منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

 " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالجمعة 17 يونيو 2016, 12:05 am

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 5:52 pm

علم النفس الإيجابي




       

علم النفس الإيجابي

علم النفس هو الدراسة العلمية للسلوك، ويهدف إلى فهم السلوك أو تفسيره، وضبطه وتوجيهه، بل والتنبؤ به. ولا تتحقق هذه الأهداف إلا بالدراسة العلمية والجادة للسلوك ودوافعه وأسبابه؛ سواء أكان السلوك سوياً أو غير سوي، وفي أي مجال من مجالات الحياة.

من هنا تعددت فروع علم النفس ومجالاته وميادينه؛ فمنها ما يهتم بالوقوف على خصائص السلوك السوي، ومقوماته وقوانينه الأساسية؛ ومنها ما يهتم بالتعرف على السلوك غير السوي، بدرجاته المختلفة وصوره المتعددة.

ينتمي علم النفس الإيجابي إلى المجموعة الأولى التي ذكرت أولاً؛ لأنه يهتم في الأساس بالدراسة العلمية لما يحقق السعادة للناس. ويسعى إلى تعزيز قدرات الشخصية المتعددة، كالصمود والصلابة النفسية والتفكير الإيجابي وغيرها، وإلى تدريب الأفراد على مواجهة الضغوط النفسية، التي يتعرضون لها، والتخلص من الاحتراق النفسي، وإلى تحسين الرضا عن الحياة وجودتها، وإلى دراسة الظروف والعمليات، التي تسهم في الوصول إلى أعلى أداء وظيفي للناس والجماعات والمؤسسات. وفضلاً عن ذلك فإن علم النفس الإيجابي، في اهتمامه بالمجتمع، يسعى إلى تنمية الفضائل وتفعيل دور المؤسسات المدنية، التي تعمل على تحسين الواقع وتنمية الشعور بالمسؤولية، لدى الأفراد، والإيثار والتسامح، والعمل الخلاق.

إذا كان علم النفس التقليدي يركز على السلبيات؛ فإن علم النفس الإيجابي يعالج الضعف، ويغذي مواضع القوة لدى الفرد، ويعمل على بناء السِّمات الإيجابية، التي تساعد الأفراد والمجتمعات، ليس على التحمل والبقاء فقط، بل وتساعدهم أيضاً على الازدهار. كما أن استخدام إستراتيجيات علم النفس الإيجابي، تؤدي إلى نقل الشخص بعيداً عن التركيز ضيق الأفق، على معايشة المواقف السلبية والأمراض النفسية، إلى منهج جديد هو تنمية السمات الإيجابية والفضيلة والقوى الإيجابية على مدى الحياة، والاستفادة منها في الصحة والعلاقات والعمل.

ويقوم علم النفس الإيجابي على تعظيم المهارة، التي يمتلكها جميع الأفراد، وهي مهارة الكفاح من أجل الهدف، والتي تؤدي إلى تنمية السِّمات البشرية الإيجابية، واستخدامها في مكانها الصحيح.

نماذج لموضوعات علم النفس الإيجابي

ظهر مجال علم النفس الإيجابي وأهدافه تغيير وظيفة علم النفس، من التعامل فقط مع الموضوعات ذات الطابع السلبي في الحياة، إلى بناء أفضل الكفايات الإيجابية، مثل السعادة والارتياح (للماضي)، والتدفق والبهجة والإحساس بالمتعة (للمستقبل)، والخبرات المعرفية حول التفاؤل بالمستقبل والآمال والإيمان، والصحة النفسية الإيجابية.

وعلى المستوى الفردي يهتم بالسمات الفردية الإيجابية، مثل الحب والتشجيع والمهارات التشخيصية والإحساس بالجمال والمثابرة والتسامح والأصالة والحكمة، وكذلك الصحة النفسية الإيجابية.

أما على المستوى الجماعي، فيدور اهتمامه حول الخصائص البيئية، والمؤسسات التي توجه الأفراد نحو أساليب المواطنة، كالمسؤولية والتنشئة والإيثار والحداثة والتسامح وأخلاقيات العمل.

وبناءً على ذلك تعددت موضوعات علم النفس الإيجابي، التي يتناولها بالدراسة. وفيما يلي عرض لنماذج من موضوعاته:

أولاً: الشخصية الإيجابية

لتعريف الشخصية الإيجابية عدة مناحي: الأول منها سرد الخصائص المميزة لتلك الشخصية، والثاني المقارنة بين خصائص الشخصية الإيجابية، وخصائص الشخصية السلبية. أما المنحى الثالث، فيقوم على اقتراح تنظيم متكامل لتلك الخصائص.

1. المنحى السردي لنتائج البحوث والدراسات

تتميز الشخصية الإيجابية بالسعادة والرضا عن الحياة، وبتفسير المواقف بطريقة أكثر إيجابية، وبالبحث عن المواقف التي ترتبط بسمات شخصياتهم ودوافعهم؛ فالانبساطي يقضي وقتاً أطول في المواقف الاجتماعية، والمناشط البدنية، خاصة إذا كان اختيار هذه المواقف وتلك المناشط يتم بحرية.

وتتسم الشخصية الإيجابية بالتفاؤل وتقدير الأحداث على أنها مُجلبة للسرور، ويتذكرون أحداثاً أكثر إيجابية، وتكون تداعياتهم الحرة أكثر مجلبة للسرور.

ويرتبط الانبساط بالسعادة والشعور بالرضا وبالمشاعر الإيجابية. ويهيئ الانبساط الناس لأن يمروا بأحداث حياة سعيدة، خاصة في مجال الصداقة والعمل، وهذه تقود، من ثم، إلى درجة عالية من الهناء الإيجابي، وإلى زيادة الانبساطية.

ومن خصائص الشخصية الإيجابية ارتفاع الضبط الداخلي؛ إذ يعتقدون أن الأحداث تقع تحت سيطرتهم، وليست بيد الآخرين أو الحظ. ويزداد لدى هذه الشخصية الشعور الذاتي بالهناء، الذي يرتبط بارتفاع الضبط الداخلي.

ويشعر صاحب الشخصية الإيجابية بأعلى درجات السعادة عندما يستطيع حل صراعاته الداخلية، وتحقيق درجة من التكامل في شخصيته. كما وجد أن الذين يكشفون عن درجة منخفضة من التفاوت، بين صورة الذات والذات المثالية وبين التطلعات والإنجازات، هم أكثر شعوراً بالسعادة والإيجابية.

كما بينت الدراسات أن أصحاب الشخصية الإيجابية يحصلون على قدر كبير من الشعور الذاتي بالرضا، من خلال العمل، أي من خلال أداء العمل فعلاً، واستخدام مهاراتهم، وتحقيق الإحساس بالنجاح، أو الانجاز، الناجم عن إكمال العمل، بل ومن الممارسة الجادة لأنشطة وقت الفراغ.

ومن خصائص تكامل الشخصية الإيجابية القدرة على التنظيم والتخطيط، واستخدام الوقت بنجاح، والنظرة الإيجابية للوقت، وبالدقة والكفاءة، ومن ثم يبدو المستقبل مشرقاً لهم.

2. المنحى المقارن

الشخصية السلبية
   

الشخصية الإيجابية

تستسلم للمواقف
   

تتدبر البدائل

جمود الشخصية
   

مرونة الشخصية

ضعف التحكم في المشاعر
   

قوة التحكم في المشاعر وردود الأفعال

لا تسعى للتميز
   

تبذل أقصى جهد للتميز

لوم الآخرين (ضبط خارجي)
   

لوم الذات (ضبط داخلي)

ضعف الإصرار والعزيمة
   

قوة الإصرار والعزيمة

الحل الواحد
   

الحلول والاختيارات المتعددة

ضعف تحمل المسؤولية
   

قوة تحمل المسؤولية

3. منحى التنظيم المتكامل لخصائص الشخصية الإيجابية

أ. اتجاهات الفرد نحو ذاته

(1) رؤية واقعية موضوعية للذات.

(2) تقبل الذات بما فيها من قوة أو قصور.

(3) الشعور بالذاتية، بما فيها من اعتبار للذات.

ب. النمو والنضوج وتحقيق الذات

(1) النمو السليم لمفهوم الذات.

(2) توجيه الدافعية للسلوك توجيهاً سليماً.

(3) تمايز أبعاد الذات وتطويرها إلى أقصى حد.

ج. التكامل

(1) توازن القوى النفسية لدى الفرد.

(2) نظرة متسقة غير متضاربة للحياة.

(3) مواجهة الضغوط وإيجابية مقاومتها.

د. الاكتفاء الذاتي

(1) تنظيم السلوك تنظيماً نابعاً من داخل الفرد.

(2) الاستقلالية في التصرف.

هـ. إدراك الواقع

(1) إدراك متحرر من التشوه الناتج عن الحاجة.

(2) المشاركة الوجدانية والتعاطف والحساسية الاجتماعية.

و. السيطرة على البيئة

(1) القدرة على تبادل الحب.

(2) الكفاية في الحب والعمل.

(3) الكفاءة في مواجهة متطلبات المواقف.

(4) القدرة على المواءمة والتكيف.

(5) الكفاءة في حل المشكلات.

ثانياً التفكير الإيجابي

قال ديكارت "أنا أفكر إذن أنا موجود". واستدل ديكارت على وجود الإنسان بناءً على تفكيره. إن التفكير عملية وليس إجراء، يهدف إلى البناء والفعالية للفرد والمجتمع، وذلك باستنباط واكتشاف ما هو أفضل، وبالاستخدام النافع لإمكانات الأفراد والمجتمعات. إن التفكير هو التقصي المدروس للخبرة من أجل غرض ما، قد يكون هذا الغرض هو الفهم أو اتخاذ القرار أو التخطيط وحل المشكلات، أو الحكم على الأشياء، أو القيام بعمل ما.

وإذا كان القرين يتضح بنقيضه، فالتفكير الإيجابي يزداد وضوحاً إذا قورن بالتفكير السلبي؛ فإذا كان التفكير السلبي هو إدراك سلبي للذات والعالم والمستقبل، قائم على الأفكار المشوهة، فإن التفكير الإيجابي هو تكوين صورة ذهنية موجبة عن ذات الفرد، وعن العالم والمستقبل.

وإذا كان التفكير السلبي استياء من الماضي وخوفاً من المستقبل، وإنه يغلق كل طريق منطقي، يعاني صاحبه من القلق الكافٍ للاوعي؛ فإن التفكير الإيجابي توظيف وانتفاع بالخبرات الماضية، وإعادة توظيفها على نحو أفضل للأداء، وبصورة بناءة أكثر فائدة ونفعاً.

وإذا كان التفكير السلبي توقعاً سلبياً ضاراً وغير نافع للأمور؛ لأنه نوع من التشوهات المعرفية، فإن التفكير الإيجابي توقع إيجابي للأمور؛ لأنه يشعر الفرد بالتفاؤل بسلطته وقوته وبأنه متحكم في حياته بحكمة وذكاء، وبالقدرة على مواجهة الأمور وحل المشكلات.

وإذا كان الخوف من الفشل ومن الرفض وعدم التقبل ومن النقد، من خصائص التفكير السلبي؛ فإن التطوير الإيجابي المتواصل من سمات التفكير الإيجابي لأنه يجعل من الفشل طريقاً للنجاح، ومن الرفض طريقاً للتقبل، ومن النقد مفتاحاً للبناء، اعتماداً على جوانب القوة ومعالجاً لجوانب الضعف.

وإذا كان التشاؤم من سمات التفكير السلبي؛ لأن أصحابه ينظرون دائماً إلى الجانب المظلم في كل شيء، ويتخيلون أن كل الأشياء غير السارة المخيفة على وشك الوقوع؛ فإن التفاؤل من سمات التفكير الإيجابي؛ بمعنى الإيمان بالنتائج الإيجابية وتوقعها، حتى في أصعب المواقف والأزمات والتحديات.

ومن خصائص أصحاب التفكير السلبي، الحديث السلبي الذاتي النابع من مسلمات خاطئة عن النفس والآخرين. ويكون هذا الحديث تأكيداً لتلك المسلمات الخاطئة. أما أصحاب التفكير الإيجابي، فإن حديثهم الذاتي يكون إيجابياً؛ لأنه مبني وقائم على رؤية موضوعية وفهم حقيقي للذات والآخرين، وتصحيح مستمر ومستمد من الخبرات المتجددة التي يكتسبها الفرد (لا على تشويه تلك الخبرات والتجارب).

ويتسم أصحاب التفكير السلبي بسيطرة كثير من المشاعر السلبية عليهم، كالاكتئاب والقلق والخوف وضعف السيطرة على غضبهم والعصبية في التصرف، كما يكونون في حالة توتر مستمر. أما أصحاب التفكير الإيجابي، فتسيطر عليهم المشاعر الإيجابية، فهم قادرون على توجيه تفكيرهم وجهة إيجابية، ينظرون نظرة متفائلة لما يحيط بهم، متفائلون، متقبلون لذواتهم، وبالكفاءة الشخصية المدعمة بإنجازاتهم تحقيقاً لذواتهم، وبالتفتح والانفتاح على الخبرات، وبممارسة التفاعل الاجتماعي بنجاح، وبالحكمة والتطلع نحو المستقبل.

وثمة طريقتان أساسيتان للنظر إلى العالم. فأصحاب التفكير الإيجابي يتصفون بالنظر للعالم نظرة تتميز بالإيجابية، فتصير شخصاً إيجابياً، وترى العالم في إطار الخير والإحسان، وتصير أكثر تفاؤلاً، وتصير شخصاً أكثر سعادة وأكثر فاعلية. أما أصحاب التفكير السلبي، فيتصفون بنظرة تتسم بالسلبية والخبث تجاه العالم، لا ترى سوى المشكلات والظلم في كل مكان، وترى القيود وعدم الإنصاف، بدلاً من رؤية الفرص والأمل.

ويتضح مما سبق فوائد التفكير الإيجابي، والتي تتمثل في أنه:

·       يعتبر سر الأداء المتميز، سواء في الدراسة أو في العمل.

·       يتيح للفرد فرصة الاختيار الناجح للأهداف.

·       يجعل الحياة ممتعة ومليئة بالسعادة، مع وجود القلق الحافز.

·       ما يمتاز به التفكير الإيجابي من خصائص، يؤدي إلى التفاؤل والطاقة والقدرة على الدفاع عن النفس.

·      إن الشخص الذي يفكر تفكيراً إيجابياً يعتمد على نفسه، وهو مخطط ومنفذ بناء، موضوعي النظرة، يجعل من الفشل طريقاً للنجاح، وعضواً نافعاً في المجتمع.

ثالثاً: السعادة

"ما هو أرقى خير يمكن أن يبلغه المرء بجهده؟ يتفق عامة الناس وصفوتهم على أنه السعادة؛ ولكنهم يختلفون حتى في تحديد حقيقتها".

"إن كل البشر قد خلقوا سواسية، وإن خالقهم قد حباهم بحقوق لا يجوز انتزاعها منهم، منها الحق في الحياة، والحرية، والجد في طلب السعادة".

"ما الذي يطلبه الناس من الحياة ويودون تحقيقه؟ إن الإجابة على هذا السؤال جلية يصعب الشك فيها؛ فالناس يكافحون من أجل سعادتهم، إنهم يريدون أن يكونوا سعداء، وأن يظلوا على هذا النحو".

مما سبق يتضح أن السعادة حق من حقوق الإنسان؛ لذا فهي هدف يسعى الإنسان نحو تحقيقه. وفي سعيه نحو تحقيق سعادته، يتعامل ويوجِد نوع الحياة التي يريدها.

إن نوع الحياة، على المستوى الاجتماعي العام، هي ذلك البناء الكلي الشامل، الذي يتكون من مجموعة من المتغيرات المتنوعة، التي تهدف إلى إشباع الحاجات الأساسية للأفراد الذين يعيشون في نطاق هذه الحياة... ونوع الحياة بالنسبة للإنسان هي ما يدركه منها، حتى إن تقييم الفرد للمؤشرات الموضوعية في حياته (كالدخل والسكن والعمل والتعليم... إلخ) تمثل في أحد مستوياتها انعكاس مباشر لإدراك هذا الفرد لجودة الحياة، في وجود هذه المتغيرات على هذا المستوى، والذي يتوقف، بدرجة كبيرة، على مدى أهمية كل متغير من هذه المتغيرات لهذا الفرد، وذلك في وقت معين وفي ظل ظروف معينة. ويظهر ذلك في مستوى السعادة أو الشقاء، الذي يكون عليه، والذي يؤثر بدوره على تعاملات هذا الإنسان مع كافة المتغيرات، التي تدخل في نطاق تفاعلاته.

ومعنى ذلك أن السعادة (والشقاء) إحدى مظاهر التعبير عن نوع الحياة، وأن هذا النوع دالة لإدراك الفرد للمتغيرات التي يتعامل معها، من أجل إشباع حاجاته.

ما السعادة؟

حاول الفلاسفة وضع تعريف للسعادة؛ إلا أن نسبية المفهوم أدت إلى اختلافاتهم فيما صاغوه من تعريفات. يرى أحد الفلاسفة أن السعادة هي النظير للأسلوب الناجح في التعامل، مع فترة أقصر وأهداف أقل؛ لذلك فإن التدبير المتروي في الكيفية التي يمكن بها أن تكون سعيداً، هي بمثابة النظير للتدبير المتروي في الكيفية التي يمكن بها التعامل مع مجموعة أصغر من الأهداف، عبر فترة زمنية أقصر.

ويرى فيلسوف آخر أن السعادة نشاط النفس وفقاً لفضيلتها، وإذا كان هناك أكثر من فضيلة للنفس، فإنها (أي السعادة البشرية) تكون وفقاً لأعظم فضائلها، وأكثرها كمالاً.

وثمة فيلسوف آخر يرى أن السعادة للموجودات البشرية، هي عقارٌ طبيٌ مهدئٌ وطريقة في التفكير، أي تبدو في المقام الأول بوصفها سعادة الارتياح وعدم الانزعاج، وحالة تُخمة الإشباع التي تبلغ في النهاية حالة التوافق.

وقد أسهمت التعريفات الفلسفية للسعادة في توضيح نسبية السعادة، وفي تعريفها. وجاءت التعريفات النفسية لتبحث في مكونات السعادة وقياسها؛ فالسعادة هي "الرضا الشامل"، الذي يشتمل على الشعور بالرضا عن جوانب محددة، مثل العمل أو الزواج أو الصحة أو القدرات الذاتية أو تحقيق الذات. ويمكن فهم السعادة بوصفها انعكاساً لدرجة الرضا عن الحياة، أو بوصفها انعكاساً لمعدلات تكرار حدوث الانفعالات السارة وشدة هذه الانفعالات. وليست السعادة عكس التعاسة تماماً.

وللسعادة ثلاثة عناصر أو أبعاد، هي: الرضا عن الحياة ومجالاتها المختلفة، والاستمتاع والشعور بالبهجة، والعناء بما يتضمنه من قلق أو اكتئاب، وأخيراً الصحة، التي ترتبط بكل من العوامل الثلاثة السابقة.

أدى تعدد تعريفات السعادة إلى ظهور مفهومات أخرى ترتبط بها، وتسهم في الوصول إلى تحقيقها، من ناحية، وفي تحديد طبيعة علم النفس الإيجابي، من ناحية أخرى، ومن هذه المفاهيم:

1. معنى الحياة

ومعنى الحياة مفهوم شائع يصف خبرة حياة لها هدف وذات قيمة. ويوجد هذا الهدف عندما يتسامى الإنسان بذاته. والإنسان، الذي يكتشف أن لحياته معنى وهدفاً، هو الإنسان، الذي يستطيع أن يتحمل ندرة اللذة والافتقار إلى المكانة والنفوذ، دون أن ينتقص هذا من سعادته أو صحته.

إن معنى الحياة هو إدراك الفرد لمكانته الاجتماعية، في ضوء ثقافة مجتمعه، ومنظومة القيم، التي نشأ عليها في ضوء أهدافه واهتماماته وتوقعاته، في شتى المجالات. والفرد الذي يدرك معنى لحياته، يخطط أهدافه ويحدد أغراضه ويشعر أن عليه وظيفة يجب أن يؤديها في هذه الحياة، وأنه لم يوجد في هذه الحياة جزافاً.

ويشتق الفرد معنى حياته من عدة مصادر، منها ما يتعلق بإشباع الجانب الروحي، كالمداومة على الذهاب لدور العبادة؛ ومنها ما يتعلق بالجانب الاجتماعي، كتكوين علاقات اجتماعية وممارسة الأنشطة الابتكارية وتحقيق الإنجازات الشخصية وإشباع الدوافع الأساسية؛ ومنها ما يتعلق بالجانب الاقتصادي، المتمثل في الحصول على موارد مالية تحقق مطالب حياته. إضافة إلى الشعور بالأمن والتمتع بأوقات الفراغ، والالتزام بالقيم والمبادئ الخلقية السامية.

ومعنى الحياة قد يكون إيجابياً أو سلبياً، ويتحدد ذلك من خلال قدرة الفرد على مواجهة تحديات الحياة، ومجابهة الأزمات، إذا استطاع أن يوازن بين إمكاناته المتاحة ومطالب الحياة المتزايدة. ويعني ذلك أنه إذا نجح الفرد في تحقيق هذا التوازن، أصبح للحياة معنى إيجابياً، وإذا فشل في تحقيق هذا التوازن أصبح للحياة معنى سلبياً.

2. الرضا عن الحياة

ظهرت نظريات مختلفة لتفسير الرضا عن الحياة، منها:

أ. نظرية المواقف: يرى أصحاب هذه النظرية أن الإنسان عندما يعيش في ظروف طيبة، يشعر فيها بالأمن والنجاح في تحقيق أهدافه. في هذه الظروف يكون الإنسان راضياً وسعيداً، ومتمتعاً بالصحة النفسية.

ب. نظرية الخبرات السارة: يرضى الإنسان عن حياته عندما تكون خبراته فيها سارة وممتعة؛ فليست الظروف أو المواقف الطيبة هي مصدر الرضا؛ وإنما ما يدركه الإنسان من خبرات سارة، في هذه الظروف والمواقف.

ويمكن تعريف الرضا عن الحياة بأنه إدراك الفرد بأنه زُوِد بإمكانيات واستعدادات، في جميع جوانب شخصيته، وأنه نجح في استثمارها ما يشعره بالسعادة، وحب الحياة والإقبال عليها. أي نوع من التقدير الهادئ والمتأمل لمدى الرضى، عن العمل والزواج وقضاء أوقات الفراغ، وغيرها.

ويُعد الرضا عن الحياة جزءاً مهماً من جودة الحياة؛ لأن جودة الحياة تتمثل في شعور الفرد بالرضا والإشباع لكافة احتياجاته وطمأنينة نفسه، وتحقيق الذات، الذي يجعل الفرد يشعر بالبهجة والاستمتاع. وتتمثل جودة الحياة في التقدير العقلي لنوع الحياة، التي يعيشها الفرد، من خلال التأكد من حسن سير الأمور، سواء في الماضي والحاضر.

إن مفهوم الرضا عن الحياة هو أحد الأركان الأساسية لمفهوم جودة الحياة. إن الراضين عن حياتهم يشعرون بجودتها، فيستمرون بها كما يشعرون بالاطمئنان والاستقرار، ما يجعلهم قادرين على العطاء والإتقان والإنتاج، متميزين بالتسامح والود وحسن التعامل مع الآخرين. وعلى خلاف ذلك، يتجه غير الراضين عن حياتهم إلى تدمير ذواتهم بارتكاب الجرائم، وإدمان المخدرات، والتخريب والإفساد، وإيذاء الآخرين وتدمير بيئاتهم، كنوع من التعبير عن عدم الرضا بالحياة.

السعادة إذاً:

·       من أعظم فضائل النفس البشرية، التي توصل صاحبها في النهاية إلى التوافق مع ذاته والآخرين.

·       مفهوم نسبي يتوقف على إدراك الفرد للمتغيرات التي تحيط به، ومن ثم تختلف من فرد لآخر، ومن زمان لآخر.

·       هدف يسعى الإنسان نحو تحقيقه، أو غاية يعمل على بلوغها.

·       يرتبط تحقيق السعادة بالوصول إلى الأهداف المرجوة. والعبرة في ذلك ليس بكثرة الأهداف، بل بنوع تلك الأهداف، والزمن المتاح للوصول إليها.

·       تكوين فرضي يمكن تحديده بأنه الرضا الشامل، الذي يتبدى في الرضى عن جوانب محددة، والاستمتاع بالشعور بالبهجة والصحة. ويمكن قياس درجة ما يشعر به الفرد من سعادة قياساً كمياً، كما في مقاييس الحالة المزاجية للفرد، والتي تتطلب من المفحوص تقدير درجة شعوره بالبهجة/ الاكتئاب، خلال فترة معينة.

·       وللسعادة مصادر متعددة ــ حددها السيكولوجيون ــ وتُعد العلاقات الاجتماعية واحدة من أهم مصادرها، والتخفف من العناء، وزيادة تقدير الذات، وكف الانفعالات السلبية. ومن مصادرها العمل، الذي يكون مصدراً للدخل ولتنظيم الوقت والإحساس بالمكانة والهوية والاتصالات الاجتماعية. ويعد نشاط وقت الفراغ مصدراً أساسياً للشعور بالرضا عن الحياة؛ لأنه يمارس بدافع داخلي ذاتي، من خلال استخدام وتنمية المهارات وتوفير إشباع اجتماعي، وشعور بالاسترخاء. وترتبط الصحة بالسعادة ارتباطاً وثيقاً، وهي غالباً ما تكون سبباً للسعادة والشعور بالرضا.

 




       

المصادر والمراجع

1.   توفيق عبدالمنعم توفيق، "الخدمة النفسية والسلوك الصحي: نحو إستراتيجية مقترحة لتنمية الصحة النفسية الإيجابية"، المؤتمر السنوي الأول لقسم علم النفس، كلية الآداب، جامعة طنطا، 2004.

2.   جليلة عبدالمنعم مرسى، "جودة الحياة والذكاء الخلقي لدى عينة من طلاب كلية التربية"، المجلة المصرية للدراسات النفسية، العدد 72، القاهرة، 2011.

3.   حسن عبدالفتاح، "السعادة بين علم النفس الإيجابي والصحة النفسية"، مؤسسة الإخلاص للطباعة والنشر، القاهرة، 2006.

4.   حسن عبدالفتاح، "فعالية استخدام إستراتيجيات علم النفس الإيجابي في التخفيف من قلق المستقبل"، المجلة المصرية للدراسات النفسية، العدد 58، القاهرة، 2008.

5.   حسين الدريني، "المدخل إلى علم النفس"، دار الفكر العربي، القاهرة، 1983.

6.   سطوحي سعد رحيم، "علم النفس الإيجابي"، بحث مرجعي مقدم للجنة العلمية الدائمة لترقية الأساتذة المساعدين"، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 2006.

7.   الشافعي مصطفى الشافعي عبدالرحمن، "أثر برنامج التفكير الإيجابي والتدعيم الذاتي في ضوء البرمجة اللغوية العصبية على الأداء الأكاديمي لدى عينة من تلاميذ الحلقة الثانية من مراحل التعليم الأساسي"، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة طنطا، 2013.

8.   العارف بالله محمد الغندور، "أسلوب حل المشكلات وعلاقته بنوعية الحياة"، المؤتمر الدولي السادس لمركز الإرشاد النفسي، جامعة عين شمس، القاهرة، نوفمبر 1999.

9.   فايزة أحمد حلمي صادق، "أثر برنامج تدريبي قائم على معالجة المعلومات على تغيير الفكر السلبي لدى عينة من طلاب الجامعة"، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة طنطا، 2012.

10.    مايكل أرجيل، "سيكولوجية السعادة"، ترجمة فيصل يونس، عالم المعرفة، العدد 175، الكويت، 1993.

11.    مجدي عبدالكريم حبيب، "تعليم التفكير في عصر المعلومات"، دار الفكر العربي، القاهرة، 2007.

12.    نيكولاس وايت،" السعادة: موجز تاريخي"، عالم المعرفة، العدد 405، الكويت، 2013.

 


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 5:54 pm

التعلم ذاتي التنظيم

       

التعلم ذاتي التنظيم

إذا كان طلب العلم فريضة على كل إنسان، فإن العلي القدير قد زود بني الإنسان بوسائل وأساليب تساعده على التعلم. فالطفل الصغير يسعى إلى معرفة بيئته من حوله، وإلى اكتشاف كل ما يحيط به. والطفل في سعيه هذا يكون مدفوعاً بدوافع ذاتية، ومستخدماً لطرق معينة تحقق له المعرفة. تلك الخاصية تمثل البدايات الأولى للتعلم ذاتي التنظيم، بوصفه العمليات التي ينشط بها الفرد، ويمارس ضبط تفكيره ووجدانه وسلوكه، عند اكتسابه المهارات والمعارف المختلفة، وكذلك بوصفه العمليات التي بواسطتها يستطيع الفرد ممارسة التعلم ذاتي التنظيم، لتصرفاته ودوافعه وتفكيره، سعياً لتحقيق أهداف معينة ومهمة له.

وأثبتت الدراسات أن للتعلم ذات التنظيم أهمية كبيرة في حياة الأفراد وتعلمهم، بسبب الآتي:

·       يسهل عملية التعلم باستخدام الإستراتيجيات والطرق والأساليب المناسبة.

·       يزود الأفراد المتعلمين بفرص لتطبيق وممارسة تلك الإستراتيجية، وما يستجد أو يكتسبه من إستراتيجيات جديدة.

·       يربط المعلومات الجديدة والحديثة بالمعلومات السابقة لدى الفرد، والموجودة في بنيته المعرفية.

·       يحسِّن التعلم ذاتي التنظيم من تعلم المتعلمين وأدائهم في العديد من المجالات الأساسية، كالقراءة والكتابة والرياضيات.

·       يستخدم التعلم ذاتي التنظيم مع الطلاب العاديين والمتعلمين ذوي مشكلات التعلم المختلفة؛ فهو يحسن من تعلم الطلاب العاديين ويكسبهم المهارات المختلفة، كما يعالج أو يقلل من الصعوبات والمشكلات السلوكية لهم، إضافة إلى تحسين الأداء الأكاديمي لذوي تلك الصعوبات والمشكلات.

·       يزيد التعلم ذاتي التنظيم من الدافعية الداخلية أو الذاتية للأفراد، ومن معتقدات الفرد حول فعالية الذات.

·       يساعد الطلاب على التكيف مع أو تعديل إستراتيجيات التعلم، بما يتلاءم مع سعيهم لتحقيق أهدافهم.

·       يؤدي إلى زيادة الاستعداد للمشاركة في المهام والأنشطة، مع تكثيف المجهود والإصرار الشديد على إنجاز المهام، قبل أو في الوقت المحدد.

·       يقلل من صعوبات التعلم النمائية والأكاديمية لدى المتعلمين، كما يقلل من السلوكيات العدائية لديهم.

·       يُمكن الأفراد من إدارة معارفهم بطريقة أفضل، ويجعلهم ينظمون ما يتعلمونه ويتبعون خطوات هادفة ومنظمة أثناء تعلمهم.

·       يؤدي إلى تمكن المتعلم من استخدام عمليات ذاتية لتنظيم سلوكه وتنظيم بيئة التعلم، لتحقيق أهدافه. ومن هذه العمليات تحديد المهام وتحديد الأهداف، واكتساب إستراتيجيات للتعلم، وتقييم للذات، وتوجيه للذات أثناء العمل في إنجاز المهام، وفهم بيئات التعلم والتحكم فيها، وإدارة مصادر التعلم.

·      يؤدي التعلم ذاتي التنظيم إلى اعتقاد المتعلم بأنه قادر على السيطرة على الاتجاه الذي يسير فيه، ومن هنا ينمو لدى المتعلم الإحساس بالثقة والكفاءة الذاتية، والإحساس بالإدارة الذاتية للمواقف التعليمية.

بناءً على ما سبق، فإن التعلم ذاتي التنظيم يُعد أحد الأساليب التربوية الملائمة لمواجهة الانفجار المعرفي، الذي يعيشه العالم في كافة مجالات الحياة. ولما كان من خصائص الألفية الثالثة التقدم التكنولوجي والمعرفي الهائل، فإن التعلم ذاتي التنظيم، الذي يؤدي إلى اعتماد المتعلم على ذاته في التعلم، يكون من أحد وسائل التعامل مع هذا التقدم. ومع تزايد استخدام التكنولوجيا، خصوصاً في المجال التربوي، مثل: التعلم عن بُعد، وبيئات المتعلم المعززة بالحاسوب، وبرامج التعليم المفتوح، والمقررات الدراسية، عبر الإنترنت، زادت من أهمية التعلم ذاتي التنظيم. يرجع ذلك إلى أن استخدام التكنولوجيا يعتمد على قدرة الأطفال على استخدام إستراتيجيات التعلم المُنظم ذاتياً، وتحملهم المسؤولية عن تعلمهم.

أولاً: مفهوم التعلم ذاتي التنظيم

لتعريفات التعلم ذاتي التنظيم فئات متعددة. فقد عرفه بعض العلماء بوصفه عملية، أو عمليات، يمارسها الفرد في مواقف التعلم. وعرفه آخرون بوصفه إستراتيجيات أو خطط يستخدمها المتعلم أثناء تعلمه. وعرفه فريق ثالث بأنه دافع يحرك الفرد للتعلم. وثمة بعض من العلماء عرفه بناءً على ما يتميز به الأفراد المتفوقين في التعلم ذاتي التنظيم من خصائص. وأخيراً نظر إليه بعض العلماء على أنه تكوين فرضي، ومظاهر متعددة.

ومن تعريفات النوع الأول من التعلم ذاتي التعلم بوصفه عملية أو عمليات، التعريف بأنه: عملية بنائية نشطة تؤكد على العمل المستقل في ظل انخراط المتعلمين في سلسلة متكررة من الأنشطة المختلفة، التي تسهم في البناء المعرفي وما وراء المعرفي والدافعي، والقدرة على العمل في سياق بيئي متنوع ومماثل، لما تم التدريب عليه.

بمعنى أنه عملية تخطيط ومراقبة للعمليات المعرفية، والما وراء معرفية، والوجدانية، للوصول إلى أداء ناجح في المهمة الأكاديمية. إنه العمليات التي ينشط بها الطلاب، ويدعمون معارفهم وسلوكياتهم ومشاعرهم الوجدانية، التي يمارس الطلاب من خلالها ضبط تفكيرهم ووجدانهم وسلوكهم، عند اكتسابهم للمعارف والمهارات المختلفة، ومن ثم يتوجهون بانتظام لتحقيق أهدافهم. إنه عملية بناءة نشطة، يضع فيها المتعلم الأهداف، ثم يعمل على تخطيط وتوجيه وتنظيم وضبط معارفه ودافعيته وسلوكياته والسياق، الذي يتم فيه التعلم.

وتتضمن تلك المجموعة من التعريفات أن التعلم ذاتي التنظيم عملية أو سلسلة عمليات (وضع أهداف، تخطيط، مراقبة... إلخ) يمارسها المتعلمون معاً لتحقيق أهداف تعلمية وتعليمية. ويكون المتعلم في سعيه هذا نشطاً إيجابياً مستقلاً، ذلك أن التعلم ذاتي التنظيم لا يقف عند الجوانب المعرفية فقط، بل يشمل جوانب وجدانية أيضاً، مثل ضبط وتوجيه المشاعر. إنه عملية تراكم خبرات مستمرة موجهة ذاتياً، تؤدي إلى إنجاز المهام.

أما المجموعة الثانية من التعريفات، فترى أن التعلم ذاتي التنظيم هو استخدام المتعلم لإستراتيجيات خاصة، تجعله متمكناً من استخدام عمليات ذاتية لتنظيم سلوكه، وتنظيم بيئة التعلم؛ تحقيقاً لأهدافه الدراسية. أي إنه أشبه بمجموعة من الإستراتيجيات المعرفية والما وراء معرفية وإدارة المصادر، التي يستخدمها المتعلمون في مواقف التعلم. إنه مجموعة من الخطوات المتكاملة، تشمل إجراءات محددة ومنظمة يمارسها ويتدرب عليها المتعلم كوسيلة لوصوله إلى تحقيق أهدافه؛ إنه مجموعة من الإجراءات والعمليات الموجهة نحو اكتساب معلومات ومهارات، تشمل مدركات المتعلمين عن الهدف والوسيلة، وهي تشمل بعض الطرق، مثل: تنظيم وتحويل المعلومات، والمتابعة الذاتية، والبحث عن المعلومات، والتكرار، واستخدام معينات الذاكرة.

ويُلاحظ على هذه المجموعة من التعريفات اشتراكها مع العمليات، وذلك بوصف أن الإستراتيجيات هي خطط متكاملة يستخدمها الأفراد لتحقيق أهدافهم.

ومن التعريفات السابقة يتضح أن ثمة خصائص تميز التعلم ذاتي التنظيم كإستراتيجيات، وهي:

·       الإستراتيجيات أفعال عمدية تحدث بغرض تحقيق أهداف معينة.

·       تتولد تلك الإستراتيجيات بواسطة الشخص ذاته.

·       تطبيق تلك الإستراتيجيات اختيارياً، وهي تتصف بالمرونة حيث تتضمن كلاً من المهارات المعرفية والما وراء معرفية والإدارية والدافعية، كما تتصف بالتلقائية في استخدامها وإمكانيات تطبيقها.

·       الإستراتيجيات تكتيكات متعلمة تكتسب بمساعدة الآخرين وتستخدم في حل المشكلات، ويستطيع المتعلم تطبيقها مستقلاً بعد تعلمها.

·      يمكن أن يصل الفرد نتيجة ممارسته للإستراتيجيات إلى مستويات الخبير، ويؤديها بطريقة آلية مبسطة.

أما المجموعة الثالثة من التعريفات، أي التي تنظر للتعلم ذاتي التنظيم بوصفه دافعاً، فترى أن التعلم ذاتي التنظيم هو ذلك النوع من التعلم الذي يحدث، عندما يكون لدى التلاميذ دافعية للانخراط على نحو تأملي وإستراتيجي في أنشطة التعليم داخل البيئات، التي تشجع على التنظيم الذاتي. إن التعلم المنظم ذاتياً يُعد أكثر من تنظيم ذاتي فقط، وأكثر من طريقة انتقائية للتعلم فقط، إنه أشبه بدافع داخلي يوجه الذات لاستخدام إستراتيجيات فعالة، لتحقيق أهداف مرجوة.

ويُلاحظ على هذه المجموعة الثالثة أنها تناولت إحدى وظائف التعلم ذاتي التنظيم، وهي الوظيفة الدافعية التي تحرك المتعلم عند الانخراط في أنشطة التعلم، وتوجهه لاستخدام إستراتيجيات فعالة تمكنه من أداء الأنشطة  بنجاح، وإلى متابعة تقدمه وتقويم ذاته.

أما المجموعة الرابعة من التعريفات، فتركز على ما يتمتع به الأفراد مرتفعي التنظيم الذاتي للتعلم من خصائص وصفات. وهذا ما سنتناوله فيما بعد.

يوضح العرض السابق تباين التعريفات، التي صاغها الباحثون للتعلم ذاتي التنظيم. وهنا يُثار السؤال التالي: ما أسباب هذا التباين؟

1. يرجع ذلك إلى اختلاف الباحثين في تركيزهم على مكونات التعلم ذاتي التنظيم. إن للتعلم ذاتي التنظيم مكونات أربعة، هي: البُعد المعرفي، كالتسميع والتنظيم والتفصيل، وبعد ما وراء معرفي، كالوعي والتخطيط للتعلم ومراقبة الأداء؛ وبُعد دافعي، ويشمل الدافعية الذاتية والضبط الانفعالي والمكانة الذاتية؛ والبُعد البيئي، ويتضمن الضبط البيئي وطلب المساعدة والبحث عن التطبيقات.

2. اختلاف توجهات التعريف، إذ يوجد نوعان من التعريفات:

·    التعريف الوصفي للتنظيم الذاتي للتعلم، حيث يوصف المتعلمون بأنهم منظمون ذاتياً، حسب درجة مشاركتهم الفعلية دافعياً وسلوكياً وما وراء معرفياً في عملية تعلمهم الذاتية.

·   التعريف الشارح للتنظيم الذاتي للتعلم، ويُشير إلى العمليات التي بواسطتها يستطيع الطلاب القيام بالتنظيم الذاتي لتصرفاتهم وانفعالاتهم وأفكارهم، بغية إحراز أهدافهم الأكاديمية.

3. إن التعلم ذاتي التنظيم تكوين فرضي يعبر عن نفسه من خلال عدة مظاهر. قد تكون تلك المظاهر عمليات أو إستراتيجيات، كما سبق توضيح ذلك، وقد تكون تلك المظاهر إجراءات يمارسها المتعلم. ومن هذه المظاهر أن التعلم ذاتي التنظيم يتضح في المشاركة النشطة للطلاب معرفياً وما وراء معرفياً ودافعياً وسلوكياً في عملية تعلمهم، بهدف تحقيق أهدافهم الأكاديمية. ويتضح التعلم ذاتي التنظيم في تحديد الهدف وتوجيه جهود الفرد، للوصول إلى الأهداف والمراقبة الذاتية وإدارة الوقت في بيئات التعلم.

ثانياً: خصائص التعلم ذاتي التنظيم

لكي يتضح مفهوم التعلم ذاتي التنظيم، فيجب مقارنته بالتعليم التقليدي. والتعليم التقليدي الموجه من المعلم يعتمد على تلقين الطلبة ما يتوجب عليهم أن يتعلموه أو يفعلوه، والتركيز على محتوى المادة بوصفه الهدف النهائي للدرس، ويكون فيه الطالب منصاعاً مستسلماً، ويُزيد التنافس بين المجموعات مع قليل من التفاعل، كما يسوده الاعتماد على المعلم في اتخاذ القرارات، واستخدام أنماط متماثلة من التفكير، وتُستخدم فيه الدافعية الخارجية بكثرة، كما يتولى المعلم عملية التقويم كاملة، وتكون وسائل التعليم فيه ثابتة، وهي الكتاب المقرر، كما تقل روح المغامرة.

أما التعلم المنظم ذاتياً، فيركز على حرية الطالب وفرديته واعتماده على نفسه في اتخاذ القرارات، وتحمل المسؤولية في التعلم. كما يزيد فيه التعاون مع وجود مستوى عالٍ من التفاعل بين الأفراد والمجموعات، وكذلك يستخدم فيه الطالب أنماطاً متنوعة من التفكير، ويركز على الحوافز والدوافع الداخلية. ويعتمد على التقييم والتعزيز والمراقبة الذاتية من الطالب، كما يسوده النمط ما وراء المعرفي في التعليم.

أي أن التعلم ذاتي التنظيم، يتسم بالخصائص التالية:

·       يكون لدى المعلم درجة عالية من الاستقلالية في التعلم، وتقييم الأداء.

·       يكون المتعلم نشطاً مشاركاً في عملية تعلمه معرفياً وسلوكياً وما وراء معرفياً، ويتحكم في عملية تعلمه.

·       يضع المتعلم أهداف تعلمه ويخطط ويراقب معرفته ودافعيته وسلوكه، ويقوِّم ذاته أثناء عملية الاكتساب وممارسته للتعلم.

·      يستخدم المتعلم إستراتيجيات متعددة معرفية وما وراء معرفية، وإدارة الذات وإدارة مصادر التعلم.

ثالثاً: خصائص الأفراد مرتفعي التعلم ذاتي التنظيم

تساعد معرفة خصائص الأفراد مرتفعي التعلم ذاتي التنظيم، في إدراك مفهومه، من ناحية، كما تزود القائمين على شأن هؤلاء الأفراد بمعلومات تسهل التعامل معهم وتوجيههم بالطريقة والإستراتيجية المناسبتين، على نحو يفيدهم في عملية تعلمهم.

اختلف الباحثون في عرضهم للخصائص المميزة لهؤلاء الأفراد؛ فمنهم من حددها بناءً على مكونات التعلم المنظم ذاتياً، ومنهم من حصرها في صورة قوائم، منها ما يكوِّن توليفة ذات طابع خاص، ومنها من يذكر الخصائص بصورة عامة.

يمثل النوع الأول توضيح الخصائص بناءً على مكون الما وراء معرفي، الدافعي، السلوكي، البيئي. فالمكون الما وراء معرفي يتضمن وصفهم بأنهم مخططون، منظمون، يتعلمون ذاتياً، ويقيمون ذواتهم. أما المكون الدافعي، فيتضمن وصف هؤلاء الأفراد بأنهم يدركون أنفسهم على أنهم أكفاء ذاتياً، مستقلون، ولديهم دافعية ذاتية داخلية للتعلم. أما المكون السلوكي، فيتضمن وصف هؤلاء الأفراد بأنهم يختارون ويبنون ويطوعون المواقف التعليمية على نحو يساعدهم في تحقيق أهدافهم. أما المكون البيئي، فيتضمن وصفهم بأنهم يحددون مصادر التعلم ويوجهون عملية استخدام تلك المصادر بكفاءة.

أما عن القوائم التي تتضمن حصراً للخصائص في فئات تكوِّن كل منها توليفة معينة، فيمثلها قائمة ترى أن هؤلاء الأفراد "خبراء"، يتصفون بخصائص تندمج في أربعة مظاهر تؤهلهم للنجاح في مسعاهم التعليمي، هي.

·       أن لديهم رغبة دافعة للتعلم، تنشأ من الدمج النشط للمعرفة والسلوكيات والوجدان.

·       يستفيدون من المعرفة عن محتويات وإستراتيجيات التعلم للتقدم نحو التعلم الناجح. كما يحددون وقتهم ومصادرهم التي تدعمها بيئات التعلم، وعندما تواجههم العقبات (مثل الشروط غير المواتية للمذاكرة، أو كتب مدرسية غامضة).

·      إنهم مفكرون متأملون بوصف أن التأمل هو التفكير النشط والمستمر والدقيق في أي معتقدات، وأن التأمل يمكن أن يحدث في العمل، أو على العمل.

وكنموذج آخر لحصر الخصائص في تركيبة معينة، وصف المتعلمون مرتفعو التعلم ذاتي التنظيم، بأنهم يستطيعون القيام بأربع مهام، هي:

·       تشخيص الموقف التعليمي تشخيصاً صحيحاً.

·       اختيار إستراتيجية مناسبة لحل المشكلة.

·       مراقبة فاعلية الإستراتيجية المستخدمة أثناء الأداء.

·      دافعية لأداء العمل، والاندماج فيه.

أما الصورة الثالثة لعرض الخصائص على نحو عام، أي في صورة حصرية، فيمثلها ذكر الخصائص المميزة للأفراد مرتفعي التعلم ذاتي التنظيم، دون وضع إطار عام تنظيمي لتلك الخصائص، بل عرض سردي لما أسفرت عنه البحوث:

1. يتميز هؤلاء الأفراد بالآتي:

أ. الوعي بأهدافهم والتخطيط لتحقيقها.

ب. يجيدون استخدام إستراتيجيات التعلم ذاتي التنظيم.

ج. يراقبون تعلمهم ويزودون أنفسهم بأنفسهم بتغذية راجعة، عند الاحتياج إليها.

د. نشطون بناؤون لعملية تعلمهم؛ فهم يستطيعون توظيف المعارف والمعلومات المختلفة لأداء المهام الخاصة بتعلمهم، أي أنهم غير سلبيين في تلقيهم للمعلومات.

هـ. مبادئون مبادأة ذاتية، حيث يظهرون قدراً من إرادة التعلم.

و. ذوو دافعية ذاتية عالية، ويستطيعون توظيفها بصورة مستمرة، حتى الانتهاء من عملية التعلم.

ز. القدرة على التركيز في المهام التي يقومون بها.

ح. الاستقلالية في أداء المهام، ولا يطلبون المساعدة كثيراً؛ بل عند الاحتياج إليها لإنهاء المهام التعلمية بنجاح.

ط. ذوو مفهوم ذاتي أكاديمي مرتفع، مقارنة بالآخرين.

ي. تدور معتقداتهم الدافعية المرتفعة حول فعالية الذات، والتوجه نحو الهدف، والإغراءات السببية (الذاتية غالباً).

2. أ. يؤدي استخدامهم الهادف لمختلف العمليات والإستراتيجيات المناسبة، إلى زيادة تحصيلهم الدراسي.

ب. توجيه عملية التعلم ومراقبتها أثناء حدوثها.

ج. وصف وتبرير "كيف"، و"لماذا" يستخدمون إستراتيجية معينة، من إستراتيجيات التعلم ذاتي التنظيم.

د. الثقة بالنفس والاجتهاد في العمل والكفاءة.

هـ. البراعة وسعة الحيلة والمثابرة.

و. وجود هدف تعلمي واضح ومحدد، يسعى لبلوغه.

ز. نشط يدير تعلمه بكفاءة.

ح. الفعالية الذاتية مع القدرة على التقدير الذاتي، في المواقف التعليمية المختلفة.

ي. يخطط ويتحكم ويوجه عملياته العقلية لتحقيق أهدافه التعليمية، كما يتحكم في الوقت والمجهود الذي يستخدمه لأداء المهمة.

ط. يبني بيئة تعلمية محببة، وينمي أحاسيس إيجابية نحو المهمة، ويبدي جهوداً كبيرة في التحكم في المهام الدراسية وتنظيمها، وكيفية تقييمها، وتصميم الواجبات، والعمل الجماعي.

مما سبق، تتضح أهمية الوقوف على الخصائص المميزة للأفراد مرتفعي التنظيم الذاتي للتعلم، تربوياً ونفسياً واجتماعياً وتنظيمياً لبيئات التعلم.

ومما يجدر الإشارة إليه أن كل خاصية، من الخصائص السابقة، تشبه خطاً متصلاً لا فجوات فيه، يمتد من أعلى درجات الخاصية إلى أدناها. وأن لدى كل فرد درجة من درجات هذه الخاصية، تجعله يقع إما بالقرب من قطب الدرجات المرتفعة، أو قطب الدرجات المنخفضة، أو حول نقطة الوسط بين القطبين، حيث يقع غالبية الأفراد.

ويمكن وضع الخصائص السابقة في كلمات موجزة، مثل: يتصف مرتفعو التنظيم الذاتي للتعلم بأنهم مستقلون، مبادئون، إستراتيجيون، هادفون، منظمون، مخططون، موجهون، متابعون، مقيمون، مرنون، واعون بعملياتهم المعرفية، ذوو دافعية ذاتية داخلية.

إن هذه الخصائص أو السمات، تعمل في تناسق تام وانسجام موجه نحو تحقيق أهداف تعلمية؛ لأن التنظيم الذاتي للتعلم عملية اجتهادية متباينة تكيفية
   

       

المصادر والمراجع

1.   أيمن منير حسن الخصوصي، "أثر برنامج تدريبي قائم على التعلم ذاتي التنظيم في التلكؤ الأكاديمي لدى طلاب الجامعة"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، 2013، القاهرة.

2.   جابر عبدالحميد جابر، "إستراتيجيات التدريس والتعليم، دار الفكر العربي، القاهرة، 1999.

3.   داليا خيري عبدالوهاب، "الاتجاهات الحديثة في مجال التفكير ذاتي التنظيم"، بحث مرجعي مُقدم للجنة العلمية لترقية الأساتذة المساعدين، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 2013.

4.   ريم ميهوب سليمون، "أثر برنامج لتعلم مهارات التنظيم الذاتي على الأداء الأكاديمي لدى عينة من طلاب جامعة"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة طنطا، 2003.

5.   عصام الدسوقي إسماعيل الجبة، "أساليب التفكير لسترنبرج وعلاقتها بإستراتيجيات التعلم المنظم ذاتياً لدى عينة من طلاب التربية الخاصة بمدينة جدة"، دراسات عربية في التربية وعلم النفس، العدد 26، 2012.

6.   محمد محمود خليل سعودي، ماجد محمد عثمان عيسى، منال محمد علي الخولي، "فاعلية التدريب على إستراتيجيات التعلم المنظم ذاتياً في اكتساب المفاهيم الرياضية والدافع للإنجاز الأكاديمي لدى أطفال ما قبل المدرسة الموهوبين بمدينة الطائف"، مجلة كلية التربية، العدد 46، جامعة الأزهر، ط1، 2011.

7.   وليد عاطف الصياد، "أثر نموذج للتعلم ذاتي التنظيم في أبعاد مفهوم الذات لدى ذوي صعوبات التعلم بمرحلة التعليم الأساسي"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 2009.


، يقوم فيها المتعلم بتعديلات مرنة بناءً على التغذية الراجعة، التي تنقلها إليه تلك السمات.

وأخيراً، يمكن تفسير الاختلافات في تعريف التعلم ذاتي التنظيم، تفسيراً مشتقاً من مكونات ذلك النوع من التعلم؛ فإذا كان لذلك النوع من التعلم مكونات أربعة أساسية، هي: المكون المعرفي، وما وراء المعرفي، والسلوكي الدافعي، والبيئي، فإن تفاوت تركيز الباحثين على تلك المكونات ربما يُفسر التباين، في تعريف التعلم ذاتي التنظيم.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 5:55 pm

التربية والنمو الخُلقي



       

التربية والنمو الخُلقي

حثت جميع الأديان على مكارم الأخلاق، إلى درجة تجعلها من مقومات تلك الأديان؛ فالرسول الكريم e بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، ولينقذ البشرية من كثير من الانحرافات الخُلقية. ومكارم الأخلاق من مقومات الأمم وحياة الشعوب، فإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هُمُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا. إن هذا المعنى الأخير، هو الذي أشار إليه الشعراء وعبر عنه الأدباء، إلى حد أن الفيلسوف "زكي نجيب محمود" أكد على ذلك في كتابه "مجتمع جديد أو الكارثة".

فالأخلاق هي أحد أسلحة المجتمعات للمحافظة على بقائها واستمرار تماسكها؛ لأنها تمنع انتشار الضمائر الضعيفة الخربة، وعدم القدرة على السيطرة على النفس، وعدم الإحساس بالآخرين، ونقص القدرة على الإنصاف والعدالة، وانتشار العدوان بصوره المختلفة، والفساد الإداري ونقص الرقابة الذاتية. وتساعد الأخلاق على شعور الفرد بالصحة النفسية، ومقاومة الانحرافات بأشكالها وصورها المختلفة، وتدعم الصحة المجتمعية وتنميها.

إن الأخلاق في أي مجتمع هي تعبير عن الجوانب الإنسانية في العلاقات بين الأفراد في المجتمع؛ ومن ثم فهي العنصر الجوهري، الذي تتحقق من خلاله إنسانية الإنسان. إنها كل خبرة بشرية معايشة يمكن أن تنطوي على مضمون ذي قيمة. فالحياة الأخلاقية، بما فيها من جهد ومشقة وسعادة ونجاح وفشل، حياة عامرة بالخبرات، حافلة بالمعاني، مفعمة بالقيم، وهي كل تجربة يعانيها الإنسان حين يستخدم إرادته، وحين يقوم بأي جهد إرادي، سواء أكان ذلك من أجل تحقيق مقصد ذاتي، أو من أجل تغيير العالم المحيط به، والتأثير على غيره من الناس.

تمثل الأخلاق مجموعة من القيود والمعتقدات والمثاليات، المشتقة من الدين والعُرف والإدراك العقلي الإيجابي للسلوك الراقي. وتتمثل هذه الأخلاق في المعايير السلوكية، التي تحدد قيمة وصور التصرفات السوية وغير السوية. وفي هذا العصر أصبحت الأخلاق ضرورة حتمية، لمواجهة ظاهرة التآكل الأخلاقي الذي يظهر في انتشار الفساد، وظهور المواقع الإباحية في شبكة المعلومات، والصور الشتى للسلوك المنحرف.

إن المجتمع المعاصر يحيا "أزمة أخلاقية"؛ وليست الأزمة الخُلقية هي عدم قدرة الأفراد على العيش وفقاً لمبادئهم وقيمهم الخُلقية، مع أن ذلك يمثل مشكلة خطيرة؛ ولكنها مسألة انهيار في الإرادة على نطاق واسع، فضلاً عن الافتقار إلى الشجاعة للتمسك بما يعتقد فيه، أو أنها فقدان للروح المعنوية، الأمر الذي يجعل تمسك الفرد بمبادئه الخُلقية والعمل بوحي منها، أمراً صعباً.

تتفاعل الأزمة الخُلقية مع الأنواع الأخرى من الأزمات، لكي تتشكل حياة الأفراد والمجتمعات. فحين يختلف الناس ذوي المعتقدات الخُلقية المختلفة، حول نمط سلوكي معين وهل يُسمح به، أو لا يُسمح به في مجتمعهم، فإن الأزمة تغدو اجتماعية؛ وحينما لا يستطيع الناس ذوي المبادئ الخُلقية المحددة وضع مثلهم موضع التطبيق، فإن الأزمة تضحي سيكولوجية أو معنوية؛ ولكن حينما لا يعرف الناس ما يتعين عليهم أن يتمسكوا به من مبادئ وقيم، أو يعجزون عن تطبيق مُثلهم الخُلقية في مواقف معينة، فإن الأزمة في هذه الحالة تكون أزمة خُلقية.

أولاً: تعريفات الأخلاق والأخلاقية

اختلف الباحثون السيكولوجيون والتربويون والفلاسفة، في تحديد معنى الأخلاق؛ فيرى المتخصصون في دراسة الفلسفة، مثلاً، أن الأخلاق جمع خُلق، وتُستعمل للدلالة على علم معين. ويمكن تعريف الأخلاق على أنها تتضمن:

·       مجموع قواعد السلوك مأخوذة من حيث هي غير مشروطة.

·      نظرية عقلية في الخير والشر، تنحو نحو نتائج معيارية.

كذلك، يرى المتخصصون في دراسة الفلسفة أنه إذا كنا بصدد التفكير في معايير السلوك، فعلينا أن نميز بين الأخلاقيات النظرية أو علم الأخلاق، وبين الخُلق العام. ذلك أن الخلق العام يتألف من المعايير شديدة العمومية في مجتمع ما، وهي تنطبق على الناس جميعاً داخل هذا المجتمع، بغض النظر عن دورهم في المؤسسات الاجتماعية أو مهنهم. إضافة لذلك، فإن معايير الخُلق العام تُميز بين الصحيح والخاطئ، بين الخير والشر، الفضيلة والرذيلة، العدالة والظلم، وهي تعلو على ما سواها. أما الأخلاقيات النظرية فليست معايير عامة للسلوك بل معايير لمهنة معينة أو وظيفة محددة او لمؤسسة أو مجموعة داخل المجتمع.

أما التربويون، فيرون أن مصطلح الأخلاق يُشير إلى ثلاثة معانٍ رئيسية:

·       يُستعمل مصطلح الأخلاق للإشارة إلى مقاومة الإغراء، أو الحد من السلوك الخاطئ، الذي يؤدي إلى إشباع حاجة أو تحقيق فائدة للفرد.

·       المعايير الذاتية لدى الفرد والتي تُعد ضابطاً لسلوكه، حيث تؤدي دور السلطة في تحديد سلوك الفرد وأحكامه الخُلقية، حتى في حال غياب السلطة الخارجية.

·      السلوك الذي يقوم به الفرد معتمداً على الأحكام والمبادئ، التي يتقبلها عقلياً ومنطقياً.

ويرى أحد التربويون أن مصطلح "خُلقي" يُشير إلى الأمور ذات الصلة باعتبارات المبادئ والقيم، ويتضمن مصطلح الأخلاق أيضاً السلوك ومظاهره. كما أن الصفات "خُلقي" و"غير خُلقي" تتضمن السلوك المرغوب فيه وغير المرغوب فيه. ومن ثم، فإنها توحي بالمعايير الاجتماعية؛ لأن الإشارة إلى السلوك "الخُلقي" كأمر مرغوب فيه، و"غير الخُلقي"، كأمر غير مرغوب فيه، فإن هذا القبول أو الرفض إنما يحدث من قِبل المجتمع. ويُستخدم مصطلح "الأخلاقية" للإشارة إلى مبادئ الأخلاقيات، لوصف أسلوب العيش مع الآخرين في مجتمع إنساني؛ ومن ثم فإن كافة الأنماط الخُلقية تشترك في أن لها ثلاثة مجالات رئيسية، هي: الذات، والآخرين، والعلاقة بينهما.

أما السيكولوجيون، فيستخدمون مصطلحات متعددة، منها: "السلوك الخُلقي"، و"التفكير الخُلقي"، و"الحُكم الخُلقي"، و"الذكاء الخُلقي".

1. السلوك الخُلقي

هو كيف يواجه الفرد، عبر مراحل عمره المختلفة، المشكلات الأخلاقية، والطريقة التي يسلك بها، أو طريقة تفكيره في مواجهة تلك المشكلات.

والسلوك الخُلقي ذا طابع كمي، أي أن الفروق بين الأفراد فروق في الدرجة، وليست فروقاً في النوع. وهذا معناه أنه لا يوُصف بأنه إما يوجد أو لا يوجد، أي ذا تصنيف ثنائي، بمعنى هذا أخلاقي وذاك غير أخلاقي، أو تصنيف الناس إلى أخلاقيين ولا أخلاقيين.

والأخلاقية ليست سلوكاً بسيطاً، بل هي سلوك مُركب من مجموعة من الأبعاد، مثل الاتجاه نحو الآخرين، والقدرة على فهم مشاعر الذات ومشاعر الآخرين، وكفاءة الفرد في القيام بالأدوار الاجتماعية، التي يختارها أو تُفرض عليه، والوعي بالمواقف والتفكير فيها تفكيراً خُلقياً، وغيرها. إن هذا يفسر لماذا يسلك الفرد الواحد سلوكاً يبدو متناقضاً، من الناحية الأخلاقية.

2. التفكير الخُلقي

هو نمط التفكير الذي يتعلق بالتقييم الخُلقي للأشياء أو الأحداث، وهو يسبق كل فعل سلوكي. وهو تطبيق لعمليات التفكير العادي، على مجال معين من مجالات الحياة. وعليه، فإن ذلك يكون مرتبطاً بمرحلة النمو العقلي للطفل، لذلك ركزت بحوث التفكير الخُلقي حول فهم الطفل للقواعد، وأسلوب تفكيره الخُلقي.

3. الحُكم الخُلقي

هو تقييم السلوك الشخصي للآخرين في مواقف معينة، تتطلب منهم مساعدة الآخرين، إما بالإثابة أو العقاب؛ استناداً إلى مجموعة من المعايير والأوامر والنواهي والعادات المتعارف عليها. ويقدر ذلك التقييم على أساس: النتيجة، القصد، الجهد، والقدرة.

·      ويُقصد بالنتيجة: الآثار الخارجية الملموسة أو الظاهرة، المترتبة على سلوك معين.

·      وبالقصد: رغبة شخصية ترتبط بسلوك معين، وتُشير إلى ما يسعى الفرد إلى إنجازه أو تحقيقه.

·      وبالجهد: وهو يشكل الجانب الكمي (العقلي والبدني) من محاولات الفرد تسيير الفعل، والمحافظة على قوته الدافعة وتوجيهه وإعطائه خاصية هادفة، قد تستمر حتى إتمام العمل.

·      وبالقدرة: ما يتمتع به الفرد من مهارة عقلية وشخصية وبدنية، لأداء أعمال على مستويات مختلفة من الصعوبة.

الحُكم الخُلقي هو حُكم يًصدره الفرد في موقف ما يُعرض عليه أو يواجهه، ويتعلق بصواب وصحة أو خطأ هذا الفصل أو التصرف. ويرتبط الحُكم الخُلقي للفرد بمدى إدراكه المعرفي، ومعاييره الاجتماعية، ومكونات ومستويات البيئة، التي نشأ فيها.

4. الذكاء الخُلقي

هو احترام الفرد لنفسه وللآخرين، كقيمة تُعبر عن جانب من جوانب الذكاء الاجتماعي المرتبط بالتطبيق العملي، وليس مجرد الالتزام النظري. إنه قابلية الفرد لإدراك ما هو صواب متميز عن الخطأ؛ فتتكون لديه قناعات أخلاقية تلزمه بالسلوك الصحيح، الذي يقبله المجتمع ويؤيده ولا يستنكره. إنه القدرة على فهم المآزق الأخلاقية وتحليلها، وحل المسائل الأخلاقية من خلال تحديد ومعرفة الفرد بمواطن النفع والضرر، التي يمكن أن تترتب على اتخاذه قرار معين.

ويتكون الذكاء الأخلاقي من سبعة أبعاد، هي: التعاطف، الضمير، الاحترام، التسامح، العطف، العدالة، ضبط النفس (الرقابة الذاتية). أما مصادره، فهي: الدين والعُرف والمصالح العامة للفرد والوجدان والعقل والاستدلال.

ثانياً: النمو الخُلقي

يمثل النمو الخُلقي أحد الاهتمامات السيكولوجية بالأخلاقية. وتهتم دراسة النمو الخُلقي بكيفية مواجهة الفرد عبر مراحل عمره المختلفة للمشكلات الأخلاقية، والطريقة التي يسلك بها، أو طريقة تفكيره في مواجهة تلك المشكلات. أي يهتم بكيفية تغير تفكير الطفل الخُلقي، أو كيف ينمو ضميره، وكيف ينمو اهتمامه بالآخرين، وكيف يكتسب المهارات الاجتماعية اللازمة.

والنمو الخُلقي هو سلسلة التغيرات الارتقائية التي تطرأ على الفرد، وتنعكس في سلوكه وأحكامه، التي يصدرها إزاء القضايا الأخلاقية. إن هذا التغير يكون تراكمياً ومطرداً، يأخذ صورة تجميعية تمهد فيها المرحلة الأولى للثانية، وهكذا. وتجميعية بمعنى أن الأبنية التي تكونت في مرحلة عمرية معينة، لا تختفي أو تزول نهائياً لتحل محلها أبنية جديدة تماماً، وإنما هي بالأحرى تدخل كجزء مكون للأبنية الجديدة.

ولمّا كان هذا التغير الارتقائي يرتبط بالعمر الزمني للفرد، توصل الباحثون إلى عدة مراحل للنمو الخُلقي، ووضعوا لذلك نظريات متعددة. ومن هذه النظريات:

1. نظرية بياجيه

وضع بياجيه أساساً نظرية في التطور المعرفي للفرد، ورتب عليها وجهة نظره في مراحل النمو الخُلقي، التي يمر بها الفرد. فالطفل يبدأ نموه الخُلقي بمحاولة فهم القواعد. ويمر فهمه للقواعد واستخدامها بالمراحل الآتية:

أ. المرحلة الحركية: ويكون اللعب فردياً خالصاً، ولا يمكن التحدث عن قواعد جمعية حقيقية، كما يكون اللعب عشوائياً.

ب. مرحلة التمركز حول الذات: وفيها يتلقى الطفل أنواعاً من القواعد المقننة من الخارج، وهي في المرحلة العمرية بين الثانية والخامسة. ففي هذه المرحلة عندما يلعب الأطفال فإنهم، على الرغم من وجودهم الفيزيقي وانتشار التقليد بينهم، إلا أن كل منهم يلعب بمفرده.

ج. مرحلة التعاون الأولي الظاهري: وتستمر هذه المرحلة حتى سن الحادية عشرة تقريباً، وفيها يلعب الأطفال بالمعنى الحقيقي، كل واحد يتنافس مع الآخرين ويحاول تحقيق الكسب، أي أنهم يبدأون في الانتباه لعملية وضع نظام من القواعد الموحدة، ومع ذلك فإن تصوراتهم عن القواعد بصفة عامة تكون غامضة نسبياً.

د. مرحلة التقنين: وهي في حوالي الحادية عشرة أو الثانية عشرة من العمر، وفيها يبدأ الطفل في وضع قواعد مفصلة وثابتة ومفهومة ومقبولة من جميع الأطفال. ويبحث الطفل في هذه المرحلة عن القواعد لذاتها، كما أن إتباع هذه القواعد يكون نتيجة للمناقشة الحرة.

2. نظرية كوليرج

وضع كوليرج مراحل النمو الخُلقي في صورة مستويات ثلاثة، هي:

أ. المستوى الأول ما قبل العُرف والتقاليد: ويتضمن مرحلتين، هما أخلاق الخضوع، وأخلاق الفردية أو الأنانية.

ب. المستوى الثاني سيادة العُرف والتقاليد: وتتضمن مرحلتين أيضاً، هما أخلاق التوقعات المتبادلة بين الأشخاص، وأخلاق النُظم الاجتماعية والضمير.

ج. المستوى الثالث ما بعد العُرف أو التقاليد، أو مستوى المبادئ الأخلاقية: ويتضمن مرحلتين، هما أخلاق التعاقد الاجتماعي، وأخلاق المبادئ العامة.

تلك كانت بعض النماذج لمراحل النمو الخُلقي، وتبقى الإجابة على السؤال التالي: كيف يمكن تحقيق النمو الخُلقي ومساعدته وتوجيهه، حتى يُصبح سليماً ومتوافقاً مع المجتمع وثقافته؟. إن من طُرق الوصول إلى هذه الغاية التربية الخُلقية.

ثالثاً: التربية الخُلقية

يُقصد بالتربية مجموعة من العمليات، التي تستخدم لإحداث تأثيرات معينة في الأفراد. وتقوم بهذه العمليات مؤسسات متخصصة، كالمدرسة والجامعة؛ ومؤسسات غير متخصصة، كالإعلام والمؤسسات الدينية.

معنى هذا أن التربية الخُلقية هي سلسلة العمليات التي تستخدم لتنمية الأفراد خُلقياً، وهي بذلك تعني تنشئة الأفراد على القيم التي ينشدها المجتمع، ويسعى لغرسها في أبنائه. كما تعني تقديم أنواع من الدعم الذي يتناسب مع كل مرحلة من مراحل النمو الخُلقي، حتى يجتازها الفرد بنجاح؛ فالتربية الخُلقية، إذاً، تسعى إلى تحقيق التنمية الخُلقية للأفراد.

ولكي تتحقق التنمية الخُلقية، يجب العمل على:

1. تنمية الضمير بوصفه الحاسة الأخلاقية عند الإنسان، أو القوة الداخلية الذاتية المتعلمة والمكتسبة، والتي تكون نتيجة لما يُحصله الفرد من الحب والأوامر والنواهي والتعليمات والإرشادات والتعزيزات الإيجابية والسلبية، والتوجيهات والنصائح، التي توضح له الخطأ من الصواب، والحلال من الحرام، في كل ما يقوم به من أنشطة.

2. تنمية الرقابة الذاتية بوصفها سيطرة عقل الفرد على انفعالاته وشهواته؛ تلك الرقابة التي تجعل الفرد رقيباً وضابطاً لسلوكياته، وفقاً لمبادئ المجتمع.

3. تنمية التعاطف بوصفه القدرة على أن يضع الفرد نفسه موضع الآخرين، وأن يتمثل مشاعرهم وأحاسيسهم. والتعاطف هو الوعي الموضوعي بأفكار ومشاعر شخص آخر، والمعاني التي تتضمنها هذه المشاعر والأفكار.

4. تنمية العطف، وهو شعور مركب من الرحمة والرعاية، وهو شعور رقيق يتدفق نحو الآخرين، يدعو إلى الرفق بهم ومساعدتهم.

5. تنمية التسامح، أي تقبل التنوع، سواء أكان هو التنوع المعرفي، أو الطبقة الاجتماعية، أو المعتقدات، أو الأديان. وهو خلاف الانتقام، حيث يضبط الإنسان الرغبة في الانتقام، ويستبدل العفو والصفح الجميل بدلاً عن الانتقام.

6. الاحترام، وهو احترام للذات وعدم تعريضها للمهانة، واتخاذ الأساليب التي تمكن الفرد من إدارة ذاته، على نحو يكفل لها التقدير الذاتي، ثم تقدير الآخرين. وهو، أيضاً، احترام الآخرين؛ بمعنى تقبل الأفراد كما هم، لا كما تحب.

تلك كانت بعض جوانب التنمية الخُلقية، التي يمكن تحقيقها باستخدام أساليب ووسائل متعددة، منها: النمذجة والقدوة، ولعب الأدوار، والمناقشة العقلانية للقضايا الأخلاقية، والوقائع والقصص، والإرشاد الديني، والإرشاد السلوكي، والتدريب على المهارات الاجتماعية.

وأخيراً، لِم يختلف الأفراد في سرعة نموهم الخُلقي، واجتياز المراحل في توقيتات معينة؟ بعبارة أخرى لِم يختلف تأثير التنمية الخُلقية من فرد إلى آخر؟

إن النمو الخُلقي هو في جوهره تطوير لمجموعة مطردة ومترابطة من المعتقدات والمبادئ والقيم، التي يتمسك بها الفرد شعورياً، ويتبناها كأسلوب حياة. وإن مثل هذا الأسلوب يبني خطوة بعد خطوة، نتيجة لما يتخذه الفرد من قرارات يومية.

ويتأثر النمو الخُلقي بدرجة النمو المعرفي للفرد، وبعوامل وجدانية، مثل: القدرة على التقمص الانفعالي، والقدرة على تفهم الخطأ. كذلك، فإن المواقف الخُلقية تُحدد عادة "معرفياً" بواسطة الشخص الذي يصدر الحُكم، وفي ضوء التفاعلات الاجتماعية. وبعبارة أخرى، فإن النمو الخُلقي ينجم عن الحوار بين البناء المعرفي للفرد، والكل المركب الذي تقدمه البيئة.

وعلى ذلك، فإن هذا التحديد والمفهوم التفاعلي للنمو الخُلقي، يتطلب بيئة تيسر الحوار بين الذات والآخرين. وكلما واجه المرء موقف للصراع الخُلقي ــ من تلك التي لا يمكن حسمها على نحو مُرضٍ باستخدام البناء التحليلي القائم للفرد ــ كان الاحتمال الأكبر أن يدفع ذلك بالمرء إلى البحث عن طرق أكثر دقة وإحكام للتفكير حولها، ومن ثم حسم ذلك الصراع.

 




       

المصادر والمراجع

1.   بديعة حبيب بنهان، "فعالية الذكاء الأخلاقي في خفض سلوك التنمر"، المجلة المصرية للدراسات النفسية، العدد 78، القاهرة، 2013.

2.   جليلة عبدالمنعم موسى، "جودة الحياة والذكاء الخُلقي لدى عينة من طلاب كلية التربية"، دراسة تنبؤية، المجلة المصرية للدراسات النفسية، العدد 72، القاهرة، 2011.

3.   جمال محمد عباس عبدالصادق، "تطور الحُكم الخُلقي لدى الأطفال وعلاقته ببعض المتغيرات الديموجرافية"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، سوهاج، 1994.

4.   ديفيد ب. رزنيك، "أخلاقيات العلم"، ترجمة عبدالنور عبدالمنعم، عالم المعرفة، العدد 316، الكويت، 2005.

5.   زكريا إبراهيم، "المُشكلة الخُلقية"، مكتبة مصر، القاهرة، ط3، 1980.

6.   سليمان الخضري الشيخ، "البحوث النفسية في التفكير الخُلقي"، حولية كلية التربية، جامعة قطر، 1982.

7.   عبدالرحمن بدوي، "الأخلاق النظرية"، وكالة المعلومات، الكويت، 1976.

8.   عبدالفتاح حجاج، "التربية الخُلقية نظرة تحليلية"، مركز البحوث التربوية، جامعة قطر، بحوث ودراسات تربوية، المجلد 12، قطر، 1985.

9.   عز الدين جميل عطية، "تطور الحُكم الخُلقي والحُكم على الإنجاز لدى الأطفال والمراهقين في البيئة المصرية وعلاقته ببعض المتغيرات الأسرية"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 1984.

10.  فؤاد الأحطب وأمال صادق، "نمو الإنسان"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1999.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 5:57 pm

اضطرابات معرفية


       

اضطرابات معرفية

يسعى الفرد إلى أن يحيا حياة هانئة ترفرف عليها السعادة، ويسودها التكيف والتوافق النفسي، مع ذاته والآخرين. لذا، فالتوافق، كعملية، هو الطرق التي يستخدمها الفرد للتعامل مع المواقف المختلفة، ومواجهة المطالب المتعددة. والتوافق بهذا المعنى يكون مرهوناً بمستوى نمو الوظائف النفسية، كالإدراك، والتذكر، والقدرة على السيطرة على دوافع الفرد وتوجيهها الوجهة الملائمة والمناسبة.

ومن هنا، فإن اضطرابات الشخصية، بصفة عامة، تُعد نمطاً غير توافقي لإدراك الفرد وتواصله وتفكيره في بيئته، وفي نفسه. وهذا النمط قد يعطل الوظائف العقلية والنفسية، ويثير القلاقل لكل من الفرد ولمن حوله. إنها أنماط سلوكية عميقة الجذور ومستمرة، تظهر في شكل استجابات غير مرنة، في المواقف الخاصة والاجتماعية المتنوعة، وتعكس انحرافات ذات دلالة ومميزة عن سلوك الشخص العادي، في ثقافة بعينها، سواء كان هذا السلوك عقلياً أو انفعالياً أو اجتماعياً. وهذه الأنماط من السلوك مُدعمة بأشكال متعددة، من السلوك والأداء الاجتماعي للفرد في جميع الأحوال، وإن كان بعضها مصحوباً بدرجات متفاوتة من الضيق الذاتي، واختلال الأداء الاجتماعي.

إن اضطرابات الشخصية، سواء كانت اضطرابات ذات طابع وجداني، أو ذات طابع معرفي، إنما تعبر عن درجة من عدم السوية، وهي انحراف عما هو طبيعي، وحالة مَرضِية تضر بالفرد وبالمجتمع. ويمكن تصور العلاقة بين السواء وعدم السواء بأنها علاقة كمية على شكل خط متصل، أحد قطبيه السواء بينما قطبه الآخر هو عدم السواء، وأن لدى كل منا درجة تضعنا على نقطة معينة على هذا الخط المتصل؛ فبعضنا يقع بالقرب من قطب السواء، وغالبيتنا تقع في منتصف ذلك الخط المتصل، وقليل منا يقع بالقرب من عدم السواء. وهذا الأخير هو الذي يعاني من الاضطراب الوجداني، أو المعرفي.

أولاً: معايير السواء وعدم السواء

السؤال الذي يفرض نفسه إذاً، ما هي معايير السوية وعدم السوية؟

مفهوم السواء وعدم السواء مفاهيم نسبية، كما لا يوجد حد قاطع بين ما هو سوي وما هو شاذ، أو غير سوي. ففي كل مجموعة كبيرة من الأفراد لا نستطيع أن نقول، بقدر كبير من الثقة، "هذا سوي" أو "هذا شاذ"، إلا إذا كان الشذوذ واضحاً تماماً. وقد حاول الباحثون وضع مجموعة من المعايير، التي يمكن الاستناد إليها في تحديد ما هو سوي أو غير سوي.

1. المعيار الذاتي

يتخذ الفرد من ذاته إطاراً مرجعياً يرجع إليه في الحكم على السلوك بالسوية أو عدمها؛ فمقارنة أداء الطفل المتأخر عقلياً خلال مراحل نموه، يوضح مقدار تخلفه.

2. المعيار الاجتماعي

يتخذ من مسايرة المعايير الاجتماعية أساساً للحكم على السلوك بالسوية أو عدمها؛ فالمتوافق مع جماعته سوي، أما غير المتوافق فهو غير سوي؛ وكذلك ضعيف الانتباه المفرط في النشاط فهو غير سوي.

3. المعيار الإحصائي

يتخذ المتوسط والمنوال أو الشائع معياراً يمثل السوية. وتكون عدم السوية هو الانحراف عن هذا المتوسط، بالزيادة أو النقصان؛ فالطفل الذي يقل ذكائه عن 90 يُعتبر متخلفاً عقلياً؛ لأن الشائع أن الشخص متوسط الذكاء تكون نسبة ذكائه بين 90 و110.

4. المعيار المثالي

تُعد السوية هي المثالية أو الكمال أو ما يقرب منه؛ وعدمها هي الانحراف عن المثل الأعلى أو الكمال.

وإذا كانت هذه هي أنواع المعايير، التي تُستخدم للحكم على السواء وعدمه، فالسؤال: ما المؤشرات التي تستند إليها هذه المعايير.

ثانياً: مؤشرات السواء وعدم السواء

1. تحقيق الذات واستغلال القدرات

يظهر ذلك واضحاً في فهم الشخص لنفسه، مع التقييم الواقع الموضوعي للقدرات والإمكانيات والطاقات، وتقبل نواحي القصور، وتقبل الحقائق المتعلقة بالقدرات، تقبلاً موضوعياً، وكذلك تقبل الفروق الفردية واحترام الفروق بين الأفراد، وتقدير الذات حق قدرها، واستغلال الطاقات والإمكانات، إلى أقصى حد ممكن، ووضع أهداف ومستويات طموح وفلسفة حياة، يمكن تحقيقها، وإمكان التفكير والتقرير الذاتي وتنوع النشاط وشموله، وبذل الجهد في العمل والشعور بالنجاح فيه والرضا عنه، والكفاية والإنتاج.

2. القدرة على مواجهة مطالب الحياة

يظهر ذلك في النظرة السليمة الموضوعية للحياة ومطالبها ومشكلاتها اليومية، والعيش في الحاضر والواقع، والبصيرة والمرونة الإيجابية في مواجهة الواقع، والقدرة على مواجهة احباطات الحياة اليومية، وبذل الجهود الإيجابية من أجل التغلب على مشكلات الحياة وحلها، والقدرة على مواجهة معظم المواقف التي تجابه الفرد، وتقدير المسؤوليات الاجتماعية وتحملها، وكذلك تحمل مسؤولية السلوك الشخصي، والترحيب بالخبرات والأفكار الجديدة.

3. الفعالية

يصدر عن الشخص السوي، عادة، سلوك أدائي وسيلي فعال؛ سلوك موجه نحو حل المشكلات والضغوط بالمواجهة المباشرة لمصدرها، واتخاذ الأساليب الإيجابية، التي تقوي من وسائل التغلب على التوترات والمخاوف. ويحاول هذا الشخص الوصول إلى الأهداف، على الرغم من التوترات، حين تكون للأهداف قيمتها وأهميتها.

4. الكفاءة

ويستخدم الشخص السوي طاقاته من غير تبديد لجهوده. وهو من الواقعية بدرجة تمكنه من أن يتبين المحاولات غير الفعالة، والعقبات التي لا يمكن تخطيها، والأهداف التي لا يمكن بلوغها. ويبدو أن موارد الطاقة الفعالة لديه كبيرة وكثيرة؛ لأنه لا يتبدد منها إلا القليل في مسارب القلق والهم الذي لا يتوقف، والفراغ الانفعالي.

5. الملاءمة

يتمتع الشخص السوي بالأفكار والمشاعر والتصرفات الملائمة؛ فإدراكاته تعكس الواقع، وأحكامه هي استنتاجات مستخلصة من معلومات مناسبة. أما الشخص غير السوي، فإنه يسيء تفسير البيئة، ويستخلص النتائج قبل أن يواجه الحقائق. كما أن تصرفاته توحي، أحياناً، بأنه لا يستجيب لواقع الظروف وحقيقتها. ويكون سلوك الشخص السوي ملائماً للظروف؛ فلا يبالغ في تقديرها أو يقلل من قيمتها، كما يكون ملائماً لسنه ومستوى نضجه.

6. المرونة

الشخص السوي قادر على التكيف والتعديل، وحين يواجه صراعاً أو إحباطاً يلتمس الوسائل، التي تساعده على حل المشكلات، بدلاً من الجمود على استخدام وسائله القديمة. ومن عناصر المرونة التي يتميز بها الشخص السوي، الرغبة في التعلم وفي التغيير. والتكيف هو أن ينحني المرء كما ينحني ساق النبات في مهب الريح، وأن يطفو فوق الموجة العاتية التي تهدده، وأن يلتمس النفق الذي يمر به خلال الجبل، بدلاً من اعتلاء قمته.

7. الفاعلية الاجتماعية

تقوم حياة الإنسان على التفاعل الاجتماعي بينه وبين الآخرين، والشخص السوي يشارك في ذلك إلى أبعد حد، ويتصل بالآخرين في غير اتكالية مفرطة عليهم، أو نفور أو انسحاب مفرط منهم. ويكون السوي على درجة من الحساسية والمشاركة الوجدانية، تجعله يستجيب لمطالب الآخرين وحاجاتهم، ويتقبلهم بوصفهم ذوات مستقلة. وأخيراً، يكون قادراً على أن يتمتع بصحبة الآخرين، وفي الوقت نفسه قادراً على أن يخلو إلى نفسه.

8. الاطمئنان إلى الذات

يتصف الشخص السوي بتقديره الواقعي لذاته، دون إفراط أو تفريط، وإدراكه لقيمتها. كما يكون كذلك مرتكزاً على تقدير واقعي لنواحي ضعفه، إضافة إلى جوانب القوة لديه، وعلى منزلته التي يستطيع بلوغها. فهو يدرك حقيقة نفسه ويتقبلها، ولو أدرك ضرورة التغيير لوجد في عملية التغيير هذه أمراً له دوافعه الداخلية، وأمراً موجهاً من ذاته. كما أن اتجاهاته نحو ذاته تتصف بالدقة، في مفهوم الذات والوعي بها.

وأخيراً، تُعد الشخصية بمثابة مجموعة من الخصائص الذاتية المميزة للفرد، سواء أكانت خصائص معرفية عقلية، أو وجدانية انفعالية، وأن اضطرابات الشخصية هي أنماط غير سوية للتوافق، تؤثر في إدراكات الفرد وتواصله وتفكيره، سواء في بيئته، أو في نفسه. وتؤدي هذه الأنماط إلى تعطيل الوظائف وإثارة القلاقل، لكل من الفرد ولمن حوله. وتتباين الاضطرابات في شدتها وحدتها، وقد تكون هذه الاضطرابات معرفية أو وجدانية، إلا أن هذا لا يُفقد الشخص وحدته الكلية.

ثالثاً: أنواع الاضطرابات المعرفية

يمكن تقسيمها وتصنيفها في فئتين، هما:

·       اضطرابات معرفية، تؤدي إلى تشويه الواقع.

·      اضطرابات معرفية، لا تؤدي إلى تشويه الواقع.

1. نماذج لاضطرابات معرفية تؤدي إلى تشويه الواقع

تندرج هذه الاضطرابات تحت ما يُعرف بالاختلالات الذهانية، التي تتصف بانعدام استبصار الفرد لحالته المرضية، وباضطراب عميق في القدرة على تقدير الواقع، وبانحلال الشخصية وتفككها. ومن الاضطرابات المعرفية في هذه الفئة:

أ. اختلالات الإدراك

(1) الهلاوس: هي إدراكات حسية لا يقابلها مُثير خارجي، وهي قد تكون سمعية تتضمن الضوضاء أو الموسيقى أو الأصوات التي تتحدث في بذاءة أو بصورة ودية. وقد تصدر أصوات الهلاوس الأوامر للمريض، أو تُنزل عليه الوحي، أو توجه إليه الاتهام، أو تتحدث وتشي بما يفعله. وقد تكون الهلاوس بصرية، كأن يرى الشخص أنماطاً منظمة من الألوان أو الكتابة بخط اليد على الحائط. أما الهلاوس الشمية والتذوقية واللمسية، فإنها أقل شيوعاً وانتشاراً.

(2) اختلالات للإحساسات السوية: قد تقع في أي قناة من القنوات الحسية. فقد تظهر الأشياء للبصر أصغر حجماً مما هي في حقيقة الأمر، أو قد تبدو الأصوات وكأنها آتية من مسافة بعيدة ساحقة، أو قد يشعر المرء بأن أجزاء من جسده قد اختلفت في الحجم.

ب. اختلالات التفكير

(1) الاحترارية: تتضمن الاشتغال المفرط بالأوهام والأخيلة، اشتغالاً لا يصححه التفات إلى الواقع، أو الحقيقة. عندئذ ينغمس الشخص في حياته الداخلية الخاصة، بحيث لا يعنيه ما حوله من الوقائع أو الحقائق إلا قليلاً.

(2) الهذاءات: معتقدات يتشبث بها المريض، فلا يتحول عنها، وإن لم يكن لها أساس من الواقع، ويتقبل المريض الهذاءات بدرجة من الشدة تجعلها أكبر من أن تكون معتقدات خرافية فقط، بل ويدافع عنها في وجه الأدلة المضادة القوية. وللهذاءات أنواع متعددة؛ منها أفكار الإشارة، التي تتضمن الاعتقاد بأن الآخرين إنما يقصدون المريض ويشيرون إليه، أو بأن كل واقعة تحدث لها ارتباط به؛ ومنها هذاءات الاضطهاد، وفيها تكون الإشارات مصحوبة بنغمة التهديد؛ ومنها هذاءات العظمة، التي يعتقد فيها المريض بأن له مواهب غير طبيعية، أو بأنه على درجة كبيرة من الأهمية.

(3) تشوش عملية التفكير: وتتدخل فيها عناصر غريبة. فقد تصطدم الأفكار بالسدود، بمعنى أن تتوقف فجأة سلسلة من الأفكار لتبدأ بعدها سلسلة أخرى. أو قد تُصاب الأفكار بالكف والتعطيل، ويعتريها البطء إلى درجة أن تصبح عملية التفكير جهداً شاقاً مضنياً. أو قد تزداد سرعة الأفكار إلى حد أن تتبع الفكرة غيرها من الأفكار الأخرى، في تتابع سريع، بحيث لا يكون بين هذه وتلك سوى أوهى الارتباطات وأضعفها.

2. نماذج لاضطرابات معرفية لا تؤدي إلى تشويه الواقع

أ. التخلف العقلي

تُستخدم مصطلحات متعددة للإشارة إلى هذا الاضطراب. فلقد أُطلق عليه مصطلح "الضعف العقلي" و"النقص العقلي" و"الإعاقة العقلية" و"قليل العقل". وتوجد عدة مسميات تعبر عن النقص العقلي، الذي يرجع أساساً للوراثة. ومن هذه المسميات: "العته العائلي المطلق" و"النقص العقلي العائلي". أما النقص العقلي الثانوي، الذي يرجع إلى عوامل ومؤثرات قبل ولادية، أو صدمة الميلاد، أو ظروف مبكرة بعد الولادة، فيُطلق عليه "الأنماط الإكلينيكية للنقص العقلي".

وقد اختلفت تعريفات التخلف العقلي، وفقاً لمجالات تخصص الباحثين والدارسين؛ فيرى، مثلاً، أصحاب التعريفات الطبية بأنه حالة ناجمة عن عدم اكتمال النمو، خاصة في الجهاز العصبي، أو إصابة المراكز العصبية. أي أن أصحاب التعريف الطبي يعتمدون في تعريفهم للتخلف العقلي على وصف سلوك المتخلف عقلياً، في علاقته بإصابة عضوية أو قصور في وظائف الجهاز العصبي المركزي، والمتصل بالأداء العقلي، بطريقة أو بأخرى، بحيث تكون الإصابة ذات درجة واضحة للتأثير على ذكاء الفرد.

أما أصحاب التعريفات الاجتماعية، فيرون أن التخلف العقلي هو افتقار المتخلف عقلياً للصلاحية الاجتماعية، أو الكفاءة الاجتماعية، والمعاناة من حالة عدم التكيف.

بينما أصحاب المنظور التربوي يرون أن التخلف العقلي هو: أداء عقلي أقل من متوسط أداء الأقران، في العمر نفسه بدرجة دالة، ويكون مصحوباً بقصور في السلوك التكيفي، يؤثر على أداء الطفل التعليمي.

وثمة تعريف أكثر شمولاً يحدد التخلف العقلي بأنه: عجز عقلي يتميز بنواحي قصور واضحة، في كل من الوظائف العقلية وفي السلوك التكيفي، الذي يُعبر عنه في مهارات التكيف العملية والإدراكية. وهذا العجز ينشأ قبل الثامنة عشرة.

خصائص المتخلفين عقلياً: للتخلف العقلي درجات متفاوتة، كالآتي:

(1) المعتوه: تكون نسبة ذكائه أدنى من 25.

(2) الأبله: وتراوح نسبة ذكائه بين 25 – 50.

(3) المورون: وتراوح نسبة ذكائه بين 50 – 75.

(4) بطيء التعلم (المتأخر دراسياً): تراوح نسبة ذكائه بين 75 – 90.

ولما كان للتخلف العقلي فئات متفاوتة في درجة الذكاء، انعكس ذلك على خصائص المتخلفين عقلياً، على النحو التالي:

·   لا يستطيع الطفل المتخلف عقلياً الوصول في نموه التعليمي، إلى المستوى، الذي يصل إليه الطفل الطبيعي، كذلك فإن النمو العقلي للطفل المتخلف عقلياً، يكون أبطأ في معدله عن معدل نمو الطفل الطبيعي، وفي مستوى ذلك النمو، ولذلك يوجد تباين بين عمر الطفل وأدائه العقلي. فقد يصل عمره إلى 18 سنة، بينما يكون أداؤه العقلي عند مستوى 10 أو 11 سنة.

·   يعاني المتخلف عقلياً من قصر مدى الانتباه، ومن القابلية العالية للتشتت، ويحتاج إلى محفزات خارجية لإثارة انتباهه. ويترتب على ذلك ضعف المثابرة في المواقف التعليمية، وصعوبة تحديد المتخلف للمتغيرات، أو الأبعاد المرتبطة بالمهمة المطلوب تعلمها.

·  يُعد ضعف الذاكرة وسرعة النسيان، من أهم الخصائص العقلية للمتخلف عقلياً، ولا سيما الذاكرة قصيرة الأمد، التي تتعلق بالمقدرة على استرجاع الأحداث والمثيرات، استرجاعاً فورياً. وقد يرجع ذلك إلى ضعف الانتباه للمثيرات والقدرة على تخزينها واسترجاعها، إضافة إلى قدرته المحدودة على الملاحظة، واستخدام إستراتيجيات تعلم ملائمة للتذكر.

ب. اضطراب الانتباه

الانتباه عملية عقلية تُعد من المراحل الأولى اللازمة للإدراك، أي أنه تأهب للإدراك، إنه تركيز للعقل أو الشعور على مثيرات معينة. إنه حالة من الوعي الشعوري مصحوبة بوضوح حسي، واستعداد الجهاز العصبي المركزي للاستجابة للمثيرات. إنه الاختيار النشط لعنصر من عناصر الخبرة المعقدة، مع التركيز عليه وحصر الأشياء التي يستجيب لها الكائن. ويعني ذلك استمرار الوجهة الإدراكية لمثير معين، دون باقي المثيرات.

وللانتباه عناصر ثلاثة أساسية، هي:

·       مستوى الاستثارة، أي العمليات التي تحدد مستوى التيقظ (الوعي) والترقب لدى الكائن.

·      انتقاء المثير، أي العمليات التي تحدد ماهية العناصر ذات التأثير السائد على السلوك.

ويرتبط بالعنصرين السابقين عنصر ثالث، وهو السعة المحدودة لنظام تجهيز المعلومات في الذاكرة.

(1) اضطراب ضعف الانتباه، ومن خصائصه:

·       الفشل في إعطاء الانتباه الكامل للتفاصيل.

·       صعوبة استمرار الانتباه للمهام، أو أداء الأنشطة.

·       عدم الإنصات عند التحدث معه مباشرة.

·       وعدم إتباع، غالباً، التعليمات والفشل في إنهاء المهام الدراسية الروتينية، أو الواجبات.

·       صعوبة تنظيم المهام والأنشطة.

·       تجنب أو كراهية المشاركة في المهام، التي تتطلب جهداً عقلياً مستمراً.

·       افتقاد أشياء ضرورية لأداء المهام والأنشطة.

·       سهولة تشتت الانتباه، بواسطة مثيرات خارجية.

·       نسيان الأشياء خلال أنشطته اليومية.

(2) اضطراب ضعف الانتباه، مع فرط النشاط، ومن خصائصه:

·       قصر فترة الانتباه، وقلة القدرة على استمرار الانتباه.

·       انخفاض المقاومة للإحباط.

·       الاندفاع الشديدة، ونقص القدرة على التحكم الذاتي.

·       انخفاض القابلية للتشكيل، أو تعديل السلوك.

·       سرعة الاستثارة.

·       انخفاض مفهوم الذات.

·       ارتفاع مستوى النشاط بصورة غير مقبولة اجتماعياً.

·       عدم القدرة على إقامة علاقات اجتماعية طيبة، لأنه لا يحسن التعامل مع الآخرين.

·       مستوى غير ملائم من النشاط لموقف معين ينتج عنه القيام بعديد من الحركات العصبية، التي توحي بالقلق والعصبية.

·       نقص القدرة على كف الاستجابة.

وقد صُنفت اضطرابات الانتباه في ست فئات، هي:

(1) مفرط النشاط: وأُطلق عليه النوع التقليدي، ويتسم بفرط النشاط الحركي، ويسيئون التصرف، عادة، كما يمارسون سلوك التحدي والعناد ضد كل من يمثل السلطة.

(2) غير المنتبه: ويتميز بالسهو وعدم الاهتمام للأشياء من حوله، والاستغراق في أحلام اليقظة، وكثرة النسيان، والإهمال، ونادراً ما يحدد لنفسه أهدافاً يسعى نحو تحقيقها؛ بل ومن الصعب عليه تحقيق أو تنفيذ تلك الأهداف، أو المهام.

(3) شديد التركيز: ويتصف بشدة التركيز على الروتين اليومي، ويكون لديه اتجاه للسلوك القهري، ويصعب عليه الانتقال من نشاط إلى آخر، لانزعاجه الشديد من عدم إكمال النشاط الأول.

(4) المندفع: ويميل إلى التسرع والعدوانية والعصبية والانزعاج لأتفه الأسباب، وتقلب المزاج والأفكار السوداوية، ويصعب عليه تعلم الكتابة.

(5) التعيس الخامل: ويتميز بمجموعة من الأعراض تشبه أعراض الاكتئاب، مثل الشعور باليأس وانخفاض الطاقة والسلبية.

(6) النوع المختلط: وتظهر عليهم أعراض مختلطة، من الأنواع الخمسة السابقة.

 






       

المصادر والمراجع

1.   أحمد أحمد متولي عمر، "فاعلية برنامج تدريبي انتقائي تكاملي في خفض حدة أعراض اضطراب الانتباه المصحوب بفرط النشاط ورفع مستوى تقدير الذات لدى عينة من تلاميذ المرحلة الابتدائية"، المؤتمر السنوي الخامس عشر، مركز الإرشاد النفسي، جامعة عين شمس، القاهرة، 2010.

2.   أحمد عكاشة، "الطب النفسي المعاصر"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1998.

3.   حامد زهران، "الصحة النفسية والعلاج النفسي"، عالم الكتب، القاهرة، 1978.

4.   ريتشادرد سوين، "علم الأمراض النفسية والعقلية"، ترجمة أحمد عبدالعزيز سلامة، دار النهضة العربية، القاهرة، 1979.

5.   السيد مصطفى الشرقاوي، "آثار التعاطي الطويل المدى للقنب على الانتباه مع اختلاف مستوى الاستثارة"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب، جامعة طنطا، 1995.

6.   شهدان محمد عثمان إبراهيم، "تحليل بروفيلات بعض العمليات التنفيذية لدى عينة من تلاميذ مرحلة التعليم الأساسي ذوي اضطراب الانتباه والعاديين"، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة طنطا، 2010.

7.   والتر ج. كوفيل، د. كوستيلو، فابيان ل. روك، تيموثي، "علم نفس الشواذ"، ترجمة محمود الزيادي، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967.

8.   وسام حمدي عبدالسميع القصبي، "فعالية كل من التدريب المعرفي والتغذية المرتدة الحيوية في تنظيم بعض وظائف المخ المعرفية والانفعالية لدى عينة من البالغين ذوي اضطراب الانتباه المصحوب بفرط النشاط"، رسالة دكتوراه، غير منشورة، كلية التربية، جامعة طنطا، 2010.

9.   وليد السيد أحمد خليفة، "الكمبيوتر والتخلف العقلي"، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 2006.

 



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 5:58 pm

إدارة الذات




إدارة الذات

عند استعراض الأدبيات السيكولوجية في مجال دراسات الذات، يتضح وجود استخدام مصطلحات عديدة، منها: "الذات" و"مفهوم الذات" و"تقديرات الذات" و"فعالية الذات" و"إدارة الذات"، وغيرها.

ويرجع اختلاف هذه المصطلحات إلى أن "الذات" تكوين فرضي، لا ندركه مباشرة؛ بل نستدل عليه من مظاهره. وهي مظاهر لا يمكن الإحاطة بها إحاطة كاملة تامة، لذلك يركز كل باحث على بعض المظاهر، دون غيرها.

من هنا ظهرت مصطلحات حاولت النظر إلى الذات نظرة وصفية، مثل مفهوم الفرد عن ذاته، أو كيانه الشخصي. ومنها مصطلحات حاولت النظر إلى الذات بوصفها مجموعة من المكونات والعناصر، كالقيم والاتجاهات... إلخ. ومنها مصطلحات حاولت النظر إلى الأهداف التي تسعى الذات نحو تحقيقها، مثل فعالية الذات.

ومن بين الاتجاهات الحديثة في النظر إلى الذات، اتجاه حاول تبين، أو وصف، كيف تُدير الذات نفسها، تحقيقاً لأهدافها، وهو ما يسمى: "إدارة الذات".

وفيما يلي عرض لبعض المفاهيم الوصفية للذات، والأهداف التي تسعى الذات نحو تحقيقها، وكيفية إدارة الذات لنفسها، تحقيقاً لأهدافها.

أولاً: نموذج لوصف للذات

وتُعد الذات حجر الزاوية في الشخصية، وهي نقطة الوسط فيها، وتتجمع حولها جميع الأنظمة الأخرى. وتُجمع هذه النظم معاً وتكون قادرة على إعطاء التوازن للشخصية كلها، كما تحفظ النفس في حالة استقرار نسبي.

وقد اختلفت تعريفات الذات، باختلاف محاور تصنيف هذه التعريفات. ويمكن تعريف الذات بوصفها اتجاهات الشخص ومشاعره نحو نفسه وفكرته عن نفسه؛ فهي أفكار الشخص واتجاهاته، عن من هو. ويمكن تعريفها بأنها مجموعة من العمليات السيكولوجية، التي تحكم السلوك والتوافق. فيها نشاط موحد مركب للإحساس والتذكر والتصور والإدراك والحاجة والشعور والتفكير. أما المجموعة الثالثة، فتنظر إلى الذات بوصفها موضوعاً وعملية؛ فالذات هي فكرة الفرد عن نفسه، وهي، أيضاً، مجموعة من العمليات العقلية.

وثمة تصنيف ثنائي للتعريفات ينظر إلى الذات كموضوع، والذات كعملية؛ فالذات كموضوع، هي اتجاه الشخص ومشاعره ومدركاته وفكرته عن ذاته وتقييمه لها. أما الذات كعملية، فهي مجموعة العمليات النفسية التي تحكم السلوك والتوافق، وتشمل مجموعة العمليات النشطة، كالتفكير والتذكر والإدراك. إنها الذات الفاعلة.

ومن التصنيفات الثنائية، أيضاً، عد الذات ككيان قائم بالفعل، لدى الشخص، والذات بوصفها كياناً محتمل الوجود. وتمثل تعريفات النوع الأول (أي الذات ككيان قائم بالفعل لدى الشخص) الذات كقوة داخلية، والذات كرقيب داخلي، والذات كمركب، أو ككل شخصي منظم مستمر على الرغم من تغير الزمن، والذات بوصفها جماع الخبرة والتعبير الشخصي، والذات بوصفها الشعور والوعي، أو المفهوم الشخصي عن النفس.

أما الذات ككيان محتمل، فينظر إلى الذات كهدف أو غاية نهائية، يسعى الفرد إلى تحقيقها والوصول إليها.

وثمة وجهة نظر أخرى للذات ترى أنها نظام ديناميكي للمفاهيم والقيم والأهداف والمُثل، التي تقرر الطريقة التي يسلك بها الفرد.

وأخيراً، فإن الذات هي كينونة الفرد، التي تنمو وتنفصل تدريجياً عن المجال الإدراكي له. وتتكون بنيتها نتيجة للتفاعل مع البيئة، وقد تمتص قيم الآخرين وتسعى إلى التوافق والاتزان والثبات. وهي تنمو نتيجة للنضج والتعلم، وتصبح المركز، الذي تنتظم حوله كل الخبرات.

وللذات أنواع ثلاثة: الذات المدركة، والذات الاجتماعية، والذات المثالية.

مفهوم "الذات"، كنموذج وصفي

إن وظيفة مفهوم الذات، تُعد ظيفة دافعية وتكاملية تبلور عالم الخبرة المتغير، الذي توجد في وسطه؛ لذا فإنه ينظم السلوك ويحدده، كما يحركه ويوجهه الوجهة التي تتفق وطبيعة مفهوم الفرد عن ذاته.

ولمفهوم الذات تعريفات مختلفة، فهو تكوين معرفي منظم موحد ومتعلم، للمدركات الشعورية والتصورات والتعميمات الخاصة بالذات، يبلوره الفرد ويعده تعريفاً نفسياً لذاته، وهو ينظم السلوك ويحدده. فهو رؤية كلية تعبر عن إدراك الفرد لذاته، والتي يتم تشكيلها من خلال التفاعل بين الفرد والبيئة المحيطة به، والتي في ضوئها يضع الفرد لنفسه صورة عن ذاته.

إنه صورة الشخص عن نفسه والوصف الكامل لها، الذي يستدعيه الشخص في أي وقت؛ إنه فكرة الفرد عن ذاته والصورة التي يشكلها عن نفسه، في ضوء أهدافه وإمكاناته واتجاهاته نحو هذه الصورة، ومدى استثماره لها في علاقاته بنفسه والواقع. إنه مخطط الذات الذي يُشير إلى البنية المعرفية، التي تمثل المعلومات عن ماهية الفرد. إنه بناء معرفي ينظم الأحاسيس والمعارف والأفكار، التي تشكل بدورها مفهوم الذات. إنه مجموع الإدراكات الكلية، التي يحملها الفرد عن نفسه. إنه الطريقة التي يدرك بها الشخص ذاته، وتكون هذه الطريقة إيجابية أو سلبية، وفقاً لإدراكه لنفسه كشخص مستقل عن الآخرين، وما يعتقده في إدراك الآخرين له.

وقد أدى تفرد تعريفات مفهوم الذات إلى محاولة وضع مفهوم قياسي، أي يسمح بقياسه. وعدّ هذا المفهوم أن الذات هي المفهوم الذي يكونه الفرد عن نفسه، بوصفه كائناً بيولوجياً واجتماعياً، أي بوصفه مصدراً للتأثير والتأثر للآخر. أو بعبارات سلوكية، فإن مفهوم الذات هو ذلك التنظيم الإدراكي الانفعالي، الذي يتضمن استجابات الفرد نحو نفسه ككل، كما يظهر ذلك في التقرير اللفظي الذي يحمل صفة ما من الصفات على ضمير المتكلم؛ كأن يقول "أنا ناجح" أو ما إلى ذلك.

وكما اختلف الباحثون في تعريف مفهوم الذات، اختلفوا، كذلك، في أبعاده؛ فهم من حدد هذه الأبعاد في:

1. مفهوم الذات المدرك: ويتكون من المدركات والتصورات، التي تحدد خصائص الذات، كما تعكس وصف الفرد لذاته كما يتصورها هو، أي تتكون من نظرة الفرد إلى نفسه.

2. مفهوم الذات الاجتماعي: ويتكون من المدركات والتصورات، التي تحدد الصورة التي يعتقد الفرد أن الآخرين يعتقدونها عنه. أي فكرة الفرد عن الآخرين، كما يراها هو.

3. مفهوم الذات المثالي: ويتكون من المدركات والتصورات، التي تحدد الصورة المثالية للشخص الذي يريد أن يكون. أي ما يتطلع الفرد نحو تحقيقه.

وثمة أبعاد أخرى لمفهوم الذات، حددها الباحثون في صورة الذات، وتقدير الذات، والذات المثالية... وغيرها.

ثانياً: أهداف الذات، أو ما الذي تسعى إليه الذات؟ فعالية الذات كنموذج

تسعى الذات إلى "تحقيقها" وإلى "فعاليتها". ويرى علم النفس الإنساني أن الذات تسعى نحو تحقيقها، بمعنى اتضاح قدراتها وتوظيفها بحيث يزداد ابتكار الفرد. وبعبارة أخرى، فإن "تحقيق الذات" هو هدفها.

أما أنصار علم نفس التعلم الاجتماعي، أو النظرية المعرفية الاجتماعية، فيرون أن الذات تسعى نحو "فاعليتها". وسنعرض للنموذج الأخير فقط.

تُعرّف فعالية الذات بأنها: مجموعة من الأحكام لا تتصل بما ينجزه الفرد فقط من أداءات؛ ولكن، أيضاً، بالحكم على ما يستطيع إنجازه، أي أنها نتاج للمقدرة الشخصية. إنها قوة مهمة تفسر الدوافع الكامنة وراء أداء الأفراد في المجالات المختلفة.

إن فعالية الذات هي جزء من عملية تبادلية تحدد السلوك، حيث ينتج الإحساس بفعالية الذات عن تفاعل عوامل شخصية وسلوكية وبيئية. وهي ليست مثيراً لضبط السلوك؛ ولكنها أحد المؤثرات الذاتية في السلوك، وتُعد متغيراً شخصياً مهماً حينما يرتبط بأهداف معينة، وبمعرفة الأداء في السلوك المستقبلي. ومعنى ذلك أن مفهوم فعالية الذات يختلف من موقف إلى آخر، ويتوقف اختلافه على مستوى الكفاءة المطلوبة للنشاط، وعلى وجود أو غياب الآخرين، وعلى الكفاءة المدركة لهؤلاء الآخرين، خاصة إذا كانوا منافسين.

ولفاعلية الذات أنواع أربعة، هي:

1. فعالية الذات العامة

ويُقصد بها إدراك الفرد لكفاءته في مجالات الحياة المختلفة، حيث تعكس مجموع مهاراته، التي يواجه بها المشكلات والمواقف المتوقعة. كما تحدد درجة الفعالية السلوك المتوقع، وكمية الطاقة المبذولة للتحكم في الأحداث والمواقف المؤثرة في الحياة.

2. فعالية الذات الخاصة

وتعني الأحكام التي يصدرها الفرد عن مدى قدرته على تحقيق الأعمال، أو الأداءات، في مهمة محددة.

3. الفعالية الجماعية

وتعني أن مجموعة من الأفراد يؤمنون بقدراتهم، ويعملون في نظام جماعي لتحقيق الأداء المطلوب. أي حكم الجماعة على قدراتهم، من خلال مقارنة أدائهم بأداء جماعات أخرى.

4. الفعالية القومية

ترتبط الفعالية القومية بأحداث لا يستطيع المواطنون في مجتمع ما السيطرة عليها، ويكون لها مردود وتأثير على من يعيشون داخل هذا المجتمع. ومن خلال ذلك تتولد لديهم أفكار ومعتقدات عن أنفسهم، بوصفهم أصحاب قومية واحدة.

وتُستمد فعالية الذات من عدة مصادر، منها: الإنجازات الأدائية، والخبرات البديلة، والإقناع اللفظي، والاستثارة الانفعالية.

ثالثاً: إدارة الذات كأسلوب لتحقيق الذات لأهدافها

1. تعريف إدارة الذات

اختلفت تعريفات إدارة الذات؛ فمن الباحثين من تناولها كتكوين فرضي أو مفهوم، ومنهم من تناولها كأسلوب للتدخل أو التدريب يقوم به الفرد بنفسه، أو تحت إشراف مدرب، حتى يستطيع القيام به مستقلاً.

فمن النوع الأول أن إدارة الذات، هي قدرة الفرد على توجيه مشاعره وأفكاره وإمكانياته نحو الأهداف، التي يصبو إليها. أي هي عملية الإنجاز الشخصي الذاتي.

وتشمل إدارة الذات مجموعة من المهارات، مثل: تنظيم الفرد لانفعالاته حتى يستطيع التعامل مع القلق وضبط الاندفاعية، التعبير عن والتعامل مع القلق والغضب، والمثابرة في التغلب على العقبات، ووضع ومراقبة التقدم نحو تحقيق الأهداف الشخصية والأكاديمية، والتعبير عن العواطف بشكل مناسب، والسيطرة على العدوان والضغوط الشخصية وبين الأشخاص، وتعديل الأوامر في ضوء ردود الفعل.

إن إدارة الذات هي مهارات وآليات شاملة، تستخدم مع نماذج مختلفة من الأفراد في مواقف متعددة، ومن خلال أنماط سلوكية متنوعة، كوسيط يدل على فاعليته في تحسين السلوك. وتشمل مهارات الانضباط الوجداني، الثقة، التكيف الواعي، التفاؤل الإنجازي، وتحديد المشكلات والتعرف عليها.

ويُلاحظ على تعريفات هذه الفئة أنها تُعد إدارة الذات مجموعة من المهارات والقدرات، التي تظهر في شكل إجراءات يمارسها الأفراد تحقيقاً لأهداف معينة، وأن هذه الإجراءات تتضمن مراقبة الذات في أدائها، وتقييم هذا الأداء في ضوء الأهداف، التي يسعى الفرد إلى تحقيقها، وتوجيه الذات في ضوء نتائج تقييم الذات، وأخيراً تقرير الذات بناءً على إنجازها.

أما النوع الثاني من التعريفات، فيمثلها تعريف إدارة الذات بأنها إجراء يتم فيه تعليم الأفراد أن يصفوا سلوكهم المستهدف، وأن يسجلوا حدوث هذا السلوك أو عدم حدوثه. إنها أسلوب لمساعدة الأفراد على تحقيق مستويات أكبر من الاستقلالية في ممارسة الأنشطة، وبتعليم أساليب إدارة الذات يمكن أن يصبح الفرد أكثر قدرة على توجيه ذاته، وأقل اعتماداً على الإشراف المستمر.

ومن تعريفات الفئة نفسها، أن إدارة الذات برنامج علاجي سلوكي، يتدرب فيه الفرد على أن يطبق بنفسه الفنيات التي تساعده على أن يعدل سلوكه الشخصي؛ فيتعلم الشخص أن يحدد المشكلة، وأن يضع أهدافاً واقعية، وأن يستخدم الاحتمالات العديدة ليصدر السلوك المرغوب فيه ويحافظ عليه، وأن يراقب تقدمه الشخصي.

وهي عملية تتضمن توجيه الفرد لذاته للقيام بالتطبيق العملي لفنيات تعديل السلوك، على نفسه وبنفسه، من أجل ضبط سلوكه وإحداث التعديل المطلوب فيه، بما يحقق قيامه بالسلوك الإيجابي المستهدف على النحو المطلوب، وفق المعيار المحدد سلفاً، خلال فترة زمنية محددة.

يُلاحظ على تعريفات هذه الفئة نظرتها إلى إدارة الذات بوصفها برنامجاً أو عملية يقوم بها الفرد، أو يدربه عليها مدرب، وذلك حتى يمكن تعديل السلوك وضبطه وتوجيهه ذاتياً.

2. مهارات إدارة الذات وإستراتيجياتها

تنقسم مهارات إدارة الذات إلى ثلاث فئات:

·       مهارات مُهيَّئة.

·       مهارات التمكين.

·      مهارات التدعيم.

أ. مهارات مُهيِّئة

(1) التغلب على المعوقات: يُقصد بها المهارات التي تساعد الفرد في التغلب على معوقات حل المشكلة، مثل نقص الإمكانات.

(2) بناء الثقة بالنفس وزيادة الدافعية للإنجاز: فمع كل خطوة إنجاز تزداد الثقة بالنفس، وتزداد الدافعية الذاتية.

(3) الاتجاهات المتوازنة: تبني اتجاهات متوازنة، بمعنى التوازن بين الاتجاهات الإيجابية والسلبية، ثم زيادة الاتجاهات الإيجابية وإنقاص الاتجاهات السلبية.

(4) زيادة المعلومات: يؤدي حرص الفرد على زيادة معلوماته إلى زيادة فهمه للمشكلات والقضايا، ووقوفه على الحقائق.

ب. مهارات التمكين

(1) وضع الأهداف: وتتضمن مهارات وضع أهداف واقعية قابلة للتحقيق؛ فإذا استطاع الفرد تحقيق هذه الأهداف، زادت ثقته بنفسه ودافعيته للإنجاز.

(2) التقييم الذاتي: ويتضمن تقدير الفرد نفسه حق قدرها، والقدرة على تفسير إمكاناته وفهمها بصورة حقيقية واقعية.

(3) المتابعة الذاتية: ويُقصد بها المهارات التي يمارسها الفرد لمتابعة تقدمه وإنجازاته. وتساعد هذه المهارات في ان يكَوِّن الفرد صورة واقعية عن ذاته.

(4) التخطيط الذاتي: يُقصد بها تخطيط الفرد بنفسه ولنفسه من أجل تحقيق الأهداف.

(5) الأداء: ويُقصد بها امتلاك الفرد للمهارات اللازمة للأداء الناجح للعمل.

(6) التعامل والتفاعل مع المواقف: ويُقصد بها النظر إلى الأمور والأشياء بطرق جديدة، ومناظير مختلفة. وهذا يساعد على المزيد من الفهم، ومن ثم المزيد من الثقة بالذات وبالإنجاز.

(7) إدارة الوقت: يؤدي حُسن إدارة الوقت، بمعنى التوزيع الزمني للمهام في ضوء اولوياتها ومحددات إنجازها، إلى المزيد من النجاح.

ج. مهارات التدعيم

·      التدعيم الاجتماعي: ويتضمن تعلم مهارات كيفية الحصول على الدعم الاجتماعي من الآخرين، أولاً، ثم الانتقال إلى التدعيم الذاتي المشتق من الأداء الناجح والإنجاز الفعال.

تلك العينة من المهارات لا بد من اكتسابها، حتى يمكن للفرد إدارة ذاته بطريقة صحيحة، مستخدماً إستراتيجيات متعددة، منها: مراقبة الذات، والحديث مع الذات وتعليمها، وتقييم الذات، والتصحيح الذاتي، وتقرير الذات، وحزمة إدارة الذات، الضبط البيئي.

وثمة مجموعة أخرى من الإستراتيجيات، تشمل:

أ. مراقبة الذات: وتتضمن ملاحظة الذات، والتقارير الذاتية، والتسجيل الذاتي.

ب. التعليقات والتغذية الراجعة الذاتية.

ج. تقويم الذات.

د. تعزيز الذات.

هـ. توجيه الذات.

وقد حظت "الذات" ودراستها باهتمام كبير، ومنذ فترة بعيدة. وبدا ذلك واضحاً في تعدد مناحي دراستها، التي انعكست في كثرة المصطلحات المرتبطة بها.

وإذا كان مفهوم الذات من أقدم المصطلحات أو الصفات، التي خضعت للدراسة، سواء من الفلاسفة أو من علماء النفس، فإن إدارة الذات مصطلح حديث نسبياً.

وقد ظهر الاهتمام بإدارة الذات ضمن دراسات التعلم الوجداني الاجتماعي، التي كان من أهدافها: تنمية الوعي الذاتي، ومهارات إدارة الذات، واستخدام الوعي الاجتماعي، والمهارات الشخصية في تكوين علاقات إيجابية مع الآخرين، والمحافظة عليها، وتعزيز قدرة الفرد على الفهم والإدارة، بطريقة تمكنه من النجاح في الحياة وإنجاز المهام.

كذلك، كان الاهتمام بإدارة الذات في مجال تعديل السلوك، الذي يستخدم تكتيكات خاصة للتخلص من السلوك غير السوي، وإحلال سلوك سوي محله. ويسعى إلى استمرارية السلوك السوي، بناءً على التعزيز الذاتي وإدارة الذات.

إن الاهتمام بإدارة الذات لم يكن لبواعث علمية فقط، بل لبواعث عملية أيضاً. فقد بينت الدراسات أن إدارة الذات تمكّن الأفراد من الاستفادة بالطاقات والإمكانات والمهارات الكامنة لديهم، وتحقق الرضا النفسي بالإنجازات المحققة على الصعيدين الشخصي والعملي، والنجاح في إحداث توازن بين متطلبات الأدوار المختلفة، التي يكون على الفرد القيام بها، واكتساب العديد من المهارات، مثل القدرة على التخطيط، ومهارة ترتيب المهام حسب الأولوية والأهمية، ومهارة التطوير الذاتي.

 


       

المصادر والمراجع

1.   إيهاب سيد محمود شحاتة، "العلاقة بين إدارة الذات وضغوط الدراسة لدى عينة من طلاب المرحلة الثانوية الأزهرية"، المؤتمر السنوي الخامس عشر لمركز الإرشاد النفسي، كلية التربية، جامعة عين شمس، القاهرة، 2-4 أكتوبر 2010.

2.   جابر عبدالحميد، "نظريات الشخصية"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1986.

3.   جابر عبدالحميد، علاء كفافي، "معجم علم النفس والطب النفسي"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1995.

4.   جودة السيد جودة شاهين، "منظور تكاملي ناقد للنماذج الحديثة للتعلم الاجتماعي الوجداني في برامج إعداد المعلمين"، بحث مرجعي مقدم للجنة العلمية لترقية الأساتذة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 2013.

5.   حامد زهران، "التوجيه والإرشاد النفسي"، عالم الكتب، القاهرة، 1980.

6.   رجوة بنت سمران الهذلي، "إدارة الذات وعلاقتها بالإبداع الإداري لدى مديريات ومساعدات ومعلمات مدارس المرحلة الثانوية بمدينة مكة المكرمة من وجهة نظرهن"، استكمال متطلبات الحصول على درجة الماجستير في الإدارة والتخطيط التربوي، كلية التربية، جامعة أم القرى، 2010.

7.   رضا رزق إبراهيم، "الاتجاهات المعاصرة في العلاقة بين مفهوم الذات والتعلم"، بحث مرجعي مقدم للجنة العلمية لترقية الأساتذة المساعدين والأساتذة، جامعة الأزهر، ب. ت.

8.   سعد جلال، "المرجع في علم النفس"، دار المعارف، الإسكندرية، 1982.

9.   عبدالعزيز السيد الشخص، تهاني محمد عثمان منيب، فاطمة سعيد محمود، "برنامج مقترح لتدريب الأطفال التوحديين على إدارة الذات لتحسين سلوكهم التكيفي ومواجهة مشكلاتهم السلوكية"، مجلة كلية التربية، جامعة عين شمس، العدد 34، القاهرة، 2010.

10.  عبدالفتاح مطر، "فعالية التدريب على إدارة الذات في الحد من السلوك الصفي المشكل وأثره في تحسين مفهوم الذات الأكاديمي لدى تلاميذ المرحلة الإعدادية"، المجلد 7، مركز المعلومات التربوية، جامعة الزقازيق، 2014.

11.  عثمان عبدالعزيز المنيع، "البيئة الأسرية كما يدركها الفرد ودورها في تدعيم الذات"، دراسات نفسية، العدد 127، القاهرة، 1997.

12.  عماد الدين إسماعيل، "اختبار مفهوم الذات للكبار"، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1961.

13.  عيسى عبدالله جابر، "إدارة الذات وعلاقته بالتعلم الموجه ذاتياً لدى معلمي المدرسة المتوسطة بالكويت"، كلية التربية، جامعة المنصورة، مجلة بحوث التربية النوعية، العدد 214، المنصورة، 2009.

14.  لؤي حسن أبو لطيفة، "مستوى مفهوم الذات لدى طلبة السنة التحضيرية في جامعة الباحة"، مجلة العلوم التربوية والنفسية، جامعة البحرين، 2013.

15.  محمود محي الدين سعيد عشري، "الاتجاهات الحديثة في دراسة مفهوم فعالية الذات"، بحث مرجعي مقدم للجنة العلمية للترقية لدرجة أستاذ، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 2005.

16.  Using Self-management skills to adhere to healthy life state. www.mhhc.com/corbin13e.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 5:59 pm

الروابط داخل الجماعات




       

الروابط داخل الجماعات

خلق الله الإنسان في حالة من الضعف الشديد، لا تمكنه من إشباع حاجاته؛ فإذا كان القرد الصغير حديث الميلاد يستطيع التعلق ببطن أمه بعد ساعات قليلة من ميلاده. فالطفل لا يستطيع القبض على الأشياء بيديه، إلا في الشهر السادس تقريباً. ومع أن هذا الضعف دليل العجز، إلا أن له ميزة ووظيفة كبيرة في حياة الإنسان؛ لأن هذا الضعف يجعله دائماً في حاجة إلى الآخر، الذي يقوم بإشباع حاجاته.

من هنا ينشأ التفاعل الاجتماعي بين الوليد وأمه، ثم يتسع نطاق تفاعله الاجتماعي مع سائر الآخرين من الأقارب، ثم الغرباء، ثم جماعة الرفاق والأصحاب، ثم زملاء المدرسة... وهكذا. وهذا معناه أنه كلما نما الفرد، زاد نطاق تفاعله مع الآخرين، من خلال ما يُعرف أو يُسمى بـ "الجماعات".

تلعب الجماعات أدواراً متعددة في حياة الأفراد؛ فهي التي تكسب الفرد إنسانيته من خلال عملية التطبيع، أو التنشئة الاجتماعية. ويشير مصطلح "التطبيع الاجتماعي"، إلى العوامل التي يتعرض لها الفرد أثناء نموه، وإلى مجموعة العمليات التي يمر بها على نحو يشكل سلوك ذلك الفرد، وفقاً لمعطيات مجتمعه وخصائصه، بحيث يكتسب الفرد خاصيته الإنسانية، ويتوافق مع سائر الجماعات التي يتعامل معها.

ويؤدي تعامل الفرد مع الجماعات المختلفة، إلى إكساب المجتمع صفات خاصة به؛ ففي بعض القبائل يتولى الرجال مسؤوليات أسرية تُشبه الدور الاجتماعي، الذي يقوم به الرجال في مجتمعنا؛ بينما في بعض القبائل الأخرى يصبح الرجال مسؤولين عن إعداد الطعام ورعاية الصغار، وتتولى النساء المسؤوليات الأسرية، التي تشبه الدور الاجتماعي للرجال في مجتمعنا. وينطبق المبدأ نفسه على دور الجماعات في إكساب مجتمعاتنا الشرقية خصائصها المميزة لها، عن المجتمعات الغربية. ليس هذا فقط، بل والمحافظة على تلك الخصائص عبر الأجيال المختلفة.

إذا كان تعامل الفرد مع الجماعات المختلفة، يسهم في إكساب المجتمعات صفات خاصة؛ فإنه كذلك يكسب المجتمعات عموماً أوجه للتشابه بينها، وانتقال هذه الأوجه من جيل إلى آخر. ومن هذه الخصائص المتشابهة الآتي:

1. كل مجتمع إنساني هو تنظيم متداخل من عدة جماعات فرعية، ترتبط مع بعضها بعلاقات مختلفة، وبدرجات متفاوتة.

2. تسعى المجتمعات الإنسانية من طريق جماعاتها إلى تحقيق بعض الأهداف العامة، مثل المحافظة على ثقافة الجماعة، وكيان تلك الجماعة واستقرارها وتماسكها.

3. تنظم الجماعات أنشطة أفرادها لتحقق أهدافها العامة، وأهداف أفرادها الخاصة.

4. يوجد داخل كل مجتمع نظام من المعايير، التي تستخدم للحكم على مدى صواب أو خطأ سلوك أفراده، وتزود الأفراد بوسائل تساعدهم على تقييم ذواتهم.

5. يتولى الراشدون تدريب الصغار، من خلال الجماعات المختلفة كالأسرة والمدرسة... إلخ، على الأدوار المناسبة لهم ولمجتمعهم، وتزويدهم بمعايير للحكم على درجة السواء أو الانحراف في أداء هذه الأدوار، ووضع مستويات مناسبة للأداء، تتناسب ودرجات نمو الأفراد.

مما سبق يتضح أهمية الجماعات في حياة الأفراد، وفي بناء المجتمعات والمحافظة على الثقافات الاجتماعية المختلفة؛ فإذا كان للجماعات هذه الأهمية الكبيرة، فما الجماعة؟ وما خصائصها؟ وما الروابط داخل الجماعات، التي تسهم في تكوين الجماعة وتشكيلها والمحافظة عليها؟ وما أثر تلك الروابط على بنية الجماعة وتسيير أمورها؟ وهل يمكن تشكيل وتعديل تلك الروابط؟

أولاً: تعريف الجماعة وخصائصها

أثناء نمو الفرد يكون عضواً في جماعات متعددة تؤثر في سلوكه، وتشكل ثقافته، وتكسبه إنسانيته وانتماؤه لمجتمع معين، كما تُشبع احتياجاته الفسيولوجية والبيولوجية والاجتماعية الإنسانية. ومن هذه الجماعات ما يُعرف بالجماعة المرجعية، وهي الجماعة، أو الجماعات، التي يتقبل الفرد تأثيرها عن رضا، مثل الأسرة. وهذه الجماعة المرجعية تلزم أفرادها بالخضوع لمعاييرها، وتحدد لهم المنهج أو الأسلوب الذي يجب أن يتصرفوا وفقاً له، ليحققوا لأنفسهم الأمان والتوافق.

من هذه الجماعات التي يتعامل معها الفرد ما يُعرف بـ "الجماعة الواقعية"، أو "جماعة الأفراد" الذين يتعامل معهم مباشرة، مثل جماعة الرفاق والأصدقاء وزملاء العمل أو الصف الدراسي. أما "الجماعة الخيالية"، فهي الجماعة التي يتخيل الفرد أنه عضو فيها، مثل جماعات "الإنسانية"، بصفة عامة.

ومن الجماعات التي يتفاعل الفرد مع أعضائها، "الجماعات الأولية"، التي تتميز بالصلات القائمة على العلاقات المباشرة، أي الوجه للوجه، كالأسرة ومجموعة الأصدقاء. ونتيجة لهذه الصلات، ينصهر الفرد مع الآخرين في وحدة مشتركة. أما "الجماعات الثانوية" فإنها تتكون عن قصد، وتمثل اهتمامات خاصة، ويُطلق عليها "الجماعة ذات الاهتمام الخاص"؛ فأعضاؤها لا يعيشون معاً، ولا يختلطون ببعضهم إلا قليلاً، مثل أعضاء نقابة مهنية معينة، أو حزب سياسي.

هذه هي بعض الجماعات التي يتعامل معها الأفراد. وعرضها على هذا النحو يوضح اختلاف الباحثين في النظر إلى تلك الجماعات، وفي تصنيفها لأغراض الدراسة والبحث العلمي. أدى هذا الاختلاف إلى ظهور تعريفات متعددة للجماعة؛ فهناك تعريف للجماعة من خلال تصورات أفرادها؛ فالجماعة هي وحدة اجتماعية تتكون من مجموعة أفراد يكونون تصوراً مشتركاً عن وحدتهم، ويكون في قدرتهم التصرف كوحدة واحدة إزاء بيئتهم. وهناك تعريف للجماعة من خلال دافعية أفرادها؛ فالجماعة جمع من الأفراد، يكون تجمعهم عائداً عليهم.

وثمة تعريف للجماعة من خلال وجود أهداف مشتركة لأعضائها؛ فالجماعة تتكون من فردين فأكثر يتفاعلون مع بعضهم تفاعلاً بناء ذا معنى؛ لأنه يكون من أجل تحقيق هدف عام، أو غرض خاص. وهناك تعريف للجماعة من خلال الاعتماد المتبادل للأفراد، حتى يمكن تحقيق أهداف الجماعة، أو أهداف الأفراد؛ فالجماعة مجموعة من الأفراد يشتركون في علاقات متبادلة، تجعلهم يعتمدون على بعضهم. وهناك تعريف للجماعة بناءً على التفاعل بين الأفراد؛ فالجماعة مجموعة من الأفراد يتفاعلون مع بعضهم، وبناءً على هذا التفاعل تتميز الجماعة عن التجمع.

وإزاء هذا التباين يمكن تعريف الجماعة بأنها: فردان أو أكثر يتفاعلون مع بعضهم، بحيث يؤثر كل منهم في الآخر ليحققوا أهدافاً خاصة وعامة. ومن التعريفات السابقة يمكن تبين عدة خصائص تميز الجماعة، منها:

1. لا توجد جماعة من فرد واحد؛ بل من عدة أفراد؛.أي تبدأ الجماعة من فردين أو أكثر. وقد اصطلح على أن يراوح أعضاء الجماعات الصغيرة ما بين فردين و30 فرداً.

2. يتفاعل هؤلاء الأفراد مع بعضهم تفاعلاً هادفاً، لتحقيق هدف معين.

3. يدرك الأفراد أنفسهم كأعضاء في جماعة، فيدركون أنفسهم كأعضاء في أسرة، أو في فصل دراسي، أو في فريق معين.

4. يُعرف أعضاء الجماعة بناءً على عضويتهم؛ فهذا عضو في جماعة الصحافة، وهذا عضو في جماعة الإذاعة... إلخ.

5. تنمو بين الأفراد معايير معينة توجه سلوكهم، والمعيار هو المعتقد، أو الرأي التقييمي العام الذي يحدد ما هو مقبول وما هو مرفوض، من أساليب السلوك.

6. يشترك الأفراد مع بعضهم بناءً على ما لدى كل منهم من مصادر القوة، في تسيير وتوجيه الأنشطة، وذلك من خلال تنظيم متداخل للأدوار؛ ففي المدرسة توجد أدوار متعددة، منها دور المدرس والناظر والوكيل والعامل، وغيرهم؛ فهذه الأدوار تنتظم مع بعضها، لتكون التنظيم العام للمدرسة.

7. يكون أفراد الجماعة مع بعضهم وحدة، نتيجة لاعتناقهم مُثلاً وقيماً معينة؛ فالأسرة تجمع أعضاؤها وحدة مع بعضهم؛ لأنهم يعتنقون مُثلاً وقيماً وأفكاراً خاصة بهم.

8. يجد أفراد الجماعة أن انتماءهم يحقق لهم الكثير، من العوائد والفوائد المادية والمعنوية.

9. يدرك أعضاء الجماعة أنفسهم كوحدة واحدة؛ فجماعة الكشافة مثلاً يدركون أنفسهم كوحدة متميزة عن جماعة الأشغال.

10. يتصرف أعضاء الجماعة إزاء العوامل والظروف البيئية التي تواجههم، تصرفاً معيناً قد يمكن التنبؤ به؛ فمثلاً يمكن أن نتوقع كيف يتصرف أعضاء الأسرة إذا ما واجهوا مشكلة عامة، تمس كيان الأسرة ومستقبلها.

11. الثبات النسبي؛ فالجماعة لا تكون عابرة بل تستمر لفترات متفاوتة؛ فالعلاقات الأسرية مستمرة، والعلاقة بزملاء الدراسة قد تتفاوت زمنياً.

وتظهر الخصائص السابقة وتتحدد بناءً على الروابط السائدة داخل الجماعة. أي أن هناك علاقة تفاعلية دائمة ومستمرة، بين خصائص الجماعة والروابط السائدة داخلها.

ثانياً: الروابط داخل الجماعة

1. الروابط الوجدانية

يُقصد بالروابط الوجدانية، تلك الروابط الخاصة بمشاعر الحب والكره والتقبل والنبذ السائدة، بين أفراد الجماعة. وتظهر خصاص الجماعة السابق الإشارة إليها، للروابط الوجدانية، في انتشار التعاون والمحبة بين أعضائها؛ فيهبون تلقائياً لمعاونة بعضهم في أداء الأعمال المختلفة، وفي تعليم بعضهم المهارات اللازمة لتسيير حياة الجماعة. وإذا ما تعرض أحد الأعضاء لمشكلة أو أزمة، نهض باقي الأعضاء تلقائياً لمساعدته. وتنتشر بينهم روح المرح والدعابة، دون حساسية شديدة، تؤدي إلى جرح المشاعر والأحاسيس. ويتقبل أعضاء الجماعة اختلاف وجهات النظر بصدر رحب، ما يساعد على تطوير أساليب أدائهم للأعمال المختلفة. وبعبارة أخرى، لا يكون اختلاف وجهات النظر بينهم مدعاة للثورة والغضب وتفكك الجماعة. كل هذا يؤدي إلى أن تكون الجماعة أكثر تماسكاً، فلا يرغب أحدهم في تركها أو مغادرتها، ويكون كل عضو فخوراً بانتسابه إليها. وبصفة عامة، ينتشر بين أعضاء الجماعة الشعور "بالنحن".

2. الروابط المستمدة من السلطة والقوة

تتحدد مصادر القوة والسلطة داخل الجماعة في قوة الثواب، وقوة العقاب، والقوة الشرعية الرسمية، وقوة الوحدة (أي الاتحاد مع شخص له تأثيره على الآخرين)، وأخيراً قوة الخبير. وتظهر خصائص الجماعة، السابق الإشارة إليها، لهذا النوع من الروابط، في مشاركة كل عضو من أعضاء الجماعة ــ تبعاً لما لديه من مصادر القوة ــ في مسؤولية تنظيم أنشطة الجماعة وتنفيذها. فيعرف كل منهم ما عليه أن يعمل، ومع من يعمل، ومتى يعمل، وكيف يعمل. ويكون ذلك من خلال تنظيم شامل تضعه الجماعة، وبتوجيه من القائد. كذلك، يكون من السهل ضبط الجماعة والسيطرة عليها دون إفراط أو تفريط؛ لأن الإفراط في الضبط يجعل المحافظة على بنية الجماعة مسؤولية القائد فقط، ومن ثم تركيز للسلطة. أما التفريط في الضبط، فيؤدي إلى الاضطراب والفوضى. كذلك، تستطيع الجماعة اتخاذ القرارات دون بطء أو تراخٍ، لأن السلطة تكون موزعة، ولأن كل عضو يشارك في اتخاذ القرار، وكل الأعضاء مسؤولين، وكل فرد منهم مستعد لتقبل الاختلاف في الرأي، ومستعد للمشاركة في التنفيذ عن طيب خاطر، ودون قسر أو تهديد. كذلك، فإن قائد الجماعة يساند من يوكل إليهم تنفيذ الأعمال، ولا يتسقط لهم الأخطاء.

3. روابط الاتصال

لا يمكن أن يستمر وجود الجماعة عندما تكون الاتصالات بين أعضائها غير سوية، أو غير مناسبة. وتظهر خصائص الجماعة، السابق الإشارة إليها، لهذا النوع من الروابط في وجود قدر مشترك من المعلومات، التي تهم أعضاء الجماعة؛ فلا يحتفظ القائد بكل المعلومات، ولا يغرق الجماعة بالمعلومات. كذلك، يحرص كل فرد على أن يشارك غيره فيما لديه من معلومات تهم الجماعة، وتساعد في تسيير أمور حياتها. أي أن شبكة المعلومات لا تكون من القمة للقاعدة فقط، بل ومن القاعدة إلى القمة، وبين أعضاء كل مستوى، ما يقلل من مشاعر الإقصاء والعداوة، ويزيد الفرصة لكي يؤثر كل عضو من الأعضاء، في الآخر.

4. الروابط المستمدة من وجود هدف مشترك

من الثابت أن وجود هدف مشترك تسعى الجماعة إلى تحقيقه، يؤدي إلى وحدة الجماعة وتماسكها، وإلى تنظيم العمل وتوزيع الأدوار. وتظهر خصائص الجماعة لهذا النوع من الروابط في معرفة أعضاء الجماعة بالأهداف، التي تسعى نحو تحقيقها وكيفية تحقيقها. ولهذا يكون كل فرد مستعداً لأن يتعلم ما هو جديد، وأن يؤد ما يجب عليه تأديته من واجبات، ولا يسعى إلى التهرب من أدائها، أو البحث عن طرق ملتوية، أو مختصرة، لأدائها؛ ويكون منتظماً ودقيقاً في أدائه للواجبات في مواعيدها، دون تلكؤ أو تسويف. كما يكون الفرد مستعداً لتحقيق درجة من التوافق، بين أهدافه الشخصية وأهداف الجماعة.

وإذا كانت الروابط السائدة داخل الجماعة، على الصورة السابق عرضها، كان هذا مؤشراً للصحة النفسية للجماعة.

ثالثاً: العلاقات التبادلية بين الروابط داخل الجماعة، وكل من التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية

تتأثر الروابط داخل الجماعة وتؤثر في تشكيل بنية الجماعة، وتوجيه مسيرتها، من خلال عمليات محددة؛ منها التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية.

1. التفاعل الاجتماعي

هو العملية والموقف الذي تكون فيه ردود أفعال الفرد، استجابة لردود أفعال فرد آخر. ويتميز التفاعل الاجتماعي بعدة خصائص، منها:

أ. أنه وسيلة للاتصال بين الأفراد؛ فمن طريقه تفهم الأم حاجة طفلها، وبواسطته يفهم المرؤوس ما يريده رئيسه منه، ومن خلاله تحكم الجماعة على درجة سوية، أو سوء، تصرفات أعضائها.

ب. للتفاعل الاجتماعي مظاهر واضحة، سواء كانت في صورة لفظية أو غير لفظية (كالإيماءات والإشارات والحركات والمسافة بين الأفراد وغيرها)؛ فبواسطة تلك المظاهر تدرك الجماعة مقدار تماسك أعضائها أو تفككهم، وموقفهم من السلطة والقيادة الرسمية وغير الرسمية، والعلاقات الوجدانية المتبادلة بينهم.

ج. يتميز التفاعل الاجتماعي بالتوقع؛ فيتوقع أن يوجد تشابه كبير بين قيم أعضاء الجماعة وبين قيم القائد وأعضاء جماعته، فإذا حدثت فجوة كبيرة اختل التفاعل، وتأثرت الروابط الخاصة بالسلطة.

د. التفاعل الاجتماعي دائماً موجه نحو هدف، وهذا الهدف بدوره يدعم الروابط المستمدة من وجود هدف مشترك، وفي الوقت نفسه يتأثر هذا الهدف الخاص، بالأهداف المشتركة للجماعة.

هـ. يؤدي التفاعل الاجتماعي إلى تمايز تركيب الجماعة، إذ يؤدي إلى ظهور الزعامات والقيادات، وتحديد الأدوار الاجتماعية أو المسؤوليات، التي يجب أن يقوم بها الأعضاء.

2. العلاقات الاجتماعية

العلاقات الاجتماعية هي الصلة التي تقوم بين فردين أو أكثر، يحدث بينهم تأثير متبادل، بناءً على ما يراه الفرد في الآخر. وتتمثل هذه العلاقات في الاختيارات التلقائية لبعضهم، سلباً أو إيجاباً في مختلف المواقف، ويُقصد بالسلب أو الإيجاب نمط التجاذب أو التنافر، بين الفرد والآخرين.

والأساس في العلاقات الاجتماعية تباين التأثير والتأثر، ويُعد التبادل أرقى أنواع العلاقات الاجتماعية، إذ إن للعلاقات الاجتماعية مستويات متتابعة، هي:

أ. المستوى الأول: العلاقات التبادلية

وهي علاقات تعتمد على الصدفة، حيث يوجد فردان أو أكثر، ولا يوجد بينهما تعامل حقيقي، ومن ثم لا يحدث أي تأثير أو تأثر بينهما.

ب. المستوى الثاني: علاقات الاتجاه الآخر

وهي علاقات لا يتزامن فيها وجود الفردين، ولكن يتأثر أحدهما فقط بسلوك الآخر، مثل المذيع والمشاهدين، حيث لا يوجد بينهم تفاعل حقيقي.

ج. المستوى الثالث: علاقات شبه تبادلية

في هذا النوع يتزامن وجود الفردين، وتتم العلاقة بينهما وفق خطة مرسومة، أو حوار مكتوب، مثل التمثيل المسرحي.

د. المستوى الرابع: العلاقات المتوازية

وفيها يتزامن وجود الفردين ويجمعهما موقف واحد، ولكن أحدهما يتحدث والآخر لا ينصت إليه، ثم يحدث العكس.

هـ. المستوى الخامس: العلاقات المتبادلة غير المتناسقة

وفيها يتزامن وجود الفردين؛ ولكن تعتمد استجابات أحدهما على سلوك الآخر، ولا تعتمد استجابات الآخر على سلوك الأول، كما في المقابلة الشخصية.

و. المستوى السادس: العلاقات المتبادلة

تكون علاقات التفاعل بصورة اجتماعية صحيحة عندما تصل إلى هذا المستوى، حيث يتزامن وجود الفردين أو الأفراد. ويعني التبادل تحول اتجاه التأثير من فرد إلى آخر؛ فكما يؤثر فرد ما في غيره، فإنه، أيضاً، يتأثر به، ويصبح الفرد بذلك مؤثراً ومتأثراً.

وتتأثر هذه المستويات بالروابط داخل الجماعة؛ فالقيادة التي تعزل نفسها عن سائر الأفراد تخلق مستوى من العلاقات غير التبادلية، أما إذا اتصلت بالتابعين فإنها تخلق نوعاً من العلاقات التبادلية.

كذلك، إذا وجد تباين كبير بين الأفراد فيما يعتنقونه من قيم، فإن هذا يخلق علاقات متبادلة غير متناسقة. فإذا ما احتدم الصراع بين الأفراد، ظهرت العلاقات التبادلية السالبة.

وإذا كان القائد ديكتاتورياً ضعفت الروابط الاتصالية، وأخذت مظهر العلاقات الاتصالية الرأسية، ما يخلق مستوى من العلاقات المتوازية.

وللجماعات أهميتها للأفراد والمجتمعات، وتتميز الجماعات بخصائص معينة تظهر واضحة جلية في الروابط داخل تلك الجماعات. وتتعدد الروابط داخل الجماعات: ما بين روابط للسلطة والقوة، وروابط وجدانية، وروابط اتصالية، وروابط مستمدة من وجود هدف مشترك. وهذه الروابط ذات علاقات تبادلية بينها وبين كل من التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، بمستوياتها المختلفة.

وتأخذ العلاقة التبادلية شكل التأثير والتأثر، أي أنها ليست علاقة ذات اتجاه واحد. ومن هنا يُثار التساؤل التالي: هل يمكن تشكيل تلك الروابط وتعديلها؟

أثبتت الدراسات أن تلك الروابط تتأثر بعوامل متعددة، ومن ثم يمكن تشكيلها بالتحكم في تلك العوامل؛ فمثلاً روابط السلطة يمكن تشكيلها إذا استطاعت قيادة الجماعة تجنب الصراعات حول السلطة، وإذا لم تنعزل عن سائر أفراد الجماعة، وإذا قامت القيادة الوظيفية على توزيع السلطة، وعدم تركيزها في يد فرد أو مجموعة.

والروابط الوجدانية يمكن تشكيلها إذا تبنت الجماعة نمطاً قيمياً موجهاً لصالح الجماعة وأعضائها، وساد بين الأعضاء معيار المساندة الاجتماعية، تحقيقاً لأهدافهم الفردية، التي هي جزء من الأهداف العامة للجماعة.

والروابط الاتصالية يمكن تشكيلها وتعديلها إذا كانت المعلومات مشتركة بين الأعضاء، من خلال نظام متعارف عليه لتبادل المعلومات.

وأخيراً، يمكن تشكيل الروابط المستمدة من وجود هدف مشترك بسيادة الشفافية بين أعضاء الجماعة في معرفة الأهداف المشتركة، وعدم شيوع "الأجندات" الخاصة بالأعضاء. كما أن وضع خطة منظمة لتحقيق الهدف والتغلب على ما يواجهه من عقبات، ومشاركة الأعضاء في وضع هذه الخطة وتوزيع الأدوار، يسهم في تقوية هذا النوع من الروابط وتشكيله.



       

المصادر والمراجع

1.   حسين عبدالعزيز الدريني، "الجماعات الصغيرة والإحباط"، حولية كلية التربية، جامعة قطر، 3، الدوحة، قطر، 1984.

2.   حسين عبدالعزيز الدريني، "المدخل إلى علم النفس"، دار الفكر العربي"، ط1، القاهرة، 1983.

3.   محمود محي الدين سعيد عشري، "أنماط العلاقات الاجتماعية "السوسيومترية" السائدة بين طلاب بعض الجامعات وعلاقتها بالتوافق النفسي الاجتماعي والكفاءة الأكاديمية"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 1991.

4.    Tarrance, E. P., The behaviors  of small groups under stress conditions of Survival American Sociological Review, 1954, 19.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 6:01 pm

المواءمة المهنية

   

       

المواءمة المهنية

تحض جميع الأديان السماوية الإنسان على العمل الشريف المنتج. كما كان كثيرٌ من الأنبياء يأكلون من عمل أيديهم.

وللعمل أهميته في حياة الأفراد والمجتمعات؛ فالعمل من الناحية النفسية للفرد لا يعني فقط بذل جهد عقلي أو مادي، للتأثير على الأشياء المادية أو غير المادية المحيطة به للوصول إلى نتيجة ما؛ بل هو في حقيقته تفاعل بين الفرد والبيئة، يحاول الفرد خلاله أن يحقق أهدافه، وأن يشبع رغباته وحاجاته، وأن يحيل قيمه ومثله إلى حقيقة واقعة، وأن يعبر عن دوافعه وصراعاته وقلقه، بصورة مقبولة منه ومن المجتمع، في معظم الأحيان. وهو في أثناء هذا التفاعل مع الوسط الذي يعمل فيه، ينمو الفرد وتتكامل شخصيته وتتحقق ذاته، ويشعر بقيمته وإنسانيته. إن العمل وسيلة لإشباع الدوافع، ووسيلة للمحافظة على التوازن بين مختلف الضغوط الواقعة على الفرد. وهو وسيلة من وسائل خفض التوتر، وعامل من عوامل التكامل في حياة الفرد.

يقوم العمل بدور المُربي، الذي يكسب الفرد مجموعة من الخصال الأساسية، التي تمثل الحد الأدنى لقبوله عضواً في المجتمع. وفيما يلي أهم هذه الآثار:

1. قدر معين من ضبط الأداء

يبدو ذلك في إكساب الفرد مجموعة من المهارات اللازمة للقيام بأداءات بعينها، وما تستلزمه هذه الأداءات من تشغيل محسوب لمختلف الوظائف الذهنية والحركية، التي لا بد منها للوفاء بحق هذه الأداءات، كالإدراك الدقيق، وتركيز الانتباه، والتحكم في الحركة.

2. قدر معين من الانضباط الذاتي

يتجلى ذلك في تدريب الفرد على المواءمة بين مطالب العمل والعادات الشخصية، من ذلك مثلاً الارتباط بمواقيت محددة للعمل، وتطويع عادات الشخص وموازين المفاضلة لديه، لما تقضي به ظروف العمل.

3. تنمية قدرات التعاون مع الغير

يتلاءم هذا التعاون مع نوع الخطوات، التي ينقسم إليها العمل الذي يسهم الفرد في القيام به، مع غيره من الأفراد. ويتطلب ذلك من الفرد درجة معينة من الإلمام بالهيكل الكلي للعمل، ومن الإدراك لحدود الدور الموكول إليه هو شخصياً، داخل هذا الهيكل.

4. تنمية قدرات التخطيط للمستقبل

تنطوي هذه القدرات على عدد من الوظائف، يأتي في مقدمتها وظيفة التصور، أي تكوين صورة ذهنية للناتج، كما يتخيله في المستقبل، ثم توجيه خطواتنا بدءاً من هذه اللحظة الراهنة صوب تحقيق هذا التصور. وقد تزيد على ذلك تصوراً لجدول زمني محدد لإنجاز العمل، كما نصوغ تصوراً للتكلفة المادية، التي يتطلبها الإنجاز، وربما وضعنا كذلك تصوراً للفوائد والآثار، التي ستترتب على تحقيق هذا العمل.

5. تنمية آليات تصحيح الفعل

هناك مجموعة من العمليات شديدة التعقيد، تُعرف باسم "آليات تصحيح الفعل". تأتي في مقدمة هذه الآليات التصحيحية خمس عمليات، هي: عمليات المردود، وعمليات النقل والتعميم، وعمليات المحاكاة والاقتداء، ثم التقويم، وأخيراً عمليات الثواب والعقاب. والمردود هو الصدى المباشر لأي فعل نقوم به. كما أن النقل يتضمن انتقال أثر ما تعلمناه في موقف معين، إلى ما يليه من مواقف مشابهة. أما المحاكاة فهي التقليد لما يصدر أمامنا من القدوة، وكذلك التقويم هو مجموعة العمليات التي ينطوي عليها النظر فيما أنجزناه، لمضاهاته بما كنا نستهدفه، وعلى ذلك فالتقدير هو مواضع التفاوت بين النموذجين، والحكم لهذا التفاوت أو عليه.

وإذا كان للعمل هذه الأهمية الكبيرة لدى الأفراد، فإن له أهميته، أيضاً، للمجتمعات. ذلك أن العمل هو كل نشاط يقوم به أفراد المجتمع بصورة منظمة، بحيث يؤدي بشكل، مباشر أو غير مباشر، إلى إنتاج سلعي أو غير سلعي (خدمات معينة)، ومن ثم فإن أهميته وفائدته لا تقتصر على الفرد، بل تشمل المجتمع كله.

فالعمل يحفظ للمجتمعات مواردها وينميها، ويرفع مستوى المعيشة، ما يساعد على صون كيان المجتمعات وسلامتها. والعمل، في الوقت نفسه، عامل من العوامل التي تربط بين أعضاء الجماعة، وتوحد من أساليب الحياة والاتجاهات والقيم، بين الأفراد الذين يعملون في مجال واحد، بل وبين أبناء المجتمع كله، عندما يتكاتف أفراد المجتمع في سبيل تحقيق أهداف عامة مشتركة. وهذا يعني أن العمل هو إحدى الوسائل، التي تساعد الجماعات في تحقيق أهدافها وعلاج أزماتها.

إن العمل يضخ الدم في جسم المجتمع، فيحفظ عليه حياته (بما يقدمه من سلع وخدمات)، كما أنه ينشط نموه (بما يقدم من ابتكارات واختراعات واكتشافات). كما أن العمل يقيم بين الأفراد والمجتمع علاقة تبادلية بالغة الأهمية، لكل منهما؛ لأنها في نهاية الأمر هي الدعامة التي تحفظ لكل من الطرفين كيانه، أي هيكله وما يتفاعل داخل هذا الهيكل من وظائف، وتضمن له نمو هذا الكيان.

والسؤال: إذا كان للعمل هذه الأهمية الكبرى للفرد والمجتمع، فكيف يمكن تحقيق أقصى استفادة من العمل، لصالح كل من الفرد والمجتمع؟

إن الطريق إلى تحقيق هذه الاستفادة، إنما يكون بالمواءمة المهنية، اي وضع الرجل المناسب في العمل المناسب. وتُعد المواءمة المهنية من مقتضيات نجاح الفرد في العمل الذي يقوم به، نظراً للفروق بين الأفراد في السمات البدنية والعقلية والوجدانية، ولاختلاف متطلبات الأعمال من تلك السمات.

التوجيه المهني كمدخل للمواءمة المهنية

يُقصد بالتوجيه المهني تقديم المعلومات والخبرة والنصيحة، التي تتعلق باختيار المهنة والإعداد لها والالتحاق بها، والتقدم فيها. إنه عملية مساعدة الفرد على أن يختار مهنة له، ويُعد نفسه لها، ويلتحق بها، ويتقدم فيها. وهو يهتم، أولاً، بمساعدة الأفراد على اختيار وتقرير مستقبلهم ومهنتهم، بما يكفل لهم تكيفاً مهنياً مُرضياً.

من التعريفين السابقين يمكن تحديد خصائص التوجيه المهني، كالآتي:

1. عملية ترمي إلى مساعدة الفرد على أن ينمي صورة لذاته، خالية من التعارض، أو الصراع، أو الانحلال؛ إنها صورة تتلاءم مع إمكانيات الفرد المختلفة، أي مع استعداداته ودوافعه وميوله وقيمه وظروفه الاجتماعية، وغير ذلك.

2. عملية ترمي، أيضاً، إلى مساعدة الفرد على أن ينمّي ويتقبل الدور، الذي يقوم به في عالم العمل، ذلك الدور الذي يتفق مع إمكانياته المختلفة.

3. عملية ترمي إلى مساعدة الفرد على أن يجرب ويختبر الصورة، التي كونها عن نفسه وعن دوره في عالم العمل، في ميدان الحياة الواقعية.

4. عملية ترمي إلى مساعدة الفرد على أن يحقق صورته عن نفسه في ميدان العمل، وأن يكون ذلك بحيث يؤدي إلى كفالة السعادة له والمنفعة للمجتمع.

ويمكن تلخيص الخطوات الرئيسية للتوجيه المهني في:

·       تحليل المهنة.

·       تحديد الأدوات، التي تقيس كل ناحية من نواحي ذلك التحليل.

·       قياس مستوى الأفراد في السمات اللازمة للمهنة.

·      وضع الفرد في المهنة المناسبة، بناءً على تقدير احتمال نجاحه فيها، في ضوء مقارنة مستويات النجاح المعروفة للأداء، ومستويات الفرد في السمات المناسبة.

المواءمة المهنية

هي وضع الفرد المناسب في العمل المناسب، أي إلحاق الفرد بالمهنة (أو مجموعة المهن)، التي تناسب سماته وصفاته على نحو يزيد من زيادة احتمال نجاحه فيها، وتوافقه معها.

تحتاج المواءمة المهنية إلى:

·       تحليل العمل.

·       تحليل الفرد.

·       المواءمة بين الفرد والعمل.

1. تحليل العمل

إن الخطوة الأولى في أي برنامج منظم للمماثلة بين العامل والعمل، هي المعرفة الدقيقة الشاملة بالأعمال والمهن المختلفة، وبالواجبات التي يقوم بها العامل في كل منها، وبالظروف التي يؤدي فيها العامل هذه الواجبات، وبالشروط والمؤهلات، التي يجب أن تتوافر في العامل، حتى يستطيع أداء عمله بنجاح.

لذا، فإن تحليل العمل هو المصدر الأساسي للحصول على تلك المعلومات. ويعني تحليل العمل الدراسة الدقيقة لجميع الحقائق الأساسية عن العمل. وتشمل هذه الحقائق الواجبات المختلفة، التي يؤديها العامل، والظروف التي يؤدي فيها عمله، والمؤهلات التي يجب أن تتوافر في العامل لكي ينجح في عمله. إنها الطريقة المباشرة والشاملة للحصول على الحقائق الصحيحة، عن الأعمال.

وفي مجال المواءمة المهنية يفيد تحليل العمل في الحصول على الحقائق الصحيحة عن الأعمال، وفي تنظيم برامج التدريب، التي يتلقاها العمال للالتحاق بالعمل أو للترقية، والبرامج التي تهدف إلى حُسن توافق العاملين مع زملائهم، وزيادة كفاءتهم المهنية، وحسن التفاهم بينهم وبين الإدارة.

إن تحليل الأعمال ييسر اختيار العمال الجُدد، على أُسس علمية موضوعية، وتقدير درجة نجاحهم المحتملة بناءً على ما لديهم من قدرات وإمكانات، تتناسب مع العمل الذي سيلتحقون به.

يتضمن تحليل العمل بيانات متعددة، تساعد في تكوين صورة عن العمل ومتطلبات أدائه. ومن هذه البيانات:

أ. تعريف عام بالعمل.

ب. تفاصيل واجبات العمل وكيفية أدائه، ولماذا يُؤدى.

ج. تفاصيل واجبات العمل الدورية.

د. تفاصيل الواجبات العارضة، التي يتطلب العمل القيام بها كنتيجة لموقف غير متوقع ينشأ أثناء مزاولة العامل لعمله.

هـ. المتطلبات اللازمة لأداء العمل:

(1) التعليم.

(2) المعرفة والمعلومات المهنية.

(3) التدريب اللازم للعامل ومدته، والمهارات المكتسبة نتيجة ذلك التدريب.

(4) الأدوات والآلات والأجهزة والمواد المستخدمة.

(5) المهارة والدقة اللازمة لأداء العمل ودرجتها.

(6) السمات الشخصية، التي يتطلبها العمل.

(7) الميول المهنية التي يتطلبها العمل.

(Cool الاستعدادات والقدرات، التي يتطلبها العمل.

(9) النشاط البدني، الذي يتطلبه العمل.

(10) نواحي القصور التي تمنع صاحبها من مزاولة هذا العمل.

و. المسؤولية.

ز. العلاقة بالأعمال الأخرى وبالمشرفين.

ح. ظروف العمل:

(1) مكان العمل.

(2) مخاطر العمل.

(3) الأمراض المهنية، التي تصيب العامل.

(4) مواعيد العمل

ي. ملاحظات.

مما سبق يتضح أن تحليل العمل يتضمن ثلاثة أجزاء رئيسية، هي:

·       تحديد دقيق للعمل.

·       وصف واجبات العمل وظروفه، وصفاً دقيقاً وتاماً.

·      الشروط والمؤهلات، التي يقتضي العمل توافرها في العامل لأداء عمله بنجاح.

وتوجد أربعة أنواع من المعلومات المهمة، التي يجب أن يشملها تحليل العمل، وتجمع هذه المعلومات في محاولة الإجابة على أربعة أسئلة مهمة، هي:

·       ماذا يفعل العامل؟

·       كيف يؤدي عمله؟

·       لماذا يقوم بعمله؟

·       ما متطلبات أداء هذا العمل؟

2. تحليل الفرد

يُقصد بتحليل الفرد قياس وتقدير خصائص الفرد الجسمية والعقلية والشخصية، للوقوف على مدى صلاحيته لأداء عمل معين. وتستخدم وسائل متعددة لتقدير تلك الخصائص، مثل بيانات طلب الالتحاق، والبيانات المسجلة بملفات سابقة للفرد، والمقابلة الشخصية، والاختبارات النفسية.

ومن أهم الخصائص التي تخضع للتقدير في عملية تحليل الفرد:

أ. الخصائص الجسمية: كالمظهر والصحة العامة، والطول، والوزن، وجوانب العجز، والاضطرابات، أو الأمراض الجسمية.

ب. الخصائص العقلية: كالذكاء، والذاكرة، والانتباه، والقدرات المختلفة الحسابية واللغوية والميكانيكية... إلخ.

ج. المهارات الحسية والحركية: كمهارة الأصابع، والتآزر بين العين واليد والقدم، وحدة الإبصار، وحدة السمع... إلخ.

د. الخصائص الانفعالية: كالانبساط والانطواء، وتحمل المسؤولية، والاتجاهات العصابية والذهانية، والنضج الانفعالي... إلخ.

هـ. الخلفية التحصيلية والمعرفية: كالمؤهل، ونوع التدريب، ونوع الخبرة أو الخبرات، التي حصل عليها الفرد من التحاقه بأعمال سابقة.

أي أن تحليل الفرد يتضمن جمع ثلاث فئات من المعلومات:

·       الخصائص الفيزيقية للفرد.

·       الخصائص السيكولوجية للفرد.

·      تاريخ الفرد السابق وتأهيله العلمي والعملي.

3. المواءمة بين الفرد والعامل

بعد جمع البيانات عن الفرد، لا بد من مقارنة هذه البيانات بالمتطلبات اللازمة للنجاح في العمل، والمستمدة من تحليل العمل. وتُعرف هذه العملية بالمواءمة المهنية بين الفرد والعامل.

إن هذه المواءمة عملية تحتاج إلى خبرة فنية من القائم على عملية الاختيار والتوجيه المهني؛ إذ عليه أن يحدد درجة صلاحية الفرد، لا لمهنة معينة، بل لفصيلة مهنية (كالأعمال الكتابية، أو الأعمال الميكانيكية، أو المهن الطبية المساعدة... إلخ)، وداخل تلك الفصيلة يحدد درجات صلاحية لكل مكون، أو عنصر من عناصرها.

 
       

المصادر والمراجع

1.   السيد محمد خيري، "علم النفس الصناعي"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1968.

2.   عطية محمود هنا، "التوجيه التربوي والمهني"، مكتبة النهضة المصرية"، القاهرة، 1959.

3.   فرج عبدالقادر طه، "قراءات في علم النفس الصناعي"، مكتبة سعيد رأفت، القاهرة، 1973.

4.   محمد عثمان نجاتي، "علم النفس الصناعي"، مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1960.

5.   مصطفى سويف، "نحن والمستقبل"، دار الهلال، القاهرة، 1994.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 6:02 pm

التعلم التعاوني





       

التعلم التعاوني

ورد في الأثر: عقلان يعملان معاً، أفضل من عقل واحد. يرجع ذلك إلى أن لكل عقلٍ، أو شخص صاحب عقل، مصادر قوة معرفية ووجدانية، ومن ثم إذا تعاون أكثر من شخص فالناتج سيكون أفضل مما لو عمل كل واحد بمفرده. ومن هنا عُدّ التعاون أفضل من الفردية، بل ويفوق التنافسية في أداء بعض المهام. لذلك يتوقع أن يكون للتعلم التعاوني فوائد تميزه.

وبينت الدراسات أن مجموعات التعلم التعاونية تؤدي إلى:

·       تمكين المعلمين من إدارة أعداد كبيرة من التلاميذ في الفصل الدراسي، وإشراكهم في أنشطة التعلم اشتراكاً إيجابياً.

·       تشجع طرق التعلم التعاوني كل التلاميذ على أن يكونوا أعضاء ناشطين في مجموعات العمل الصغيرة، وأن يعملوا معاً لإنهاء المهام الموكلة إليهم. وهذا من شأنه تطوير مهارات الاتصال بينهم، والقدرة على تقدير العمل الجماعي، والتخلي عن الأنانية والتحيز.

·       تنمي لدى التلاميذ العلاقات الاجتماعية والاعتماد الإيجابي المتبادل، الذي يؤدي إلى زيادة المشاركة والاندماج في الجماعة. ويشعر الفرد المتعاون بالأمان والألفة داخل الجماعة، على نحو ينمي لدى الأعضاء روح الجماعة.

·       للتعلم التعاوني نتائج معرفية، مثل: زيادة التحصيل وتنمية التفكير؛ ونتائج غير معرفية، مثل: تحسين المهارات الاجتماعية، واحترام الذات، والقدرة على التصرف. ولا تقتصر تلك الفوائد على التلاميذ العاديين، بل وتشمل أيضاً التلاميذ ذوي الاحتياجات الخاصة.

ومما يجدر الإشارة إليه، ما بينته الدراسات المقارنة بين تأثير التعاون والتنافس على عدد من المتغيرات التربوية والسيكولوجية، أظهرت تفوق أثر التعاون على التنافس في زيادة إيجابية اتجاهات التلاميذ نحو الآخرين، بصفة عامة، وزيادة الاهتمامات المشتركة بينهم، وانتشار روح الصداقة، والانتباه للآخرين، والشعور بالامتنان لهم. وقد تبين أن المنافسة قد تؤدي إلى رفع معدل قلق الأفراد، ونقص الثقة بالنفس، وزيادة الرغبة في إشباع الحاجات الفردية؛ بينما يكون أعضاء الجماعة في ظل التعاون، أقل قلقاً وأكثر تمركزاً حول العمل، وتحقيقاً للأهداف.

أولاً: تعريف التعاون وخصائصه

وللوقوف على معنى التعلم التعاوني، لا بد من الوقوف على معنى التعاون وخصائصه؛ وللتعاون تعريفات متعددة، يمكن تصنيفها على المحاور التالية:

·       التعاون كموقف.

·       التعاون كسلوك.

·       التعاون كتحقيق للهدف.

·       التعاون كباعث.

·       التعاون كاستعداد.

·       التعاون كتنظيم للمهام.

1. التعاون كموقف

أ. التعاون هو الموقف الذي يشترك فيه الفرد في الكفاح مع الآخرين، من أعضاء جماعته، لتحقيق هدف عام. وفي النهاية يتقاسم الجميع بالتساوي ثمرة هذا الكفاح.

ب. الموقف الذي يعمل فيه اثنان، أو أكثر، سوياً، لتحقيق هدف مشترك.

ج. الموقف الذي يقوم فيه كل الأعضاء بحل مشكلة ما، من طريق تقسيم العمل فيما بينهم، ويكافئون على حلها، بحيث تتناسب المكافأة مع عمل الجماعة ككل.

د. الموقف الذي ترتبط فيه أهداف الأفراد بعلاقات إيجابية متبادلة بينهم، أثناء تحقيق هذه الأهداف، بحيث إذا حقق الفرد هدفه يحقق الآخرون المشاركون معه أهدافهم. لذا، يسعى كل فرد لتحقيق ناتج يفيد جميع المشاركين.

2. التعاون كسلوك

أ. سلوك يتسم بالسعي لتحقيق أهداف الفرد وأهداف الجماعة، التي ينتمي إليها، من خلال المشاركة بالمعلومات والآراء والأفكار والمشاعر، وتقديم الأدوار والمصادر الخاصة بالفرد لصالح الجماعة، وتوقع الحصول على العائد نفسه للفرد والآخرين، عند تحقيق الأهداف المشتركة.

ب. جهاد مشترك مع فرد، أو أفراد آخرين، من أجل خير أو هدف أو قيمة عامة.

ج. العمل المشترك المتسم بالاستمرار بين فردين، أو أكثر، بغرض تحقيق هدف متفق عليه، أو إنجاز هدف مشترك.

د. سلوك هادف يرمي إلى تحقيق هدف، بحيث يكون الهدف فيه مخططاً، أي قائم على الوعي به والتفكير فيه. كما أنه سلوك اجتماعي جماعي ــ أي من خصائص الجماعة ــ ويُعد عملية أساسية للحياة الاجتماعية.

3. التعاون كتحقيق للهدف

أ. موقف لا يصل فيه الفرد إلى هدفه، إلا إذا دخل الأفراد الآخرون في المجال المشترك بينهم.

ب. إدراك التلاميذ لأهدافهم المرتبطة بالعلاقات الإيجابية المتبادلة بينهم، واعتقادهم بأن تحقيق الهدف يعتمد على توصل الآخرين، إلى أهدافهم المشتركة.

ج. الأسلوب الذي يستخدمه التلميذ لتحقيق أهدافه الفردية، وذلك بالعمل المشترك مع زملائه أثناء سعيهم لتحقيق أهدافهم. وبذلك تكون العلاقة بين أهداف الفرد والآخرين، علاقة موجبة.

4. التعاون كباعث

عمل فردين اثنين أو أكثر معاً، ويتم تعزيزهم بناءً على أدائهم الجماعي.

5. التعاون كاستعداد

هو استعداد الفرد للتصرف بالمشاركة مع الآخرين، أكثر من التصرف بفردية أو تنافسية.

6. التعاون كمنظم للمهام

عمل مشترك يقوم على توزيع للأدوار، تحقيقاً لأهداف عامة مشتركة.

من التعريفات السابقة يمكن تحديد مقومات التعاون في:

·      يبذل جميع أعضاء الجماعة الجهد، تحقيقاً لهدف مشترك.

·      توزيع الأدوار والمهام بين الأعضاء، بحيث تتكامل الأدوار فيما بينها على نحو يحقق الهدف العام.

·      الاعتماد الإيجابي المتبادل بين جميع الأعضاء، وذلك نظراً لشعور كل عضو بالواجب والمسؤولية تجاه الأعضاء الآخرين، في سعيهم لتحقيق الهدف المشترك.

·      العلاقة الإيجابية بين تحقيق الفرد لهدفه، وتحقيق الآخرين لأهدافهم؛ بحيث يؤدي تحقيق الفرد لهدفه، إلى تسهيل تحرك الآخرين لتحقيق أهدافهم.

·      التوزيع المتساوي للمكافآت، عند تحقيق الأهداف المشتركة.

·      الانفتاح وتبادل المصادر، دون خوف أو أنانية.

·      يمارس الأفراد في الموقف التعاوني المهارات الاجتماعية الإيجابية بفعالية، كالمشاركة وتبادل الرأي.

تمثل المقومات السابق ذكرها بعضاً من خصائص التعاون؛ أي أن من خصائص التعاون وجود هدف مشترك بين الأعضاء، فيوزعون المسؤوليات عليهم ويبذلون أقصى جهدهم لتحقيق هدفهم المشترك. ويمتاز التعاون بالاعتماد المتبادل الإيجابي بين الأعضاء، ولذلك تكون العلاقات بينهم إيجابية قائمة على الانفتاح وتبادل الخبرات والمصادر. وفي نهاية النشاط توزع المكافآت بالتساوي، على جميع الأعضاء.

وثمة عدة خصائص أخرى يتميز بها التعاون، مثل:

1. القابلية للإبدال

بمعنى أن أداء الأعضاء قابل للتبادل، أي يمكن أن يقوم كل عضو في الجماعة بعمل الآخر، إذا اقتضت الحاجة ذلك (مثل غياب أحد الأعضاء).

2. التنفيس الانفعالي

يمتاز التعاون بوجود علاقة إيجابية بين التلاميذ، تتمثل في اليقظة والانتباه والصداقة والود بينهم. كما يوجد تقدير إيجابي للذات بين الأعضاء، وينخفض معدل القلق لديهم، ويشعر كل عضو بالأمان والألفة والتوافق في العلاقات الاجتماعية. وهذا المناخ يسمح لكل عضو بأن ينفس عن انفعالاته، ويعبر عنها في إطار الجماعة.

3. القابلية للحث

بمعنى أنه عندما يؤدي الفرد العمل المطلوب منه، فإن هذا ييسر تحركه وتحرك الآخرين لتحقيق أهدافهم العامة والخاصة. لذا، يتقبل الأعضاء محاولات كل عضو لحثهم على المساعدة والقيام بالعمل، الذي يسهل لهم تحقيق الأهداف.

4. الشعور بالنحن

تسود روح الجماعة بين الأعضاء، ويفخرون بانتمائهم إلى الجماعة؛ فيتبنون أهدافها. ويرون أنفسهم مساعدين ومشجعين بعضهم بعضاً. ويسود بينهم التفاهم المشترك، ويكون لدى كل منهم دافع قوي لإنهاء العمل الجمعي.

5. المحاسبية الجماعية

لما كان تقويم الأداء متكاملاً مع النشاط التعاوني، فإن المحاسبية تُعد ركناً أساسياً في التعاون. ويُقصد بالمحاسبية: هل النتائج، التي توصلت إليها الجماعة، تتسق وتتعادل مع الجهد المبذول، وعلى استخدام المصادر المتاحة داخل الجماعة؟

ثانياً: تعريف التعلم التعاوني

تعددت تعريفات التعلم التعاوني، ما أدى إلى تصنيفها في فئات، كالآتي:

1. التعلم التعاوني، كإستراتيجية

تعني الإستراتيجية مجموعة من الخطط المتكاملة، لتنفيذ التعلم بطريقة معينة. وتمثل الإستراتيجية التعليمية إطاراً عاماً مخططاً له جيداً، للإجراءات والأساليب والوسائل والممارسة التي يقوم بها التلاميذ لمعالجة مشكلة تعليمية معينة، على أن يقوم المعلم بإجراءات وممارسات لإعداد وتنظيم الموقف التعليمي، بما يتضمنه من أنشطة تعليمية وأوراق عمل وإرشادات، وأساليب للتقويم. وهذا يعني وجود خطط لتنظيم حجرة الدراسة، ولأدوار التلاميذ، ولأدوار المعلم.

2. التعلم التعاوني، كطريقة للتدريس والتعليم

هو أسلوب تعليمي يقوم على تنظيم الصف وتوزيع الطلاب في مجموعات صغيرة، تراوح ما بين 4 – 6 أعضاء، يتعاونون مع بعضهم، ويتفاعلون فيما بينهم، ويناقشون الأفكار، ويسعون لحل المشكلات، بهدف إتمام المهام المكلفين بها. ويكون كل فرد في المجموعة مسؤولاً عن تعلم زملائه، وعن نجاح المجموعة في إنجاز المهام، التي كُلفت بها. ويكون دور المعلم هو التيسير والتوجيه والإرشاد والتشجيع، وتوزيع الأدوار على كل فرد في الجماعة.

3. التعلم التعاوني، كنشاط تعلم جماعي

هو نشاط تعلم جماعي منظم، بحيث يكون التعلم قائماً على الاعتماد المتبادل للمعرفة، بين المتعلمين في الجماعة. ويكون كل متعلم مسؤولاً عن تعلمه وتعلم الآخرين، ولديه دافع لزيادة تعلم الآخرين، ومسؤولاً عن التأكد من أن كل أفراد المجموعة يقومون بمهامهم، تحقيقاً لمخرجات مشتركة تحقق عوائد متساوية عليهم.

4. التعلم التعاوني، كأسلوب للتعلم

هو أسلوب تعلم يتيح للتلاميذ فرص المشاركة والتعلم من بعضهم في جماعات صغيرة، من طريق المناقشة والحوار والتعامل مع الآخرين ومع المعلم، واكتساب خبرات التعلم بطريقة اجتماعية. ويؤدون المهام معاً والأنشطة التعليمية تحت توجيه المعلم ومساعدته، وما يؤدي في النهاية إلى تحقيق الأهداف المرجوة.

5. التعلم التعاوني، كموقف

هو موقف يبذل فيه الفرد أقصى جهد لديه مع زملائه داخل الجماعة، بحيث يسعى الجميع لتحقيق هدف واحد ومحدد، والحصول على مكافآت متساوية، أي توزع على جميع الأعضاء بالتساوي وفقاً لمعيار ثابت. ويتسم موقف التعلم التعاوني بالاعتماد الإيجابي المتبادل بين الأفراد، بحيث يتبادل الأعضاء الأفكار والمعلومات والمقترحات فيما بينهم، ويسمح لكل عضو بالمناقشة والاستماع للآخرين في عرضهم للمادة التعليمية. ويمارس الأفراد المهارات الاجتماعية بفعالية داخل الجماعة، كالمشاركة وتبادل الرأي.

تلك كانت نماذج لتعريفات التعلم التعاوني، وعلى الرغم من الاختلاف بينها، إلا أنها تشترك جميعاً في تجسيدها وترجمتها لخصائص التعاون، خلال وأثناء عملية التعلم. فالتعلم التعاوني مجموعة متكاملة من الخطط الخاصة بأهداف التعلم وأنشطته، وكيفية تنفيذه في مجموعات صغيرة، لتحقيق أهداف مشتركة، تتحقق بناءً على اضطلاع كل تلميذ بدوره داخل الجماعة، مع الاعتماد الإيجابي المتبادل بين التلاميذ. ومن الخطط المهمة تحديد دقيق للأدوار، سواء للتلاميذ أو للمعلم.

ثالثاً: الشروط الواجب توافرها في التعلم التعاوني

1. الاعتماد المتبادل بين أعضاء الجماعة، اعتماداً إيجابياً.

2. إتاحة الفرصة للتفاعل المباشر، بين أعضاء الجماعة.

3. الاستفادة القصوى من إمكانات ومهارات، كل عضو.

4. أن يكون كل عضو مسؤولاً عما يعهد إليه، من مهام.

5. إتقان المهارات اللازمة للعمل الاجتماعي وممارستها.

6. تحديد فنيات التعلم التعاوني المستخدمة، والتدريب عليها.

7. إيجابية التلميذ ومشاركته في المصادر مع الآخرين، ومعاونة ومساندة الزملاء.

8. معلم متقن للمهارات اللازمة للتوجيه والإرشاد والتيسير والتخطيط، لمواقف التعلم التعاوني ونشاطاته.

9. توافر المناخ النفسي الذي يساعد على التفاعل، والذي يتصف بالطمأنينة وعدم شعور الأعضاء بالتهديد، وبالتشجيع والنقد البناء، وبالتحرر من القلق المعوق للأداء.

رابعاً: المهارات اللازمة لممارسة التعلم التعاوني

يُقصد بالمهارات التعاونية طرق تفاعل الطلاب مع بعضهم لإنجاز النشاط، أو أهداف المهمة، مثل الاستفسار والشرح. كما تشتمل على طرق تفاعل الزملاء في الفريق. وبعبارة أخرى، إنها المهارات التي تشكل التفاعل بين التلاميذ بعضهم بعضاً، وبينهم وبين المعلم. وفيما يلي عرض لثلاث مهارات أساسية لممارسة التعلم التعاوني، وهي:

1. مهارات الاتصال

طالما يعمل الأفراد في جماعات ويتفاعلون تفاعلاً مباشراً، أي تفاعل الوجه للوجه، فإن مهارات الاتصال تُعد حجر الزاوية في نجاح ذلك التفاعل، ومن ثم نجاح الجماعة التعاونية في تحقيق أهدافها.

والاتصال كمهارات تعاونية، يعني الرسائل المتبادلة بين أعضاء الجماعة، مع قصد واعٍ للتأثير في سلوك بعضهم بعضاً، على نحو يسهم في تحقيق أهداف الجماعة.

وتتضمن مهارات الاتصال مهارات خاصة بإرسال الرسائل. ويُقصد بها تعبير التلميذ عن أفكاره ومشاعره وخبراته بوضوح وفاعلية، وبحيث يفهمها الآخرون بسهولة تمكنهم من الاستفادة بها ومنها. وتتضمن مهارات الإرسال التحدث والكتابة وعرض المعلومات.

ومن مهارات الاتصال اللازمة للتعلم التعاوني، مهارات الاستقبال، أي تلقي الرسائل المرسلة وفهمها على النحو الذي قصد إليه التلميذ أو المعلم المتحدث. وتتضمن مهارات الاستقبال مهارات الاستماع والاستيضاح والتلخيص وإعادة الصياغة ومقاومة المشتتات والتغلب عليها.

2. مهارات طلب وتقديم المساعدة

تتضمن مهارات المساعدة تزويد الطلاب بعضهم بعضاً بالمعلومات، ثم المراجعة للتأكد من فهم الآخرين للمادة. وتتضمن المشاركة عمل الطلاب سوياً لإنجاز هدف عام؛ فيناقشون العمل ويتخذون قرارات مشتركة. واهتمام التلاميذ ببعضهم، يظهر في تعبير الطلاب عن التقدير والدعم وتشجيع الآخرين وحساسيتهم لاحتياجات ومشاعر الآخرين.

وقد حلّل أحد الباحثين مهارات طلب وتقديم المساعدة، على النحو التالي:

أ. تقديم التوضيح: الإخبار بالكيفية والسبب، مثل "إن هذا هو ما ستقوم به بعد ذلك".

ب. تلقي التوضيح: يخبر الشخص ويوضح له كيف ولماذا، وتوجيه الانتباه والمراقبة، مثل "استماع الطالب وملاحظته لزملائه وهم يقومون بالشرح".

ج. طلب المساعدة وتلقيها: طلب المساعدة من الأقران، وتدريس الأقران، والتوضيح والمراجعة، مثل "وضح لي كيف تحلّ هذه المشكلة".

د. تقديم مساعدة أخرى: تقديم مساعدة ذات مغزى غير التوضيح، مثل "الآن جاء دورك"، أو "إحضار الأدوات للزملاء لممارسة العمل المطلوب القيام به".

هـ. تلقي مساعدة أخرى: الحصول على مساعدة أخرى غير التوضيح، مثل توجيه الانتباه، الملاحظة.

و. تقديم إجابة فقط: الإخبار بالإجابة دون شرح، مثل "ها هي الإجابة الصحيحة".

ز. تلقي الإجابة فقط: حصول الفرد على الإجابة من دون أي شرح، مثل استماع الطالب للإجابة.

ح. عدم الحصول على مساعدة بعد طلبها: وعدم الحصول على أي إجابة مفيدة، مثل "إنني لا أفهم هذا؟ ماذا سأفعل بعد ذلك؟".

وثمة نوعان من مهارات طلب وتقديم المساعدة، هما:

·       طلب مساعدة نفعية: وفيه يطلب الفرد نصائح وليس إجابات؛ فمثلاً إذا واجهت التلميذ مشكلة في فهم المادة، فإنه يلجأ إلى تلميذ آخر لمساعدته في فهم الأفكار العامة.

·       طلب مساعدة تنفيذية: وفيه يطلب الشخص مساعدة مباشرة لتجنب ضياع الوقت والجهد.

3. مهارات المشاركة وتبادل المعلومات

طالما يعمل التلاميذ لتحقيق هدف عام، يعود على كل منهم بالفائدة ذات القيمة المتساوية، فإن هذا يستلزم مشاركة الأعضاء بعضهم بعضاً في المعلومات، وفي الأنشطة، وفي المصادر المتاحة لتنفيذ المهام التعليمية.

وتقتضي المشاركة تبادل للمعلومات بين أعضاء الجماعة، وهذا التبادل يؤدي إلى الاحتياجات التالية:

·       التزود بمجموعة من الاتجاهات والقيم الفردية.

·       مقابلة احتياجات الفرد بالاستحسان والصدق الشخصي.

·       تزيد المحادثة من فهم الفرد لنفسه، ومن ثم فهم كل الأفراد لأنفسهم. وهذا يساعد في مقارنة الأفراد لخبراتهم ويدعم الانفتاح بينهم.

·      يؤدي تبادل المعلومات إلى تعميق مستوى الأمانة في العلاقة بين الزملاء.

وتزداد قيمة هذه المهارات إذا شعر عضو الجماعة بالتقبل من الآخرين ومن المعلم، والتشجيع على ما أنجزه لتحقيق أهداف الجماعة، والتأييد لوجهة نظره في ضوء مناقشة الجماعة لها.

وتساعد مهارات تقديم المعلومات على زيادة نجاح المشاركة وتبادل الرأي. ومن هذه المهارات: الشرح، إعادة الصياغة، والتوضيح، وعرض الرأي أو التفسير، وتقديم المقترحات، وعرض الأسباب، وتصحيح ما يُقال تصحيحاً ذاتياً في ضوء تعليقات الآخرين، والتلخيص، ومراجعة الفهم، وإعادة صياغة المعلومات.

وتفيد المناقشة في تطوير أفكار الأعضاء وإثارة دافعيتهم للحصول على المزيد من المعلومات. ومن المهارات الفرعية في المناقشة، مهارة تحديد المشكلة، وتحديد أوجه الاختلاف، ونقد الأفكار والتعليق عليها، وتحديد الأدوار وتنظيم عملية تنفيذها: المستوضح، العارض، القائد، الميقاتي... إلخ.

تلك كانت نماذج للمهارات اللازمة للتعلم التعاوني. وتتنوع مهارات التعلم التعاوني بناءً على المراحل التي تمر بها جماعات التعلم التعاوني. وتمر الجماعة بمراحل أربعة، لكل مرحلة منها مهاراتها الخاصة:

المرحلة الأولى: التشكيل

تتطلب مهارات لتأسيس الجماعة التعاونية، منها:

·       التوجه بهدوء إلى المجموعة.

·       البقاء مع المجموعة.

·       تشجيع الجميع على المشاركة.

·       استخدام الأصوات الهادئة.

·       عدم خذلان الأعضاء بعضهم بعضاً.

المرحلة الثانية: التوظيف

تتطلب مهارات تتعلق بإدارة جهود الجماعة لإنجاز المهام، والمحافظة على علاقات عمل فاعلة بين الأعضاء:

·       تبادل الأعضاء للأفكار والمواد.

·       تشجيع كل فرد على المشاركة.

·       تقديم التعليمات والإرشادات الخاصة بعمل الجماعة.

·       تنظيم جهود الجماعة لإتمام المهام، وتوضيح إسهام كل عضو بعبارة محددة.

·       طلب المساعدة أو التوضيح.

·       تقديم الشرح أو التوضيح.

·       إعادة صياغة أفكار الآخرين وتوضيحها.

·       التعبير عن الدعم أو القبول، لفظياً وغير لفظي.

·       حفز أعضاء الجماعة عندما تنخفض الدافعية للتعلم، وتنشيط عمل الجماعة.

المرحلة الثالثة: الصياغة

تتطلب مهارات ضرورية لفهم أعمق للمادة المدروسة، ومنها:

·       التلخيص بصوت مسموع لما تم قراءته وتعلمه.

·       تصحيح التلخيص بإضافة المعلومات المهمة، التي لم يتضمنها التلخيص.

·       التوسع في المعلومات بربط ما يتم تعلمه، بما سبق تعلمه.

·       الطلب من الآخرين التخطيط بصوت مسموع لكيفية تدريس الموضوع، لطلاب آخرين.

المرحلة الرابعة: التخمر

هي المهارات اللازمة للحوارات الأكاديمية والانخراط في المناقشات، بهدف إثارة التفكير والبحث عن مزيد من المعلومات. وتتطلب مهارات لازمة لحل الصراع الأكاديمي، والبحث عن مزيد من المعلومات، وطرح المبررات التي تستند إليها الاستنتاجات:

·       نقد الأفكار دون نقد الأشخاص.

·       دمج مجموعة من الأفكار في استنتاج واحد.

·       السؤال عن مبرر إجابة العضو.

·       التوسع في إجابة عضو آخر أو استنتاجه.

·       السبر بطرح أسئلة أعمق.

 


المصادر والمراجع

1.   إبراهيم رجب عباس، "فاعلية برنامج باستخدام التعلم التعاوني في تحسين مهارات السلوك التكيفي لدى ذوي الإعاقة العقلية البسيطة"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة عين شمس، القاهرة، 2012.

2.   أسماء عبدالعال الجبري، محمد مصطفى الديب، "سيكولوجية التعاون والتنافس والفردية"، عالم الكتب، القاهرة، 1998.

3.   محمد إبراهيم إسماعيل أبو الوفا، "أثر برنامج للتدريب على بعض مهارات التعلم التعاوني في أبعاد دافعية القراءة لدى عينة من طلاب كلية التربية"، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 2007.

4.   محمد مصطفى مصطفى الديب، "أثر صور مختلفة من التعاون والتنافس على اتجاهات التلاميذ واحتفاظهم ببعض مفاهيم اللغة العربية"، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، 1992.

5.   هاني محمد رشاد درويش، "أثر التنافس ـ التعاون على دافعية الإنجاز لدى أعضاء جماعات الخدمة العامة المدرسية"، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية، جامعة الأزهر، القاهرة، 1992.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 6:04 pm

تعديل السلوك


       

تعديل السلوك

يتعرض الفرد خلال مسيرة حياته لتغيرات عديدة، منها ما هو دائم وما هو مؤقت، ومنها ما هو سيء وما هو خير؛ فتغيرات النضج والنمو تغيرات دائمة، تستمر مع الفرد لفترات طويلة (كالمشي)، أو لفترات محدودة (كالحبو). أما التغيرات المؤقتة، فهي تغيرات عابرة تزول بزوال المؤثر، مثل سلوك الأفراد في مواقف الخطر والأزمات، أو عند التعب والمرض. أما التغيرات السيئة، فهي تغيرات لا تساعد الفرد على الارتقاء والتكيف بل تعرق حياته كلها، وذلك خلافاً للتغيرات الإيجابية.

ويُعد تعديل السلوك شكلاً من أشكال العلاج، التي تهدف إلى إحداث تغيرات في سلوك الفرد، لكي تجعل حياته أكثر سعادة وإيجابية وفاعلية. ويعتمد تعديل السلوك على المبادئ العلمية، التي تفسر سلوك الإنسان، وعلى استخدام مبادئ التعلم لتغيير السلوك، وعلى التقدم العلمي، الذي حدث في نظريات الشخصية، والنظريات المعرفية والاجتماعية في علم النفس.

ويختلف التعديل السلوكي عن العلاج السلوكي؛ لأن الأخير يتعامل مع الحالات التي تتصف بالاضطراب النفسي، وتعاني من المشكلات الانفعالية الحادة؛ بينما يُستخدم تعديل السلوك مع المشكلات المرتبطة بالانحرافات النمائية، التي تعوق توافق الفرد ونموه. وإذا كان ثمة اختلاف بين التعديل السلوكي والعلاج السلوكي، إلا أن مصادرهما العلمية واحدة، وكلاهما يهدف إلى اقتلاع السلوك غير السوي، وإحلال سلوك آخر سوي محله. وبعبارة أخرى يشترك التعديل مع العلاج السلوكي في المصدر وفي الهدف؛ ولكنهما يختلفان فيما يتناولان.

 ويرى البعض أن العلاج السلوكي أكثر شمولاً من التعديل السلوكي؛ لأن علاج أي عرض سلوكي، يتضمن تعديل بعض الأنماط الخاطئة من السلوك.

ونظراً لأن تعديل السلوك والعلاج السلوكي مشتقان من المصادر نفسها، فلا بد من توضيح بعض المصطلحات المتداولة فيهما، والتي تساعد في فهم فنيات التعديل السلوكي.

أولاً: بعض المفاهيم الأساسية

1. السلوك

هو كل نشاط يصدر من الفرد، أو أي استجابة يصدرها الفرد للرد على مثير معين. والاستجابات قد تكون واضحة ملحوظة، مثل حركة اليد، أو غير واضحة، مثل التفكير.

أ. تصنيف السلوك على أساس الاكتساب إلى:

(1) السلوك غير المتعلم

ويُطلق عليه الأفعال المنعكسة، ويولد الإنسان وهو مزود به، مثل ضيق أو اتساع بؤبؤ العين نتيجة للضوء، وصراخ الطفل مباشرة بعد الميلاد. ويتميز هذا السلوك بأنه غير إرادي، ويمكن التنبؤ به؛ لأن مثيره معروف، ومحدد سلفاً.

(2) السلوك المتعلم

وهو الذي يتحدد اكتسابه وممارسته ببعض الظروف المصاحبة له، أو النتائج المترتبة عليه. وهو سلوك إرادي يغير البيئة المحيطة بالفرد، مثل تعلم الطفل للكتابة والقراءة، أو للإنصات، أو لقضم الأظافر، أو للمشاغبة داخل الفصل.

ب. تصنيف السلوك على أساس السواء

(1) السلوك السوي

هو السلوك العادي المألوف الشائع بين غالبية الأفراد؛ هو سلوك لا يعوق نمو الفرد، كما أنه يؤدي إلى إقامة علاقات ناجحة مع الآخرين.

(2) السلوك الشاذ غير التوافقي

وهو مختلف عن السلوك السوي السابق توضيحه. وللتعرف على السلوك الشاذ أو السلوك المراد تعديله، ثمة معايير ثلاثة، هي:

(أ) إعاقة النمو

السلوك غير التوافقي يعوق النمو السليم للفرد في المراحل التالية؛ فالطفل الذي يبكي كلما مر بخبرة إحباطية، لن يستطيع التعامل مع رفاقه في المدرسة، وستُطلق عليه المسميات المختلفة.

(ب) الإضرار بالذات والآخرين

يؤدي السلوك غير التوافقي إلى إلحاق الضرر بالشخص نفسه وبالآخرين، ما يستدعي التدخل العلاجي. والتلميذ الذي لا يجلس ساكناً في مكانه لفترة مناسبة، لا يستفيد من معلمه؛ كما أنه يعوق زملاءه من الاستفادة.

(ج) تكرار السلوك

يزداد معدل تكرار السلوك غير التوافقي لدى الشخص المضطرب، مقارنة بغير المضطرب. فجميع الأطفال يتشاجرون؛ ولكن إذا كان الشجار هو أسلوب الطفل في التعامل، بصفة عامة، كان هذا السلوك غير توافقي.

2. المثير

هو كل شيء أو حدث أو موقف أو عامل، يؤثر في سلوك الفرد. وهذا الحدث قد يكون داخلياً، مثل حضور فكرة على الذهن، تدفع الفرد للقيام بعمل معين، أو خارجياً مثل كلمة تشجيع يتلقاها التلميذ من مدرسه.

3. المدعم أو المعزز

مُثير يعقب الاستجابة، ويؤدي إلى زيادة احتمال تكرارها. فإذا كان أحد التلاميذ، مثلاً، يكثر من الحركة داخل الفصل لإثارة اهتمام المعلم وانتباهه، ونظر إليه المعلم بعد تحركه من مقعده، كانت نظرة المعلم مدعماً لكثرة حركة التلميذ.

وتنقسم المدعمات من حيث طرق تحقيقها للراحة، إلى:

أ. إيجابي: وهو المثير الذي يؤدي الحصول عليه إلى الارتياح، مثل نظرة المعلم للتلميذ في المثال السابق، أو حصول التلميذ على نجمة لكتابته على السطر.

ب. سلبي: وهو المثير الذي تؤدي إزالته إلى تحقيق الراحة؛ فإذا بكى طفل في الفصل ولم يستجب المدرس لرغبته، التي يبكي من أجلها؛ ولكن عندما توقف عن البكاء، استجاب المعلم له، كان عدم استجابة المعلم مدعماً سلبياً لسلوك الكف عن البكاء.

وتنقسم المدعمات من حيث إشباعها لأنواع الدوافع إلى:

أ. مدعم أو معزز أولي: وهو المثير الذي يؤدي إلى إشباع دافع أولي فطري بيولوجي، مثل تناول الطعام، أو شرب الماء (تدعيم أولي).

ب. مدعم أو معزز ثانوي: وهو المثير الذي يؤدي إلى إشباع دافع اجتماعي نفسي مكتسب، مثل الابتسام تعبيراً عن التقدير الاجتماعي والرضا (تدعيم ثانوي).

وتنقسم المدعمات من حيث مصدرها إلى:

أ. مدعم خارجي: يكون مصدر المدعم أو المثير، الذي يعقب الاستجابة خارجياً، كإعطاء قطعة حلوى للتلميذ المجد، أو المنصت المنتبه.

ب. مدعم ذاتي: ويكون مصدر الدعم أو المثير، الذي يعقب الاستجابة داخلياً، مثل الشعور بالرضا نتيجة للتقدم الدراسي.

4. العقاب

هو إضعاف احتمال تكرار استجابة ما، بتقديم مثير منفر أو سحب مثير مريح. فمثلاً لعقاب طفل على عدم حل الواجب، يمكن تأخير حصوله على الطعام (على أن يُربط هذا التأخير بعدم حل الواجب)، أو عدم إعطاء التلاميذ المجدين نجوماً في كراساتهم، لتقصيرهم في حل الواجب.

5. الهرب

أداء استجابة ما، لإنهاء حالة إثارة مؤلمة، مثل خروج الطفل من الفصل، عند عقاب المدرس له.

6. التجنب

أداء استجابة ما، لمنع التعرض لمثير مُؤلم، مثل خروج الطفل من الفصل قبل دخول مدرس مادة معينة لا يحبه، أو يكره تلك المادة.

7. الانطفاء

تضاؤل احتمال ظهور استجابة ما، نتيجة لعدم الحصول على المدعم أو المعزز؛ فلو تعلم طفل القيام باستجابة معينة، مثل رفع إصبعه طلباً للإجابة نتيجة لحركة معينة يقوم بها المدرس، وكان المدرس يدعم هذه الاستجابة بالابتسام مثلاً؛ ولكن المدرس توقف فجأة عن تدعيمها، فإن احتمال رفع التلميذ لإصبعه يتضاءل تدريجياً، بحيث تختفي الاستجابة بعد ذلك، أي لا يعاود التلميذ رفع إصبعه.

ثانياً: مسلمات أساسية في تعديل السلوك

1. يتركز تعديل السلوك على السلوك غير التوافقي الملحوظ، دون البحث عن الأسباب الدفينة وراء هذا السلوك؛ فخجل الطفل هو عدم رفعه لإصبعه عند سؤال المدرس للتلاميذ، على الرغم من معرفته الإجابة، أو احمرار الوجه عندما يطلب منه المعلم الحديث أمام الفصل، أو ابتلاع لعابه عدة مرات، وتعثره في الكلام مع المعلم.

2. السلوك غير التوافقي سلوك متعلم، شأنه شأن أي سلوك آخر؛ فخجل الطفل لا يرجع إلى عوامل لا شعورية دفينة في أعماق الفرد (كما ترى نظرية التحليل النفسي)، بل هو سلوك متعلم نتيجة لما مر به الطفل، من مواقف دعمت وعززت هذا السلوك. والتلميذ الذي ظهرت عليه أعراض ضعف الثقة بالنفس، إنما يرجع هذا إلى مواقف معينة مر بها هذا الطفل، أدت إلى تدعيم هذه الأعراض، أي أن ضعف الثقة لا يرجع إلى عوامل لا شعورية.

3. إذا كان السلوك غير التوافقي سلوكاً مُتعلماً، فيمكن تعديله بإعادة التعلم؛ فالطفل الخجول تعلم أعراض الخجل المختلفة، مثل احمرار الوجه والتعثر في الحديث والإكثار من الإيماءات، وأن هذه الأعراض قد سبق لها أن ساعدته على تحقيق بعض النتائج المريحة، مثل الهرب من الإجابة، أو تجنب الشعور بالفشل، ما أدى إلى تدعيم هذه الأعراض. إذاً، فيمكن تعديل سلوكه بألا تحقق هذه الأعراض النتائج، التي كان يحصل عليها باستخدامه لها.

4. يتطلب تعديل السلوك وضع أهداف واضحة ومحددة، يسعى العلاج إلى تحقيقها؛ فبدلاً من أن يسعى المعلم إلى تعديل سمة الخجل لدى التلميذ، عليه أن يسعى إلى زيادة عدد مرات مشاركة التلميذ في الإجابة على الأسئلة، بنسبة معينة. مثل هذا الهدف يسهل الاتفاق عليه، وملاحظته وإدراك درجة تحققه. وبدلاً من أن يسعى المعلم إلى رفع المستوى التحصيلي للتلميذ، عليه أن يسعى إلى أن يحل التلميذ أربعة مسائل جمع من دون الحمل من عشرة، حلاً صحيحاً في فترة زمنية معينة.

5. يبدأ تعديل السلوك من "الآن" و"هنا"؛ فعند التدخل لتعديل سلوك غير توافقي، يجب التركيز على السلوك الحالي الملاحظ، دون التطرق إلى التاريخ السابق لاكتساب هذا السلوك؛ فلتعديل السلوك التحصيلي لتلميذ معين، يجب تحديد السلوك التحصيلي الحالي للتلميذ، مثل القول بعد دراسته "بأنه يستطيع حل مسألة واحدة من عشرة مسائل الجمع، بدون الحمل حلاً صحيحاً، ويستغرق ذلك 15 دقيقة"، ويعقب ذلك تحديد المستوى الذي يريد المعلم بلوغه. وفي حالة السلوك العدواني الآتي، يمكن تحديده بأن "التلميذ يضرب زميله ثلاث مرات في عشرة دقائق"، ويعقب ذلك تحديد المستوى الذي يريد المعلم الوصول إليه.

وفي كل هذه الحالات لا يتعرض المعلم للتاريخ السابق، أو لخبرات الطفولة، التي مر بها التلميذ؛ كذلك تقتصر دراسة سلوك التلميذ على السلوك كما يحدث في إطار أو وسط اجتماعي أو موقف معين؛ لأن ما يحيط بالفرد قد يقوم بدور المدعم.

6. إن عملية التشخيص والعلاج ملتحمتان. وبعبارة أخرى، فإن تشخيص المشكلة لا يعدو كونه محاولة جاهزة لتحديد التصرفات، أو الأخطاء، التي ارتكبت في حق الطفل؛ فجعلته يخاف أو يقلق. وفي تشخيص المشكلة يهتم المعالج برصد الاستجابات، أو ردود الأفعال البيئية (من الأسرة أو المحيطين بالطفل) قبل ظهور العرض، وعند ظهوره، والأسباب التي يعرف أن تعديلها أو تغييرها سيؤدي إلى التخلي عن هذا السلوك، ومن ثم إلى إزالته. إن المعالج السلوكي يشخص لا ليفسر؛ ولكن ليبحث عن الشروط، التي أحاطت بعملية تعلم السلوك غير السوي، وهي العوامل التي إذا أمكن إزالتها، أمكن العلاج وتعديل السلوك.

7. ترى نظرية التحليل النفسي أن الأعراض المرضية غير السوية، قد تتحول أو تستبدل بأعراض أخرى، إذا لم تعالج أسبابها الكامنة، وما وراءها من اضطرابات أو أمراض. إن الموقف الذي يتبناه المعالج السلوكي بصدد هذه القضية، هو إن علاج الخوف، مثلاً، سيجعل الطفل قادراً على مواجهة مشكلته الراهنة، ومن ثم سيتسع أمامه نطاق الصحة والنمو السليم، إذ سيكتسب ثقة بنفسه، وستتغير أفكاره غير المنطقية عن طبيعة أعراضه، وستتاح له فرص احتكاك جديدة كانت ممنوعة عنه بسبب مخاوفه. وسيؤدي كل ذلك إلى تغيير إيجابي شامل في شخصيته.

أما القول بأننا نحتاج لتغيير الشخصية وحل صراعاتها، قبل ان نغير مشكلة الخوف، والقول بأننا ما لم نفعل ذلك، أي ما لم نبدأ من الشخصية أولاً، فإن الخوف سيستبدل بخوف آخر، ومشكلة انفعالية أخرى؛ فهو قول غير مقبول، من وجهة النظر السلوكية، ويمثل نقطة خلاف علمية عميقة بين التعديل والعلاج السلوكي، من ناحية، وغيره من أنواع العلاج النفسي.

ثالثاً: شروط أساسية لتعديل السلوك

1. التعريف الإجرائي للسلوك المراد تعديله في صورة قابلة للملاحظة. مثل التلميذ (س)، لا يستمر في القيام بالعمل الذي يقوم به أكثر من عشرة دقائق.

2. تحديد معدل تكرار هذا السلوك لأن هذا سيُعد أساساً يعتمد عليه في تقدير التغير، الذي يطرأ على السلوك. مثل التلميذ: (س) لا يستمر في القيام بالعمل الذي يقوم به أكثر من عشرة دقائق، ويتكرر هذا السلوك في الساعة الواحدة مرتان.

3. تحديد السلوك المراد الوصول إليه في صورة إجرائية ملحوظة، ويجب أن يراعى في هذا السلوك ألا يكون وحدة سلوكية كبيرة. مثل أن يستطيع التلميذ (س) تركيز انتباهه في الحصة لمدة عشرة دقائق، وأن يتكرر هذا السلوك أربع مرات.

4. يجب التأكد من أن التلميذ يستطيع أداء السلوك المتوقع منه، أي يستطيع التلميذ تركيز انتباهه أربع مرات في الساعة الواحدة، على أن تكون كل مرة لمدة عشر دقائق.

5. تحديد مصاحبات السلوك غير التوافقي. مثل يركز التلميذ انتباهه مرتين فقط لمدة عشر دقائق، كلما وقف المدرس بجانبه.

6. تعيين المدعمات المناسبة للتلميذ. مثل: هل يُعد التشجيع والمدح وإظهار الرضا، مدعماً مناسباً لتركيز انتباه هذا التلميذ.

7. يلزم تنويع المدعمات حتى لا يحدث تشبع؛ فالمدح المستمر قد لا يؤدي إلى النتيجة المرجوة؛ بل يلزم استخدام أنواع أخرى من المدعمات، مثل الحلوى وإظهار الرضا وتصفيق التلاميذ والاشتراك في الأنشطة، وغيرها.

8. البدء بالتدعيم أو التعزيز المستمر، والانتقال إلى التدعيم المتقطع. ويُقصد بالتدعيم المستمر أنه كلما صدرت الاستجابة، حصل التلميذ على المدعم. أما المتقطع، فيحصل التلميذ على المدعم ولكن ليس في كل محاولة يقوم فيها بالسلوك المطلوب. والهدف من ذلك أن يصبح التدعيم داخلياً.

9. الحصر المتكرر على فترات متباعدة، لعدد مرات تكرار السلوك غير السوي، خلال فترة التعديل السلوكي، للوقوف على تضاؤله، تمهيداً لإكساب الفرد السلوك السوي، كبديل عن السلوك غير السوي. وخلال محاولة إكساب الفرد للسلوك السوي، يجب الحصر المتكرر، أيضاً، لعدد مرات تكرار ممارسة السلوك السوي، للتأكد من أن ذلك السلوك السوي أصبح على درجة من الثبات والاستمرار.

رابعاً: طرق تعديل السلوك

1. النمذجة

تقوم النمذجة على ملاحظة التلميذ المطلوب تعديل سلوكه، لنموذج يؤدي إلى السلوك المرغوب فيه؛ فملاحظة التلميذ لطريقة لعب زميله مع دمية بطريقة غير عدوانية، تساعده على أن يغير سلوكه العدواني أثناء اللعب. وقد تستخدم الأفلام السينمائية لهذا الغرض.

وترجع فاعلية هذه الطريقة إلى أنها تُعد نوعاً من التدريس، لأنماط سلوكية جديدة. كما أنها تزيل المخاوف وعوامل الكف، التي تعوق إطهار سلوك سبق للفرد تعلمه.

فملاحظة التلميذ للمدرس أثناء قيامه بتشكيل قطعة الصلصال، تُعد نمذجة تؤدي بالتلميذ إلى تقليد أستاذه؛ فإذا حاول التلميذ الإمساك بقطعة الصلصال وتشكيلها، فعلى المعلم تشجيعه، وتدعيم هذا السلوك.

2. تشكيل السلوك والتقاربات المتتابعة

تقوم طريقة تشكيل السلوك على تحليل السلوك المرغوب فيه إلى جزئياته، وتدعيم كل جزئية منها حتى يتم اكتساب السلوك النهائي المرغوب فيه.

فتدريب حيوان على القفز من حلقة على ارتفاع معين، يحلل هذا السلوك إلى جزئياته أو وحداته، مثل الوقوف على القدمين الخلفيتين، والقفز عليهما، والقفز إلى ارتفاع معين ولمسافة معينة، والنزول على اليدين والقدمين. ويدرب الحيوان على كل وحدة سلوكية، فإذا أداها بنجاح يدعم هذا السلوك. ثم ينتقل التدريب إلى الوحدة الثانية ثم الثالثة، وهكذا، حتى يستطيع الحيوان أداء السلوك النهائي المرغوب فيه كله.

ويمكن استخدام هذا الأسلوب في تدريب التلميذ على طريقة الكتابة السليمة؛ فالكتابة الصحيحة من بعض مكوناتها معرفة الحروف، ونطقها بطريقة صحيحة وكتابتها على السطر. هذه الجزئيات السلوكية يمكن للمدرس تدريب التلميذ عليها وتدعيمها، حتى يصل إلى السلوك النهائي المرغوب فيه.

ويمكن استخدام هذا الأسلوب في تعديل بعض مظاهر السلوك غير السوي، مثل إجابة التلميذ على الأسئلة وهو جالس دون رفع إصبعه. ويكون ذلك بتحديد المراحل السلوكية اللازمة للوصول إلى الهدف النهائي، وهو الإنصات للسؤال، ورفع الإصبع طلباً للإجابة، والامتناع عن الإجابة أثناء الجلوس، والامتناع عن الإجابة من دون إذن. وبتدعيم كل مرحلة (أو العقاب على المظهر السلوكي غير السوي)، يمكن الوصول إلى السلوك النهائي.

3. الارتباط الشرطي والانطفاء

يقوم الارتباط الشرطي على الربط بين مثيرين، بحيث يصبح لأحدهما القدرة على استدعاء استجابة لم تكن له؛ فالربط بين الملعقة والدواء المر، يؤدي بالطفل إلى الخوف من الملعقة وكراهيتها؛ والارتباط بين المدرس المريح والمادة التي يدرسها يؤدي إلى حب التلميذ لهذه المادة.

ويمكن استخدام هذا الأسلوب في اقتلاع بعض مظاهر السلوك غير السوي، وإحلال مظاهر أخرى سوية محلها؛ فلو كان لدى المعلم طفلاً يجلس في الخلف، ويجيب من دون إذن، ولا يرفع إصبعه طلباً للإجابة؛ فيمكن إتباع الآتي:

أ. نقل التلميذ إلى مقعد أمامي، وذلك لكي تستبعد أحد المدعمات التي يتلقاها على سلوكه غير السوي، وهذا المدعم هو استجابة زملائه له عند قيامه بهذا السلوك، وكذلك لكي يخفض من صوته أثناء الإجابة، ما يقلل من الضوضاء التي يحدثها في الفصل.

ب. ألا يستجيب المعلم أي استجابة لإجابته من دون إذن، وبذلك يفقد التلميذ مدعماً آخر، هو انتباه المدرس له.

ج. عندما يرفع تلميذ آخر يده طلباً للإجابة يمتدحه المعلم أمام زملائه؛ لأن هذا التلميذ يقدم نموذجاً للسلوك المرغوب فيه.

د. إذا امتنع التلميذ المراد تعديل سلوكه عن الإجابة من دون إذن، على المعلم أن يدعم هذا السلوك بمجرد ظهوره؛ وإذا رفع يده طلباً للإجابة، على المعلم أن يستجيب له ويشجعه ويمتدح سلوكه. وهكذا يمكن تشكيل سلوك التلميذ والوصول إلى السلوك النهائي.

ويجب قبل البدء في استخدام هذا الأسلوب، تحديد عدد المرات التي يجيب فيها التلميذ من دون إذن وهو جالس، وتسجيل ذلك. وعند السير في العلاج ينبغي تسجيل عدد مرات تكرار هذا السلوك.

4. التعديل بالتنفير والعقاب

يقوم هذا الأسلوب على أن تؤدي الاستجابة غير التوافقية، إلى نتيجة غير مريحة. وتتخذ النتيجة غير المريحة أشكالاً ثلاثة:

أ. العقاب الواضح اللاحق على صدور الاستجابة، كالتوبيخ عند أداء الاستجابة غير التوافقية، أو غير السوية.

ب. سحب مثير مريح عقب صدور السلوك غير التوافقي، ويُعرف هذا باسم "تكلفة الاستجابة"، مثل عدم انتباه المدرس لإجابة التلميذ من دون إذن.

ج. العزل في مكان خاص.

فلو أن طفلاً كثر سلوكه غير السوي، لزم تحديد مظاهر السلوك غير السوي ودرجة تكرار كل منها، وتحديد المظهر السلوكي المراد الوصول إليه. وبعد ذلك يمكن إتباع الآتي:

أ. تجاهل السلوك غير المرغوب فيه، فيفقد أحد المدعمات.

ب. عزل الطفل عن التلاميذ في جانب بعيد داخل الفصل، ويكون هذا عقاباً له على سلوكه.

ج. يمكن عقاب الطفل على هذه المظاهر بحرمانه من بعض الأنشطة مثلاً، على أن يفهم لماذا يحرم من هذه الأنشطة.

د. عند نقص تكرار أحد مظاهر السلوك غير السوي، يمكن أن يلقى الطفل تدعيماً على سلوكه الجديد.

5. استخدام الماركات أو العلامات

تقوم هذه الطريقة على:

أ. تحديد السلوك المراد الوصول إليه تحديداً إجرائياً، وتوضيح ذلك للتلميذ.

ب. تحديد الماركة أو العلامة المستخدمة، مثل استخدام النقط أو النجوم أو العلامات على لوحة معينة، وتحديد متى يحصل عليها (كلما ظهر السلوك المطلوب)، ومتى يفقد بعضها (عندما يتراجع عن أداء السلوك، الذي سبق تعلمه أثناء البرنامج).

ج. تحديد أساس استبدال مجموعة من الماركات أو العلامات، بمدعم معين يحبه التلميذ. مثال: لتدريب طفل على النظافة يحدد السلوك المراد الوصول إليه في:

(1) عدم وجود قاذورات على الأقدام.

(2) عدم وجود قاذورات على الساقين، أو الركبتين.

(3) عدم وجود قاذورات على اليدين، أو الذراعين.

(4) عدم وجود قاذورات على الرقبة، أو الوجه.

(5) نظافة الأنف.

(6) نظافة الأظافر... إلخ.

بعد ذلك تُحدد النقاط التي يحصل عليها الطفل، إذا حقق كل وحدة سلوكية سابقة، ولتكن نقطة لكل منها. أي لو أن الطفل حقق الوحدات السلوكية الخمس السابقة، يحصل على خمس نقاط أو علامات. أما إذا حقق وحدة ولكنه تراجع عنها، تُخصم منه نقطة أو علامة. وعند تجميع خمس نقاط أو علامات تستبدل بقطعة حلوى، أو برحلة، أو لعبة.

خامساً: ثبات السلوك بعد سحب التدعيم

من عرض بعض طرق تعديل السلوك يتضح، أن التدعيم أو التعزيز يقوم بدور مهم، ولذلك يُثار التساؤل الآتي: كيف يمكن استمرار أداء السلوك الجديد، بعد سحب المدعم؟

إن سحب المدعم يستلزم الآتي:

1. التأكد من أن السلوك قد أصبح على درجة من الثبات والاستمرار، ويكون ذلك بناءً على عدد مرات تكراره.

2. ألا يسحب المدعم فجأة، بل يكون تدريجياً، ولذلك فإن من الشروط الأساسية لتعديل السلوك البدء بالتدعيم المستمر، والانتقال إلى المتقطع.

3. يستحسن البدء بسحب المدعم تدريجياً عندما يشعر المعلم، أن التدعيم أصبح مستمداً من داخل التلميذ، وغير معتمد بدرجة كبيرة على المدعم الخارجي.

4. مما يساعد على سحب المدعم تنويع المدعمات المستخدمة، عند بداية التدخل لتعديل السلوك. إن تنويع المدعم يؤدي إلى عمومية التدعيم، ومن ثم يمكن إحلال مدعم محل آخر.

5. التدريب على تقويم الذات، ولا يتحقق ذلك إلا إذا تعلم الفرد استخدام نوع من المعايير، يستطيع في ضوئها وباستخدامها تقويم سلوكه؛ فوجود نموذج "للخط الجميل"، يمكن أن يستخدمه التلميذ كمعيار للحكم على درجة "جودة" خطه. ومن مزايا التدريب على تقويم الذات، أن يصبح الفرد أقل اعتماداً على الآخرين في تقويم سلوكه؛ فيزداد شعوره بالمسؤولية الذاتية على نحو يكسبه الثقة في أدائه، ما يساعد في تحسين ذلك الأداء.

6. تعزيز الذات، إن النتائج التي يحددها الفرد بنفسه يمكن استخدامها كمعززات لسلوكه، ما يؤدي إلى المحافظة على السلوك المكتسب واستمراره. ولقد أتضح من الدراسات أن النمذجة تلعب دوراً مهماً في تعلم السلوك، الذي تعززه الذات. ويرجع ذلك إلى أن النموذج يزود الفرد بمعايير يستخدمها في تعزيز ذاته، بطرق وأساليب ذلك النموذج. كما وُجد أن الذين تعرضوا لنماذج تضع معايير منخفضة للأداء، يميلون إلى مكافأة أنفسهم بموافقتها على الأداء المنحط نسبياً. ومن ناحية أخرى، فإن الأفراد الذين لاحظوا نماذج تأخذ بمعايير عالية للأداء، لا يرضون بالإنجازات منخفضة المستوى.

 

       

المصادر والمراجع

1.   حسين عبدالعزيز الدريني، "فنيات تعديل سلوك المتخلفين عقلياً والصم"، جامعة قطر، 1978.

2.   عبدالستار إبراهيم، عبدالعزيز الدخيل، رضوى إبراهيم، "العلاج السلوكي المتعدد المحاور ومشكلات الطفل"، مجلة علم النفس، العدد 26، القاهرة، 1993.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75827
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8   " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "  8 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 6:05 pm

القيادة



       

القيادة

القيادة ليست ظاهرة إنسانية فقط، بل هي أيضاً ظاهرة نجدها عند الحيوان. فعندما يجتمع اثنان من الأصدقاء ليناقشوا موضوعاً ما، يكون لأحدهما قوة التأثير في الآخر. وفي داخل الجماعات يظهر أحد الأشخاص الذي يؤثر في وجهة نظر الآخرين ويوجههم.

ولاحظ أن أسراب الطيور المهاجرة تطير مكونة شكل المثلث، وفي مقدمته أحد الطيور. وعندما تتجول مجموعات الفيلة في الغابة، فإن أضخم الأفيال هو الذي يسير أمامها ويوجه القطيع.

وتعني القيادة نوعاً من العلاقة بين الفرد وبيئته، بحيث تكون لإرادته ومشاعره وبصيرته قوة التوجيه والتأثير والسيطرة، على أفراد الجماعة الآخرين، سعياً نحو تحقيق هدف مشترك. ومن ثم، فالقائد هو كل شخص يقود جماعة من الأفراد، ويؤثر في سلوكهم، ويوجه أعمالهم؛ فالقائد بؤرة لسلوك أعضاء الجماعة، كما أنه الفرد المركزي في الجماعة.

وتستند القيادة إلى مفهوم التأثير المستمد من مصادر مختلفة، كالثواب والعقاب والمعلومات... إلخ. وتتكون من أربع مراحل:

·       الأولى: ممارسة أنشطة معينة: كالتخطيط والتوجيه.

·       الثانية: التنفيذ: وتشتمل على النشاطات القيادية، كالمراقبة والتفويض وتوزيع المسؤوليات والمتابعة.

·       الثالثة: التقويم: وتتضمن أنشطة تتعلق بمتابعة التنفيذ وتقويم العمل.

·      الرابعة: التحفيز: بتقديم المكافأة والمعلومات المرتدة حول مدى تحقيق العاملين للأهداف المقررة.

ويُلاحظ من تعريفات القيادة السابقة، وجود درجة من الالتباس بينها، يرجع ذلك إلى عدة عوامل، منها:

1. اختلاف تعريف القيادة تبعاً لمجالات الأنشطة

فالتعريف الأخير يرتبط بالسلوك التنظيمي للمؤسسات. وثمة فريق آخر يرتبط بالحياة العسكرية، إذ يرى أن القيادة هي السلوك الذي يخول لصاحبها الحق في أن يشغل مركز المُصرِّف لشؤون الآخرين، والآمر فيهم.

2. الخلط بين مفهوم القيادة والسياسة، بالرغم من وجود فروق بينهما، منها:

أ. أن الرياسة أو السيطرة إنما تكون بفعل نظام محدد، لا من طريق إقرار الجماعة بفضل القائد عليها، واعترافها التلقائي بما قدم لها.

ب. أن الهدف المشترك يتخيره الرئيس في حدود مصالحه، وعلى ضوء مصلحته. أما الجماعة التي يسيرها القائد، فإنها هي التي ترسم الهدف المشترك الذي ينبع من باطنها.

ج. ليس من شأن الجماعة الرياسية أن يحس أفرادها بأنهم متضافرون، من أجل تحقيق غاية مشتركة أو في السعي وراء هدف موحد.

د. في العلاقة بين الرئيس والمرؤوس، تكون الهوة واسعة بينهما. ويعمل الرئيس على أن تظل "المسافة الاجتماعية" بينه وبين أفراد الجماعة كما هي، لا تتناقص حتى يسهل عليه تسيير دفة الجماعة في الوجهة التي يريدها.

هـ. ما يتمتع به للرئيس من تأثير وسلطان على الجماعة، يختلف في جوهره عما للقائد من تأثير وسلطان في جماعته، من حيث المصدر الذي تستمد منه السلطة، في كلتا الحالتين. أما القائد، فالجماعة تعترف بسلطانه عليها، بطريقة تلقائية، وعن رضا وطواعية. وأما الرئيس، فإنه يستمد سلطاته من قوة خارجة عن نطاق الجماعة، حتى ليتعذر القول إنّ سائر أفراد الجماعة أتباع له ويريدونه؛ وإنما نقول إنهم مرؤوسون يخضعون لسيطرته، خشية ما قد يستتبعه الخروج عن طاعته من عقاب.

3. تعدد أنماط القيادة وصورها

تعددت أنماط القيادة بحيث أخذت صوراً متعددة، أو تقسيمات وتصنيفات، عديدة، منها:

أ. القيادة الرسمية وغير الرسمية

تستمد القيادة الرسمية قوة تأثيرها من السلطة الممنوحة إليها، بموجب الوظيفة أو المركز أو السلطة، التي تمنحه إياها المنظمة، وما يخوله له القانون؛ فمدير المدرسة وقائد مركز الشرطة ومدير المستشفى، قادة رسميون.

أما القيادة غير الرسمية أو التلقائية، فتستمد قوة تأثيرها في سلوك الأعضاء من سمة أو خاصية يتمتع بها هذا الشخص، وتحتاجها الجماعة؛ فحكماء القرية، وكبار السن في القبيلة قادة غير رسميين (أما شيخ القبيلة فهو قائد رسمي).

ب. القيادة الأوتوقراطية والديموقراطية

(1) القيادة الأوتوقراطية الصارمة

تتسم بالقسوة والصرامة، وعدم تفويض القيادة.

(2) القيادة الأوتوقراطية الطيبة

يعمل القائد لخير الناس لا على أساس ما يريدونه، بل على اساس ما يعتقد أنه حق لهم. وقد يكون له اهتمام خاص بمعتقدات العاملين وحتى بأخلاقهم، إلا أن هذا الاهتمام لا يقابل بالترحاب دائماً من العاملين.

(3) القيادة الأوتوقراطية القاصرة

تمور هذه القيادة بالنشاط، إلا أن القائد يكون مستبداً وضالاً؛ فمديحه ولومه للعاملين يعتمدان كلية على مشاعره هو، للتو واللحظة. هو يرغب في السلطة؛ ولكن ينتابه شعور باليأس وعدم الأمان. وقد يكون لا ضمير له، أو كاذباً أو مرتشي، أو مغتراً، ويتبع كل السبل التي يُقدر أنها ستساعد في الوصول إلى هدفه.

(4) القيادة الديموقراطية الحقيقية

ينسق القائد أعمال العاملين، الذين يؤدون أعمالهم برغبتهم، ويعلِّم مستخدموه ماذا يفعلون ولماذا. كما أنه يوزع السلطات على من يشرف عليهم، ما يؤدي إلى شعور العاملين بالأمن.

(5) القيادة الديموقراطية الزائفة

يطمح هذا القائد في أن يكون ديموقراطياً حقيقياً؛ إلا أنه غير مطمئن لنجاح هدفه. وينتهي به الأمر إلى أن يصبح أوتوقراطياً قاصراً.

(6) القائد المنطلق

إنه يمثل الرئيس الذي لا يرأس، بل يلقي كل المسؤولية ومعظم العمل على أتباعه. ويكون عاجزاً عن ممارسة أي نوع من السلطة أو السيطرة على أتباعه، أو حملهم على التعاون.

تلك كانت بعض صور القيادة وأنماطها، إلا أن ثمة صوراً أخرى يُشار إليها هنا، مثل: القيادة الموروثة، القيادة الممنوحة، القيادة المغتصبة. والقائد الراديكالي، والمحافظ، والعلمي، والمسيطر، والاجتماعي.

ومن العرض أعلاه يتضح أن اختلاف الباحثين في تقسيم أنواع القيادات وتصنيفها، يرجع إلى أساس التصنيف. فقد يكون الأساس درجة اتصال القائد بأتباعه ونوع ذلك الاتصال؛ وقد يكون الأساس الوسيلة التي يصل بها القائد إلى مراكز القيادة، وقد يكون الأساس ما لدى القائد من ميول واهتمامات عقلية، أو وجهة نظر لتابعيه، أو الأسلوب الذي يتبناه في الإدارة.

النظريات المفسرة للقيادة

ومما سبق، نجد أن ظاهرة القيادة تتمتع بمكونات أو عناصر ثلاثة، هي:

·       القائد: بما له من خصائص تمكنه من التأثير في التابعين، من أجل تحقيق أهداف معينة.

·       الموقف: الذي يجري فيه التفاعل بين القائد والتابعين.

·       التابع: بما له من خصائص ومميزات تسهم في التفاعل خلال مواقف القيادة.

وقد أدى اختلاف الباحثين في التركيز على هذه المكونات، إلى ظهور نظريات متعددة حاولت تفسير ظاهرة القيادة، ومنها.

1. نظرية السمات

ترى هذه النظرية أن القائد يتميز بارتفاع مستوى سماته عن التابعين. فقد يكون مرتفع الذكاء، أو القدرة على التوافق، أو القدرة على الاستبصار، أو القدرة على المراوغة، وغير ذلك من السمات.

وبينت الدراسات أن هذه النظرية تفتقر إلى كثير من المصداقية؛ لأن كثيراً من الصفات يصعب قياسها بصورة دقيقة. ولقد بينت الدراسات تناقض النتائج التي توصلت إليها النظرية، بمعنى وجود سمات متناقضة. كذلك، وصفت السمات بأنها "طيبة" دون تعريف محدد وواضح لمعناها؛ وفضلاً عن هذا فإن الحكم على "طيبة" هذه السمات يجعل للأحكام القيمية غير الموضوعية دوراً في تحديدها. ثم هل السمات اللازم توافرها، لكي يصبح الفرد قائداً، هي نفسها السمات اللازمة لكي يكون القائد فعالاً وناجحاً في عمله؟ أخيراً، هل السمات التي تم قياسها لدى القادة، كانت موجودة من قبل تولي القيادة؟ أم أنها نتاج تفاعلات القائد فيما يمر به من مواقف؟

وكمثال لهذه النظرية نعرض للقائد الكاريزمي، والقائد الميكيافيللي، والقائد التسلطي.

أ. القائد الكاريزمي

يكون هذا القائد مزوداً بقدرات خارقة، قد تكون ذات صبغة روحية دينية، مثل غاندي؛ أو قدرات إيحائية، مثل أحد الأطباء، الذي كان يشفي المرضى الهستيريين فقط حال قيامه بحركات معينة. أو أن يكون ذا قدرة خاصة على الاستبصار، ونقل اكتشافاته وإلهاماته للآخرين، مثل بعض الجماعات المتطرفة.

وقد تمهد الظروف لظهور هذا القائد، إذ تسود حالة من الخوف والقلق أو الضياع النفسي قبل ظهور هذا القائد، ثم يأتي القائد ليكون مسؤولاً عن تخليص الجماعة من آلامها. ويستلزم هذا أن يكون القائد مؤمناً بأنه صاحب رسالة، وبأنه المختار لتحقيقها. وفي غاندي مثال واضح لهذا.

ب. القائد الميكيافيللي

إذا كانت ظروف الجماعة هي التي تهيئ الفرص لظهور القائد الكاريزمي، فإن القائد الميكيافيللي هو الذي يمسك بزمام السلطة ويتلاعب بها في تعامله مع التابعين. وخير مثال لذلك هتلر.

يقوم سلوك القائد الميكيافيللي على افتراضين، هما:

·       أن التابعين أساساً ضعاف خانعين، يمكن خداعهم.

·      بناءً على خصائص التابعين لا بد أن يظهر شخص واعٍ ينتهز فرصة الموقف، لكي يحقق أعلى درجة من الاستفادة الذاتية أولياً، من شر هؤلاء التابعين.

ويتميز سلوك هذا القائد بعدة مميزات:

·       معاملة التابعين على أنهم أشياء وليسوا آدميين، ومن ثم لا يكون للمشاعر دورٌ في قيادته.

·       طالما أن التابعين هم فقط أشياء يمكن التحكم فيها، فلا مكان للقيم الأخلاقية في سلوك هذا القائد، لذلك لا توجد التزامات مثالية توجه سلوكه.

·       طالما أن أسلوب هذا القائد يعتمد على التلاعب بتابعيه، فلا بد أن لا يخلو من الاضطرابات النفسية الحادة؛ لأن هذه الاضطرابات تشوه إدراكه لحاجات تابعيه، ومشاعرهم، وإدراكه للواقع.

ج. القائد التسلطي

يبدأ الإنسان حياته معتمداً على الآخرين في إشباع حاجاته، ويظل هذا الاعتماد مستمراً؛ ولكن بأشكال مختلفة. لذلك، قد نخترع بعضاً من الشخصيات التي تناسب حاجاتنا وتشبعها. والقائد هو أحد هذه الشخصيات، التي تمثل بديلاً للوالدين في الاعتماد عليهما في اتخاذ القرارات. والقائد التسلطي هو الذي يستغل هذه الحاجة في تابعيه، فيحكم مستنداً إلى التقاليد، والتهديد، والقسر، والهبات الشخصية لبعض التابعين.

ولقد أشار توينبي إلى هذا، فبين أن هناك نوعين من القادة: قائد مبتكر ينمي الولاء التلقائي في نفس تابعيه، وقائد مبتكر يسيطر بالقهر والقوة، وهذا هو القائد المتسلط.

2. نظرية القيادة كمركز وظيفي

يكون القائد في ذهننا، عادة، هو الشخص الذي يحتل مركزاً معيناً، ومن ثم يستطيع التأثير في الآخرين، من خلال هذا المركز أو الموقع الوظيفي. وكذلك، نتوقع ممن يشغل هذا المركز أن يتصرف بطريقة خاصة، لذلك تُعرف القيادة بأنها التأثير الذي يحدثه من يشغل منصباً معيناً؛ فمدير المدرسة، مثلاً، له القدرة على التأثير في سلوك المدرسين؛ لأنه يشغل منصباً معيناً، وكذلك الطبيب في المستشفى، والمأمور في قسم الشرطة.

ويصل الأفراد، عادة، إلى المراكز بعدة طرق، مثل الاختيار الرسمي، أو التعيين، أو بالوراثة، أو بالسيطرة على مداخل هذا المركز. وفي جميع الحالات يمارس القائد تأثيره، من خلال مركزه.

وكثيراً ما يُثار الجدل حول تصرفات من يشغل مركزاً قيادياً، هل تم اختياره لأنه بتصرفاته يناسب الدور المسؤول عنه، أم أن تصرفاته هذه شكلها مركزه الذي يشغله؟ ويتأثر سلوك عموماً الفرد بالمركز الذي يشغله، وبطريقة فهم الآخرين لهذا المركز.

ويثير النظر إلى القيادة من خلال المركز عدة انتقادات، منها:

أ. أنه يمكن تقبل كل سلوك من القائد على أنه سلوك قيادي، حتى ولو كان سلوكه سلوكاً متناقضاً.

ب. أن تركيز القيادة في المركز الوظيفي يجعلنا نغفل عن ديناميكية ما يحدث داخل الجماعة ذاتها، والعوامل المؤثرة في اتخاذ القرارات داخل الجماعة.

ج. أننا على هذا النحو نغفل الدور الذي يقوم به بعض الأفراد، الذين يؤثرون على سلوك القادة، أو ما يعرفون باسم "القادة من خلف الستار"، أو "القادة غير الرسميين".

3. نظرية القيادة كموقف

ترى هذه النظرية أن القائد، عادة، يظهر في موقف معين؛ لأن الموقف يخلق ظروفاً بيئية معينة تمهد بدورها لظهور القائد؛ فالقائد في الطائرة هو أفضل فرد لتوجيه المجموعة؛ ولكن هذا القائد تقل فاعليته إذا هبطت الطائرة اضطرارياً في الغابات أو في الصحراء. ففي هذه الحالة لا بد من قائد آخر يستطيع مساعدة الجماعة للحفاظ على حياة أفرادها.

ومما يؤخذ على هذه النظرية إفراطها في التأكيد على دور البيئة في ظهور القائد؛ إذ على الرغم من أن للظروف البيئية دورها في ظهور القادة، إلا أن القيادة تحتاج إلى معرفة ومهارة أكثر مما تتضمنه المواقف؛ وفضلاً عن هذا كيف يمكن وضع برامج لتدريب القادة؟ هل يكون التدريب تدريباً نظرياً على المبادئ العامة أم تدريباً عملياً؟، وهل يكون التدريب في جماعات أم كأفراد؟.

4. نظرية القيادة الوظيفية

إذا كانت نظرية السّمات تهتم بخصائص القائد، ونظرية القيادة كمركز وظيفي تركز اهتمامها حول ممارسة التأثير من خلال المركز، ونظرية القيادة كموقف تركز اهتمامها حول الظروف التي تخلق القادة؛ فإن نظرية القيادة الوظيفية تركز اهتمامها حول اكتشاف الوظائف المهمة، التي تساعد الجماعة على تحقيق أهدافها في ظل ظروف مختلفة، وكيف يساعد القائد أفراد الجماعة، في تحقيق هذه الوظائف.

وبناءً على هذه النظرية، يمكن أن يصبح أي فرد في الجماعة قائداً لها، بمقدار اضطلاعه بمسؤوليات خدمة أهداف الجماعة. كذلك فإن وظيفة القائد يمكن أن يسهم فيها أكثر من عضو، وبناءً على ذلك يختفي الفاصل بين مفهوم القائد والتابع. وتساعد هذه النظرية على فهم ديناميات الجماعة، وما يحدث بها من عمليات، وما تتميز به كل جماعة من وحدة.

فالأعمال التي تتطلبها جماعة ما لتحقيق أهدافها في فترة معينة، تختلف عن الأعمال التي تتطلبها الجماعة نفسها في ظل ظروف أخرى. وتلك المجموعة من الأعمال أو الوظائف، لا بد أن تختلف عن الوظائف والأعمال التي تتطلبها جماعة اخرى. وهذا الاختلاف في تحديد تلك الوظائف والأعمال تحدده عوامل متعددة، مثل: معلومات أفراد الجماعة، طبيعة أهداف الجماعة، تنظيم الجماعة، العوامل الخارجية المؤثرة على الجماعة؛ وفضلاً عن هذا فإن هذه النظرية تربط بين سلوك القائد وما تقوم به الجماعة، من وظائف لتحقيق أهدافها.

إذاً، يجب، أولاً، تحديد أهداف الجماعة وما يحتاجه تحقيق هذه الأهداف من وظائف ونشاطات، ثم يأتي بعد ذلك دور القائد، وما يجب أن يقوم به أو ما يؤديه من وظائف. وبناءً على هذه النظرية يمكن تقييم سلوك الأفراد والقادة، بمقدار مساعدتهم على تحقيق الهدف المطلوب.

ولكن ما هذه الوظائف والأعمال، التي يؤديها الأفراد والقادة داخل الجماعة؟ يمكن تقسيم هذه الوظائف إلى ثلاثة أنواع:

أ. مجموعة الوظائف المرتبطة باختيار الهدف، وتحديد الطرق اللازمة لتحقيقه، ثم العمل من أجل تحقيق هذا الهدف

من هذه الوظائف تركيز انتباه الأفراد على الأهداف، وضع الخطة، تقييم العمل، تزويد الجماعة بالمعلومات والآراء، التوفيق بين المقترحات وإيضاحها، تلخيص ما أسفرت عنه المناقشة، تسجيل المناقشة.

ب. مجموعة الوظائف المرتبطة بالجو الانفعالي داخل الجماعة، وبالمحافظة على كيان الجماعة وتماسكها واستمرارها

مثل تشجيع الأفراد، إعطاء الفرصة للأقلية للمشاركة، تنمية الاعتماد المتبادل بين أعضاء الجماعة، مساندة بعض الآراء، المساهمة في الإقلال من التوترات داخل الجماعة.

وإذا كانت المجموعة الأولى من الوظائف تساعد الجماعة على تحقيق أهدافها، فإن المجموعة الثانية تساعد أعضاء الجماعة على العمل مع بعضهم في ارتياح، ومن ثم تساعد على تحقيق التماسك داخل الجماعة. والعلاقة بين هاتين المجموعتين علاقة تكامل، فأي سلوك يقوم به أي فرد أو قائد، يمكن أن يؤثر في كليهما. فمن يساعد الجماعة على العمل التعاوني، يساعدها أيضاً على تحقيق أهدافها، وعلى زيادة التماسك بين أفرادها. وكذلك قد يسعى الفرد إلى تحقيق أهداف الجماعة، ولكن على حساب ارتياح أفرادها، ومن ثم ارتباطهم بالجماعة ودرجة تماسكها.

ج. الأدوار الفردية

وهي عما يقوم به الأفراد من أنشطة داخل الجماعة، بهدف إشباع حاجاتهم الشخصية وتحقيق أهدافهم الفردية، التي قد لا تتناسب مع أهداف الجماعة، والتي تعرض تماسك الجماعة للخطر. ومن هذه الأدوار "العدواني"، الذي يهاجم آراء الآخرين في سخرية لتحطيمها. و"المعوق" الذي يضع حلولاً غير مناسبة، أو صعبة التنفيذ، أو يضع العراقيل أمام التنفيذ. و"المعبر عن ذاته"، وهو الذي يستغل الجماعة للتعبير عن مشكلة خاصة به، ليكتسب عطف أعضائها. و"الباحث عن التقدير"، الذي يشرح للجماعة ما قام به من أمجاد وأفضال. و"المسيطر"، الذي يميل إلى احتكار المناقشة ويقاطع الآخرين، أو يتملق بعض أفراد الجماعة.

وعلى هذا، فعلى القائد أن يعمل على الحد من هذه الأدوار الشخصية الفردية، أو يعمل على توجيهها لخدمة الجماعة وأهدافها. كما يجب أن يعمل على أن يسهم كل عضو من أعضاء الجماعة، في مجموعتي الوظائف السابقتين.

وبناءً على هذه النظرية الوظيفية، تختفي الحدود الفاصلة بين التابع والقائد؛ لأن كل فرد يمكن أن يقوم بدور القائد تبعاً للظروف المحيطة. إذاً ما العوامل التي تؤدي إلى ظهور القادة؟:

(1) عندما يكون الهدف الذي تسعى الجماعة نحو تحقيقه هدفاً مهماً، فإن هذا يدفع بعض الأفراد للقيادة، وخاصة عند تهديد تلك الأهداف. وقد أثبتت التجارب أنه كلما تهددت أهداف الجماعة، زاد احتمال ظهور القيادات.

(2) لشبكات الاتصال دورها في ظهور القادة. وقد أثبتت التجارب أنه كلما كان الفرد في موقع مركزي في شبكة الاتصال، سهل ذلك عليه أن يقوم بدور القائد في الجماعة. والسبب في هذا يرجع إلى أن هذا الفرد يشعر بأن الآخرين يعتمدون عليه، في أداء كثير من الأعمال.

(3) إذا ما شعر الفرد بأهمية العمل الموكل إليه، زاد ذلك من إحساسه بالمسؤولية نحو الجماعة، وأسهم ذلك في تركيزه مزيداً من الطاقة لأداء العمل وخدمة الجماعة، ومن ثم، ساعد ذلك على ظهوره كقائد وظيفي داخل الجماعة.

(4) تسهم معايير الجماعة في ظهور القادة؛ فمثلاً إذا كانت الجماعة تولي كبار السن زمامها، فإن هذا المعيار سيحدد من هو القائد.

(5) تلعب طبيعة العمل دوراً في ظهور القادة؛ فكلما احتاج العمل إلى تآزر جهود كثيرة، ساعد ذلك على ظهور قيادات متعددة، ويكون لكل منها مسؤوليته الخاصة.

(6) قدرة الفرد على تشخيص حاجات الجماعة؛ فكلما كان الفرد قادراً على الاحساس بما تحتاجه الجماعة من أجل تحقيق أهدافها، زاد احتمال قيامه بدور القائد داخل الجماعة. فإذا ما احتدم النقاش في اجتماع ما، ولخّص شخص ما أسفرت عنه المناقشة، ووضع الخطوط اللازمة لاستمرار المناقشة، كان هذا الشخص هو القائد للجماعة في تلك اللحظة.

(7) شعور الفرد بأنه قادر على أداء العمل المطلوب للجماعة، وأنه لن يتعرض لأي خطر أو ضرر في ذلك. فالإحصائي هو قائد الموقف إذا كان الموضوع هو الوسائل والإجراءات اللازمة، للقيام بالمسح والتحليل الإحصائي.

(Cool تلعب خبرات الفرد السابقة المرتبطة بالقيادة دورها، في اضطلاعه بمسؤوليات القيادة؛ فإذا ما كان الفرد قد نجح في القيادة في مرات سابقة، ولقى التقدير على جهوده، أسهم ذلك في تشجيعه على ممارسة القيادة في المواقف الجديدة.

(9) كلما كان الفرد أكثر انضباطاً وإتباعاً لمعايير الجماعة، أسهم ذلك في ظهوره كقائد لها؛ ذلك لأنه كلما كان منصاعاً كان موضع ثقة الأفراد، وكلما كان منصاعاً ساعد على تحقيق أهداف الجماعة. ويكون لعامل الانصياع دورٌ كبيرٌ في الجماعات، التي سبق تأسيسها وتدعم وجودها. أما الجماعات الجديدة، أي حديثة التكوين، فيكون الانصياع فيها انصياعاً مظهرياً، لأنه في هذه الجماعات يضع القائد المعايير بنفسه.

(10) إن زيادة مشاركة الفرد تسهم في ظهور القائد، على أن يصحب هذه المشاركة أداء ممتاز لصالح الجماعة. ولذلك فإن باقي أفراد الجماعة، بوصفهم أتباعاً لهذا القائد، سيحصلون على مكاسب متعددة. وهذا بدوره ينعكس على أداء القائد، فيزداد امتيازاً وارتفاعاً.

 



المصادر والمراجع

1.   أ. براون، "علم النفس الاجتماعي في الصناعة"، ترجمة السيد محمد خيري، سمير نعيم، محمود الزيادي، دار المعارف، القاهرة، 1960.

2.   أحمد عبدالعزيز سلامة، عبدالسلام عبدالغفار، "علم النفس الاجتماعي"، دار النهضة العربية"، القاهرة، 1980.

3.   أندرودي. سيزلاتي، مارك جي والاس، "السلوك التنظيمي والأداء"، ترجمة جعفر أبو القاسم أحمد، معهد الإدارة العامة، الإدارة العامة للبحوث، الرياض، 1991.

4.   حامد زهران، "علم النفس الاجتماعي"، عالم الكتب، القاهرة، 1977.

5.   حسين عبدالعزيز الدريني، "علم النفس الاجتماعي"، مكتبة التركي، طنطا، 1978.

6.   سعد جلال، "التوجيه النفسي التربوي والمهني"، دار المعارف، القاهرة، 1967.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 8
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: