مقدمة
يُعَدّ القلق أكثر الأعراض شيوعاً لدى البشر، خاصة في عصرنا الحالي، الذي يطلق عليه الكثيرون عصر القلق؛ ذلك أن القلق، إضافة إلى انتشاره، كمرض مستقل، يصاحب غيره من الأمراض، النفسية والجسمانية. ولا عجب في ذلك، فالشخص الذي يصيبه صداع، مثلاً، لأي سبب من الأسباب، ينتابه القلق لذلك. وينطبق هذا القول على كل ما يصيب الإنسان من أعراض مرَضية، أو عاهات جسمانية، ناهيك ما ينتابه من قلق، يتعلق بشؤون حياته، اليومية والمستقبلية، فضلاً عن قلقه من أجل من يرتبط بهم عاطفياً، مثل قلقه لمستقبل أبنائه الدراسي، وقلقه لصحتهم. وهكذا، يتضح أن القلق، ليس سمة من سمات العصر فقط، بل سمة من سمات الحياة نفسها.
ما القلق؟
إنه الخوف والشعور بالانقباض، وترقّب شر أو مصيبة، ستقع مستقبلاً. وإذا كان الخوف من شيء معلوم، أو أن المصيبة، التي يخشى حدوثها معلومة، (معروفة للشخص)؛ فذلك هو القلق الثانوي. وذلك ينطبق على خوف الطالب من الامتحان، وإحساسه أنه لن يمر على خير، ويرتقب شر نتيجته، إلى درجة، تزعجه، وتخل بتكيّفه النفسي.
أما إذا كان الخوف غير معروف السبب، فذلكم هو القلق الأولي. ونظراً إلى أن السبب مجهول، فإن الشر المرتقب، أو المصيبة المرتقبة، غير معلومة المصدر، أو الوقت أو الكيفية، فلا يعرف الشخـص من أيـن؟ ولا متى؟ ولا كيـف ستقع المصيبة؟ لذا، فهو في خوف وترقّب ووَجَل دائم، ولا يغمض له جفن، ولا يستكين له فؤاد، ولا يستقر له جانب، لأن المصيبة قد تقع في أي لحظة. فكل جديد، قد يأتي بالمصيبة، وكل آتٍ قد يحملها معه، وكل طرقة على بابه، يجفل لها، وترتعد فرائصه، وتضطرب ضربات قلبه، إنها المصيبة، قد تكون آتية!
تشمل صورة مريض القلق أعراضاً نفسية، وأخرى جسمانية. أما الأعراض النفسية، فهي شعور الخوف وعدم الراحة الداخلية، وترقّب حدوث مكروه، ويترتب على ذلك تشتت انتباه المريض، وعدم قدرته على التركيز في ما يفعل. ويتبع ذلك النسيان، لاختلال أداء التسجيل في الذاكرة، الذي يتطلب التركيز أو الانتباه. مثل الطالب القلق إلى درجة، لا يستطيع معها أن يركز في ما يقرأ (أو يذاكر)، ويترتب على ذلك، ألاّ يسجَّل شيء في ذاكرته مما قرأه. كما أن التفكير، قد يختل تسلسله، نتيجة للخوف ونقص التركيز. ويلاحظ أن الشخص، في موقف القلق المرَضي، يكون مرتبكاً في عرضه لأفكاره. فمثلاً، إذا كان قلق الطالب مرَضياً، أثناء وجوده في لجنة الامتحان، فإن إجابته عن الأسئلة، ستكون ناقصة أو غير متسلسلة، لفقد بعض أفكاره، نتيجة للنسيان المذكور. كما أن الحركة تضطرب، فترتعش يد هذا الطالب، أثناء الكتابة، وتهتز الكلمات في فمه، إذا كان الامتحان شفوياً. وأحياناً، يسقط الشخص خوفه الداخلي على الأشياء والأشخاص، المحيطين به. وذلك نراه واضحاً في الأم، التي خرج ابنها الشاب، فظلت خائفة عليه، حتى يعود. وإذا تأخر زوجها، قليلاً، فإنها تظل متوترة، حائرة بين الباب والشباك، حتى يعود. كما يكون الأرق (عدم النوم)، أحد أعراض القلق البارزة.
أما الأعراض الجسمانية، فتظهر في شحوب الوجه، واتساع فتحة إنسان العينَين، وتعبير الخوف على الوجه، وبرودة الأطراف، وسرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وسرعة التنفس، والشعور بالاختناق، وجفاف الحلق، وصعوبة البلع، والإحساس كأن شيئاً، يسد البلعوم، زيادة الحموضة في المعدة، وعسر الهضم، وآلام المعدة والأمعاء، خاصة الأمعاء الغليظة (المصران الغليظ)، تعبّر انقباضاته وتقلصاته عن القلق. إضافة إلى الشعور بالانتفاخ وكثرة الغـازات، وصعوبـة التبول، والرغبـة المستمرة فيه، واضطراب الوظيفة الجنسية، التي عادة ما تكون في صورة سرعة القذف لدى الرجل، أو الارتخاء الجنسي، أي عدم قدرة القضيب على الانتصاب؛ وهذا العرض (سرعة القذف أو الارتخاء، أو كلاهما) شائع جداً. وللأسف الشديد، لا يعرف المريض، أن السبب هو القلق، فيلجأ إلى الدجالين على أنه ربط (مربوط)، أو يلجأ إلى طبيب الأمراض الجلدية والتناسلية، على أنه التهاب بالبروستاتا. وكلاهما خطأ، فلا وجود لشيء اسمه الربط، ولا دور للبروستاتا إطلاقاً في عملية الانتصاب أو سرعة القذف. ولكنه القلق، الذي يربك الأداء الفسيولوجي لوظائف الجسم. ولكن، كيف يحدث هذا؟ كيف يؤثر القلق في كل هذه الأجهزة من الجسم، فيخل بتكاملها؟
يتكون المخ من قشرة، تعلوه في المكان والمكانة. وتؤدي الوظائف العليا، من التفكير والذاكرة والحركة والكلام. وترتبط بجزء مهم، أسفلها مباشرة، هو المهاد (Thalamus)، الذي يستقر على جزء آخر، لا يقل عنه أهمية، بل يزيد، ويسمى تحت المهاد (Hypothalamus). وهذا الجزء، وبعض المكونات الأخرى، تكوّن الجهاز الانفعالي، أي الخاص بالانفعالات. ويشمل تحت المهاد مراكز عليا للجهاز العصبي المستقل (السمبتاوي ونظير السمبتاوي)، ومراكز عليا، للجوع والشبع والعطش والنوم، وللتحكم في درجة حرارة الجسم، ومركزاً للتحكم في الجنس، كما أن المهاد الأسفل، تحت المهاد، يتحكم، بطرق مختلفة، في إفراز الغدة النخامية، المسيطرة على أغلب غدد الجسم، التي تفرز هرمونات عديدة.
وعندما يواجه الإنسان موقف مخيف، فإنه يفهم الخطر بقشرة المخ. وهذا الفهم، لا يلبث أن ينعكس على الجهاز الانفعالي، خاصة تحت المهاد، ومراكزه التي يشملها. فينشط الجهاز السمبتاوي (أحد شقَّي الجهاز العصبي المستقل)، وهو الخاص بعملية القتال والهرب في الإنسان. وهو، إلى جانب إفراز هرمونات الأدرينالين والنورأدرينالين، من الغدة فوق الكلوية (الكظرية) ـ يسرع من ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس. فيندفع الدم إلى العضلات، ويقلّ في الجلد، فيشحب لونه، ويتوقف البلع والهضم والجنس؛ فالوقت وقت خطر، إما حياة أو موت، وتكيف الإنسان لمواجهة الخطر، هو للإبقاء على حياته. ولكن القلق هو استشعار للخطر، طيلة الوقت، ومعاناة أعراضه وشكواها. وتشتد شكواه إذا لم يعرف لها سبباً، أي كان القلق أولياً.
أَكُلُّ القلق يُعَدّ مرضاً؟ ومتى يكون صحياً؟ ومتى يكون مرَضياً؟
عندما تواعد شخصاً ما مكاناً ما، بعيداً عن بيتك، أو عن المكان الذي توجد فيه، فإنك تشعر، عند اقتراب الموعد، ببعض القلق، يدفعك إلى سرعة ارتداء ملابسك، والخروج إلى الموعد. وإذا كان الطريق معطلاً، لاختناق المرور فيه، فإنك تنظر إلى ساعتك، في قلق، خوفاً على الموعد الذي قطعته على نفسك. وقد يربكك ذلك، فتصدم بسيارتك الآخرين أو سياراتهم (إذا كنت تقود سيارتك)، أو تحتك بمن يقف إلى جوارك في الحافلة، أو بمن يعترض طريقك أثناء نزولك منها. وإذا كنت طالباً، فأنت على موعد مـع الامتحان، الشهري أو السنوي، وتحسب لهذا الامتحان (الموعد) الحساب بالأشهر والأيام، والذي لا يلبث أن يتناقص إلى ساعات. وكلما اقترب الموعد، ازداد القلق. وكلما كان إنجازك العملي ضئيلاً، كان القلق أكثر.
القلق، إذاً، باعث لك على أن تتحرك للوصول إلى المكان المحدد، في الموعد المحدد. وهو، كذلك، باعث لك على الإنجاز الدراسي والتحصيل، كاستعداد للامتحان، إذا كنت طالباً. أضف أنه باعث للزوجة على تدّبر شؤونها المنزلية، قبل عودة زوجها، أو حضور ضيوفها. زِد أنه باعث للموظف (والموظفة)، أن يسرع الخطى، لبلوغ عمله في الموعد المحدد. واستطراداً، فالقلق هو باعث للحياة، ومحرك لها. ونقيضه الاسترخاء التام؛ بل السكون؛ وذلكم هو شلل الحياة الداخلي، الذي يصيب اليائسين، العاجزين، الذين لا أمل لهم، ولا رجاء.
من هذا المنطلق، يُعَدّ القلق شيئاً صحياً، يدفع نحو الأهداف. ولكنه، ككلِّ شيء، حين يزيد على حدِّه، فإنه ينقلب إلى ضده. وبعد أن كان باعثاً، محركاً، أصبح مربكاً معطلاً، بل مزعجاً.
فالطالب، الذي ازداد قلقه عن حدِّه، لا يستقر، يفتح كتاباً، ثم يقلب صفحاته، بتوتر واضح، ثم يغلقه، ليأتي بآخر، يفعل به مثلما فعل بالكتاب الأول. ثم يأوي إلى النوم، طلباً للهدوء. ولكن هيهات له أن ينام، وهو في هذه الحالة. فيطير النوم من عينَيه، وتنتابه الأفكار والهواجس، من مخاوف وغيرها. وقد يبكي مما يشعر به من ارتباك وتوتر. ناهيك ما يشعر به من أعراض جسمانية، مثل سرعة ضربات القلب، وسرعة في التنفس، وجفاف الحلق، وبرودة في الأطراف. ومن ثَم، يكون القلق مرضاً، لأنه أصبح يعوق الإنسان عن أداء عمله، والتكيف في حياته.
ولكن، ما دور القلق في حياة الإنسان؟
رحلة الإنسان مع القلق
تبدأ رحلة الإنسان مع القلق، منذ بدايته الأولى، كجنين في رحم أمه. فعندما تصاب الأم بالقلق والخوف، أثناء الحمل، فإن نسبة الأدرينالين والنورأدرينالين، تفرز في دمها، بكميات كبيرة، ويسبب ذلك زيادة في نشاط عضلات الرحم، فتحدث انقباضات غير منتظمة وغير منضبطة، قد ينشأ عنها الإجهاض، وعلى أقل تقدير، تزعج استقرار الجنين وسكينته. كما يقلّ الدم الواصل إليه، وتسرع دقات قلبه، وتختلج عضلات جسمه، تعبيراً عن الخوف المنقول إليه من الأم (بزيادة الأدرينالين في دمه). وتُعَدّ هذه أولى خبرات الإنسان بالقلق، إذ تبدأ قبْل ولادته. ثم تأتي لحظة الميلاد، وهي رحلة قصيرة، زماناً ومكاناً؛ فمن الرحم إلى خارجه عدة سنتيمترات، لا تستغرق وقتاً طويلاً، ولكنها تنقل الإنسان من عالم محدود جداً، إلى عالم متسع جداً، من عالم مريح جداً، إلى عالم شاق.
في الرحم، كان دم الأم، يحمل إليه الأكسجين والغذاء. أما بعد الولادة، فإنه لا بدّ من بذل جهد في التنفس والرضاعة. ولا بدّ لأجهزة جسمه أن تمارس دورها في عمليه التكيف الحياتية، مثل المحافظة على درجة الحرارة. لذا، فإن الانتقال، في عملية الولادة، يُعَدّ انتقالاً عظيماً. وهذا الانتقال العظيم، يصاحبه قلق وخوف لدى الطفل الوليد. ويزداد قلقه بازدياد التوتر لدى الأم، أثناء عملية الولادة. ولقد عدّ بعض علماء النفس، أن صدمة الميلاد، هي مصدر لكل أنواع القلق، التي تصيب الإنسان. وهذا القول، لم يكن مقبولاً، منذ عدة سنوات. ولكن الدراسات الحديثة، التي تناولت تأثير التوتر والقلق في الجنين، داخل الرحم، وأثناء الولادة، قررت التأثير المرَضي للحمل المتوتر، والولادة المتوترة، في ميل الرضيع إلى الاضطراب النفسي الفسيولوجي، وقلق ما بعد الولادة.
وتستمر رحلة القلق، بعد الولادة. ويعبّر عنه الرضيع بالبكاء والأنين، والتصلب وعدم الاستقرار، واضطراب النوم، مع البصق والقيء، والإسهال والعرق، والاحمرار. وهي كلها علامات الانزعاج الحسي الحركي. وهو انزعاج مؤقت، يظل لعدة دقائق، تكفي لجذب انتباه الأم، لتخفيف العوامل الضاغطة. وهو انزعاج تكيفي، أو قلق تكيفي، يتوخى التكيف، وإزالة العوامل الضاغطة. ولا يسمَّى قلقاً، في الأشهر الستة الأولى من حياة الرضيع، وإنما انضغاط أو انزعاج. وهذا الانزعاج، قد يزيد على الاحتمال (احتمال الأم)، فيسمَّى الانزعاج المرَضي. ويكون فيه البكاء كثيراً، وبصوت مرتفع. ويبدو أن الطفل متألم، وهو في حالة توتر شديدة، وحادة. كما يكون سريع الاهتياج، ويضطرب انتظام وظائفه الجسمانية وانضباطها، أي يصبح نومه متقطعاً وغير منتظم، وتقلّ رضاعته، فلا يأخذ الحلمة، أو لا يشعر بالشبع. ويكثر قيئُه وإسهاله. وقد تصيبه حساسية خفيفة. وتكثر حركته. وأحياناً، يصاحب ذلك هلع شديد من الأشياء الجديدة حوله. وإذا استمر هذا الانزعاج المرَضي فترة طويلة، فإنه يصبح مزمناً، وينسحب الطفل على نفسه، ويهبط نشاطه، ويقلّ نموه، الجسمي والنفسي والاجتماعي.
ولقد أشارت الدراسات، التي أجريت على بعض الأطفال، من المضطربين نفسياً، درجة خطيرة، مثل ذهان الطفولة (اضطراب عقلي في الطفولة)، إلى أنهم كانوا يعانون، في أشهرهم الأولى، انـزعاجاً مرضياً. ويزيـد من حدّته أن الأم تحار في طفلها، الذي لا يهدأ، ولا يأكل، ولا ينتظم نومه، ويكثر قيئُه وإسهاله، فتصاب بالقلق من جراء ذلك. وقلقها يزيد حالة طفلها سوءاً، وسوء حالة الطفل يزيد الأم قلقاً. وهكذا، يدخل الطفل والأم في دائرة مفرغة، لا يقطعها إلا علاج يقضي على قلق كلٍّ منهما.
القلق في الأشهر الستة الثانية، من حياة الطفل
وهي المرحلة، التي يميزها القلق عند رؤية شخص غير مألوف لدى الطفل، وقلقه عندما تنفصل عنه أمه. والقلق، في الحالتَين، عبارة عن خوف تكيفي، موروث في طبيعة تكوين الطفل. ويشبه ذلك الخوف من الأصوات العالية، والخوف من الألم. فمثلاً الخوف من الغرباء، يجعل الطفل ملتصقاً بأمه، ويحميه ذلك من الأخطار. لذا، فهي مخاوف تكيفية. ولكن، إذا ازداد الخوف على حدّه، فإنه لا يصبح تكيفاً، وإنما يمسي قلقاً مرَضياً. فالطفل يصاب بالذعر، أو الهلع، عندما يرى شخصاً غير مألوف لديه. وفي حالة وجوده مع أمه، من دون غرباء، يصعب انفصاله عنها، ولو لفترة قصيرة (وهذا الطفل، لا شك، سيستمر ملتصقاً بأمه، لا ينفصل عنها بسهولة، حتى عند ذهابه إلى المدرسة).
ويصاحب هذه المخاوف اضطرابات الأكل، في صورة رفض الرضاعة، والغثيان والقيء، والمغص المتكرر، والإسهال أو الإمساك. ويتبع ذلك ضعف النمو. وفي أحيان قليلة، يميل إلى كثرة الرضاعة والسمنة، ويصاحبها، كذلك، اضطرابات النوم، مثل الأرق أو النوم المتقطع، غير المريح وغير المنتظم. ويتأخر نمو الكلام لدى هؤلاء الأطفال، وينتابهم العناد الشديد لمن حولهم. كما يكون عدوانهم شديداً، في صورة العض، أو الانفجارات المزاجية؛ إذ يعبّر، بانفعال شديد بأطرافه الأربعة، وكل عضلات جسمه، عن غضب شديد، ورفض لكل شيء، إضافة إلى البكاء الحاد جداً، وكثيراً ما يظهر على جسد هذا الطفل أعراض الاضطراب النفسي الفسيولوجي، في صورة إكزيما، أو التهاب الجلد.
القلق في السنتَين، الثانية والثالثة، من عمر الطفل
في هذه المرحلة من العمر، يكون القلق، عادة، حول الانفصال عن الأم، وعند مواجهة الغرباء؛ ولكن، إلى درجة أقلّ كثيراً عن قبْل، لدى الأطفال الأصحاء نفسياً. ويتبدد قلقهم، عند نهاية السنة الثالثة.
كما يبرز القلق حول فقْد وظائف الجسم، وفقْد التوافق مع موضوع الحب. وهذه الأعراض عابرة. والاستجابة المتفهمة من الأسْرة، تقلّل من حدّة هذا القلق. وعندما ينجز الطفل، من المهارات، ما هو مطلوب منه في هذه المرحلة، مثل التحكم في المخارج، والكلام، فإن قلقه يتناقص، ويحل محله الإحساس بالنفس والثقة، والفخر بالإنجاز والنجاح.
ويكون هذا القلق طبيعياً، إذا لم يعُق تكيف الطفل وإنجازه. أما إذا كان حاداً، ومستمراً لفترة طويلة، فهو القلق المرَضي، الذي سيؤثر في سلوك الطفل الحركي، فيؤخر قدرته على المشي والجري، ويصبح متململاً، لا يستقر في مكان. كما أن توافقه الحركي يتأخر. وينتابه الاندفاع، الذي يعرّضه للإصابات. ويشتد عناده وسلبيته وعدم طاعته لوالدَيه. ويكثر بكاؤه الحاد، الذي ينفعل فيه بكل جسمه. وقد يوقف تنفسه، أثناء البكاء، الأمر الذي يزيد خوف الوالدَين وقلقهما. ويصاحب ذلك تأخر في نمو إدراكات الطفل وقدرته على التفكير؛ إذ إن ذكاءه، يتجه إلى التعبير الحسي الحركي، أي الجسماني، ولا يتجه إلى التعبير برموز اللغة وكلماتها. لذا، فإن اللغة تتأخر لديه في نموها. وقد يكرر ما يعرفه، بصورة قهرية، وبنغمة حادّة، تعبّر عن التوتر. وكثيراً ما ينتابه البكم الاختياري (عدم النطق بأي كلمة، لفترة معينة، أو في مواقف معينة) أو التهتهة.
وقد يتمثل القلق المرَضي في هذه المرحلة، في التشبث بالأم، والتعلق بها، في ما يشبه طفل الثمانية إلى عشرة أشهر، فلا يتحرك بعيداً عنها، لاكتشاف البيئة المحيطة به. كما يظهر تناقض مشاعره تجاه أمه؛ فعلى الرغم من أنه يحبها، ويلتصق بها، إلا أنه يضربها، ويعضها، ويخدشها، كتعبير عن كراهيته لها. وانفصاله عنها يصيبه بالهلع؛ ومن ثَم، فهو لا يلعب مثل غيره من الأطفال الأسوياء، ولا يشاركهم حتى في لعبة يستقل بها.
ونظراً إلى أن التحكم في المخارج، أي التحكم في عملية التبول والتبرز، يُعَدّ أحد الإنجازات المهمة في هذه المرحلة، فإن القلق المرضي، ويكون إحدى علاماته البارزة. إذ يخاف الطفل من عملية التبرز، فيصبح عرضة للإمساك، لعدة أيام، أو يختل تحكمه في المخارج، فيلوّث ملابسه ببرازه أو بوله، خاصة أثناء اليقظة، مما يزيد قلقه حدّة وصورته عن نفسه اهتزازاً. ويضطرب نومه، فينتابه الفزع الليلي، والأحلام المخيفة، وكثيراً ما تصاحبها صور مخيفة، تظهر عند بداية النوم، أو عند الاستيقاظ منه، وتقلّ أثناء النوم، خاصة مراحله العميقة، التي يَبْطُؤ فيها إيقاع المخ (وهي المرحلة الرابعة من النوم البطيء الموجه)، وتعتريه نفس اضطرابات الأكل، من القيء والمغص والإسهال، ونقص الشهية أو ازديادها.
واستمرار هذا القلق لفترة طويلة، قد ينجم عنه توقّف في نمو جوهر الشخصية لدى الطفل؛ إذ ينتابه المرض العقلي، في صورة الذهان الكلي، أو فصام الطفولة، أو الاكتئاب الشديد، أو الشخصية النرجسية، أو يصبح مدمناً في حياته اللاحقة، بعد البلوغ.
قلق الطفولة المبكرة (3 ـ 6 سنوات)
في هذه المرحلة، يعي الطفل نوعه، (ذكر أو أنثى). ويميل، بحكم الاختلاف، إلى أبيه من الجنس المقابل، سعياً إلى الاكتمال. ولكنه، في ميوله هذه، ينافس أباه من الجنس المماثل؛ إذ تنافس البنت أمها في حب أبيها والتعلق به، وينافس الابن أباه في حب الأم، والتعلق بها. ويولد التنافس الخوف في نفس الصغير، لأن القوى ليست متكافئة في هذه المنافسة (بين الابن وأبيه من الجنس نفسه). وعادة، ينتهي هذا الخوف بأن يكبت الصغير حبه لأبيه من الجنس المقابل، ويجد الحل في أن يتوحد بأبيه من الجنس نفسه، أي يحاول التشبه به، فتقوى الصلة بينهما. ويتجه الطفل، عند نهاية هذه المرحلة، إلى التعلّم المدرسي أو الحِرَفي.
ولا يتأتّى ذك للطفل، إلا إذا نجح في السيطرة على قلقه الداخلي، وساعده والده، في تفهّم وتؤدة. أما إذا سيطر على الصغير خوفه، فإنه، في هذه المرحلة، يكون واسع المخيلة، ويختلط لديه الواقع بالخيال، فيشتد القلق، ويصاحبه الخوف من أن يصبح وحيداً، أو أن يؤذي جسده. ويظهر، كذلك، خوفه الشديد من الحيوانات والحشرات. كما أن شعوره بالفشل والإحباط، في صراعه أبيه من الجنس نفسه، وعدم توحده به ـ يجعله يفشل، مستقبلاً، في العلاقات الثلاثية، أو العلاقات بجماعة متعددة الأفراد؛ بينما ينجح في علاقات ثنائية (علاقة شخص بشخص)، لأنها أكثر أمناً، بالنسبة إليه، وليس فيها منافسة، قد تكون مؤلمة. ومن ثَم، يتجنب الطفل منافسة أقرانه، ويصبح سلبياً، ويفقد عدوانيته وشعوره بشخصيته. كما يقلّ حبه ودوافعه إلى الاستكشاف، ويضعف فضوله تجاه معرفة الجديد؛ فينكص عن إنجاز ما يُتوقع منه إنجازه في هذه المرحلة، مثل كتابة الحروف، في الحضانة. وبذلك، يهيأ لكي يفشل في مستقبله الدراسي.
وقد تبرز علامات أخرى للقلق، مثل قضم الأظفار، ومص الإصبع، أو هز الجسم باستمرار، أو الأطراف، أو جذب الشعر، أو لمس الأعضاء التناسلية بكثرة. وهو، عادة، ما ينهى عنه الوالدان، مما يزيد شعور الطفل بالذنب والخوف من العقاب (المضاف إليه سعة خيال الطفل)؛ فيزداد قلقه حدّة؛ ويضطرب نومه، الذي يصاحبه الفزع الليلي والكوابيس؛ ويكثُر تبوله في فراشه، بعد أن كان قد أنجز تحكمه في عملية التبول، أثناء النوم، لعدة أشهر؛ ويضطرب أكْله، فيصاب بالقيء أو المغص، أو الإسهال، ونقص شهية مرَضي، قد ينشأ عنه فقدان الوزن إلى درجة كبيرة.
قلق الطفولة المتأخرة (7 سنوات ـ 12 سنة)
في هذه المرحلة، يشعر الطفل بتكامل جسده وتميزه (أو نقصه). ويتوحد بالأب من الجنس نفسه. ويستدخل السلطة الخارجية إلى الأنا الأعلى. ويتوق إلى تعلّم مهارات الكبار، من خلال اكتساب حِرفة، أو التعلم في المدرسة؛ إذ يرغب عن الحب والدفء والراحة، في البيت، ويسعى إلى مكان له وظيفة وعمل. بل يصبح تقديره لذاته مرتبطاً بإنجازه، في العمل أو المدرسة. فإذا نجح، استشعر الرضا، وإذا فشل، أحس النقص والذنب. وتصطرع الأنا والأنا الأعلى؛ إذ يكون الخوف من السلطة الداخلية، هو القلق. وللقلق مصادر أخرى، غير المدرسة، في هذه المرحلة، كالخوف من الإصابة الجسدية، والمواقف الاجتماعية.
قلق المراهقة (13 ـ 21 سنة)
إن التغير الهرموني، في مرحلة المراهقة، وما يتبعه من تغيّر في التكوين والشكل والميول، في جسد المراهق ونفسه، يجعلانه في مواجهة تحديات جديدة (اُنظر المراهقة)، إضافة إلى عودة الذكريات الخاصة بالصراع الأوديبي، والرغبات المحرمة تجاه الأب أو الأم. لذا، فإن مصادر الصراع المحدث للقلق، تكون عديدة، في هذه المرحلة (سواء كانت صراعات داخلية أو مستدخلة).
يُلاحظ أن القلق المرَضي، في مراحل الطفولة والمراهقة والرشد، يصبح أكثر وضوحاً، ويعبّر عن نفسه باضطرابات إكلينيكية خاصة.
اضطراب قلق الانفصال
وهو يتميز بشدته، لمدة أسبوعَين، على الأقل. وينشأ عن انفصال الطفل عمّن يرتبط بهم. وقد يُعرف برهاب المدرسة.
فعند حدوث الانفصال، ينتاب الطفل قلقاً قد يصل إلى درجة الهلع، متجوزاً مستوى نموّه؛ على أن يبدأ الاضطراب قبْل الثامنة عشرة، وأن لا يكون خلال مسار اضطراب تشوه النمو، أو الفصام، أو أي اضطراب ذهاني آخر. والأطفال المصابون باضطراب قلق الانفصال، لا يستريحون إلى السفر، وحدهم، بعيداً عن البيت أو الأماكن المألوفة لهم. فقد يرفضون زيارة الأقارب أو المبيت عندهم، أو الذهاب في رحلات قصيرة، أو الالتحاق بمدرسة، أو معسكر. وربما لا يستطيعون أن يظلوا في حجرة، بمفردهم. وقد يظهرون سلوكاً تعلقياً، فيظلوا ملتصقين بوالدِيهم، كظل لهم داخل المنزل. وعند وقوع الانفصال أو توقعه، وتكثر شكاوى هؤلاء الأطفال الجسمانية، مثل آلام المعدة، والصداع والغثيان والقيء. وأعراض اضطراب الجهاز الدوري، مثل الشعور بضربات القلب، والدوخة، والإغماء، نادرة لدى الأطفال الأصغر، ولكنها قد تحدث للمراهقين، مع وجود علامات متكررة من الانزعاج المفرط (مثل الانفجارات المزاجية، أو البكاء وتوسل عدم الانفصال).
وعند حدوث الانفصال، ينشغل الطفل بمخاوف مرَضية، أن يعتري من يرتبط بهم أي مكروه، فيفقدهم، ولا يلتقيهم ثانية. وتتفاوت المخاوف الخيالية؛ فللطفل انشغالات غير محدودة بالأخطار، التي ستصيب والديه (أو من يرتبط بهم). وعندما يكبر، تصبح المخاوف منظمة، ومحددة بأخطار معروفة. كما أن الأطفال، عادة، يظهرون القلق، عند التهديد بالانفصال؛ بينما الأطفال الأصغر يبدون الاضطراب فقط، عند حدوث الانفصال فعلاً.
والأطفال المصابون بهذا الاضطراب، غالباً ما تكون لديهم مخاوف مرَضية من الحيوانات والوحوش. ويبالغون في المواقف، التي أدركت كخطر حالي، يهدد تكامل الأسْرة، ويغالبون، تبعاً لذلك، في مخاوفهم من التماسيح واللصوص، وحوادث السيارات، والسفر في الطائرات. ويكثر انشغالهم بالموت. وقد يرفضون النوم، منفردين فيصرّوا على أن يظل معهم أحد، أو يناموا في فراش والدَيهم. وقد ينامون أمام حجرة الوالدَين. وقد ينتابهم الفزع الليلي، الذي ينمّ على مخاوفهم المرضية؛ أو تعتريهم كوابيس متكررة عن الانفصال.
وبعض الأطفال، ربما لا يشعرون بالانقباض، والخوف من الأذى، المتوقع لهم وللمقربين منهم. ولكنهم يمرضون، فعلاً، عند حدوث الانفصال، وتصيبهم التعاسة، وأحياناً، الهلع، ويؤْثرون العودة إلى البيت، وينشغلون بأحلام إعادة الالتحام مع شخص الغائب.
كما يظهر الأطفال المصابون بقلق الانفصال، ملامح من الانسحاب الاجتماعي، والتبلّد، وصعوبة التركيز، في الدراسة أو اللعب. ويمكن أن يصبحوا عُنُفاً تجاه من يدفعونهم إلى الانفصال. وقد يرفضون رؤية الأقارب أو الأصدقاء المقربين، لتجنّب معرفة مشاكلهم، وسبب غيابهم عن المدرسة أو عن أنشطة أخرى. أما المراهقون المصابون بقلق الانفصال، خاصة الذكور، فقد ينكرون انشغالهم بالانفصال عـن ذويهم، أو رغبتهم في أن يظلوا معهم، مع أن سلوكهم يعكس قلقاً حول الانفصال، ورغبة عن ترك البيت أو التردد في ذلك. ويشعرون بالراحة فقط، عندما لا يلزم الانفصال.
ويصاحب اضطراب قلق الانفصال أعراض، منها الخوف من الظلام. وقد يدّعي المصابون رؤية عيون، أو حيوانات خرافية، تحملق إليهم في الظلام، إضافة إلى اكتئابهم، الذي قد يصبح أكثر ثباتاً، بمرور الوقت، بما يسمح بتشخيص إضافي من الديسثيميا أو الاكتئاب. ويتميز هؤلاء الأطفال بالاعتمادية والانطواء. ويحتاجون إلى جذب الانتباه دائماً. وقد يشكون أنه ما من أحد يحبهم أو يهتم بهم. ويتمنون الموت، خاصة إذا أكرهوا على الانفصال. وبعضهم يوصفون بيقظة الضمير، بشكل غير عادي.
يبدأ اضطراب قلق الانفصال في سن ما قبل المدرسة الابتدائية، خاصة عند دخول الحضانة، ويظل إلى الصف الثالث أو الرابع الابتدائي. ويمكن أن يظل إلى نهاية المرحلة الابتدائية، وأحياناً يظل إلى المرحلة الثانوية أو الجامعية، خاصة أن الجامعة قد تكون أول انفصال حقيقي عن الأسرة، فقد تتطلب أن يعيش الجامعي منفرداً، في بلد آخر.
وعندما يكون الاضطراب شديداً، قد يعوق الطفل عن الالتحاق بالمدرسة، أو بعمل منفصل عن والدَيه. وينتج من ذلك فشله، الدراسي والعملي، وانسحابه الاجتماعي، إضافة إلى ما يتعرض له من فحوصات جسمانية، واستقصاءات معملية، وعلاجات طبية، بسبب شكاواه الجسمانية.
ويجب أن يميز قلق الانفصال من الخوف الطبيعي؛ إذ تعرف الطفولة المبكرة درجة من الخوف الطبيعي من الانفصال، ومن المخاوف الحقيقية. فقد يتعرض الطفل لعدوان خارج البيت، أو في المدرسة، مما يحمله على التمسك بخوفه.
ويُعَدّ قلق الانفصال غير قليل الشيوع، على الرغم من أنه لا توجد له معدلات انتشار دقيقة. إذ راوحت نسبته، في بعض الدول، بين 5 و10% من الأطفال المحولين إلى عيادات الطب النفسي. ويتساوى الجنسان في نسبة انتشاره بينهما، وهو يكثر بين أقاربهم من الدرجة الأولى لمن أصيبوا به.
سبب اضطراب قلق الانفصال
سبب هذا الاضطراب غير محدد. ولكن هناك عوامل تمهد له. وهي:
1. عوامل نفسية اجتماعية
الاعتمادية الشديدة للطفل على أمه، (أو من ينوب عنها)، يهيئه لقلق الانفصال.
مرور الطفل بخبرات انفصال عابرة، ارتبطت بأحد أنواع مخاوف النمو، التي يتعرض لها (مثل: الخوف من فقْد الأم، الخوف من الفزع الليلي، الخوف من فقد جزء من جسده، الخوف من الأنا الأعلى).
موت شخص، يرتبط به الطفل، أو سفره لمدة طويلة.
الانتقال من مسكن إلى آخر، في مراحل الطفل المبكرة، وعدم استقرار علاقاته.
تعلم القلق من أحد الوالدَين، بشكل مباشر، مثل خوف الوالد من المواقف الجديدة. فإن هذا ينمي الخوف في نفس الطفل من هذه المواقف، خاصة دخول المدرسة، كبيئة جديدة.
الحماية المفرطة من الأخطار المتوقعة، بوساطة الوالدَين، تهيئ الطفل لقلق الانفصال.
2. عوامـل جينـية
يحتمل وجود أساس جيني لاضطراب قلق الانفصال. إذ أظهرت دراسات الأُسَر، أن الأولاد البيولوجيين لآباء يعانون القلق، هم أكثر عرضة لقلق الانفصال. كما لوحظ وجود تداخل بين قلق الانفصال والاكتئاب لدى الأطفال، إلى درجة أن بعض المتخصصين، يرون أن قلق الانفصال، هو وجه من وجوه الاكتئاب.
العلاج
أحياناً، يمثل الطفل المصاب برهاب المدرسة، كحالة طوارئ نفسية، إذ إنها تتداخل مع نموه النفسي، وتغلق عليه أبواب التعلم. لذا، فإن خطة متكاملة من العلاج، توضع متضمنة ما يلي:
1. العلاج النفسي الدينامي للطفل
لِفهْم المعنى اللاشعوري للأعراض، وتقوية الأنا لديه، لتحمل مواقف القلق، في جلسات نفسية، مرتَين أو ثلاثاً، في الأسبوع.
2. العلاج السلوكي
من طريق سلب الحساسية التدريجي للخوف من المدرسة، بمصاحبته إلى المدرسة، أول يوم، عدة دقائق، تزاد، تدريجياً، حتى تصل إلى ساعة، في نهاية الأسبوع الأول. ويستمر ازدياد الوقت، الذي يمضي في المدرسة، حتى يكمل اليوم الدراسي، في الأسبوع الثالث. ويصاحبه إلى المدرسة شخص غير الأم، يكون الطفل أقلّ ارتباطاً به، مع تشجيع لعبه واختلاطه بالأطفال الآخرين، داخل المدرسة وخارجها.
3. علاج أُسَري
يشجع، خلاله، الوالدان على التعبير عن مخاوفهما وصراعاتهما؛ والعمل، من خلال العلاج، على تجاوزها أو قبولها.
4. العلاج بالعقاقير
يعتقد بعض المتخصصين فائدة العلاج بالعقاقير، ولكن ضمن إطار الخطة العلاجية الآنفة، فيعطون الطفل مضادّات الاكتئاب، ثلاثية الحلقات، مثل الإيميبرامين (Imipramine) بجرعة 25 ملجم، يومياً، ثم تزاد، تدريجاً، حتى تصل إلى 150 ملجم، فإلى 200 ملجم، يومياً، إلى أن يلاحظ التأثير العلاجي. وإذا لم يلاحظ، فإن استقصاء معملياً لمعدل الإيميبرامين، ومخلفاته الأيضية الناشطة في بلازما الدم، يُجرى لمعرفة إذا كان العقار قد وصل إلى مستواه العلاجي أو لا؛ وذلك لِمَا لعقار الإيميبرامين من تأثير، يقلل من الخوف والهلع، الناجمَين عن الانفصال.
ومن أشهر الاضطرابات، التي تتميز بالقلق والترقب، كذلك، اضطراب الانعصاب، بعد حادث، واضطراب القلق العام.
اضطراب الانعصاب
ويتميز بأعراض خاصة، بعد صدمة معينة، هي أشد من أن تستوعبها خبرة الإنسان المعتادة. وهذه الأعراض، تشمل إعادة معايشة الصدمة، والاستغراق في ذلك، إلى درجة تجعل المضطرب منعزلاً عن العالم من حوله، وغير مستجيب له، وهو ما يسمى الخدر النفسي أو الخدر الانفعالي؛ مع فقْد الشعور بالألفة، وازدياد اليقظة، والحذر مما يجعله يجفل لأتفه الأسباب؛ وضعف الناحية الجنسية؛ واضطراب النوم؛ والشعور بالذنب تجاه نجاته من الحادث (إذا حدث هلاك لمن معه)؛ وخلل في الذاكرة، ناتج من نقص الانتباه (القدرة على التركيز)، مع تجنّب للنشاطات التي تذكره بالحادث.
وأكثر الحوادث شيوعاً، هي التهديد الخطير لحياة الشخص، أو لسلامته الجسمانية، أو تهديد خطير لزوجته أو أطفاله، أو آخر مقرب إليه جداً، أو تدمير مفاجئ لبيت الشخص، أو مشاهدة شخص آخر، أصيب أو قتل، نتيجة لحادث، أو عدوان جسماني.
والشخص قد يمر بخبرة الحادث، بمفرده (مثل الاغتصاب الجنسي)، أو في صحبة من الناس، مثل الكوارث الطبيعية (كالفيضانات والزلازل)، أو حوادث السيارات والطائرات والحرائق. إضافة إلى إعادة معايشة الحادث، يوجد تجنّب ثابت للمثيرات المرتبطة به، أو خدر في الاستجابة العامة، لم يكن موجوداً قبل الحادث. وعادة، يبذل الشخص مجهودات متقنة، لتجنّب الأفكار أو المشاعر تجاه الحادث الأليم الصادم، والأنشطة أو المواقف التي توقظ تذكره. وهذا التجنّب لبقايا للحادث، قد يشمل النساوة النفسية لجانب مهم منه.
ويشار إلى نقص الاستجابة للعالم الخارجي، كخدر نفسي أو خدر انفعالي. وعادة، يبدأ بعد الحادث الصادم. وقد يشكو الشخص مشاعر الانسلاخ عن الناس، أو فقده القدرة على الاهتمام بأنشطته السابقة، أو فقْد قدرته على الشعور بانفعالات من أي نوع، خاصة تلك المرتبطة بالتعاطف والرفق. كما أن القدرة الجنسية، تتناقص إلى حدّ كبير.
وهناك أعراض ازدياد اليقظة والحذر، لم تكن موجودة قبل الحادث. وتشمل صعوبة الدخول في النوم، أو مواصلته (بسبب كوابيس يُعاد، خلالها، معايشة الحادث)، مع "الخضة". وبعض المرضى يشكون صعوبة التركيز وإكمال المهام. وفي الحالات الخفيفة، قد يتخذ التغير في التعبير عن العدوان، صورة سرعة استثارة، أو خوف من فقْد السيطرة على النفس. وفي الحالات الشديدة، قد يتخذ صورة انفجارات غير متوقعة من العدوان، أو تنعدم قدرة التعبير عن مشاعر الغضب.
والأعراض المميزة لهذا الانعصاب، أو التفاعلات الفسيولوجية، هي، غالباً، حادّة، أو تترسب عندما يتعرض الشخص لمواقف أو أنشطة، تشبه أو ترمز إلى الحادث الأصلي.
وهناك أعراض خاصة بالسن. فالطفل الذي يتعرض لحادث، قد يصبح أبكم، أو يرفض الكلام عن الحادث. بينما يتعرض الأطفال صغار السن، للأحلام المفزعة عن الحادث، التي تظل عدة أسابيع، بعده، أو تظهر الكوابيس، عامة، غير مرتبطة به. ولكن نقص الاهتمام بالأنشطة، وضيق الوجدان، قد يكون صعباً، بالنسبة إلى الأطفال، أن يعبّروا عنهما فيجب أن يُستفسَروا عنه بعناية من الوالدَين والمدرسين والملاحظين الآخرين. ولوحظ تغيّر الاهتداء والنظرة المستقبلية، إذ يفقد المريض الأمل في المستقبل، ويصبح متشائماً، فلا يتوقع أن يحصل على عمل، ولا أن يتزوج. وقد يظهر على الأطفال علامات جسمانية مختلفة، مثل آلام المعدة والصداع وازدياد القلق.
وتصاحب الصورة الإكلينيكية لاضطراب الانعصاب، بأعراض الاكتئاب والقلق. وقد يوجد سلوك اندفاعي، مثل تغيير فجائي في مكان العمل، أو الانقطاع عن العمل، من دون سبب واضح، أو تغيير أسلوب الحياة، وقد توجد أعراض، تشير إلى اضطراب عقلي عضوي، مثل النسيان، وصعوبة التركيز، والتقلب الانفعالي، والصداع، والدوار.
يحدث الاضطراب، في أي سن، بما في ذلك الطفولة، بعد حادث. وقد يتأخر إلى ما بعده بأسبوع، أو يمتد التأخير إلى ثلاثين عاماً. والأعراض متماوجة (فترات من الاشتداد وأخرى من الهوادة)، بمرور الوقت. وقد تزداد خلال فترات التعرض لضغوط. ولوحظ أن حوالي 30% من المرضى يشفون شفاءً تاماً، بينما 40%، تظل لديهم أعراض خفيفة، و20%، تظل لديهم أعراض متوسطة الشدة، و10%، تسوء حالتهم، أو تظل كما هي، من دون تغير.
ويرتبط التنبؤ بمآل حسن لاضطراب الانعصاب، بالحالات ذات البداية السريعة، والتي تقلّ مدة الأعراض فيها عن ستة أشهر؛ وبالأداء الوظيفي الجيد قبل المرض، والمساندة الاجتماعية القوية، وغياب الأمراض العضوية والنفسية الأخرى. ومن مضاعفات هذا الاضطراب، التجنب الرهابي للأنشطة، التي تشبه أو تشير إلى الحادث الأصلي. وقد يتداخل في العلاقات مع الآخرين، إضافة إلى التقلب الانفعالي، والشعور بالذنب، الذي قد يؤدي إلى الانتحار.
يتفاوت انتشار هذا الانعصاب بتفاوت الكوارث الطبيعية والحوادث الصادمة. فلقد لوحظ أنه ينتاب حوالي 50 ـ 80 %، ممن ينجون من كارثة طبيعية. أما انتشاره بين عامة الناس، فهو 0.5 % لدى الذكور، و1.2 % لدى الإناث. ويكثر انتشاره بين الشباب.
أسباب اضطراب الانعصاب
أهم أسباب هذا الاضطراب، هو الحادث نفسه، المسبب لانضغاط مع الظروف الاجتماعية، والسمات الشخصية للمريض وقابليته البيولوجية. وبصفة عامة، صغار السن من الأطفال وكبار السن من الشيوخ، يجدون صعوبة في تحمّل الظروف الضاغطة والأحداث الصادمة. أما الأشخاص، الذين يرتبطون بعلاقات اجتماعية طيبة، فهم أقلّ عرضة.
ويعتقد البيولوجيون، أن المرضى الذين ينتابهم اضطراب الانعصاب، لديهم قابلية لازدياد نشاط الجهاز العصبي المستقل. ولوحظ أن إعادة معايشتهم الحادث، يصاحبها ازدياد إفراز أمينات الكاتيكول. كما أن تخطيط الدماغ الكهربائي، أثناء النوم، يكشف أن نومهم يشبه النوم في حالات الاكتئاب الجسيم، في نقص النوم المصحوب بحركة العين السريعة، والمرحلة الرابعة من النوم بطيء الموجة. وهناك دراسات حديثة، تشير إلى أن شبه الأفيونات الداخلية، تفرز من خلال إعادة معايشة الحادث، وأن الأعراض، قد تكون نتيجة انسحاب شبه الأفيونات الداخلية.
أما النظرية التحليلية، فترى أن الحادث ينشط صراعات داخلية، من الطفولة المبكرة، لم تحل. ويشمل ذلك الصدمات العاطفية في الطفولة، التي أصبحت لاشعورية. وإستعادة هذه الصدمات، تسبب نكوصاً، مع ظهور الكبت والإنكار والإبطال، كحيَل دفاعية مصاحبة. وتزداد إعادة المعايشة، بوساطة الأنا لتخفيف القلق والسيطرة عليه، إضافة إلى ما يحصل عليه، كمكسب ثانوي، من المحيطين به، من تعاطف واهتمام وشفقة، وإشباع لحاجاته الاعتمادية. وهذا يدعم الاضطراب، ويجعله يستمر.
علاج اضطراب الانعصاب
تستخدم العقاقير المضادّة للاكتئاب، مثل (الاميتريبتيلين) و(الايميرامين) و(الفنلزين)، ومثبطات إعادة أخذ السيروتونين (SSRIs) ـ في علاج الانعصاب، خاصة في وجود أعراض اكتئابية، أو في مشابهته لاضطراب الهلع. وهناك تقارير إكلينيكية، تشير إلى جدوى الكلونيدين (Clonidine) و(البروبرانولول) (Propranolol) والأتينولول (Atenolol)، ومضادّات التشنجات ـ في علاج هذا الاضطراب. وأحياناً، يلزم إعطاء مضادّات الذهان، إذا لوحظ الفوران الداخلي في سلوك الشخص. كما أن العلاج النفسي ضروري لإعطاء الفهم للأعراض والمساندة والطمأنة. كما يقلل من خطر أن يصبح الاضطراب مزمناً. وقد يلزم إدخال المريض مستشفى، إذا كانت الأعراض شديدة، أو إذا لوحظ احتمال الانتحار.
اضطراب القلق العام
يتميز اضطراب القلق العام بقلق شديد، غير واقعي، وتوقعات تشاؤمية، باعثة على الخوف، حول اثنَين أو أكثر من ظروف الحياة، والذي يستمر لمدة ستة أشهر أو أكثر، على أن يكون الشخص، خلالها، قد عانى هذه الأحاسيس، أغلب الأيام.
وتشمل أعراض القلق، التوتر العضلي، وازدياد نشاط الجهاز العصبي المستقل، والخوف والحذر، والأعراض المصاحبة.
أولاً: أعراض التوتر العضلي، وتشمل الارتجاف أو الرعشة، واختلاج العضلات، والشعور بالاهتزاز، وتوتر العضلات وآلامها، وعدم الاستقرار، وسرعة الإجهاد.
ثانياً: أعراض ازدياد نشاط الجهاز العصبي المستقل، وتشمل صعوبة النفس، والشعور بالاختناق، والشعور بسرعة ضربات القلب، والعرق، وبرودة الأطراف، وجفاف الحلق، والدوخة، وخفة الرأس، والغثيان والإسهال، أو أعراض اضطراب معوي، وسخونة الوجه، وكثرة التبول، واضطراب البلع، أو الشعور بانسداد البلعوم.
ثالثاً: أعراض الخوف والحذر، وتشمل شعور الشخص بأنه على حافة الهاوية، و"الخضة"، وصعوبة التركيز، والأرق، في بداية النوم أو خلاله، وسرعة الاستثارة. وفي الأطفال والمراهقين، قد يأخذ هذا شكل القلق والترقب في ما يتعلق بالإنجاز، الدراسي والرياضي والاجتماعي.
رابعاً: الأعراض المصاحبة، وتكون، عادة، أعراضاً اكتئابية خفيفة، وقد تكون أعراض هلع. ولكن، ليس لها علاقة باضطراب القلق العام.
قد يبدأ القلق في أي سن، ولكنه يكثر في العشرينيات والثلاثينيات من العمر؛ فهو اضطراب مزمن، وقد يظل مدى الحياة. والإعاقة مع اضطراب القلق العام، خفيفة، إذا حدثت. ولكن من مضاعفاته حدوث نوبات هلع، في 25 % من المصابين به، أو إدمان العقاقير المهدئة، في محاولات المريض علاج نفسه بنفسه.
وتشير دراسات عديدة إلى أن انتشار القلق العام، يراوح بين 2 و5 % من الناس كافة. ولكن بعض الدراسات، تشير إلى أنه ليس بهذه الدرجة من الانتشار، وأن الاضطرابات الأخرى، التي تحمل في طياتها قلقاً، تضاف بعض حالاتها إلى هذه النسبة. ويستوي فيه الجنسان، أي أن نسبته بين الذكور، تماثل نسبته بين الإناث، على الرغم من أن بعض دراسات أخرى، إلى أنه يكثر بين الإناث، بنسبة (1:2).
أسباب اضطراب القلق العام
1. العوامل البيولوجية
هناك افتراض أن النورأدرينالين والجابا والسيروتونين، في الفص الأمامي والجهاز الطرفي من المخ، تشترك معاً في باثوفسيولوجية هذا الاضطراب. وأن المرضى يميلون إلى أن يكون لديهم ازدياد في نشاط السمبتاوي؛ واستجاباتهم مبالغ فيها. كما لوحظ وجود شذوذات في تخطيط الدماغ، خاصة في إيقاع ألفا، وفي فرق الجهد المستحث. وكشفت دراسات تخطيط الدماغ، أثناء النوم، عن نقص النوم المتميز بموجات دلتا البطيئة، ونقص المرحلة الأولى من النوم بطيء الموجة، إضافة إلى نقص النوم المصحوب بحركة العين السريعة. وهذه التغيرات البيولوجية، مبنية على قياسات موضوعية، تقارن وظائف الدماغ لدى مرضى القلق بالأسوياء، سواء كانت التغيرات البيولوجية، أولية أو ثانوية، لتأثيرات القلق.
ولوحظ أن 25% من أقارب الدرجة الأولى للمرضى، يصابون، كذلك، بالقلق، مما يشير إلى دور للجينات الوراثية. ولكن دراسات التوائم، لم تؤكد ذلك، بل أثارت نتائجها الجدل حول دور الجينات الوراثية.
2. العوامل النفسية ـ الاجتماعية
عرّف فرويد القلق، بأنه إشارة إلى أن نزعة غير مقبولة، تضغط للمثول والخروج. والقلق، كإشارة، يوقظ الأنا، لعمل دفاعات ضد هذه الضغوط الآتية من الداخل. إذا تجاوز القلق الحدّ الأدنى من الشدة، المميز لوظيفته كمحذر، فإنه يبزغ، بكل اشتعاله، في نوبات هلع. والأمثل أن استخدام الكبت فقط، سينتج استعادة التوازن الفسيولوجي، من دون تكوّن أعراض؛ إذ إن الكبت الفعال، يحتوي احتواءً تاماً، الغرائز وتأثيراتها وخيالاتها، بدفعها إلى اللاشعور. أما إذا فشل الكبت، كدفاع، فإن دفاعات أخرى، مثل القلب والنقل والنكوص، قد تنتج، وتتكوّن الأعراض. وهكذا تتكوّن صورة القلق (أو العصاب).
والقلق، في إطار النظرية التحليلية، هو أحد الأربعة الآتية:
أ. قلق الغرائز: ويشار به إلى عدم الراحة الأولية، المبهمة، الذي ينتاب الطفل، عندما يشعر أنه مرتبك بحاجات ومثيرات، يشعر معها بأنه عاجز. ويسبب له هذا فقْد التحكم والسيطرة.
ب. قلق الانفصال: ويعزى إلى مرحلة قبل الأوديبية. ولكن الطفل بات أكبر، ويخاف من فقْد الحب، أو أن يصبح منبوذاً من والدَيه، إذا فشل في ضبط نفسه، وتوجيه نزعاته في تطابق مع.
ج. قلق الخصاء: وهو يميز الطفل، في الموقف الأوديبي، المصحوب بخيالات ومخاوف الخصاء، المرتبط بنمو نزعاته الجنسية. وقد يتكرر لدى البالغ، في شكل مرَضي.
د. قلق الأنا الأعلى: وهو نتيجة مباشرة للنمو النهائي للأنا الأعلى، الذي يميز حل العقدة الأوديبية.
علاج القلق العام
يجب أن يقلل الأطباء من وصف العقاقير المضادّة للقلق العام، ما أمكن؛ وذلك لطبيعة المرض المزمنة، التي توجب تخطيط العلاج بدقة. وتُعَدّ مجموعة البنزوديازبين (Benzodiazepines)، حالياً، هي المجموعة المفضلة في علاج القلق، على أن تُعطَى عند اللزوم، أو لفترة محدودة، ثم توقف. وخلال هذه الفترة، يكون هناك دور للعلاج، النفسي والاجتماعي، في اكتشاف أسباب القلق، والعمل على حلها؛ إذ إن الاستمرار في تعاطي هذه العقاقير، يحمل أخطار الإدمان. وتستخدم المطمئنات العظمى، بجرعات صغيرة، في علاج القلق، كما تستخدم مقفلات مستقبلات البيتا الأدرينالية (B-adrenergic blockers)، ومضادّات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCA)، ومثبطات الإنزيم المؤكسد للأمينات الأحادية (MAOIs)، ومضادّات الحساسية، وحالياً، مثبطات إعادة أخذ السيروتونين انتقائياً (SSRIs)، وعقار البوسبيرون.
وعلاج القلق، من المنظور التحليلي، يكون من خلال علاج تبصيري، طويل الأمد، موجه نحو تكوين الطرح، الذي يسمح، حينئذ، بإعادة العمل في مشكلة النمو، وحل الأعراض المرَضية. أما العلاج السلوكي للقلق، فيتركز في سلب الحساسية، مع مداخل علاج معرفية، تهدف إلى إبطال التشريط، إضافة إلى فنيات الاسترخاء وتعديل السلوك.
يلاحظ في علاج حالات القلق، لدى الأطفال والمراهقين، أو لدى البالغين، تحسّن بعض الحالات، بوساطة معالجة الظروف البيئية؛ وذلك لأنها ناشئة عن صراع خارجي، غالباً. بينما حالات أخرى، تتطلب تدخلاً علاجياً، تحليلياً، لفترة محدودة، تتحسن بعدها؛ وتلك هي الناشئة عن صراعات داخلية، وهناك حالات معينة، يلزمها علاج تحليلي، لفترة طويلة جداً، وبعمق غير عادي. ويواجه المحلل بصعوبات عدة؛ تلك الحالات الناشئة عن صراع داخلي حقيقي.