منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة
منتدى الشنطي
سيغلق هذا المنتدى بسبب قانون الجرائم الاردني
حيث دخل حيز التنفيذ اعتبارا من 12/9/2023
ارجو ان تكونوا قد استفدتم من بعض المعلومات المدرجة

منتدى الشنطي

ابراهيم محمد نمر يوسف يحيى الاغا الشنطي
 
الرئيسيةالرئيسية  البوابةالبوابة  الأحداثالأحداث  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  

 

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالخميس 16 يونيو 2016, 11:54 pm

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Bbullet  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية "

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet22   العدوان
  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet21   الضغوط
  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet20   العناد
  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet19   القلق والترقب
  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet18   الكابوس
  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet17   اللغة
  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet16   المراهقة


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:24 pm

العدوان
مقدمة

          خلق الله الإنسان، وزوده ما يستطيع به أن يتكيف في الحياة على الأرض، التي يشاركه فيها غيره من الكائنات، بعضها أليف، يمكنه التعايش معه، وبعضها شرس، قد يهاجمه ويفتك به، فيلزمه الدفاع عن نفسه، حتى لو اضطر إلى قتل هذا الكائن. وبعضها يحتاج أن يتغذى عليها، حتى يتمكن من مواصلة الحياة، فيذبحها، ليقتات بها، إن كانت حيواناً، ويقتلعها، إن كانت نباتاً.

          ويُعرّف العدوان Aggression بأنه سلوك، قصد به إحداث أذى جسدي لآخر. وهذا التعريف، قاصر، لأنه يستبعد العدوان اللفظي، الذي يحدِث أذى نفسياً، وليس جسدياً. كما يستبعد النبذ الاجتماعي المتعمد لشخص ما، وهو الأكثر إيلاماً. ويمكن تعريف العدوان، بأنه كل سلوك يقصد به الإساءة لآخر، ويضر بتقديره لذاته، وبحالته الاجتماعية وسعادته.

 



        
تطور العدوان ونموّه، لدى الإنسان

          يظهر العدوان لدى الطفل، في مرحلة مبكرة من النمو؛ حين يبدأ عض ثدي الأم، بعد ظهور أسنانه، في النصف الثاني من عامه الأول. وهو سلوك قد يكون غير مقصود، أو ناتج من إحباط نقص اللبن. ولكن، حين تبادله الأم العداء، فإنه يردّ بزيادة العض على الثدي، التي قد تكون بداية لدائرة مفرغة من العدوان، بين الأم وطفلها.

          والطفل، في هذه المرحلة، وهي الفمية، يلزمه أن يكتسب الشعور بالأمان، والثقة بالآخر. وحين لا يتحقق له ذلك، ويقلّ الإشباع في هذه المرحلة، فإنه سوف يبالغ، فيما بعد، في إنجازات المستقبل، وسوف تخفي مبالغته الحاجة الاحتياج إلى الثقة، وتصبح بديلاً منها. فبدلاً من أن يطلب الحب والقبول، مباشرة، يلجأ إلى القوة للحصول عليهما، فينكر حاجته إلى الحب، ويبدو قاسياً عنيفاً. ولكنه، في الحقيقة، يمارس رد فعل لحاجته الماسة إلى الثقة والأمان، أي حاجته إلى الحب، بل قد يصل الأمر إلى الشك في الآخر، والبارانوية (Paranoid )، فينكر شعور الحب الداخلي تجاه الآخر، فيصبح في صورة (أنا لا أحبه)، ثم يسقطه على الآخر، في صورة (هو لا يحبني)، ثم يحوّله إلى (هو يكرهني)، ويحمل شعوراً بالاضطهاد، فيبرر لنفسه كراهية الآخر، ويعيش عداء مع العالم الخارجي. وحين يبادله العالم الخارجي عداء بعداء، فإنه يؤكد لنفسه ما سبق أن توهّمه من كراهية الآخرين، وعدم حبهم له.

          وحين ينتقل الطفل إلى مرحلة الشرجية (عند فرويد)، أو الاستقلال، في مقابل الشك والخجل (Autonomy versus Shame and Doubt) (عند إريكسون)، يكون العدوان في صورة العناد والخوف من الخضوع لإرادة الأم، والمبالغة في رغبة الاستقلال، التي تخفي وراءها شعوراً بالتعلق والاعتمادية. وأحياناً، يكون العناد خطوة نحو إثبات الذات والاستقلال، إلاّ أن المبالغة، هي التي تجعله سمة مرَضية. وما العناد إلا شكل من العدوان السلبي. وهو أسلوب العدوان للضعيف، الـذي لا قدرة له على مواجهة من هو أقوى منه. ويرتبط العدوان بهذه المرحلة؛ إذ إنها بداية للتحكم والسيطرة العضلية، سواء عضلات الوقوف والمشي، أو عضلات التحكم في المخارج؛ وليس خافياً مدى ارتباط العدوان بالطاقة العضلية.

          وحين ينتقل الطفل إلى مرحلة القضيبية (عند فرويد)، أو المبادرة في مقابل الشعور بالذنب (Initiation versus Guilt) (عند إريكسون)، فإن عدوانه يتجه نحو احتلال مركز من هو أفضل منه، الذي كثيراً ما يكون الأب، أو الأم، في حالة الطفلة الأنثى، فتكون المنافسة والطموح.

          ونظراً إلى نقص إمكانات الطفل، مقارنة بأبيه، خلال هذه المنافسة، فإنه يعوض هذا الشعور بالنقص، بالمبالغة في انتصاره في الخيال. وقد يصل إلى تخيلات قتل الأب، مما يولد لديه الشعور بالذنب، ولكنه يسقط هذا العدوان على أبيه، فيتخيل أن أباه سينتقم منه، ويتمثل هذا في خوف الخصاء (Castration Fear). وفي مرحلة الكمون (عند فرويد)، أو المثابرة من أجل تعلم مهنة، في مقابل الدونية (Industry versus Inferiority) (عند إريكسون)، يكبت الطفل صراعاته، وعدوانه. ويؤجل منافسته لأبيه، إلى أن يكتسب خبراته، ويصبح نداً له، فيتوحد به، ويجعله مثله الأعلى، تجنباً لانتقامه، بل يكتسب حبه ويتعلم منه. وإذا فشل الطفل في ذلك، لفساد بيئة المدرسة، أو غياب القدوة من جانب الوالدَين، واضطراب الأسْرة، فإن العدوان، يظهر في صورة اضطراب السلوك، إذ ينتهك الطفل حقوق الآخرين أو قِيم المجتمع وقوانينه.

          وحين يصل الطفل إلى مرحلة المراهقة، أو الهوية، في مقابل غموض الدور (Identity vesus Role Confusion)، كما يسميها إريكسون، تعود الصراعات إلى الظهور، مع بزوغ القدرة الجنسية. ويتجه المراهق إلى تحرير نفسه من الارتباط بوالدَيه، فيترجّح بين اعتمادية الطفل، وعناد المستقل. كما أنه يكون متناقضاً؛ فهو يرفض سيطرة الكبار، ويحتاج، في الوقت نفسه، إلى إرشاد وتوجيه. ويختبر المراهق نمط السلطة، ليرى إلى أي حدّ يمكنه أن يذهب. فهو يحتاج إلى حدود ليشعر بالأمان، كما أن تقلبات المزاج لديه شائعة. وأحياناً، لا تستطيع قوى الضبط الداخلي لديه، المتمثلة في نضج الأنا، وما يكمن خلفه من جهاز القِيم، الأنا الأعلى، أن تتكيف مع النزعات الغريزية المتزايدة، فتحدث نوبات العدوان.

          ومن الحيَل الدفاعية، التي يمارسها أنا ـ (Ego) ، المراهق، بصورة لاشعورية، وقد ينشأ عنها العدوان، ما يلي :

1. النقل (Displacement)

إذ ينقل الحاجات الاعتمادية، من الوالدَين إلى بدلائهما من الأقران. وقد ينسلخ المراهق من سيطرة والدَيه، إلى درجة الاندماج في جماعة الأقران، في نشاط مضادّ للمجتمع، بغية اكتساب رضائها. فينقل ولاءه من الأسْرة إلى جماعة الرفاق، وهذا يعطي الدور الخطير لرفاق السوء، في عنف المراهقين المضادّ للمجتمع. فإذا كان بين الرفاق من له أفكار عدائية، مضادّة للمجتمع، فإنه يبثها في الآخرين، ويجد صدى لما يريد، وأرضاً خصبة، يزرع فيها ما يشاء من عدوان، ضد المجتمع أو الأفراد.

2. قلب المشاعر إلى الضد (Reaction Formation)

المراهق، الذي لا يستطيع الانفصال عن والدَيه، قد يعكس اعتماديته نفوراً، ويحوّل الحب إلى عناد، والارتباط إلى ثورة، والاحترام إلى سخرية، وأن الكبار، للأسف، لا يعون العصر؛ ومن ثَم، فهُم على خطأ، ولا بدّ من مواجهتهم، بشكل إيجابي، في صورة عدوان ضدهم، أو تجاهلهم، لأنهم لا يفهمون ما يفهمه المراهق. ويكون العناد تعبيراً عن العدوان السلبي، الذي يظهر في المجادلة، في كل الأمور، التي تطلب منه. ويصل الأمر أشده، حين لا يقنع بشيء، فيتوقف عن فعل أي شيء، بل كل شيء، فيصاب بالعجز التام، أو يظهر عدم الاستماع لِما يقال، أو يفعل عكس ما يطلب منه، أو يبحث عما يضايق الآخرين ويفعله.

ومصداق ذلك شكوى إحدى الأمهات، أن إبنها المراهق، ذا السبع عشرة سنة، توقف عن فعل أي شيء، سواء الذهاب إلى المدرسة، أو الاستذكار في البيت، أو استجابة أي مطلب، يطلب منه، على الرغم من سلامته العقلية، وتفكيره المتسق، وبالحِوار المنفرد معه، لُوحِظت عدوانه الشديد تجاه والدَيه، الذي يظهره في صورة عناد، وصل إلى حالة من العجز التام.

3. المثالية

يرى المراهق الأمور، في غمرة حماسته الأخلاقية، بيضاء أو سوداء، أي يراها كمبادئ قاطعة، يجب تطبيقها، من دون مراعاة للموقف، ولو كان بالعنف؛ فيعنف تحت ستار شعارات مثالية براقة، من دون واقعية منطقية. لذا، فهو يرى الناضج، الواقعي، كشخص ميؤوس منه، أخلاقياً. ومن ثَم، يكون التمرد على الكبار في صورة العدوان.

أما في مراحل الرشد، فيكون العدوان إما استمراراً لبقايا من المراحل السابقة؛ أو ناشئاً عن أسباب، استجدت في مراحل الرشد، مثل الإحباط أو أي من الأسباب اللاحقة.

العدوان، إذاً، موجود في كل مراحل النمو، وإن كان يتفاوت شكل ظهوره، بتفاوت الصراع والتحدي، في كل مرحلة. وهو يتفاقم إذا توافرت حوافزه.

 



        
أسباب العدوان
أولاً: العوامل البيولوجية
1. الوراثة

وهي أحد العوامل المهمة المسببة للعدوان؛ فهناك قول قديم: إن "وصمة الإجرام، تجري في عائلات معينة"، وتؤكد ذلك الدراسات التي أجريت على التوائم، والتي وجدت أن الاتفاق في الإجرام، بين التوائم المتماثلة، أكثر منه بين التوائم غير المتماثلة. إذ تذكر إحدى الدراسات، أنه إذا كان أحد التوائم مجرماً، كان الآخر كذلك، بنسبة ثلاثة من كل أربعة. بينما في التوائم غير المتماثلة، صدق هذا بنسبة واحد من كل أربعة.

وبعض المحللين يرى، أنه لا يمكن إغفال دور تربية التوائم المتماثلة، بيئياً واجتماعياً. كما أن كلاًّ منهما، يؤثر في الآخر. ولكن، هناك تأكيدات لدور الوراثة، من خـلال دراسات عن أطفال عدوانيين، فصلوا عن والدِيهم، وتبنّاهم آباء آخرون. إذ وجد ارتباط ذو دلالة إحصائية، بين هؤلاء الأطفال وبين آباء بيولوجيين مضادّين للمجتمع، أو أقارب بيولوجيين مضادّين للمجتمع. وبعض الدارسين يرى، أن التفسير الوراثي للإجرام، لم يبرهن عليه بصورة كافية، وأنه يعد تبسيطاً للسلوك، الذي يرجع إلى تأثيرات معقدة، شخصية وأُسَرية وبيئية.
2. شذوذ الصبغيات الوراثية (Chromosomal Abnormalities)

يزداد عدد الصبغيات إلى (47)، بدلاً من (46)، ويصبح تمييزها الجنسي ( (XYY) أو(XXY) ) ولوحظ أن السلوك العدواني، والمضادّ للمجتمع يكثر لديهم، خاصة في النوع (XYY) ،، الذي تكثر لديه الذكورة، المتمثلة في الصبغ الذكري الزائد (y)، والتي تجنح إلى السلوك العدواني. ويصاحب العدوان لديهم باضطراب العاطفة ونقص الذكاء.
3. اضطراب وظيفة الدماغ

وجد شذوذ في تخطيط الدماغ، لدى (65 %) من معتادي العدوان، الجانحين. بينما كان (24.4 %) لدى الجماعة الضابطة من المساجين غير العدوانيين. وكان معدل هذا الشذوذ (12%) فقط، بين عامة الناس. كما لوحظ أن هناك تشابهاً في تخطيط الدماغ للعدوانيين البالغين، وتخطيط الدماغ للأطفال الأسوياء؛ مما يشير إلى أن هؤلاء العدوانيين لديهم نقص في نضج الجهاز العصبي ونموّه، بما يجعل نشاط الدماغ، يشبه الأطفال في تخطيط الدماغ الكهربائي.

ومن المعروف أن بعض أمراض الدماغ، قد تصاحب بسلوك عدواني، وأن عدداً من الأمراض، التي تصيب الجهاز العصبي، قد تبرز نفسها كسلوك عدواني.
4. عوامل بيولوجية أخرى

من بينها خاصية البناء الجسماني العضلي، الذي لوحظ لدى العدوانيين والمجرمين، أو الذين ولدوا مبتسرين[1]، أو الذين تعرضوا لكثير من الحوادث والإصابات، في الطفولة، التي تعكس نقص الضبط الداخلي، وإهمال الأسْرة في حماية أطفالها، كما أن الإدمان كثيراً ما يسبب السلوك العدواني، بما يحدث من ضعف التحكم في السلوك والسيطرة على التصرفات، وسوء الحكم على الأمور.
ثانياً: العوامل الاجتماعية
1. عوامل تتعلق بالأسرة وطريقة التربية

من بينها خلل البيئة الأسَرية، في الطفولة، خاصة أن الطفل أكثر تأثراً بها من البالغ. ويلزم أن يرتبـط الطفل، عاطفيـاً، بشخص بالـغ، وأن يكون هـذا الارتباط دافئاً، ومدعماً، وثابتاً، وهذا لا يتحقق في حالة انفصال الوالدَين، أو هجران أحدهما للآخر، أو إدمانهما أو إدمان أحدهما، أو كان أحد أفراد الأسْرة شخصاً مضادّاً للمجتمع، أو كان أحدهما مريضاً نفسياً. كما أن فقر الأسْرة، وازدياد عددها، ينمّي السلوك العدواني لدى أطفالها؛ إذ إن الإحباط، ونقص الإشباع لحاجات الطفل، ونقص التنظيم داخل الأسْرة، وضعف الرقابة الوالدِيّة للأبناء، ينشأ عنها العدوان. ولوحظ أن كثرة تغيير الأسْرة لمحل إقامتها، لا يعطي أفرادها فرصة لإنشاء علاقات ثابتة بالجيران، بل يحبطهم ويجعلهم أكثر عدواناً. كما أن التربية القاسية، التي تقهر الطفل وتعاقبه، بدنياً، وتؤلمه نفسياً، تنمّي العدوان لديه، إذ يتعلم، من خلالها، أن العدوان من القوي إلى الضعيف، هو مقبول. كما أنه قد يأتي العدوان، طلباً للعقاب الذي يُعَدّ بديلاً من الاهتمام لديه. وبالمثل، فإن التسامح إزاء أفعال الطفل العدوانية، يجعله يتمادى في عدوانيته. لذا، فالأفضل هو الطريق الوسط، بين القهر والتسامح واللامبالاة، ومن دون عقاب بدني شديد.
2. عوامل تتعلق بالمجتمع

إن انتشار العنف والعدوان، يعكس الوضع الأخلاقي للأمة. فالمجتمع، الذي يكثر فيه معدل الطلاق، والأُسَر الممزقة، وولادات السفاح ـ تزداد فيه جرائم العنف. كذلك، يسهم في ازدياد هذه الجرائم: عدم احترام السلطة في المجتمع، خاصة سلطة البيت والمدرسة والسلطة الدينية، وتخبط المجتمع في وسائل التربية، وفي توجهاته الاقتصادية، وعدم التخطيط القومي الواضح، وغياب الهدف القومي، الذي يمتص طاقات الشباب، وغياب العدو الخارجي، ونقص ممارسة الديموقراطية الحقيقية، وازدياد القهر في المجتمع، وانهيار القِيم الأخلاقية السائدة، واهتزاز القدوة، على المستوى الاجتماعي، والبطالة، والإحباط الذي يعيشه الشباب إزاء حلمه بمستقبله المنشود. هذا إلى جانب انهيار مستوى التعليم، والفراغ الفكري الذي يعيشه الشباب، ونقص الاهتمام بالرياضة البدنية، كسبيل إلى إفراغ طاقاتهم، إضافة إلى ما ينشر من أفكار عدوانية، تنمي العنف الممزوج بشحنة انفعال دينية أو عرقية.

ولا يمكن إغفال دور وسائل الإعلام في كل المجتمعات، خاصة التليفزيون، الذي يعايشه الأطفال أكثر من معايشتهم لوالدِيهم، مما يجعله أداة بالغة التأثير، خاصة إذا شاع العنف في ما يعرضه من مـواد، لأن مشاهـدة العنف، هي تنميـة له، خاصـة أن الأطفال والكبار غير الناضجين، يميلون إلى تقليد ما يشاهدونه على شاشة التليفزيون من مشاهد عنف. والأطفال، بعد مشاهدة مباراة في مصارعة المحترفين، يقلدون ما شاهدوه. وأحياناً، تهتز قِيم احترام القوانين لديهم، بتأثير مشاهدة أفلام رعاة البقر؛ إذ يسيطر قانون الراعي على قِيم الفيلم.

كما أن مشاهدة العنف، في حالة استرخاء جسماني، تؤدى إلى تراكم الانفعال، الذي يزيد التوتر والإحباط، ويزداد العنف. وذلك عكس الرياضة، خاصة أن لها قوانين تحكمها، وهي تخرج الطاقة والانفعال، فتحقق الاسترخاء. كما أن الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والبراكين والأعاصير والفيضانات والحرائق، تزيد من انتشار العنف والعدوان في المجتمع، الذي يصاب بها. ويلاحظ أن فقر المجتمع، ليس سبباً لانتشار العنف لدى أفراده؛ إذ يعانيه في أغنى دول العالم، وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية والسويد وإنجلترا وفرنسا وألمانيا، بمعدلات أعلى من غيرها.
ثالثاً: العوامل النفسية

    اضطراب علاقة الطفل بالأم، أو من ينوب عنها؛ إذ إن هذه العلاقة، هي عامل مهم للنمو الاجتماعي. فلقد ثبت أن نمو الضمير، الذي هو إدخال قِيم الوالدين التوحد بها، يستلزم علاقة ثابتة، دافئة، بشخص الأم أو بديلها؛ إذ من خلال ارتباطه بها، يستدخل قِيمها، ثم يتوحد بتلك القِيم، فتصبح جزءاً من تكوينه. وهو ما يسمّى الأنا الأعلى (Super ego).
    نقص مستوى الذكاء، لدى معتادي العنف، عنه لدى أقرانهم الأسوياء. لذا، يسهل انقيادهم لمن يوجهونهم من الشخصيات المضادّة للمجتمع. فليس لديهم من القدرة الذكائية ما يجعلهم يقدرون الأمور حق قدرها، ويحسنون التصرف، فيصبحوا تابعين لآخرين في ممارسة العدوان، ومجرد أدوات في يد تلك الشخصيات لتنفيذ العدوان.
    سيطرة شخصية الأم، أو غياب الأب، في تربية الأطفال. إذ تضطلع الأم بدور مزدوج في الحب والرعاية والتربية والتقويم. ومن ثَم، فإنها، كأنثى، هي التي ستلقنه قِيم الصواب والخطأ. ومن دون وعي، ترتبط تلك القِيم بشخص الأم وجنسها، كأنثى، فيصبح السلوك الحسن نمطاً أنثوياً، من وجهة نظر الطفل. لذا، فعند نمو نزعة الذكورة، التي تحدث خلال المراهقة، أو قبْلها، يصبح الولد مضطراً لاشعورياً إلى انتهاج السلوك المخالف، بغية إثبات الذكورة.
    الشعور بالتعاسة والإحباط، والتعبير عن الرفض الداخلي. ويُعَدّ الإحباط من النظريات، التي تفسر حدوث العدوان.
    الشعور بالذنب، والحاجة اللاشعورية إلى العقاب. إذ يكون الشعور بالذنب، هو الدافع إلى السلوك العدواني. بل يقدم على ارتكاب ما يستوجب العقاب، لينال عقابه، وبعد أن يُعاقب، يشعر بالرضا والتوازن النفسي. ولكنه يكرر السلوك العدواني، لاشعورياً، كلما شعر بحاجة إلى العقاب.

 

[1]  المقصود بـ (المبتسرين) الأشخاص الذين ولدتهم أمهاتهم قبل تمام مدة الحمل، وإن كان خلقهم تاماً. والأم خادِج وخَدُوج. والولد مَخْدُوج وخَدُوج وخَدِيج وخِدْج.





        
أشكال العدوان

          يأخذ العدوان أشكالاً عديدة، منها العنف الجسماني ضد الآخرين، مثل الضرب والعض، والتشويه والقتل، والاغتصاب الجنسي السطو، والتنمر للغير، والعنف الجسماني ضد الأشياء، بتكسيرها أو حرقها أو إتلافها، والعنف الجسماني ضد النفس، بتشويهها أو إيذائها أو قتلها، والعدوان اللفظي، الذي يشمل سب وقذف الآخرين بالألفاظ، أو إهانتهم وإيلامهم، نفسياً، والكذب الخطير، الذي يوقع الفتنة بين الآخرين، وعدوان سلبي، يتمثل في عدم مساعدة الآخرين عند الحاجة إليه.

          وليس الغضب شكلاً من أشكال العدوان. ولكنه انفعال، يتميز بدرجة عالية من النشاط في الجهاز العصبي السمبتاوي، وبشعور قوي من عدم الرضا. وليس بالضرورة، أن يتلازم الغضب مع العدوان. فيمكن أن يؤدي الغضب إلى سلوك صامت، أو انسحاب، أو سلوك بناء. والعدوان، بدوره، يمكن أن يحدث نتيجة بواعث ونزعات داخلية، من دون أن يسبقه غضب. وأحياناً، يوجه الغضب إلى الداخل، فيتصرف الشخص، تجاه نفسه، بعدوانية، فيحط من قدر نفسه، وربما يمارس العنف ضد نفسه، وهذا الشكل من كراهية النفس أحد أشكال الاكتئاب.
العدوان لدى المرضى النفسيين

          عنـد دراسـة العدوان لـدى المرضى النفسيين، لا بدّ من الإدراك أن العدوان شائع لدى أشخاص، لا يعانون مرضاً نفسياً. كما أن السلوك العدواني، قد يكون تكيفياً بيولوجياً، على الرغم من أن المواقف، الاجتماعية والأخلاقية، تتطلب عكس ذلك.

          ولقد أشارت الدراسات إلى أن العدوان، يوجد لدى المرضى النفسيين بنسبة (10 ـ 15 %) ممن يقيمون داخل مستشفيات الأمراض النفسية. وإذا أضيفت إليهم نسبة من يترددون إلى العيادة النفسية، فإن النسبة يطّرد ازديادها. ولوحظ أن تشخيصات المرضى العدوانيين كانت: الفصام العقلي (Schizophrenia)، والإدمان، والاضطراب العقلي العضوي، والتخلف العقلي، والصرع (Epilepsy)، اضطراب الشخصية، إضافة إلى اضطراب الوجدان (هوس واكتئاب).

          ولوحظ أن المصابين باضطرابات نفسية، يرتكبون العدوان ضد الأشخاص المألوفين لديهم، عادة أفراد الأسْرة. وهذه الحقيقة، تشير إلى أن العدوان لديهم ليس غير متميز الاتجاه، ونادراً ما يكون نحو أشخاص غير مألوفين. وهو يقع من المراهقين الذكور، من مضطربي السلوك، إذ يمارسون العنف ضد من يعرفونه معرفة سطحية، أو من لا يعرفونه مطلقاً. والمرضى الذين يخشى من عدوانهم، أي المرضى الذين لا يعون أن غضبهم، قد يعكس ميولاً إلى إساءة تفسير الأحداث من حولهم. ويخشى، كذلك، من عدوان المرضى، الذين يريدون، باستمرار، إيذاء آخرين معينين، وبطرق غير محددة. كما يخشى من عدوان المرضى، الذين يفشلون في توصيل غضبهم إلى الآخرين، وهؤلاء، غالباً، اعتماديون على الشخص، الذي يوجهون إليه عدوانهم.

 



        
النظريات التي تفسر العدوان

          نظريات عديدة، حاولت تفسير العدوان. منها ما اعتمد على أُسُس، فسيولوجية وبيولوجية. ومنها ما عد العدوان سلوكاً متعلماً. ومنها ما فسره على أنه إحباط نفسي. ومنها ما رآه غريزة أساسية.
أولاً: النظريات البيولوجية

          تركز هذه النظريات في أن سبب العدوان، هو بيولوجي، في تكوين الشخص أساساً. ويرى أصحابها اختلافاً في بناء المجرمين الجسماني عن غيرهم من عامة الناس. هذا الاختلاف يميل بهم ناحية البدائية، فيقترب بهم من الحيوانات، فيجعلهم يميلون إلى الشراسة والعنف. واعتمدت في ذلك على بعض دراسات المجرمين، من حيث التركيب التشريحي وعدد الكرموسومات ( الصبغيات ) و (XXY 47) و (XYY 47) . ومن هذه النظريات ما اتجه إلى دراسة الهرمونات. ولاحظت ارتباطاً بين ازدياد هرمون الذكورة (testosterone) والعدوان، خاصة في حالات الاغتصاب الجنسي. كما لوحظ أن خصاء الحيوانات، يقلل من عدوانيتها. ومنها ما اتجه إلى دراسة الناقلات العصبية (neurochemical transmitters)؛ واشتراكها مع الناقلات الكاتيكولامينية (Catecholaminergic) في إحداث العنف. بينما السيروتونين (Serotonin)، والجابا أمينوبيوتريك (A.G.E.A.) يثبطان العدوان، ولوحظ، حديثاً، أن نقص السيروتونين، يرتبط بحدوث سرعة الاستثارة (Irritability)، وازدياد العدوان لدى الحيوانات. ويرى أصحاب هذه النظرية، أن حدوث أشكال عديدة من العدوان، بصورة مباشرة، يوحي أن هناك أنظمة للناقلات العصبية، تكون هي المسؤولة عن ذلك.

          وللنظرية البيولوجية براهينجراحية، تحاول الربط بين إثارة مناطق معينة من الدماغ، وبين استجابة العدوان. إذ لوحظ أن تنبيه الجانب الخارجي للمهيد (Hypothalamus)، أطلق عديداً من أشكال العدوان، المصاحب بمختلف أنواع الانفعال؛ وأن الإثارة لمنطقة معينة، هي الحزمة الإنسية للدماغ الأمامي medial forebrain) (bundle ، أطلقت استجابة عدوانية شرسة جداً في حيوانات التجارب، على عكس إثارة المنطقة المحيطة بالبطين، في المادة الرمادية (gray) التي تحدث استجابات أقلّ عدوانية. كما لوحظ أن اللوزة (amygdala)، لها دور في كبح العدوان. ولكن، لا تزال هذه الدراسات، التي تحاول البرهنة على بيولوجية العدوان، متضاربة النتائج، وعيناتها المدروسة صغيرة جداً، ويصعب تطبيق تجاربها على الإنسان.
ثانياً: العدوان كسلوك متعلم

          إن الآلية الرئيسية، التي يتعلم الطفل، بوساطتها، السلوك المقبول، هي تشريط التجنب. إذ إن بعض المواقف والاستجابات المعينة، تؤدي إلى العقاب. وهذا، بمرور الوقت، يؤدي إلى تفاعلات تجنبية عامة، ويصبح الطفل مكيفاً (مشرطاً)، إلى درجة أنه عند موقف مشابه، أو ظهور إغواء، فإنه يشعر بعدم الراحة عند التفكير في الفعل الخطأ. وهذا يعني نمو ضبط النفس والضمير؛ وأي شيء يتداخل مع هذه العملية، يجد قبولاً لعدم التوافق أو العدوان.

          من ثَم، كانت الحاجة إلى إعطاء الفرصة الكافية لمواقف تعليمية، والحاجة إلى تطبيق موانع السلوك العدواني، والحاجة إلى تجنب العقاب المفرط القاسي، الذي قد يغرق آلية التعلم، ويحدث استجابات متناقضة. والبيئة المنزلية للشخص العدواني، تنقصها، غالباً، هذه النواحي، خاصة إذا كانت الأم مثقلة بعدد كبير من الأطفال، فإنها لا تستطيع إعطاء الوقت والانتباه اللازمين لكل واحد من أطفالها. وإذا كان الأطفال غير مرغوب فيهم، أو مهملين، فإنهم يتعرضون لمواقف تعليمية أقلّ. وإذ كان أحد الوالدَين، أو كلاهما، عدوانياً، فإن التشريط يصبح غير فعال.
ثالثاً: نظرية الإحباط ـ العدوان (Frustration-Aggression Theary)

          رأت هذه النظرية، أن الإحباط سبب للعدوان. وأن العدوان، تزداد شدته، كلما اشتد الشعور بالإحباط. وأن الظروف الخارجية، التي تحدث الإحباط، هي التي تفجر العدوان وتولده، سواء كان عدواناً مباشراً، في مواجهة مع العامل المحبط، أو غير مباشر، في صورة انتقامية أخرى. والإحباط حالة انفعالية، تظهر حينما تعوق عقبة ما سبيل إشباع رغبة أو حاجة أو توقع. والحالة الانفعالية هذه غير سارّة. ويستجيب لها الشخص، إما بأن يتجاوز إحباطه، ويعمِل عقله في تقييم الموقف، ويتخذ من الإجراءات ما يقلل من الإحباط؛ وهذا هو الموقف الناضج لمواجهة الإحباط. وإما أن تكون استجابة الشخص نكوصية، فيتصرف كأصغر من سنّه، ومرحلة نموه التي يعيشها، مثل الطفل الذي أحبط من رعاية والدته لأخيه الأصغر، المولود حديثاً، فنكص إلى مرحلة عدم التحكم في عملية التبول، أثناء النوم، وأصيب بالبوال. وإما أن يستجيب الشخص، بشكل عدواني، فيتفجر عدوانه، وقد يصبه في غير مكانه، مثل الموظف، الذي عاقبه رئيسه، فعاد محبطاً، ووجّه عدوانه إلى زوجته وأولاده، فأصبحوا كباش فداء لعدوانه. وهو في ذلك مارس حيلة دفاعية، هي النقل.
رابعاً: العدوان كغريزة أساسية

          ترى المدرسة التحليلية، أنه كما توجد غريزة حب الحياة (الليبيدو) (Libido )، توجد، كذلك، غريزة الموت (Eros). وأن جزءاً من هذه الغريزة، يحوّل تجاه العالم الخارجي، ويأتي إلى الضوء كنزعة وتدمير. وما السادية والمازوخية إلا أمثلة على تحالف نزعتَي الليبيدو والعدوان معاً.  

          وتُعَدّ نزعة التخلص من النفس، هي أعظم عائق ضد الحضارة. فالحضارة هي نظام يخدم الليبيدو، الذي يهدف إلى دمج الأفراد البشريين في واحد، وبعد ذلك، في أُسَر، ثم في جماعات وأمم، في وحدة عظيمة هي أمة الإنسانية. وأن نزعة العدوان، إذا ظلت غير مكبوحة، فإن هذا يحدث تدمير الذات، ما لم تعادل، بوساطة طاقة الليبيدو، أو توجه من خلال عمليتَي النقل والتسامي (Sublimation). إلا أن معادلتَي الليبيدية والتسامي، لا تكتملان أبداً. لذا، فإن بعض العدوان، حتماً، يوجه نحو الآخرين.

          ولكي يكون الإنسان متحضراً، فإنه يستدخل جزءاً من عدوانه، يوجهه ضد الأنا (Ego). ويسيطر عليه جزء من الأنا، يغاير بقية الأجزاء، ويكوّن الأنا الأعلى (Super Ego)، الذي يأخذ شكل الضمير. وهكذا، تتفوق الحضارة على غريزة العدوان لدينا، وتقيم داخل عقولنا جهازاً، يشرف عليها.

          وعلـى الرغـم مـن تعدد التفسيرات، إلا أنها متكاملة؛ فجانب الإنسان البيولوجي، لا يمكن فصله عن جانبه الفطري الغريزي، أو عن جانبه الاجتماعي، وتربيته، أو إحباطاته؛ فالعدوان، كسلوك، ينتج من كل ذلك .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:31 pm

الضغوط




مقدمة

      الضغوط (Stressors) جمع ضغط، ويقال ضغطه ضغطاً: أي غمزه إلى شيء كحائط أو غيره، وضغط الكلام: أي بالغ في إيجازه، وضغط عليه في عزم أو نحوه: أي تشدد وضيق عليه، وضغطه أي قهره، أو أكرهه.

      ويُقصد هنا بالضغوط: الظروف أو الأحداث القاهرة (الضاغطة)، التي تضع الإنسان في حالة من عدم الراحة، نتيجة تهديدها لسلامته، أو أمنه، أو استقراره. وتُسمى هذه الحالة "الانضغاط"(Stress) ، حيث تحدث لدى الفرد تغيرات نفسية وفسيولوجية وسلوكية، موجهة نحو إعادة تكيف الفرد واستقراره، وليست تلك التغيرات منفصلة عن بعضها، ولكنها تحدث متزامنة.

      وتعتمد هذه التغيرات على تقييم الشخص للضغط. فعندما يتعرض للضغط يُدركه، ثم يقيمه ثم تحدث الاستجابات (أو التغيرات النفسية والفسيولوجية والسلوكية). ثم يكون النتاج النهائي للتعرض للضغط، إما بالتكيف مع الضغط، أو استمرار الخلل والاضطراب.

 
       
طبيعة الضغوط

1. الضغوط الحياتية

وهي الضغوط، التي يتعرض لها الفرد في حياته، وتسبب له شعوراً بالانضغاط. وقد وضع بعض علماء النفس (توماس هولمز ورتشارد راهي) قائمة بأحداث الحياة الضاغطة، التي يمكن أن يتعرض لها الإنسان بصورة شائعة، بلغ عددها ثلاثة وأربعين حدثاً. وتلك القائمة حسب تأثيرها على الشخص المضغوط. وجاء على رأس القائمة في الترتيب موت شريك العمر، حيث رصدت له قيمة تأثيرية مائة نقطة (درجة)، يليه الطلاق حيث رصدت له قيمة تأثيرية بلغت ثلاثاً وسبعين نقطة (درجة).

وهكذا تتدرج الأحداث الحياتية الضاغطة (في قائمة توماس هولمز وريتشارد راهي) نحو الانخفاض، في التأثير على شخص المضغوط، إلى أن تصل إلى الانتهاكات (المخالفات) القانونية البسيطة، مثل سحب رخصة القيادة، إلى إحدى عشرة نقطة (درجة). وقد وضعت هذه القائمة ونشرت عام 1967، ثم أعيد ترتيب الأحداث فيها مرتين، الأولى في عام 1978، والثانية في عام 1994، وكانت الأخيرة بواسطة مارك ميلر (Mark Miller) وريتشارد راهي، وتعليل ذلك، أن أحداث الحياة تختلف من وقت لآخر، فقد يكون الطلاق ـ مثلاً ـ كارثة في وقت من الأوقات وصمة اجتماعية، فيعصف بالمرء، كما كان الحال في مصر قبل من عشرات السنين. ولكنه، الآن، أصبح ضغطاً أقل، نظراً لتغير المفاهيم الاجتماعية، وتغير وضع المرأة.

إن أحداث الحياة كما تختلف من بيئة إلى أخرى، حسب تقاليد تلك البيئة ونسق العلاقات الاجتماعية فيها، تختلف أيضاً في تأثيرها على الفرد، طبقاً لبنائه النفسي ومهنته وظروفه الاجتماعية. فعندما يتعرض ـ مثلاً ـ صاحب سيارة خاصة إلى سحب رخصة قيادته، فإن الأمر يختلف عن سحب رخصة القيادة لسائق سيارة الأجرة، الذي يعتمد في رزقه على قيادة السيارة. لذلك، فإن الأخير يكون أكثر تأثراً وانضغاطاً نفسياً من الأول.

وتختلف الضغوط الحياتية في تأثيرها على الشخص، طبقاً لتوقعها أو عدمه. فالضغط المتوقع يقل تأثيره، والتغيرات التي يحدثها، يسهل التكيف معها والتغلب على آثارها؛ بينما الضغط غير المتوقع تكون المفاجأة من سماته، فيحدث خللاً ملحوظاً في اتزان الفرد، وتغيرات حادة وغير متوقعة، يستغرق الفرد زمناً للتغلب على التأثيرات والتغيرات التي تحدثها. مثال ذلك من مرضت زوجته مرضاً عضالاً لا شفاء منه، وتدهورت صحتها بصورة متدرجة، حتى قضت نحبها في نهاية الأمر، فإنه سوف يكون متوقعاً للحدث الفاجع، ولديه استعدادات نفسية تخفف من وقعه وتأثيراته اللاحقة؛ بينما من تموت زوجته فجأة، وعلى غير توقع، يصاب بصدمة نتيجة لهذا الضغط المفاجئ، مما يفاقم من التغيرات النفسية والفسيولوجية والسلوكية، التي تحدث له، نظراً لعدم التوقع والتهيئة النفسية للحدث الحياتي.

2. الضغوط غير العادية

وهى الأحداث الضاغطة، غير مألوفة الحدوث، والغريبة على الخبرات المعتادة، مثل الكوارث الطبيعية كالزلازل والبراكين، أو حوادث غير معتادة للفرد مثل وفاة مقربين في حادث سيارة نجا منه هذا الشخص وحده، مع أنه كان معهم وقت الحادث، أو حادث اغتصاب، أو انهيار منزل يؤدي إلى وفاة أفراد الأسرة عدا شخصاً واحداً منهم، ظل على قيد الحياة. إن هذا الحدث يكون ضاغطاً على الفرد، لأنه حدث غير معتاد.

ويحدث الضغط غير العادي تأثيرات، تفوق ـ عادة ـ الأحداث الحياتية المألوف وقوعها، مثل الموت بصورة معتادة لشخص عزيز. ذلك أن المألوف من الأحداث لا يستثير فزع الإنسان ووعيه، كما تستثيره الأحداث غير المعتادة؛ فالمختزن من خبرة الانسان في رصيد الذاكرة ـ سواء مما وقع له في ماضيه، أو من خلال حدوثه للآخرين من حوله ـ يشكل تهيئة داخلية لمواجهة مثل تلك الأحداث، إذا وقعت وكيفية التكيف معها، سواء كان ذلك بقصد من الإنسان أو من دون قصد،؛ بينما الأحداث غير المعتادة، تقع كالكارثة على الإنسان فتصيبه بالارتباك، خاصة أنه غير مهيأ لمواجهتها. فيكون الفزع شديداً، كجزء من التفاعل مع الضغط (أو الحدث).

3. الضغط قصير المدى

وهو الحدث الذي يدوم فترة قصيرة، أو يستمر تأثيره الضاغط على الفرد لفترة قصيرة، مثل الفصل من العمل، الذي سرعان ما يجد الشخص عملاً بديلاً له، ومن ثم لا تستمر بطالته فترة طويلة، كضغط عليه.

4. الضغط طويل المدى

وهو الحدث يدوم ضغطه لفترة طويلة، أو يستمر تأثيره الضاغط، مثل من يعيش مشكلة مالية ممتدة، أو من فص
   




       
تقييم الضغوط

      إن تقييم الضغوط هو رؤية الفرد لها من خلال خبرته، سواء كانت خبرة خاصة عاشها بنفسه، أو خبرة عامة انتقلت إليه من البيئة، التي يعيش فيها. ذلك أن الخبرات بالضغط تُستدعى من الذاكرة، ويُبعث معها ما يرتبط بها من انفعالات، أي أن التقييم هو الحكم الداخلي للفرد على الحدث، كمهددٍ أو مؤدٍ له، وهو إما أولي أو ثانوي.

1. التقييم الأولي (المبدئي)

وهو الرؤية المباشرة للحدث كضغط، وهذا التقييم تعتمد عليه التفاعلات المباشرة للضغط، وأغلب هذا النوع من التقييم يرتبط بالجهاز الانفعالي، أو الطرفي (Limbic system) بمكوناته وما اختزن في الذاكرة من انفعالات، مرتبطة بهذا النوع من الأحداث (الضغوط)، وذلك دون إعمالٍ كافٍ لفشرة المخ (Cerebral cortex)، ولذلك يكون التفاعل المباشر للحدث بدائياً، أي دون إعمال كافٍ للعقل مع كونه مبدئيا، وإذا استمر تقييم الحدث على النسق، أي التقييم الأولي فإن الانفعالات والاستجابات الفسيولوجية والسلوكية البدائية تستمر لمدى أطول، وهذا يؤدي إلى حدوث تأثيرات سلبية على صحة الفرد الجسدية والنفسية.

2. التقييم الثانوي

وهو التقييم التالي للتقييم الأولي، وهو إعادة رؤية الضغط من جديد، ومدى المخاطر المحدقة بالشخص، ويتضمن، أيضاً، تقييم المتاح من إمكانيات الشخص وقدراته على التوافق والتعامل مع الحدث الضاغط. ويكون التقييم الثانوي، عادة، أكثر موضوعية وواقعية من التقييم الأولي، لأنه يتضمن معلومات جديدة عن الحدث الضاغط والظروف المحيطة به، كما يكون لقشرة المخ الدور الأكبر في إعادة الفهم للحدث.

 


       
التغيرات التي تحدثها الضغوط

      تحدث الضغوط لدى الفرد ـ غالباً ـ تغيرات نفسية وفسيولوجية وسلوكية. وهذه التغيرات قد تكون مؤقتة، مرتبطة بالموقف الضاغط ولا تلبث أن تزول. وقد تستمر فترة طويلة إذا كان الضغط طويل المدى، أو لأن التغيرات أصبحت مرضية.

1. التغيرات النفسية

وهى نقص الانتباه، واضطراب الذاكرة في صورة النسيان (فقد الذاكرة)، سواء كان النسيان لأحداث بعيدة أو قريبة، أو لحدث معين. فتصبح الأفكار غير واضحة، أو غير منطقية، كما تقل قدرة الشخص في الحكم على الأمور، ويقع في أخطاء منطقية. وبجانب هذه التغيرات المعرفية، تحدث تغيرات أكثر أهمية في مظاهر الضغط والشعور بالانضغاط، وهي التغيرات الانفعالية، في صورة التوتر والغضب والضيق والخوف والتشاؤم والشعور بالعجز. وهذه التغيرات الانفعالية هي تعبير عن استثارة الجهاز الانفعالي، خاصة "اللوزة " (Amygdala)، و"تحت المهاد"(Sympathetic nervous system) ، الذي يُعِد بدوره الجسم إما للقتال أو الهرب (Fight-Flight)، ويترتب على ذلك تغيرات فسيولوجية، كما يُعطي "تحت المهاد" عوامل منشّطة ومفرزة لهرمونات الغدة النخامية (Pituitary gland)، التي تحدث أيضاً التغيرات الفسيولوجية المناسبة لحالة الاستثارة الانفعالية.

2. التغيرات الفسيولوجية

تحدث التغيرات الفسيولوجية استجابة للتغيرات الانفعالية، ذلك أن استثارة تحت المهاد تنشط الآتي:

أ. المراكز العليا للجهاز العصبي المتقل في شقه السمبتاوي، الذي يعد للقتال أو الهرب من طريق:

(1) زيادة عمليات التمثيل الغذائى: من طريق تنشيط نــخاع ( Medulla) الغدة الكظرية (Adrenal gland) (Suprarenal gland)، فيزداد هرمون الأدرينالين وينشط الكبد لتكسير الجليكوجين إلى سكر جلوكوز، فيرتفع معدل السُّكر في الدم، ويرتفع معدل التمثيل الغذائي، لزيادة إنتاج الطاقة اللازمة للقتال أو الهرب.

(2) تنشيط عضلة القلب، وزيادة طاقتها في دفع الدم إلى المخ والعضلات، فتتسع الشرايين الموصلة الدم إلى كل منهما، كما يرتفع ضغط الدم (Blood pressure)، وأحيانا مع التعرض لضغط شديد، واستثارة السمبتاوي تضيق الشرايين التاجية  (Coronary arteries)، التي توصل الدم إلى عضلة القلب لتغذيتها؛ ما يؤدي إلى حدوث جلطة الشرايين التاجية، وعدم وصول الدم إلى عضلة القلب، محدثة ما يسمى "الذبحة الصدرية"(Angina pecteries)..

(3) زيادة نشاط الجهاز التنفسي: بسبب زيادة الأوكسجين إلى الأنسجة المختلفة، لزيادة احتراق الطاقة.

(4) تقليل نشاط الجهاز الهضمي مع صعوبة البلع (dysphagia)، مع غلق فتحات المعدة، واستبقاء الطعام، ونقص الإفرازات الهاضمة. ويترتب على ذلك عسر الهضم، وتراكم الغازات، والإمساك.

(5) زيادة النشاط العضلي: بسبب زيادة الدم الواصل للعضلات، وزيادة استهلاك الطاقة بواسطة العضلات؛ ما يحدث توتراً بالعضلات  (Muscle tension)، وينتج عنه رعشة في الأطراف (Tremors)، أو اختلاجات في بعض عضلات الجسم (Fasciculations).

(6) نقص إثارة الجهاز التناسلي: وذلك لانقباض الأوعية الدموية في الأنسجة الإسفنجية في القضيب (Penis)، والبظر (clitoris)، فلا يحدث انتصاب، أي تقل الإثارة الجنسية، ولكن انقباض جدران الحويصلة المنوية  (Seminal vesicle)، يؤدي إلى حدوث القذف (ejaculation).

(7) اختزان البول: بسبب إثارة العضلات العاصرة، تغلق فتحة مجرى البول، وينتج عن استرخاء جدران المثانة اختزان البول.

(ب) الغدة النخامية: تنشط هذه الغدة استجابة للتنشيط بواسطة "تحت المهاد"، فتنشط إفراز قشرة الكظرية (adrenal cortex)، الأمر الذي يزيد من معدل إفراز هرمونات يُطلق عليها "القشرانيات الاستيرويدية " (Cortical steroids)،  وأهمها هرمون الكورتزون  (Cortisol)، الذي يقلل من نشاط جهاز المناعة، فيصبح الشخص عرضm للأمراض. كما أن استمرار زيادته لفترة طويلة، يحدث الاكتئاب، كما يحدث تلفاً في الحصــين  (Hippocampus)، وهو أحد أجزاء المخ المرتبطه بالذاكرة والتعلم. ما يعوق عملية التعلم، أي أن استمرار الضغط لفترة طويلة يحدث الاكتئاب، وخلل التعلم، إضافة إلى الإصابة بالأمراض الميكروبية والفيروسية والسرطان والإيدز (AIDS)، لضعف جهاز المناعة.

3. التغيرات السلوكية

وهي تُعد نتاج للتغيرات النفسية والفسيولوجية، التي سبق ذكرها، حيث تقل قدرة الفرد على إنجاز المهام، وأداء المهارات التي يجيدها. فعندما يتعرض لاعب كرة ماهر ـ مثلاًـ إلى ضغط نفسي، فإنه لا شك سوف يؤثر على مهارته في الملعب. وهذا يختلف عن الضغط الذي يتولد من التحدي في الأداء المهاري، الذي يحفز الشخص ويعده نفسياً وفسيولوجياً لتحقيق أعلى مستويات الأداء المهاري. ومثال ذلك ما يحدث في الدورات الأولمبية، حيث يكون الضاغط هو التحدي للحصول على أعلى النتائج، عن طريق الأداء المهاري المرتفع، من خلال المنافسة.

وكذلك يتغير النوم والأكل كسلوكيات، نتيجة للضغط الذي يتعرض له الفرد، كما يتغير نمط التدخين، وقد تضطرب وظيفة الكلام أو الكتابة، ويصبح الفرد أكثر اعتماداً على الآخرين. وقد يأتي بسلوكيات شاذة لا تتناسب وشخصيته، وقد يحاول الانتحار.

 يتبع ....

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:32 pm

تابع .....

الضغوط
        
التكيف مع الضغوط

      يختلف الأشخاص في قدرتهم على الكيف مع الضغط، طبقاً لسماتهم الشخصية ولموقف الضغط، والظروف المرتبطة به.

أولاً: سمات الشخصية والتكيف

1. السن: يكون الأطفال وكبار السن ـ عادة ـ أقل قدرة في التكيف مع الضغوط. ويُعزى ذلك لدى الأطفال، إلى نقص الخبرة، وضعف التّحمل وعدم النضج الانفعالي؛ أما كبار السن، فلأن الأمل في البدء من جديد أمر صعب عليهم، فهم دائماً ينشدون الاستقرار ويتجنبون المغامرة، التي قد تلقي عليهم بضغوط يصعب التكيف معها.

2. النوع: لا يُعد النوع عاملاً مهماً في مواجهة الضغوط والتكيف معها، فهناك ضغوط تحتملها المرأة أكثر من الرجل، مثل قدرتها على العيش منفردة بعد فقد شريك العمر؛ بينما يصعب ذلك للرجال، وإن كان هناك بعض البيئات الاجتماعية، التي تركز على تنمية "الاعتمادية" لدى المرأة، بما يجعلها أضعف في مواجهة الضغوط والتكيف معها.

3. النضج: وهو قدرة الشّخص على إعمال عقله بدرجة فعالة، والسيطرة على انفعاله، مع تحمله المسؤولية، والتصرف بواقعية تجاهها بما يجعله إيجابياً في موقعه. ولا شك أن الشخص الناضج بهذا المعنى، أقدر على التكيف مع الضغوط من غيره.

4. الثقة بالنفس: ينجح الشخص الواثق من نفسه بدرجة مناسبة، في تكيفه مع الضغوط، بينما الذي تزيد ثقته بنفسه بصورة مرضية، كمريض الهوس (Mania)، أو جنون العظمة، وهو ما يُطلق عليه علمياً "الاضطراب الضلالي "(Delusional Disoredr)، فلا يستطيع التكيف، ويسيء التصرف في مواجهة الضغوط. وتُبنى الثقة بالنفس لدى الأسوياء ـ عادة ـ على رصيد الخبرة لديهم، وقوة الإرادة، وغياب الصّراعات الداخلية، خاصة العدوان الداخلي ضد النفس، الذي يضعف ثقة الشخص بنفسه، ويجعله ينهزم في مواجهة الأحداث.

5. الاتجاهات والمعتقدات الدّاخلية: يكون لها دور ـ غالباً ـ في توجيه موقف الشخص من الضغط، وتحفيز قدراته على المواجهة، وما ينتج عنها من الإيحاء الذاتي، الذي يسهم بقدر كبير في تكيف الشخص مع الضغط، أو عدم تكيفه. فإذا كانت إيماءات الشخص متفائلة، فإنه يشعر بالسيطرة على الأحداث، خلافاً للإيماءات السلبية المتشائمة، التي تُضعف من قدرة الشخص على مواجهة الضغوط، والتكيف معها. كما أن الشخص الذي لديه توجه إيجابي تجاه الضغوط، تكون لديه القدرة على الإدراك المتفتح لظروف الضغط، الأمر الذي قد يجعله خلاقاً ومبدعاً، في مواجهة الضغط، حيث يبتكر حلولاً ليست تقليدية للمشكلة الضاغطة. كما يترتب على اتجاهات الشخص قدرته على تقييمه للضغوط.

ثانيا: العوامل المرتبطة بالضغط، وتأثيرها في التكيف:

       وتشمل هذه العوامل طبيعة الضغط وحدّته، وهل سبق للشخص أن تكيف مع مثل هذا الضغط أم لا؟ لأن الضغط، الذي سبق التكيف معه، يسهل إعادة التكيف معه في وقت قصير، كما أن توقع الضغط يخفف من وطأته، مما يسهّل التكيف معه، وكذلك المدة التي يستغرقها الضغط، وهل هو ضغط قصير المدى أم طويلة؟ وكل هذه العوامل تؤثر في التكيف مع الضغط.

ثالثاً: العوامل المرتبطة بالبيئة

      مثل المساندة الاجتماعية، التي يلقاها الشخص المعرض للضغط، وما يقدمه المحيطون به لتخفيف أثار الضغط عليه.

 



        
طرق التكيف مع الضغوط

          هناك طريقان للتكيف مع الضغوط، أحدهما: التركيز على المشكلة، والثاني: التركيز على الحالة الانفعالية للشخص.

1.  التركيز على المشكلة: يطلق عليه "التوافق الفعال"، لأنه يتوجه نحو تغيير الموقف الضاغط، لتقليل، أو إزالة، الخطر المهدد للشخص. وهذا الموقف الإيجابي يُحَسِّن من تفاعل الفرد مع بيئته، كما له تأثير إيجابي أيضاً على صحة الشخص النفسية والجسمانية. ولكن هناك ضغوط لا يمكن تغييرها، أو التصرف إزاءها؛ ما يسبب سوء الحالة النفسية. لذا، يكون التكيف معها إما بالتجنب أو الإنكار؛ مثال ذلك مريض السرطان (Cancer) في المرحلة النهائية، حيث لا أمل من شفائه، فإن الحل الذي يستطيعه للتكيف مع هذا الضغط الصحي هو إنكاره، وأحياناً يلجأ المريض إلى إعادة تقييم الموقف الضاغط، من طريق التفسيرات الموجبة، التي تغير إدراك الفرد للضغط، فتقلل من وطأته.

2.  التركيز على حالة الشخص الانفعالية: أي التعامل مع حالة الشخص الانفعالية، خلال فترة الانضغاط، دون مواجهة الضغط، وذلك من طريق التّعبير الانفعالي للشخص عن مشاعره وأفكاره، حول خبرة الضغط، بهدف إعادة فهم واستيعاب واستبصار ما حدث. ويكون النساء ـ عادة ـ أكثر تعبيراً انفعالياً، كما أن التعبير الانفعالي يعطي فرصة للمساندة الاجتماعية أن تقدم دعمها للفرد، فتخفف من وطأة الضغط وتساعده على التكيف. وهناك أشخاص يلجأون إلى الصلاة وقراءة القرآن، أو التأمل، أو ممارسة اليوجا، أو الرياضة البدنية، للتغلب على الشعور بالانضغاط، والوصول إلى حالة من الاسترخاء.

 


        
النتائج المَرَضِيّة للضغوط

      قد يكون للضغوط نتائج إيجابية، حين يستطيع الشخص مواجهة الضغط والتكيف معه. ويترتب على ذلك زيادة ثقة الشخص بنفسه، وإضافة خبرة جديدة إلى رصيد خبراته، الأمر الذي يسهم إيجابياً في صحة الشخص نفسياً وجسمانياً. ولكن حين يفشل الشخص في مواجهة الضغط، فإن ذلك إما أن يفاقم حالة المرض التي يعاني منها، أو أن يصيبه بأمراض جسمانية أو نفسية.

1. تفاقم المرض: يؤدي الانضغاط، من خلال آلياته المختلفة، ضمن التغيرات النفسية والفسيولوجية والسلوكية، على تفاقم المرض. فالأشخاص الذين استقر مرض السرطان لديهم، مثلاً، يتعرضون لضغط قد يفاقم المرض، ويعانون من انتكاسة للسرطان النشط مرة أخرى. كما أن الشخص المصاب بفيروسات كامنة قد ينشّطها الضغط، وتظهر الأعراض المرضية، مثل مرض الإيدز الكامن، الذي ينشّطه الانضغاط، بسبب ضعف جهاز المناعة المرتبط بالضغط. كما أن المريض، الذي تحسنت حالة اكتئابه، قد ينتكس عند تعرضه للضغط. والقول نفسه يصدق على جميع الأمراض النفسية. وقد يؤثر الانضغاط على سير العلاج لمرض ما، وذلك من طريق عدم تمسك المريض بنظام العلاج، والنصائح الطبية المعطاة له، بواسطة الطبيب المعالج، سواء فيما يتعلق بمواعيد أخذا لعلاج، أو النظام الغذائي المتبع في مثل حالته المرضية.

2. حدوث مرض: تؤدي التغيرات النفسية والفسيولوجية والسلوكية للضغط، إلى حدوث أمراض جسمية ونفسية.

أولاً: الأمراض الجسمانية

تؤدي الإثارة الفسيولوجية لمدة طويلة، إلى حدوث مرض ضغط الدم المرتفع، نتيجة للزيادة المستمرة في هرموني الأدرينالين والنورادرينالين (Adrenaline, Nor-adrenaline)، مع التغيرات التي تحدث في جدران الشرايين، نتيجة للانضغاط لفترة طويلة. كما أن زيادة هرمون الكورتيزون المستمرة، التي تقلل من نشاط جهاز المناعة، تؤدي إلى حدوث الأمراض الميكروبية والفيروسية.

ثانيا: الأمراض النفسية:

يمكن أن تؤدي الضغوط إلى كثير من الأمراض النفسية، التي منها ما يلي:

1. اضطراب الانضغاط التابع لحادث Post Traumatic Stress Disorder

      ويتميز بأعراض خاصة بعد صدمة بعينها، تكون أشد من أن تستوعبها خبرة الانسان المعتادة. وتشمل هذه الأعراض إعادة المعايشة للحدث الصّادم، والاستغراق في ذلك إلى درجة تجعل الشخص منعزلاً عن العالم من حوله، وغير مستجيب له، وهذا ما يسمى بالخدر النفسي (Psychic numbing)، أو الخدر الانفعالي (Emotional anesthesia) ، مع فقدان الشعور بالألفة، وزيادة اليقظة والحذر؛ ما يجعله يجفل لأتفه الأسباب. ويتبع ذلك ضعف النّاحية الجنسية، واضطراب النوم، والشعور بالذنب تجاه نجاته من الحادث (إذا هلاك من كان معه)، وخلل بالذاكرة ناتج عن نقص الانتباه (القدرة على التركيز)، مع تجنب للنشاطات، التي تذكره بالحادث.  

      وأكثر الحوادث شيوعاً، هي التهديد الخطير على حياة الفرد أو سلامته الجسمانية، أو تهديداً خطيراً لزوجته، أو أطفاله، أو شخص مقرب إليه جداً، أو تدمير مفاجئ لبيته أو مشاهدة شخص آخر أصيب، أو قتل، نتيجة لحادث، أو عدوان عليه.

      والشخص قد يمر بخبرة الحادث بمفرده (مثل الاغتصاب)، أو في صحبة غيره، مثل الكوارث الطبيعية (كالفيضانات والزلازل)، أو حوادث السيارات والطائرات والحرائق.

      وإضافة إلى إعادة معايشة الحادث، يحدث تجنب ثابت للمثيرات المرتبطة به، أو خدر في الاستجابة العامة، لم يكن موجوداً قبل الحادث. ويبذل الشخص ـ عادة ـ مجهودات متقنة لتجنب الأفكار، أو المشاعر، عن الحادث الأليم الصادم، والأنشطة أو المواقف، التي توقظ تذكر الحادث. وهذا التّجنب لبقايا الحادث قد يشمل النساوة النفسية لجانب مهم من الحادث.

      إن نقص الاستجابة للعالم الخارجي، كخدر نفسي أو خدر انفعالي، يبدأ ـ عادة ـ بعد الحادث الصادم. وقد يشكو الشّخص من مشاعر الانسلاخ عن الناس، أو أنه فقد القدرة على أن يصبح مهتماً بأنشطته السابقة، أو فقد قدرته على الشعور بانفعالات من أي نوع، خاصة المرتبطة بالتعاطف والرفق. كما أن القدرة الجنسية تتناقص، إلى حد كبير.

      وهناك أعراض زيادة اليقظة والحذر، التي لم تكن موجودة قبل الحادث. وتشمل صعوبة النوم، أو صعوبة مواصلة النوم (بسبب كوابيس يعاد خلالها معايشة الحادث)، مع الخضة. وقد يشكون بعض الناس من صعوبة التركيز، وإنهاء المهام. وفي الحالات الخفيفة قد يصبح التغير في التعبير عن العدوان، في صورة سرعة استثارة، أو خوف من فقدان السيطرة على النفس. وفى الحالات الشديدة، قد يصبح في صورة انفجارات غير متوقعة من العدوان، أو تنعدم قدرة التعبير عن مشاعر الغضب.

      وتكون الأعراض المميزة لانعصاب ما بعد حادثة، أو التفاعلات الفسيولوجية، غالباً، حادة، أو تترسب عندما يتعرض الشخص لمواقف، أو أنشطة، تشبه، أو ترمز، للحادث الأصلي.

      وهناك أعراض خاصة بمراحل العُمر؛ فالطفل الذي يتعرض لحادث، قد يصبح أبكماً، أو يرفض الحديث عن الحادث. ويحلم الأطفال صغار السّن أحلاماً مفزعة عن الحادث، تظل عدة أسابيع بعده، أو يعانون من الكوابيس عامة، غير المرتبطة بالحادث. ولكن نقص الاهتمام بالأنشطة، وتضيق الوجدان، قد يصعب على الأطفال التعبير عنه، فينبغي أن يُستفسر عنه بعناية، من الوالدين والمدرسين والملاحظين الآخرين. وقد تلاحظ تغير الاهتداء والنظرة المستقبلية، حيث يفقد الطفل الأمل في المستقبل، ويصبح متشائماً فلا يتوقع أن يحصل على عمل أو يتزوج. وقد يظهر على الأطفال علامات جسمانية مختلفة، مثل آلام المعدة والصداع وزيادة القلق).

      وتُصاحب الصورة الإكلينيكية لاضطراب الانعصاب، بعد حادثة، بأعراض الاكتئاب والقلق. كما قد يوجد سلوك اندفاعي، مثل تغيير فجائي في مكان العمل، أو الانقطاع عن العمل دون سبب واضح، أو تغيير أسلوب الحياة. وقد توجد أعراض تشير إلى اضطراب عقلي عضوي مثل النسيان وصعوبة التركيز، والتقلب الانفعالي، والصداع، والدوار(vertigo).

      ولقد لُوحظ هذا الاضطراب أول مرة خلال الحرب الأهلية الأمريكية (1871)، وسمي (لزمة قلب الجندي) (Solder s Heart Syndrome) بسبب أعراض اضطراب القلب. وفى الحرب العالمية الأولى، وصفت هذه اللزمة كصدمة ارتجاف  (Shell Shock)، وافترض أنها تنشأ من إصابة للدماغ. كما لوحظ أعراض لزمة الانعصاب، بعد حادثة أثناء الحرب العالمية الثانية لدى الناجين من معسكرات التعذيب النازية، ولدى الناجين من القنابل الذرية في اليابان. فوَرَدَ الاضطراب في دليل التشخيص الإحصائي الأمريكي الأول 1952 (DSM-I) ، تحت اسم (تفاعل الانضغاط البارز) (Gross Stress Reaction)، ثم أغفله الـدليل التشخيصي الإحصائي الثاني 1986 (DSM-II). إلا أن تكرار ظهور الاضطراب في أعـقاب الحرب الفيتنامية الأمـريكية، أفسح له مكاناً جديـداً في الدليل التشخيصي الإحصائي الثالث 1980 (DSM-III) ، تحت اسم: (اضطراب الانضغاط التابع لحادث).

 


        
البداية والمسار، والتنبؤ بالمآل

      قد يحدث الاضطراب عند أي من مراحل العُمر، بما في ذلك الطفولة، بعد ضغط صدمي (الحادث) مباشرة. وقد يتأخر لما بعد الحادث بأسبوع، أو يمتد التأخير إلى ثلاثين عاماً. ولكن تبقى الأعراض متماوجة (فترات من الاشتداد وأخرى من الهوادة) بمرور الوقت، وقد تزداد خلال فترات التعرض لضغوط. ولوحظ أن حوالي (30%) من المرضى يتم شفاؤهم، بينما (40%) تظل لديهم أعراض خفيفة، و(20%) تظل لديهم أعراض متوسطة الشدة، و(10%) من المرضى تسوء حالتهم، أو تظل كما هي دون تغير. ويرتبط التنبؤ بمآل حسن، لاضطراب الانضغاط التابع لحادث، في الحالات ذات البداية السريعة، التي تقل مدة الأعراض فيها عن ستة شهور، والأداء الوظيفي الجيد قبل المرض، والمساندة الاجتماعية القوية، وغياب الأمراض العضوية والنفسية الأخرى. ومن مضاعفات هذا الاضطراب، التجنب الرّهابي للأنشطة، التي تشبه، أو تشير، إلى الحادث الأصلي. وقد يتداخل في العلاقات مع الآخرين، إضافة إلى التقلب الانفعالي والشعور بالذنب، الذي قد يؤدي إلى الانتحار.

 



        
انتشار اضطراب الانضغاط التابع لحادث

      يتفاوت الانتشار حسب حدوث الكوارث الطبيعية، والحوادث الصّادمة (الضغوط). فقد لوحظ أن حوالي (50ـ80%) ممن ينجون من كارثة طبيعية قد يحدث لهم الاضطراب، أما انتشاره بين عامة الناس فهو (0.5%) لدى الذكور، و(1.2%) لدى الإناث، ويكثر انتشاره بين الشباب.

أسباب اضطراب الانضغاط التابع لحادث

      أهم أسباب هذا الاضطراب، هو الحادث المسبب للانضغاط مع الظروف الاجتماعية، والسمات الشخصية للمريض، وقابليته البيولوجية. وبصفة عامة، فإن صغار السن من الأطفال، وكبار السن، من الشيوخ، يجدون صعوبة في تحمل الظروف الضاغطة، والأحداث الصادمة. كما يكون الأشخاص المرتبطون بعلاقات اجتماعية طيبة، أقل عرضه لحدوث الاضطراب.

      ويعتقد البيولوجيون أن المرضى، الذين يحدث لهم اضطراب الانعصاب (الانضغاط)، التابع لحادث، لديهم قابلية لزيادة نشاط الجهاز العصبي المستقل، ولوحظ أن إعادة معايشة الحادث لهؤلاء المرضى، يصاحبها زيادة إفراز أمينات الكاتيكول. كما أن تخطيط الدماغ الكهربائي خلال نومهم، كشف أن نومهم يشبه النوم في حالات الاكتئاب الجسيم، في نقص النّوم المصحوب بحركة العين السريعة، والمرحلة الرابعة من النوم بطيء الموجه. وهناك دراسات حديثة تشير، إلى أن شبه الأفيونات الداخلية تفرز من خلال إعادة معايشة الحادث، وأن الأعراض قد تكون نتيجة انسحاب شبه الأفيونات الداخلية.

      أما النظرية التحليلية، فترى أن الحادث ينشّط صراعات داخلية من الطفولة المبكرة، لم تحل. ويشمل ذلك الصدمات العاطفية في الطفولة، والتي أصبحت لا شعورية. وإعادة هذه الصدمات يسبب نكوصاً، مع ظهور الكبت والانكار والإبطال، كحيل دفاعية مصاحبة. وازدياد إعادة المعايشة بواسطة "الأنا"، هو طريقة لتخفيف القلق والسيطرة عليه. إضافة إلى ما يحصل عليه المريض كمكسب ثانوي من المحيطين به، من تعاطف واهتمام وشفقة واشباع لحاجاته الاعتمادية. وهذا يدعم الاضطراب ويجعله يستمر.

علاج اضطراب الانضغاط بعد حادث

      تُستخدم العقاقير المضادة للاكتئاب (Anti-depressants)، في علاج الانضغاط بعد حادثة، خاصة عند حدوث أعراض اكتئابية. وقد يلزم ـ أحياناً ـ إعطاء مضادات الذهان (Antipsychotics)، إذا لوحظ الغليان في سلوك المريض (الفوران الداخلي). كما أن العلاج النفسي ضروري، لإعطاء الفهم للأعراض والمساندة والطمأنة، كما يقلل من خطورة أن يصبح الاضطراب مزمناً. وقد يلزم إدخال المريض المستشفى، إذا كانت الأعراض شديدة، أو لوحظ احتمال الانتحار.

2. اضطراب الانضغاط الحاد Acute Stress Disorder

      يتميز، أساساً، بحدوث قلق مميز، وانشقاق، وأعراض أخرى، خلال شهر من:

أ. التعرض لحادث شديد، خَبِرَه الشخص أو شاهده، أو واجه حدثاً ( أو أحداثاً) تتضمن تهديداً حقيقياً بالموت، أو الإصابة الخطيرة، أو التهديد لسلامته البدنية، أو النفسية، أو الآخرين، وقد تضمنت استجابة الشخص خوفاً مهولاً، وشعوراً بالعجز والفزع.

ب. عندما تحدث خبرة التعرض للحادث، أو بعدها، يُعاني الشخص من ثلاثة، أو أكثر، من الأعراض الانشقاقية الآتية:

(1) الشعور بالحذر أو الانفصال، أو غياب الاستجابة الانفعالية.

(2) نقص الوعي، بما يحيط به.

(3) إدراك تغير يعتري الشخص.

(4) إدراك تغير يعتري البيئة المحيطة.

(5) النساوة الانشقاقية (حيث لا يستطيع تذكر تفاصيل مهمة في الحادث).

ج. يظل الحدث الصادم حياً بواسطة الشخص على الأقل في: خيالات متكررة، أو أفكار، أو أحلام، أو خطأ تأويل  (Illusions)، أو نوبات من إعادة المعايشة، أو المعاناة من التعرض لبقايا الحادث.

د. التجنب الملحوظ للمثيرات، التي توقظ ما يرتبط بالحادث (مثل الأفكار، أو المشاعر، أو التحدث، أو الأنشطة، أو الأماكن، أو الناس).

هـ. يسبب الاضطراب انزعاجاً ملحوظاً، أو إعاقة اجتماعية أو وظيفية، أو يعيق الشخص في أداء بعض المهام الضرورية.

و. يبقى الاضطراب على الأقل مدة يومين، وعلى الأكثر مدة شهر، ويحدث خلال شهر من الحادث.

ل. الاضطراب ليس بسبب تأثيرات فسيولوجية لحالة مرضية جسمانية، أو بتأثير مادة.

      وهو قلق مميز وانشقاق، ويُحْدِث تجنباً يسبب إعاقة وظيفية واجتماعية. ويصاحبه مشاعر من اليأس والعجز، لا تكفي لتشخيص اكتئاب جسيم (Major Depression). ويزداد احتمال تحول هذا الاضطراب إلى انضغاط بعد حادث، وقد تحدث سلوكيات اندفاعية خطرة بعد الحادث.

      المسار: تكون مدته عادة يومين إلى أقل من شهر، وعندما تستمر الأعراض لأكثر من شهر تُشَخّص انعصاب (انضغاط) تابع لحادث، وتؤثر خبرات الطفولة والتاريخ الأسري ونوع الشخصية والاضطرابات النفسية الموجودة مسبقاً في حدوث الاضطراب.

      علاجه: نفس علاج اضطراب الانضغاط التابع لحادث

3. اضطراب التأقلم: Adjustment Disorder

      وهو تفاعل تكيفي لضاغط نفسي اجتماعي معروف (أو لمجموعة ضغوط)، يحدث خلال ثلاثة شهور من بدء العامل الضاغط، ويظل لمدة لا تزيد عن ستة أشهر. وتتحدد الطبيعة التكيفية للتفاعل إما بخلل وظيفي، أو اجتماعي، أو ظهور أعراض، تزيد عن التفاعل العادي المتوقع للعامل الضاغط، أو يُكتسب مستوى جديد من التكيف، في حالة استمرار العامل الضاغط. وينبغي الإشارة في التشخيص إلى شدة الضاغط، على المحور الرابع.

      وقد يكون العامل الضاغط واحداً (مثل الطلاق)، أو متعدداً (مثل مصاعب العمل والزواج). وقد يكون متردداً (مثل الضاغط المرتبط بتغيرات فصلية)، وقد يكون متصلاً (مثل ضاغط نفسي اجتماعي مصاحب لمرض مزمن). وبعض الضغوط تصاحب أحداث نمو محددة، مثل الذّهاب إلى المدرسة، أو ترك منزل الوالدين بسبب الزواج أو ولادة الأطفال، أو الفشل في تحقيق الأهداف الوظيفية، أو بلوغ سن التقاعد.

      ولا تتحدد شدة التفاعل بشدة العامل الضاغط، لأن الأمر يختلف حسب قابلية الناس. فبعضهم قد يصاب باضطراب شديد، بعد عامل ضاغط هين، بينما آخرون يصابون باضطراب خفيف، بعد تعرض لضاغط شديد جداً ومستمر.

بدء اضطراب التأقلم ومساره

      يبدأ الاضطراب في ـ أي مرحلة عمرية ـ خلال ثلاثة أشهر من بدء حدوث العامل الضاغط، ولا يستمر لأكثر من ستة أشهر. ولكن إذا كان الضغط حاداً، مثل الفصل من العمل، فإن بدء الاضطراب يحدث ـ عادة ـ خلال أيام قليلة، وتكون مدته قصيرة نسبياً. وفى بعض الحالات يستمر العامل الضاغط (كما في حالة المرض المزمن) لفترة طويلة، ويحتاج المريض وقتاً أطول ليصل إلى مستوى جديد من التكيف. ومريض هذا الاضطراب يتحسن مع العلاج المناسب، حيث يعود إلى سابق عهده وظيفياً واجتماعياً، خلال ثلاثة أشهر. وقد يحتاج المراهقون وقتاً أطول لاستعادة تكيفهم.

      وينتشر هذا الاضطراب بصورة شائعة، خاصة لدى المراهقين، ولكنه يحدث في كل مراحل الأعمار ويستوي فيه الذكور والإناث.

تشخيص اضطراب التأقلم

      ينبغي أن تتوفر الدلالات الآتية لتشخيصه:

1. يحدث الاضطراب كتفاعل لضاغط نفسي اجتماعي (أو لضغوط متعددة)، خلال ثلاثة أشهر من بدء هذا الضاغط.

2. تتحدد طبيعة اضطراب التكيف كتفاعلٍ، يسبب أحد العاملين أدناه، أو بهما معاً:

أ. الخلل الوظيفي، أو الاجتماعي.

ب. حدوث أعراض أكثر من التفاعل المعتاد والمتوقع، لمثل هذا الضغط.

3. الاضطراب ليس فقط نوعاً من التفاعل المبالغ فيه للعامل الضاغط، أو تفاقم أحد الاضطرابات النفسية المفصلة مسبقاً.

4. اضطراب التكيف كتفاعل يستمر لمدة لا تزيد عن ستة شهور، بعد زوال الضغط وآثاره.

5. لا يتفق الاضطراب مع مواصفات أي من الاضطرابات النفسية النوعية، أو الفقد غير المصحوب بمضاعفات.

أنواع اضطراب التأقلم

      يُحدد نوعه طبقاً للأعراض السائدة:

1. اضطراب التأقلم المصاحب بقلق وجداني: عندما تسود الصورة الإكلينيكية أعراض الخوف والقلق والترقب.

2. اضطراب التأقلم المصاحب باكتئاب وجداني: عندما تسود الصورة الإكلينيكية، أعراض الاكتئاب ومشاعر اليأس والعجز.

3. اضطراب التأقلم المصاحب باضطراب السلوك: حيث يصاحب اضطراب التأقلم بانتهاك حقوق الآخرين، أو قوانين المجتمع المناسبة لعمر الشخص، مثل: الهروب من المدرسة، وتدمير الممتلكات العامة، وقيادة السيارات بخطورة.

4. اضطراب التأقلم المصاحب باضطراب وجداني مختلط، واضطراب سلوك، أي المصاحب بأعراض قلق واكتئاب واضطراب السلوك.

5. اضطراب التأقلم المصاحب بملامح انفعالية مختلطة، مثل: ثنائية الوجدان والغضب والاكتئاب والاعتمادية والقلق.

6. اضطراب التأقلم المصاحب بشكاوى من أمراض جسمانية، مثل: الصداع والإجهاد وألم الظهر.

7. اضطراب التأقلم المصاحب بالعزلة الاجتماعية: حيث تكون العزلة دون أعراض قلق، أو اكتئاب ظاهرة.

8. اضطراب التأقلم المصاحب بتدهور في مستوى العمل أو الدراسة: حيث يسود الصورة الإكلينيكية نقص الإنجاز في العمل أو الدراسة، لشخص كان إنجازه مناسباً قبل ذلك، وكثيراً ما يُصاحب بقلق واكتئاب.

9. اضطراب التأقلم غير النوعي: وهو ما يمكن تصنيفه ضمن الأنواع السابقة لاضطراب التأقلم.

أسباب اضطراب التأقلم

      يترسب الاضطراب بعامل ضغط، ولكن شدته لا تحدد شدة الاضطراب، حيث تشترك عوامل كثيرة، مثل الشخصية وقيم المجتمع وتوقعاته للأسوياء من أفراده. ويتفاوت العامل الضاغط من حيث تعدده وتكراره واستمراريته. وقد يصيب الضغط فرداً واحداً، أو أسرة بأكملها، أو مجتمعا بأكمله. وقد فسر بعض علماء النفس حدوث الاضطراب لفرد دون آخر، باختلاف البناء النفسي الذي يتفاعل مع الضغوط محدثاً التثبيت. وأكدت النظرية التحليلية على دور الأم والتربية في طاقة الشخص، على احتمال الضغوط اللاحقة في حياته، خاصة مفهوم (وينكوت) (Winnicot) عن الأم الطيبة، التي تستجيب لاحتياجات الرضيع، وتعطيه المساندة اللازمة للنمو، وتحمّل الإحباطات في حياته.

العلاج

      يُفضل العلاج النفسي في حالات اضطراب التأقلم، خاصة العلاج الفردي الذي يُعطي فرصة لاكتشاف الضغط ومعناه لدى للمريض. وعلى المعالج أن يعي مشاكل المكسب الثانوي للمرض، وما يقدمه الدور المرضي من مكافآت للشخص. ولذا، فقد يكون تعاطف المعالج واهتمامه وتفهمه للمريض هو نفسه مكافأة على المرض، تدعم الأعراض بدلاً من إزالتها. وقد يفيد المريض أحياناً من مضادات القلق، أو مضادات الاكتئاب، في حالة اشتداد أعراض القلق أو الاكتئاب.
4. اضطراب الاكتئاب الجسيم (Major Depressive Disorder)

وأهم ملامحه، هو الاكتئاب الوجداني، أو سرعة الاستثارة، في حالة الأطفال والمراهقين، أو فقْد الاهتمام، أو فقْد الاستمتاع في كل الأنشطة، أو أغلبها، إضافة إلى أعراض مصاحبة لمدة أسبوعَين على الأقل. تمثل تغير الأداء الوظيفي السابق. وهي ثابتة أغلب ساعات اليوم، طوال الأسبوعَين.

وهناك أعراض تكمل صورة الاضطراب، وهي اضطراب الشهية، وتغيّر الوزن، واضطراب النوم، وزيادة النشاط الحركي أو نقصه، ونقص الطاقة، والشعور بفقد القيمة، أو الإحساس بالذنب الشديد غير المناسب، وصعوبة التفكير، أو صعوبة التركيز، وتكرار فكرة الموت، أو أفكار أو محاولات انتحارية. والاضطراب ليس تفاعلاً طبيعياً لفقد شخص عزيز، كما أنه ليس طارئاً على اضطراب ذهاني (مثل الفصام والاضطراب فصامي الشكل، والاضطراب الضلالي).

ويصف الشخص شعوره بالاكتئاب أو الحزن أو اليأس وفقْد الحماسة. وفي بعض الحالات، قد ينكر الشخص شعوره بالاكتئاب. ولكن المحيطين به، يلاحظون حزنه واكتئابه. كما يصف فقْد الاهتمام، بأن أنشطته السارة، فقدت مسرتها، وأنه فقد الاستمتاع بالأشياء. ويلاحظ انسحابه من أصدقائه، وإهمال أنشطته الترفيهية المعتادة، التي كانت مصدر سروره قبل ذلك.

ويكون اضطراب الشهية، غالباً، بفقْدها. ولكنه يكون، أحياناً، بازديادها إلى درجة واضحة. ويصاحب فقْدها الشديد نقص الوزن. وفي حالة الأطفال، يفشل في الوصول إلى الوزن المتوقع له. وعادة، يصاحب زيادة الشهية زيادة الوزن. كذلك، يضطرب نوم المكتئب، وغالباً ما يأرق. وأحياناً، يزداد نومه. والأرق يشمل صعوبة الدخول في النوم. وقد يتخلل النوم. وربما ألمّ في الصباح الباكر. أما كثرة النوم، فتشمل النوم أكثر من المعتاد، أو النوم المتقطع، وأحياناً يكون سبب حضور المريض للعلاج، هو اضطراب النوم.

أما الفوران الداخلي، فيأخذ شكل عدم القدرة على الاستقرار في مكان، أو هو رغبة في التجوال، أو الطرق باليد، أو شد الشعر، أو حك الجلد. والتبلد الحركي يأخذ بطء حركة الجسم، وبطء الكلام، مع فترات صمت، قبل الإجابة عن الأسئلة، ويكون الكلام بصوت خافت، وعلى نغمة واحدة، إضافة إلى نقص كمية الكلام، أو البكم. ويصاحب ذلك نقص الطاقة، والشعور بالإجهاد، دون مجهود جسماني، وتبدو المهام للمريض في صعوبة المستحيل.

ويتفاوت الإحساس بفقد القِيمة، من مشاعر العجز، إلى التقييم السالب للنفس، مع انتقاد النفس لكل فشل بسيط وتضخيمه، فضلاً عن الشعور بالذنب، الذي قد يصل إلى درجة الضلال، إضافة إلى كثرة الأفكار عن الموت، وتفضيله على الحياة. وقد يوجد لدى المكتئب أفكار انتحارية، أو خطة لذلك، يمكن أن ينفذها، محاولاً الانتحار.

والأعراض المصاحبة للاكتئاب، تشمل: البكاء، والقلق، وسرعة الاستثارة، واجترارات وسواسية، وانشغال بصحته الجسمانية، ونوبات هلع ورهابات. وعندما توجد أعراض ذهانية (ضلالات أو هوس)، فإن محتواها، عادة، يكون واضحاً متماشياً مع حالة الوجدان. والضلالات الشائعة في الاكتئاب، أن الشخص مضطهد، بسبب سوء أخلاقه، أو عجزه الشخصي. وقد توجد ضلالات العدمية للعالم أو الشخص، وربما تكون ضلالات جسمانية (توهم أنه مصاب بالسرطان، أو مرض آخر خطير)، وقد تكون ضلالات الفقر. وعندما يوجد الهوس، يكون عابراً، وقد يحوي أصواتاً تلومه. ونادراً ما يكون محتوى الضلالات والهوس، غير متسق مع حالة الوجدان.

وهناك أعراض خاصة، تظهر في أعمار معينة، في حالات الاكتئاب، وهي:

أ.   الأطفال في مرحلة ما قبل البلوغ: تكثر الشكوى الجسمانية، والفوران الداخلي، والهوس، المتفقة مع حالة الوجدان (عادة، صوت واحد، يتحدث إلى الطفل). كما يكثر في اكتئاب الأطفال، أن يصاحبه القلق (القلق العام، وقلق الانفصال واضطراب التجنب).

ب.             المراهقون: توجد السلبية، أو السلوك المضاد للمجتمع، وتعاطي العقاقير وإدمانها، مع العناد، واضطراب السلوك. وتكثر الرغبة في ترك البيت. ويشكو المريض أن الآخرين لا يفهمونه. وتشكو الأسرة عدم استقراره، وعدوانه، ومعارضته لكل شيء، وعدم تعاونه، في شؤون البيت، إضافة إلى انسحابه من الأنشطة الاجتماعية، والانعزال في حجرته، وتأخره الدراسي، وعدم الاهتمام بمظهره، مع حساسية خاصة للرفض في العلاقات العاطفية.

ج. كبار السن: أحياناً تكون أعراض الاكتئاب في كبار السن، اضطراب الاهتداء، وفقْد الذاكرة، والتشتت، الأمر الذي يوحي بوجود خرف. كما أن فقْد الاهتمام، وفقْد الاستمتاع بأنشطه معتادة، قد يبدو كتبلّد، أو صعوبة في التركيز، يعطي صورة الخرف الكاذب، الذي يرجع إلى الاكتئاب، ويلزم تمييزه عن الخرف، الذي هو اضطراب عقلي عضوي. ونوبة الاكتئاب الجسيم إما أن تكون واحدة أو مترددة.





        
المصادر والمراجع

المراجع العربية

1. مجمع اللغة العربية، "المعجم الوسيط"، الجزء الأول، الطبعة الثالثة، 1985.

2. محمود حمودة، "الطب النفسي... النفس أسرارها وأمراضها"، القاهرة، 1998.

المراجع الأجنبية

1.      Sadock, B. & Sadock, V.(2000): Kaplan & Sadock's Comprehensive Text Book of Psychiatry, Vol.II, 7th. Ed. Lippincott Williams & Wilkins, Baltimore.,P.1837
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:39 pm

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet20   العناد

       

مقدمة

          يُعبِّر العناد Opposition عن الرفض وعدم الامتثال لِما يُطلب من الشخص. ويُعَدّ العناد سلوكاً طبيعياً في مرحلة الاستقلال، وهي العام الثاني والثالث من العمر، إلى درجة أن الطفل في هذه السن، يسمى ذو العامين المزعج  (The Terrible Two's)، إذ يرفض طاعة الأم ليؤكد قدرته على الانفصال والسير بعيداً ليشعر أنه آخر مستقل عن أمه، وليس جزءاً تابعا لها. وكذلك، في بداية مرحلة المراهقة، يعاند المراهق ويطلق عليه المراهق المحتج أو الرافض (The Rebellion Adolescent)، ويظهر عناده في صورة الجدال والنقاش، الذي لا ينتهي، أو رفض الأوامر، التي توجه إليه من الكبار، وكذلك عدم إطاعة القوانين في البيت أو المدرسة. وقد يتعدى ذلك إلى فعل عكس ما يطلب منه، أو ما يضايق الآخر من تصرفات مستفزة أو ألفاظ غير مهذبة في الحوار، كما تسهل استثارته واستفزازه من الآخرين فينفجر انفجارات مزاجية (Temper Tantrums) لا مبرر لها.

          وأحياناً يزداد العناد في شدته، وتطول مدته، ويؤثر على أداء الشخص الطبيعي لوظيفته. وحينئذ، يُعَدّ اضطراباً نفسياً، وهو أحد الاضطرابات النفسية المصنّفة، التي تصيب الأطفال والمراهقين، غالباً، ونفصله في السطور التالية.

 



       
اضطراب العناد الشارد Oppositional Defiant Disorder

          ويتميز بأنه نمط من السلبية والعدائية والسلوك الشارد الذي، غالباً، ما يتوجه ضد الوالدين والمدرسين، وذلك من دون انتهاكات خطرة لحقوق الآخرين الأساسية، التي تلاحظ في اضطراب السلوك (Conduct Disorder).

          ويتسم الأطفال المصابون بهذا الاضطراب، بأنهم، غالباً، مجادلين للكبار، وكثيراً ما يفقدون هدوءهم ويغضبون ويرفضون ويتضايقون بسهولة من الآخرين، بل ويتحدون قواعد الكبار، ويرفضون أوامرهم، ويستفزون الآخرين، بتعمد، ويميلون إلى لوم الآخرين على أخطائهم ومشاكلهم.

          وتتفاوت ملامح هذا الاضطراب، إلى حدٍّ بعيد، فقد تظهر في البيت وتختفي في المدرسة، أو مع بالغين آخرين أو مع الرفاق، وفي بعض الحالات تظهر ملامح الاضطراب خارج البيت، وفي حالات أخرى يبدأ ظهور الاضطراب في البيت ثم يمتد ليشمل سلوك الطفل خارج البيت. ولكن المعتاد النمطي، هو أن أعراض الاضطراب أكثر بروزاً في التعامل مع البالغين أو الرفاق، الذين يعرفهم الطفل جيداً، ومن ثَم فإن الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، لا يظهرون علامات الاضطراب أثناء فحصهم إكلينيكياً. وأهم ملامح هذا الاضطراب، هو نمط السلبية والعدائية والتمرد ضد الوالدين ومن في مقامهم من الراشدين، من دون انتهاكات خطيرة لحقوق الآخرين، ويظهر ذلك في جدال الكبار بعدائية واستفزاز متعمد مع سرعة الاستثارة فسرعان ما يستشيط الطفل غضباً، وكثيراً ما يرفض أوامر الكبار ويتحدى قوانينهم، ولا يعد الطفل نفسه شارداً أو معانداً، ولكنه يبرر سلوكه على أنه استجابة للظروف غير المناسبة بل ويلقي اللوم على الآخرين ويحملهم تبعة مشاكله.

          ويصاحب هذه الصورة الإكلينيكية أعراض من نقص اعتبار الذات، وعدم تحمل الإحباط، والانفجارات المزاجية، وقد يسرف في تعاطي المواد ذات المفعول النفسي (Psychoactive Substances) مثل الحشيش والكحول، كما يتعاطى التبغ وهو ما يزال طفلاً، إضافة إلى أعراض اضطـراب نقـص الانتباه مفرط الحركة (Attention Deficit Hyperactivity Disorder)، التي غالباً ما تكون مصاحبة. 
بدء الاضطراب ومساره ومضاعفاته

          يبدأ الاضطراب في الطفولة المبكرة، ولكن يتم التعرف عليه في سن الثامنة، وعادة لا يتأخر ظهوره بعد المراهقة المبكرة. ومساره غير معروف، ولكن في عديد من الحالات، يتحول إلى اضطراب سلوك أو اضطراب وجدان، وقد يسبب إعاقة شديدة داخل البيت وخارجه لسوء علاقاته بالآخرين.

          ويشخص اضطراب العناد، من خلال أخذ التاريخ، المرضي والتطوري والفحص النفسي، ومقارنة سلوك الطفل بسلوك من هو في مثل عمره العقلي. ويشخص بالدلالات الآتية، كما أوردها الدليل الإحصائي التشخيصي الرابع للإضطرابات العقلية (DSM-IV).

    أن يظل الاضطراب لمدة ستة أشهر، على الأقل، ساد خلالها، على الأقل، خمس مما يلي:

*  غالباً، يفقد مزاجه.

*  غالباً، مجادل مع الكبار.

*  يتحدى أوامر الآخرين ويرفضها غالباً.

*  يغلب في تصرفاته فعل الأشياء التي تضايق الآخرين، عن عمد.

*  غالباً، يلوم الآخرين على أخطائه هو.

*  غالباً، يستفز الآخرين ويضايقهم.

*  كثيراً، ما يغضب ويعاند.

*  غالباً، حقود محب للانتقام.

*  كثيراً، ما يحلف أو يستخدم ألفاظاً سوقية.

    أن الاضطراب يسبب خللاً إكلينيكياً واضحاً اجتماعياً أو دراسياً أو وظيفياً.
    أن لا يحدث الاضطراب خلال مسار اضطراب ذهاني أو اضطراب وجدان.
    أن لا تتفق هذه المواصفات مع مواصفات اضطراب السلوك، وإذا بلغ الشخص الثامنة عشرة من عمره، فإن مواصفاتها لا تتفق مع اضطراب الشخصية المضادة للمجتمع.

ويتميز اضطراب العناد الشارد، حسب درجة شدته، إلى:

    خفيف: إذ تكون الأعراض قليلة تفي بالتشخيص، والإعاقة الناشئة عن الاضطراب طفيفة.
    متوسط: وهو الوسط بين الشديد والخفيف من حيث درجة الاضطراب والإعاقة.
    شديد: إذ توجد أعراض عديدة، والإعاقة مشوهة لأدائه، الاجتماعي والمدرسي، مع الرفاق والكبار.

ويلزم تمييز اضطراب العناد مما يلي:

    اضطراب السلوك (Conduct Disorder) كثيراً ما يوجد مصاحباً لاضطراب العناد، ولكن فيه انتهاك لحقوق الآخرين.
    اضطراب ذهاني (Psychotic Disorder) قد تلاحظ فيه أعراض العناد خاصة في المرحلة المنذرة وتشخيص الاضطراب الذهاني يجب أن (يلغي) تشخيص اضطراب العناد.
    ديسثيميا (Dysthymia) أو هوس (Mania) أو اكتئاب (Depression) إذ يوجد فيها ملامح اضطراب العناد.

انتشار اضطراب العناد

          وجدت النسبة (16 ـ 22%) من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية، وذلك في عينات من المجتمع، ولوحظ أنه أكثر شيوعاً لدى الذكور منه بين الإناث، خاصة قبل البلوغ، أمّا بعد البلوغ، فيتساوى الجنسان في انتشار الاضطراب بينهما. وهناك دارسون يقررون أن تشخيص اضطراب العناد يزداد لدى البنات، في مقابل زيادة تشخيص اضطراب السلوك لدى الأولاد، وبالنسبة إلى أُسر المصابين بالعناد، فإن الأمهات غالباً مكتئبات، بينما الآباء يتميزون بالعدوانية السالبة، وفي عديد من الحالات لم يكن هذا الطفل مرغوباً في ولادته.
أسباب اضطراب العناد

          العناد يحدث، طبيعياً، في مرحلتين من النمو النفسي: إحداهما: المرحلة الشرجية (السنة الثانية من العمر)، لتنمية شعور الطفل بالاستقلال والذاتية، وتأكيد أناه المنفصل عن الأخر، وذلك بعد الانسجام والتناغم بل والتلاحم الذي كان في المراحل السابقة (ما قبل الولادة ومرحلة الأمان). وثانيهما: هي مرحلة المراهقة، إذ يبرز العناد كتعبير عن احتياج للانفصال عن الوالدين وإقرار هوية مستقلة، ولكن للعناد المرضي أسباب غير تأكيد الذات المستقلة. وأهم هذه الأسباب (أو العوامل):

    قد يكون العناد المبالغ فيه دفاع ضد الاعتماد الزائد على الأم، إذ يحاول الطفل أن ينكر اعتماده بالعناد.
    وجود تهيئة تكوينية مزاجية مضطربة لدى هؤلاء الأطفال.
    وجود صدمات في الطفولة المتأخرة، أو إعاقات مزمنة (مثل التخلف العقلي) (Mental Retardation) تحبذ العناد لدى الطفل، كدفاع ضد الشعور بالعجز والقلق ونقص اعتبار الذات.
    وجود صراعات لم تحل، كبقايا للمرحلة الشرجية (Anal Phase)، من خلال رؤية المدرسة التحليلية (Psychoanalytic School).

    تدعيم سلوك العناد لدى الطفل بالاستجابة لمطالبه تحت التهديد وممارسة العناد، أو تعلم سلوك العناد من شخص أكبر أو الحصول على الانتباه الذي يرغبه من الوالدين، كمقابل للعناد، وهذه رؤية المدرسة المسلكية (السلوكية) (Behavioural School).

العــلاج

          يُعالج هؤلاء الأطفال من خلال العلاج النفسي الفردي، مع إكساب الوالدين مهارات التعامل مع الطفل العنيد. إذ تركز المدرسة السلوكية على تغيير سلوك الوالدين إزاء عناد الطفل، وذلك بتشجيعه على السلوك المناسب، بما يؤدي إلى تدعيمه وإهمال السلوك غير المرغوب، بما يؤدي إلى انطفائه. ولكن المعالجين النفسيين الفرديين، يرون أن آباء هؤلاء الأطفال متصلبين ويصعب تغييرهم، ولذلك فإنهم، من خلال نمط جديد من العلاقة بالمعالج، تغير (تعدل) علاقة الطفل بالموضوع، وتحل دفاعات الطفل غير المرغوبة، ويقام فهم وبصيرة من الطفل لتصرفاته، إضافة إلى تصحيح رؤيته السالبة لذاته وتنمية استقلاليته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:42 pm

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Sbullet19   القلق والترقب






مقدمة

       يُعَدّ القلق أكثر الأعراض شيوعاً لدى البشر، خاصة في عصرنا الحالي، الذي يطلق عليه الكثيرون عصر القلق؛ ذلك أن القلق، إضافة إلى انتشاره، كمرض مستقل، يصاحب غيره من الأمراض، النفسية والجسمانية. ولا عجب في ذلك، فالشخص الذي يصيبه صداع، مثلاً، لأي سبب من الأسباب، ينتابه القلق لذلك. وينطبق هذا القول على كل ما يصيب الإنسان من أعراض مرَضية، أو عاهات جسمانية، ناهيك ما ينتابه من قلق، يتعلق بشؤون حياته، اليومية والمستقبلية، فضلاً عن قلقه من أجل من يرتبط بهم عاطفياً، مثل قلقه لمستقبل أبنائه الدراسي، وقلقه لصحتهم. وهكذا، يتضح أن القلق، ليس سمة من سمات العصر فقط، بل سمة من سمات الحياة نفسها.

 


       
ما القلق؟

       إنه الخوف والشعور بالانقباض، وترقّب شر أو مصيبة، ستقع مستقبلاً. وإذا كان الخوف من شيء معلوم، أو أن المصيبة، التي يخشى حدوثها معلومة، (معروفة للشخص)؛ فذلك هو القلق الثانوي. وذلك ينطبق على خوف الطالب من الامتحان، وإحساسه أنه لن يمر على خير، ويرتقب شر نتيجته، إلى درجة، تزعجه، وتخل بتكيّفه النفسي.

       أما إذا كان الخوف غير معروف السبب، فذلكم هو القلق الأولي. ونظراً إلى أن السبب مجهول، فإن الشر المرتقب، أو المصيبة المرتقبة، غير معلومة المصدر، أو الوقت أو الكيفية، فلا يعرف الشخـص من أيـن؟ ولا متى؟ ولا كيـف ستقع المصيبة؟ لذا، فهو في خوف وترقّب ووَجَل دائم، ولا يغمض له جفن، ولا يستكين له فؤاد، ولا يستقر له جانب، لأن المصيبة قد تقع في أي لحظة. فكل جديد، قد يأتي بالمصيبة، وكل آتٍ قد يحملها معه، وكل طرقة على بابه، يجفل لها، وترتعد فرائصه، وتضطرب ضربات قلبه، إنها المصيبة، قد تكون آتية!

       تشمل صورة مريض القلق أعراضاً نفسية، وأخرى جسمانية. أما الأعراض النفسية، فهي شعور الخوف وعدم الراحة الداخلية، وترقّب حدوث مكروه، ويترتب على ذلك تشتت انتباه المريض، وعدم قدرته على التركيز في ما يفعل. ويتبع ذلك النسيان، لاختلال أداء التسجيل في الذاكرة، الذي يتطلب التركيز أو الانتباه. مثل الطالب القلق إلى درجة، لا يستطيع معها أن يركز في ما يقرأ (أو يذاكر)، ويترتب على ذلك، ألاّ يسجَّل شيء في ذاكرته مما قرأه. كما أن التفكير، قد يختل تسلسله، نتيجة للخوف ونقص التركيز. ويلاحظ أن الشخص، في موقف القلق المرَضي، يكون مرتبكاً في عرضه لأفكاره. فمثلاً، إذا كان قلق الطالب مرَضياً، أثناء وجوده في لجنة الامتحان، فإن إجابته عن الأسئلة، ستكون ناقصة أو غير متسلسلة، لفقد بعض أفكاره، نتيجة للنسيان المذكور. كما أن الحركة تضطرب، فترتعش يد هذا الطالب، أثناء الكتابة، وتهتز الكلمات في فمه، إذا كان الامتحان شفوياً. وأحياناً، يسقط الشخص خوفه الداخلي على الأشياء والأشخاص، المحيطين به. وذلك نراه واضحاً في الأم، التي خرج ابنها الشاب، فظلت خائفة عليه، حتى يعود. وإذا تأخر زوجها، قليلاً، فإنها تظل متوترة، حائرة بين الباب والشباك، حتى يعود. كما يكون الأرق (عدم النوم)، أحد أعراض القلق البارزة.

       أما الأعراض الجسمانية، فتظهر في شحوب الوجه، واتساع فتحة إنسان العينَين، وتعبير الخوف على الوجه، وبرودة الأطراف، وسرعة ضربات القلب، وارتفاع ضغط الدم، وسرعة التنفس، والشعور بالاختناق، وجفاف الحلق، وصعوبة البلع، والإحساس كأن شيئاً، يسد البلعوم، زيادة الحموضة في المعدة، وعسر الهضم، وآلام المعدة والأمعاء، خاصة الأمعاء الغليظة (المصران الغليظ)، تعبّر انقباضاته وتقلصاته عن القلق. إضافة إلى الشعور بالانتفاخ وكثرة الغـازات، وصعوبـة التبول، والرغبـة المستمرة فيه، واضطراب الوظيفة الجنسية، التي عادة ما تكون في صورة سرعة القذف لدى الرجل، أو الارتخاء الجنسي، أي عدم قدرة القضيب على الانتصاب؛ وهذا العرض (سرعة القذف أو الارتخاء، أو كلاهما) شائع جداً. وللأسف الشديد، لا يعرف المريض، أن السبب هو القلق، فيلجأ إلى الدجالين على أنه ربط (مربوط)، أو يلجأ إلى طبيب الأمراض الجلدية والتناسلية، على أنه التهاب بالبروستاتا. وكلاهما خطأ، فلا وجود لشيء اسمه الربط، ولا دور للبروستاتا إطلاقاً في عملية الانتصاب أو سرعة القذف. ولكنه القلق، الذي يربك الأداء الفسيولوجي لوظائف الجسم. ولكن، كيف يحدث هذا؟ كيف يؤثر القلق في كل هذه الأجهزة من الجسم، فيخل بتكاملها؟

       يتكون المخ من قشرة، تعلوه في المكان والمكانة. وتؤدي الوظائف العليا، من التفكير والذاكرة والحركة والكلام. وترتبط بجزء مهم، أسفلها مباشرة، هو المهاد (Thalamus)، الذي يستقر على جزء آخر، لا يقل عنه أهمية، بل يزيد، ويسمى تحت المهاد (Hypothalamus). وهذا الجزء، وبعض المكونات الأخرى، تكوّن الجهاز الانفعالي، أي الخاص بالانفعالات. ويشمل تحت المهاد مراكز عليا للجهاز العصبي المستقل (السمبتاوي ونظير السمبتاوي)، ومراكز عليا، للجوع والشبع والعطش والنوم، وللتحكم في درجة حرارة الجسم، ومركزاً للتحكم في الجنس، كما أن المهاد الأسفل، تحت المهاد، يتحكم، بطرق مختلفة، في إفراز الغدة النخامية، المسيطرة على أغلب غدد الجسم، التي تفرز هرمونات عديدة.

       وعندما يواجه الإنسان موقف مخيف، فإنه يفهم الخطر بقشرة المخ. وهذا الفهم، لا يلبث أن ينعكس على الجهاز الانفعالي، خاصة تحت المهاد، ومراكزه التي يشملها. فينشط الجهاز السمبتاوي (أحد شقَّي الجهاز العصبي المستقل)، وهو الخاص بعملية القتال والهرب في الإنسان. وهو، إلى جانب إفراز هرمونات الأدرينالين والنورأدرينالين، من الغدة فوق الكلوية (الكظرية) ـ يسرع من ضربات القلب، وضغط الدم، ومعدل التنفس. فيندفع الدم إلى العضلات، ويقلّ في الجلد، فيشحب لونه، ويتوقف البلع والهضم والجنس؛ فالوقت وقت خطر، إما حياة أو موت، وتكيف الإنسان لمواجهة الخطر، هو للإبقاء على حياته. ولكن القلق هو استشعار للخطر، طيلة الوقت، ومعاناة أعراضه وشكواها. وتشتد شكواه إذا لم يعرف لها سبباً، أي كان القلق أولياً.

أَكُلُّ القلق يُعَدّ مرضاً؟ ومتى يكون صحياً؟ ومتى يكون مرَضياً؟

       عندما تواعد شخصاً ما مكاناً ما، بعيداً عن بيتك، أو عن المكان الذي توجد فيه، فإنك تشعر، عند اقتراب الموعد، ببعض القلق، يدفعك إلى سرعة ارتداء ملابسك، والخروج إلى الموعد. وإذا كان الطريق معطلاً، لاختناق المرور فيه، فإنك تنظر إلى ساعتك، في قلق، خوفاً على الموعد الذي قطعته على نفسك. وقد يربكك ذلك، فتصدم بسيارتك الآخرين أو سياراتهم (إذا كنت تقود سيارتك)، أو تحتك بمن يقف إلى جوارك في الحافلة، أو بمن يعترض طريقك أثناء نزولك منها. وإذا كنت طالباً، فأنت على موعد مـع الامتحان، الشهري أو السنوي، وتحسب لهذا الامتحان (الموعد) الحساب بالأشهر والأيام، والذي لا يلبث أن يتناقص إلى ساعات. وكلما اقترب الموعد، ازداد القلق. وكلما كان إنجازك العملي ضئيلاً، كان القلق أكثر.

       القلق، إذاً، باعث لك على أن تتحرك للوصول إلى المكان المحدد، في الموعد المحدد. وهو، كذلك، باعث لك على الإنجاز الدراسي والتحصيل، كاستعداد للامتحان، إذا كنت طالباً. أضف أنه باعث للزوجة على تدّبر شؤونها المنزلية، قبل عودة زوجها، أو حضور ضيوفها. زِد أنه باعث للموظف (والموظفة)، أن يسرع الخطى، لبلوغ عمله في الموعد المحدد. واستطراداً، فالقلق هو باعث للحياة، ومحرك لها. ونقيضه الاسترخاء التام؛ بل السكون؛ وذلكم هو شلل الحياة الداخلي، الذي يصيب اليائسين، العاجزين، الذين لا أمل لهم، ولا رجاء.

       من هذا المنطلق، يُعَدّ القلق شيئاً صحياً، يدفع نحو الأهداف. ولكنه، ككلِّ شيء، حين يزيد على حدِّه، فإنه ينقلب إلى ضده. وبعد أن كان باعثاً، محركاً، أصبح مربكاً معطلاً، بل مزعجاً.

       فالطالب، الذي ازداد قلقه عن حدِّه، لا يستقر، يفتح كتاباً، ثم يقلب صفحاته، بتوتر واضح، ثم يغلقه، ليأتي بآخر، يفعل به مثلما فعل بالكتاب الأول. ثم يأوي إلى النوم، طلباً للهدوء. ولكن هيهات له أن ينام، وهو في هذه الحالة. فيطير النوم من عينَيه، وتنتابه الأفكار والهواجس، من مخاوف وغيرها. وقد يبكي مما يشعر به من ارتباك وتوتر. ناهيك ما يشعر به من أعراض جسمانية، مثل سرعة ضربات القلب، وسرعة في التنفس، وجفاف الحلق، وبرودة في الأطراف. ومن ثَم، يكون القلق مرضاً، لأنه أصبح يعوق الإنسان عن أداء عمله، والتكيف في حياته.

 



       

ولكن، ما دور القلق في حياة الإنسان؟
رحلة الإنسان مع القلق

       تبدأ رحلة الإنسان مع القلق، منذ بدايته الأولى، كجنين في رحم أمه. فعندما تصاب الأم بالقلق والخوف، أثناء الحمل، فإن نسبة الأدرينالين والنورأدرينالين، تفرز في دمها، بكميات كبيرة، ويسبب ذلك زيادة في نشاط عضلات الرحم، فتحدث انقباضات غير منتظمة وغير منضبطة، قد ينشأ عنها الإجهاض، وعلى أقل تقدير، تزعج استقرار الجنين وسكينته. كما يقلّ الدم الواصل إليه، وتسرع دقات قلبه، وتختلج عضلات جسمه، تعبيراً عن الخوف المنقول إليه من الأم (بزيادة الأدرينالين في دمه). وتُعَدّ هذه أولى خبرات الإنسان بالقلق، إذ تبدأ قبْل ولادته. ثم تأتي لحظة الميلاد، وهي رحلة قصيرة، زماناً ومكاناً؛ فمن الرحم إلى خارجه عدة سنتيمترات، لا تستغرق وقتاً طويلاً، ولكنها تنقل الإنسان من عالم محدود جداً، إلى عالم متسع جداً، من عالم مريح جداً، إلى عالم شاق.

       في الرحم، كان دم الأم، يحمل إليه الأكسجين والغذاء. أما بعد الولادة، فإنه لا بدّ من بذل جهد في التنفس والرضاعة. ولا بدّ لأجهزة جسمه أن تمارس دورها في عمليه التكيف الحياتية، مثل المحافظة على درجة الحرارة. لذا، فإن الانتقال، في عملية الولادة، يُعَدّ انتقالاً عظيماً. وهذا الانتقال العظيم، يصاحبه قلق وخوف لدى الطفل الوليد. ويزداد قلقه بازدياد التوتر لدى الأم، أثناء عملية الولادة. ولقد عدّ بعض علماء النفس، أن صدمة الميلاد، هي مصدر لكل أنواع القلق، التي تصيب الإنسان. وهذا القول، لم يكن مقبولاً، منذ عدة سنوات. ولكن الدراسات الحديثة، التي تناولت تأثير التوتر والقلق في الجنين، داخل الرحم، وأثناء الولادة، قررت التأثير المرَضي للحمل المتوتر، والولادة المتوترة، في ميل الرضيع إلى الاضطراب النفسي الفسيولوجي، وقلق ما بعد الولادة.

       وتستمر رحلة القلق، بعد الولادة. ويعبّر عنه الرضيع بالبكاء والأنين، والتصلب وعدم الاستقرار، واضطراب النوم، مع البصق والقيء، والإسهال والعرق، والاحمرار. وهي كلها علامات الانزعاج الحسي الحركي. وهو انزعاج مؤقت، يظل لعدة دقائق، تكفي لجذب انتباه الأم، لتخفيف العوامل الضاغطة. وهو انزعاج تكيفي، أو قلق تكيفي، يتوخى التكيف، وإزالة العوامل الضاغطة. ولا يسمَّى قلقاً، في الأشهر الستة الأولى من حياة الرضيع، وإنما انضغاط أو انزعاج. وهذا الانزعاج، قد يزيد على الاحتمال (احتمال الأم)، فيسمَّى الانزعاج المرَضي. ويكون فيه البكاء كثيراً، وبصوت مرتفع. ويبدو أن الطفل متألم، وهو في حالة توتر شديدة، وحادة. كما يكون سريع الاهتياج، ويضطرب انتظام وظائفه الجسمانية وانضباطها، أي يصبح نومه متقطعاً وغير منتظم، وتقلّ رضاعته، فلا يأخذ الحلمة، أو لا يشعر بالشبع. ويكثر قيئُه وإسهاله. وقد تصيبه حساسية خفيفة. وتكثر حركته. وأحياناً، يصاحب ذلك هلع شديد من الأشياء الجديدة حوله. وإذا استمر هذا الانزعاج المرَضي فترة طويلة، فإنه يصبح مزمناً، وينسحب الطفل على نفسه، ويهبط نشاطه، ويقلّ نموه، الجسمي والنفسي والاجتماعي.

       ولقد أشارت الدراسات، التي أجريت على بعض الأطفال، من المضطربين نفسياً، درجة خطيرة، مثل ذهان الطفولة (اضطراب عقلي في الطفولة)، إلى أنهم كانوا يعانون، في أشهرهم الأولى، انـزعاجاً مرضياً. ويزيـد من حدّته أن الأم تحار في طفلها، الذي لا يهدأ، ولا يأكل، ولا ينتظم نومه، ويكثر قيئُه وإسهاله، فتصاب بالقلق من جراء ذلك. وقلقها يزيد حالة طفلها سوءاً، وسوء حالة الطفل يزيد الأم قلقاً. وهكذا، يدخل الطفل والأم في دائرة مفرغة، لا يقطعها إلا علاج يقضي على قلق كلٍّ منهما.
القلق في الأشهر الستة الثانية، من حياة الطفل

       وهي المرحلة، التي يميزها القلق عند رؤية شخص غير مألوف لدى الطفل، وقلقه عندما تنفصل عنه أمه. والقلق، في الحالتَين، عبارة عن خوف تكيفي، موروث في طبيعة تكوين الطفل. ويشبه ذلك الخوف من الأصوات العالية، والخوف من الألم. فمثلاً الخوف من الغرباء، يجعل الطفل ملتصقاً بأمه، ويحميه ذلك من الأخطار. لذا، فهي مخاوف تكيفية. ولكن، إذا ازداد الخوف على حدّه، فإنه لا يصبح تكيفاً، وإنما يمسي قلقاً مرَضياً. فالطفل يصاب بالذعر، أو الهلع، عندما يرى شخصاً غير مألوف لديه. وفي حالة وجوده مع أمه، من دون غرباء، يصعب انفصاله عنها، ولو لفترة قصيرة (وهذا الطفل، لا شك، سيستمر ملتصقاً بأمه، لا ينفصل عنها بسهولة، حتى عند ذهابه إلى المدرسة).

       ويصاحب هذه المخاوف اضطرابات الأكل، في صورة رفض الرضاعة، والغثيان والقيء، والمغص المتكرر، والإسهال أو الإمساك. ويتبع ذلك ضعف النمو. وفي أحيان قليلة، يميل إلى كثرة الرضاعة والسمنة، ويصاحبها، كذلك، اضطرابات النوم، مثل الأرق أو النوم المتقطع، غير المريح وغير المنتظم. ويتأخر نمو الكلام لدى هؤلاء الأطفال، وينتابهم العناد الشديد لمن حولهم. كما يكون عدوانهم شديداً، في صورة العض، أو الانفجارات المزاجية؛ إذ يعبّر، بانفعال شديد بأطرافه الأربعة، وكل عضلات جسمه، عن غضب شديد، ورفض لكل شيء، إضافة إلى البكاء الحاد جداً، وكثيراً ما يظهر على جسد هذا الطفل أعراض الاضطراب النفسي الفسيولوجي، في صورة إكزيما، أو التهاب الجلد.
القلق في السنتَين، الثانية والثالثة، من عمر الطفل

       في هذه المرحلة من العمر، يكون القلق، عادة، حول الانفصال عن الأم، وعند مواجهة الغرباء؛ ولكن، إلى درجة أقلّ كثيراً عن قبْل، لدى الأطفال الأصحاء نفسياً. ويتبدد قلقهم، عند نهاية السنة الثالثة.

       كما يبرز القلق حول فقْد وظائف الجسم، وفقْد التوافق مع موضوع الحب. وهذه الأعراض عابرة. والاستجابة المتفهمة من الأسْرة، تقلّل من حدّة هذا القلق. وعندما ينجز الطفل، من المهارات، ما هو مطلوب منه في هذه المرحلة، مثل التحكم في المخارج، والكلام، فإن قلقه يتناقص، ويحل محله الإحساس بالنفس والثقة، والفخر بالإنجاز والنجاح.

       ويكون هذا القلق طبيعياً، إذا لم يعُق تكيف الطفل وإنجازه. أما إذا كان حاداً، ومستمراً لفترة طويلة، فهو القلق المرَضي، الذي سيؤثر في سلوك الطفل الحركي، فيؤخر قدرته على المشي والجري، ويصبح متململاً، لا يستقر في مكان. كما أن توافقه الحركي يتأخر. وينتابه الاندفاع، الذي يعرّضه للإصابات. ويشتد عناده وسلبيته وعدم طاعته لوالدَيه. ويكثر بكاؤه الحاد، الذي ينفعل فيه بكل جسمه. وقد يوقف تنفسه، أثناء البكاء، الأمر الذي يزيد خوف الوالدَين وقلقهما. ويصاحب ذلك تأخر في نمو إدراكات الطفل وقدرته على التفكير؛ إذ إن ذكاءه، يتجه إلى التعبير الحسي الحركي، أي الجسماني، ولا يتجه إلى التعبير برموز اللغة وكلماتها. لذا، فإن اللغة تتأخر لديه في نموها. وقد يكرر ما يعرفه، بصورة قهرية، وبنغمة حادّة، تعبّر عن التوتر. وكثيراً ما ينتابه البكم الاختياري (عدم النطق بأي كلمة، لفترة معينة، أو في مواقف معينة) أو التهتهة.

       وقد يتمثل القلق المرَضي في هذه المرحلة، في التشبث بالأم، والتعلق بها، في ما يشبه طفل الثمانية إلى عشرة أشهر، فلا يتحرك بعيداً عنها، لاكتشاف البيئة المحيطة به. كما يظهر تناقض مشاعره تجاه أمه؛ فعلى الرغم من أنه يحبها، ويلتصق بها، إلا أنه يضربها، ويعضها، ويخدشها، كتعبير عن كراهيته لها. وانفصاله عنها يصيبه بالهلع؛ ومن ثَم، فهو لا يلعب مثل غيره من الأطفال الأسوياء، ولا يشاركهم حتى في لعبة يستقل بها.

       ونظراً إلى أن التحكم في المخارج، أي التحكم في عملية التبول والتبرز، يُعَدّ أحد الإنجازات المهمة في هذه المرحلة، فإن القلق المرضي، ويكون إحدى علاماته البارزة. إذ يخاف الطفل من عملية التبرز، فيصبح عرضة للإمساك، لعدة أيام، أو يختل تحكمه في المخارج، فيلوّث ملابسه ببرازه أو بوله، خاصة أثناء اليقظة، مما يزيد قلقه حدّة وصورته عن نفسه اهتزازاً. ويضطرب نومه، فينتابه الفزع الليلي، والأحلام المخيفة، وكثيراً ما تصاحبها صور مخيفة، تظهر عند بداية النوم، أو عند الاستيقاظ منه، وتقلّ أثناء النوم، خاصة مراحله العميقة، التي يَبْطُؤ فيها إيقاع المخ (وهي المرحلة الرابعة من النوم البطيء الموجه)، وتعتريه نفس اضطرابات الأكل، من القيء والمغص والإسهال، ونقص الشهية أو ازديادها.

       واستمرار هذا القلق لفترة طويلة، قد ينجم عنه توقّف في نمو جوهر الشخصية لدى الطفل؛ إذ ينتابه المرض العقلي، في صورة الذهان الكلي، أو فصام الطفولة، أو الاكتئاب الشديد، أو الشخصية النرجسية، أو يصبح مدمناً في حياته اللاحقة، بعد البلوغ.
قلق الطفولة المبكرة (3 ـ 6 سنوات)

       في هذه المرحلة، يعي الطفل نوعه، (ذكر أو أنثى). ويميل، بحكم الاختلاف، إلى أبيه من الجنس المقابل، سعياً إلى الاكتمال. ولكنه، في ميوله هذه، ينافس أباه من الجنس المماثل؛ إذ تنافس البنت أمها في حب أبيها والتعلق به، وينافس الابن أباه في حب الأم، والتعلق بها. ويولد التنافس الخوف في نفس الصغير، لأن القوى ليست متكافئة في هذه المنافسة (بين الابن وأبيه من الجنس نفسه). وعادة، ينتهي هذا الخوف بأن يكبت الصغير حبه لأبيه من الجنس المقابل، ويجد الحل في أن يتوحد بأبيه من الجنس نفسه، أي يحاول التشبه به، فتقوى الصلة بينهما. ويتجه الطفل، عند نهاية هذه المرحلة، إلى التعلّم المدرسي أو الحِرَفي.

       ولا يتأتّى ذك للطفل، إلا إذا نجح في السيطرة على قلقه الداخلي، وساعده والده، في تفهّم وتؤدة. أما إذا سيطر على الصغير خوفه، فإنه، في هذه المرحلة، يكون واسع المخيلة، ويختلط لديه الواقع بالخيال، فيشتد القلق، ويصاحبه الخوف من أن يصبح وحيداً، أو أن يؤذي جسده. ويظهر، كذلك، خوفه الشديد من الحيوانات والحشرات. كما أن شعوره بالفشل والإحباط، في صراعه أبيه من الجنس نفسه، وعدم توحده به ـ يجعله يفشل، مستقبلاً، في العلاقات الثلاثية، أو العلاقات بجماعة متعددة الأفراد؛ بينما ينجح في علاقات ثنائية (علاقة شخص بشخص)، لأنها أكثر أمناً، بالنسبة إليه، وليس فيها منافسة، قد تكون مؤلمة. ومن ثَم، يتجنب الطفل منافسة أقرانه، ويصبح سلبياً، ويفقد عدوانيته وشعوره بشخصيته. كما يقلّ حبه ودوافعه إلى الاستكشاف، ويضعف فضوله تجاه معرفة الجديد؛ فينكص عن إنجاز ما يُتوقع منه إنجازه في هذه المرحلة، مثل كتابة الحروف، في الحضانة. وبذلك، يهيأ لكي يفشل في مستقبله الدراسي.

       وقد تبرز علامات أخرى للقلق، مثل قضم الأظفار، ومص الإصبع، أو هز الجسم باستمرار، أو الأطراف، أو جذب الشعر، أو لمس الأعضاء التناسلية بكثرة. وهو، عادة، ما ينهى عنه الوالدان، مما يزيد شعور الطفل بالذنب والخوف من العقاب (المضاف إليه سعة خيال الطفل)؛ فيزداد قلقه حدّة؛ ويضطرب نومه، الذي يصاحبه الفزع الليلي والكوابيس؛ ويكثُر تبوله في فراشه، بعد أن كان قد أنجز تحكمه في عملية التبول، أثناء النوم، لعدة أشهر؛ ويضطرب أكْله، فيصاب بالقيء أو المغص، أو الإسهال، ونقص شهية مرَضي، قد ينشأ عنه فقدان الوزن إلى درجة كبيرة.
قلق الطفولة المتأخرة (7 سنوات ـ 12 سنة)

       في هذه المرحلة، يشعر الطفل بتكامل جسده وتميزه (أو نقصه). ويتوحد بالأب من الجنس نفسه. ويستدخل السلطة الخارجية إلى الأنا الأعلى. ويتوق إلى تعلّم مهارات الكبار، من خلال اكتساب حِرفة، أو التعلم في المدرسة؛ إذ يرغب عن الحب والدفء والراحة، في البيت، ويسعى إلى مكان له وظيفة وعمل. بل يصبح تقديره لذاته مرتبطاً بإنجازه، في العمل أو المدرسة. فإذا نجح، استشعر الرضا، وإذا فشل، أحس النقص والذنب. وتصطرع الأنا والأنا الأعلى؛ إذ يكون الخوف من السلطة الداخلية، هو القلق. وللقلق مصادر أخرى، غير المدرسة، في هذه المرحلة، كالخوف من الإصابة الجسدية، والمواقف الاجتماعية.
قلق المراهقة (13 ـ 21 سنة)

       إن التغير الهرموني، في مرحلة المراهقة، وما يتبعه من تغيّر في التكوين والشكل والميول، في جسد المراهق ونفسه، يجعلانه في مواجهة تحديات جديدة (اُنظر المراهقة)، إضافة إلى عودة الذكريات الخاصة بالصراع الأوديبي، والرغبات المحرمة تجاه الأب أو الأم. لذا، فإن مصادر الصراع المحدث للقلق، تكون عديدة، في هذه المرحلة (سواء كانت صراعات داخلية أو مستدخلة).

       يُلاحظ أن القلق المرَضي، في مراحل الطفولة والمراهقة والرشد، يصبح أكثر وضوحاً، ويعبّر عن نفسه باضطرابات إكلينيكية خاصة.

 




       
اضطراب قلق الانفصال

       وهو يتميز بشدته، لمدة أسبوعَين، على الأقل. وينشأ عن انفصال الطفل عمّن يرتبط بهم. وقد يُعرف برهاب المدرسة.

       فعند حدوث الانفصال، ينتاب الطفل قلقاً قد يصل إلى درجة الهلع، متجوزاً مستوى نموّه؛ على أن يبدأ الاضطراب قبْل الثامنة عشرة، وأن لا يكون خلال مسار اضطراب تشوه النمو، أو الفصام، أو أي اضطراب ذهاني آخر. والأطفال المصابون باضطراب قلق الانفصال، لا يستريحون إلى السفر، وحدهم، بعيداً عن البيت أو الأماكن المألوفة لهم. فقد يرفضون زيارة الأقارب أو المبيت عندهم، أو الذهاب في رحلات قصيرة، أو الالتحاق بمدرسة، أو معسكر. وربما لا يستطيعون أن يظلوا في حجرة، بمفردهم. وقد يظهرون سلوكاً تعلقياً، فيظلوا ملتصقين بوالدِيهم، كظل لهم داخل المنزل. وعند وقوع الانفصال أو توقعه، وتكثر شكاوى هؤلاء الأطفال الجسمانية، مثل آلام المعدة، والصداع والغثيان والقيء. وأعراض اضطراب الجهاز الدوري، مثل الشعور بضربات القلب، والدوخة، والإغماء، نادرة لدى الأطفال الأصغر، ولكنها قد تحدث للمراهقين، مع وجود علامات متكررة من الانزعاج المفرط (مثل الانفجارات المزاجية، أو البكاء وتوسل عدم الانفصال).

       وعند حدوث الانفصال، ينشغل الطفل بمخاوف مرَضية، أن يعتري من يرتبط بهم أي مكروه، فيفقدهم، ولا يلتقيهم ثانية. وتتفاوت المخاوف الخيالية؛ فللطفل انشغالات غير محدودة بالأخطار، التي ستصيب والديه (أو من يرتبط بهم). وعندما يكبر، تصبح المخاوف منظمة، ومحددة بأخطار معروفة. كما أن الأطفال، عادة، يظهرون القلق، عند التهديد بالانفصال؛ بينما الأطفال الأصغر يبدون الاضطراب فقط، عند حدوث الانفصال فعلاً.

       والأطفال المصابون بهذا الاضطراب، غالباً ما تكون لديهم مخاوف مرَضية من الحيوانات والوحوش. ويبالغون في المواقف، التي أدركت كخطر حالي، يهدد تكامل الأسْرة، ويغالبون، تبعاً لذلك، في مخاوفهم من التماسيح واللصوص، وحوادث السيارات، والسفر في الطائرات. ويكثر انشغالهم بالموت. وقد يرفضون النوم، منفردين فيصرّوا على أن يظل معهم أحد، أو يناموا في فراش والدَيهم. وقد ينامون أمام حجرة الوالدَين. وقد ينتابهم الفزع الليلي، الذي ينمّ على مخاوفهم المرضية؛ أو تعتريهم كوابيس متكررة عن الانفصال.

       وبعض الأطفال، ربما لا يشعرون بالانقباض، والخوف من الأذى، المتوقع لهم وللمقربين منهم. ولكنهم يمرضون، فعلاً، عند حدوث الانفصال، وتصيبهم التعاسة، وأحياناً، الهلع، ويؤْثرون العودة إلى البيت، وينشغلون بأحلام إعادة الالتحام مع شخص الغائب.

       كما يظهر الأطفال المصابون بقلق الانفصال، ملامح من الانسحاب الاجتماعي، والتبلّد، وصعوبة التركيز، في الدراسة أو اللعب. ويمكن أن يصبحوا عُنُفاً تجاه من يدفعونهم إلى الانفصال. وقد يرفضون رؤية الأقارب أو الأصدقاء المقربين، لتجنّب معرفة مشاكلهم، وسبب غيابهم عن المدرسة أو عن أنشطة أخرى. أما المراهقون المصابون بقلق الانفصال، خاصة الذكور، فقد ينكرون انشغالهم بالانفصال عـن ذويهم، أو رغبتهم في أن يظلوا معهم، مع أن سلوكهم يعكس قلقاً حول الانفصال، ورغبة عن ترك البيت أو التردد في ذلك. ويشعرون بالراحة فقط، عندما لا يلزم الانفصال.

       ويصاحب اضطراب قلق الانفصال أعراض، منها الخوف من الظلام. وقد يدّعي المصابون رؤية عيون، أو حيوانات خرافية، تحملق إليهم في الظلام، إضافة إلى اكتئابهم، الذي قد يصبح أكثر ثباتاً، بمرور الوقت، بما يسمح بتشخيص إضافي من الديسثيميا أو الاكتئاب. ويتميز هؤلاء الأطفال بالاعتمادية والانطواء. ويحتاجون إلى جذب الانتباه دائماً. وقد يشكون أنه ما من أحد يحبهم أو يهتم بهم. ويتمنون الموت، خاصة إذا أكرهوا على الانفصال. وبعضهم يوصفون بيقظة الضمير، بشكل غير عادي.

       يبدأ اضطراب قلق الانفصال في سن ما قبل المدرسة الابتدائية، خاصة عند دخول الحضانة، ويظل إلى الصف الثالث أو الرابع الابتدائي. ويمكن أن يظل إلى نهاية المرحلة الابتدائية، وأحياناً يظل إلى المرحلة الثانوية أو الجامعية، خاصة أن الجامعة قد تكون أول انفصال حقيقي عن الأسرة، فقد تتطلب أن يعيش الجامعي منفرداً، في بلد آخر.

       وعندما يكون الاضطراب شديداً، قد يعوق الطفل عن الالتحاق بالمدرسة، أو بعمل منفصل عن والدَيه. وينتج من ذلك فشله، الدراسي والعملي، وانسحابه الاجتماعي، إضافة إلى ما يتعرض له من فحوصات جسمانية، واستقصاءات معملية، وعلاجات طبية، بسبب شكاواه الجسمانية.

       ويجب أن يميز قلق الانفصال من الخوف الطبيعي؛ إذ تعرف الطفولة المبكرة درجة من الخوف الطبيعي من الانفصال، ومن المخاوف الحقيقية. فقد يتعرض الطفل لعدوان خارج البيت، أو في المدرسة، مما يحمله على التمسك بخوفه.

       ويُعَدّ قلق الانفصال غير قليل الشيوع، على الرغم من أنه لا توجد له معدلات انتشار دقيقة. إذ راوحت نسبته، في بعض الدول، بين 5 و10% من الأطفال المحولين إلى عيادات الطب النفسي. ويتساوى الجنسان في نسبة انتشاره بينهما، وهو يكثر بين أقاربهم من الدرجة الأولى لمن أصيبوا به.
سبب اضطراب قلق الانفصال

سبب هذا الاضطراب غير محدد. ولكن هناك عوامل تمهد له. وهي:
1. عوامل نفسية اجتماعية

    الاعتمادية الشديدة للطفل على أمه، (أو من ينوب عنها)، يهيئه لقلق الانفصال.
    مرور الطفل بخبرات انفصال عابرة، ارتبطت بأحد أنواع مخاوف النمو، التي يتعرض لها (مثل: الخوف من فقْد الأم، الخوف من الفزع الليلي، الخوف من فقد جزء من جسده، الخوف من الأنا الأعلى).
    موت شخص، يرتبط به الطفل، أو سفره لمدة طويلة.
    الانتقال من مسكن إلى آخر، في مراحل الطفل المبكرة، وعدم استقرار علاقاته.
    تعلم القلق من أحد الوالدَين، بشكل مباشر، مثل خوف الوالد من المواقف الجديدة. فإن هذا ينمي الخوف في نفس الطفل من هذه المواقف، خاصة دخول المدرسة، كبيئة جديدة.
    الحماية المفرطة من الأخطار المتوقعة، بوساطة الوالدَين، تهيئ الطفل لقلق الانفصال.

2. عوامـل جينـية

يحتمل وجود أساس جيني لاضطراب قلق الانفصال. إذ أظهرت دراسات الأُسَر، أن الأولاد البيولوجيين لآباء يعانون القلق، هم أكثر عرضة لقلق الانفصال. كما لوحظ وجود تداخل بين قلق الانفصال والاكتئاب لدى الأطفال، إلى درجة أن بعض المتخصصين، يرون أن قلق الانفصال، هو وجه من وجوه الاكتئاب.
العلاج

       أحياناً، يمثل الطفل المصاب برهاب المدرسة، كحالة طوارئ نفسية، إذ إنها تتداخل مع نموه النفسي، وتغلق عليه أبواب التعلم. لذا، فإن خطة متكاملة من العلاج، توضع متضمنة ما يلي:
1. العلاج النفسي الدينامي للطفل

لِفهْم المعنى اللاشعوري للأعراض، وتقوية الأنا لديه، لتحمل مواقف القلق، في جلسات نفسية، مرتَين أو ثلاثاً، في الأسبوع.
2. العلاج السلوكي

من طريق سلب الحساسية التدريجي للخوف من المدرسة، بمصاحبته إلى المدرسة، أول يوم، عدة دقائق، تزاد، تدريجياً، حتى تصل إلى ساعة، في نهاية الأسبوع الأول. ويستمر ازدياد الوقت، الذي يمضي في المدرسة، حتى يكمل اليوم الدراسي، في الأسبوع الثالث. ويصاحبه إلى المدرسة شخص غير الأم، يكون الطفل أقلّ ارتباطاً به، مع تشجيع لعبه واختلاطه بالأطفال الآخرين، داخل المدرسة وخارجها.
3. علاج أُسَري

يشجع، خلاله، الوالدان على التعبير عن مخاوفهما وصراعاتهما؛ والعمل، من خلال العلاج، على تجاوزها أو قبولها.
4. العلاج بالعقاقير

يعتقد بعض المتخصصين فائدة العلاج بالعقاقير، ولكن ضمن إطار الخطة العلاجية الآنفة، فيعطون الطفل مضادّات الاكتئاب، ثلاثية الحلقات، مثل الإيميبرامين (Imipramine) بجرعة 25 ملجم، يومياً، ثم تزاد، تدريجاً، حتى تصل إلى 150 ملجم، فإلى 200 ملجم، يومياً، إلى أن يلاحظ التأثير العلاجي. وإذا لم يلاحظ، فإن استقصاء معملياً لمعدل الإيميبرامين، ومخلفاته الأيضية الناشطة في بلازما الدم، يُجرى لمعرفة إذا كان العقار قد وصل إلى مستواه العلاجي أو لا؛ وذلك لِمَا لعقار الإيميبرامين من تأثير، يقلل من الخوف والهلع، الناجمَين عن الانفصال.

ومن أشهر الاضطرابات، التي تتميز بالقلق والترقب، كذلك، اضطراب الانعصاب، بعد حادث، واضطراب القلق العام.

 




       
اضطراب الانعصاب

       ويتميز بأعراض خاصة، بعد صدمة معينة، هي أشد من أن تستوعبها خبرة الإنسان المعتادة. وهذه الأعراض، تشمل إعادة معايشة الصدمة، والاستغراق في ذلك، إلى درجة تجعل المضطرب منعزلاً عن العالم من حوله، وغير مستجيب له، وهو ما يسمى الخدر النفسي أو الخدر الانفعالي؛ مع فقْد الشعور بالألفة، وازدياد اليقظة، والحذر مما يجعله يجفل لأتفه الأسباب؛ وضعف الناحية الجنسية؛ واضطراب النوم؛ والشعور بالذنب تجاه نجاته من الحادث (إذا حدث هلاك لمن معه)؛ وخلل في الذاكرة، ناتج من نقص الانتباه (القدرة على التركيز)، مع تجنّب للنشاطات التي تذكره بالحادث.

       وأكثر الحوادث شيوعاً، هي التهديد الخطير لحياة الشخص، أو لسلامته الجسمانية، أو تهديد خطير لزوجته أو أطفاله، أو آخر مقرب إليه جداً، أو تدمير مفاجئ لبيت الشخص، أو مشاهدة شخص آخر، أصيب أو قتل، نتيجة لحادث، أو عدوان جسماني.

       والشخص قد يمر بخبرة الحادث، بمفرده (مثل الاغتصاب الجنسي)، أو في صحبة من الناس، مثل الكوارث الطبيعية (كالفيضانات والزلازل)، أو حوادث السيارات والطائرات والحرائق. إضافة إلى إعادة معايشة الحادث، يوجد تجنّب ثابت للمثيرات المرتبطة به، أو خدر في الاستجابة العامة، لم يكن موجوداً قبل الحادث. وعادة، يبذل الشخص مجهودات متقنة، لتجنّب الأفكار أو المشاعر تجاه الحادث الأليم الصادم، والأنشطة أو المواقف التي توقظ تذكره. وهذا التجنّب لبقايا للحادث، قد يشمل النساوة النفسية لجانب مهم منه.

       ويشار إلى نقص الاستجابة للعالم الخارجي، كخدر نفسي أو خدر انفعالي. وعادة، يبدأ بعد الحادث الصادم. وقد يشكو الشخص مشاعر الانسلاخ عن الناس، أو فقده القدرة على الاهتمام بأنشطته السابقة، أو فقْد قدرته على الشعور بانفعالات من أي نوع، خاصة تلك المرتبطة بالتعاطف والرفق. كما أن القدرة الجنسية، تتناقص إلى حدّ كبير.

       وهناك أعراض ازدياد اليقظة والحذر، لم تكن موجودة قبل الحادث. وتشمل صعوبة الدخول في النوم، أو مواصلته (بسبب كوابيس يُعاد، خلالها، معايشة الحادث)، مع "الخضة". وبعض المرضى يشكون صعوبة التركيز وإكمال المهام. وفي الحالات الخفيفة، قد يتخذ التغير في التعبير عن العدوان، صورة سرعة استثارة، أو خوف من فقْد السيطرة على النفس. وفي الحالات الشديدة، قد يتخذ صورة انفجارات غير متوقعة من العدوان، أو تنعدم قدرة التعبير عن مشاعر الغضب.

       والأعراض المميزة لهذا الانعصاب، أو التفاعلات الفسيولوجية، هي، غالباً، حادّة، أو تترسب عندما يتعرض الشخص لمواقف أو أنشطة، تشبه أو ترمز إلى الحادث الأصلي.

       وهناك أعراض خاصة بالسن. فالطفل الذي يتعرض لحادث، قد يصبح أبكم، أو يرفض الكلام عن الحادث. بينما يتعرض الأطفال صغار السن، للأحلام المفزعة عن الحادث، التي تظل عدة أسابيع، بعده، أو تظهر الكوابيس، عامة، غير مرتبطة به. ولكن نقص الاهتمام بالأنشطة، وضيق الوجدان، قد يكون صعباً، بالنسبة إلى الأطفال، أن يعبّروا عنهما فيجب أن يُستفسَروا عنه بعناية من الوالدَين والمدرسين والملاحظين الآخرين. ولوحظ تغيّر الاهتداء والنظرة المستقبلية، إذ يفقد المريض الأمل في المستقبل، ويصبح متشائماً، فلا يتوقع أن يحصل على عمل، ولا أن يتزوج. وقد يظهر على الأطفال علامات جسمانية مختلفة، مثل آلام المعدة والصداع وازدياد القلق.

       وتصاحب الصورة الإكلينيكية لاضطراب الانعصاب، بأعراض الاكتئاب والقلق. وقد يوجد سلوك اندفاعي، مثل تغيير فجائي في مكان العمل، أو الانقطاع عن العمل، من دون سبب واضح، أو تغيير أسلوب الحياة، وقد توجد أعراض، تشير إلى اضطراب عقلي عضوي، مثل النسيان، وصعوبة التركيز، والتقلب الانفعالي، والصداع، والدوار.

       يحدث الاضطراب، في أي سن، بما في ذلك الطفولة، بعد حادث. وقد يتأخر إلى ما بعده بأسبوع، أو يمتد التأخير إلى ثلاثين عاماً. والأعراض متماوجة (فترات من الاشتداد وأخرى من الهوادة)، بمرور الوقت. وقد تزداد خلال فترات التعرض لضغوط. ولوحظ أن حوالي 30% من المرضى يشفون شفاءً تاماً، بينما 40%، تظل لديهم أعراض خفيفة، و20%، تظل لديهم أعراض متوسطة الشدة، و10%، تسوء حالتهم، أو تظل كما هي، من دون تغير.

       ويرتبط التنبؤ بمآل حسن لاضطراب الانعصاب، بالحالات ذات البداية السريعة، والتي تقلّ مدة الأعراض فيها عن ستة أشهر؛ وبالأداء الوظيفي الجيد قبل المرض، والمساندة الاجتماعية القوية، وغياب الأمراض العضوية والنفسية الأخرى. ومن مضاعفات هذا الاضطراب، التجنب الرهابي للأنشطة، التي تشبه أو تشير إلى الحادث الأصلي. وقد يتداخل في العلاقات مع الآخرين، إضافة إلى التقلب الانفعالي، والشعور بالذنب، الذي قد يؤدي إلى الانتحار.

       يتفاوت انتشار هذا الانعصاب بتفاوت الكوارث الطبيعية والحوادث الصادمة. فلقد لوحظ أنه ينتاب حوالي 50 ـ 80 %، ممن ينجون من كارثة طبيعية. أما انتشاره بين عامة الناس، فهو 0.5 % لدى الذكور، و1.2 % لدى الإناث. ويكثر انتشاره بين الشباب.
أسباب اضطراب الانعصاب

       أهم أسباب هذا الاضطراب، هو الحادث نفسه، المسبب لانضغاط مع الظروف الاجتماعية، والسمات الشخصية للمريض وقابليته البيولوجية. وبصفة عامة، صغار السن من الأطفال وكبار السن من الشيوخ، يجدون صعوبة في تحمّل الظروف الضاغطة والأحداث الصادمة. أما الأشخاص، الذين يرتبطون بعلاقات اجتماعية طيبة، فهم أقلّ عرضة.

       ويعتقد البيولوجيون، أن المرضى الذين ينتابهم اضطراب الانعصاب، لديهم قابلية لازدياد نشاط الجهاز العصبي المستقل. ولوحظ أن إعادة معايشتهم الحادث، يصاحبها ازدياد إفراز أمينات الكاتيكول. كما أن تخطيط الدماغ الكهربائي، أثناء النوم، يكشف أن نومهم يشبه النوم في حالات الاكتئاب الجسيم، في نقص النوم المصحوب بحركة العين السريعة، والمرحلة الرابعة من النوم بطيء الموجة. وهناك دراسات حديثة، تشير إلى أن شبه الأفيونات الداخلية، تفرز من خلال إعادة معايشة الحادث، وأن الأعراض، قد تكون نتيجة انسحاب شبه الأفيونات الداخلية.

       أما النظرية التحليلية، فترى أن الحادث ينشط صراعات داخلية، من الطفولة المبكرة، لم تحل. ويشمل ذلك الصدمات العاطفية في الطفولة، التي أصبحت لاشعورية. وإستعادة هذه الصدمات، تسبب نكوصاً، مع ظهور الكبت والإنكار والإبطال، كحيَل دفاعية مصاحبة. وتزداد إعادة المعايشة، بوساطة الأنا لتخفيف القلق والسيطرة عليه، إضافة إلى ما يحصل عليه، كمكسب ثانوي، من المحيطين به، من تعاطف واهتمام وشفقة، وإشباع لحاجاته الاعتمادية. وهذا يدعم الاضطراب، ويجعله يستمر.
علاج اضطراب الانعصاب

       تستخدم العقاقير المضادّة للاكتئاب، مثل (الاميتريبتيلين) و(الايميرامين) و(الفنلزين)، ومثبطات إعادة أخذ السيروتونين (SSRIs) ـ في علاج الانعصاب، خاصة في وجود أعراض اكتئابية، أو في مشابهته لاضطراب الهلع. وهناك تقارير إكلينيكية، تشير إلى جدوى الكلونيدين (Clonidine) و(البروبرانولول) (Propranolol) والأتينولول (Atenolol)، ومضادّات التشنجات ـ في علاج هذا الاضطراب. وأحياناً، يلزم إعطاء مضادّات الذهان، إذا لوحظ الفوران الداخلي في سلوك الشخص. كما أن العلاج النفسي ضروري لإعطاء الفهم للأعراض والمساندة والطمأنة. كما يقلل من خطر أن يصبح الاضطراب مزمناً. وقد يلزم إدخال المريض مستشفى، إذا كانت الأعراض شديدة، أو إذا لوحظ احتمال الانتحار.

 


       
اضطراب القلق العام

       يتميز اضطراب القلق العام بقلق شديد، غير واقعي، وتوقعات تشاؤمية، باعثة على الخوف، حول اثنَين أو أكثر من ظروف الحياة، والذي يستمر لمدة ستة أشهر أو أكثر، على أن يكون الشخص، خلالها، قد عانى هذه الأحاسيس، أغلب الأيام.

       وتشمل أعراض القلق، التوتر العضلي، وازدياد نشاط الجهاز العصبي المستقل، والخوف والحذر، والأعراض المصاحبة.

       أولاً: أعراض التوتر العضلي، وتشمل الارتجاف أو الرعشة، واختلاج العضلات، والشعور بالاهتزاز، وتوتر العضلات وآلامها، وعدم الاستقرار، وسرعة الإجهاد.

       ثانياً: أعراض ازدياد نشاط الجهاز العصبي المستقل، وتشمل صعوبة النفس، والشعور بالاختناق، والشعور بسرعة ضربات القلب، والعرق، وبرودة الأطراف، وجفاف الحلق، والدوخة، وخفة الرأس، والغثيان والإسهال، أو أعراض اضطراب معوي، وسخونة الوجه، وكثرة التبول، واضطراب البلع، أو الشعور بانسداد البلعوم.

       ثالثاً: أعراض الخوف والحذر، وتشمل شعور الشخص بأنه على حافة الهاوية، و"الخضة"، وصعوبة التركيز، والأرق، في بداية النوم أو خلاله، وسرعة الاستثارة. وفي الأطفال والمراهقين، قد يأخذ هذا شكل القلق والترقب في ما يتعلق بالإنجاز، الدراسي والرياضي والاجتماعي.

       رابعاً: الأعراض المصاحبة، وتكون، عادة، أعراضاً اكتئابية خفيفة، وقد تكون أعراض هلع. ولكن، ليس لها علاقة باضطراب القلق العام.

       قد يبدأ القلق في أي سن، ولكنه يكثر في العشرينيات والثلاثينيات من العمر؛ فهو اضطراب مزمن، وقد يظل مدى الحياة. والإعاقة مع اضطراب القلق العام، خفيفة، إذا حدثت. ولكن من مضاعفاته حدوث نوبات هلع، في 25 % من المصابين به، أو إدمان العقاقير المهدئة، في محاولات المريض علاج نفسه بنفسه.

       وتشير دراسات عديدة إلى أن انتشار القلق العام، يراوح بين 2 و5 % من الناس كافة. ولكن بعض الدراسات، تشير إلى أنه ليس بهذه الدرجة من الانتشار، وأن الاضطرابات الأخرى، التي تحمل في طياتها قلقاً، تضاف بعض حالاتها إلى هذه النسبة. ويستوي فيه الجنسان، أي أن نسبته بين الذكور، تماثل نسبته بين الإناث، على الرغم من أن بعض دراسات أخرى، إلى أنه يكثر بين الإناث، بنسبة (1:2).
أسباب اضطراب القلق العام
1. العوامل البيولوجية

هناك افتراض أن النورأدرينالين والجابا والسيروتونين، في الفص الأمامي والجهاز الطرفي من المخ، تشترك معاً في باثوفسيولوجية هذا الاضطراب. وأن المرضى يميلون إلى أن يكون لديهم ازدياد في نشاط السمبتاوي؛ واستجاباتهم مبالغ فيها. كما لوحظ وجود شذوذات في تخطيط الدماغ، خاصة في إيقاع ألفا، وفي فرق الجهد المستحث. وكشفت دراسات تخطيط الدماغ، أثناء النوم، عن نقص النوم المتميز بموجات دلتا البطيئة، ونقص المرحلة الأولى من النوم بطيء الموجة، إضافة إلى نقص النوم المصحوب بحركة العين السريعة. وهذه التغيرات البيولوجية، مبنية على قياسات موضوعية، تقارن وظائف الدماغ لدى مرضى القلق بالأسوياء، سواء كانت التغيرات البيولوجية، أولية أو ثانوية، لتأثيرات القلق.

ولوحظ أن 25% من أقارب الدرجة الأولى للمرضى، يصابون، كذلك، بالقلق، مما يشير إلى دور للجينات الوراثية. ولكن دراسات التوائم، لم تؤكد ذلك، بل أثارت نتائجها الجدل حول دور الجينات الوراثية.
2. العوامل النفسية ـ الاجتماعية

عرّف فرويد القلق، بأنه إشارة إلى أن نزعة غير مقبولة، تضغط للمثول والخروج. والقلق، كإشارة، يوقظ الأنا، لعمل دفاعات ضد هذه الضغوط الآتية من الداخل. إذا تجاوز القلق الحدّ الأدنى من الشدة، المميز لوظيفته كمحذر، فإنه يبزغ، بكل اشتعاله، في نوبات هلع. والأمثل أن استخدام الكبت فقط، سينتج استعادة التوازن الفسيولوجي، من دون تكوّن أعراض؛ إذ إن الكبت الفعال، يحتوي احتواءً تاماً، الغرائز وتأثيراتها وخيالاتها، بدفعها إلى اللاشعور. أما إذا فشل الكبت، كدفاع، فإن دفاعات أخرى، مثل القلب والنقل والنكوص، قد تنتج، وتتكوّن الأعراض. وهكذا تتكوّن صورة القلق (أو العصاب).

والقلق، في إطار النظرية التحليلية، هو أحد الأربعة الآتية:

أ. قلق الغرائز: ويشار به إلى عدم الراحة الأولية، المبهمة، الذي ينتاب الطفل، عندما يشعر أنه مرتبك بحاجات ومثيرات، يشعر معها بأنه عاجز. ويسبب له هذا فقْد التحكم والسيطرة.

ب. قلق الانفصال: ويعزى إلى مرحلة قبل الأوديبية. ولكن الطفل بات أكبر، ويخاف من فقْد الحب، أو أن يصبح منبوذاً من والدَيه، إذا فشل في ضبط نفسه، وتوجيه نزعاته في تطابق مع.

ج. قلق الخصاء: وهو يميز الطفل، في الموقف الأوديبي، المصحوب بخيالات ومخاوف الخصاء، المرتبط بنمو نزعاته الجنسية. وقد يتكرر لدى البالغ، في شكل مرَضي.

د. قلق الأنا الأعلى: وهو نتيجة مباشرة للنمو النهائي للأنا الأعلى، الذي يميز حل العقدة الأوديبية.
علاج القلق العام

       يجب أن يقلل الأطباء من وصف العقاقير المضادّة للقلق العام، ما أمكن؛ وذلك لطبيعة المرض المزمنة، التي توجب تخطيط العلاج بدقة. وتُعَدّ مجموعة البنزوديازبين (Benzodiazepines)، حالياً، هي المجموعة المفضلة في علاج القلق، على أن تُعطَى عند اللزوم، أو لفترة محدودة، ثم توقف. وخلال هذه الفترة، يكون هناك دور للعلاج، النفسي والاجتماعي، في اكتشاف أسباب القلق، والعمل على حلها؛ إذ إن الاستمرار في تعاطي هذه العقاقير، يحمل أخطار الإدمان. وتستخدم المطمئنات العظمى، بجرعات صغيرة، في علاج القلق، كما تستخدم مقفلات مستقبلات البيتا الأدرينالية (B-adrenergic blockers)، ومضادّات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (TCA)، ومثبطات الإنزيم المؤكسد للأمينات الأحادية (MAOIs)، ومضادّات الحساسية، وحالياً، مثبطات إعادة أخذ السيروتونين انتقائياً (SSRIs)، وعقار البوسبيرون.

       وعلاج القلق، من المنظور التحليلي، يكون من خلال علاج تبصيري، طويل الأمد، موجه نحو تكوين الطرح، الذي يسمح، حينئذ، بإعادة العمل في مشكلة النمو، وحل الأعراض المرَضية. أما العلاج السلوكي للقلق، فيتركز في سلب الحساسية، مع مداخل علاج معرفية، تهدف إلى إبطال التشريط، إضافة إلى فنيات الاسترخاء وتعديل السلوك.

       يلاحظ في علاج حالات القلق، لدى الأطفال والمراهقين، أو لدى البالغين، تحسّن بعض الحالات، بوساطة معالجة الظروف البيئية؛ وذلك لأنها ناشئة عن صراع خارجي، غالباً. بينما حالات أخرى، تتطلب تدخلاً علاجياً، تحليلياً، لفترة محدودة، تتحسن بعدها؛ وتلك هي الناشئة عن صراعات داخلية، وهناك حالات معينة، يلزمها علاج تحليلي، لفترة طويلة جداً، وبعمق غير عادي. ويواجه المحلل بصعوبات عدة؛ تلك الحالات الناشئة عن صراع داخلي حقيقي.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:44 pm

الكابوس


       

مقدمة

          كثيراً ما نشاهد، أثناء النوم، أحلاماً مزعجة، تولد انفعالاً غير مريح، وتقض مضجعنا، وتخل بنومنا، وتثير داخل عقولنا التساؤلات، ما هذا الإزعاج الداخلي؟ وهل نحن نعاني من أزمة داخلية تنعكس في تلك الصور المزعجة التي تراءت لنا في تلك الأحلام؟

          وتشتد حيرتنا أكثر، إذا تكررت تلك الأحلام المزعجة، إذ يتحول النوم، من استرخاء وراحة نلتمسها، إلى عذاب يصب علينا من حيث لا ندري. إنها الكوابيس، وهي أحد الاضطرابات النفسية المخلة باستمرارية النوم وانسيابه. إذ يستيقظ الشخص، بصورة متكررة، من النوم، مع استدعاء تفاصيل حلم مخيف. وهذه الأحلام يعيشها الشخص أثناء النوم، وتشمل تهديداً لحياته أو لشعوره بالأمان أو احترامه لذاته. وخبرة معايشة الحلم أو اضطراب استمرارية النوم الناشئ عنها، تسبب إزعاجاً شديداً للشخص. وهذا الحلم الذي يُعَدّ باعثاً على القلق، غالباً ما يتزايد مع وجود ضغوط نفسية داخليـة وإلى حـدٍّ أقـل مع الإجهاد الجسماني، ونـادراً ما يحدث مع تغير ظروف النوم. ولا يشخص هذا الاضطراب إذا بدأ أو استمر تحت تأثير عامل عضوي أو كيميائي، مثل تعاطي عقار معين.

          ومن أكثر أشكال الكابوس Nightmare انتشاراً، رؤية النائم لشيء أسود كبير يشبه الجبل في ضخامته، ويطبق على صدر الشخص ويشعره بالاختناق، ويشعر كأن روحه تزهق، ويحاول التملص أو الصياح أو الحركة، فلا يستطيع، وربما خرج منه صوت ضعيف كناتج لتلك المحاولات يشعر به من حوله فيدرك أنه في كابوس فيوقظه، فيستيقظ الشخص مضطرباً خائفاً ويحتاج بعض الوقت ليطمئن ويهدأ، بعد أن يدرك أنه كان كابوساً مزعجاً.

          وأحيانا يرى النائم أن هناك من يطارده ويريد أن يفتك به ويوشك على الإيقاع به، وهو أي النائم، يحاول الفرار والجري، ولكن تخونه رجلاه، فلا يستطيع الجري، ويشعر أن رجليه لا تجريان، فيحاول الصياح أو الصراخ طلباً للنجدة، ولكن صوته، كذلك، لا يخرج، وقد يكون هناك أناس على مقربة ولكن لا أحد منهم يسمعه ويظل في هذا الموقف المرعب إلى أن ينتهي الكابوس بالاستيقاظ ، وعندما يستيقظ تماماً، يحاول أن يحرك رجليه ليتأكد أنهما غير مشلولتان فيجدهما سليمتين، فيعجب ويتساءل لماذا كانتا مشلولتين؟! ويجد صوته سليماً على الرغم من أن صوته كان مكتوماً أثناء الكابوس، ولا يسمع نفسه، على الرغم من صراخه واستغاثاته العالية!

          وتفسير هذا العجز الحركي في الكابوس، بشكل خاص، وفي الأحلام، بشكل عام، أن هناك أنوية خاصة في جذع الدماغ (Brain Stem) تنشط أثناء النوم المصحوب بحركة العين السريعة، وتثبط في الوقت نفسه، النشاط الحركي عند مستوى النخاع الشوكي (Spinal Cord)، والتي تنفذ الأوامر الحركية. ولذا، فإن قشرة مخ الشخص (Cerebral Cortex) تصدر الأمر بالحركة في صورة الجري، ولكن التثبيط من تلك الأنوية لا يوصل هذا الأمر إلى النخاع الشوكي، وفي الوقت عينه، لا يعود إلى المخ تغذية راجعة (Feedback)، تفيد الحركة، ومن ثم يشعر الحالم كأنه مشلول.

          وتكوّن الصور في الكابوس، أو الحلم، مرجعه أن الدماغ في مرحلة النوم المصحوب بحركة العين السريعة، يكون نشطاً مثلما هو في حالة اليقظة بدرجة كبيرة. ومع أن المعلومات القادمة من الشبكية مثبطة، إلاّ أن المراكز البصرية العليا والوسيطة تعمل وتنشط فتفسر النبضات العصبية الداخلية القادمة من الدماغ نفسه، وليست من أجهزة الحس على أنها قادمة من أجهزة الحس فعلاً، فتكون خيالات الحلم أو الكابوس وتتزاوج تلك الخيالات مع ميول صاحب الكابوس أو الحلم فتتحول الخيالات إلى صور تشاهد عبر المجال البصري، إذ تسقط المشاعر والميول الداخلية على تلك الخيالات، وبذا يكون الكابوس أو الحلم معبراً عن الشخص.

          عادة تحدث نوبات الحلم المفزع (الكابوس) خلال فترات النوم المصحوب بحركة العين السريعة (Rapid Eye Movement Sleep) ولكنها، أحياناً، قد تحدث في أي وقت ليلاً، وتزداد قرب نهاية النوم، مع زيادة هذا النوع من النوم، وخلال الحلم المفزع، يوجد فورة في الجهاز العصبي المستقل(Autonomic Nervous System)، ونادراً ما تلاحظ حركات الجسم خلال النوبة، لأن النوم المصحوب بحركة العين السريعة يرتبط بفقد قدرة العضلات وتثبيط حركة الجسم. وعند الاستيقاظ من الحلم المخيف، سرعان ما يصبح الشخص مهتدياً ويقظاً ويمكنه إعطاء تفاصيل عن الحلم، سواء بعده مباشرة، أو بعد الاستيقاظ في الصباح، وكثيراً ما يجد صعوبة في العودة إلى النوم.

          ولوحظ أنه لا يوجد معاناة نفسية (Psychopathology) ثابتة لدى الأطفال المصابين بهذا الاضطراب، مقارنة بالبالغين المصابين به، والذين يظهرون سيكوباثولوجى شديد في بعض الحالات. وأشار بعض الدراسات أن الاضطراب مرتبط بقدرة فنية لدى المصاب به، وأشارت دراسات أخرى، إلى سمات شخصية معينة ترتبط باضطراب الكابوس، وهى عدم الثقة والاغتراب وزيادة الحساسية أو يكون نمط الشخصية من النوع شبه الفصامية أو الحدية.




       
بدء اضطراب الكابوس ومساره

          في أكثر من نصف الحالات، يبدأ قبل سن عشر سنوات، وفي ثلث الحالات، يبدأ قبل سن العشرين. ويبدو أن ظروفاً ضاغطة نفسية اجتماعية تسبق بدء الاضطراب في حوالي 60% من الحالات. ومعدل النوبات متفاوت للفرد الواحد وللأفراد المختلفين. وأحياناً، تتكرر الأحلام المفزعة ثلاث مرات أسبوعياً، وكثيراً ما يختفي تلقائياً لدى الأطفال، أمّا البالغين، فإنه يظل لديهم عشرات السنين. ولا يحدث الاضطراب إعاقة شديدة أثناء ساعات اليقظة، وينتشر اضطراب الكوابيس الليلية في 5% من عامة الناس، ويكثر انتشاره بين النساء بصفة خاصة.

          ولا يشخص اضطراب الكوابيس الليلية في حالة عامل عضوي معروف مثل تعاطي عقاقير معينة مثل الرزربين (Reserpine)، والبنزوديازبين (Benzodiazepins)، ومضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات (Tricyclic Anti-Depressants)، والثيوريدازين (Thioridazine)، إذ لوحظ أنها تسبب أحلاماً مزعجة كما أن السحب المفاجئ لمثبطات النوم، المصحوب بحركة العين السريعة، مثل مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات، يزيد من هذا النوع من النوم كرد فعل، ويزداد احتمال حدوث الأحلام المزعجة، إذا كان السبب أي من هذه العوامل العضوية، وهنا يكون التشخيص اضطراب مخل بالنوم غير مصنف في مكان آخر.

          ومن خلال الخبرة في معالجة الحالات النفسية، علاجاً نفسياً، على مدار ما يزيد على عشرين عاماً، لوحظ أن الكوابيس إنما تُعَدّ عن عقاب من الشخص لنفسه، إذ يكون لائماً لنفسه أو لديه شعور بالذنب (Guilt Feeling)، ويشعر في قرارة نفسه أنه يستحق العقاب، ومن ثم يكون دور الجزء اللاشعوري من الأنا الأعلى هو معاقبة الشخص بإسقاط رغبة العقاب على هيئة الخيالات المتكونة فتكون الصور الناتجة معاقبة، وهو الكابوس.

          وليس أدل على ذلك من فتاة كان لديها قِيم، ثم وقعت في صراع ورغبة داخلية في اتجاه الخطيئة، تنازعها رغبة في الحفاظ على القِيم، والاستمرار في طريق الاستقامة. وتتكرر رؤيتها لكابوس أنها تسقط من مكان مرتفع إلى هاوية سحيقة وتنهض صارخة منه. وهنا، يعبر السقوط عن الخوف من السقوط في الخطيئة، والعقاب لها، في الوقت نفسه، على الميول الغريزية نحو الخطيئة. وبمجرد توضيح ذلك لها، من خلال جلسات العلاج النفسي، وحسم الصراع داخلها، اختفي الكابوس، من دون أن تعطى أي عقاقير.

          وتلك السيدة المتزوجة التي كان لديها إحساس بالذنب لمقابلتها شخص غير زوجها خفية، وكان يزعجها كابوس أن السرطان قد أصاب ثديها، وأنه لا بدّ من استئصاله، فتصحو من نومها مذعورة، ووصل الأمر بها إلى الخوف من النوم، لأن هذا الكابوس المرعب يباغتها كلما نامت. وكان العلاج في أن تتوقف عن التصرفات التي لا يرضى عنها ضميرها، بعد أن وعت ذلك من خلال الجلسات النفسية. وليس معنى هذا أن من تنتابهم كوابيس مذنبون، ولكنهم أصحاب قِيم داخلية، ولديهم ضمير، أما من انعدمت قِيمهم، وماتت ضمائرهم، فلا تزعجهم الكوابيس، وينامون ملء جفونهم، على الرغم مما يرتكبون أخطاء، سواء في حق أنفسهم، أو في حق الآخرين.

          ومن ثم فإن العلاج لحالات الكابوس، يكون نفسياً يهدف إلى كشف الصراع الداخلي بين مكونات النفس والعمل على حله بالأساليب النفسية من دون عقاقير.

 


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:46 pm

اللغة


       

اللغة

      اللغة[1] Language  هي التعبير اللفظي، الذي يعبّر به الإنسان، سواء بالنطق أو الكتابة. ويُعَدّ التعبير اللغوي أكثر رُقيّاً من التعبير بالحركة (التعبير غير اللفظي). واللغة وظيفة مكتسبة، لها أساس حركي وآخر حسّي. والتوافق بينهما، يخرج الكلام سويّاً، الذي هو اللغة المنطوقة. وإذا كانت اللغة المنطوقة هي أداة التواصل اللفظي بين البَشر، فإن هناك لغة غير منطوقة، للتواصل غير اللفظي، وهي لغة الحركة والجسد، في صورة الإيماءات وتعبيرات الوجه، التي قد تكون مصاحبة للألفاظ، وقد تكون منفصلة، في أحيان أخرى. وعلى خلاف ما يتوقع الكثيرون، يشكل التواصل غير اللفظي حوالي 80% من تواصل البَشر. بينما يشكل التواصل اللفظي 20% فقط. ويتضح ذلك من خلال الأمثلة الآتية:

    عندما يطلب منك شخص شيئاً ما، وتجيبه بقولك حاضر، يختلف عما تجيبه بكلمة حاضر ماداً إياها، في لهجة متوعّدة، وممسكاً بأسفل ذقنك. فإن الرسالة، التي ستنقل إليه هي التهديد، وهذا يختلف عن الرد السلس الأول، والسبب هو ما صاحبه من تواصل غير لفظي.
    عندما يكون شخص في مركب وسط الماء، وتحيّيه، فيناديك مع رد التحية بكلمة (تفضل)، فإنك تفهم أنه لا يعني ما يقول. ومن هنا، أطلق عليها (عزومة مراكبية).
    عندما تداعب الأم طفلتها، التي تبلغ من العمر عامين، وتدغدغها، وهي مبتسمة قائلة: (غبية)، فإن البنت تضحك، لأنها تتجاهل اللفظ، وتتفاعل مع ما يصاحبه من تواصل غير لفظي.

      ومن هذه الأمثلة، وكثيرٌ غيرها، توصّل الدارسون إلى أن "التواصل غير اللفظي" Non-Verbal Communication أكثر قِيمة، في تعاملنا اليومي، وإن كانت اللغة (أي الألفاظ) هي التواصل الأوحد في عملية الكتابة.

      والألفاظ الواضحة الدلالة، والجُمل ذات المعاني، المتفق عليها بين أفراد المجتمع، هي اللغة. بينما إخراج الحروف، من دون النظر إلى معناها، يعني الكلام. والأساس الحركي للكلام، يتكون من الحنجرة والبلعوم والفم واللسان واليد، وما يتحكم فيها من مراكز عليا، وهي منطقة التلفيف الجبهي الثالث، التي تقع عند التقاء الفص الصدغي الفص الخلفي من قشرة المخ، في نصيف كرة المخ السائد، وتسمى منطقة بروكا (Broca's area)، نسبة إلى الجراح، الذي اكتشفها وقشرة المخ الحركية. وليست هذه المراكز هي المسؤولة فقط عن سلامة وظيفة الكلام، ولكن يلزم توافق بين الفصوص الأربعة لقشرة المخ (الفص الأمامي والفص الخلفي والفص الصدغي والفص الجداري)، إضافة إلى سلامة الارتباط بين نصفَي كرة المخ  (الأيمن والأيسر).

      أما الأساس الحسي، فيتكون من المناطق الحسية في قشرة المخ، والمرتبطة بالفهْم والإدراك واختزان المعلومات. ويأتي الكلام كناتج لعملية التفكير، مستخدماً الألفاظ، التي ترمز إلى مفاهيم، تم إدراكها واختزانها في الذاكرة.

      ولقد نتج من وظيفة الكلام، تكوّن لغات البَشر المختلفة. واللغة هي مفردات (كلمات)، يتكون كل منها من أصوات أساسية، أو ما يسمى بالوحدات الصوتية. وتتركب هذه الكلمات معاً في جُمل، عبْر عملية القواعد.

      وكما أن اللغة نتاج وانعكاس للتفكير، فإن للغة دوراً مهماً في عملية التفكير. فالمعاني أو المفاهيم، التي يكتسبها الإنسان، لا بد أن يرمز إليها برموز، تمكّنه من استخدامها في التفكير، والتعبير عنها. والرموز هي الكلمات أو الأعداد أو العلامات، وتصبح هذه الرموز قوالب، تصبّ فيها المعاني، حتى يمكِن الاحتفاظ بها، ثم الإفادة منها. فالمعاني تظل حائرة في الذهن، حتى تستقر في رموز ملائمة، فتثبت، وتتبلور، ويسهل تذكّرها واستخدامها في التفكير. فمن دون اللغة، يستحيل علينا الاحتفاظ بالمعاني، أو توصيل هذه المعاني إلى الآخرين.

      وقد تختل اللغة (التواصل اللفظي) Verbal Communication  في أي من الصور الآتية:

      1. اضطراب التعبير اللغوي: ويتميز هذا الاضطراب بالإعاقة الملحوظة في نمو التعبير اللغوي، التي لا يمكِن أن يفسرها التخلف العقلي، ولا يرجع سببها إلى اضطراب تشوّه النمو أو إعاقة سمعية أو مرض عصبي.

      وتتفاوت صورة هذا الاضطراب الإكلينيكية، طبقاً لسن الطفل، وشدة الاضطراب، ومستوى نمو الوظائف الأخرى، غير اللغوية. وأهم ملامحه هي قِلة حجم الكلمات، وصعوبة اكتساب كلمات جديدة، والخطأ في استعمال الكلمات (مثل الإبدال أو التعميم الزائد أو الرطانة بلغة مضطربة، غير مفهومة)، وقِصر الجُمل واختلال في التراكيب النحوية والاختصارات المخلة بالجُمل، مع ترتيب غير معهود للكلمة، وبطء معدل نمو اللغة (في صورة تأخر بداية الكلام، والتقدم ببطء، خلال مراحل نمو اللغة). ويصاحبه اضطراب نطق الكلام، وقد توجد مشاكل دراسية، مع تأخر علامات النمو الحركي، واضطراب التحكم الحركي، والتبول، ومشكلات انفعالية، والانسحاب الاجتماعي، وقد توجد مشكلات سلوكية، أحياناً.

      ويبدأ ظهور الأشكال الشديدة للاضطراب، قبل سن الثالثة، واكتشافها سهل. أمّا الأشكال الأقل شدة، فربما لا تظهر حتى بداية المراهقة، حين يصبح التعبير اللغوي أكثر تعقيداً. و في الحالات الخفيفة، يتحسن (50%)، تلقائياً، قبْل الوصول إلى سن المدرسة الابتدائية. أمّا الحـالات الأكثـر شدة، فيتم شفاؤها ببطء. ولكن أغلب الأطفال، المصابين بهذا الاضطـراب، لا تحدث لهم مضاعفات من قبيل اضطراب نمو فهْم اللغة، ويكتسبون قدرات لغوية طبيعية، في نهاية المراهقة. والمضاعفات، التي تحدث غالباً، انفعالية تشمل ضعف صورة الشخص عن نفسه، والإحباط، وقد يصاب بالاكتئاب في سن المدرسة الابتدائية.

      ويراوح معدل انتشار اضطراب التعبير اللغوي بين (3%) و(10%) من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية. وهو أكثر انتشاراً بين الأولاد منه بين البنات، بنسبة (2:3). كما يكثر بين الأطفال، الذين يوجد تاريخ موجب للاضطرابات الخاصة، بين أقاربهم.

      وسبب الاضطراب غير معروف. ولكن يُفترض أنه التلف المخي، أو نقص نضج الجهاز العصبي. ولا يوجد برهان يدعم هذه الافتراضات. كما يُفترض أنه العامل الجيني، بسبب انتشاره بين الأقارب.

      ويجب بدء العلاج اللغوي، فور تشخيص الاضطراب. ويكون في صورة تدريب وممارسة لأصوات الكلمات، وبناء جُمل، مع تعزيز الصواب، وإطفاء الخطأ في التعبير اللغوي. ودور العلاج النفسي، يقتصر على الاضطرابات الانفعالية المصاحبة. وقد يلزم تدخل علاجي أُسري، بهدف تقليل التوتر داخل الأسرة، وزيادة وعي الأُسرة وفهْمها لاضطراب الطفل.

      2. اضطراب الفهْم والتعبير اللغوي: وتميزه الإعاقة الملحوظة في نمو فهْم اللغة والتعبير، التي لا يمكن تفسيرها بوساطة التخلف العقلي، أو سوء العملية الدراسية. ولا يرجع ذلك إلى اضطراب تشوّه النمو أو إعاقة سمعية أو مرض عصبي. ويتفاوت قصور الفهْم والتعبير اللغوي طبقاً لشدة الاضطراب، وسن الطفل. ففي الحالات الخفيفة، قد يكون القصور في فهْم أنواع خاصة فقط من الكلمات (مثل المفاهيم الفراغية)، والتعبير عنها. أمّا الحالات الأكثر شدة، فقد توجد إعاقات متعددة، تشمل عدم القدرة على فهْم الكلمات الأساسية، أو الجُمل البسيطة، مع قصور في تمييز الأصوات، يصاحبه اضطراب نطق الكلام، واضطراب التعبير اللغوي، واضطراب المهارات الأكاديمية. وقد يصاحبه اضطراب التبول الوظيفي (البوال)، واضطراب التحكم الحركي، واضطراب نقص الانتباه و(أو) فرْط الحركة. وأحياناً، توجد شذوذات في تخطيط الدماغ الكهربائي، أو مشاكل سلوكية واجتماعية.

      ويظهر الاضطراب، عادة، قبْل سن الرابعة. فالأشكال الشديدة منه، تظهر عند السنتين. أمّا الأشكال الخفيفة، فربما لا تظهر حتى سن السابعة، أو بعد ذلك، عندما تصبح اللغة أكثر تعقيداً. ويتحسن غالبية هؤلاء الأطفال، ولكن المصابين بشدة، لا يتحسنون، خاصة من لديهم مشكلات سمعية، أو مشكلات في اختزان الأحداث في الذاكرة أو صعوبة في التكامل الحسي، وترتيب الأحداث.

      ويراوح معدل انتشار اضطراب فهْم اللغة بين (3%) و(10%) من الأطفال في سن المدرسة الابتدائية، وهو أكثر انتشـاراً بيـن الذكور منـه بين الإناث، بنسبـة (2:3). والسبب غير معروف. ولكن يُفترض أنه اضطراب في وظيفة الإدراك، ناشئ عن تلَف مخي أو نقص نضج الجهاز العصبي، أو عوامل جينية. ولكن لا توجد براهين على هذه الافتراضات. وتشير دراسات عديدة إلى احتمال وجود خلل  تمييز سمعي.

      ويتم علاج الأطفال، لغوياً، في مجموعات من الأطفال، لتعلّم تراكيب لغوية عديدة، في ظروف حياتيه عادية. مع علاجهم، نفسياً، في الحالات التي يعاني فيها الطفل اضطراباً انفعالياً أو سلوكياً، لتحسين صورته عن نفسه، ومهاراته الاجتماعية. كما يلزم لقاءات مع الوالدين، لتعليمهم طرائق ملائمة للتفاعل مع الطفل ومساعدته.

      3. اضطراب إخراج الكلام: ويتميز بالفشل في إخراج الكلام في صورة أصوات، عند السن الملائمة لذلك. وليس سبب ذلك اضطراب تشوّه النمو، أو التخلف العقلي، أو خللاً في آليات نطْق الكلام، أو خللاً عصبياً، أو ذكائياً، أو سمعياً. ويظهر الاضطراب في سوء النطق والإبدال أو الاختصار لأصوات الكلام، معطياً انطباعاً بكلام طفل. ولقد أطلق على هذا الاضطراب أسماء عديدة، منها: ( Dyslalia) و ( Lalling) و( Lisping) الكلام الوظيفي، والأسلوبية الطفلية (Infantile perseveration)، ونطْق الطفل وتأخر الكلام.

      وأصوات الحروف، التي يضطرب نطْقها، عادة، هي تلك التي تكتسب، مؤخراً، في نمو الكلام (مثل: ر،ش،ث،ف،ز). ولكن في الحالات الأكثر شدة، أو الأصغر سناً، تضطرب حروف، (مثل: ب، م، ت، د، ن، هـ). ويوجد مدى واسع للاضطراب، فكلام الطفل قد يكون واضحاً كلياً، وقد يكون واضحاً جزئياً، وقد يكون غير واضح. ويصاحبه أعراض من اضطرابات النمو الخاصة، مثل اضطراب القراءة والتوافق الحركي، وقد يوجد التبول (Enuresis) (سلس البول). وهو تدفق البول لا إرادياً.

      ويتم اكتشاف اضطراب إخراج الكلام، في الحالات الشديدة، في سن الثالثة. أمّا في الحالات الأقل شدة، فربما لا يظهر حتى سن السادسة. ويتم الشفاء التلقائي في الحالات الخفيفة. ومع العلاج، يتم، كذلك، شفاء الحالات الشديدة.

      ولوحظ أن اضطراب إخراج الكلام واسع الانتشار، إذ يصل إلى (10%) في الأطفال قبل سن الثامنة، و(5%) في أطفال الثامنة وما بعدها، ويكثر انتشاره بين الذكور أكثر منه بين الإناث، بنسبة (1:3). كما أنه أكثر شيوعاً بين أقارب الدرجة الأولى منه بين عامة الناس.

      والسبب غير معروف. ولكن يعتقد أنه نقص في نضج العمليات العصبية المرتبطة بالكلام.  ونظراً إلى ازدياد انتشاره في الأُسَر كبيرة العدد، وذات المستوى، الاجتماعي والاقتصادي، المنخفض، فإن ذلك يوحي بنقص الإثارة الكلامية للطفل، وبتدعيم هذه الأُسَر للاضطراب، كعوامل مسببة، كذلك. كما أن كثرة انتشاره بين الأقارب، أوحت بوجود عوامل تكوينية جبْلية، علاوة على العوامل البيئية.

      ويُعَدّ العلاج الكلامي أنجح السبل العلاجية في اضطراب إخراج الكلام. ويتم عند بلوغ الطفل الثامنة من عمره، وعندما يسبب الاضطراب مشكلة للطفل بين رفاقه، أو في تعلّمه، أو في صورته عن نفسه.

      4. اضطراب التهتهة (اللجلجة): وهي إعاقة في تدفق الكلام، تتميز بكثرة تكرارات، أو استطالات الأصوات أو المقاطع  بينها لحظات من الصمت. ويتفاوت اضطراب التهتهة من موقف إلى آخر، إذ يشتد في مواقف التوتر والضغط، التي تتطلب تواصلاً، كما في حالة إجراء مقابلة لعمل ما. وتشير التقارير إلى أن التهتهة، حتى في حالاتها الشديدة جداً تختفي خلال القراءة الشفهية، أو الغناء، أو الكلام إلى الجمادات أو الحيوانات الأليفة.

      ويُصاحبها أعراض الخوف من توقع حدوثها، ومحاولات تجنّب التهتهة بوساطة آليات النطق (مثل تغيير معدل الكلام، وتجنّب مواقف كلامية معينة). أو بوساطة حركات، تصاحب الكلام (مثل غمز العين، والرعشة للشفتين أو الوجه، وهز الرأس وحركات التنفس). كما يصاحبها اضطرابات أخرى، مثل اضطراب إخراج الكلام، واضطراب التعبير اللغوي، واضطراب القلق.

      وتبدأ التهتهة خلال نمو وظيفة الكلام. وتشير الدراسات التتبعية إلى أن البداية بين الثانية والسابعة من العمر، مع زيادة حدوثها عند سـن الخامسة. وتكون البداية في (98%) من الحالات قبل سن العاشرة . وهي تدريجية بترديد المقاطع الأولية، أو كل الكلمة (عادة أول كلمة في الجملة)، ويكون الطفل غير واعٍ بها في البداية، ولدى وعيه بها، فإنه يبدأ في آليات التجنب، وتظهر الاستجابات، الحركية والانفعالية. ويصبح الاضطراب مزمناً، تتخلله فترات من الهوادة، تمتد إلى أسابيع أو شهور. ويتحسن تلقائياً بنسبة (50 ـ 80%) من الحالات (خاصة الحالات الخفيفة)، قبل بلوغ السادسة عشرة، والشفاء أكثر لدى الإناث.

ولوحظ أن هناك ثلاثة أنواع:

1. النمـط النمــائي: ويحدث في مرحلة الانتقال إلى المخارج السهلة الميسرة للكلمات، وذلك بين الثانية والرابعة من العمر، إذ يتغير نمو الكلام، من الإطالة إلى التوقف والتكرار والتردد. ولكنها ظاهرة انتقالية فسيولوجية، وعلاجها هو إهمالها من جانب الوالدين.

2. النمـط المتحســن: الذي يظهر بين الثالثة والحادية عشرة، ويزول العرض، تلقائياً، بعد ستة أشهر إلى ست سنوات.

3. النمـط الثابــت: ويبدأ، عادة، بين الثالثة والثامنة من العمر، ويحتاج إلى علاج طويل.

وهناك عوامل  تنبئ بمآل حسن لمريض التهتهة، هي:

* زيادة الأحاديث اليومية.

* غياب الوقفات، وقِلة الإعادات والإطالات.

* سن الطفولة: لأنه قد يكون من النمط النمائي، الذي يتحسن تلقائياً.

* زيادة التوتر التي تزيد من فرصة العلاج.

* الاتجاه الإيجابي نحو المعالج.

* النظر إلى عيني من يكلمه.

      ومن الدارسين من يرون أن الشفاء التلقائي، لا يرتبط بعوامل مصاحبة (مثل العلاج والسن، عند بدء الاضطراب أو شدته).

      وتسبب التهتهة إعاقة اجتماعية للمصاب بها، إذ يتجنب مواقف اجتماعية كثيرة. وقد تضع له قيوداً في اختيار الوظيفة (مثل خريج كلية التربية، الذي يخشى الاشتغال بالتدريس ويتجنبه)، إضافة إلى القلق والإحباط ونقص اعتبار الذات.

      ويصل  معدل انتشار التهتهة إلى (5%) بين الأطفال، خاصة الصغار، إذ المعدل (10%) من أطفال المدارس الابتدائية، ولكنها في الكبار (1%) فقط ؛ ويزداد انتشارها بين الذكور أكثر منه بين الإناث، بنسبة (1:3). وتزداد التهتهة في أُسَر معيّنة، إذ لوحظ أن (50%) من أقارب الدرجة الأولى، مصابون بالاضطراب، كما أن مطابقة حدوثها بين التوائم المتماثلة أكثر منه بين التوائم غير المتماثلة.

      ونظراً إلى عدم معرفة أسباب محددة للتهتهة، فلقد وضعت نظريات لذلك، تورد العوامل التي يمكن أن تسبب التهتهة، وأهمها ما يلي:

أ . العوامل العضوية

1. عدم سيادة أحد جانبي قشرة المخ على نشاط الدماغ، إذ إن الصراع بين نصفي كرة المخ يهيئ لحدوث التهتهة.

2. إصابة الطفل بمرض طويل الأمد، خاصة أمراض الجهاز التنفسي .

3. محاولة الكلام خلال عملية الشهيق، وليس الزفير، كما يتكلم الشخص العادي.

4. الوراثة: نظراً إلى ازدياد نسبة التهتهة بين الأقارب، عُدّ العامل الوراثي أحد العوامل.

5. نقص الكالسيوم وفيتامين (د)، إذ عُدّت التهتهة، لدى بعض الباحثين، أحد أشكال التكزز الكامن (Latent Tetany)، الذي يتميز بإثارة شديدة للجهاز العصبي. إلا أن الأبحاث المعملية، كشفت أن نسبة الكالسيوم وفيتامين (د) هي في حدود طبيعية لدى المصابين بالتهتهة.

6. اضطراب السمع، الناشئ عن سوء توصيل الأصوات، لخلل في العضلات الدقيقة، التي تنظم حركات عظام الأذن الوسطى، مما يعطي تغذية سمعية مرتجعة، سيئة، تربك الشخص، وتزيد من التهتهة.

ب. العوامل النفسية: الكلام وظيفة ثانوية مركبة، تقوم بها تراكيب جسمانية، لها وظائف أخرى. هي الجهاز التنفسي بما فيه الحنجرة. وهو جهاز حساس جداً للإثارة الانفعالية، بسبب أنها تؤدي دوراً حيوياً في استجابة القتال أو الهرب (Fight- Flight). فالمنعكسات التنفسية تحت القشرية وجذع الدماغ والمخيخ، تستثار خلال الإثارة الانفعالية. وعند مستوى معين من الإثارة، فإن أي متحدث سيجد نفسه غير قادر على السيطرة الإرادية الدقيقة، اللازمة لإخراج كلام طبيعي.

ويكون الطفل عرضة لخطر حدوث التهتهة، في واحدة من فترات ضعف التحكم الدقيق، في التراكيب المشتركة في إخراج الكلام. وإلى حدّ ما، فإن كل الأطفال يمرون، في نموهم بهذه الفترة. وفي ظل الظروف الملائمة، ينجح الطفل في التحكم في الكلام. ولكن هذه السيطرة، قد تتشوه بسهولة، في حالة إثارة انفعالية، تغيّر من حالة أجهزة التنفس. وفي حالة سرعة معدل الكلام، إذ يتشوه الكلام، عندما يتكلم الطفل بسرعة، وتختفي التهتهة، عندما يتكلم ببطء.

كما أفتُرض أن هناك عتبة لتشوّه السيطرة الحركية للكلام. ويمكِن أن يكون الأطفال في خطر لحدوث التهتهة، إما لأن لديهم عتبة منخفضة لاضطراب التحكم، أو لوجودهم في بيئة ذات عوامل مشوهة عديدة.

وتكرار فشل الطفل في التحكم الكلامي، يمكن أن يخلق مصدراً خاصاً للانضغاط والإثارة الانفعالية، إذ إن إدراك فقْد السيطرة الإرادية، يمكن أن يكون خبرة مخيفة للطفل (أو البالغ)، تولّد خوفاً من فشل مستقبلي، يحدِث الصراع والتوتر كعارضين ثانويين، يولّدان الفشل.

ويؤكد علماء التحليل النفسي، أن التهتهة، ما هي إلا عرض عصابي، تكمن وراءه رغبات مكبوتة عدوانية، إذ يعيش صاحبها نكوصاً إلى المرحلة الشرجية، وصراعاً بين الرغبة الشعورية في الكلام، وحاجة لا شعورية إلى عدم الكلام. فوظيفة الكلام تنطوي على دلالة عدوانية (أي أن الكلام فعل عدواني موجَّه ضد السامع)، وتكون التهتهة وقفاً لهذا العدوان. وما التهتهة إلا إخراج، يعقبه إيقاف وخوف من الكلام، ثم إخراج آخر، يعقبه خوف آخر من إخراج العدوان ... وهكذا. ولذا، فإنها أكثر حدوثاً أمام الكبار. وفي المواقف المرتبطة بالصراع، قد يكون الشخص طبيعياً مع أقرانه، ومن هم أقلّ منه. ولكنه يتهته أمام المدرس، والوالد، وفي مقابلة من أجل الحصول على عمل. وأرجع البعض النكوص، ليس إلى المرحلة الشرجية فقط، ولكن إلى المرحلة الفمية، إذ تكون النزعات العدوانية مرتبطة بالفم، من العض والقضم، لأنه هو المعبّر عن القلق، في هذه المرحلة.

ج. العوامل الاجتماعية: يُعَدّ الكلام نشاطاً اجتماعياً. ولذا، فإن الطفل يعبّر عن موقفه الاجتماعي السيئ بالتهتهة، إذ إن عدم التشجيع المناغاة بل المبادرة إلى إحراج الطفل في المواقف الكلامية، وقهره وعدم السماح له بالتعبير عن نفسه كما يريد، واستعجاله وإيذائه، البدني والنفسي، وعدم شعوره بالأمان داخل الأُسرة أو المدرسة ـ كل هذه عوامل اجتماعية، تهيئ الطفل لحدوث التهتهة.

      نظراً إلى عدم معرفة السبب، فإن العلاج يتعامل مع التهتهة بطرق عديدة، ومن أهم الاتجاهات العلاجية ما يلي:

1. العـلاج السـلوكي: الذي قدم فنيات عديدة لعلاج التهتهة. منها تعديل سلوك الكلام بالتحدث ببطء، أو الحديث الإيقاعي، أي الكلام مع حركة إيقاعية، تصاحب الكلام، مثل حركة اليد، مثلاً، أو الغناء وإطالة الحروف. أو طريقة مضغ الكلام، ولا سيما الكلمات، التي يتهيب نطقها. أو الكلام بطريقة هامسة. أو الممارسة السلبية، بجعله يمارس التهتهة بأقصى ما يمكنه من الشدة والدقة. أو يكرر الكلمات التي يتهته فيها بصوت مرتفع، إلى أن يصل إلى الانسياب. وهناك فنية سلب الحساسية التدريجي، التي تهدف إلى مواجَهة المشكلة بقليل من القلق المصاحب، فيواجهها المتهته تدريجياً، وفي حالة استرخاء. أو الكف الكلي للتهتهة، من طريق التحكم الخارجي، إذ إن العيوب المسؤولة عن التهتهة إدراكية، ولذا، استُخدم الإصمام لإعاقة السمع، وإجبار المتكلم على تحويل إدراكه إلى مصدر للصوت، مختلف عن كلامه، وذلك بأسلوب الترديد أو الاقتفاء (Shadowing)، فيقرأ المعالج، ويردد خلفه المريض، كظله. كما يمكن استخدام طريقة الوصل الصحيح، أي وصل الكلمات، مثل ضبط آخر الكلمة بالتشكيل، في اللغة العربية (بالفتحة أو الضمة أو الكسرة). ولذا، فإن قراءة القرآن قراءة صحيحة، يمكِن أن تعالج التهتهة.

2. العـلاج  النفسي التحليلي: من منطلق أن التهتهة عرض عصابي. ولا بد من تبصير المريض بصراعاته، مع إعادة الثقة للمريض، وإزالة الحواجز بينه وبين الآخرين، أي مساعدة المريض على التوافق الداخلي بين مكونات نفسه، وبينه وبين العالم الخارجي.

3. العلاج النفسي الجماعي:  وذلك باستغلال أثر الجماعة في علاج الفرد، إذ يتخلص من شعوره بالاختلاف، ويتخفف من عبء المعاناة، عندما يجد آخرين، لديهم مشكلته عينها، مع ما يتاح له من تفريغ انفعالي، وتكوين علاقات جديدة، والاستبصار، وبناء عادات جديدة.

4. العلاج بالعقاقير: ومن أهم العقاقير، التي استُخدمت في علاج التهتهة، عقار الهالوبيريدول. وزعمت بعض الدراسات أنه أعطى بعض التحسن، ولكن مقارنته بسُبُل العلاج النفسي، والإرشاد الأُسري، أثبتت أنه دونها تأثيراً في علاج التهتهة.

5. العلاج الجراحي: بقطع في قاعدة اللسان، أو قطع جزء من عضلات ظهر اللسان وإزالته. ولكن سرعان ما تعود التهتهة، بعد تحسن مؤقت.

 

[1]  اللغة اصطلاحاً هي أصوات يُعبر بها كل قوم عن أغراضهم. ويقال سمعتُ لُغاتِهم بمعنى اختلاف كلامهم. واللَّغْوُ هو ما لا يعتد به من كلام وغيره، ولا يُحصَل منه على فائدة ولا نفع. والكلام الصادر يبدو من اللسان ولا يُراد منه ، ومنه اللغو في اليمين وهو ما لا يُعقد عليه القلب (المعجم الوسيط ج2 ص864) واللغة في المعنى الاصطلاحي هي وسيلة التواصل، وتعرف من الناحية النفسية على أنها نظام تقليدي من الإشارات المعبرة تعمل ـ نفسياً ـ في الفرد كوسيلة للتحليل والتركيب الإداراكي، واجتماعياً كوسيلة للتواصل، لذلك فإن وحدة اللغة هي الجملة.






       
الاتصال واللغة

      الاتصال Communication  هو انتقال المعلومات، أو الأفكار، أو الاتجاهات من شخص إلى آخر أو من جماعة إلى أخرى من خلال الرموز. ويُوصف الاتصال بأنه فعال حينما يكون المعنى الذي يقصده المرسل هو الذي يصل بالفعل إلى المستقبل. والاتصال هو أساس كل تفاعل اجتماعي، فهو وسيلة نقل المعارف، وتيسير التفاهم بين الأفراد.

      ويشتمل الاتصال على خمسة عناصر هي: المرسل، المستقبل، الدائرة، الرسالة، الأثر. ومن ثم فالاتصال هو عملية يتم عن طريقها إرسال رسالة معينة في إطار دائرة، إلى المستقبل، مع النتائج المترتبة على ذلك.

      ومن شأن الاتصال التفاعل حيث يتحول المرسل إلى مستقبل وعكس ذلك.

      ويتضمن الاتصال دائماً نتائج سلوكية بالنسبة للمستقبل والمرسل معاً.

      وفي العلاقات الاجتماعية يرى علم النفس الاجتماعي أهمية الاتصال اللغوي، وتحليل الرسائل والنتائج الوظيفية لذلك، والاشتراك في المعاني.

      وهناك مجرى الاتصال Communication Channel  ويختص بدراسة الاتصال بين الجماعات ليشير إلى علاقة اتصال منظمة نسبياً، بين شخصين أو أكثر. فالاتصال بين الأشخاص في علاقة كهذه، يكون واضحاً، وغالباً ما تنتقل المعلومات في اتجاهين.

      كما أن شبكة الاتصال Communication Network  هي نموذج الاتصالات بين أعضاء جماعة معينة. والاتصال ليس متعادلاً في كمه أو كثافته بين جميع أفراد الجماعة. فبعض الأفراد يتصلون بأفراد معينين أكثر من اتصالهم بغيرهم من الأفراد.

      وتتأثر نماذج الاتصال بعوامل مختلفة، مثل رسمية أو عدم رسمية الجماعة، ودرجة العلاقات بين الأعضاء، وأهداف الجماعة، والظروف بين الأعضاء في المكانة، ومستويات التفضيل لدى الأعضاء. ويمكن أن يتغير نموذج الاتصال في جماعة معينة طبقاً للتغيرات التي تطرأ على نشاط الجماعة.

      هذا ويُعد الاتصال الإنساني اتصال رمزي Symbolic Communication، فهو اتصال عن طريق رموز اصطلاحية تتمثل أساساً في صورة اللغة.
اللغة والاتصال الرمزي كضرورة للوجود الاجتماعي

      اللغة Language هي صورة السلوك الإنساني الشاملة التي تنطوي على الاتصال الرمزي من خلال نسق النماذج الصوتية المتفق عليها ثقافياً، والذي يحمل معان مقننة. وتعتبر اللغة جزءً من التراث الثقافي ومعبرة عنه في الوقت نفسه. وتتحول الأصوات التلقائية في اللغة إلى رموز ثقافية قادرة على توصيل الأفكار، والرغبات، والمعاني، والخبرات، والتقاليد من جيل إلى آخر. واللغة نتاج اجتماعي، تُمثل التجارب المتراكمة والراهنة، والعواطف، والمعاني التي يمكن نقلها داخل ثقافة معينة، إضافة إلى أهميتها في الإدراك الاجتماعي، والتفكير، ومعرفة الذات، ومعرفة الآخرين، وهي لذلك ضرورية للوجود الاجتماعي.
اللغة المركبة (الرمزية) Constructed Language

      وهي نسق رمزي منطقي، يقصد به تحقيق الوضوح والاتساق الداخلي حيث يكون لكل رمز فيه معنى محدد وفقاً لقواعد محكمة تحدد العلاقات بين الرموز وتعتبر الرياضيات مثل على هذه اللغة.
*  اللغة والتفاعل الإنساني الاجتماعي

      للغة أهميتها في الحياة الاجتماعية من خلال

    أنها الوسيط الأساسي للتفاعل الإنساني في الحياة اليومية في مختلف المواقف، وما تشتمل عليه من موضوعات مادية وبشرية، وحيث تكون استجابات الفرد بالقبول أو الرفض وفي نمط من أنماط السلوك اللفظي.
    أنها وسيلة النقل الوحيدة للثقافة من جيل إلى آخر، فهي وسيلة نقل الأفكار ونماذج السلوك الإنساني.
    أنها وسيلة التطبيع الاجتماعي للإنسان عند نمائه في مراحل العمر المختلفة، كما تسهل في عملية التوافق الانفعالي والحسي والحركي للإنسان.
    هي وسيلة التعبير عما يجول في ذهن الفرد.
    يمكن من خلال اللغة تعميم مجموعة من المعاني والأفكار والمفاهيم العامة، والتي عن طريقها يستطيع الأفراد في الحياة الاجتماعية تنظيم حياتهم.
    تُعد اللغة ذات أهمية بالغة في العلاقات الموجودة بينها وبين عمليات التفكير والنمو العقلي، حيث تدخل اللغة في عمليات التفكير والتمييز بين المعاني والتعبير عن العمليات الفكرية، التي يقوم بها الفرد ولا يُدركها الآخرون إلا إذا عُبِّر عنها لفظياً.

* النمو اللغوي عند الطفل

      هناك خمس مراحل للنمو اللغوي عند الطفل وهي:

    مرحلة ما قبل اللغة Prelinguistic Stage وتتضمن هذه المرحلة صيحة البكاء الأولى عند الميلاد.
    مرحلة الثرثرة Babbling Stage ( المناغاة) وتتضمن هذه المرحلة الصياح المتواصل بين حين وآخر والمناغاة.
    مرحلة تقليد الأصوات  Sound Imitation Stage وهي مرحلة تكرار الأصوات نفسها مرة ومرات.
    مرحلة التفهم اللفظي  Stage of Verbal Understanding  حيث يعرف الطفل الكثير من الكلمات، وإن كان لا يستخدمها بصورة عادية.
    مرحلة النطق اللفظي  Verbal Utterance  وهي المرحلة التي يستخدم فيها الطفل الكلمات التي تعلمها فعلاً.

تطور اللغة عند الطفل

فيما يلي جدول يوضح العمر الزمني للطفل وتطور النمو اللغوي:

مظاهر النمو اللغوي عند الطفل
   

العمر الزمني بالشهور

المناغاة ـ وتعلم غالبية الأصوات المتحركة
   

3 ـ6

يمتلك12 صوتاًـويستخدم معظم الأصوات المتحركة وربما قَلَدّ صوتاً أو صوتين
   

6 ـ 9

يمتلك 3 كلمات، ويستعمل 18 صوتاً أو أكثر ويُكرر الأصوات ويُقلد بسهولة
   

14 ـ 15

يمتلك من 250 ـ 300 كلمة. ويستعمل 22 صوتاً مختلفة ويستخدم حوالي 75 كلمة في الساعة أثناء اللعب الحر، ويستعمل من 2 ـ 3 جمل مثل (أنا أريد الطعام).ويستخدم بعض الضمائر.
   

24

يستعمل 900 كلمة في جمل بسيطة، يمكن أن يعيد رقمين أو ثلاثة من الذاكرة، ويسأل أسئلة ويبدأ في سرد قصص.
   

36

يستعمل 1500 كلمة في جمل بمعدل 5 كلمات في الجملة بمتوسط 400 كلمة في الساعة، ويمكن أن يعد إلى 3 ويُسمي الألوان، ويُنسج قصصاً خيالية، والأسئلة تبلغ ذروتها، ويُغني الأغاني، ويُعيد الأرقام من الذاكرة.
   

48
*  التأخر اللغوي عند الصغار

في أثناء الخمسة عشر شهراً الأولى يجب ملاحظة الزيادة في عدد الكلمات أو الأصوات المختلفة التي يستخدمها الطفل. وفيما بين 15 ـ 48 شهراً، يجب مساعدة الطفل في اتساع عدد الكلمات وفي طول الجمل التي يستعملها. سواء استخدم 25 كلمة أو 75 كلمة في العامين الأولين من حياته. والذي يعني هو هل كلام الطفل يتحسن بمرور الوقت، وهل يستخدم العديد من الأصوات ومن الكلمات، أو يستخدم جملاً أطول. فإذا وُجد أن الطفل يتقدم في اللغة، عندئذ يجب ألا يكون هناك قلق، إذ إن القلق يكون عندما يبطئ  التقدم، أو يتوقف لفترة طويلة من الزمن، وفي هذا ما يُوجد احتمال تأخر مرحلة الكلام. وقد ثبت أن حوالي 99% من الأطفال لا يتعرضون للتأخر في الكلام، فحوالي طفلين من كل ألف طفل يتعرضون لذلك. وعادة تتقدم الغالبية من الأطفال بسرعة، وإن تأخرت بعض الشهور، ولكنهم سوف يتعلمون كيفية الكلام ثم يُصبحون طبيعيين بمختلف المقاييس.
*   متى يُصبح التأخر في الكلام مشكلة؟

      من الملاحظات الخاصة بتأخر مرحلة الكلام عند الأطفال ما يأتي:

    مشكلة تأخر الكلام يجب أن تناقش عندما يبدأ الطفل في استخدام الكلمات عامة، ولو أن الطفل، لم يستخدم خمس كلمات على الأقل عندما يبلغ 24 شهراً، فيجب أن يبدأ برنامج تعليم الكلام لعلاج تأخر الكلام.
    لو أن الطفل مر بعام آخر دون كلام، فيجب استشارة الطبيب، فالعديد من الأطفال يبدأون في استخدام الكلام (أول الكلام)، ما بين 14 ـ 15 شهراً. وفي سن سنتين يستخدم الأطفال الكلمات بانتظام.
    في بعض الحالات ـ وهي نادرة الحدوث ـ غالباً عندما يبدأ الطفل في ترديد بعض الكلمات، فسوف يتخطى العقبة الأولى، وسوف يستمر في إحراز التقدم.
    في بعض الحالات قد نجد معدلات بطيئة من التقدم (على سبيل المثال عندما يكون هناك فقدان في السمع أو إعاقة أي خلل في المخ). أو قد يكون بسبب تقص في القدرات اللغوية، وعلى أي حال لو أن الطفل بلغ 12 شهراً بدون إحراز أي تقدم لغوي، فيجب اللجوء إلى الأخصائيين لطلب العون.

*   كيفية جعل الكلام، عملية ناجحة عند الطفل

      الطفل الوحيد، الذي ليس له أخوة أو أخوات، يأخذ الكثير من اهتمام الناس الكبار ويحتك بهم، ويُصبح عادة ماهراً في الكلام.

      وأفضل طريقة لتشجيع الطفل على الكلام هي التحدث الكثير معه، أو أن نعطيه الفرصة لكي يتكلم، وبأصوات سهلة ومفهومة، حتى تتاح له الفرصة ليتكلم ليحصل على ما يريد، مع عدم تجاهل كلامه، وإعطائه الفرص الكافية التي يستطيع فيها التحدث وممارسة الكلام والتركيبات اللغوية.

      كما يجب أن يُمدح الطفل على أي نطق يصدر منه مع تشجيعه على وضع الكلمات في جمل وبهذه الطريقة فإننا لا نقدم دوافع مطمئنة فقط للطفل، ولكننا نساعده أيضاً على التقدم في تشكيل وإخراج الجمل المفيدة.

      وعندما يتأخر الكلام  لدى الطفل حتى عامه الثاني، يكن اعتبار ذلك مشكلة، ويجب البدء في التعامل مع هذه المشكلة مُبكراً، حتى يتقدم الطفل ويصل إلى المرحلة الطبيعية. وعند التأخر لمدة أطول، تُصبح المشكلة حقيقية ويصعب التغلب عليها.
اضطرابات الكلام: (عيوب الكلام أو النطق) Speech Defects

      وتنشأ من عوامل عضوية مثل العيوب الخلقية في الفم، أو العيوب التي يمكن أن تكون لعضو من أعضاء جهاز النطق، أو بسبب تلف نيرولوجي (عصبي) أو لعوامل نفسية

      ومن هذه العيوب:
أولا: اضطرابات الكلام العامة وتشمل:

    الحُبسة Aphasia وهي فقدان قوة النطق وتُعرف باحتباس الكلام أو تعذر الكلام (افيزيا). كما أنها قد تكون فقد القدرة على التعبير بالكلام، أو بالكتابة أو عدم القدرة على فهم معاني الكلمات المنطوقة. ومن نماذجها الحبسة الحركية ـ والحبسة الحسّية ـ والحبسة الكلية أو الشاملة ـ والحبسة النسيانية.
    تأخر الكلام Delayed Speech  يظهر في صورة أصوات معدومة الدلالة في التخاطب والتفاهم وتعذر الكلام باللغة المألوفة وضآلة عدد المفردات، والتعبير بالإشارات والإيماءات والصمت أو التوقف في الحديث.
    الكلام التشنجي Spastic Speech ويكون الكلام متفجراً وبطيئاً ومملاً، وقد يصحبه اضطراب في التنفس وحركات لا إرادية، ويُعرف أيضاً بالكلام الاهتزازي ويظهر بين الذين يعانون من التشنج، أو عند الإصابة بالشلل.
    الكلام الطفلي  Infantile Speech  أو  Baby Talk  أو  Pedolalia  أوPedologia  وهو يحوى الكلمات الرئيسية دون الباقي.
    اللغة الجديدة: حيث يتفاهم المريض بلغة جديدة لا يفهمها إلا هو، ولا يفهمها أحد غيره.

ثانياً: عيوب طلاقة اللسان: وأهمها:

    اللجلجة أو التهتهة:  Stuttering  وتُعرف بالتأتأة أو الفأفأة Spasmophemia وهي التردد في المقطع حيث لا يكاد يخرج من الفم. وتعرف أيضاً بتشنج النطق أو تعطل النطق.

   ومنها اللجلجة الاهتزازية أو التهتهة الاهتزازية   Clonic Stuttering

    العقلة وهي عقدة اللسان أو اعتقاله وإمساكه، بحيث يعجز المريض عن تلفظ المقطع أو نطق الكلمة إلا بعد جهد ومشقة.

ثالثاً: اضطراب كم الكلام: ويشمل:

    الثرثرة: وهي الكلام الكثير بلا داع، ومنه ما يسيء للآخرين.
    قلة الكلام: وهي اقتضاب الكلام. ويُلاحظ في الاكتئاب.
    الخرس أو البكم: وهو انعدام الكلام، وعجز المريض التام عن الكلام.

رابعاً: اضطراب سريان الكلام: ويشمل:

    بطء الكلام: حيث يصدر الكلام بطيئاً بدرجة ملحوظة، ويُشاهد في الاكتئاب.
    سرعة الكلام: حيث يصدر الكلام سريعاً متتابعاً غير واضح المقاطع، ويُشاهد في الهوس.
    عرقلة الكلام: حيث يسكت الكلام ويمتنع ويتوقف سريانه فجأة، ويُشاهد في الفصام.

خامساً:اضطراب تكرار الكلام ويشمل

    النمطية: أي تكرار كلمات معينة ليس لها قصد واضح. وتشاهد في الفصام.
    اجترار الكلام: أي التكرار النمطي للكلمات والجمل. والإجابة على كل الأسئلة بإجابة واحدة.. ويُشاهد في ذهان الشيخوخة.
    المصاداة: أي تكرار الألفاظ والكلام المسموع بطريقة آلية.

سادساً: صعوبات النطق: وأهمها:

1.   الإبدال: واهم مظاهره:

ـ الثأثأة: وهي إبدال السين بثاء أو شين أو دال.

ـ اللثغة: وهي إبدال الهمزة عيناً والراء غيناً أو ياء أو همزة، والقاف كافاً والكاف تاء، واللام باء.

ـ الطمطمة: وهي إبدال الطاء تاء.

ـ  اللكنة: وهي إبدال الحاء هاء والعين همزة.

2.   التردد: وأهم مظاهره:

ـ التمتمة: وهي التردد في نطق حرف التاء والميم.

ـ الفأفأة: وهي التردد في نطق حرف الفاء.

3.   اللعثمة: وهي التردد في نطق الحروف أو تكرار مقاطعها.

4.   الترخيم: وهو حذف بعض الكلمات لتعذر نطقها.

5.   اللفف: وهو إدخال بعض الكلمات في بعض.
سابعاً: اضطراب الصوت: ويشمل:

1.  الخن (الخنف): حيث يجد المريض صعوبة في إحداث حروف الميم والنون. وتبدو الحروف المتحركة كأن فيها غنة، وتأخذ الحروف الساكنة أشكالاً مختلقة من الشخير أو الخفف.

2.  الغمغمة: وهي عدم تبيان الحروف ومقاطعها.

3.  المقمقة: وهي التكلم من أقصى الحلق.

      ومن اضطرابات الصوت أيضاً: غلظة الصوت، وحدة وشدة الصوت، وفقد الصوت، وبحة الصوت.

      هذا بالإضافة إلى اضطرابات أخرى في الكلام تتمثل في:

1.     الاندفاع في الصراخ والسباب والكلام البذيء: ويُشاهد عند مرضى الهوس أو مرضى الفصام.

2.     السلبية والامتناع عن الكلام: ويُشاهد في الضعف العقلي والهذاء. 

 

 



       
المصادر والمراجع

    حامد عبد السلام زهران، "الصحة النفسية والعلاج النفسي".
    زكريا الشربيني، ويسرية صادق، "تنشئة الطفل وسبل الوالدين في معاملة ومواجهة مشكلاته"، القاهرة، دار الفكر العربي، 1996.
    عادل عز الدين الأشول، "علم النفس الاجتماعي"، 1979.
    عبدالمنعم الحفني، "موسوعة علم النفس والتحليل النفسي"، مطبعة مدبولي، القاهرة، ط 4 ، 1994.
    محمد عاطف غيث، "قاموس علم الاجتماع"، 1979.
    محمود حموده، "الطب النفسي ... النفس أسرارها وأمراضها`، القاهرة، 1997. 
    محمود حموده، `الطفولة والمراهقة .. المشكلات النفسية والعلاج"، القاهرة، 1998.

 


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
ابراهيم الشنطي
Admin
ابراهيم الشنطي


عدد المساهمات : 75823
تاريخ التسجيل : 28/01/2013
العمر : 78
الموقع : الاردن

  " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Empty
مُساهمةموضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4     " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4 Emptyالسبت 18 يونيو 2016, 4:48 pm

المراهقة



المراهقة

          وهي مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، وهي غير محددة، تماماً. ويمكن أن نَعُدّها العقد الثاني من العمر، إذ إنها بين الثانية عشرة والحادية والعشرين. فالبداية، عادة، بين الحادية عشرة والسادسة عشرة، لدى الذكور، ومبكرة بعض الشيء لدى الإناث (عام أو عامين) وفي السنوات الأخيرة قل متوسط العمر الذي يبدأ عنده البلوغ، ولعل السبب في ذلك. هو تحسن التغذية والرعاية الصحية وارتفاع مستويات المعيشة.

          وتبدأ المراهقة، على المستوى الجسدي، بعملية البلوغ، التي هي نتاج لتغيرات هرمونية، إذ تقل حساسية المحور المكون من الهيبوثلاموس والغدة النخامية للتغذية المرتجعة المثبطة، بوساطة الاسترويدات الجنسية، بوساطة زيادة إنتاج العوامل المفرزة للهرمونات الجنسية، وما يتبعها من إفراز الهرمونات الجنسية، ثم يتبع ذلك كبر حجم الأعضاء التناسلية الخارجية، ونزول دم الحيض لدى الإناث، ويصاحبه كبر حجم الثديين وظهور شعر في منطقة العانة وتحت الإبطين وتستدير الأرداف ويصبح الجسم أنثوي التكوين؛ ولدى الذكر يكبر حجم الأعضاء التناسلية والخصيتين وكيس الصفن مع ظهور الشعر في منطقة العانة، وتحت الإبطين، ومنطقة الشارب واللحية، وعلى الجسد في مناطق متفرقة مع غلظ الصوت، وتضخم العضلات، وكبر الجسم نحو الطابع الذكري.

          هذه التغيرات الجسدية السريعة، قد تحدث ارتباكاً للمراهق، فيبدو أنه لا يسيطر على أطرافه، التي أصبحت أغلظ، أو يخجل من بعض أجزاء برزت في جسده، مثل المراهقة التي تخجل من بروز نهديها. أمّا على المستوى النفسي الاجتماعي، فإن محور الاهتمام في هذه المرحلة هو "الهوية في مقابل غموض الدور" (Identity versus Role Confusion).إذ على المراهق أن يحدد هويته، ويجد له دوراً اجتماعياً وجنسياً ووظيفياً في المجتمع، الذي ينتمي إليه، فلقد أصبح عليه تحديات لا بدّ أن يواجهها، وهي:

    أن يتحكم في طاقته الجنسية، ويجد لها مخرجاً، وكذلك عدوانه، طبقاً لتوقعات بيئته الثقافية والاجتماعية.
    أن يرتبط بواحد من أفراد الجنس الآخر.
    أن يحرر نفسه من الاعتماد المفرط، اجتماعياً وعاطفياً واقتصادياً، على والديه.
    أن يختار عملاً.
    أن ينمو لديه شعوراً ناضجاً بالهوية.

          هذه التحديات يعيشها المراهق فيما يعرف بأزمة الهوية (Identity Crisis)، التي تتبلور في سؤالين أساسيين هما: من أنا؟ وماذا أريد؟.

          والمراهق لا يدخل إلى مرحلة المراهقة خالي الوفاض، فهو ليس وليد اللحظة، ولكنه مرّ بمراحل النمو السابقة، واكتسب، من الخبرات والعلاقات والانفعالات، ما يعيه شعورياً، ومالا يعيه، ما يجعله يتأثر في اختياراته في هذه المرحلة، فإذا لم تتحقق له الثقة في مرحلة الأمان، فإنه سيشك في الآخر، ويتخوف من إقامة علاقة معه، وقد ينعزل لذلك. وفي اختياره للرفيقة، سيختارها كأم، تعوضه ما لم يناله من الأمان، وتفهمه دون أن يتكلم، كما يطلب الطفل الذي لم يتكلم بعد من أمه، ويكون هو محور اهتمامها، وإذا لم يتحقق له الاستقلال، فإن معاركه وعناده، في هذه المرحلة، يكثر، مؤكداً استقلاله، خاصة بعد أن أصبح ذو جسد قوي، وصوت جهوري، ومنطق يجادل به. وإذا لم يتحقق له حل الصراع الأوديبي، وما يصاحبه من الشعور بالعجز، فإنه يكون عدائياً تجاه السلطة المفروضة عليه، في البيت أو المدرسة أو غيرهما، مع استعراضية وإغواء للجنس الآخر دون إشباع حقيقي.

          ويميل إلى جذب انتباه من ترتبط بآخر، كي يكون في منافسة تشبه ما يعانيه من الموقف الأوديبي، وحين ينالها، فإنها لا تعني شيئاً بالنسبة له، فكل ما كانت تعنيه هو المنافسة وتحقيق الانتصار فقط. لذا، فهو يتركها لغيرها، ويظل مغوياً لا مشبعاً. أما إذا لم يتجاوز طموحه في إنجاز المثابرة، فإنه يظل متفانياً في عمله، كابتاً لرغباته الجنسية، لا يظهر ميلاً للجنس الآخر، ولا يختار رفيقة (أو رفيق)، فيتوقف عند المثابرة، لا يتجاوزها إلى الهوية.

          وفي ضوء ما تقدم من تغيرات جسدية، وما يواجهه المراهق من تحديات في هذه المرحلة، وما اكتسبه من المراحل السابقة وما لديه من بقاياها، فإنه يتفاعل مع مجموعة الرفاق، وأفراد الجنس الآخر، وسلطة الوالدين، ومع انفعالاته هو شخصياً، إذ يدخل الأولاد إلى المراهقة بحدة ويندمجون مع مجموعة من نفس الجنس، في علاقة زمالة، والاهتمام بالجنس الآخر يؤدي إلى الاهتمام بالمظهر، من حيث اللبس والشعر ونظافة الجلد. والعلاقة بالجنس الآخر تتسم بالتمركز حول الذات، في بادئ الأمر.  فكل طرف يهتم بإنجازه هو، كما قد يكون الافتتان حاداً، ولكنه قصير الأمد. وفي داخل المجموعة، قد يكون الولد، في بدء المراهقة، متبجحاً استعراضياً متنافساً، يروي نكاتاً داعرة، بهدف تخفيف التوتر المرتبط بالجنس والكفاءة الجنسية. بينما تدخل المراهقة البنت مرتبطة بصديقاتها المقربات إليها، وعادة يكن أقل عدداً من مجموعة الذكور. وتجاهد البنت في الاستقلال عن أمها، والتمرد على السلطة، وتكوين صداقات مع من تثق بهن، وغالباً تقترب من أبيها. وعندما تكون مرحبة بتغيرات جسدها، تبدأ في توجيه اهتمامها الجنسي تجاه الأولاد، فتبدأ في جذب انتباههم، وقد تتنافس مع رفيقاتهـا في ذلك، وقد يكون لفت الأنظار بالتنافس في مجال التعليم أو العمل. وبالمقارنـة بالأولاد، لا يرتبط شوق البنت إلى الحب بالإحساس الجنسي قبل الرشد، والعادة السرية لديهن ليست شائعة، وربما يكون ذلك بسبب الكبت الاجتماعي للبنات، الذي لا يشجع على لمس أعضائهن التناسلية،  على عكس الأولاد الذين يندر بينهم من لم يمارس العادة السرية، بسبب نقص الرغبة الجنسية المرضي، أو الكبت الشديد للغرائز.

          ولكي يحصل المراهق على الاستقلال، عليه أن يحرر نفسه من الارتباط بوالديه، فيتعلم العناية بنفسـه، ويحصل على مساندة رفاقه في المجموعة، وعليه أن يتحمل مسؤولية عضويته فيها، وما تلقيه عليه من تبعات. وخلال عملية التفرد، يتأرجح المراهق بين اعتمادية الطفل، وعناد المستقل، وقد يجد الوالدان هذا محيراً كما أن طول مدة التعليم العالي وما بعده الذي يجعل المراهق معتمداً، مادياً، على والديه بعد نضجه، الجسماني والانفعالي، يكون سبباً في تأخر استقلال المراهق.

          وعادة يكون المراهق متناقض المشاعر، إذ يرفض سيطرة الكبار، وهو في الوقت نفسه، يحتاج إلى إرشاد وتوجيه. ويختبر المراهق نمط السلطة، ليرى إلى أي حد يمكنه أن يذهب، فهو يحتاج إلى حدود ليشعر بالأمان، وتقلبات المزاج لديه شائعة، وأحياناً لا تستطيع قوى الضبط الداخلي أن تتكيف مع النزعات الغريزية المتزايدة. فقد يحدث السلوك الجنسي الفاضح، أو نوبات العدوان، أو الشره للأكل، ويخاف المراهق من هذا الفقد للسيطرة فيحاول أن يحصن نفسه بدفاعات، فيتبنى مواقف جمالية مبالغ فيها، أو يعقلن الأمور، فيصبح مفرط في القراءة والتفكير والمناقشة. وعادة، يسقط المراهق حدة رغباته الجنسية للخارج، ويشعر أن الآخرين خاصة الكبار لديهم الأفكار الجنسية عينها تجاهه، ويشعر أنهم يغوونه، وقد يتفاعل بالعزلة والخوف والانقباض ونقص الثقة بالنفس.

          ويعيش المراهق السوي، الميول النكوصية، والمشاعر المتضاربة، كما يعيشها المراهق المضطرب، ولكن الأخير يكون مبالغاً وغير متوازن، وأهم الحيل الدفاعية، التي تكون محل التوازن أو المبالغة، ما يلي:

    النقل: إذ تنتقل الاحتياجات الاعتمادية من الوالدين، إلى بدلائهما، مثل الأبطال أو الأقران المثاليين. ويبالغ في هذه الارتباطات الجديدة في افتتان رومانسي، أو ينقل ولائه التام إلى فلسفة أو قيادة دينية، وقد ينسلخ من سيطرة الوالدين، إلى درجة أنه قد يندمج في تفعيل متقطع في شكل هروب من البيت، أو جنوح في نشاطات مضادّة للمجتمع.
    قلب المشاعر للضد: فالمراهق الذي لا يستطيع الانفصال، قد يعكس اعتماديته، ويحول الحب إلى عناد، والارتباطات إلى ثورة، والاحترام إلى سخرية، وأن الكبار، للأسف، لا يعون العصر، وقد يتمثل في اعتمادية عدائية متبادلة في ارتباط المراهق بوالديه.
    الانطواء بتوجيه الاهتمام للداخل بدلاً من الخارج: فالمشاعر التي انسلخت من الوالدين وُجِّهت للذات فزادت النرجسية، وهذا يعطي تفسيراً لانشغال المراهق، بملابسه ومظهره وجلده وملامحه وجماله وقوته، ويظهر، كذلك، في زيادة تأكيد الذات، وخيالات، القوة والجمال والمعاناة، أو البطولة، وفي نمط المبالغة المرضي، يظهر الإنشغال بالجسد، في صورة القهم العصابي[1]، نقص الشهية العصابي المرضي وتوهم المرض والقلق والفصام.
    النكوص: ينكص المراهق لاهتمامات طفلية، أو لعب، أو اعتمادية على الوالدين. ونمط المرض يظهر في الفصام وفي اضطراب الشخصية الحدية.
    الكبت، كدفاع ضد النزعات، في المراهقة: إذ يؤجل النمو بوساطة الكبت والإنكار لرغبات الجنس، ومشاعر العدوان، ومحاولة المحافظة على الصورة الحسنة، التي نشأت في المرحلة السابقة المثابرة.
    التكوين العكسي: إذ يحاول بعض المراهقين أن يحكموا نزعاتهم بوساطة الاتجاه للزهد، وهذا النمط يتعشق، أحياناً، مع الرياضة، والنمط المبالغ فيه يظهر في حالات القهم العصابي والوسواس القهري والفصام المبكر.
    العقلنة: إذ تندمج القدرة التصورية (القدرة على التجريد) التي نمت لدى المراهق في هذه المرحلة، فلقد أصبح أن يفهم ما يكمن خلف الألفاظ من المعاني، مع حاجة المراهق إلى كبح نزعاته، بحثاً عن المبادئ المجردة التي تنظم السلوك، ويميل المراهق إلى أن يكون غير مرن، فيطبق مبادئه التي توصل إليها. وأحياناً يعجز المراهق عن الفعل، فيصبح مشلولاً أن يتكلم بما هو غير متسق أخلاقياً من الأفكار.
    المثالية: إذ يرى المراهق في غمرة حماسه الأخلاقي الأمور، إمّا بيضاء أو سوداء، أي يراها كمبادئ قاطعة ويجب تطبيقها من دون اعتبار للموقف، وهو، لذلك، يرى الناضج الواقعي كشخص ميئوس منه، أخلاقياً، إلى أن يتلون الأنا الأعلى لديه بمفاهيم التبادلية والنسبية فيتجه نحو الواقعية.
    الشعور بالهوية المتفردة: إن جدلية الحياة تشير إلى أن الشيء يولد نقيضه، وينشب الصراع بينهما حتى يفصح عن ائتلاف جديد هو جماع للنقيضين، ولا يلبث هذا الجماع الجديد أن يولد نقيضه وينشب بينهما صراع جديد. لذا، فإن المراهقة تُعَدّ ثورة على الآباء، بقدر ما هي ثورة على الطفولة السابقة لها، إذ يهفو المراهق إلى هوية جديدة، بعيداً عن التوحدات الجزئية لفترات النمو السابقة، فالمراهق لن يشعر بالتكامل حتى يُخضع كل هذه التوحدات الجزئية لإحساس شامل بالتفرد، عابراً ماذا كان؟ وماذا يريد أن يكون؟ وموفقاً بين مفهومه عن نفسه، ومفهوم المجتمع، وعندما تصبح الهوية صلبة، يصبح المراهق قادراً واثقاً في مراهقته المتأخرة التي تؤهله للألفة في الرشد الباكر.
    النمو المعرفي في المراهقة: يصبح المراهق قادراً على استخدام المفاهيم المجردة فيما يسمى بمرحلة التصور القبلي (أو التفكير المنطقي). إذ يستطيع استخدام الرموز في التفكير، وإدراك النسبة والتناسب، وبناء النتائج على مقدمات توصل إليها، والقياس المنطقي، وقبول وجهة النظر المقابلة، وفهم نظرية الاحتمالات، والتفكير الثانوي (أي التفكير في التفكير)، وهكذا تصبح المراهقة بداية صحيحة للتفكير الراشد.
    ففي المراهقة المتأخرة يصبح المراهق قادراً على أن ينسلخ من مشاعره وأفعاله، ويدرك نتائج سلوكه أو أفكاره، وهو ما نسميه بملاحظة الذات، وهي مرتبطة بالنمو المعرفي المرتبط بالإحساس بالزمن، وما يتعلق بالمستقبل، والقدرة على افتراض مواقف متعددة، وتخيل نتائجها في عقله، وهو جزء مهم في التخطيط للمستقبل، وفي التواصل، مع الكبار، وقبول التوجيه. وهنا لم تعد أراء رفاقه هي كل الحقيقة، ولكنه يقارن رأيه بآرائهم، ويحترم الكبار، ويتخذ قراراته بعد تفكير.
    الرؤية المتبادلة بين الأجيال: إن موقف المراهق من آراء الكبار، وكيف أنه يثور ويتمرد ويتصارع من أجل هوية متفردة، وموقف الكبار الذي ينتقد المراهقين ولا يقبل رؤيتهم، يحدث فجوة بين الأجيال، ولكن هذه الفجوة ليست حديثة العهد في هذا الجيل، أو ما سبقه، ولكن لها تاريخ طويل. ففي القرن الثامن قبل الميلاد، كتب هسيود، الشاعر الإغريقي، يقول: "أنا لا أرى أملاً في مستقبل شعبنا، إذا اعتمدوا على شباب اليوم الطائش، لأنه، بالتحديد، كل الشباب طائشون، بما لا تصفه الكلمات. فعندما كنت صبياً، تعلمنا أن نكون عاقلين، محترمين للكبار، ولكن شباب اليوم غير عقلاء، إلى حدٍّ بعيد ويضيق صدرهم بالقيود".

ونلاحظ من ذلك، أن هناك، من قديم الزمان، من لا يفهم المراهقين وينتقدهم، فيزداد عنادهم، ويشعرون بالفجوة، وبما يسمى بصراع الأجيال. وهي ليست مشكلة المراهقين، بقدر ما هي مشكلة الكبار الذين يجب عليهم الصبر والتفهم للمراهقين، فتعامل الكبار بانفعال مع المراهقين، يفقدهم التواصل معهم، وهو في الوقت نفسه، قدوة انفعالية لهم في التعامل مع الأمور.

وهناك سؤال يجدر طرحه، والإجابة عنه في هذا المجال، وهو، هل يكثر الاضطراب بين مراهقي هذه الأيام؟

نلاحظ أن المراهقين، في المجتمع الحديث، يتعرضون للعديد من الضغوط والشدائد النفسية.  وازداد، فعلاً، رصد الظواهر المرضية في مرحلة المراهقة، وربما يعزى ذلك إلى الانتشار السريع للمعلومات بوساطة وسائل الإعلام، وتناقل الأنباء التي يُبالغ فيها، أحياناً، فتهز الشعور بالأمان، فضلاً عن دور وسائل الإعلام في تداخل الثقافات، بما يضع المراهق أمام تناقضات وتغيرات عديدة، قد تعوق اختياراته، إضافة إلى النظرة المتشائمة للمستقبل، التي لا تحمل له من الطموح ما يكفي لدفعه إلى الأمام، وإلى تجاوز الاعتمادية على والديه، خاصة ما يتعلق منها بالجوانب المادية، وارتفاع تكاليف المعيشة، وما يعانيه الشباب من أزمات المسكن والمواصلات. هذا مع ما يُطرح من آراء حول  التغيرات البيئية المنتظرة لكوكب الأرض، والتي تشكك في استقرار البشر عليها، إضافة إلى تهاوي نظريات، سياسية واقتصادية، ظلت سائدة ردحاً من الزمن، كل هذا يزيد من حيرة المراهق، ويجعل من الاختيار أزمة، قد تؤدى إلى الاضطراب. كما أن أفلام الفيديو، وأفلام الكرتون، والإعلانات، تشجع المراهق على التعبير عن نزعاته  المكبوتة، الجنسية والعدوانية، فيصطدم بالمجتمع ويحدث الاضطراب.

 

[1]  القهم العصابي  Anorexia Neroosa: وهي لزمة مرضية نفسية، يميزها الخوف الشديد من السمنة، واضطراب صورة الجسم (Body Image)، ونقص الوزن الملحوظ، ورفض المحافظة على وزن الجسم في حدود الطبيعي (ولو في حده الأدنى)، وانقطاع الحيض، وذلك من دون أي سبب عضوي.


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://shanti.jordanforum.net
 
" الموسوعة المصغّرة للمصطلحات النفسية " 4
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتدى الشنطي :: موسوعة البحوث والدراسات :: بحوث متنوعه-
انتقل الى: