك السيدة المسنة (74 عاماً) التي ذكرت لابنها وقائع، ترتب عليها أن طلق زوجته. ثم بعدما عرف بمرض النسيان لديها، أحضرها إلى العيادة النفسية، وهناك عرف أن تلفيق الأحداث جزء من مرضها. عندئذٍ، أدرك أنه أخطأ في تطليق زوجته.
ب. تشوه التعرف: إذ يعتقد المريض أنه يعرف جيدا هذا الشخص، على الرغم من أنه يقابله، أول مــرة. وتعرف بظاهرة الألفة (Deja Vu Phenomenon).وقد يحدث العكس، حين لا يستطيع الشخص التعرف بأقاربه وأصدقائه، أو ينكر موقفاً حقيقياً، سبق أن خبره (Jamais Vu).
ج. حدة الذاكرة ( Hypermnesia ) وتُعرف أيضاً بفرط التذكر وهي درجة مبالغ فيها من تسجيل الأحداث واستدعائها. وهي حالة مَرضية، لأن كثرة التفاصيل المبالغ فيها، تربك الشخص، وتجعله لا يميز بين الغث والثمين. وهو ما يحدث في حالة مريض الهوس.
د. اضطراب الذاكرة Memory disorder :وتتمثل في الحساسية الزائدة، والحساسية المتناقضة، والحساسية المُحرفة. والتذكر المفرط حالة من التذكر الشديد المبالغ فيه لأدق التفاصيل. وفقدان الذاكرة Amnesia يمكن أن يكون جزئياً أو كلياً. وهو يعرف بالنسيان أيضاً. ومن اضطرابات الذاكرة ما يُعرف بالتجهل أو تضلال الذاكرة أو خطأ الذاكرة أو اضطراب التعرف Parmanesia (البارامنيزيا) وهو اضطراب التعرف الشعوري بما سبق رؤيته، وهو اضطراب من الناحية المعرفة الشخصية.
هـ. خطأ الذاكرة Paramnesia وهو تضلال الذاكرة أو إيهام الذاكرة، أو تزييف الذاكرة وتشوهها.
فجوات الذاكرة: حيث يفقد المريض الذاكرة لأحداث فترة محددة من الزمن ويتذكر جيداً ما قبلها وما بعدها. ويظهر ذلك في الهستيريا وفي ارتجاج المخ.
[1] الذاكرة من ناحية المعنى اللغوي: المصدر ذَكرَ الشيء بمعنى حَفِظَه واستحضره وجرى على لسانه بعد نسيانه والذاكرة هي قدرة النفس على الاحتفاظ بالتجارب السابقة واستعادتها. والذاكرة من الناحية الاصطلاحية تعني الحافظة وقوة الحفظ، والنشاط الخاص بذلك هو التذكر وتقوم الذاكرة بالوظيفة البيولوجية، التي تساعد الكائن الحي على الاستجابة للظروف القائمة في ضوء التجربة الماضية. ومن ثم تَحل كل الاستجابات المتعلمة الاختيارية المعقدة، محل ردود الفعل البسيطة الآلية الغريزية. والذاكرة بالمعنى الضيق تعطي معاني الاستدعاء Recall والتعرف Recognition ، إذ قد يكون هناك تعلم من غير تذكر.
[2] مراحل الذاكرة: الانطباع (ارساخ الانطباعات) ثم التخزين (الاستبقاء) ثم الاستدعاء ثم التعرف.
[3] هناك عوامل تؤثر في الذاكرة منها مدى الذاكرة Memory span ، والتي تحدد واقعياً القدرة على التعلم. ـ نوع مادة التذكر: فالتعلم المنطقي والغني بالمعاني يكون أكثر فاعلية وفائدة في تذكر نتاجه. ـ طرق تعلم مادة التذكر: يستند التعلم على مبادئ وقوانين التعلم الإنساني. وبقدر اعتماد هذا التعلم على العمليات العقلية ذات الفاعلية في التعلم تكون فاعلية الذاكرة. ـ المستوى العمري: يتأثر فاعلية عمليات التذكر بعمر الفرد ارتباطاً بقدرته على التعلم. ـ المستوى العقلي: يتأثر التذكر بمستوى ذكاء الفرد. ـ الجنس (ذكر ـ أنثى): يؤثر الجنس على مستوى التذكر. ـ العوامل الدافعية والانفعالية: عندما تزداد الدافعية يقوى نشاط العقل في التعلم والتذكر.
[4] النساوة والنسيان Forgetting ويعرف بفقدان الذاكرة أو السهو. ويرى البعض أن النسيان يرجع إلى الكبت. وهناك العوامل التي تؤثر في النسيان وهي: نوع المادة المتعلمة فالمادة سهلة التعلم تكون سهلة التذكير ـ التعلم الزائد Over learning فالتعلم الزائد الذي يتجاوز حد الإتقان الزائد للمادة، يؤدي إلى تقوية الانطباعات في الذاكرة. ـ نسيان الصدمة Shock amnesia تعرض الدماغ الصدمة أو ضربة شديدة يُعرض الذاكرة للنسيان. ـ العقاقير الطبية والمخدرة تحدث انطفاء في انطباعات الذاكرة. ـ الكف الرجعي Retroactive Inhibition وهو تأثير النشاط العقلي الجديد على سابقه. فتداخل أو تنافس الأنشطة العقلية يُعد سبباً للنسيان. ـ العوامل الدافعية والانفعالية وخاصة التي تحدث صدمات وتبحث على عدم الارتياح تؤثر على عدم الذاكرة.
المصادر والمراجع
حامد زهران ، "قاموس علم النفس، إنجليزي ـ عربي"مطبوعات الشعب، 1972. طلعت منصور وآخرون، "أسس علم النفس العام"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1978. عبدالمنعم الحفني، "موسوعة علم النفس والتحليل النفسي"، مطبعة مدبولي، القاهرة، ط 4 ، 1994. محمود حموده، "الطب النفسي ... النفس أسرارها وأمراضها"، القاهرة، 1997.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:40 pm | |
| الذعر
مقدمة
الذعر (Terror) هو حالة من الخوف الشديد لدرجة التجمد، من فرط الخوف، مع ظهور أشد علامات الخوف على الشخص وهى اتساع حدقة العين، وكذلك إنسان العين (Dilated Pupil)، وسرعة ضربات القلب وارتباكها، مع سرعة التنفس، ووقوف شعر الجسم، وبرودة الأطراف، وعرق الكفين، واصفرار الوجه، وعدم الاستجابة للمثيرات المحيطة، به مثل أصوات من حوله.
ويختلف الذعر عن الخوف (Fear) في شدّته. فالخوف، أقل شدة من الذعر. ويختلف الاثنان عن القلق (Anxiety)، في أن القلق هو خوف غير محدد (يكتنفه الغموض) (Undefined Fear)، وتوقع حدوث مكروه، وكذلك يختلف الذعر عن الهلع (Panic)، في أن الهلع هو الحالة الحادة والشديدة من القلق. وبذلك يكون كل من الخوف والذعر معروفا السبب ومحدد، بينما الهلع والقلق غير محددين، فيما يتعلق بالسبب وطبيعة الخوف.
والخوف يُعَدّ تفاعلاً طبيعياً للبشر في بعض المواقف، بينما الذعر استجابة موقفية مبالغ فيها لمثيرات مخيفة. أمّا الهلع والقلق، فهي اضطرابات نفسية ناتجة من صراعات داخلية. وقد يحدث الذعر اضطراباً في النوم ويخل به، مثله في ذلك مثل مخلات النوم الأخرى (Parasomnias)، المعروفة، والمصنفة ضمن اضطرابات النوم (Sleep Disorders)، وهي الكوابيس (Nightmares)، والمشي أثناء النوم (Sleep walking).وهذا بعض التفصيل لاضطراب الذعر (الفزع) الذي يخل بالنوم.
اضطراب الذعر (الفزع) أثناء النوم Sleep Terror Disorder
وهو اضطراب تتكرر فيه نوبات من الاستيقاظ المفاجئ من النوم. وعادة، البداية تكون صرخة هلع. تحدث، عادة، في الثلث الأول من النوم، خلال فترة النوم العظمى، وأثناء النوم غير المصحوب بحركة العين السريعة (Non Rapid Eye Movement Sleep)، الذي يكثر فيه نشاط الموجات البطيئة (Delta) في تخطيط الدماغ الكهربائي (Electroencephalogram) (EEG) ، وهي المراحل (3،4)، وتظل الحالة من دقيقة إلى عشر دقائق.
ويجلس الشخص، عادة، في فراشه مفزوعاً، وعلامات الخوف بادية عليه، في صورة اتساع فتحة إنسـان العين، وتصبب العـرق الغزيـر، ووقوف الشعر، وسرعة التنفس، وسرعة النبض، ولا يستجيب الشخص لمحاولات التهدئة، حتى يقل الفوران الداخلي (Agitation)، وتغيم الوعي (Confusion of Consciousness)، وقد يذكر الشخص بقايا حلم قبل اليقظة، ونادراً ما يكون الحلم حيّاً وكاملاً، ولكن المعتاد أن ينسى النوبة كاملة في الصباح. وتكثر النوبات إذا كان الشخص مجهداً أو يعاني ضغوطا (Psychological Stresses) حالية.
ولوحظ أن النوبة الشديدة تسبق، ببطء، إيقاع تخطيط الدماغ الكهربائي، في صورة زيادة ارتفاع موجات دلتا أكثر من المعتاد، مع بطء التنفس وإيقاع القلب. ويصاحب بدء النوبة بسرعة إيقاع القلب، وكذلك تخطيط الدماغ الكهربائي بما يشبه حالة اليقظة.
وحدوث هذا الاضطراب في الأطفال لا يصاحبه اضطراب نفسي (Psychopathology) ثابت، ولكن حدوثه للبالغين يصاحب بأعراض أخرى لاضطراب نفسي مثل القلق العام (Generalized Anxiety). بدء الاضطراب ومساره
يبدأ الاضطراب، عادة، في الطفولة (4 ـ 12 سنة)، ويصيب الكبار، كذلك، في العشرينيات أو الثلاثينيات، ونادراً ما يبدأ بعد سن الأربعين. ويتفاوت المسار كثيراً في تكرار النوبات لدى الأفراد، فقد تحدث النوبة في ليالٍ متتالية، وقد تتكرر على فترات أيام أو أسابيع. وفي حالات الأطفال، قد يختفي الاضطراب، تلقائياً، عند بلوغهم مرحلة المراهقة، أما عندما يبدأ الاضطراب في الراشدين، فإنه يصبح مزمناً، ومن مضاعفاته إمكانية حدوث إصابة أثناء النوبة بسبب الفزع الشديد وتغيم الوعي. انتشار الذعر (الفزع) أثناء النوم
في البحوث المسحية الانتشارية (Epidemiological Surveys)، تقرر نسبة من 1 إلى 4% أنهم أصيبوا بالاضطراب في وقت ما من حياتهم (Time Life Prevalence)، ولوحظ أن انتشاره أكثر بين الأطفال وخاصة الذكور. وله نمط أسرى (Familial) من الانتشار حيث يزداد بين الأقارب من الدرجة الأولى عنه بين عامة الناس.
ويلزم تمييز اضطراب الذعـر مما يلي:
اضطراب الكوابيس الليلية. هلاوس الدخول في النوم (Hypnagogic Hallucinations): تصاحب بقلق، عند بدء النوم، وتتكون من خيالات حية (Vived Images)عند الانتقال من اليقظة إلى النوم. نوبات الصرع (Epileptic Fits): قد تقع أثناء النوم، مع تغيم وعي بعد النوبات، وقد تمثل شبيهه باضطراب الفزع أثناء النوم، وحيئنذ يلزم التفرقة بوساطة تخطيط الدماغ الكهربائي.
العلاج
في حالـة وجـود الاضطراب لـدى الأطفال، تهدئ الأم طفلها، من دون خوف أو ارتباك منها، ولا يلزم العلاج إلاّ في حالة وجود اضطراب نفسي آخر. أمّا في البالغين، فيكون العلاج نفسي بفهم ظروف الشخص، النفسية والاجتماعية، ومساعدته على التكيف الداخلي، ونادراً ما يلزم إعطاء عقار مثل الفلورازيبام (Flurazepam) بجرعات قليلة.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:42 pm | |
| الرهبة
مقدمة
الرهبة (التهيب) وهو الشعور بالخوف الشديد، غير المنطقي، عند مواجهة موقف أو شيء معين، إلى درجة أن الشخص يرهب هذا الموقف (أو الشيء) ويتجنبه، أي يتهيب أن يعايشه أو يقترب منه. والخوف وسلوك التجنب غير موافقَين، لأنا المريض، أي أنه غير راضٍ عنهما. ويُعَدّ الرهاب من الاضطرابات النفسية الشائعة. ويورد له الأنواع الآتية:
1. رهاب الأماكن المتسعة.
2. الرهاب الاجتماعي.
3. الرهاب المحدد.
1. رهاب الأماكن المتسعة (Agoraphobia)
وهو الخوف المرتبط بوجود الشخص في مكان خارج البيت، يصعب أن يجد فيه المساعدة، إذا حدث له مكروه. ويقسم رهاب الأماكن المتسعة إلى:
رهاب الأماكن المتسعة المصاحب بنوبات هلع، ورهاب الأماكن المتسعة غير المصاحب بنوبات هلع (Agoraphobia Without History of Panic Disorder) . ويميز هذا الاضطراب رهاب الأماكن المتسعة، من دون تاريخ سابق أو حالي لاضطراب هلع.
ورهـاب الأماكن المتسعة، هو الخوف من الوجود في أماكن، أو مواقف يصعب الهروب منها، أو لا تكون المساعدة فيها متاحة، في حالة حدوث الأعراض فجأة، التي قد تكون معوقة أو مركبة، إلى حدّ كبير. ونتيجة لهذا الخوف، فإن الشخص إمّا أن يحد من تنقلاته، أو يحتاج إلى رفيق عند خروجه من البيت، أو يتحاشى الوجود في مكان مزدحم، محطات الحافلات، أو السفر في قطار أو سيارة.
وعادة، يخاف الشخص من حدوث نوبة ذات أعراض محدودة، مثل أن يعاني دوخة، أو اختلال الإنية، أو اختلال إدراك البيئة، أو فقْد السيطرة على المثانة أو الشرج، أو القيء. وفي بعض الحالات تكون هذه الأعراض حدثت قبل ذلك، وقد ينشغل الشخص بحدوثها مرة أخرى. وفي حالات أخرى، لم تحدث هذه الأعراض في الماضي، ولكن يخاف احتمال حدوثها؛ وهو ما يصاحب أعراض اضطراب الشخصية التجنبية بصفة خاصة.
يبدأ رهاب الأماكن المتسعة، عادة، في العشرينيات أو الثلاثينيات، ويظل لعدة سنوات. والإعاقة في من يمثلون للعلاج شديدة، وقد يحدث لهم اضطراب هلع، وهو اضطراب شائع بين عامة الناس، على الرغم من قِلّة من يمثلون للعلاج، وهو ينتاب الإناث أكثر منه الذكور.
وتوصف شدة التجنب لرهاب الأماكن المتسعة، كما يلي:
خفيف: بعض التجنب، ولكن نسبياً، حياة طبيعية يعيشها الشخص، مثل سفره وحده عندما يضطر إلى ذلك. متوسط: التجنب ينتج تضييقاً في نمط الحياة، إذ يستطيع الشخص ترك المنزل وحيداً، ولكن ليس لمسافة بعيدة. شديد: التجنب يجعل الشخص مرتبطاً بالمنزل، لا يغادره من دون صحبة. في تحسّن جزئي: لا يوجد سلوك تجنبي، حالياً، ولكن كان موجوداً إلى درجة ما، خلال الأشهر الستة الماضية. تحسن كامل: ليس هناك سلوك تجنبي، حالياً، ولا خلال الأشهر الستة الماضية.
وقد يتدرج المرض في شدته، وهو ما عاناه رجل أعمال في الثلاثينيات من عمره، وكان يتطلب عمله أن يتنقل بين عدة مدن، وداخل المدينة التي يقيم بها. وعند بداية رهاب الأماكن المتسعة لديه، أصبح يخاف من السفر خارج المدينة. ثم اشتد المرض، فأصبح يخاف أن يخرج من الضاحية التي يقيم بها. وتفاقم المرض، فاقتصر خروجه على مكان عمله، الذي يقرب من البيت، دون غيره من أماكن عمله الأخرى. وعندما بلغ المرض أقصى شدته، أصبح لا يبرح بيته، على الرغم من تعطل الكثير من أعماله، التي تستلزم وجوده شخصياً. علاج رهاب الأماكن المتسعة:
هو علاج نفسي، أساساً. يتركز في فهْم نفسية المريض، وتبصيره بدفاعاته ونكوصه المرضي، مع تقوية الأنا، للسيطرة على النزعات النكوصية. إضافة إلى علاج سلوكي، يتضمن تعديل سلوك التجنب، بالتدريـج، أو بدفْعه إلى الموقف مرة واحدة، بعد إعداد نفسي؛ ولا يفعلها إلا متمرس، كي لا تعطي نتيجة عكسية.
2. الرهاب الاجتماعي Social Phobia
هو الخوف من الخزي، أو الارتباك في موقف عام. وينشأ عن ذلك خوف ثابت من المواقف، التي يتعرض فيها الشخص لإمكانية النقد من الآخرين. وقد يكون الرهاب الاجتماعي محدوداً، مثل عدم القدرة على التحدث في جمع عام، أو الاختناق بالطعام عند الأكل أمام الآخرين، أو عدم قدرته على التبول في مرحاض عام، أو ترتجف يده عندما يكتب أمام الآخرين. وقد يشمل أغلب المواقف الاجتماعية، مثل الخوف العام من التفوّه بأقوال غبية، أو من كونه غير قادر على الإجابة عن أسئلة في مواقف جماعية.
ويشترط في الرهاب الاجتماعي ألاّ يكون سببه اضطراب آخر، مثل الخوف من حدوث نوبة هلع في اضطراب الهلع أمام الآخرين، أو الخوف من التهتهه في اضطراب التهتهه أمام الآخرين كذلك، أو الخوف من ظهور الرعشة في حالة مرض الباركنسون.
والقلق المتوقع، في حالة الرهاب الاجتماعي، يحدث إذا فوجئ الشخص بضرورة الدخول إلى مكان مرهب له، فيتجنب هذا الموقف، عادة. وأحياناً، يضطر هو نفسه إلى اقتحام الأماكن (أو المواقف) الباعثة على الرهاب الاجتماعي، ولكنه يستشعر قلقاً حاداً، وعادة، يخاف أن يلحظ الآخرون علامات قلقه؛ إذ إن الخوف من المواقف الاجتماعية يسبب تجنّبها، وهذا يسبب ازدياد الخوف منها، والإمعان في تجنّبها؛ إذ يتولد لدى المريض دائرة مفرغة من الخوف والتجنب. وإلى حدٍّ ما، يعي الشخص أن خوفه غير مبرر، وشديد.
ويشخص هذا الاضطراب إذا تداخل السلوك التجنبي مع الأداء الوظيفي، أو مع الأنشطة الاجتماعية المعتادة، أو العلاقات بالآخرين، أو وجود كرب ملحوظ حول حدوث الخـوف. وكثيراً ما يصاحب الرهاب الاجتماعي باضطراب الهلع والرهاب البسيط. بداية الرهاب الاجتماعي ومساره، والتنبؤ بمآله
يبدأ الاضطراب، عادة، في الطفولة المتأخرة، والمراهقة المبكرة. وقد يصبح مزمناً في مساره. ولكن هناك براهين، تفيد أنه يقلّ كثيراً بعد منتصف العمر، ونادراً ما يكون شديداً ومتداخلاً مع الأداء الوظيفي، بسبب التجنب. ومضاعفاته الإدمان (للكحول ومضادّات القلق)، والاكتئاب، نظراً إلى اضطراب الأداء الوظيفي.
ويجب أن يميز الرهاب الاجتماعي من الآتي:
تجنّب مواقف اجتماعية معينة، تسبب، طبيعياً، الشعور بالكرب. ويشيع هذا الشعور عند كثير من الناس، مع خوف طبيعي من الحديث العام. ولا تنطبق عليه مواصفات الرهاب الاجتماعي. اضطراب الشخصية التجنبية، قد يوجِد قلقاً ملحوظاً، والتجنب لأغلب المواقف الاجتماعية. وهنا، يؤخذ في الحسبان مدى ارتباط الشخصية التجنبية مع الرهاب الاجتماعي. الرهاب البسيط: ينشأ عن مثير مرهب، وليس عن موقف اجتماعي. اضطراب الهلع، المصاحب بخوف الأماكن المتسعة؛ إذ يتجنب الشخص مواقف اجتماعية معينة مثل المطاعم، لخوفه من حدوث نوبة هلع.
انتشار الرهاب الاجتماعي
يراوح انتشار الرهاب بين 3 و5% من عامة الناس. ويستوي فيه الذكور والإناث. ولوحظ أن الخوف من الأكل في الأماكن العامة، أو الكتابة أمام الآخرين، أو استخدام المراحيض العامة، نادرة الانتشار، نسبياً. بينما الرهاب الاجتماعي، المتضمن للخوف من التحدث في جمْع من الناس، شائع لدى مرضى الرهاب الاجتماعي.
أسبابه:
العوامل البيولوجية: ليس لها دور في التسبّب بالرهاب الاجتماعي، إلا ما لوحظ في انتشاره بين الأقارب، مما يشير، من قريب أو بعيد، إلى احتمال تسبّب عوامل جينية بالرهاب. العوامل النفسية والاجتماعية: أوضح فرويد، في نظريته للتحليل النفسي، أن الرهاب يرجع إلى استخدام دفاعات الأنا في مواجهة النقد، والتجنب ضد الحفزات الأوديبية المحرّمة، وخوف الخصاء، أي أن الخوف انتقل من الحفزات إلى مواقف معينة، أو موضوع معين، وتبعه تجنّب هذه المواقف (أو الموضوع).
أما النظرية السلوكية، فتفسر الرهاب بأن قلقاً في الماضي، ينشأ عن مثير مخيف فعلاً، وصاحب هذا الموقف مثير آخر (موقف أو موضوع) غير مخيف. وتكررت هذه المصاحبة فتقارن المثيران، وأصبح ما يثيره أحدهما يثيره الآخر. ثم أصبح المثير غير المخيف، وحده، مرتبطاً بالقلق، وباعثاً عليه. علاج الرهاب الاجتماعي
تستخدم في علاجه عقاقير (الفنلزين) و(البرابرانولول) أو أتينولول (Atenolol). ومضادّات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، في علاج هذا الاضطراب. وتستخدم، حالياً، مجموعة مثبطات إعادة أخذ السيروتونين انتقائياً (SSRIs)، ومن أمثلتها الفلوكسيتين والسيتالوبرام. وقد يلزم علاج سلوكي مع العقاقير، في الحالات الشديدة، وذلك بسلب الحساسية التدريجي من طريق تعريض المريض لمواقف الرهبة.
ويمكن أن يرفَق ذلك ببعض العقاقير المهدئة، أو تمرينات الاسترخاء الإرادي. وهناك أسلوب الغمر (Flooding)، بتعريض المريض للموقف المخيف، دفعة واحدة، في تخيّل أو واقع. وينصح المحللون النفسيون بالعلاج التبصيري، الذي يجعل المريض فاهماً لمنشأ الرهاب، وظواهر المكسب الثانوي ودور المقاومة؛ لأن هذا يجعله قادراً على إيجاد وسائل أكثر سواء للسيطرة على القلق، مع حثه على أن يتعرض لمواقف الرهاب.
3. اضطراب الرهاب المحدد (البسيط) (Specific Phobia)
وفيه يكون الخوف الثابت من مثير محدد (موضوع أو موقف). وهو يختلف عن الخوف من حدوث نوبة هلع، (كما في اضطراب الهلع)، وعن نقص الشعور بالذات، أو الخجل في مواقف اجتماعية معينة، (كما في الرهاب الاجتماعي). وأكثر الرهابات البسيطة انتشاراً، تشمل الحيوانات، خاصة الكلاب والثعابين والحشرات والفئران. وتشمل الرهابات البسيطة رهبة رؤية الدم والجروح (Blood Injury Phobia)، ورهبة الوجود في الأماكن المغلقة (Claustrophobia)، ورهبة المرتفعات (Acrophobia)، ورهبة السفر في الطائرة. ويتجنب الشخص هذه المثيرات، تجنباً للقلق، وأحياناً، يندفع إلى اقتحام الموقف المرهب.
ويصاحب اضطراب الرهاب البسيط، أحياناً، أعراض الإغماءات الوعائية للعصب الحائر (Vasovagal)، عند التعرض للمثير المرهب. بداية الرهاب البسيط ومساره والتنبؤ بمآله
البداية في الرهاب البسيط، متفاوتة. ولكن رهاب الحيوانات، يبدأ في الطفولة؛ ورهاب الدم، يبدأ في المراهقة، غالباً، أو بداية الرشد. أما رهابات الأماكن المرتفعة، وقيادة السيارات، والأماكن المغلقة، والسفر في الطائرات، فتبدأ في العقد الرابع من العمر. وأغلب الرهابات البسيطة، التي تبدأ في الطفولة، تختفي من دون علاج. وما يظل منها إلى الحياة البالغة، فنادراً ما يختفي من دون علاج.
والإعاقة، التي تنشأ عن الرهاب البسيط، طفيفة، إذا كان يسهل تجنّب المثير، مثل رهاب الثعابين لشخص يعيش في مدينة كبيرة. وتشتد الإعاقة إذا كان مثير الرهاب شائعاً ومنتشراً، ولا يمكن تجنّبه، مثل الخوف من ركوب السيارات، لشخص يعيش في المدينة. انتشار الرهاب البسيط، وأسبابه
الرهابات البسيطة شائعة لدى عامة الناس. ولكن نادراً ما ينتج منها إعاقة ملحوظـة، ونادراً ما يبحث المرضى عن علاج لها. وهي أكثر شيوعاً لدى الإناث. وأسباب الرهاب البسيط، هي الأسباب نفسها، التي تقدم ذكرها، كأسباب للرهاب الاجتماعي. علاج الرهاب البسيط
يسير علاج الرهاب البسيط على خطوط علاج الرهاب الاجتماعي نفسها، من إعطاء عقاقير (الفنلزين أو البرابرانولول أو مضادّات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، أو مجموعة مثبطات إعادة أخذ السيروتونين انتقائياً (SSRIs)، مع علاج سلوكي، وعلاج نفسي تحليلي، يبصر المريض بنشأة الرهاب لديه ورمزيته، والمكسب الثانوي.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:44 pm | |
| السعادة
مقدمة
السعادة هي شعور بالبهجة، المصحوبة بالرضا، ويتلاشى معها الصراع الداخلي، فيشعر الفرد بالطمأنينة. وتتحقق السعادة عندما تشبع الحاجات، وتحدث التوقعات، وتغيب الصراعات. فالإنسان عندما يعاني إلحاح حاجاته، سواء الأولية أو الثانوية، يقلّ شعوره بالرضا على قدر شعوره بالحاجة، وينشب داخله صراع الاحتياج، مع إحباط الواقع وتأجيله للإشباع. وعندما تخيب توقعات الإنسان، يشعر بالفشل وعدم السيطرة الداخلية على الأمور، ومن ثم، بالإحباط وغياب السعادة.
ويحدث ذلك كثيراً لمن يبالغون في توقعاتهم، فعندما ترتفع الطموحات، وتحلّق بعيداً عن الواقع، وتبنى عليها التوقعات، تصبح هناك فجوة واسعة بين التوقعات والإمكانات الواقعية المتاحة، لا يمكن اجتيازها. وقد يلجأ الإنسان، في مثل تلك الظروف، إلى الخيال ليحقق طموحاته، في ما يعرف بأحلام اليقظة، التي تحقق له سعادة زائفة، كما يلجأ المدمن إلى المخدرات، هروباً من الواقع، وبحثاً عن سعادة زائفة مؤقتة، لا تلبث أن تزول بزوال مفعول المخدر. وأما غياب الصراعات، فهي حالة من الهدوء الداخلي، الناتج من توافق الرغبات، وتلاؤمها مع جهاز القِيم داخل الإنسان، ومحاذير الواقع الخارجي، فيكون راغباً في ما هو مقبول داخلياً، ومباح خارجياً.
والسعادة بصورتها هذه، لا يمكن أن تكون حالة دائمة، طوال الوقت. فالإنسان المتفاعل مع الحياة، المشارك فيها، إيجابياً، لا يحقق الرضا الدائم، أو غياب الصراع الداخلي، طوال الوقت. ومن ثَم، فلن يكون الشعور بالبهجة والطمأنينة شعوراً دائماً. وهذه طبيعة الحياة، وطبيعة الإنسان، الذي يحياها، والذي تتجدد حاجاته، ولكل حاجة إحباطاتها. كما أن تفكيره ومزاجه يتغيران من لحظة إلى أخرى، كما تتغير كيمياء جسمه وعقله، فالثبات الدائم، هو سكون الموتى. لذا، فإن السعادة الأبدية، لا يمكن الوصول إليها إلا في الجنة، والتي لن تكون إلا بعد الموت، وغياب كل مظاهر الحياة، بما فيها من تغيرات لانهائية.
عوامل تؤثر في السعادة
يبرز هنا سؤال: أهناك عوامل تؤثر في السعادة؟ وما مقدارها؟ وهل تجعل هذه العوامل أو المقومات الإنسان سعيداً، عندما تتوافر له؟
والإجابة عن ذلك بالإيجاب، أي أن هناك عوامل ترتبط بالسعادة، وهي: 1. السن
لا شك أن الطفل يسهل إسعاده عن الكبير، خاصة إذا تهيأت الأم الحسنة، مع الجو الأُسَري، الذي تسوده المودة والرحمة والحوار والتفاهم؛ إذ إن مداعبة أفراد الأسرة له، واهتمامهم به، يجعلانه سعيداً، خاصة أنه ليس عليه مسؤوليات أو واجبات تثقل كاهله. وعندما يكبر يتحمل المسؤوليات تدريجياً، ويتعرض لإحباطات الواقع، فتقل سعادته. ومن هنا، كانت الطفولة أكثر ارتباطاً بالسعادة، وكثيراً ما شبه السعيد بالطفل.
ومع ذلك، فلكل مرحلة من مراحل حياة الإنسان، ما يمكن أن يجعلها سعيدة، فمثلاً، يمكن الشاب الذي يدرس في الجامعة، أن يكون سعيداً بما يقوم به من أنشطة وصداقات وعلاقات عاطفية ونجاح دراسي. ولكن كل ذلك يتطلب تحملاً للمسؤولية، وبذلاً للجهد، وسيطرة على النفس لتحقيقه. فالنجاح الدراسي، يستلزم مثابرة ومذاكرة لتحصيل العلم، مع تأجيل حاجات أخرى، والنجاح الدراسي مهم بالنسبة إليه، لأنه لو كان فاشلاً، لتغيرت نظرة زملائه، إليه، علاوة على موقف أسرته. وليست المسؤوليات، التي ترتبط بكبر الشخص، وتجاوز مرحلة الطفولة، هي المكدر لصفو السعادة دائماً، فأحياناً تكون السعادة في استمرار أداء الدور وتحمّل المسؤولية والقيام بعمل ما. وهذا ما نلاحظه، من التعاسة والمرارة، التي يشعر بها من يحالون إلى التقاعد والفراغ من مهام يقومون بها. 2. الجنس: هل ترتبط السعادة بالجنس (النوع)؟
لا ترتبط السعادة بجنس الذكور أو بجنس الإناث، ولكن، تدخل اعتبارات أخرى، قد ترتبط بالجنس، في بعض الحالات. فمثلاً، عندما يكون لدى الأسرة عدد من الأبناء الإناث وترغب في ولد ذكر، وتنتظره بفارغ الصبر، فإنها تسعد به عندما يولد، وتعطيه من الاهتمام ما يجعله طفلاً سعيداً، والشيء نفسه يحدث عندما يكون لدى الأسرة عدد من الأطفال الذكور، وترغب في بنت. ومن ثَمّ، فإن الجنس، لا يرتبط بالسعادة. ولكن زيادة نسبة اضطرابات الوجدان لدى الإناث، يقابلها زيادة اضطرابات الإدمان واضطرابات الشخصية لدى الذكور، إضافة إلى أن المميزات الاجتماعية للمرأة، أقل من الرجل، بوجه عام، ودورها يرتبط بالكثير من الضغوط، التي قد تقلل من الشعور بالسعادة، وهي أكثر تأثراً بالأحداث الضاغطة، لسماتها الشخصية، من الحساسية الشديدة، وضعف آليات التكيف. وهذه كلها تعود إلى التنشئة الاجتماعية والظروف الحياتية، أكثر من ارتباطها بجنس المرأة في حد ذاته. 3. المهنة
وترتبط المهنة، بوجه عام، بالسعادة، إذ إنها توفر للإنسان دوراً يؤديه، فيشعر، من خلاله، بأهميته، وبحاجة الآخرين إلى عمله، فيسعد به، وبما يحققه من رضاء الآخرين عن أدائه لهذا الدور.
والمهنة التي تتيح لصاحبها فرصة التنوع في الأداء، تحقق له سعادة أكثر، إذ تجنبه الشعور بالتكرار، الذي قد يوصل إلى الشعور بالملل والرتابة. وكذلك المهنة، التي تكون هواية للشخص، تصبح أكثر إمتاعاً له، وباعثة على سعادته، مثل من يهوى قيادة السيارات، ويعمل سائقاً؛ ومن يهوى الشرح والتوضيح، ويعمل مدرساً؛ ومن يهوى الألغاز البوليسية، ويعمل ضابط شرطة؛ ومن يهوى كرة القدم، ويعمل في مجالها؛ فإن كل هؤلاء سيسعدون بأدائهم لأعمالهم. ومن هنا، يمكن أن نقول (طوبى لمن كانت مهنته هوايته). وترتبط المهنة بالسعادة عندما توفر لصاحبها مكانة اجتماعية مرموقة، إذ يزيد تقديره لذاته، وترتفع معنوياته.
ولا شك أن عدم وجود مهنة للإنسان يؤديها، يحبط معنوياته، ويشعره بالملل وعدم القيمة؛ فالمهنة، إضافة إلى أنها مصدر للرزق، تتيح للإنسان فرصة لعلاقات اجتماعية خارج نطاق الأسرة، وتنظم وقت الإنسان، وهي مخرج لطاقته، وهي، كذلك، دور ومكانة في الحياة الصاخبة الحركة، والتي لا مكان فيها للسكون.
وخير مثال على ذلك تلك السيدة، التي باغتها الاكتئاب، بشدة، حين كرهت الحياة، وبحثت عن الموت في الامتناع عن الأكل وعن الكلام، وفقْد الاهتمام بكل مباهج الحياة، واضطرب نومها، مع الشعور بالملل والكآبة المسيطر عليها طول الوقت. وكان سبب ذلك، هو إحالتها إلى التقاعد بعد بلوغها سن الستين، فقد كانت طوال حياتها شعلة من النشاط، سواء في عملها، أو في بيتها. وفي الوقت الذي فقدت فيه عملها، بالخروج إلى التقاعد، كان أبناؤها قد كبروا وتزوجوا وتركوا لها البيت إلى حياتهم المستقلة، فكان التقاعد مرتبطاً بعدم القِيمة، وغياب الدور، والشعور بالوحدة، والذي كان متحققاً من خلال عملها.
وكذا ذلك اللواء، الذي أحيل إلى التقاعد منذ سنوات، وحضرت زوجته تشكو وتبكي من عصبيته، وسوء معاملته لها هي وأولادهما، إذ يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، سواء في المطبخ، أو في شؤون البيت أو الأولاد، وينفعل ويثور لأتفه الأسباب، ويكسر الأشياء التي تصل إليها يده في لحظة الانفعال، وكثيراً ما يضرب من يحاول مناقشته، سواء الزوجة أو الأبناء. وقررت الزوجة أن هذا يحدث منذ إحالته إلى التقاعد. وعندما جلست إليه، على انفراد، بكى من فرط حزنه وشعوره بالملل والكآبة والإحساس بعدم القيمة، وشكى الفراغ القاتل الذي يشعر به، والطاقة الزائدة التي لا يجد لها مخرجاً، فقد كان نشيطاً جداً في عمله ومحباً له، وبعد ما هدأ، وأخذ يفكر في حلول، بمساعدتي، طلب مني أن أجد له عملاً ولو بدون أجر، ليقضي فيه وقته، ويخرج فيه طاقته. ومن هنا تتضح أهمية المهنة والدور الوظيفي للإنسان في تحقيق السعادة. 4. التعليم
يُعَدّ التعليم، في حد ذاته، معاناة لمن يتعلمون، بهدف الحصول على الشهادة، إذ تكون المادة الدراسية واجباً ثقيلاً، يسعى الشخص إلى إنهائه، من دون استمتاع بالمادة العلمية، وهذا الشخص تكون سعادته في الحصول على الشهادة فقط، وهو، غالباً، لا يستفيد من دراسته، بعد ذلك. لأنه كان يذاكر من أجل الامتحان فقط. وينسى الكثير مما تعلمه بعد الحصول على الشهادة.
أما من لا تتوقف العملية التعليمية لديهم، بحصولهم على الشهادة، فيستمرون مستمتعين بتعلم الجديد، مهما كانت أعمارهم. وهنا، يكون التعليم مصدراً متجدداً للسعادة، سواء كان من خلال القراءة أو الاستماع أو المشاهدة، أو أيّاً كانت وسائل تحصيله. ولذا، فإن هذه الفئة المحبة للعلم، تحقق كثيراً من السعادة لنفسها باستمرار التعلم، إضافة إلى أن الشخص الذي يملك ناصية العلم، تكون له رؤية متسعة للأمور، ولديه قدرة على التكيف مع المشكلات وإيجاد الحلول لها، كما أن رؤيته لذاته، تكون إيجابية، فيزيد من اعتباره لذاته، وهذه كلها متغيرات تعمل في اتجاه السعادة. 5. المساندة الاجتماعية
ويقصد بها الدعم الذي توفره شبكة العلاقات الاجتماعية للفرد، سواء كانت تلك العلاقات في صورة زواج، أو علاقات قرابة في نطاق أسرة نووية (صغيرة)، أو أسرة ممتدة، أو علاقات صداقة أو جوار. ولا شك أن الإنسان كائن اجتماعي، لا يمكنه أن يعيش بمعزل عن الآخرين، فوجودهم يشعره بوجوده، بل يعطيه الشعور بالأمان والاطمئنان إلى أن هناك آخرين، سوف يخفّون إلى نجدته، إذا أصابه مكروه. وعندما يقع المكروه، فإن مشاطرتهم إياه مشاعره، تخفف عنه عبئاً كبيراً منه، بل إن المساندة الاجتماعية تساعده على الخروج من الكارثة، وهو أكثر ثقة بالآخرين، واطمئناناً لهم.
وتُعَدّ المساندة الاجتماعية نوعاً من التأمين الاجتماعي، ضد خطوب الحياة وأحداثها المؤلمة. وهي، في الوقت نفسه، مبعث للسعادة. فعندما يكون الإنسان فرحاً وسعيداً، ويشرك معه الآخرين، فإن شعوره بالسعادة يزداد بسعادة الآخرين معه، وإذا شارك الآخرين سعادتهم، فإنه سيسعد لسعادتهم، فالسعادة تعدي وتنتقل من السعيد إلى غيره، ومن هنا قيل (من جاور السعيد يسعد).
ومن بين المساندة الاجتماعية، علاقة الزواج، وهي، إلى جانب ما توفره من دعم معنوي، تعطي متعة حسية من خلال العلاقة الجسدية، تحقق للإنسان السعادة، بل يكون من ثمرتها الأولاد، الذين يسعد بهم الآباء، ويجدون فيهم قرة أعين لهم، ويسعدون بأن يكون من بين أهدافهم إعداد هؤلاء الأولاد لحمل مسؤولية المستقبل. وهكذا يوفر الزواج متعة ودعماً وأملاً للمستقبل، وهو الأولاد، وكلها مكونات للسعادة.
وتُعَدّ الصداقة إحدى العلاقات الاجتماعية، التي تعطي دعماً ومساندة، نفسية واجتماعية، لأطرافها، وتحقق لهم سعادة من خلال الاهتمامات المشتركة، والهوايات، والاندماج فيها معاً، كما تحقق الصداقة، في مختلف الأعمار، شعوراً بالقبول الاجتماعي، ويشعر، من خلالها، أنه محل ثقة واحترام الآخرين، وهذا يحسن من صورة الذات لديه، ويحقق له السعادة، كذلك.
ولا شك أن الأصدقاء يرتبط بعضهم ببعض بذكريات، سواء ذكريات أيام كانت مضنية، تقاسموها معاً، فخفت وطأتها عليهم، أو أيام كانت سعيدة، تشاركوا فيها، فازدادت سعادتهم، وفي كلتا الحالتين، يجمعهم شيء واحد، إنهم يسعدون بتناول تلك الذكريات معاً. وبفعل التشريط، أي ارتباط شخص ما بمواقف السرور والسعادة، يمكن أن نسر ونسعد ليس للموقف، بقدر ما نسعد لِمَا بعث داخلنا ارتباط شرطي، وهذا هو ما يجعل الكثيرين من الجمهور يضحكون ملء أشداقهم لمجرد أن يشاهدوا ممثلاً كوميدياً، اعتادوا أن يضحكوا ويسروا عن أنفسهم بمشاهدة أعماله، من دون النظـر إلى ما يقدمه هذا الممثل في الموقف الجديد.
ومن أهم ما يعكر صفو السعادة لدى الإنسان، شعوره بالوحدة والعزلة، فكما قيل (جنة من غير ناس ما تنداس)، ولذا، فإن من يفعل ذنباً من المساجين يعزل في حبس انفرادي ( زنزانة انفرادية) كنوع من التعذيب له، وحين يُعفى عنه، يعود إلى مخالطة زملائه من السجناء. 6. الطبقة الاجتماعية
لا شك أن من ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية العليا، يستطيعون إشباع الكثير من حاجاتهم. ومن ثم، فهم أقدر على تحقيق السعادة أكثر من غيرهم من أبناء الطبقات الأدنى. كما أنهم يشعرون بتقدير الذات أكثر، وتكون لديهم القدرة على الاستمتاع بوقت الفراغ أكثر من غيرهم. وتقل إحباطاتهم. وكل هذا يحقق لهم قدراً أعلى من السعادة. وقد تكون السعادة في الطبقة الدنيا أعلى منها في الطبقة المتوسطة، بشرائحها المختلفة، إذ إن الطبقة المتوسطة تعيش صراعاً في تطلعها إلى الطبقة الأعلى ورغبة الوصول إليها، إضافة إلى الخوف من الانحدار إلى مستوى الطبقة الدنيا. ولذا، فإنها أكثر الطبقات معاناة، ومن ثَم أقلها سعادة. كما أنها، أي الطبقة الاجتماعية المتوسطة، غالباً ما تكون هي الطبقة المحافظة على قِيم المجتمع وأخلاقياته. ومن ثَم فإنها تتحمل معاناة أخرى، إلى جانب الصراع، الذي تعيشه وهذا يزيد من مسؤوليتها، ويقلل من سعادتها. 7. سمات الشخصية
هناك سمات للشخصية ترتبط بالسعادة أكثر من غيرها، فمثلاً، الشخصية الانبساطية أكثر شعوراً بالسعادة ومعايشة لها من الشخصية الانطوائية. والشخصية الانبساطية، هي الشخصية المنطلقة، التي يميل صاحبها إلى تعدد الصداقات، وسهولة الارتباط بالآخرين. وكثرة النشاط والحركة متفاوتة في الشخصية الانطوائية التي تقل حركة صاحبها، إذ يفكر أكثر، ويميل إلى العزلة أكثر من الاختلاط بالآخرين. وتقل علاقاته وإخراج طاقاته والاستمتاع بوقت فراغه.
وهناك السمة المزاجية في الشخصية، والتي تميزها كمزاج دائم، إذ إن هناك أشخاصاً معروفين بالمزاج المرح. وهناك آخرون معروفون بالمزاج الكدر (النكدي). وهناك من يكون مزاجهم المميز قلقاً أو متناوباً بين المرح والكدر. ولا شك أن المرحى، مزاجاً، أكثر سعادة، شعوراً أو تعبيراً، من غيرهم من أصحاب الأمزجة الأخرى. ومصداق ذلك شكوى سيدة، أن زوجها النكدي، الذي كدر عليها حياتها، وأصابها بالاكتئاب، وتصفه بأنه معروف عنه ذلك، منذ أن كان طفلاً، إذ إنها عندما شكت إلى أمه، أكدت لها أن هذا طبعه، وأنه نكدي، لا يحب السرور، وفي أشد اللحظات سروراً، يبحث عما يكدره، وهذا منذ أن كان طفلاً، ومثل هؤلاء الأشخاص يصعب تغييرهم، لأن السمة المزاجية الكدرة لديهم ليست مرضاً، ولكنها جزء من تكون الشخصية. 8. المرض النفسي
هناك مرض نفسي، يكون الشعور بالسعادة جزءاً منه، وهو مرض الهوس، إذ يشعر المريض بالسرور الشديد، مع تضخم الذات، وينسب إلى نفسه قدرات، ليست حقيقية، مثل أنه أعظم من يحل مشكلات العالم، الاقتصادية والمرورية والسكانية وغيرها. ولا يكون لديه ميل إلى النوم، ويكون كثير النشاط والحركة والكلام في كل الأمور. وهذا المريض غير مستبصر ما لديه من اضطراب، وهو مزعج للمحيطين به، ويرفض العلاج، لأنه يعود به إلى حالته الطبيعية، ويحرمه حالة السعادة المرَضية التي يعيشها. وفي المقابل، هناك مرض الاكتئاب، الذي يكره فيه الشخص نفسه ويلومها، ويشعر بالضيق والكآبة والملل، وقد ينتحر ليخلص نفسه من تلك المشاعر المؤلمة.
كذلك هناك أمراض نفسية عديدة، تولد معاناة تحرم الإنسان المريض أي شعور بالسعادة، مثل القلق والوسواس وغيرهما من الأمراض، التي يكون المريض فيها مستبصراً حالته المَرضية ويود علاجاً لها. 9. البيئة التي يعيش فيها الشخص
أهي بيئة مدينة، يغلفها التلوث، بشتى صوره، الهوائي والضوضائي والزحامي؟ أم هي بيئة ريفية، يغلب عليها النقاء، وتكسوها الخضرة، ويظهر فيها الماء ويلفها الهدوء؟ لا شك أن البيئة الريفية الهادئة، تحقق استرخاءً داخلياً أكثر، وهي أقرب إلى السعادة من التوتر، الذي تولده بيئة المدينة الصاخبة. ولذلك، يهرب سكان المدن إلى المنتجعات والمزارع، طلباً للهدوء، وتحقيقاً لقدر من السعادة.
كما أن البيئة التي تظهر فيها الشمس، وتكون درجة الحرارة فيها معتدلة، تبعث على السعادة أكثر من البيئة الملبدة بالغيوم طوال الوقت، أو التي تزيد حرارتها ورطوبتها إلى درجة، يصعب احتمالها. والبشر يتفاعلون مع حرارة الكون ورطوبته، دفئه وبرودته، ويكون لكل من تلك التقلبات معانٍ في داخلهم، تحرك انفعالات معينة، تفرز هرمونات معينة، تجعلهم يعيشون نعيش تغيرات على المستوى، البيولوجي والنفسي، وكذلك الاجتماعي، ليسوا بمعزل عن الآخرين، كذلك.
وهكذا، فإن مفهوم السعادة معقد، ويصعب تحقيقه، وهي خبرة داخلية يجهد الناس في البحث عنها، ولكنها لا تكتمل إلا في الجنة، التي لا تكون إلا بعد الموت.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:45 pm | |
| الشخصية
تعريف الشخصية
يمكننا أن نعرّف الشخصية بأنها النمط العام الناتج، كسلوك يميز الشخص من حيث صفاته، بما فيها الجسمانية، وعاداته وأفكاره واهتماماته وفلسفته في الحياة.
نظريات في فهم الشخصية
لقد كانت الشخصية من الموضوعات ذات الجذب للعديد من الباحثين، على اختلاف فلسفتهم واتجاهاتهم. واستخدموا في ذلك المقابلات، مقننة وغير مقننة، والملاحظات المضبوطة، والتجارب والاختبارات. وخلص كل منهم إلى نظرية في فهم الشخصية. 1. النظريات البيولوجية
أ. الوصفية للبنية الجسمانية (نظرية النمط، لوليم شلدون)
خلصت هذه النظرية إلى أن نمط البنية الجسمانية (Physiqe) ، يرتبط بنمط معين من الشخصية؛ إذ إن الخصائص الجسمية الوراثية، تحدد الأنشطة، التي يميل الشخص إلى ممارستها، وتشكل توقعات الآخرين منه، فيضطلع، غالباً، بالدور الذي يتوقعه الآخرون. وكان (شلدون) قد استفاد من أعمال (كرتشمر) وغيره من الباحثين السابقين، في هذا المجال. وقسم البِنَى الجسمانية إلى ثلاثة أنماط:
(1) النمط المكتنز (البدين) (Pyknic) ، وهو الذي يكثر في تكوينه النسيج الداخلي الحشوي. ويطلق عليه الإندومورفي (Endomorphic). ويتميز صاحب هذا النمط ببنية جسمانية كروية الشكل، تزيد الدهون ونسبة الأحشاء فيها. وأسماه (شلدون) صاحب المزاج الحشوي (Viscerotonia). ويكون شخصية دوارية، تترجَّح بين السعادة والحزن؛ اجتماعي، مرِح، ودود، وشره إلى الطعام، بطيء الاستجابة، هادئ، ومتسامح. ويميل صاحب هذا النمط، عندما يمرض نفسياً، إلى أن يصاب باضطرابات الوجدان، خاصة ذهان الهوس والاكتئاب (Manic-Depressive Disorder)، وهو ما يسمى، في التصنيفات الحديثة، الاضطراب ثنائي القطب (Bipolar Disorder).
(2) النمط الرياضي (Atheletic)، وهو الذي يكثر في تكوينه النسيج الأوسط (الضام). ويطلق عليه الميزومورفي (Mesomorphic). وهو ذو بِنية رياضية، تغلب عليها العضلات. وأسماه بصاحب المزاج البدني (Somatotonia). وهو يميل إلى حب المغامرة، ويكون ذا شخصية متعالية، عدوانية، نشيط شجاع، ومتسلط. وعندما يمرض نفسياً، يميل أكثر إلى الإصابة بالاضطراب الضلالي (Delusional Disoredr)، أو اضطراب التحول (Conversion Disorder).
(3) النمط النحيل (Athenic)، وهو الذي يكثر في تكوينه النسيج الخارجي (الجلد والجهاز العصبي). ويطلق عليه الإكتومورفي (Ectomorphic).ويكون نحيلاً في بِنيته الجسمانية، وحجم الدماغ والجهاز العصبي، هو الأكبر بالنسبة إلى حجم جسمه. وأسماه بصاحب المزاج المخي (Cerebrotonia). ويكون ذا شخصية خَجِلَة، معزولة، ومكبوتة. وعندما يمرض نفسياً، يكون أكثر عرضة للإصابة بالفصام العقلي (Schizophrenia)، واضطرابات القلق (Anxiety Disorders).
فضلاً عن النمط غير المتميز (Dysplastic)، الذي لا يمكن تصنيفه في أي من الأصناف الثلاثة، أو هو خليط منها ومن صفاتها المزاجية.
ولكن الدراسات الحديثة، لاحظت أن العلاقة بين البِنية الجسمانية وسمات الشخصية، هي علاقة ضعيفة.
ب. نظرية (إيزنك) (Eysenk) الفسيولوجية
ترى أن هناك نمطَين أساسيَّين للشخصية. أحدهما انبساطي (Extrovert)، والآخر انطوائي (Introvert). وأن الانبساط له أساس من النشاط الفسيولوجي، إذ تتكون دائرة عصبية، تربط الجهاز الشبكي المنشط الصاعد، بقشرة المخ والحبل الشوكي. ويتميز الانبساطيون بمستوى أدنى من نشاط قشرة المخ والجهاز الشبكي المنشط الصاعد، الذي يزداد في الانطوائيين.
بينما ترى أن الميول العصابية (Neuroticism)، لدى الشخصية، تبنَى، أساساً، على حلقة، تشمل الجهاز الشبكي المنشط الصاعد، والجهاز الطرفي. ويرتفع مستوى العصابية بارتفاع استثارة الجهاز الطرفي (Limbic System).
وقد وصف (إيزنك) نمطَي الانبساطية والانطوائية، طبقاً لسمات عامة، تميز سلوك الأشخاص. فالانبساطي شخص منطلق، كثير الحركة والكلام، يميل إلى الاستعراض وحب الظهور في المحافل العامة، سريع في تكوين الصداقات، قليل التأمل والتفكير. أمّا الانطوائي، فهو على النقيض، يميل إلى العزلة والتفكير الكثير، قليل النشاط الجسماني، غير محب للظهور في المحافل العامة. يكوّن صداقات بصعوبة، ولكنها على مستوى عميق. 2. النظريات الإنسانية (Humanistic)
ومن رواد المدرسة الإنسانية (أبراهام ماسلو) (A.Maslow) و(كارل روجرز) (Carl Rogers)، اللذَان أشارا إلى أن الدافعية، يمكن فهْمها في إطار تدرّج الحاجات. ففي المستوى الأدنى، تتركز غرائز الإنسان وحاجاته، في المحافظة على رخائه الجسماني (Basic Needs)، ولدى إشباعها، تتجه الدافعية إلى إشباع الحاجات، النفسية والاجتماعية (Meta Needs)، مثل الاحترام والتقدير ونَيْل المكانة. وفي المستوى الأعلى، يسعى الشخص إلى تحقيق ذاته (Self-Actualization)، إذ يمكنه أن يستغل طاقاته وإمكاناته أقصى استغلال، بعد أن يكون قد أشبع حاجاته الأساسية، وصولاً إلى قمة الخبرة. 3. النظريات الدينامية النفسية
وهي تؤكد أهمية الدوافع والانفعالات والقوى الداخلية. وتفترض أن الشخصية، تنمو من خلال حل الصراعات النفسية. ويُعَدّ فرويد (S.Freud)، رائد هذه المدرسة، إضافة إلى تلاميذه النوابغ، الذين كان لكلٍّ منهم إضافة في رؤيته للشخصية.
أ. نظرية فرويد في فهم الشخصية
يشير فرويد إلى أن للسلوك دافعاً داخلياً، من قوى لاشعورية، تكونت عبر تاريخ الشخص وحياته، خاصة علاقته بوالدَيه. وأن ما يفعله الشخص، وما يفكر فيه، أو يشعر به، ينتج من تفاعل دينامي بين عوامل نفسية ثلاثة، هي: الهو (Id)، والأنا (Ego)، والأنا الأعلى (Super Ego). وأن أي اختلاف في توازن أي من هذه العوامل الثلاثة، يؤدي إلى اختلال في تفاعل الآخرَين ونشاطهما معه، ليضادّاه، ويكون الصراع الداخلي.
ويرى فرويد أن وعي الإنسان الأفكار والذكريات والمشاعر، يقع على مستويات ثلاثة. أحدها الشعور، الوعي (Conscious)، الذي يكوّن الجزء القليل من خبرات الإنسان. وثانيها ما قبل الشعور (Preconscious)، وهو المستوى، الذي تكون فيه الخبرات مدفونة تحت الوعي، ويمكن أن تُستدعَى بسهولة. وثالثها اللاشعور (Unconscious)، وهو المستوى، الذي يضم أغلب الخبرات، التي يختزنها في عمق، لا يمكن معه تذكّرها؛ ولكن، يمكن أن يظهر في زلات اللسان، والأحلام، وخلال التداعي الحر (الذي يذكر الإنسان فيه ما يخطر على باله، من دون قصد أو توجيه). ويشبه الشعور (الوعي) بقِمة جبل الجليد، إذ لا يبرز منه إلا جزء يسير. بينما الجزء الغالب مختفٍ تحت سطح الماء، وهو يشبه اللاشعور، في عدم ظهوره، وفي ضخامته، وفي ارتكاز ملامح الشخصية عليه، إلى حدّ كبير.
كما رأى فرويد، أن الشخصية، تتكون من الخبرات، التي يمر بها الطفل، خلال مراحل متعاقبة من النمو، النفسي الجنسي. وأن هناك طاقة ليبيدية، تتركز في منطقة معينة من الجسم، وفقاً لمرحلة النمو؛ فالفم هو محور اللذة الليبيدية، خلال السنة الأولى ونصف الثانية. ولذا، أسماها بالمرحلة الفمية (Oral Phase)، يجد الطفل، خلالها، لذته من طريق المص والأكل والعض، ووضع الأشياء في الفم. والإشباع الزائد، أو الحرمان الشديد، سيثبت كمية أكبر من الليبيدو، في هذه المرحلة، بما يجعل الشخص عرضة للنكوص (Regression)، في الحياة البالغة، إلى سمات هذه المرحلة، من الاعتمادية والشِّرِّة والميول الفمية (التي تشبه مص الثدي)، مثل التدخين ومضغ اللبان والثرثرة.
والشرج هو محور اللذة الليبيدية، خلال النصف الثاني من السنة الثانية والسنة الثالثة. ولذا، سمّى فرويد هذه المرحلة بالمرحلة الشرجية (Anal Phase)، إذ تنمو العضلات العاصرة لفتحة الشرج، وتكون اللذة من خلال القبض على محتويات الشرج، أو إخراجها، كما تكون محوراً للصراع مع الأم في تدريبه على استخدام التواليت (Toilet Training)، والإفراط وقسوة التدريب، كالتفريط فيه، يسببان تثبيتاً ليبيدياً، في هذه المرحلة، يجعل الطفل عرضة، في الحياة البالغة، للنكوص إلى سمات مشابهة لهذه المرحلة، من العداء والبخل والعناد. فعندما تتشدد الأم في أن يمسك طفلها عن تلويث نفسه بالبراز، وتعاقبه على عدم الإمساك، فإنه يخاف، بعد ذلك، من عدم الإمساك، فيكون الإمساك لكل شيء، خاصة المال، فيصبح بخيلاً في الكِبر.
والقضيب هو مصدر اللذة اليبيدية، من الثالثة إلى السادسة من العمر. ولذا سمى هذه المرحلة بالمرحلة القضيبية (Phalic Phase)، وفيها يدرك الاختلاف بين الذكر والأنثى، وينجذب نحو أبيه، من الجنس المقابل، فالولد يحب أمه، ويعاني صراعاً بين حبه لأبيه (المبني على تقمص دوره) وغيرته منه (بسبب امتيازات والده، التي لا يحظى بها). وهذا هو الصراع الأوديبي، الذي ينشأ عنه قلق الخصاء (Castration Anxiety)، الذي يدفعه إلى التخلي عن رغبته في تملك الأم بكبتها، والتوحد بالأب. هذا في حالة عقدة أوديب الموجبة. أما إذا كانت الأم، هي التي يَعُدّها الولد منافسه في حبه لأبيه، فتلك عقدة أوديب السالبة. والعكس يحدث في حالة البنت. ويسمى تعلقها بأبيها عقدة ألكترا (Alectra complex).
ثم تكمن النزعات الليبيدية. ولا تحدث صراعات، في المرحلة من السادسة إلى البلوغ. ولذا أسماها مرحلة الكمون (Latency Phase)، إذ يكون الطفل قد توحد بالأب، وحل الصراع الأوديبي، أو كبته، واكتمل نمو الأنا الأعلى. وفي مرحلة البلوغ، تستيقظ الرغبة الجنسية، وترتبط بالجهاز التناسلي، وتكون العلاقة الجنسية الناضجة من خلال العلاقة بالجنس الآخر. وهذه هي مراحل النمو النفسي الجنسي الخمس، في نظرية فرويد (الفمية والشرجية والقضيبية والكمون والتناسلية).
والشخصية، التي تتأثر بالقوى اللاشعورية، وتمر بمراحل النمو النفسي الجنسي السابقة، عبر نموها ـ تتكون من عوامل ثلاثة: الهو والأنا والأنا الأعلى. ويُعَدّ الهو (Id) العامل الأساسي، وهو الذي يتمايز منه الأنا والأنا الأعلى. ويتكون من كل ما هو فطري موروث، وموجود منذ الولادة، بما في ذلك الغرائز. فهو مستودع الطاقة النفسية؛ إذ إنه يزود العمليات، التي يضطلع بها الأنا والأنا الأعلى، بالطاقة. كما أنه وثيق الصلة بالعمليات الجسمانية التي يستمد منها طاقاته. ويَعُدّه فرويد (الواقع النفسي الحقيقي)؛ لأنه يمثل الخبرة الذاتية للعالم الداخلي، ولا تتهيأ له أي معرفة للواقع الموضوعي. ويهدف الهو إلى تجنّب الألم، وتحقيق اللذة، من طريق الفعل المنعكس، والعمليات الأولية، التي تحاول تفريغ التوتر، بتكوين صورة لموضوع، يزيل التوتر، مثل الطعام لشخص جائع؛ وهي عملية تحقيق رغبة في الخيـال. ولكن هذه العمليات الأولية، لا تحقق الإشباع، ولا تخفض التوتر؛ فالشخص الجائع، لا يمكنه أن يأكل ما يتخيله من الطعام. ولذلك، تظهر عمليات نفسية ثانوية، من طريق العامل الثاني، وهو الأنا.
أما الأنا (Ego)، فينشأ للتعامل مع الواقع الخارجي. وعليه تقع مسؤولية فهْم هذا الواقع، والتصرف على أساسه، وفق العمليات الثانوية (أي التفكير الواقعي). فالأنا من طريق العمليات الثانوية، يكون خطة لإشباع الحاجة، ثم يختبر هذه الخطة، هل هي صالحة أم لا؟ وهذا يسمى اختبار الواقع (Reality testing). وهو يستخدم جميع الوظائف النفسية لأداء دوره بكفاءة.
فالأنا، إذاً، هو الجزء المسيطر على سلوك الشخصية، يختار من البيئة الجوانب التي يستجيب لها، ويقرر الغرائز التي ستشبع، وكيفية ذلك الإشباع. وعلى الأنا، عند قيامه بهذه الوظيفة التنظيمية، أن يعمل على تكامل مطالب، كثيراً ما تتصارع فيما بينها. وهي مطالب (الهو)، و(الأنا الأعلى)، و(العالم الخارجي). وهو ما يجعله عرضة لصراعاتها، فيلجأ إلى حيل دفاعية (Defensive mechanisms)، لتخفيف حدّة الصراع. ويمكن تلخيص وظائف الأنا في ما يلي:
(1) التكيف مع البيئة المحيطة، وعمل علاقات بالآخرين.
(2) ضبط الغرائز وتنظيمها، والتعبير عنها بطريقة مقبولة اجتماعياً.
(3) اختبار الواقع، والتصرف على أساسه.
(4) النهوض بالعمليات الثانوية، وما ينشأ عنها من تخليق وابتكار.
(5) الاضطلاع بالوظائف النفسية (البسيطة والمركبة).
(6) اللجوء إلى حيل دفاعية، إزاء الصعوبات والصراعات، التي تنشأ عن الخارج أو الداخل، كي يحافظ على حالة التوازن النفسي. ومن ثَم، فالحيل الدفاعية هي الحيل التي يلجأ إليها الأنا عند مواجهة صراع، لخفض التوتر، والوصول إلى توازن نفسي، وجميعها تتم لاشعورياً. وأهم هذه الحيل الدفاعية هي:
* الكبت (Repression)
وهي حيلة، تدفع بوساطتها المواقف أو الأفكار غير المقبولة، إلى دائرة اللاشعور، وبعيداً عن الشعور. وذلك مثل الفتاة التي صدمت، عاطفياً، فنسيت تماماً كل تفاصيل الصدمة، والظروف التي أحاطت بها، من دون أن تقصد ذلك إرادياً. هذا النسيان، هو الكبت، ويتم لاشعورياً، لتجنيبها الألم النفسي الذي ينجم عن تذكّرها تلك الصدمة.
* النكوص (Regression)
وهي حيلة، يرتد بوساطتها الشخص إلى مراحل سابقة من النمو، إذ ينكص إلى تصرفات بدائية، لا تلائم سنّه الحالية. وتلاحظ هذه الحيلة في أمراض نفسية كثيرة. ومن أمثلتها، الطفل الذي يبلغ ثمانية أعوام، وأصبح يتحكم في مخارجه، ثم ولد له شقيق صغير، مما أثر في نفسيته، من دون أن يدري، جلعه ينكص إلى مرحلة مبكرة، ففقد السيطرة على التبول الوظيفي، أثناء النوم. وبالطريقة نفسها قد تحدث التهتهة (Stuttering)، كعرض نكوصي. وقد يكون النكوص شديداً، إلى درجة فقْد السيطرة والإرادة الكامل، كما في حالات الفصام العقلي (Schizophrenia).
* التبرير (Rationalization)
وهي حيلة دفاعية، تبرر بوساطتها السلوك، أو الدوافع، أو المشاعر غير المقبولة، بخلق أسباب لتفسيرها. ويلجأ إليها الشخص لتقليل الصراع، ومحاولة قبول ما يبرره. وكثيرون يستخدمون تلك الحيلة الدفاعية، استخداماً مَرضياً، إذ يسرون في تبرير سلوكياتهم أو دوافعهم أو مشاعرهم، تجنّباً للشعور بالذنب أو التقصير. وهذا يقلل من دافعيتهم لإصلاح أنفسهم، ويجعلهم يصطدمون بالواقع، وبمن يعايشونهم. وعليهم أن يعوا ذلك، ويقللوا من تبريراتهم، ويصلحوا من أنفسهم، ومن سلوكياتهم، بدلاً من التبريرات، التي يضيق المحيطون بالإفراط فيها.
* التكوين العكسي (Reaction Formation)
وهي حيلة دفاعية، يسيطر بها الشخص على دافع أو شعور غير مقبول، بتكوين عكسه. فالكراهية الشديدة، تظهر في شكل حب مبالغ فيه. وأوضح مثال لها ما يظهره الطفل الصغير، الذي يبلغ أربعة أعوام، لأخيه الذي يصغره بعامَين. فعندما يجرح الأصغر جرحاً بسيطاً، وينزعج الأكبر، بشدة، ويظل يبكي حزناً على جرح أخيه بصورة مبالغٍ فيها، فإنه يظهر، بذلك، تكويناً عكسياً، في محاولة للتغلب على مشاعر الكراهية، التي يستشعرها تجاه أخيه الأصغر.
* الإسقاط (Projection)
وهي حيلة لاشعورية، ينسب بها الشخص إلى الآخرين أفكاره ومعتقداته، ومشاعره ونزعاته اللاشعورية، الخاصة به، وغير المقبولة، أي يسقطها عليهم. وهي حيلة لحمايـة الشخص مـن القلق، الذي ينشـأ عن الصراع الداخلي. وأوضح مثال لذلك ما يدعيه طفل وحيد، من أن أبيه (أو أمه) لا يحبه، فهذا إسقاط من الطفل لمشاعر عدم الحب، التي يشعر بها، ويسقطها على أبيه.
* النقل (التحويل) (Displacement)
وهي حيلة دفاعية، يعيد بها الشخص توجيه انفعالاته المحبوسة تجاه شخص أو موقف، خلاف الأفكار والأشخاص والمواقف الأصلية، سبب الانفعال. مثل الموظف الذي يهينه رئيسه في العمل، فلا يستطيع الرد أو إخراج انفعالاته. ولكنه عندما يعود إلى بيته، يصب غضبه على زوجته، من دون سبب، أو لسبب تافه. وتبادر الزوجة، بدورها، إلى إفراغ غضبها على أولادها. وهكذا تكون حيلة النقل، التي مارسها الزوج، من دون أن يعي، قد أساءت إلى أولاده إساءة غير مباشرة. ويتكرر ذلك كثيراً، داخل البيوت، من دون وعي ممن يمارسونه.
* الانشقاق (Dissociation)
وهي حيلة تتضمن عزل مجموعة من العمليات (الوظائف) النفسية، عن باقي الوظائف النفسية. وتعمل مستقلة، أو بصورة آلية، من دون وعي الشخص بها. فقد تعزل الذاكرة، مثلما يحدث في فقدان الذاكرة. وقد يعزل الوعي والحركة، مثلما يحدث في المشي أثناء النوم. وقد يكون العزل أكثر تعقيداً، ولعديد من الوظائف، كما يحدث في اضطراب تعدد الشخصية (اُنظر الاضطرابات الانشقاقية).
* الإنكار (Denial)
إنكار الأشياء، التي قد تسبب قلقاً، وإبعادها عن دائرة الوعي. ويختلف الكبت عن الإنكار، في أن الكبت يحدث عندما يحاول الدافع الغريزي، أن يكون شعورياً، وأن يعبّر عن نفسه في صورة سلوك. بينما الإنكار يجعل الشخص جاهلاً بحادث معين، ولكن لا يمنعه من التعبير عن دوافعه الغريزية ومشاعره.
* التوحد (Identification)
وهي حيلة دفاعية يوحّد بها الفرد هويته بهوية شخص آخر. مثال ذلك، ما يحدث للطفل في عمر ستة أعوام، عندما يتوحد بوالده، المتفاهم معه، والذي يحبه ويرغب أن يكون مثله عندما يكبر، فيتوجه إلى المدرسة، بحماسة، ليتعلم مثل أبيه.
* التوحد بالمعتدى (Identification with the Aggressor)
إذ يتحد الشخص، في داخله، بصورة عقلية للشخص، الذي يمثل مصدر الإحباط من العالم الخارجي، مثل التوحد الذي يتم في نهاية المرحلة الأوديبية، بين الطفل الذكر وأبيه، الذي يمثل إحباطاً لعلاقة الطفل بأمه، ولا يملك الطفل إلى مواجهه أبيه سبيلاً، فيضطر للتوحد به، اتقاء لأذى، قد يصيبه منه.
* العزل (Isolation)
وهي حيلة، تعزل فكرة، أو ذكرى، عن ما يرتبط بها من شعور، لتجنّب الانفعالات غير السارة، ولحماية الشخص من القلق. مثلما يحدث في حالات الوسواس القهري، من وجود فكرة معزولة عن المشاعر العدوانية المرتبطة بها، مثل فكرة قتل الأب لطفله، الذي يحبه جداً.
* التسامي (Sublimation)
وهي حيلة توجه الطاقة المرتبطة بنزعات غير مقبولة، إلى أنشطة مقبولة، نفسياً واجتماعياً. والتسامي يحقق درجة ضئيلة من الإشباع للنزعات الغريزية، مثل المراهق الذي يوجه طاقته لممارسة الرياضة، بدلاً من النزعات الجنسية غير المقبولة. وهي حيلة صحية، عندما توجد في مكانها؛ فلا يصح لعريس، مثلاً، أن يمارس التسامي، ليلة زفافه، فيترك عروسه، لممارسة الرياضة أو القراءة أو حتى العمل.
* الإبطال (Undoing)
وهي حيلة دفاعية، تتوخى إصلاح ما قد أُفسد، وهي غير مقبولة من الأنا. وهي حيلة بدائية، من قبيل الأفكار والأفعال السحرية، وذات طبيعة مترددة. وتلاحظ، غالباً، لدى مَرْضى الوسواس القهري، إذ يمارسون طقوساً غريبة تشبـه الأفعـال السحريـة، لإبطال ما يخافون أن يفلت منهم من نزعات عدوانية. وتتمثل في ذلك الطفل، الذي أحضره والده، شاكياً أنه، أي الطفل، يأتي بأفعال غريبة، قبل دخوله البيت. فهو يدور حول عمود الإنارة المواجه لمدخل البيت، ثم يدوس على بلاطة من التي تغطي الأرض، تاركاً التي تليها، ثم يصعد السلم، فيدوس درجة، ويترك الأخرى، ثم ليطأ بقدمه أول بلاطة في مدخل الشقة. وإذا أخطأ في أي من ممارساته تلك، عاد إلى الشارع، من جديد، ليتدارك ما وقع فيه من خطأ. وحين كان يسأله والده عن معنى ما يفعل، كان لا يجيب.
وخاف الأب أن يكون في ابنه خلل عقلي، فأحضره إلى العيادة النفسية. وبعد عدة جلسات، تبيّن أنه يحب والدته جداً، ولكنه يجد منافسة في حبها من أبيه وأخيه الأصغر. ومن ثَم، فلديه عدوان شديد تجاههما، وهو يخاف من عدوانه هذا، أن يخرج في فعل يضرهما. لذا، مارس أكثر من حيلة دفاعية، من دون أن يدري، فعزل (حيلة العزل)، فكرة العدوان عما يرتبط بها من مشاعر، وكبت (حيلة الكبت) الحفزة العدوانية وما يصاحبها من مشاعر. ولخوفه من أن تفلت الحفزة من خط الدفاع الأول، وهو العزل، كوّن خط الدفاع الثاني لإبطال (حيلة الإبطال) الحفزة الغريزية، بفعل وسواسي (وهو الممارسات التي سبق وصفها). وكان، مع ذلك، يظهر مشاعر خوف شديدة عليهما، وهي (حيلة التكوين العكسي).
والأنا الأعلى (Super Ego)، هو العامل الثالث من عوامل الشخصية. ويُعَدّ الممثل الداخلي للقِيم التقليدية للمجتمع وأخلاقياته. ويتكون باستدخال الطفل لقِيم وأخلاقيات الوالدَين، ثم التوحد بها. ويُعَدّ الأنا الأعلى نموذجاً لِمَا هو مثالي، وليس لِمَا هو واقعي. ويميل إلى الكمال، بدلاً من اللذة. وعندما يكتمل تكوّن الأنا الأعلى، يصبح هو السلطة الداخلية، سلطة الوالدَين التي استُدخِلت، وأصبحت جزءاً من تكوين الطفل. وأهم وظائفه ما يلي:
(1) كف حفزات الهو، سواء كانت جنسية أو عدوانية.
(2) إقناع الأنا بالاضطلاع بدور المثالية، بدلاً من الواقعية.
وهذه العوامل الثلاثة، التي تتألف منها الشخصية، الهو والأنا والأنا الأعلى، التي تكونت عبر مراحل النمو النفسي، ولكل منها شق شعوري وآخر لاشعوري ـ لإخراج شخصية سوية. وإن اختل توازنها، كان الاضطراب أو الصراع الداخلي.
كانت هذه رؤية المدرسة التحليلية، التي أرساها سيجموند فرويد. ولكن هناك من التحليليين من أضاف أو عدّل رؤية المدرسة التحليلية، منهم:
ب. كارل جوستاف يونج (Jung) ـ (1875 -1961)
استدرك على فرويد فكرة اللاشعور الجمعي (Collective Unconscious)، الذي يجمع ذكريات الأجداد وخبراتهم. وعَدّه الأساس العنصري الموروث للبِنية الكلية للشخصية. وعليه يبني الأنا (Ego)، واللاشعور الشخصي (Personal Unconscious)، وجميع المكتسبات الفردية الأخرى، من خلال خبرات الشخص الخاصة، فيصبح بذلك متفرداً.
ويرى يونج، أن العوامل الرئيسية للشخصية، هي الأنا، واللاشعور الشخصي، واللاشعور الجمعي، والقناع (Persona)، ثم الأنيما (Anima)، أو الأنيموس (Animus)، والظل (Shadow)، والاتجاهات، الانطوائية والانبساطية، ووظائف التفكير والوجدان، والإحساس، والحدس.
ويقرر يونج، أن الأنا هو العقل الشعوري، الذي يتكون من المدركات الشعورية، والذكريات، والأفكار والوجدانيات. وهو مسؤول عن شعور المرء بهويته واستمراريته. وهو مركز الشخصية.
واللاشعور الشخصي، هو الخبرات المكبوتة. وهي تماثل ما قبل الشعور، عند فرويد؛ إذ يمكن الشعور أن يصل إليها. أما القناع، فهو الشخصية العامة، التي يظهرها الشخص للعالم من حوله. والأنيما هو النمط الأولي الأنثوي، لدى الرجل، الذي اكتسب أنوثة، نتيجة حياته مع المرأة عصوراً طويلة. والأنيموس هو النمط الذكري الأولي، لدى المرأة، التي اكتسبت الذكورة. وهذان النمطان، يعملان بوصفهما صوراً جمعية، تدفع كل جنس إلى الاستجابة لأفراد الجنس الآخر، لفهْمهم. فالرجل يتفهم المرأة، بفضل ما لديه من أنيما، والمرأة تتفهم الرجل، بفضل ما لديها من أنيموس. ولكن الأنيما والأنيموس، قد يؤديان إلى سوء فهْم، إذا ما أسقطت صورة النمط الأولي، من دون حسبان لسمات الشريك. فمثلاً، عندما يتزوج رجل امرأة، وبدلاً من أن تعامله طبقاً لصفاته، تسقط صورة النمط الأولي داخلها، من دون أن تفهم صفاته هو.
وعدّ يونج الغرائز الحيوانية الموروثة، كنمط أولي، مسؤول عن الخطيئة لدى الإنسان، الذي يسقطه على الخارج، ويطلق عليه الشيطان. وأسماه الظل. وميز بين اتجاهَين أساسيَّين، تتخذهما الشخصية، هما الانبساط (Extrovert) (توجه الشخص إلى العالم الخارجي)، والانطواء (Enterovert) (توجه الشخص نحو العالم الداخلي)، وكلاهما يوجد في الشخصية.
واختلف يونج عن فرويد، في أنه لم يحصر محددات سلوك الإنسان في أسبابه، (الخبرات التي مر بها الشخص في تاريخه). ولكنه يضيف أهداف الشخص وتطلعاته المستقبلية، كمحددات للسلوك، كذلك. وهو، بذلك، يربط ماضي الشخص بمستقبله، في تكامل يأخذ بيد الإنسان، بعيداً عن اليأس، المرتبط بعدم القدرة على إصلاح الماضي، ومتجهاً به صوب المستقبل.
ج. ألفريد أدلر (Adler) ـ (1870 -1937 )
افترض أدلر، أن سلوك الإنسان، تحركه، أساساً، الحوافز الاجتماعية. وأن الإنسان كائن اجتماعي، في الأساس. وقلّل من أهمية الجنس في تكوين شخصية الإنسان، وعدّ الاهتمام الاجتماعي فطرياً فيه. وأن الأنماط النوعية للعلاقات بالآخرين، وسُبُل التفاعل الاجتماعي، التي تظهر في ممارساته اليومية، تكوّنها وتحددها طبيعة المجتمع، الذي ينشأ ويتربى فيه الشخص. ومن ثَم، فإن لأدلر وجهة نظر بيولوجية، لا تختلف عن وجهتَي نظر فرويد ويونج؛ فالثلاثة يرون، أن للإنسان طبيعة فطرية، تشكل شخصيته.
وأضاف أدلر فكرة الذات الخلاقة، التي رأى أنها صاحبة السيادة في بناء الشخصية. وعدّها شيئاً، يحتل مكاناً متوسطاً بين مثيرات المرء واستجاباته. وأن الإنسان يصنع شخصيته، فهو يبنيها من المادة الخام. وأكد تفرد الشخصية، فرأى أن لكل شخص صياغة فريدة، من الدوافع والسمات والاهتمامات والقيم، فكل فعل يصدر عن الشخص، يحمل طابع أسلوبه الخاص، والمتميز، في الحياة. كما جعل أدلر الشعور مركز الشخصية، وأن الإنسان كائن شعوري، يعرف أسباب تصرفاته، والأهداف التي يحاول بلوغها، ويشعر بنقائصه.
د. إريك إريكسون (E.Erikson) ـ (1902)
وسَّع إريكسون نظريات فرويد في النمو وفهْم الشخصية. فجعل النمو في مراحل، تبدأ من الولادة وحتى الشيخوخة. وأطلق على مراحله النمو النفسي الاجتماعي، لأهمية الجانب الاجتماعي، التي أكدها في نمو الشخصية، وتفاعلاتها، عبْر مراحل النمو المختلفة، وفي كل مرحلة جديدة تحدٍّ (صراع) جديد.
ففي السنة الأولى، يواجه الطفل صراعاً بين الأمان وعدم الثقة، تبعاً لعلاقة الأم بالطفل. فإذا نجحت في إنشاء علاقة، يشعر فيها الطفل بالأمان، فإنه يثق بالآخر (Basic Trust). وإذا فشلت، كان الشك والمخاوف من العلاقة بالآخر.
وفي السنة الثانية، إذ تنمو عضلاته، ويقوى على المشي مستقلاً، ويستطيع أن يبتعد عن الأم. كما يستطيع التحكم في مخارجه، وإطعام نفسه، أي أنها بداية الاستقلال. فإذا شجعته الأم، مع توفير الأمان والحماية، عندما يسقط، من دون لوم، فإنه يجتاز هذا التحدي. أما إذا أشارت إلى أنه سيئ، فإنه حساس لِمَا يقال عنه، وسيتولد لديه الشعور بالشك في القدرات، والخجل. لذا، فإن إريكسون أسمى هذه المرحلة (الثقة في مقابل الشك والخجل) (Autonomy vs. Shame and Doubt).
وإن الطفل، من الثالثة إلى السادسة، يبادر، في مقابل الإحساس بالذنب (Initiation vs. Guilt)، إلى الفضول، فيتطلع إلى اكتشاف الأشياء والشغف بها. وتكون مبادرته الأولى داخل الأسرة، فيتعلق بوالده من الجنس المقابل. ثم يبدأ بالتفرقة بين ما يريده هو، وما يطلب منه أن يفعل. وتزداد هذه التفرقة وتتسع، حتى يحوّل، تدريجاً، قِيم والديه على أنها طاعة لنفسه، وتوجيه لنفسه، وعقاب نفسه.
ومن السادسة إلى الثانية عشرة من عمر الطفل، ينتقل إلى المدرسة. ويثابر من أجل تعلم مهنة، حتى يصبح لديه ثقة بنفسه، وبقدرته على استخدام أدوات الكبار. وإذا فشل، فإنه يشعر بالنقص والدونية. وأسمى إريكسون هذه المرحلة المثابرة في مقابل الشعور بالدونية (Industry vs. Inferiority).
ثم يكون البلوغ، الذي يبرز فيه اختلاف المراهق عن نفسه قبل ذلك، وعمّا يرغب فيه والداه. ويسلمه هذا إلى غموض الرؤية (غموض الدور). وأطلق على هذه المرحلة الهوية في مقابل غموض الدور (Identity vs. Role Confusion)، وهي من الثانية عشرة إلى الثامنة عشرة. وفي هذه المرحلة، يتجمع المراهقون معاً في صورة شلل وجماعات، وإزاء واقع الكبار، الذي يرونه، يراود الشاب منهم الشط في ما تعلّمه من أخلاقيات وهو طفل. وأبرز ما يعانيه الشباب، في هذه المرحلة، هي أزمة الهوية (Identity Disorder)، ومحورها سؤالان أساسيان: من أنا؟ وماذا أريد؟
وبدء الارتباط بعلاقة راشدة، من ألفة أو زواج هي بداية مرحلة الألفة، في مقابل العزلة (Intimacy vs. Isolation)، وعندما يصل الشخص إلى سن الأربعين، فإنه يفكر في معنى وجوده. ويسعى إلى إنتاج من أجل المجتمع، يحقق به معنى وجوده، في مقابل الخمول واللامبالاة (Generativity vs. Stagnation)، وعندما يصل الإنسان إلى الشيخوخة، ينظر إلى ما مضى من عمره، فيشعر بأن إنجازاته قد تكاملت، ويرضى عن نفسه، فيكون الرضا والقوة في مواجهة الموت، ومن دون ذلك يكون اليأس والخوف من الموت (Integrity vs. Despair).
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 الجمعة 17 يونيو 2016, 2:52 pm | |
| الصداقات
مقدمة
الصداقات Friendship هي علاقة من التعاطف المتبادل بين اثنين أو أكثر من البشر، وتتسم بالمشاعر الموجبة بينهما. ولقـد وجـدت الصداقـة بين البشـر بوجود الأنا والآخر، فالآخر بالنسبة إليَّ إما أن يكون غريباً، لا تربطني به أي علاقة، وهو الغريب بالنسبة إليَّ. وإمّا أن يكون بيننا تعارف أو زمالة، وهذه تظهر في تحية كل منا للآخر، أو اشتراكنا في عمل ما، أو تجاورنا في سكن، أو اشتراكنا في رحلة ما معاً، من دون أن يكون بيننا تعاطف متبادل، ومشاعر موجبة، بل قد تكون، أحياناً، مشاعر سالبة، فقط هو أننا نعرف كل منا الآخر. وإمّا أن يكون بيننا مشاعر موجبة، وتعاطف متبادل، من دون رغبة جنسية، وهي علاقة الصداقة. وإمّا أن يكون بيننا تعاطف متبادل، مع مشاعر موجبة، مع رغبة في الالتحام الجسدي، مع هذا الآخر، والحصول على لذة من خلال العلاقة والالتحام، وهي علاقة الحب.
ويمكن أن نفصل الصداقة إلى أن لها شق معرفي يتمثل في المعرفة العقلية بالآخر، ومعرفة سماته وطبائعه التي يتميز بها، مع قناعة عقلية بأنه شخص جدير بالاحترام والتقدير، ومعرفة أوجه الشبه بيننا وبينه، مع تفهم لِمَا قد يكون مختلفاً فيه عنّا. وهذا الشقّ المعرفي أساس لتكون الشق الثاني، وهو الوجداني، إذ إن القناعة العقلية بهذا الشخص، بصفة خاصة، تعكس مشاعر موجبة داخلنا تجاهه، فنشعر بالارتياح لوجوده، ونأنس إليه، ونشعر بالسرور لرؤيته. وشقّها الثالث هو السلوك، الذي ينعكس في اهتمامنا بهذا الشخص، وحسن الاستماع إليه عندما يتحدث، واهتمامنا بأن نشاركه خبراته أو مشكلاته ومساعدته في حلها، في صورة نصح أو حل عملي أو مجرد الاستماع إليه لتفريغ شحنته وإشعاره أننا إلى جواره. وكذلك نفضي إليه بأسرارنا ومتاعبنا الشخصية، ونطلعه على ما نفكر فيه، كما نشاركه آماله وطموحاته، ونتابع، باهتمام، أخباره وما يجد له من وقائع.
مراحل نمو الإنسان والصداقة
وعلاقتنا بالآخر تمر بمراحل مختلفة، تبدأ من السنة الأولى من عمر الطفل، حينما يرتبط في علاقة بالآخر، وهو الأم، أو من ينوب عنها، فإذا كانت الأم طيبة، تخف إليه عندما يبكى لتطعمه، أو تهدئ من روعه، أو تغير له ملابسه المبللة، فإن هذا يرسخ لديه الشعور بالثقة بالآخر، والاطمئنان إلى وجود هذا الآخر، وأنه (أي الآخر)، سيشبع احتياجات الطفل المختلفة. وعندما تترسخ الثقة بالآخر، بمثل هذا الشكل، فإن هذا الطفل سوف يكون قادراً، في المستقبل، على إقامة علاقات مع الآخرين، وعلى الثقة بهم. ولكن الإشباع الزائد للاحتياجات، في تلك المرحلة، قد يجعل الطفل اعتمادياً على الآخرين، بدرجة كبيرة، ويثق بالآخر حتى عندما يجب اتخاذ الحذر والحيطة.
وإذا كانت الأم، أو من ينوب عنها، مهملة، لا تستجيب لبكاء الطفل، ولا تشبع احتياجاته، فإنه سيشك في مصداقية الآخر، وتهتز الثقة الأساسية بنفسه، فلا يكون قادراً، مستقبلاً، على إقامة علاقات ثقة بالآخرين، على الرغم من حاجته الشديدة للحب منهم، فإنه ينكر ذلك ويظهر القسوة والعنف في تعامله مع الآخرين، وقد يصل إلى البارانوية، والشك في الآخرين، والشعور بأنهم يضطهدونه، ويخططون لإيذائه.
وعندما يصبح الطفل في العام الثاني من عمره، وتنمو عضلات المشي لديه، فإنه يخطو بعيداً عن أمه، في محاولة للشعور بأنه آخر مستقل. وهو في هذه المرحلة حساس لِمَا يقال عنه، وعنيد لتأكيد استقلاليته. وفي مرحلة الطفولة المبكرة، من ثلاثة إلى ستة أعوام، تكون الذاكرة قد تكونت لديه، إذ يكون للآخر صورة يستدعيها في مخيلته عند غياب هذا الآخر، فلا يكون غياب الآخر أبدياً كما كان في المراحل السابقة، إذ كان لا يحتمل غياب أمه، لأنه لا يتصور أنها ستعود. وعلى الرغم من علاقته بأطفال آخرين، في هذه المرحلة، إلاّ أن تركيزه ينصب على ما يحصل عليه من اهتمام الآخرين وإعجابهم به، وبما يأتيه من مبادرات. ولكن في نهاية هذه المرحلة، يقل تركيزه على نفسه، ويهتم بالآخرين، ويصبح له بعض الأصدقاء. وفي مرحلة الطفولة المتأخرة، من ستة أعوام إلى اثني عشر عاماً، يزيد اهتمامه بالآخرين، ويحرص على الاندماج في مجموعة من الأصدقاء، ويتعاون معهم من أجْل مصلحة الفريق الذي يعمل فيه. ويحزّ في نفسه، أن يكون وحيداً، ليس له أصدقاء، لأنه يحرص على القبول الاجتماعي من الآخرين.
وفي مرحلة المراهقة، يعمل المراهق على تحرير نفسه من ارتباطه بوالديه، ليشعر بشخصيته المستقلة، فيرتبط بمجموعة الأصدقاء التي تعطيه مساندة معنوية، تدعمه وتؤكد له القبول من الآخرين كشخص متفرد، ولذا، فإنه يضحي من أجْل المجموعة، ويتحمل تبعات عضويته فيها. وحين يوجد مراهق بلا أصدقاء، فإنه يعاني من الشعور بالعزلة، وعدم القبول، والضيق والاكتئاب، ويسترسل في أحلام اليقظة، معوضاً العالم الواقعي بعالم آخر من صنع خياله. وقد يزيد الخيال وينأى المراهق عن الواقع إلى درجة اختلال فهم هذا الواقع، الأمر الذي يشوّه إدراكه للعالم الخارجي، فيوصف بالجنون، من قِبل المحيطين به.
وفي مرحلة الألفة وتكوين الأسرة، إذ يكون الشخص قد تزوج وارتبط برباط اجتماعي مع آخر في علاقة حميمة، ونبذ حياة العزوبية إلى إطار الزواج، فيبدأ في صداقات أسرية لتناسب المرحلة الجديدة التي انتقل إليها. فهو لا يستطيع أن يقضي وقت فراغه مع أصدقائه غير المتزوجين، كما كان يفعل قبل الزواج، لأن ذلك لن يدع له وقتاً كافياً لحياته الجديدة، ولذا، نراه ينسحب من أصدقائه غير المتزوجين، ليقيم علاقات أخرى بديلة مع المتزوجين، الذين يشبهونه في مسؤوليتهم الأسرية، وغالباً ما يوجدون معاً في إطار أسرهم. ونظراً إلى المسؤولية المادية للأسرة، في هذه المرحلة، تكثر صداقات المنفعة، بحثاً عن أبواب الرزق للإنفاق على الأسرة، وبناء مستقبلها المادي، وليس عيباً أن تكون للصداقة منفعة مشتركة، إذا توافرت لها المقومات الأخرى، فذلك يقويها، بل إنه يعطي فرصة أوسع للوجود والتحاور معاً، ويوحد الآمال والطموحات المادية، فيقرّب بين الأصدقاء أكثر، خاصة إذا سادت روح التسامح والإخلاص.
وفي المرحلة التالية، إذ كَبُر الأبناء، واستقلوا بحياتهم، أو أوشكوا على ذلك، نرى الشخص وقد جاوز الأربعين، أو أشرف على الخمسين من عمره، يبحث عن معنى جديد لوجوده في الحياة، فلقد كون الأسرة، وكبر الأبناء، وأصبح لكل فيهم شخصية مستقلة، وهنا، يعيش أزمة البحث عن أهداف جديدة تستحق أن يعيش من أجلها، فيما يعرف بأزمة منتصف العمر. وقد يكون حل الأزمة باختيار أصدقاء جدد، أو زوجة جديدة، أو تغيير نمط الحياة، أو إعادة اختيار العمل. وقد يتجه إلى الاندماج في نشاط مجتمعي يخدم المجتمع الأوسع، بعد أن كان مركزاً على رعاية أسرته، وهذا يجعله صديقاً لكثيرين ممن يشاركون أو يفيدون من هذا النشاط. وتكون صداقات هذه المرحلة، صداقات ناضجين، لا تشوبها انفعالات المراحل السابقة، كما تكون فيه المساندة للصديق وإعانته في عثراته، خاصة أن الشخص يملك الامكانيات التي تؤهله لذلك في هذه المرحلة. وتُعَدّ صداقة هذه المرحلة أنضج الصداقات وأمثلتها ما زالت تطل علينا من التاريخ، وأروعها ما كان بين سيدنا محمد -r- وأبي بكر الصديق -رضى الله عنه- إذ كانت صداقة فيها التضحية والحب والإيثار، مع وحدة الآمال والأهداف، ولخدمة المجتمع الإسلامي الوليد، آنئذٍ، ثم تدعمت بالمصاهرة بزواج النبي -r- من عائشة بنت أبي بكر الصديق ـ رضى الله عنهما.
ثم تأتي المرحلة الأخيرة من مراحل نمو الإنسان، بما فيها من شعور بالتكامل والرضى، مع حكمة ما فات من عمر الإنسان، فلا تضيف صداقات جديدة، إلا نادراً، إذ يقل سعي الإنسان في هذه المرحلة، وهذا يتيح له فرصة الوجود مع أحفاده، فتبدأ صداقة من نوع جديد، صداقة الجد المحدود الحركة، بالطفل المتطلع إلى المستقبل الدءوب الحركة، فينقل الخبرة وتراث الأجداد إلى الأحفاد، ليبدأوا رحلة مراحل جديدة في عالم متغير بصداقات جديدة. وفي صداقة الجد والأب القدوة للصغير، في كيفية التعامل مع أصدقائه.
ماذا يُستفاد من الصداقة؟
للصداقة مردود وفوائد تعود علينا كما تعود على أصدقائنا، فهي تعطينا الفرصة لنعبر عن أنفسنا مع آخر، هذا الآخر، يقبلنا ويهتم بنا، ويسمعنا ويشاركنا آلامنا وآمالنا وتطلعاتنا، فنشعر بالمساندة والتأييد، ويقل الشعور بالوحدة والعزلة، أو النبذ من الآخرين، كما نتبادل الخبرات التي تفيد كل منا، سواء كانت خبرات عشناها بأنفسنا، أو سمعناها، أو قرأنا عنها، وحدثت لغيرنا، إنه الإثراء المتبادل لكل من الصديقين في اتجاه مزيد من التكيف والصحة النفسية.
حين يبتسم الطفل ابتسامة اجتماعية لأمه، فتنجذب إلى تلك الابتسامة، وتداعبه، بغية تكرارها. والطفل السوي مزود بتلك الهبة الإلهية، وهي الابتسامة البريئة، التي تجذب الانتباه إليه، وتستوقف الكبار لمداعبته، وإقامة صداقة معه، وتظل الابتسامة الاجتماعية، هي مفتاح العلاقات مع الآخرين، وتصريح الدخول إلى قلوبهم منذ تلك اللحظة.
ما هي سمات الشخص الصدوق؟
وهناك سمات في بعض الأشخاص، تجعلهم أيسر وصولاً إلى قلوب الآخرين ومصادقتهم، فهم يملكون تلك الابتسامة الاجتماعية التي تحدثنا عنها، وهم يظهرون الاهتمام بمن يحدثهم، مع التواضع في معاملته وإظهار الاحترام له والإصغاء لِمَا يقول، مع التسامح وعدم الانتقاد له، بل إبراز الوجاهة فيما يقول.
إننا نحب من يشعرنا أننا بخير، وإذا أخطأنا، فليكن إصلاحه لنا برفق، ويملك قدراً كبيراً من التسامح، وإذا انتقدنا، ففي إطار من المودة والتقدير. وهذه السمات هي مفاتيح الصداقة، فمن كانت جزءاً من ،طبائعه كان صدوقاً للآخرين، ومحبباً إليهم.
|
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| |
| |
| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 3 | |
|