| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 | |
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:35 pm | |
| المجتمع المدني
Civil Society
يُشير مصطلح المجتمع المدني إلى مفهوم الحياة العامة، وليس إلى الأنشطة الخاصة، أو أنشطة وحدة المعيشة (العائلة). وهو موجود جنباً إلى جنب مع مصطلحي الأسرة والدولة، كما أنه موجود داخل إطار النظام القانوني. ومن ثم فإن التصور الشائع للمجتمع المدني لدى غالبية المفكرين، يدل على مجال المشاركة العامة في الجمعيات والمؤسسات الطوعية، ووسائل الاتصال الجماهيري، والهيئات المهنية، والنقابات العمالية، وما إلى ذلك.
ووجود المجتمع المدني في مركز متوسط بين الأسرة والدولة، كان يمثل في رأي بعض المفكرين ظاهرة مؤقتة، يمكن تجاوزها عندما تتوحد المصالح الخاصة والعامة. وفي تصور نفر غير قليل منهم أن المجتمع المدني يمثل المجال الخاص في مواجهة الدولة. في حين يرى أنطونيو جرامش أنه يمثل حصناً قوياً للهيمنة الطبقية، التي تعمل في النهاية على التدعيم الأساسي للدولة. أما المفهوم الأحدث لمصطلح المجتمع المدني، فيرى أنه كيان دينامي يستوعب فكرة الحركات الاجتماعية والمواطنة، ويربط بين الحقوق والواجبات المعترف بها، ويتيح لها فرص الممارسة والتمحيص والتنقيح، وإعادة التعريف على مستوى المجتمع المدني باستمرار.
وهناك العديد من المسميات والمفاهيم التي تعبر عن المجتمع المدني، ومن ذلك:
· المنظمات غير الحكومية N.G.O.S.
· القطاع الثالث Third Sector.
· القطاع التطوعي Voluntary Sector.
· القطاع الخيري Philanthropic Sector.
· المنظمات غير الربحية Non profit organizations .
وعلى البرغم من هذا التباين في المسميات، إلا أنها كلها تتسم بوجود معايير واحدة وقواسم مشتركة، على النحو التالي:
1. أن المجتمع المدني لا يهدف إلى الربح، ويسعى إلى تحقيق النفع العام.
2. أنها منظمات تطوعية إرشادية، نشأت بمبادرات ذاتية من أعضائها.
3. أنها تحكم وتُدار ذاتياً، وليس من قبل قوة خارجية.
4. أنها تؤدي خدمة عامة لكل من يستحقها؛ وليس فقط لأعضائها المساهمين.
5. أنها قادرة على الوصول إلى المناطق النائية والمحرومة في المجتمع، وتقديم الخدمة بتكاليف منخفضة.
إن المجتمع المدني من حيث المبدأ، نسيج متشابك من العلاقات التي تقوم بين أفراده، من جهة، وبينهم وبين الدولة، من جهة أخرى. وهي علاقات اجتماعية تعتمد على تبادل المصالح والمنافع، والتعاقد والتراضي، والتفاهم والاختلاف، والحقوق والواجبات والمسؤوليات، ومحاسبة الدولة عندما يستدعي الأمر محاسبتها. وهذا النسيج من الناحية الإجرائية هو شبكة العلاقات الاجتماعية، ويستلزم -لكي يكون ذا جدوى- أن يتجسد في مؤسسات طوعية اجتماعية واقتصادية وثقافية وحقوقية متعددة، تُشكل في ومجموعها القاعدة الأساسية، التي ترتكز عليها مشروعية الدولة، من ناحية، ووسيلة مراقبتها ومحاسبتها إذا اقتضى الأمر، من ناحية أخرى.
وقد رأى كريستوفر بيرسون Pirson، المجتمع المدني بوصفه المجال البعيد عن سلطة الدولة Non stat-sphere، والذي يتضمن تشكيلة من المؤسسات الاجتماعية تنتظم بطريقة ديموقراطية، وتنطوي على ضمانات شرعية.
ومعنى ذلك أن المجتمع المدني هو مجتمع مستقل، إلى درجة كبيرة، عن إشراف الدولة المباشرة. فهو يتسم بالاستقلال، والتنظيم العفوي والتلقائي، وروح المبادرة الفردية، والجماعية، والعمل التطوعي، والحماس من أجل خدمة المصلحة العامة، والدفاع عن حقوق الفئات المهمشة والضعيفة. وعلى الرغم من أن المجتمع المدني يُعلي من شأن الفرد، إلا أنه ليس مجتمعاً فردياً؛ بل هو مجتمع التضامن والتكافل عبر شبكة من العلاقات الواسعة، من المؤسسات والهيئات المختلفة.
ويرى إيزاك Issac أن المجتمع المدني هو بناء يضم شبكة من العلاقات الإنسانية، التي تقع مستقلة عن، أو سابقة على الدولة أو المجتمع السياسي. وتُعد هذه الشبكة ذات أهمية وأولوية أخلاقية كبرى. وهنا يكون النظر إلى الدولة بوصفها إحدى وسائل حماية هذه الشبكات. ويؤكد إيزاك أن الحديث عن مجتمع مدني، عادة، يستحضر إلى الذهن مباشرة تلك الروابط، التي تعتمد على النقد اللاذع والدعاية لأعمالها ووظائفها. إنها تلك الروابط التطوعية المستقلة عن الدولة، والتي تهدف دائماً لخلق مساحات متنامية من المعارضة، من أجل إقصاء البيروقراطية المعوقة، والبناءات التقليدية.
وهذه السياسات، غالباً، توجه إلى الدولة وضدها؛ ولكنها لا تهدف إلى السيطرة أو التحكم في الدولة، مثلما تهدف الأحزاب السياسية. كما أنها لا تنخرط ولا تستوعب في نسيج الدولة، من أجل تحقيق مكاسب ومميزات محددة، كحال جماعات المصالح؛ ولكنها أكثر من ذلك فهي سياسات للإقناع الأخلاقي، تقدم لأعضائها الشعور بالفخر والكرامة والقوة، وتؤثر في العالم السياسي، من خلال قوة النموذج الذي تقدمه، ومن خلال نتائجها المحددة جداً والقريبة.
وعلى الرغم من شمولية هذا التعريف لمفهوم المجتمع المدني، من حيث كونه يشير إلى القيم الأولية، التي تشكل الركائز المعيارية لأي تنظيم مدني مستقل عن الدولة، إلا أنه وقع في شراك الاتجاه السائد، الذي يميل إلى قصر مفهوم المجتمع المدني على التنظيمات والجمعيات الأهلية، بمختلف أنماطها الاجتماعية، والثقافية، والاقتصادية، وغيرها. إن هذه الجمعيات، في واقع الأمر، لا تمثل إلا مكوناً واحداً فقط من مكونات المجتمع المدني. ويتضح ذلك بجلاء عندما عدّ إيزاك الأحزاب السياسية وجماعات المصالح كيانات، مستبعدة من مؤسسات المجتمع المدني. كذلك، نلاحظ أن الباحث قد أضفى النزعة الخلافية على العلاقات بين هذه المؤسسات الأهلية وبين الدولة، على الرغم مما قد ينشأ بين الطرفين من تعاون يحقق المصلحة الاجتماعية، ويكمل دور الدولة الاجتماعي في مجالات كثيرة ومتنوعة.
ويذهب باول هيرست Hirst، إلى أن المجتمع المدني هو ذلك الفضاء، الذي تُدار فيه القضايا والأمور الاجتماعية بعيداً عن سلطة الدولة الممتدة؛ فتنتقل هذه الإدارة بقدر المستطاع من أيدي الدولة، إلى تلك المؤسسات الجمعية الطوعية ذات الحكم الذاتي الديموقراطي. ويهدف المجتمع المدني إلى الربط وتحقيق الائتلاف، بين الاختيار الفردي للمبادئ الليبرالية وبين المساعدة الجمعية العامة Collectivism؛ فمساحة تدخل الدولة وتوجيهها للعمل، تتناقص كثيراً؛ ولكن ليس على حساب وظائف التمويل والمساعدة الاجتماعية. ويتم التمويل الحكومي والشعبي لهذه الجمعيات، من أجل قيامها بوظائف مثل التعلم والصحة. ويهدف هذا التوجه في نهاية الأمر إلى تقوية الدولة، من خلال المجتمع المدني.
لكن هناك من يرى أن المجتمع المدني يشير إلى جملة التنظيمات غير الحكومية، غير التابعة لسلطة الدولة مباشرة، كالنقابات المهنية والاتحادات العمالية، وكذلك الجمعيات الاجتماعية المختلفة، كالثقافية، والاقتصادية والاجتماعية، والخدمية، والقانونية، والأحزاب السياسية، وبعض وسائل الإعلام، وبعض دور العبادة، ونوادي أعضاء هيئة التدريس، والاتحادات الطلابية بالجامعات.
وتضطلع مؤسسات المجتمع المدني بمهام كثيرة في ميادين مختلفة، على الصعيدين الوطني والدولي؛ فبوسعها توفير المعارف والمهارات الحماسية والنهج غير البيروقراطي، والمنظور الشعبي، وتكملة موارد الإدارات الحكومية، وجمع الأموال الكبيرة من أجل التنمية والأبعاد الإنسانية. كما تُشجع احترام حقوق الإنسان، وتعزز تسوية المنازعات. على أن الأمر لا يخلو، كذلك، من بعض مؤسسات المجتمع التي قد لا تكون ديموقراطية في هيكلها وتخدم مصالح ضيقة، خاصة في المجال السياسي.
وفي ضوء ذلك يحدد الباحث الدكتور سعد الدين إبراهيم، معالم المجتمع المدني بوصفه يشير إلى تلك التنظيمات غير الحكومية التابعة للدولة مباشرة، وغير الإرثية ـ أي لا تكون عضويتها إجبارية، ولا على أساس المولد، كالأسرة والعشيرة والقبيلة والدين والطائفة والعرق والسلالة. وبهذا المعنى فإن تنظيمات المجتمع المدني تقوم على عضوية مكتسبة واختيارية، كالنقابات المهنية، والروابط، والاتحادات، والأحزاب، والجمعيات، وغيرها من المؤسسات التطوعية.
وعلى هذا يمثل المجتمع المدني جزءاً من القطاع المجتمعي في المجتمعات الإنسانية الحديثة. وتقع هذه المنظمات كهمزة وصل بين القطاعين العام والخاص، ومن ثم فهي أداة ربط ووصل بين مكونات وبناءات المجتمع. وعلى الرغم من اختلاف المنظمات الأهلية من حيث الشكل، والحجم، والأهمية، والأدوار، التي تؤديها بين الدول والثقافات المتباينة، فإن لتلك المنظمات وظائف وأدواراً محددة؛ فهي تناصر المحرومين والمهمشين، والضعفاء، والمستبعدين، وتسعى للتغيير الاجتماعي المنشود، وتقدم الخدمات الاجتماعية والبرامج الثقافية، التي تنمي الوعي الاجتماعي والثقافي.
مما سبق يمكن تعريف منظمات المجتمع المدني بوصفها "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتسامح والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف". |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:36 pm | |
| الديموقراطية
ترجع أصول الديموقراطية وجذورها كفكرة وممارسة، إلى مرحلة الدولة المدنية، التي عرفها الإغريق خلال القرن الخامس قبل الميلاد. ففي ذلك الوقت كانت الديموقراطية تعني، ببساطة، حكم الشعب، حيث تتكون من مقطعين Demos بمعنى شعب أو مواطنون، وCrates أي حكم. والكلمة في مجملها تعني حكم المواطنين أو الشعب. وكانت منظمة بحيث تتيح الفرصة لكل المواطنين المشاركة في القرارات السياسية، التي سوف يكون لها تأثير عليهم. وكان هذا الحق يمارس –آنذاك- في الاجتماعات واللقاءات الجماهيرية، وهو شكل من الممارسة قريب مما نُطلق عليه اليوم "الديموقراطية المباشرة".
أما الديموقراطية المعاصرة، فتختلف أشد الاختلاف عن النموذج الإغريقي القديم؛ ذلك أن نمط الديموقراطية، الذي ظهر في إنجلترا في القرن السابع عشر الميلادي، وأضحى تدريجياً نموذجاً للعالم أجمع، كان من نوع الديموقراطية النيابية. ففي هذا النمط من الديموقراطية كان المواطنون ينتخبون الساسة، الذين يعدون بأن يمثلوا مصالح هؤلاء المواطنين فيما يدور من مناقشات، وما يُتخذ من قرارات، وهي التي يجري، عادة، في منبر قومي مركزي، كالبرلمان أو الكونجرس أو مجلس الشعب. وهكذا يُصبح البرلمان، نظرياً على الأقل، بمثابة الصورة المصغرة للشعب.
أما في الممارسة الواقعية، فنجد أن السياسيين في البلاد الديموقراطية ينتمون، في العادة، للأحزاب السياسية، التي ترسم السياسة أو البرامج العامة، وليسوا فقط مستجيبين للقضايا الأساسية، التي يطرحها المواطنون واحدة تلو الأخرى، ومن ثم تُصبح الأحزاب السياسية مراكز مستقلة للقوة، أو السلطة.
وقد دلت خبرات القرن العشرين أن رؤى المواطنين ووجهات نظرهم، تجد أفضل تمثيل لها عن طريق الأحزاب الصغيرة، التي تتوالد بشكل دائم؛ كما هو الحال في إيطاليا وإسرائيل؛ ولكن الحكم يتحقق بشكل أفضل في وجود حزبين فقط، أو ثلاثة أحزاب، على الأكثر، كما هو الحال في بريطانيا أو الولايات المتحدة الأمريكية. وتلك واحدة من المفارقات العديدة للديموقراطية، التي لفتت اهتمام علماء الاجتماع والسياسية.
وفي الواقع، فإن الخلافات حول تحديد معنى الديموقراطية تتحول، لتصبح خلافات حول القدر المرغوب أو المحقق منها، وليس حول معناها. وفي الديموقراطيات النيابية (الدستورية) يخول أفراد الشعب حقوقهم، في تقرير القانون والسياسة، إلى نواب منتخبين، تخضع الحكومة أمامهم للمساءلة المباشرة. وفي مثل هذه الأنساق السياسية يُصبح الحكم الشعبي، في الواقع العملي، هو مسؤولية واستجابة الحكومة للشعب عن طريق نوابه الرسميين، وغيرهم من القنوات الأخرى غير الرسمية، التي تمثل الرأي العام، مثل جماعات المصالح، ووسائل الإعلام... إلخ.
وحتى في إطار هذا المفهوم العتيق، فإن الديموقراطية يُفترض فيها الأسس التالية:
· حرية الانتخابات وعدالتها، وفقاً لنظام الاقتراع العام.
· توافر الضمانات لحرية التجمع والتعبير، بشكل مستقل عن الضبط الحكومي.
· انفتاح الفعل الحكومي أمام التفحص الشعبي الدقيق.
· توافر نظام قضائي فاعل.
· مساواة المواطنين في نهج الوصول إلى وسائل التأثير على صنع القرار العام وحق المواطنة Cilizenship.
إن ما يُسمى بالديموقراطية الشعبية في أوروبا الشرقية، هي ديموقراطية عاجزة عن تلبية معظم هذه المعايير، في حين أن الديموقراطية الليبرالية في الغرب، عادة، تُلبي هذه المعايير المطلوبة للديموقراطية الليبرالية، وإن كانت بدرجات متفاوتة؛ ولكنها تعجز عن تلبية مساواة المواطنين في سبل الوصول إلى وسائل التأثير على صنع القرار العام. فهذه الديموقراطية الليبرالية تلبي المطلب الديموقراطي في الحكم المفتوح بفعالية أكبر، من تلبيتها لمطلب المساواة السياسية.
وعلى هذا فالديموقراطية لا يوجد لها تعريف جامع مانع، ولا شكل تطبيقي واحد، يصلح لكل زمان ومكان؛ فالديموقراطية مفهوم سياسي دينامي حي متطور، يؤثر في المجتمعات، التي تمارس فيها، وتؤثر قيم المجتمعات وثقافتها ومصالحها فيها. كما أن الديموقراطية المعاصرة هي نظام حكم ومنهج سلمي لإدارة أوجه الاختلاف في الرأي، والتعارض في المصالح. ويحدث ذلك من خلال إقرار وحماية وضمان ممارسة حق المشاركة السياسية الفعالة، في عملية اتخاذ القرارات الجماعية الملزمة للمجتمع، بما في ذلك حق تداول السلطة عن طريق الانتخاب، وفق شرعية دستور ديموقراطي.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف واحد متفق عليه للديموقراطية، إلا أن ذلك لا ينفي أن للديموقراطية ثوابت وقيماً تتجلى في مبادئها الأساسية، وهي: الحرية، والمساواة، والعدالة، والتسامح. وهذا يعني أن الديموقراطية تُشير إلى طريقة في الحياة Way of Life، تجعل كل فرد يعتقد أن لديه فرصاً متساوية للمشاركة بحرية كاملة في قيم المجتمع، وتحقيقه لأهدافه العليا.
وهذا النظام يتحقق في ضوء شرطين أساسيين، هما:
· الأول: تحديد المبادئ والمؤسسات والآليات والضمانات المشتركة.
· الثاني: تحديد ثوابت مجتمعاتنا، وهي الدين الإسلامي، والانتماء العربي، والتعرف على القيم الإيجابية والمصالح المشروعة لشعوبنا.
إن الديموقراطية المعاصرة اليوم، في حقيقة الأمر، ممارسة محددة بدستور ديموقراطي، وينبغي أن يؤسس الدستور الديموقراطي وفقاً لمبادئ ديموقراطية عامة ومشتركة، وهي:
1. لا سيادة لفرد أو لقلة على الشعب، والشعب مصدر السلطات.
2. سيطرة أحكام القانون والمساواة أمامه.
3. عدم الجمع بين أي من السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية في يد شخص، أو مؤسسة واحدة.
4. ضمان الحقوق والحريات العامة دستورياً وقانونياً وقضائياً من خلال تنمية فاعلة للمجتمع المدني وقدرته على الدفاع عن حق ممارسة الحريات العامة.
5. تداول السلطة التنفيذية والتشريعية سلمياً، وفق آلية انتخابات دورية عامة حرة ونزيهة، تجري تحت إشراف قضائي كامل ومستقل، وشفافية تحد من الفساد والتزييف، في العملية الانتخابية.
ووفقاً لهذا أصبحت الديموقراطية اليوم ضرورة من ضرورات العصر، أي أنها مقوِّم ضروري لإنسان هذا العصر، هذا الإنسان الذي لم مجرد فرد من رعية فقط؛ بل هو مواطن يتحدد كيانه بجملة من الحقوق، هي الحقوق الديموقراطية التي في مقدمتها الحق في اختيار الحاكمين ومراقبتهم وعزلهم؛ فضلاً عن حق الحرية، أي حرية التفكير والإبداع والتعبير والاجتماع وإنشاء الأحزاب والنقابات والجمعيات، والحق في التعلم والعمل والمساواة وتكافؤ الفرص... إلخ.
وينبغي ألا يُنظر إلى الديموقراطية من إمكانية إرساء الممارسة الديموقراطية في هذا المجتمع أو ذاك، بل من ضرورة إرساء أسسها وإفراز آلياتها والعمل بها، بوصفها الإطار الضروري، لتمكين أفراد المجتمع من ممارسة حقوق المواطنة، من جهة، وتمكين الحاكمين من الشرعية التي تبرر سلطتهم وحكمهمن من جهة أخرى.
ولذلك، فالشرعية الديموقراطية هي اليوم الشرعية الوحيدة، التي لا بديل عنها. وبهذا فإن مفهوم الديموقراطية قد تخطى حدوده الحضارية، وأصبح يمتلك حُجة، سواء على صعيد الواقع السياسي للمجتمعات الغربية، أو حتى على الصعيد الدولي، خاصة بعد أن امتلك هذا الموضوع ضرورة أكبر، مع انهيار المعسكر الاشتراكي، وظهور ما يُسمى بالنظام الدولي الجديد، منذ بداية تسعينيات القرن الماضي، الذي اعتمد الديموقراطية والتعددية والليبرالية السياسية والاقتصادية. إن هذا المفهوم يكتسب اليوم أهمية خاصة، في ظل ما تشهد المنطقة العربية من تطورات باتجاه التحول الديموقراطي.
وهناك من يقابل الديموقراطية بمفهوم التعددية السياسية، والتي تعني، في أبسط معانيها، الاعتراف بوجود تنوع في مجتمع ما، تنوع قائم على تعدد دوائر الانتماء فيه، ضمن هويته الواحدة، واحترام هذا التنوع وقبول ما يترتب عليه من خلاف أو اختلاف، وإيجاد صيغة للتعبير عن ذلك بكل حرية، وفي إطار مناسب، وبشكل يحول دون نشوب صراع يهدد وحدة المجتمع وتماسكه.
وبهذا فإن المعيار الحقيقي لوجود الديموقراطية ليس في وجود المبادئ والأفكار الديموقراطية المهمة في مجتمع ما، وإنما تتمثل في ممارسة الناس فعلاً وقولاً لهذه الأفكار والمبادئ والحقوق؛ أي أن الديموقراطية في حقيقتها ممارسة فعلية.
وبناءً على ذلك، يمكن تعريف الديموقراطية تعريفاً شاملاً بأنها: "المساواة السياسية بين جميع المواطنين، وتكافؤ الفرص بين الجميع، وحق المواطنين في الاشتراك في إدارة شؤون المجتمع والحكم، والتمتع بجميع الحقوق والحريات، سواء كانت مدنية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو ثقافية. أي أنها نظام حكم ومنهج سلمي لإدارة أوجه الاختلاف، في الرأي والتعارض في المصالح، والتداول السلمي للسلطة عن طريق الانتخاب الحر المباشر، وفق شرعية دستور ديموقراطي". |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:37 pm | |
| الثورة
Revolution
عُرفت الثورات منذ عهد الإغريق، ودخلت هذه الكلمة اللغة الإنجليزية لأول مرة عام 1600م. وتعد "الثورة" من المصطلحات المعقدة، التي واكبت ظهور الدولة والحياة السياسية. ومع أن مفهوم الثورة، الذي ساد على غيره، من المفاهيم هو ثورة الشعب ضد الاستعمار، أو ضد الأنظمة الاستبدادية؛ إلا أن مضمون الثورة من حيث اللغة لا يقتصر على هذا الجانب، بل يشمل كل فعل يؤدي إلى تغيير الأوضاع تغييراً جذرياً، سواء كانت أوضاعاً طبيعية أو سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية.
ومن هنا يستخدم مصطلح ثورة في سياقات مختلفة، كالثورة الصناعية، أو الثورة الثقافية، أو الثورة التكنولوجية، أو المعلوماتية لوصف التغييرات الجوهرية التي تطرأ على حياة الشعوب، وعلى الحضارة الإنسانية. وهذه الثورة تولد من الأمل وليس من اليأس، من أجل تحقيق تغيير تاريخي حقيقي، مثلما حدث في الثورة الفرنسية من تحويل النظام الملكي إلى نظام جمهوري، وثورة يوليه 1952 في مصر، وغيرها من الثورات في الدول العربية.
تتضمن الثورات ثلاثة عناصر تمهد لقيامها، وهي: الوعي، والتنظيم، والقيادة، وهي أمور في مضمونها تستند إلى الجانب الفكري؛ فالثورة تبدأ فكرية بمرحلة الاكتشاف التي تشكل الوعي، وهي المرحلة التي يعي فيها الجماهير أن هناك مشكلات يعانون منها. وإلى جانب الفكر تحتاج الثورة إلى قيادة توعي الجماهير، التي لم تصل بعد إلى هذه الدرجة من الوعي؛ فتتوسع قاعدة الوعي، وتتولى القيادة الثورية المثقفة إقناع الجماهير، بأن الوضع الحالي لا يمكن احتماله أو استمراره، وتعمل على نقده وتحطيم شرعيته في عقولهم، وتطرح البديل، الذي يحل محله، وتوضحه وتفهمه للجماهير لاستيعابه وتكوين صورة مسبقة له، لضمان انحياز الجماهير للثورة. فالجماهير لا تثور إلا إذا عرفت لماذا تثور؛ فالثورة ليست هدفاً في حد ذاته، وإنما هي وسيلة لتحقيق الأهداف بفعل واعٍ وإرادة حرة، من أجل حرية الإنسان وسعادته واحترامه.
يلي مرحلة الاكتشاف مرحلة الإبدال، أي إبدال القيم، التي على أساسها بُنيت العلاقات الظالمة في المجتمع، الذي أقامه الإنسان لضرورة الحياة على وجه الأرض. وتكون عملية الإبدال طريقة واعية ومقصودة، تؤدي إلى وعي غالبية أفراد المجتمع وتثقيفهم بمفاهيم القيم الجديدة، التي ابدلعت الثورة من أجلها. وبقدر إيمانية هذه المفاهيم، تكون سرعة شيوعها وتجسيدها في المجتمع. كما أن هذا الإبدال تصاحبه مرحلة إزالة الموانع، التي تحول دون تحققه على أرض الواقع؛ فالناس يقاومون ما هو غير مألوف عندهم ومعتاد لديهم، في الوقت الذي نجد فئة من المجتمع لم تجهل مصلحتها في بقاء واستمرار القيم القديمة واستمرارها؛ بل ومستعدة أن تدافع عنها بكل الوسائل المتاحة، وأولها المؤسسات الحامية لهذه القيمة، والتي تستمد شرعيتها بالمحافظة عليها، بل تُعد حمايتها هو مبرر وجودها. ويستلزم ذلك إزالة هذه المؤسسات القديمة وهدمها، لبناء مؤسسات جديدة، ولإحلال القيم الجديدة وتجسيدها وحمايتها؛ إلا أن المؤسسات القديمة تكون محمية من السلطة القائمة، الأمر الذي يستوجب الاستيلاء على هذه السلطة، لإبدال المؤسسات بما يسمح بإحداث إبدال في القيم. والاستيلاء على السلطة السياسية ضرورة حيوية للثورة فمن دونها لن تكون ثورة. ويُعد هذا الاستيلاء الأسلوب الأسهل والأسرع، لإتمام التغيير، بل هو المدخل للثورة.
وبهذا تتكون الثورة من قيادة، وجماهير، ونظرية ثورية. والتغيير الثوري يحدث عن طريق الجماهير، بقيادة ثورية تؤمن بنظرية ثورية على تغيير ثوري، في زمن أقصر من الزمن المعتاد. وتشمل عمليات الثورة هدم وبناء، أي هدم العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية السائدة، وبناء مجتمع جديد بناءً على النظرية الثورية، وهي التي ترسخ الحرية والعدالة والمساواة؛ ولهذا فالثورة هي علم تغيير المجتمع.
ومن ثم، فالثورة لا تعني مقاومة السلطة الشخصية فحسب، أي من سيكون الحاكم؟ وإنما تعني مقاومة نظام الحكم ذاته، وليس سقوط الحاكم معيناً ليحل محله حاكم آخر؛ وإنما الثورة عليها أن تحدث تحولاً جذرياً في النظام الاجتماعي، تحولاً دائماً وليس موقوتاً.
وإذا دققنا النظر في التراث النظري المعاصر، الذي يتناول الثورة، نلاحظ وجود أربعة مواقف فكرية متميزة، وإن كانت تشترك جميعها في سمات معينة على النحو التالي:
· الموقف الأول: ينطلق من مفاهيم اقتصادية؛ فالثورة في المقام الأول ظاهرة اجتماعية، لها أسباب اقتصادية واضحة. ويبدو أن وجهة نظر ماركس تحتل أهمية خاصة في هذا السياق، أي أن الثورة تنجم عن زيادة البؤس وانتشار الفقر. وفي المقابل، هناك وجهة نظر أخرى أكدها توكفيل، وهي أن الثورة تنشأ عن زيادة الرخاء، ويؤيد ذلك التطورات الحديثة، التي طرأت على حركات الشباب في العالم العربي.
· الموقف الثاني: ينطلق من أن الثورة ظاهرة اجتماعية، ومن المحاولات النظرية التي تتسق مع هذا الموقف تلك التي قدمها جونسون Johnson، والذي ميز فيها بين التمرد الفوضوي، والثورة الشيوعية، والانقلاب التآمري، والعصيان الجماهيري المسلح.
· الموقف الثالث: ويستند إلى قضية أساسية، وهي أن الثورة تعتمد على إحساس الفرد بالاغتراب عن المجتمع، الذي يعيش فيه. ويؤيد ذلك كتابات تامكوت بارسونز، وروبرت ميرتون. وعلى الرغم من أنهما ذهبا إلى أن معظم أعمالهما قد انطلقت من مفاهيم سوسيولوجية واضحة، إلا أن تحليلاتهما للثورة كشفت عن نزعة سيكولوجية واضحة، ومن ثم بدت الثورة في نظرهما وكأنها حالات مرضية، علاجها ربط الفرد بالمجتمع وتكامله معه.
· الموقف الرابع: ينطلق من أن الثورة ظاهرة سياسية تتعلق أساساً باستبدال القوة السياسية. ويمثل هذا الموقف أرسطو وماكيافيلي وجون لوك. ونتيجة لذلك يمكن تفسير التحولات الاجتماعية، في ضوء المعنى السياسي للثورة.
وتتصل المواقف الفكرية أعلاه بتقييم السلوك الجماعي المرتبط بالثورة، بما في ذلك سلوك الزعماء والجماهير والصفوة الحاكمة، بوجه عام.
ولما كان مفهوم الثورة متعدد الدلالات، ويتلون بألوان اللحظات والحقب التي أفرزته، وبالثقافات السياسية للشعوب والجماعات التي أنجزته، لذا ينبغي أن نُفرق بينه وبين مفاهيم كثيرة تتداخل معه، وهي:
1. الثورة والانقلاب Coup and Revolution
إن الثورة هي التغيير الذي يحدثه الشعب عن طريق شخصيات تاريخية؛ لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات، ولتنفيذ برامج من المنجزات الثورية غير العادية. ولذلك، فالثورة فعل جماهيري منتمٍ وواعٍ، يشترك فيها جميع فئات المجتمع. أما الانقلاب العسكري، فهو تحرك أحد العسكريين للاستيلاء على السلطة، لتحقيق طموحات وأطماع ذاتية في كرسي الحكم. ومن ثم فالانقلاب ليس فكرة أو أيديولوجية تحمل مطالب شعب؛ وإنما الاستحواذ على السلطة هو هدف الانقلاب وغايته.
2. الثورة والتمرد Rebellion and Revolution
تشترك الثورة والتمرد في أن كلاً منهما يتضمن أحداثاً نادرة الوقوع،ـ نسبياً؛ ولكنها مهمة من الناحية التاريخية، يكون بها قلب النظام السياسي والاجتماعي كليةً، وذلك باستخدام وسائل عنيفة، عادة، ثم يعاد بناؤه على أُسس جديدة بقيادة جديدة. وقد أصبحت كلمة "ثورة" تُطبق بشكل فضفاض على كل تغيير اجتماعي بعيد المدى، كما هو الحال في الثورة الصناعية، وثورة المعلومات وغيرها؛ لكن يظل معناها الأساسي سياسي الطابع. وإن كان من الصعب إقامة تمييز واضح بين الثورة والتمرد، إلا أن هناك من يرى أن مصطلح "ثورة" يقتصر اهتمامه على الحالات، التي تحاول فيها الصفوة الحاكمة الجديدة أن تحدث تغيرات جذرية، في البناء الاجتماعي لمجتمع ما بعد الثورة؛ بينما يتعين قصر مصطلح "تمرد" على الاضطرابات السياسية المحدودة، التي تقوم على إحلال جماعة حاكمة محل أخرى. وعلى هذا الأساس فإن حالات التمرد يمكن أن تتحول تدريجياً إلى ثورات، تبعاً لحكمنا على مدى التغيرات الاجتماعية، التي تعقب الاستيلاء على السلطة.
3. الثورة والانتفاضة Uprising and Revolution
يُنظر إلى الثورة على أنها عملية حركية دينامية، تتميز بالانتقال من بنيان اجتماعي إلى بنيان اجتماعي آخر. أما الانتفاضة، فيتحدد مفهومها في كونها عملية للمطالبة برحيل المتغيرات، التي لا جذور شرعية لها؛ فالانتفاضات عفوية وتلقائية، وهو واضح في طريقة انطلاقها ـ ولهذا كانت من حاجة إلى الوعي الذي يعطيها العقل، ويؤسس لها التنظيم. ولهذا كان دور الفكر هو البحث في مشكلاتها، وفي آليات تطويرها، وتنظيم نشاطها، وبلورة الأهداف والشعارات، التي لم تكن الطبقات الشعبية قادرة على بلورتها، في مشروع تغييري يؤسس لنظام بديل عن النظام القائم. والانتفاضة والثورة يعدان أعلى مراحل الحراك الجماهيري الثائر.
4. الثورة والإصلاح Reform and Revolution
على الرغم من وجود ارتباط بين مفهومي الثورة والإصلاح، على أساس أن الثوري لا بد أن يكون إصلاحياً يقود إصلاحاً بلا نهاية، وأن الإصلاحي يمكن أن يقدم تحولاً ثورياً؛ إلا أن ثمة تناقضاً بين المجتمعين العربي والغربي في التمييز بين المفهومين. فالتمييز الغربي بين الثورة والإصلاح يقوم على أساس نمط التغيير؛ فنمط التغيير، كما يبدو في العلوم الاجتماعية الغربية، يُشير إلى مفهوم الثورة، لأنها تغيير شامل وجذري، خلافاً للإصلاح الذي هو تغيير جزئي محدود. أما في العالم العربي، فيُشير الإصلاح إلى معنى الثورة نفسه، ولكنه يختلف في الطريقة التي تُدار بها العملية. ففي الثورة يوجد عنف ولا يوجد تدرج في تحقيق الأهداف. أما في الإصلاح فلا يوجد عنف؛ بل يتحقق بأهداف متدرجة.
5. الحركة الاجتماعية والثورة Revolution an Social Movement
في محاولة تحديد العلاقة بين الحركة الاجتماعية والثورة، نستطيع حصر ثلاث مراحل فكرية، وهي:
· المرحلة الأولى: ترى وجود اختلاف هيكلي بين الثورة والحركة الاجتماعية، في التنظيم والغايات بينهما؛ ولكنها تفشل في تفسير تحول بعض الحركات الاجتماعية إلى ثورات كاملة، ما دامت ترى الاختلاف هيكلي أو بنائي، في الغايات والتنظيم.
· المرحلة الثانية: ترى أن هناك تشابهاً بين الحركة الاجتماعية والثورة؛ فوضعتهم في إطار واحد، وحصرت الفروق بينهما في المدى والحجم فقط؛ فالأوضاع الثورية تشابه الحالات القصوى من دورات الحركات الاجتماعية.
· المرحلة الثالثة: تنطلق من أن الحركات الاجتماعية والثورات يشتركان الأوضاع الهيكلية ذاتها في بداياتهم، ولكنهم يختلفون في المخرجات، ذلك أن تطور الحركات الاجتماعية إلى ثورة كاملة، يعتمد على كيفية تعامل النظام والنخبة والجماهير، مع الحدث الثوري.
إن العلاقة متداخلة ومتشابكة بين الثورات والحركات الاجتماعية؛ فهي علاقة شامل بمشمول، حيث نجد في الثورة الواحدة حركات اجتماعية مختلفة ومتنوعة الأهداف والاختصاصات، وتشترك جميعاً في إحداث الثورة.
وللثورة تعريفات متباينة في قواميس علم الاجتماع؛ فالتعريف العام يُشير إلى التغيرات الجذرية المفاجئة، التي تحدث في الظروف الاجتماعية والسياسية، وخاصة حينما يتغير فيها نظام حكومي أو سياسي معين، ويحل محله نظام آخر. كما يُستخدم المصطلح، أيضاً، للإشارة إلى التغيرات الجذرية، التي تحدث في مجالات غير سياسية، كالثورة العلمية، والثورة الفنية، والثورة الثقافية، وهي تُشير إلى تغييرات جذرية في جوانب الحياة الثقافية. أي أن الثورة تغيير شامل وجذري بعيد المدى، في طرق التفكير وفعل الأشياء.
وعلى جانب آخر، تحدد "موسوعة علم الاجتماع" الثورة تحديداً واضحاً، بوصفها "التغيرات الجذرية في البنى المؤسسية للمجتمع، تلك التغيرات التي تعمل على تبديل المجتمع ظاهرياً وجوهرياً، من نمط سائد إلى نمط جديد، يتوافق مع مبادئ وقيم وأيديولوجية وأهداف الثورة. وقد تكون الثورة عنيفة دموية، كما قد تكون سلمية وبيضاء. وقد تكون فجائية سريعة، أو بطيئة تدريجية".
والثورة، وفقاً لذلك، تعني فعلاً احتجاجياً شعبياً واسع النطاق؛ فعل ذو طابع سياسي يؤدي إلى هدم نظام قديم، وإحلال نظام جديد، وتقود إلى تحولات كبرى واسعة، وتغييرات جذرية في بنية الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي، في صالح القائمين بالثورة. وقد تحدث الثورة على نحو تلقائي وطريقة غير منظمة، كما حدث في الثورة التونسية. وقد تكون على نحو منظم ومقصود، كما حدث في الثورة المصرية.
وبهذا تتسم الثورة بالخصائص التالية:
1. الثورة تمثل تغييراً راديكالياً، وتقوم على الحلول الجذرية وترفض الحلول الإصلاحية البطيئة والمحدودة النطاق.
2. الثورة ترتكز على أيديولوجية جديدة ومغايرة للنظام القديم السائد، وتشييد دعائم نظام جديد قائم على قواعد وأُسس جديدة.
3. الثورة فعل جماهيري شامل ضد فئة قليلة، غالباً ما تكون هذه الفئة مستحوذة على السلطة والقوة السياسية والاقتصادية.
4. الثورة قد تكون تلقائية عفوية، أو مقصودة ومنظمة ومخططة.
5. الثورة قد تكون عنيفة ودموية وحمراء، وقد تكون ثورة ناعمة وبيضاء وسلمية.
أنماط الثورات وأشكالها
تتنوع الثورات وأشكالها حسب البيئات التي تظهر فيها؛ فمثلاً الماركسيون يصفونها بثورة القصر الملكي، والثورة البرجوازية، والثورة المضادة، وثورة البروليتاريا. في حين يرى فريق آخر أن الثورات تُصنف حسب المجال الذي تحدث فيه، فهي ثورة حضارية، وأخرى صناعية، وثورة سياسية... وهكذا. وعلى هذا يمكن تصنيف الثورات كما يلي:
1. الثورة البرجوازية
تُعنى هذه الثورة، في الأساس، إيجاد الحلول لعملية التناقض بين القوى الإنتاجية والنظام السياسي الإقطاعي وشبه الإقطاعي. وتهدف الثورة البرجوازية إلى التخلص من العقبات، التي تحول دون إحداث تطور رأسمالي حقيقي. ومن أبرز أمثلة هذه الثورات: حرب الفلاحين في ألمانيا في القرن السادس عشر، والثورة اليابانية في القرن التاسع عشر.
2. الثورة الاشتراكية
ويمثل هذا النوع من الثورات بإحداث تحول جذري في بنية المجتمع، الذي يمر بالانتقال الكامل من النظام الرأسمالي، إلى النظام الاشتراكي، ويعمل على تحطيم علاقات الإنتاج القائمة على الملكية الخاصة، والسعي إلى تقويض جهاز الدولة البرجوازي، وإقامة ديكتاتورية الطبقة العاملة، وتحقيق العدالة الاجتماعية.
3. الثورة الاجتماعية
ويعُبر هذا النوع من الثورة عن تغيير نوعي في الحياة الاقتصادية والسياسية والفكرية للمجتمع، من خلال القضاء على النظام القديم البالي، وصعود نظام اجتماعي جديد أكثر تقدماً. وتهدف الثورة الاجتماعية إلى إحداث تغيير جذري في البناء الاجتماعي، وما يرتبط به من وظائف وعلاقات. وتسعى هذه الثورات، دائماً، إلى تحقيق العدالة الاجتماعية.
4. الثورة الاقتصادية
تهدف الثورة الاقتصادية، كما يقول بيتريم سوروكين، إلى إجراء تغييرات عنيفة في النظام الاقتصادي، لإحداث تغيير جذري في البناء الاقتصادي للمجتمعات، والذي يؤدي إلى إعادة توزيع الثروات والملكيات بصورة جديدة، بما تضمنه من تغيير للعلاقات والنظم المرتبطة بهذا البناء.
5. الثورة السياسية
يعمل هذا النمط من الثورات على تغيير الفئة الحاكمة، دون أن يكون هدف الثورة إحداث تغيير جذري وشامل في الأوضاع الاجتماعية؛ وتتضمن هذه الثورة عمليات التغيير المفاجئة والجذرية، في نظم الحكم والإدارة والتنظيم داخل المجتمع, والتي يقوم بها الشعب تحت قيادة بعض الجماعات والأفراد، لإصلاح الفساد السياسي والإداري، والقضاء على السلطات الحاكمة والمستبدة. وقد تسهم القوات المسلحة في دعم هذه الثورات ومساندتها، ويكون لها دور بارز في نجاحها.
6. الثورة المضادة
وتنطلق هذه الثورة من خلال معارضة التغيير، وإعاقة أهداف الثورة، والسعي لإخمادها، على أساس أن الثورة هي عملية تغيير. ويقابل هذا التغيير بعملية مقاومة من النُخب المسيطرة الرافضة للتغيير؛ لأن الثورة تقضي على امتيازاتهم؛ فضلاً عن أولئك الذين يشعرون بأن الثورة قد هددت مصالحهم، إلى جانب أولئك النفر الذين لم تحقق الثورة الأطماع التي كانوا يطمحون إليها. كل هؤلاء ومن يتحالف معهم يكونوا ثورة مضادة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:37 pm | |
| ثقافة الاستهلاك
يُعد مفهوم الاستهلاك من أعقد المفاهيم في العلوم الاجتماعية، لأن الاستهلاك عملية جماعية لها جوانبها الاجتماعية المهمة. إن أغلب ما يستهلكه الفرد هو نتيجة تلقائية لما يستهلكه الآخرون، وكثيراً ما يقلد الفرد غيره في الاستهلاك، فقط لأنه لا يعرف ما يستهلك. ولذلك عُرف الاستهلاك لغوياً في اللغة الإنجليزية بوصفه "العملية التي يتم من خلالها تدمير المنفعة الاقتصادية للسلعة، باستعمالها استعمالاً كاملاً".
ويُعرف الاستهلاك من الناحية الاقتصادية بأنه: "تدمير أو هلاك السلعة أو الخدمة المُنتجة عن طريق الاستعمال؛ ويحدث هذا الهلاك بعد الحصول، أو انقضاء وقت حصول، المستهلكين عليها أو امتلاكها". ويعني هذا أن الاستهلاك هو الغرض النهائي للنشاط الاقتصادي في سائر المجتمعات الإنسانية، أو كما وصفه آدم سميث بأنه "الهدف النهائي للإنتاج".
ويرتبط مفهوم الاستهلاك بمفهوم آخر، هو مفهوم مستويات الاستهلاك Standards of Consumption ، وهو يشير إلى الأهداف التي يسعى الأفراد إلى تحقيقها فيما يتصل بالاستهلاك، وهي الأهداف التي تحدد الطريقة التي تنفق بها الأسرة نقودها. وهذا ينقلنا إلى مفهوم أنماط الاستهلاك Patterns of Consumption، والذي يُشير إلى الطرق أو الأساليب، التي تُنفق بها النقود بشكل عام.
ولكنه يُعرف بشكل أكثر تحديداً بوصفه الأساليب التي تنفق بها الأسرة نقودها، لمواجهة حاجات بيولوجية واجتماعية وثقافية. وفي ضوء هذا التعريف تتحدد أنماط الاستهلاك في نمطين، هما:
1. أنماط الاستهلاك العادية: وهي التي تتصل بالإنفاق على الحاجات الإنسانية الأساسية، التي تتخذ شكلاً مستمراً ومنتظما. ومن هذه الأنماط ما يسد حاجات بيولوجية، مثل الإنفاق على المسكن والطعام؛ ومنها ما يسد حاجات اجتماعية ويرتبط برموز خاصة، مثل الإنفاق على الخدم والسيارات ووسائل الترويح المختلفة.
2. أنماط الاستهلاك غير العادية: وتتصل بإنفاق الأسرة في مناسبات بعينها، سواء كانت مناسبات تخص عضواً من أعضائها، مثل الاحتفال بأعياد الميلاد أو النجاح أو الزواج، أو مناسبات دينية، كالإنفاق على الحج والعمرة والعيدين. وهي تهدف، عادة، إلى إشباع حاجات اجتماعية وثقافية.
وتعني ثقافة الاستهلاك، بشكل عام، تلك الجوانب الثقافية المصاحبة للعملية الاستهلاكية، أي مجموع المعاني والرموز والصور، التي تصاحب العملية الاستهلاكية، والتي تضفي على هذه العملية معناها، وتحقق دلالتها في الحياة اليومية. ووفقاً لهذا التعريف، فإن للثقافة الاستهلاكية جوانب مادية واضحة؛ لأنها تدور بالأساس حول عملية استهلاك مادي؛ ولكن فهم هذه الجوانب المادية لا يكتمل إلا بفهم الجوانب المعنوية المتصلة بها، والتي توسع من دائرة الثقافة الاستهلاكية، لتشمل المعاني والرموز والصور المصاحبة لعملية الاستهلاك المادية. إن المعاني والرموز والصور المصاحبة للعملية الاستهلاكيةن تظهر –عادة- في مستويات ثلاثة، هي: ما قبل العملية الاستهلاكية، وأثناء الاستهلاك الفعلي، وما بعد الاستهلاك.
ومن هذا يتضح أن الثقافة الاستهلاكية -كما يقول مارتين لي- تتضمن ترابط الأنشطة الاقتصادية مع الممارسات الثقافية، التي يمكن تحديدها تماماً بواسطة دوران رأس المال، أو سيكولوجية الأفراد. كما تتضمن، كذلك، العلامات والإشارات والطقوس والممارسات، والقيم المرتبطة بالسلع والمنتجات، وعملية الشراء. ومن ثم تتحدد الثقافة الاستهلاكية بأنها جزء من الثقافة العامة للمجتمع، وتخضع لمعطياتها؛ لذا فهي تتشكل من المعاني، والرموز والممارسات المصاحبة للاستهلاك. ولكونها ثقافة، فهي تتأثر بالتغيرات التي تطرأ على السياق البنائي العام، خاصة الثقافة الوافدة. ونظراً لاتسامها بالمرونة، فهي تظهر ردود أفعال متباينة تجاه تلك التغيرات، من أجل الاستمرار. ويمكن الكشف عن السياق العام لتلك الثقافة بالرجوع إلى بعض المنشآت، التي يمارس فيها الاستهلاك، مع الأخذ في الاعتبار المعنى والرمز والممارسات الكامنة وراء هذا المكان، والآليات التي تُتخذ لجذب الثقافة الاستهلاكية نحوها.
ووفقاً لذلك، يرتبط مفهوم ثقافة الاستهلاك بمجموعة أخرى من المفاهيم، مثل مفهوم النزعة الاستهلاكية Consumerism، والذي يعني تحول معاني ورموز الاستهلاك إلى هدف في حد ذاته. ومن هذه المفاهيم، أيضاً، ذلك الذي يُشير إلى أنماط محددة وواعية من التفضيلات تميز السلوك الاستهلاكي، وتُضفي عليه طابعاً أسلوبياً Stylistic متميزاً، أي مفهوم أسلوب الحياة Life Style. كما يرتبط كذلك بمفهوم رموز الاستهلاك، والذي يتضمن تحول الاستهلاك إلى لغة أشبه بلغة الحياة اليومية، يخاطب بها الأفراد بعضهم بعضاً، ويكونون من خلالها رصيداً رمزياً، يحدد مكانة الأفراد ونطاق تفاعلهم. وأخيراً نجد مفهوم استهلاك الصور Consumption of images، حيث يرتبط استهلاك سلعة معينة، بصورة ذهنية معينة خاصة بهذه السلعة، من خلال أسلوب العرض أو تكرار الدعاية والإعلان عن هذه السلعة. وتترابط هذه الموضوعات مهما ترابطاً وثيقاً في بوتقة واحدة، هي بوتقة الثقافة الاستهلاكية.
وعلى هذا تشير ثقافة الاستهلاك في مضمونها، إلى أن وساطة الأشياء تعد من أكثر الآليات أهمية في التفاعل الاجتماعي بين الناس، وتتضمن بالأساس مستويات رمزية عديدة؛ ولكنها لا تُفهم إلا من خلال شكل من أشكال الثقافة المادية بالمعنى الأنثربولوجي.
وهي تلك الثقافة التي ظهرت في بداية القرن العشرين، كما يقول فيزرستون، من خلال تشجيع كميات ضخمة من استهلاك الصور. ويرى فيزرستون أن ثمة ثلاثة منظورات أساسية في تحديد ثقافة الاستهلاك، وهي:
· المنظور الأول: يرى أنها نجمت عن انتشار سلع الإنتاج الرأسمالي، التي أدت إلى تراكم الثقافة المادية، في شكل سلع وخدمات استهلاكية.
· المنظور الثاني: يرى أنها تحقق الإشباع من السلع الاستهلاكية، ويرتبط بالمكانات الاجتماعية، أو التمايزات الاجتماعية.
· المنظور الثالث: يتركز حول تحقيق السعادة العاطفية والجمالية، من خلال عملية الاستهلاك.
وهذا يعني أن للثقافة الاستهلاكية جوانب مادية، تتمثل في الاستهلاك المادي للسلع. كما أن لها جوانبها المعنوية، التي تتصل بالمعاني والرموز والصور المصاحبة لعملية الاستهلاك المادية. وعلى هذا تُعرف الثقافة الاستهلاكية بوصفها "مجموع المعاني (الرموز والصور المصاحبة لعملية الاستهلاك)، بدءاً من تبلور الرغبة الاستهلاكية، مروراً بالاستهلاك الفعلي، وانتهاءً بما بعد عملية الاستهلاك". كما تظهر في الصور المرتبطة بسلع معينة، لها مكانة خاصة في أذهان الناس.
ويورد الباحثون مجموعة من الخصائص، التي تميز الثقافة الاستهلاكية؛ منها:
1. توصف ثقافة الاستهلاك بأنها مادية Materialistic، فهي تدور حول استهلاك السلع المادية، لأنها تعتمد على فكرة التبادل العقلاني المبني على الإنتاج السلعي الواسع النطاق، وإقامة أسواق جديدة للسلع الاستهلاكية. وتتأثر هذه السلع بالطريقة التي تُعرض بها، والمكان الذي تُعرض فيه؛ إذ أصبحت تُعرض على نحو خاص ويُنفق عليها مبالغ طائلة، كي تبدو على نحو أفضل مما هي عليه في الواقع المعيش.
2. كما تتميز الثقافة الاستهلاكية بجوانبها المعنوية؛ فهي لا ترتبط بالممارسات المادية فقط، وإنما ترتبط، أيضاً، باستهلاك المعاني والخبرات والصور؛ فالأسلوب الذي تُعرض به السلع، أو الذي يُعلن به عنها، يرتبط بصورة معينة يسعى إلى تثبيتها في ذهن المشتري. ومن ثم، فإن ممارسة التسوق Shopping ليست تعاملاً اقتصادياً فحسب؛ ولكنها تعامل معنوي يكتسب الفرد من خلاله خبرات خاصة، ويستدعي من خلاله مجموعة خاصة من الصورة الذهنية. بل إن هذا الجانب المعنوي قد يطغى على الجانب المادي، عندما يتحول فعل الشراء إلى هدف ثانوي، ويتحول الاستمتاع بعملية الشراء إلى هدف أساسي. وهذا هو ما يُطلق عليه الباحثون "الاستهلاك البصري"، حيث يصبح التجول في السوق هدفاً في حد ذاته. ولهذه العملية جانبان؛ الجانب الأول يرتبط بالاستمتاع الشخصي والمعنوي؛ والجانب الثاني يرتبط بوعي الشخص بظهوره في السوق، والصورة التي يثيرها لدى الآخرين من خلال هذا الظهور، أي أن الثقافة الاستهلاكية هي في جوهرها ثقافة صور وتصوير.
3. تتسم الثقافة الاستهلاكية، كذلك، بالطابع الأسلوبي Stylestic، بحيث يكون للسلعة تأثير أسلوبي يُعبر عن فردية، أو تفرد مالكها. وتعبر الثقافة الاستهلاكية، غالباً، عن ذلك، بربط السلع بشخصيات معينة، أو بأنماط معينة للشخصية. ويحدث ذلك عندما تحاول الإعلانات أن تربط سلعة معينة بشخصية مشهورة يعرفها الناس. وبهذه الطريقة تحاول الثقافة الاستهلاكية -ليس خلق المعاني والصور في أذهان الناس فحسب- بل أن تدعم تمايزات اجتماعية معينة.
4. تتسم الثقافة الاستهلاكية بالتحول المستمر والسريع. ويظهر هذا التحول على مستويات عدة، أولها مستوى عام يرتبط بقابلية المعاني، التي ترتبط بقابلية ثقافة الاستهلاك للتحول. لذلك وصف بعض الباحثين ثقافة الاستهلاك بأن كل شيء منها يُصبح قابلاً للتبادل مع أي شيء؛ فليس هناك من حدود لتحول المعاني وانتقالها. أما المستوى الثاني، لتحول الثقافة الاستهلاكية فإنه ينكشف من خلال التناقض، الذي تخلفه الثقافة الاستهلاكية بين ما هو كائن وما ينبغي أن يكون؛ ذلك إن الثقافة الاستهلاكية تحول كثيراً من المعاني والتصورات في مخيلة الأفراد، وتخلق في داخلهم أنواعاً من التناقض، قد لا تكون موجودة في ثقافتهم الأصلية. أما المستوى الثالث والأخير، الذي يكشف تحولات ثقافة الاستهلاك وتناقضاتها، فيرتبط بعلاقة هذه الثقافة بالثقافة الأصلية، حيث تُعد عنصراً مهماً في تحويل العناصر التقليدية من الثقافة، ومنحها معانٍ جديدة من الثقافة الاستهلاكية الحديثة.
5. تتميز الثقافة الاستهلاكية بالإنتاج المستمر للعلامات Signs، والرموز Symbols؛ فالمستهلكون على وعي بأنهم يتحدثون من خلال مظهرهم وملابسهم، والسلع والممارسات التي تُحيط بهم. وبهذا المعنى فالثقافة الاستهلاكية تخلق من الرموز ما يجعلنا نفهم ذواتنا وذوات الآخرين، على نحو معين. وتمتد رمزية ثقافة الاستهلاك إلى الجانب التذوقي والجمالي من الثقافة.
6. أخيراً، تتصف الثقافة الاستهلاكية بأنها ثقافة قهرية، تدفع الناس دفعاً إلى الاستهلاك والركض خلف طموحاته، بغض النظر عن الفوائد الفعلية المتحققة من ذلك. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:38 pm | |
| رأس المال الاجتماعي
Social Capital
يُعد مفهوم رأس المال الاجتماعي من المفاهيم التي أصبحت ذائعة الصيت، وواسعة الانتشار، في الآونة الأخيرة، على الرغم من حداثة استخدامه في بداية الثمانينيات من القرن العشرين، على يد كل من بيير بورديو Bourdieu عام 1983، وجيمس كوليمان Coleman عام 1988.
بدأ البنك الدولي في استخدام مفهوم "رأس المال الاجتماعي" عام 1997، ثم عُقدت ورش للعمل ونُظمت الندوات، من أجل التعريف بهذا المفهوم، وصياغة أهم الاتجاهات النظرية، التي تتناول أهم المشكلات الاجتماعية المرتبطة بهذا المفهوم، خاصة وأن رأس المال الاجتماعي يلعب دوراً بارزاً في صياغة المشكلات الاجتماعية، كالفقر، والبطالة، والبيئة؛ بل ومدى قدرة المجتمعات الإنسانية على أن تتعايش مع بعضها بعضاً. كما أن رأس المال الاجتماعي له أهمية كبيرة، لأن كل مجتمع فلابد له من رأس المال الاجتماعي، الذي يدعم زيادة الانتاجية الاقتصادية، ويعالج المشكلات المجتمعية ذاتياً. كما أن رأس المال الاجتماعي، كإطار اجتماعي وسياسي وإداري، يقدم أفضل بيئة لتشغيل آليات السوق، وبكفاءة عالية.
رأت النظرية الليبرالية الجديدة أن رأس المال الاجتماعي يُعد مفهوماً جوهرياً في المجتمع، ولأن الإشراف الكامل للدولة على كل الموارد والخدمات الصحية والتعليمية، يُضعف من دور رأس المال الاجتماعي؛ ولأن هذا الإشراف يسهم في وجود مواطنين تابعين ومعتمدين على غيرهم أكثر من إيجاد المواطنين الفاعلين والمنظمين، ما يقلل من قدرة الأفراد على توليد رأس المال.
والجدير بالذكر أن مفهوم رأس المال الاجتماعي مفهوم متعدد الأبعاد، ويُعرف بطرق مختلفة تتباين بتباين المنظورات الفكرية، التي تتعلق بدراسته. ويُعرف بيير بيرديو رأس المال الاجتماعي من خلال شبكة العلاقات الاجتماعية والأسرة، إذ يرى أن الأسرة هي التي تنظم رأس المال البشري، وتنقله عبر الأجيال. كما أكد على أن رأس المال الاجتماعي هو الذي يحافظ على التفاعل الاجتماعي، بين القوى الفردية والجماعية داخل المجتمع الطبقي، الذي تسود فيه التباينات الاقتصادية والاجتماعية.
في حين يرى بوتنام Putnam 2002، أن رأس المال الاجتماعي يقوم على الثقة والتبادل بين الآخرين، كما يتمثل في المشاركة في منظمات المجتمع المدني. ويرى جيمس كولمان Coleman 1991، أن رأس المال الاجتماعي كامن في بناء العلاقات الاجتماعية مع الآخرين. ويُعرف روزلندا إدورادز Edwards مفهوم رأس المال الاجتماعي بمعناه الواسع، بوصفه مجموعة المعايير والقيم، التي يشترك فيه الناس، والتي تنتج عن علاقات التفاعل الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية. لذا، يرى أن هذا المفهوم يتكامل مع أنماط أخرى من رأس المال، مثل رأس المال البشري (المتمثل في القدرات والمؤهلات العلمية)، ورأس المال الاقتصادي (الإنتاجي)، ورأس المال الثقافي (المتمثل في أنماط التفكير).
وعلى هذا أشارت فرجينيا مورو Morrow 1999 إلى أن مفهوم رأس المال الاجتماعي مفهوم مطاط Elusive، يُعرف بأساليب مختلفة، حيث يشير إلى الارتباط بالجماعة Sociability، وشبكة العلاقات الاجتماعية Social Networks، والتساند الاجتماعي Social Support، والثقة Trust، والتبادل Reciprocity، والاشتراك في منظمات المجتمع المدني Civic Society.
وفي إطار ذلك عُرف رأس المال الاجتماعي في تقرير التنمية البشرية الصادر عام 2003، بأنه النظام المؤسسي والعلاقات والعادات والتقاليد، التي تؤثر على كافة الجوانب في المجتمع، بما ينعكس على التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية، والتأثير المباشر على عملية التنمية واستمراريتها.
ومن هذا يتضح أن رأس المال الاجتماعي ينبع من العلاقات الاجتماعية المشتركة، ويعتمد على بناء الثقة والتبادل والعمل الجمعي. ونظراً لأهمية هذا المفهوم، أظهرت الدراسات دور رأس المال الاجتماعي في برامج التنمية، والحد من الفقر والبطالة؛ لأن الحرمان من كل أنواع رأس المال، بما فيها رأس المال الاجتماعي، يؤدي إلى ندرة فرص العمل المنتجة، ويترتب على ذلك انخفاض مستوى الرفاة الاجتماعي. كما تؤكد الدراسات الإمبريقية على أن رأس المال الاجتماعي يزداد عند هؤلاء الأفراد، الذين يتكاملون جيداً مع مجتمعاتهم المحلية، والذين يتميزون بالفاعلية الذاتية. وبالمقابل ينخفض بدرجة كبيرة عند الأفراد الذين يعانون من البطالة، والمنعزلين اجتماعياً.
وفي ضوء ذلك يُعرّف رأس المال الاجتماعي بصورة أكثر تحديداً بأنه: "موارد كامنة في البناء الاجتماعي، يمكن الوصول إليها واستخدامها في أفعال مقصودة". يوضح هذا التعريف أن أرصدة رأس المال الاجتماعي توجد لصيقة بالبناء الاجتماعي؛ ولكنها لكي تؤدي الغرض منها لابد وأن ترتبط بالفعل الاجتماعي. وتتلخص هذه المصادر في نوعين:
1. علاقات وشبكات Networks يقيمها الأفراد لتحقيق أهداف معينة، مثل النقابات والأحزاب، وجمعيات النفع العام، والجمعيات الفئوية، وغير ذلك من العلاقات والشبكات التي تُؤسس لحياة مدنية.
2. منظومة قيمية تأتي على رأسها قيم الثقة والشفافية، وتحمل الآخر، والرغبة في البقاء معه، والعقلانية، وغير ذلك من قيم الحداثة.
ويتسم مفهوم رأس المال الاجتماعي بالدينامية (أي الحركة الحيوية) من خلال مستويين:
المستوى الأول: رأس المال الاجتماعي العضوي: وهو الرصيد الذي يملكه الفرد أو الجماعة من العلاقات الاجتماعية، أو من القيم، أو حتى من رموز المكانة والهيبة والقوة والسلطة، والتي تجعله يحتل موقعاً محدداً في نظام التدرج الاجتماعي القائم.
المستوى الثاني: رأس المال الاجتماعي المتغير أو المتحرك: وهو الطريقة التي يُستخدم بها رصيد الفرد من رأس المال الاجتماعي. ولا يوصف هذا الاستخدام بأنه استخدام إيجابي أو سلبي.
وهذا الفهم لرأس المال الاجتماعي يحقق المزايا التالية:
· الاستفادة من ربط قضية رأس المال الاجتماعي بالممارسات الاجتماعية، والعلاقات الاجتماعية.
· فهم رأس المال الاجتماعي على أنه رصيد دينامي حركي، يتغير ليس بالزيادة أو النقصان فحسب، بل بالتحويل أيضاً، أي تحويل أرصدة رأس المال الاجتماعي إلى مكاسب مادية، أو منافع ملموسة يمكن قياسها مادياً.
· فهم المعوقات التي تحول دون تحقيق أرصدة اجتماعية وثقافية، أو التي تؤدي إلى هدر رأس المال الاجتماعي.
لذلك يُعد رأس المال الاجتماعي مجموعة من القواعد المشتركة، أو القيم التي تُعزز التعاون الاجتماعي، التي تُعد شرطاً مسبقاً ضرورياً لنجاح التنمية. كما يسهم رأس المال الاجتماعي في تحقيق التنمية الاقتصادية، من خلال زيادة الإنتاج، وتحسين القدرة التنافسية للمشروعات، وتنمية رأس المال البشري، وخفض تكلفة المعاملات، وسد الفجوة الطبقية، وكذلك دعم كل من الدولة والسوق والمجتمع المدني، من خلال العمل المشترك فيما بينهم لتحقيق الرفاهية والتنمية الاقتصادية. ويعتمد نجاح هذه المنظومة على الجهود، التي يُكمل بعضها بعضاً، ولا يستوي أن يحل أحدها محل الآخر، وتتمثل في الثقة وحرية الاختيار ورغبة الأطراف في التعاون. ومن ثم يُعد رأس المال الاجتماعي عاملاً مهماً في الاقتصاديات الحديثة، وفي انتشار الديموقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية.
وفي ضوء ذلك يمكن القول إن رأس المال الاجتماعي يُعد أحد مواد التنظيم الاجتماعي، ومصدراً كامناً للقيمة، يمكن العمل على تقويته وتدعيمه وتحويله إلى أهداف إستراتيجية مثمرة، خاصة إذا استخدم هذا المفهوم (رأس المال الاجتماعي) كأسلوب لتسهيل تبادل العلاقات والسلع، وتقوية الثقة في عمليات ومؤسسات التبادل الاقتصادي والاجتماعي، ليزيد من كفاءتها وسرعتها. كما أنه يخلق علاقة قوية بين الدولة والمجتمع، تسمح بخلق قنوات مؤسسية لمناقشة الأهداف والسياسات التنموية، وخلق هياكل وبُنى اجتماعية تدعم أعضاءها، وتحقق مصالحهم، وتعضيد تماسكهم. ومن ثم لا يمكن إغفال دور رأس المال الاجتماعي في تحقيق التنمية والتوصل، إلى دولة الرعاية والعدالة الاجتماعية.
وفي إطار ذلك يُعرف رأس المال الاجتماعي بأنه شبكة العلاقات الاجتماعية، ذات النمط القائم على الاختلاط والارتباط بالآخرين بهدف اجتماعي ـ أو يأخذ شكلاً اقتصادياً أو سياسياً، يقوم في الأساس على الثقة، والصدق، والتعاون. تلك أهم معايير تكوين رأس المال الاجتماعي، الذي يعكس رؤية الفرد لذاته وللعالم المحيط به، وتتجلى في سلوكه وممارساته.
ولهذا يرى أحد الباحثين أن رأس المال الاجتماعي هو نوع من رأس المال يتوقف على وجود الأفراد في مؤسسات اجتماعية. ومن ثم فالمجتمعات التي يوجد بها عمل أهلي نشط وفعال، تتسم بارتفاع معدلات رأس المال الاجتماعي، وبأنها تؤدي دوراً مهماً في تنمية المجتمع وتطويره. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:38 pm | |
| ثقافة شعبية
Folk Culture
يُشير مصطلح ثقافة بشكل عام، كما يذهب كابلان، إلى أن الثقافة تتكون من: تقاليد وعناصر تراثية منظمة ومتداخلة مع بعضها؛ وأنها انتقلت عبر الزمان والمكان، خلال آليات غير بيولوجية تعتمد على القدرة على استخدام الرموز والإشارات اللغوية وغير اللغوية المتطورة، التي ينفرد بها الإنسان.
ويعني ذلك أن الثقافة هي طريقة الحياة، التي يشترك فيها أعضاء المجتمع أو الجماعة، وتُكتسب من خلال اكتساب الأعضاء لعضوية المجتمع، ومن خلال مشاركتهم في طريقة الحياة؛ أي يكون تعلم الثقافة من خلال التفاعل مع الآخرين. وتتكون الثقافة من جانبين؛ الجانب المادي، مثل الاختراعات والإنتاج... إلخ، والجانب المعنوي، كالاعتقادات والاتجاهات والقيم وقواعد السلوك. ومن ثم فالثقافة أوسع وأشمل من مفهوم الإنتاج أو الإبداع، الذي يتمثل في العلوم والمعارف والفنون؛ لأن الثقافة هي حصيلة النشاط الإنساني في مجتمع من المجتمعات. ومن ثم أضحى لكل مجتمع ثقافته الخاصة، ولذلك فهي تتميز وتستقل عن الأشخاص الذين يحملونها ويمارسونها في حياتهم اليومية؛ لأن عناصرها كلها مكتسبة.
والثقافة، مفهوماً، ليست مقصورة على مجالات بعينها من المعرفة؛ لأنها تتضمن كل أساليب السلوك المشتقة من مجالات النشاط البشري، بأنواعها كافة. فالثقافة لا تتضمن فقط تقنيات ومناهج الفن والموسيقى والآداب، وإنما تشمل كذلك التقنيات والطرق المستخدمة في صناعة الفخار، أو حياكة الملابس، أو بناء البيوت.
ومن بين المنتجات الثقافية، كذلك، المطبوعات الفكاهية والأغاني التي يرددها رجل الشارع، جنباً إلى جنب مع فن ليوناردو دافينشي وموسيقى يوهان باخ. ومن ثم فالأنثروبولوجي لا يعرف تلك المقابلة بين المثقف وغير المثقف؛ لأن هذا التمييز الشائع في الاستخدام العادي لا يمثل عنده سوى اختلاف في حظ الفرد من الثقافة؛ ولكنه لا يدل على وجودها أو عدم وجودها.
يولد الأفراد –عادة- في طبقات اجتماعية أكثر تعقيداً، لها طرق متمايزة، وأساليب مختلفة للحياة. ويؤثر الأفراد ويتأثرون، في الوقت نفسه، بالقيم والسلوكيات والنظم، التي تؤثر بدورها في العلاقات الاجتماعية لهذه الجماعات؛فضلاً عن أنهم يشكلون ويتشكلون بمجموعة العلاقات الاجتماعية اللازمة لتنامي وجودهم الاجتماعي وتكاثره. ومن ثم يبدءون في بناء وتطوير هويتهم وثقافتهم المحددة، والتي تشتمل على شبكة من العلاقات، وبناء من المعاني والرموز والقيم الاجتماعية.
ومن هنا فإن الثقافة الشعبية Popular Culture تعمل على نقل ذلك البناء اجتماعياً وثقافياً، حتى يتمكن أفرادها من فهم أنفسهم وفهم العالم المحيط من حولهم. ومن ثم يعتمد أعضاء تلك الثقافة على معاييرهم الخاصة، والتي تمكنهم من تحديد إطار علاقاتهم بالثقافة القومية، أو السائدة.
وعلى هذا الأساس يُتيح مفهوم "الثقافة الجماهيرية أو الشعبية"، قدراً من التفاعل الاجتماعي بين أفرادها، وفقاً للخلفية القيمية والرمزية لهم. أي أن الثقافة الشعبية تعني، ببساطة، أنها الثقافة التي تروق لعموم الشعب، أو التي يستوعبها الشعب أكثر من غيرها. وُضاف إلى ذلك أن الثقافة الجماهيرية أو الشعبية قد تشير إما إلى الإبداعات الفردية، والتي منها مثلاً الأغاني الشعبية والفلكلور الشعبي، وإما إلى أسلوب المعيشة الخاص بالجماعة؛بمعنى أنها نمط الابداعات والممارسات وأشكال التفاهم، التي تساعد على تثبيت دعائم الهوية المميزة لهذه الجماعة.
وبتطوير علم الاجتماع لوسائل الاتصال الجماهيري، وعلم اجتماع الدراسات الثقافية، بفضل أعمال هوجارت Hoggart، أصبح يُنظر إلى جمهور الثقافة الشعبية على أنه "جمهور إيجابي"، تتزايد درجة فعاليته باستمرار. ومن ثم أصبح يُنظر إلى العملية، التي يتم بواسطتها توصيل رسالة الثقافة الجماهيرية أو الشعبية، بوصفها عملية تزداد تعقيداً يوماً بعد يوم. ويمكن تمييز فعالية الشعب على مستويين، هما:
1. المستوى الأول: يُعرف جماهير الشعب بأنهم منتجو الثقافة الجماهيرية، أي ثقافة العامة، أو الثقافة الشعبية.
2. المستوى الثاني: وهو أن تكون الجماهير الشعبية هي المفسرة لهذه الثقافة الجماهيرية.
وقد فرق دارسون بين الثقافة الجماهيرية أو الشعبية، وبين ما يُطلق عليها "الثقافة الراقية"، التي تضم عناصر من قُبيل الموسيقى الكلاسيكية، والروايات الأدبية الجادة، والشعر، والرقص، وغيرها من المنتجات الثقافية، التي لا يتذوقها إلا شريحة قليلة العدد نسبياً من المتعلمين.
أما الثقافة الشعبية، فهي أوسع انتشاراً من ذلك بكثير، وأقرب لوجدان كل فرد ومشاعره. ويتركز الاهتمام الرئيسي للثقافة الجماهيرية على التسلية والترفيه، وتسيطر عليها في أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، على سبيل المثال لا الحصر، الألعاب الرياضية، والتليفزيون، والأفلام السينمائية، والموسيقى الشعبية.
وتُحدَّد الثقافة الشعبية كنموذج مثالي، بوصفها تنطوي على أنماط السلوك، التي تتميز بالتقليدية والشخصية. وهي تعتمد على القرابة وتخضع لضوابط غير رسمية، وترتكز على النظام الأخلاقي والتراث الشفاهي؛ ولهذا تكون مستقرة نسبياً، وبالغة التماسك والتكامل. وقد وُجد هذا النموذج للثقافة في المجتمعات البدائية. كما يشيع أيضاً في المجتمعات القروية غير المتحضرة.
ويرجع استخدام مصطلح folk أو الشعبي، إلى روبرت ردفيلر، الذي كان يعني به استخدام الأغاني الشعبية، والفولكلور كمؤشرات للدلالة على الثقافة الشعبية. وقد أكد باستمرار على أن الثقافة الشعبية هي نموذج مثالي، أو بناء عقلي، لا يمكن أن نجده في صورته الخالصة، وإنما تقترب منه المجتمعات، التي يهتم بدراستها علماء الأنثروبولوجيا. وأوضح أن أهم خصائص الثقافة الشعبية أنها تنتمي إلى الجماعات الصغيرة المنعزلة، التي تسود فيها العلاقات الشخصية، وتتفوق فيها القيم المقدسة على القيم العلمانية، ويكون النظام الأخلاقي السائد بالغ القوة، والضبط الاجتماعي غير الرسمي، وهو تقليدي، ومقدس. ويرجع ذلك إلى أن انتقال الثقافة يجري بصورة شفاهية. وتتميز الثقافة الشعبية عن الثقافة الحضرية والمجتمع الحضري، بأنها وحدة كلية متماسكة تُشبع الحاجات الدائمة للأفراد، من المهد إلى اللحد. كما أنها تكون نتيجة للتواصل المستمر بين الجماعات، أثناء مواجهتها للمشكلات المختلفة.
أي أن الثقافة الشعبية هي التي تميز الشعب والمجتمع الشعبي، وتتصف بامتثالها للتقاليد والأشكال التنظيمية الأساسية، وعلى الرغم من طابعها المحافظ، إلا أنها تكون عرضة للتغيير باستمرار، بسبب المؤثرات الخارجية. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:39 pm | |
| العنف السياسي
Political Violence
يُعرف العُنف Violence في اللغة العربية بمعنى الخرق بالأمر وقلة الرفق به، وهو العنيف إذا لم يكن رفيقاً في أمره، وعُنف به، وعليه عُنفاً أخذه بشدة وقسوة، فهو عنيف، وطريق معتنف، غير قاصد، وقد اعتُنف اعتنافاً إذا جار ولم يقصد. والتعنيف هو التعبير واللوم والتوبيخ والتقريع. وهكذا تُشير كلمة عُنف في اللغة العربية إلى كل سلوك يتضمن معاني الشدة والقسوة والتوبيخ واللوم والتقريع. وعلى هذا الأساس فإن العُنف قد يكون على مستوى السلوك (الفعل)، أو مستوى القول (اللفظ).
أما في اللغة الإنجليزية، فإن الأصل اللاتيني لكلمة Violence هو Violentia، ومعناها الاستخدام غير المشروع للقوة المادية لإلحاق الأذى بالأشخاص والإضرار بالممتلكات. ويتضمن ذلك معاني العقاب والاغتصاب والتدخل في حريات الآخرين.
وهكذا يمكن القول إن الدلالة اللغوية لكلمة "العُنف" في اللغة العربية، أوسع في دلالتها من الإنجليزية؛ ففي الأولى يشمل العنف، إلى جانب استخدام القوة المادية أموراً أخرى لا تتضمن استخداماً فعلياً للقوة. أما في الثانية، فالعُنف يقتصر على الاستخدام الفعلي للقوة المادية فقط. لذا فقد عرَّفت ساندرا بول العنف بصورة شاملة بوصفه "الاستخدام غير الشرعي للقوة، أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين".
وفي هذا الصدد يقدم روبرت ماكافي براون تعريفاً مطولاً للعنف، بوصفه انتهاكاً للشخصية. بمعنى أنه تعد على الآخر، أو إنكاره، أو تجاهله مادياً، أو غير ذلك. أي أن مخاطبة الشخصية تعني إعطاء وصف شامل للعنف بأنه أكثر من الجسد والروح وحدهما؛ إنه يقر بأن الأعمال التي تسلب الشخصية هي أعمال عنف؛ فأي سلوك شخصي ومؤسساتي يتسم بطابع تدميري مادي واضح ضد آخر، يُعد عملاً عنيفاً؛ فهناك العنف الشخصي الخفي، الذي يؤذي الآخر نفسياً، وهناك العنف المؤسساتي الخفي، حيث تنتهك البُنى الاجتماعية هوية مجموعات الأشخاص، كما يحدث في المناطق العشوائية. كما وسع براون العنف، الذي ينبع من الفرد (الجسد والروح) إلى العنف الناتج عن علاقة مؤذية وضارة (الظلم) بين الأشخاص.
هذا عن مفهوم العنف بشكل عام. أما مفهوم العنف السياسي والسمات المميزة له، ففي الواقع ثمة اتفاق عام بين أغلب الباحثين، أن العنف يصبح سياسياً عندما تكون أهدافه أو دوافعه سياسية، على الرغم من الاختلاف بينهم في تحديد طبيعة ونوع هذه الأهداف، وطبيعة القوى المرتبطة بها. ولذلك فمعظم الباحثين يعرِّفون العنف السياسي بأنه: "استخدام القوة المادية، أو التهديد باستخدامها، لتحقيق أهداف سياسية". ويقترب من هذا المعنى تعريف بول ويلكنسون، الذي عرَف العنف السياسي بأنه "استخدام القوة أو التهديد باستخدامها لإلحاق الأذى والضرر بالآخرين، لتحقيق أهداف سياسية". كما عرفه شانغ سياهن بأنه: "استخدام القوة المادية لتحقيق أهداف سياسية". وحدده باحث آخر بأنه كافة أعمال الشغب والأذى والتدمير، التي يُقصد منها تحقيق أهداف سياسية".
وتتعدد القوى التي تمارس العنف السياسي، كما تتباين، بالطبع، الأهداف السياسية، التي تسعى إلى تحقيقها على النحو التالي:
1. العنف الموجه من النظام إلى المواطنين، أو إلى جماعات وعناصر معينة منهم، وذلك لضمان استمرار النظام، وتقليص دور القوى المعارضة أو المناوئة له. ويمارس النظام العنف من خلال أجهزته الرسمية كالجيش، والشرطة، والمخابرات، والقوانين الاستثنائية... إلخ. ويُعرف العنف في هذه الحالة باسم "العنف الرسمي أو الحكومي".
2. العنف الموجه من المواطنين، أو فئات اجتماعية معينة ـ كالعمال، والطلبة، والفلاحين، والأقليات، والأحزاب، والتنظيمات السياسية، إلى النظام أو بعض رموزه. ويتخذ العنف في هذه الحالة شكل التظاهرات، والاضرابات، والاغتيالات، والانقلابات... إلخ. ويُعرف العنف في هذه الحالة بالعنف الشعبي، أو العنف غير الرسمي.
3. العنف الموجه من بعض عناصر النخبة الحاكمة، إلى بعض عناصرها الأخرى. ويدخل هذا العنف في إطار الصراعات داخل النخبة، ويتخذ عدة أشكال، منها: التصفيات الجسدية، والاعتقالات، وانقلابات القصر. وقد يصل الأمر إلى حد الصدامات المسلحة بين العناصر والقوى الموالية للأجنحة المتصارعة، داخل النخبة الحاكمة. وقد يوظف الجيش، أو الشرطة، وبعض القوى المدنية، في هذه الصراعات.
4. العنف الموجه من بعض القوى أو الجماعات، ضد جماعات أخرى داخل المجتمع، نتيجة أسباب سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو دينية. وقد يتدخل النظام لتصفية مثل هذه الصراعات، أو ليلقي بثقله إلى جانب أحد أطرافها. ويطلق على هذه الحالة اسم "العنف السياسي المجتمعي".
أما الأهداف السياسية، التي تسعى القوى التي تمارس العنف السياسي إلى تحقيقها، فتختلف طبقاً لطبيعة تلك القوى وحدود قوتها، وموقعها من السلطة السياسية، وطبيعة أيديولوجياتها. ويمكن تصنيف هذه الأهداف طبقاً للمعايير التالية:
1. معيار الموقف تجاه الوضع القائم
ولمعيار الوضع القائم اتجاهان:
أ. الأول: إذا فشل النظام السياسي القائم في تحقيق استيعاب القوى الجديدة، الراغبة في المشاركة في السلطة والحصول على نصيب أكبر من الثروة والنفوذ؛ فيلجأ إلى استخدام القوة لضرب القوى، التي تمثل تحدياً له وتحجيمها.
ب. أما الاتجاه الآخر، فيتمثل في إذا شعرت القوى أن النظام السياسي لا يعبر عن قيمها ومصالحها، ولا يسعى إلى تحقيق أهدافها، فإنها قد تسعى إلى تغييره بالقوة. وقد يكون التغيير جزئياً، أى تغيير بعض السياسيات أو القرارات أو الأشخاص، أو كلياً بمعنى تغيير النظام برمته (النخبة والمؤسسات والتوجهات والسياسات) وباستبداله نظاماً آخر، أي هدم للنظام الذي ثار الناس ضده، وبناء آخر يحل محله.
2. معيار الشرعية Legitimacy
يرى بعض الدارسين أن العنف عمل غير شرعي، يمثل اختراقاً للحدود المقبولة؛ لاستعمال القوة في العلاقات الاجتماعية. ولذلك فهو ظاهرة سيئة وغير مرغوب فيها، ومن ثم فأهدافه تكون غير شرعية، أي لا يقرها الوعي الجماعي؛ بينما يرى آخرون أن العنف وسيلة شرعية لتحقيق أهداف شرعية. فقد لا يوجد طريق سوى العنف للتخلص من أوضاع ظالمة وبائدة ومختلة.
3. معيار نوع الهدف وطبيعته
تكون أهداف العنف، عادة، مرتبطة بالسعي إلى السيطرة على السلطة، أو تغيير بعض سياسات النظام، أو إزاحة بعض الشخصيات من النخبة الحاكمة، أو المشاركة بشكل أكبر في عملية صنع القرار. وقد يكون العنف من جانب النظام للتخلص من القوى المعارضة له. كما قد يكون للعنف أهداف اقتصادية واجتماعية، كالمطالبة بإحداث تغييرات تتعلق بأسس توزيع الثروة والدخل في المجتمع، والاستفادة من الخدمات الأساسية، وضمان حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية.
4. معيار المشروعية Legality
ويعني اتفاق الممارسات السياسية مع الإطار الدستوري/ القانوني، السائد في المجتمع؛ فالفعل يصبح مشروعاً عندما يستند إلى نص دستوري أو قانوني، ويصبح غير شرعي عندما لا يكون كذلك. ومن ثم يرى بعضهم أن العنف وسيلة لتحقيق أهداف مشروعة، أي يقرها القانون. ويركز المساندون للنظام، عادة، على فكرة المشروعية لتبرير ممارسات النظام. ويرى آخرون أن لجوء النظام لاستخدام العنف على نطاق واسع، أمر غير شرعي؛ أي لا يقبله الرأي العام. ومن ثم فإن القوانين التي تضفي على ممارسات النظام العنيفة صبغة المشروعية، تعدهن كذلك غير شرعية، خاصة إذا كانت صادرة طبقاً لإرادة الحاكم، ولا تعبر عن إرادة المحكومين.
وعلى هذا، فالعنف السياسي يتضمن كافة الممارسات، التي تتضمن استخداماً فعلياً للقوة، أو تهديداً باستخدامها، لتحقيق أهداف سياسية تتعلق بشكل نظام الحكم وتوجهاته الأيديولوجية، أو سياساته الاقتصادية والاجتماعية. قد يكون العنف منظماً، أو غير منظم، وقد يكون فردياً أو جماعياً، علنياً أو سرياً، وقد يكون مستمراً لفترات طويلة، أو سريعاً ومؤقتاً. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:40 pm | |
| الاقتصاد الخفي
Hidden Economy
قبل أن نُعرف مفهوم الاقتصاد الخفي، فيحسن أن نتناول مفهوم علم الاقتصاد Economy، بوصفه المفهوم الأشمل. وفي هذا الإطار يُعرف علم الاقتصاد بأنه: "الدراسة العلمية لإنتاج، وتوزيع، واستهلاك السلع والخدمات، لتحقيق رفاهية الأفراد بشكل عام". وقد عُرِّف الاقتصاد بشكل أكثر تحديداً بوصفه: "دراسة الكيفية التي عليها ينظم الناس استخدام الموارد لإشباع رغباتهم وحاجاتهم". بمعنى "دراسة التنظيم الاقتصادي"، وهذا يتطلب دراسة مختلف النظم الاقتصادية، والمشكلات التي تواجه كل نظام، والطرق الممكنة لحل هذه المشكلات.
ولما كانت حاجات الإنسان البيولوجية آمرة، ورغباته التي تحددها الثقافة لا نهائية. أي أن حاجاتنا لا تنتهي ولا حد لها، فخلافاً لذلك تماماً نجد أن الوقت والنشاط والموارد الطبيعية محدودة؛ فلا غنى لكل مجتمع أن يحدد -سواء بتدبير أو بغير تدبير- كم من الوقت والنشاط والموارد سوف يصرفه لمواجهة هذه الحاجات، وتحقيق تلك الرغبات على حساب الحاجات والرغبات الأخرى، وما الذي ينبغي تأجيله. ويتم اتخاذ هذه القرارات في إطار المركب التنظيمي، الذي يُسمى الاقتصاد؛ أي أن الاقتصاد هو المركب التنظيمي، الذي يرسم طرق قرارات وأفعال أفراد المجتمع، وهم ينظمون، ويقضون وقتهم ونشاطهم، ويستخدمون الموارد المتيسرة لهم لإنتاج وتوزيع السلع أو الخدمات، التي سوف تتجه لإشباع حاجاتهم ورغباتهم.
ومن ثم، فإن علم الاقتصاد يهتم بدراسة وتحليل هذا المركب التنظيمي. وهذا الاهتمام يوصلنا إلى تعريف علم الاقتصاد بوصفه "العلم الذي يهتم بدراسة ذلك الجزء من النشاط الفردي والاجتماعي، الذي نكرسه للوصول إلى أحسن الظروف المادية لتحقيق الرفاهية".
ويوضح هذا أن الاقتصاد علم قائم على الاستهداف المستقبلي. وهو علم يصنع ويجعل الحياة أفضل وأرقى وأحسن، عما هي عليه الآن، وعما كانت عليه من قبل. وهو علم يقوده التطور وتحقيق المزيد من الأشياء بالموارد المتاحة، للتوظيف والتشغيل والاستخدام. وبهذا نصل إلى التعريف الشامل للاقتصاد بأنه: "العلم الذي يبحث في تعظيم الإشباع، أي زيادة تفعيل واستخدام وتوظيف الموارد، لتعطي أعلى ناتج وأفضل إنتاج، من أجل زيادة رفاهية المستهلكين، وزيادة درجة الإشباع، التي يتمتعون بها عما كانت لديهم من قبل. ومن ثم تزداد لديهم حالة الرضا، ويزداد لديهم الشعور بالراحة والإشباع والاستمتاع".
وقد بدأ مفهوم الاقتصاد الخفي يطرح نفسه في الآونة الأخيرة، من خلال انقسام الأنشطة الاقتصادية في دول العالم إلى أنشطة رسمية، وأنشطة غير رسمية (غير معلنة)، وهي التي تُعرف باسم "الاقتصاد الخفي". وقد استخدم الباحثون مفاهيم عديدة في التعبير عن هذا القطاع من الاقتصاد؛ مثل مصطلح "الاقتصاد التحتي"، و"الاقتصاد الأسود"، و"الاقتصاد غير المرئي"، و"الاقتصاد المغمور"، و"الاقتصاد السفلي"، و"الاقتصاد غير الرسمي"، و"الاقتصاد الثاني"، و"الاقتصاد غير المسجل"، و"الاقتصاد المقابل"، وأخيراً "الاقتصاد الخفي".
ويرجع هذا التعدد والتنوع في مسميات هذا المفهوم، إلى تعدد وتنوع المداخل والأيديولوجيات، التي سعت إلى تعريف مفهومه. وهذا الأمر جعل مفهومه يختلف من باحث إلى آخر، حسب تقويمه للأنشطة، التي تُمارس في هذا الاقتصاد، بجانب انتشاره في كافة دول العالم على اختلاف أنظمتها، ما جعل الاتفاق حول تعريف محدد لمفهوم الاقتصاد الخفي يكاد يكون أمراً مستحيلاً، فضلاً عما يرتبط به من صعوبات، كتعدد أساليب التقدير والقياس، وتنوع أنشطته، والسرية التي ترتبط بتلك الأنشطة.
إن دراسة ظاهرة الاقتصاد الخفي محاطة بالصعاب؛ لارتباطها بالسلوك الإنساني، الذي يتسم بالتعقيد، وصعوبة إخضاعها للضبط المعملي. ويُعرف الاقتصاد الخفي بأنه كافة الأنشطة التي تولد دخلاً، ولا تُسجل ضمن حسابات الناتج القومي؛ إما لأنها أنشطة مشروعة؛ لكنها تتهرب من الالتزامات القانونية، أو لأنها أنشطة غير مشروعة. وهذا يعني أن أنشطة الاقتصاد الخفي تتكون من قطاعين، هما:
1. الاقتصاد الخفي المشروع، ويشمل المنشآت التي تنتج سلعاً وخدمات، إلا أن هذه المنشآت غير مسجلة، ولم تحصل على ترخيص لمزاولة نشاطها. كما أنها تمارس أنشطتها بعيداً عن أعين الدولة، في المناطق العشوائية أو الشوارع الخفية.
2. الاقتصاد الخفي غير المشروع، ويشمل الأنشطة التي تخالف القانون وتولد دخولاً غير مشروعة، مثل عمليات تهريب السلع، وغسل الأموال، وتجارة المخدرات، والرشاوى لتسهيل الأعمال غير القانونية.
ويتضمن الاقتصاد الخفي عدداً من ميادين هذا النشاط غير المعروف، مثل النشاط الاقتصادي التقليدي الهامشي أو غير الرسمي، والسوق السوداء، وعمليات السوق الرمادية، والنشاطات الاقتصادية الداخلية الأكثر نقاءً للمؤسسة العسكرية؛ فضلاً عن الشبكات الرئيسية المتعاملة مع تحويلات العاملين بالخارج، مثل شبكات الصرافين والشركات الإسلامية، وتجار العملة وغيرها، التي تُشكل جزءً عضوياً من الاقتصاد الخفي، أو اقتصاد الظل.
وقد حددت الموسوعة الاجتماعية الاقتصاد الخفي بأنه ذلك الجزء من العمالة في إطار السوق، الذي لا يغطى بشكل كامل بواسطة الإحصاءات الرسمية، بسبب الميل إلى إخفاء قدر من الحقيقة التي يُفترض أنها ترتبط بالتهرب الضريبي. وتتسم التخمينات الخاصة بحجم الاقتصاد الخفي، أو الأسود، بالمبالغة، بسبب الحجم الكبير من الأعمال غير السوقية، والأعمال الهامشية التي تجري فيه، في إطار الاقتصاد غير الرسمي.
وعلى هذا يُعرف الاقتصاد الخفي بأنه يمثل كافة الأنشطة المولدة للدخل، والتي لا تسجل ضمن حسابات الناتج القومي؛ إما لتعمد إخفائها تهرباً من الالتزامات القانونية المرتبطة بالكشف عنها، وإما بسبب أن هذه الأنشطة، المولدة للدخل، بحكم طبيعتها تُعد من الأنشطة المخالفة للنظام القانوني السائد في البلاد. ويقترب من هذا المعنى تعريفه بأنه: مجموعة الدخول المكتسبة غير المبلغة للسلطات الضريبية، أو مجموعة الدخول غير الواردة في الحسابات القومية. لذا فهذا الجانب من الاقتصاد هو ذلك الجزء من الناتج القومي، الذي لا يتم قياسه في الإحصاءات الرسمية، بسبب عدم إعلانه، أو إقراره بأقل من قيمته الحقيقية، للسلطات الضريبية.
ويوضح هذا الأمر أن الاقتصاد الخفي يُعد جزءاً من الناتج القومي؛ ولكن لا يتم تسجيله، وذلك للرغبة في تهربه من الضرائب، أو تسجيله بأقل من قيمته الحقيقية في السجلات الضريبية، للحصول على قيمة ضريبية أقل من الحقيقة.
وفي ضوء ارتباط الاقتصاد الخفي بالقطاع غير الرسمي، ذهب كل من بورتس وكاسيلز إلى تعريف الاقتصاد الخفي بأنه نوع من الاقتصاد غير الرسمي Informal Economy، من منظور العمالة غير الرسمية، بدءاً من الباعة الجائلين وماسحي الأحذية وخدم المنازل، إلى مراكز الاستشارات والبرامج الجاهزة، بما يوضح أن معظم الأفراد الذين يلتحقون بأنشطة الاقتصاد الخفي فقراء وهامشيون، خاصة في الدول النامية. وترجع أسباب نمو أنشطة الاقتصاد غير الرسمي وتنوعها، في معظم دول العالم، إلى عمليات الهيكلة الاقتصادية والأزمات الاقتصادية. ومن ثم فانخراط العامل في أنشطة القطاع غير الرسمي سببها حرمان العامل من ضمانات الدخل (الفقر)، وتأمين العمل (البطالة).
وتميل الاقتصاد الخفي وما يضمه من أنشطة، سواء مشروعة أو غير مشروعة، يمثل طوق النجاة لتلك الفئات الفقيرة، التي تسعى إلى تحقيق الحد الأدنى من الدخل بما يكفي لإشباع بعض ضرورياتها، من مأكل ومشرب وعلاج، ولا يعنيها ما تمثله هذه الأنشطة من كونها مشروعة أو غير مشروعة، قانونية أو غير قانونية؛ بل هي تمارسها هروباً من وطأة الفقر.
ويمكن أن نستخلص مما تقدم، أنه على الرغم من تباين التعريفات حول مفهوم الاقتصاد الخفي وتعددها، إلا أن أهم سمات الاقتصاد الخفي يمكن تحديدها فيما يلي:
1. تتميز أنشطة الاقتصاد الخفي بأنها أنشطة غير مرئية، وتُمارس بعيداً عن رقابة الدولة.
2. أن أنشطة الاقتصاد الخفي قد تكون مشروعة في طبيعة عملها في إنتاج السلع والخدمات للمواطنين؛ وقد تكون غير مشروعة، مثل العمل في تجارة العملة أو السلع المهربة وتجارة المخدرات، وغيرها.
3. يرتبط الاقتصاد الخفي بأنشطة القطاع غير الرسمي والمناطق المحرومة والعشوائيات، التي تعاني الفقر وقلة الخدمات.
4. ينجم عن أنشطة الاقتصاد الخفي تدمير لمنظومة القيم الاجتماعية، بجانب انتشار السلبية والذاتية، التي تتجه إلى تغليب المصلحة الفردية، على حساب المصلحة العامة للمجتمع.
5. إن الاقتصاد الخفي ينتشر بشكل متزايد، في ظل تطبيق برامج إعادة الهيكلة الرأسمالية والتثبت الاقتصادي، وخاصة تلك التي تُطبق في الدول النامية. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:41 pm | |
| الفقر
يصاحب تعريف الفقر عدد من الصعوبات، التي تكون –عادة- مصاحبة لأي محاولة لتعريف مفهوم سوسيولوجي. وهي تتمثل في اختلاف الرؤى والمنطلقات الفكرية والأيديولوجية، لكل باحث حول هذا المفهوم؛ فضلاً عن أن أي تحديد لمفهوم الفقر مايزال يثير الجدل والنقاش؛ نظراً لغموضه ولاستخدامه في سياقات متباينة، وتحديد نطاقه بكيفيات مختلفة؛ لأن ما نراه نحن فقراً قد يراه غيرنا شيئاً آخر. وبناءً على ذلك، أضحى للفقر العديد من التعريفات، التي تعكس موقف الباحثين من القضايا المجتمعية المختلفة، كما تعكس، أيضاً، حدود ومجالات اهتمام المتخصصين في العلوم الاجتماعية، على اختلاف فروعها.
فالفقر من المنظور الاقتصادي التقليدي يُعرف في ضوء مدخل الكفاف (الدخل والحاجات الضرورية)، أو الحرمان النسبي، مثل النقص في ظروف المعيشة والحاجات المطلوبة اجتماعياً. وقد سار في هذا الاتجاه تعريف البنك الدولي للفقر، عام 1990، حين عرّفه بأنه عدم القدرة على تحقيق الحد الأدنى من مستوى المعيشة، ويمثل دخل الأسرة ومتوسط نفقات الفرد مقياسين كافيين لتحديد مستوى المعيشة. وكذلك عرف الشخص الفقير في تقرير التنمية البشرية في مصر، بأنه من يبلغ دخله تقريباً ثلث متوسط نصيب الفرد من الدخل القومي.
وعلى الرغم من أن المضمون المادي (الاقتصادي) للفقر، أكثر قابلية وخضوعاً للقياس الكمي؛ إلا أنه يخضع للتغير المستمر، لأن هذا المؤشر مرتبط بالظروف والأحوال المجتمعية؛ فالتضخم السريع، الذي تشهده الكثير من مجتمعات العالم الثالث، يؤدي بالضرورة إلى إحداث تغير مستمر في تحديد خط الفقر.
وترى التعريفات الاجتماعية أن "الفقراء" هم أولئك النفر، الذين صنفهم المجتمع في عداد الفقراء، والذين صدرت من المجتمع ردود فعل معينة تجاههم. أي أن ظاهرة الفقر تمثل حالة يعترف بها المجتمع، ولها وضع معين، وأنها أحد ملامح البيئة الاجتماعية. لذا ذهب Bjom, H. 1994 إلى أن الفقراء حالة اجتماعية تتحدد من خلال ردود الفعل المجتمعية، بوصفهم فئة اجتماعية متميزة عن باقي أفراد المجتمع، أي أن الفقر واقع اجتماعي يتطلب التفسير.
ويوضح هذا أن الفقر ظاهرة اجتماعية معتلة، ترتبط بالظروف الاقتصادية السيئة للفقراء؛ ولكن ما يؤخذ على التعريفات الاجتماعية للفقر، هو صعوبة قياسه في الواقع بشكل ملموس؛ لذا ذهبت بعض التحليلات الاجتماعية إلى إرجاع الفقر إلى الحرمان المطلق Absolute deprivation، الذي يتجلى في نقص التغذية، والمعاناة من الإصابة بالأمراض والطفيليات، التي يصعب علاجها، مع العجز عن توفير المال اللازم لذلك، فضلاً عن أن العيش في ظروف فيزيقية سيئة، صحياً ومعنوياً، تؤثر في صحة الفرد وطاقاته.
ويدعي المنظور الثقافي وجود ثقافة خاصة بالفقراء، وأن هذه الثقافة -كما يراها أوسكار لويس- ما هي في الحقيقة إلا ثقافة فرعية، تعكس كلاً من عمليتي التكيف ورد فعل الفقراء نحو مكانتهم الاجتماعية المتدنية، في نطاق المجتمعات الرأسمالية المتدرجة طبقياً، ذات الاتجاهات الفردية العالية. لذا، يرى عدد من الدارسين أن "ثقافة الفقراء"، تخص كل جيل ينشأ ويوجد داخلها، إذ يكون من الصعب أن يفلت من دائرتها وأن يخرج منها، لوجود حواجز ثقافية ضخمة تفصل بينه بين الثقافة العامة للمجتمع.
وبذلك يكون لدينا واقعان؛ أحدهما فرعي تسوده ثقافة الفقر، والتي يمثلها الفقراء الذين يعانون الحرمان الاجتماعي والاقتصادي، وهي ثقافة لها سماتها الخاصة بها والمنبثقة منها، والمرتبطة بها دون سواها. أما الواقع الآخر، فيتمثل في واقع الطبقتين العليا والوسطى، وما يسودهما من قيم ومعايير وثقافة مغايرة، تتسم بالإرادة الحرة والقدرة على فعل وتغيير الأوضاع القائمة.
ولعل هذا الرأي لا يستند إلى أُسس علمية دقيقة؛ لأن سلوك الفقراء ما هو إلا رد فعل للظروف الاقتصادية التي يمرون بها، وأننا لو غيرنا من هذه الظروف لعدل الفقراء في سلوكهم، وتلاءمت ثقافتهم مع الثقافة الكلية للمجتمع.
أما التعريفات الاقتصادية، فيمثلها تعريف كريمة كريم 1991، حيث تُعرف الفقراء، أو محدودي الدخل، بأنهم أولئك الذين يقعون في فئات اجتماعية اقتصادية معينة Socio-economic groups، والتي تتحدد من خلال أن متوسط دخلها يتعادل مع مستوى خط الفقر، أو يقل عنه. ووفقاً لذلك ترى أن الفقراء يتمثلون في الفئات التالية في المجتمع المصري: العاطوين، وأصحاب المعاشات، وموظفو الحكومة والقطاع العام من الدرجة الثانية وأقل، والعمال الزراعيون غير الحائزين على أرض زراعية، والحائزون على ثلاثة أفدنة فأقل، وأكثر العاملين في القطاع الخاص غير المنظم، وبعض فئات العاملين في القطاع الخاص المنظم.
وقد رأت الباحثة أن هذا التعريف يتميز بسهولة تطبيقه في الواقع، كما أنه يسهل مقارنة الدول ببعضها؛ لكن ما يؤخذ عليه أنه لا يوضح التفاوت الكبير الموجود داخل الفئات الاجتماعية الاقتصادية الواحدة.
وفي إطار ذلك ذهب كل من بروملي وجيري، إلى أن الفقر حالة نسبية تُعبر عن التفاوتات الاجتماعية والاقتصادية الصارخة. لذا، فالفقر ليس فقط حالة مادية؛ ولكنه، أيضاً، عملية مركبة من المواقف التعبوية (المشروطة)، مع نقص الاعتماد على النفس، وفقدان الاحترام الذاتي Self-respect.
وهذا ما يوضح أن الفقر يحدث نتيجة للعمليات المجتمعية الأكبر، التي تسهم في إدامة الفقر وعدم المساواة، وإيجاد ما يُسمى بالحلقة المفرغة للفقر.
أما تعريف الفقر من منظور التنمية البشرية، فينطلق من مبدأ أنه لا ينبغي تعريف الفقر بصورة دائمة، بمضمونه الاقتصادي المادي فقط؛ فالواقع يبين أن مصطلح الفقر له مضامين متعددة؛ فهو فقر اقتصادي وسيكولوجي واجتماعي، وإن كان الاقتصاديون يستطيعون أن يحددوا، بصورة أفضل، من هو الفقير، مقارنة بمن هو غير فقير.
لذلك جاء تعريف الفقر بوصفه عملية متعددة الأبعاد، تتضمن الحرمان من الفرص والخيارات الأساسية للتنمية البشرية، التي تراوح بين العيش مدة أطول وبصحة جيدة، واكتساب خبرات ومهارات، وإشباع الحاجات الإنسانية، مع ضمان الحرية والكرامة والاحترام الذاتي، والاحترام من الآخرين.
من كل ما سبق، يتضح إلى أي مدى تباينت المنظورات الفكرية، وتعددت وجهات النظر حول تعريف الفقر، على الرغم من سهولة إدراك الفقراء، والواقع الأليم الذي يعيشون فيه، الأمر الذي يدفعنا لمحاولة تعريف هذا المفهوم على نحو شمولي وملموس، يأخذ في الاعتبار الأبعاد التاريخية والاقتصادية والاجتماعية المحددة للفقر، والعوامل الدينامية والبنائية، التي تؤدي إلى الإفقار والإبقاء عليه، دون تغيير جوهري. وعلى هذا، فالفقر "ظاهرة معتلة تُصيب البناء الاجتماعي، وتتضمن أبعاداً وجوانب متعددة اجتماعية، واقتصادية، ونفسية، وثقافية. ويُعبر هذا المفهوم عن الانخفاض النسبي لمستوى المعيشة، وتدني الوضع الاجتماعي للأفراد على نحو يحول بينهم وبين إشباع احتياجاتهم الأساسية، كما يحول بينهم وبين تحقيق تطلعاتهم ورغباتهم. ويرتبط بهذا الوضع المتدني عدد من المؤشرات، لعل من أهمها قلة الدخل، وارتفاع معدل الأمية، ونقص التغذية، وانخفاض معدل العمر المتوقع، وتعدد أنماط الاستغلال، وانخفاض المستوى الصحي، وكثرة الإنجاب". |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:41 pm | |
| تمكين المرأة
Empowerment of women
بدأ استخدام مصطلح التمكين، من قِبلْ المنظمات النسائية في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، لوضع إطار للنضال من أجل تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية للنساء، وذلك بإعادة تشكيل الهياكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، على كافة المستويات. وركز المفهوم، في البداية بصفة خاصة، على أهمية المنظمات المعنية بالمرأة والتحول الذاتي. وقد أكد أحد المتخصصين على هذا المعنى بقوله إن المرأة لا تقتصر على كونها متلقياً سلبياً للمساعدات، التي تحقق لها الراحة والرخاء؛ ولكنها عامل نشط وفاعل في التغيير، ودافع دينامي للتحول الاجتماعي. واتجهت الهيئات المانحة والمنظمات الدولية، استناداً إلى الكتابات التقليدية حول التنمية في التسعينيات، إلى تطوير مفهوم تمكين المرأة بتوسيع نطاق الخيارات المتاحة أمام النساء، ورفع مستوى إنتاجهن، وذلك في ظل انحسار مسؤولية الدولة في مجال اتخاذ القرارات المتعلقة بالاقتصاد الكلي، والدعم الاجتماعي.
وعلى هذا يعني مفهوم "تمكين المرأة"، قدرة النساء على التحكم في مسار حياتهن، بوجه عام، وعلى وعيهن بحقوقهن وممارستها، بوجه خاص. ومن ثم يشير هذا المفهوم إلى قدرة المرأة على العمل الجماعي للوصول، إلى حقوقها من خدمات وموارد.
ينبع هذا المفهوم من فكرة الإمكانية Possibility، أي إمكانية المرأة في الحصول على الخدمات أو المنتجات والسلع والموارد، بحيث يمكن للمرأة في ظل التنمية الشاملة، التحكم في حياتها والمشاركة الفعالة في الأسرة والمجتمع الأوسع.
وعلى ذلك، فالتمكين في معناه العام، هو: إزالة كافة العمليات والاتجاهات السلوكية النمطية في المجتمع والمؤسسات، التي تنمط المرأة والفئات المهمشة في مراتب أدنى. كما أنه عملية مركبة تتطلب تبني سياسات وإجراءات وهياكل قانونية، بهدف التغلب على أشكال عدم المساواة، وضمان الفرص المتكافئة للأفراد، في استخدام موارد المجتمع وفي المشاركة السياسية أيضاً. وليس القصد من التمكين المشاركة في النظم القائمة كما هي عليه؛ بل العمل على تغييرها ليحل محلها نظم إنسانية تسمح بمشاركة الغالبية في الشأن العام وإدارة البلاد، وفي كل مؤسسات صنع القرار ضد هيمنة الأقلية.
ويُستخدم هذا المفهوم، في الغالب، للإشارة إلى تحسين أحوال المرأة، خاصة السياسية والاقتصادية، وضمان مشاركتها بصورة فعالة في شؤون مجتمعها؛ إلا أنه يمكن استخدامه بالمعنى العام للإشارة إلى تمكين أي جماعة محرومة في المجتمع.
من هنا ترى Batliwala أن مفهوم تمكين المرأة يمثل عملية Process، وهدف Target؛ فهو عملية تحدي لعلاقات القوى السائدة والقائمة، التي تهدف إلى زيادة التحكم في الموارد Resources ومصادر القوى. وهو هدف لأن تمكين المرأة يسعى إلى تحدي الأيديوليجيات الأبوية (سيطرة الذكور وتبعية النساء)، والتحول في الأبنية والمؤسسات، التي تكرس وتعزز التمييز النوعي. كما يهدف إلى مساعدة النساء الفقيرات في الحصول والتحكم، في كلٍ من الموارد المادية وغير المادية.
في حين ذهبت أوكسال وبادن Oxaal and Baden إلى أن تمكين المرأة، هو العملية التي تتضمن كيفية إدراك النساء ــ سواء على المستوى الفردي أو الجماعي ــ آلية وكيفية عمل علاقات القوة Power-Relations، التي تحقق لهن الثقة بالنفس والقوة التي تمكنهن من تحدي عدم المساواة النوعية Gender-inequality.
ومن خلال هذا العرض يتضح أن مفهوم تمكين المرأة، يعني تحقيق نوع من المساواة والإنصاف، بين المرأة والرجل، ومساعدتها على تحقيق إمكاناتها كاملة، ومساهمة المرأة بشكل كامل في عمليات تقرير السياسات وصُنع القرار، في جميع أوجه الحياة الاقتصادية والسياسية.
وعلى ذلك، فإن تمكين المرأة لا يتحقق فقط بأن تعمل أو تشارك في النشاط الاقتصادي وحده، وإنما المشاركة في مجمل العلاقات الاجتماعية والإنتاجية، التي من خلالها تسهم اقتصادياً واجتماعياً في رفاهية أسرتها وتقدم مجتمعها، إضافة إلى التقدير والاعتراف المجتمعي بقدرتها على إحداث التغيير في سلوك الآخرين، وفرض خياراتها في المجالات التالية:
1. الأمان الاقتصادي Economic security بأن تكون صاحبة عمل، بمعنى تحقيق رغبتها في إقامة مشروع خاص بها، داخل المنزل او خارجه، واتخاذ القرارات المتعلقة بالنشاط الإنتاجي أو التجاري وإدارته بنفسها، وحصولها على العائد المادي منه، وتحكمها في عملية التمويل بالاقتراض، وتحمل مسؤولية السداد.
2. الإلمام بحقوق المرأة القانونية والسياسية والمدنية.
3. أن تكون لها ملكية خاصة، وتمتلك أصول المشروع، وأن يكون لها حساب خاص بها.
4. الاندماج في أنشطة الجمعيات غير الحكومية والأحزاب السياسية، وفي الانتخابات العامة وجمعيات أصحاب الأعمال، حتى يكون لها صوت مؤثر في السياسات الاقتصادية للدولة، ومؤسسات المجتمع المدني.
ومن ثم تعد أهم ركيزتين في المشروع الاقتصادي هما:
أ. مشاركة المرأة في اتخاذ القرارات الخاصة بالمشروع وتنفيذه، بما يضمن المعاملة المتساوية.
ب. كون المرأة قادرة على تحسين مستواها، من خلال تمتعها بالخدمات والموارد.
وهكذا، إذا تُرجم هذا المشروع العام إلى مشروع اقتصادي أسري، تُصبح محكات التمكين للمرأة داخل الأسرة، هي:
· القدرة على اتخاذ القرارات الخاصة بالوحدة الإنتاجية، الخاصة بالأسرة.
· القدرة على المشاركة في العمل فيها، والاستمتاع بعائدها.
· القدرة على جني ثمار عملها داخل الأسرة، أي الحق في الموارد والخدمات للوصول إلى مستوى أعلى من الرفاه الاقتصادي والمكانة الاجتماعية.
ولمفهوم تمكين المرأة مكونات متعددة، معرفية واقتصادية وسياسية ونفسية. كما يشتمل على أبعاد مادية وبدنية. وكل هذه الجوانب تتداخل وتتفاعل مع بعضها، على النحو التالي:
1. يتطلب البُعد المعرفي أن تفهم المرأة الظروف والأسباب التي أدت إلى تبعيتها على كافة الأصعدة، كما يستلزم صنع الخيارات، التي من شأنها تحدي التقاليد والموروثات الثقافية وتغييرها.
2. يتطلب البُعد السياسي امتلاك المرأة القدرة على التحليل والتنظيم والتعبئة، من أجل التغيير الاجتماعي.
3. يعتمد البُعد السيكولوجي على الإيمان بقدرة المرأة على الاضطلاع، بأعمال على المستوى الشخصي والمجتمعي من شأنها تحسين واقعها الفردي وتطوير المجتمع، الذي تعيش فيه.
4. يركز البُعد الجسمي أو البدني على سيطرة النساء على أجسادهن، وعلى حماية أنفسهن من العنف الجنسي.
في ضوء ذلك يتحدد تمكين المرأة في مناهضة التعصب ضد المرأة، وتمكين حقها ومساواتها بالرجل في إطار حقها في التنمية، أن تشارك فيها وفي اختيارها وتنفيذها، ثم حقها في التمتع بثمار التنمية. وبشكل أكثر تحديداً، فإن حق المرأة في التنمية يرتبط بالحق في العمل، بما في ذلك الحق في أوضاع عمل عادلة وملائمة (الحق في الراحة، وفي أوقات الفراغ) والحقوق النقابية، بما في ذلك الحق في الإضراب، والحق في مستوى المعيشة السكاني، والحق في الضمان الاجتماعي، والحقوق العائلية (العائلة، والأمومة، والطفولة، والحق في الصحة، والحق في التربية والتعليم)، والحقوق الثقافية (الحق في المشاركة في حياة المجتمع الثقافية). وبشكل عام المساواة في التمتع بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:42 pm | |
| القوة
Power
تُعد القوة المفهوم الأساسي في العلوم الاجتماعية، شأنها في ذلك شأن الطاقة، التي تمثل المفهوم الأساسي في العلوم الطبيعية، والتي لا يمكن ملاحظتها إلا عند استخدامها؛ ولكن كما يقول ستيفان لوكاس في مؤلفه "القوة رؤية راديكالية"، إن القوة مفهوم مُختَلفٌ عليه في الأساس؛ فهو مفهوم يختلف علماء الاجتماع دائماً في تعريفه، وفي طرق استخدامه. ومرجع هذا الخلاف أن تعريف مفهوم القوة يتوقف على الرؤية النظرية للباحث، وعلى التوجه القيمي الذي يتبناه.
ومع هذا يظل تعريف ماكس فيبر أقوى التعاريف أثراً، حيث حدد القوة بأنها احتمال أن يكون أحد الأفراد قادراً في نطاق علاقة اجتماعية، على تنفيذ إرادته الخاصة رغم المقاومة، وذلك بغض النظر عن الأساس الذي يقوم عليه هذا الاحتمال. إن هذا التعريف يوحي، كما يقول داهل، بأن الشخص (أ) له قوة على الشخص (ب)، إلى حد أنه يستطيع أن يتغلب على مقاومة (ب) لو أنه أراد المقاومة، الأمر الذي يعني أن مصالح (ب) سوف يُضحى بها لصالح تحقق مصالح (أ)، والمحافظة عليها.
ويرى بيتر بلاو Blau أن القوة هي قدرة الشخص، أو الجماعة، على فرض إرادتهم على الآخرين، على الرغم من وجود مقاومة، وذلك من طريق الجزاء؛ سواء كان ذلك في شكل عقاب أو منع المكافآت، التي كانت تُمنح بانتظام.
أما آلفن جولديز، فقد عرف القوة في كتابه "الأزمة المقبلة لعلم الاجتماع الغربي" بأنها القدرة على فرض الدعاوى الأخلاقية لأحد الأطراف فرضاً، ومن ثم يمكن للطرف الأقوى، في أي علاقة قوة، أن يحول نواحي قصوره ومثالبه الأخلاقية، إلى شيء عرفي متواضع عليه ومحل اتفاق.
وفي هذا السياق قدم تالكوت بارسونز تعريفاً مختلفاً تماماً للقوة، ينظر إلى القوة على أنها مصدر للنسق Resource System؛ فالقوة هي القدرة المعممة لضمان القيام بالتزامات معينة، بواسطة وحدات في نسق ذي تصميم جماعي، وذلك عندما تصبح هذه الالتزامات مشروعة بارتباطها بالأهداف الجماعية؛ وحيث يتوقع في حالة التمرد استخدام الغرض من طريق جزاءات سلبية، يقتضيها الموقف. وهذا يعني أن بارسونز فهم القوة من منظور واحد، وإن كان محافظاً.
والجدير بالذكر هنا أن القوة مفهوم يشير إلى القدرة على الفعل أو الإمكانية، إذ يعني إمكانية حدوث فعل معين، وليس حدوثه الفعلي؛ فالقوة، كما يقول جون سكوت وجون مارشال، سمة تتصل بالإمكانية أو بالقدرة على إقامة علاقة اجتماعية معينة، وهي لذلك تتوقف على ما يملكه الفاعل من مصادر القوة. ومن الجلي في المجتمعات الرأسمالية المتقدمة، أن الموارد الاقتصادية، كالثروة والتحكم في الوظائف، تمثل مصدراً من مصادر القوة؛ ولكن هناك على جانبها عديد من المصادر الأخرى للقوة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر: القدرة التنظيمية، الدعم العددي، الكفاءة، المعرفة ذات المستوى الرفيع، التحكم في المعلومات، شغل بعض الوظائف أو الأوضاع الاجتماعية، السيطرة على بعض أدوات القوة، وأخيراً سمعة امتلاك القوة نفسها.
وفي الحقيقة فالعُنصر الأخير، يمثل مصدراً فريداً ومتميزاً من مصادر القوة؛ فهو لا يعتمد على الامتلاك الفعلي للقوة، وإنما على اعتقاد الآخرين أن ذلك الطرف يملكها. كذلك، ينبغي أن نلاحظ أنه ليس من المحتم أن يمتلك الشخص أحد مصادر القوة فعلاً، وإنما يكفي أن تكون لديه القدرة على التحكم في هذا المصدر.
وفي الواقع أن القوة الكامنة تعتمد على بعض المقومات، أما القوة الظاهرة الصريحة فلا تعبر عن نفسها بالمقومات والخصائص، وإنما تتجلى في العلاقات الاجتماعية الواقعية. ومعنى ذلك، أن ممارسة القوة تتضمن نوعاً من التغذية الاسترجاعية أو رد الفعل، فالطرف (أ) يتصرف والطرف (ب) يخضع، ومن هنا يمارس الطرف الخاضع قدراً من التأثير على الطرف المسيطر، لكي يتسنى وجود علاقة أصلاً.
وعلى هذا، فالقوة هي القدرة على العمل أو التأثير بشدة في شيء ما، أو القدرة الجسمية أو العقلية؛ فضلاً عن استخدامها للدلالة على قوة الشخصية، والقوة المؤثرة والأثر.
أشكال القوة
تتنوع أشكال القوة وتتباين وفقاً للظروف التي تسود كل مرحلة من مراحل التاريخ، والأحوال التي تمر بها المجتمعات البشرية المختلفة. وثمة أشكال كثيرة لتصنيف أشكال القوة وبناءاتها؛ لكن الأكثر شهرة منها هي القوة الاقتصادية، والقوة العسكرية، والقوة السياسية بوصف أن هذه القوى الثلاث هي القوى الأساسية السائدة في المجتمع. والجذير بالذكر هنا أن تحديد فواصل قاطعة بين اشكال القوة وأنواعها أمر صعب المنال، إذ إنها متداخلة قد تتولد عن بعضها بعضاً في كثير من الأحيان؛ ولكن بغرض التحليل يمكن عرض كل قوة كل على حدة، على النحو التالي:
1. القوة الاقتصادية
هي أولى القوى التي عرفها الإنسان، وقد تطور مفهومها كما تطورت وسائلها، حتى أضحت للفرد والدولة، مقياس قوة وسيطرة. وتبدو القوة الاقتصادية أكثر وضوحاً عندما تملك جماعة ما أكبر موارد الثروة، عندئذ تكون لها القوة الأعظم، بالقياس إلى قوة أية جماعة أخرى قد تساويها في العدد والتنظيم.
2. القوة العسكرية
تكمن مصادر القوة العسكرية في امتلاك المجتمع الآلة العسكرية، من المعدات والأسلحة والذخائر والقوات. ويزخر التاريخ بمختلف ألوان القوة العسكرية من أجل السيطرة على منابع الثروة. وكان أكثرها وضوحاً فترات الهيمنة الاستعمارية، وغزوها الشعوب الأقل قوة منها. وقد يؤدي تملك القوة الاقتصادية إلى امتلاك القوة العسكرية، أو القوة السياسية، وقد يحدث عكس ذلك. فقد أكد الفيلسوف راسل أن في جميع الحالات، التي مرت بها المجتمعات الإنسانية، أو في غالبيتها، كانت القوة العسكرية هي مصدر القوة الاقتصادية والسياسية.
3. القوة السياسية
تتميز القوة السياسية عن أشكال القوى الأخرى، في أنها تؤدي أدواراً مهمة، ليس فقط في توجيه أنشطة العلاقات المتبادلة للمواطنين بإقليم معين؛ بل بما لها من إمكانات تُكره الناس على الموافقة، كبديل وحيد للحروب الأهلية، ومن ثم فإن القوة السياسية هي التي يمكن أن نُطلق عليها القوة المتكاملة، التي يكون فيها اتخاذ القرارات متمركزاً على طرف واحد دون الآخر. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:43 pm | |
| المجال العام
Public Sphere
حظى مفهوم "المجال العام" باهتمام واسع على النطاق العالمي، خلال حقبة التسعينيات من القرن العشرين، وذلك بعد نشر الترجمة الانجليزية لكتاب هبرماس بعنوان "التحول البنائي للمجال العام"، عام 1989، والذي نُشر لأول مرة عام 1962. ولقد تساوق الانتشار العالمي لمفهوم المجال العام وفهمه، على أنه الإرادة الاتصالية في الممارسة السياسية الديموقراطية. وقد تزامن هذا الانتشار وذلك الفهم، مع فتح آفاق جديدة لنشر قيم الديموقراطية في المجتمعات، التي تعيش في أوروبا الشرقية، وفي شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
وقد ارتبطت فكرة انبعاث المجال العام، بإعادة إحياء فكرة وثيقة الصلة بها، وهي فكرة المجتمع المدني. ومن ثم اتضح أن المجال العام يُفهم على أنه البنية التحتية والمعيار الكامن، للآداء الوظيفي الفعال للمجتمع المدني.
اتسم المجال العام بأنه ذا طابع سياسي، يؤكد على قيمة التواصل الشفاف وممارسة الفهم الاتصالي بين الفاعلين، بدءً من المستوى الأصغر للحياة الاجتماعية، إلى المجالات الجمعية الأكثر تنظيماً، التي يتم فيها التباحث والنقاش. بمعنى أن المجال العام يركز على الرابطة الاتصالية، الرمزية ذات الطابع الاجتماعي، وهي الرابطة التي تسمح بظهور أبنية أكبر للتداول والنقاش الحر، وهي التي تشكل المجال العام، كأرضية مستقلة في المجتمع. ومن ثم، فهو يمثل مجالاً ثالثاً، بجانب السياسة والاقتصاد.
ولكن أرماندو سالفاتوري، في كتابه ذائع الصيت عن المجال العام بعنوان: "الحداثة الليبرالية والكاثوليكية والإسلام"، يرى أن المجال العام هو المجال الذي يشهد تشكل القيم الثقافية، مثل قيم الالتزام والتسامح والارتباط.
وترجع أصول هذا المفهوم إلى تيار الفكر الأنجلو أمريكي ومفرداته، وإسهامات المدرسة الألمانية والأوروبية. وهي إسهامات تأسست على تراث فلسفي ثري. ولتلخيص ذلك، فإن المجال العام، كمجال ثالث في المجتمع، يعمل على إيجاد درجة عالية من التكامل الاتصالي في المجتمع.
تمتد جذور مفهوم المجال العام، من الناحية الدلالية واللغوية، إلى العدل القانوني وإلى النظرية السياسية اليونانية والرومانية؛ لذا، فإن مفهوم المجال العام يكشف عن جذور تاريخية تتسم بالتعقيد والتنوع. وتعتمد فكرة المجال العام في جوهرها، على الفعل والمناقشة والتفاوض المشترك، بطرق مشروعة في عملية البحث عن المصلحة المشتركة، والتي تتضمن أيضاً درجة معقولة من شفافية الاتصال بين الفاعلين المنخرطين في العملية الاتصالية. ومن ثم، فهو مفهوم متشابك ومركب يتقاطع مع تشكل التراث القانوني، والتراث المدني، والتراث الديني، كما يتقاطع مع ظهور الأفكار الحديثة للقوة العلمانية، وتكريس هذه الأفكار. من هنا عَرَّف هيرماس المجال العام على أنه يشكل النمط المثالي، الذي يتأسس على الجدل بين الداخل والخارج، أو بين الخصوصية والعلنية.
كشف النقد، الذي وُجه إلى تصور هيرماس، للمجال العام عن أوجه القصور التالية:
1. عدم الالتفات إلى صور المجالات العامة، التي تقوم على الطبقة أو النوع.
2. التقليل من شأن الفروق القومية والتاريخية، بين النماذج المختلفة للمجالات العامة الحديثة.
3. عدم الاهتمام بالتداخل بين المجالات العامة المحلية والقومية وغير القومية.
4. عدم الاقتصار على توصيف المجال العام على أنه تصور متفرد، في الحضارة الغربية الحديثة فقط.
وبناءً على ذلك، فإن مفهوم المجال العام يقوم على الفعل التواصلي أو الاتصالي، لبناء ما هو عام ومشترك؛ بناءً على فكرة الصالح العام، أو الخير المشترك Common good.
أدت محاولات إعادة تعريف العلاقة الثلاثية المحورية بين الذات والآخر والله ــ والتي يحكمها الإيمان، من ناحية، والعقل العملي، من ناحية أخرى، إلى تغيير فكرة التفكير العام بجعل الإيمان والدين غير منظورين في الحياة العامة، وتحويلهما إلى أشكال من التنظيم للرابطة الاجتماعية، في شكل ثقة وأخلاق لتحقيق التماسك الاجتماعي؛ لأنها تتوافق مع المطلب الجديد للفعل الفردي والاستقلالي. وعلى ذلك، فإن محاولات إصلاح مفهوم الإيمان، وإعادة صياغته في شكل من أشكال الفكر العلماني، تبين أنها مهمة لتحديث فكرة المجال العام، من خلال دمج الفعل الذاتي التواصلي لكي يتلاءم مع مطالب الجماعات الاجتماعية الناشئة والفاعلين الاجتماعيين، في العصر الحديث. ومن ثم إرساء وبلورة شعور جديد لمفهوم المجال العام، على أنه مجال ينفصل وظيفياً عما هو خاص، ومن ثم يُشكل المجال العام الجديد.
اكتسب المجال الخاص شكلاً جديداً في بناء وتفسير الرابطة الاجتماعية، وأخلاقيات الحياة الاجتماعية، بشكل عام. أما المجال العام، الذي أُعيد بناؤه فقد احتفظ بالوظيفة المهمة المتعلقة بالخير أو الصالح العام، من خلال أي رابطة اجتماعية تظهر في الأخلاقيات، التي تستخدم في المواقف العامة. وبهذا التعريف يُعد المجال العام، جنباً إلى جنب، مع قوة تماسكه الأخلاقية، منشأ تكوينات بنائية وليست تكوينات جدلية تنبثق بشكل مباشر من المجال الخاص. ومن ثم يُفهم المجال العام في الوقت الحالي على أنه ميدان اتصالي يخلو من الصراعات، ويقع في مسافة بين العلاقات الموجودة في المجال الخاص، والتي تُبنى على المصلحة (العقد) والعاطفة (الحب والصداقة)، وما ينتج عنهما من توليفات (كالزواج والأسرة والعلاقات الأبوية) من ناحية، والقوى المعيارية للدولة الحديثة، التي تُفعِّل احتكارها للقسر لكي تضمن وجود النظام العام البازغ وما يرتبط به من آليات للتبادل العام، من ناحية أخرى.
وعلى كلٍّ، فإن المجال العام يؤدي وظيفة أساسية في تسهيل التفاوض العقلاني، حول الصالح العام أو الخير العام بين المواطنين في حياتهم الخاصة.
وعلى هذا، فإن المجال العام يتيح للفرد التعبير الحر عن آرائه، دون ضغط أو إجبار من جانب المجتمع، حيث يتم فيه مناقشة قضايا المجتمع ومشكلاته المختلفة، من أجل الوصول إلى مجتمع أكثر حرية وعقلانية. ومن ناحية أخرى، يؤكد هذا المفهوم على أهمية النقاش الحر، سواء في وسائل الإعلام أو غيرها، كوسيلة لتكوين رأي عام Public Opinion حر، وكذلك مناقشة القضايا والمشاكل المجتمعية الملحة، التي تحتاج إلى رأي عام مستنير وديموقراطي. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:43 pm | |
| الاتصال الثقافي
Cultural Communication
تنوعت معاني مصطلح "الاتصال"، والمترادفات المرتبطة بها"، والدلالات الرمزية واللغوية"، التي تعكس محتواها ومضمونها، وذلك وفق الموقف وطبيعة الاتصال والأفراد، ونوع المستقبلين والمرسلين، والوسيلة الاتصالية وغيرها.
فقد يُقصد بالمصطلح أنه: اتصال فردي ذاتي، أو اتصال بين مجموعة من الأفراد والجماعات، أو اتصال بين المجتمعات والحضارات. كما قد يؤخذ على سبيل المثال ليعكس معاني أخرى، مثل اتصال هاتفي أو لا سلكي أو إذاعي أو تليفزيوني أو من طريق الانترنت. كما قد يُقصد بـ "اتصال" بأنه اتصال ثقافي أو حضاري أو علمي أو لغوي أو روحي، وما إلى ذلك من دلالات ومعانٍ متعددة، تظهر من خلال لغة الحديث أو الجُمل أو العبارات، وما يستهدف بالفعل من كلمة اتصال حسب الوقت، أو الموقف، أو طبيعة الاستجابة، أو نوع الاتصال وهدفه ووظيفته.
ويرجع أصل كلمة الاتصال Communication إلى اللغة اللاتينية Communis، وهي ترادف باللغة الإنجليزية كلمة Common، بمعنى عام أو شائع أو مألوف في نفس الوقت، كما تُشير كلمة الاتصال أيضاً إلى خلق جو من الألفة والاتفاق بين الأفراد والجماعات والمجتمعات، وذلك بهدف مشاركتهم في تبادل المعلومات والأفكار والآراء والاتجاهات والتعاون ووجوه الحياة كافة.
ومن ثم فإن عملية الاتصال تعمل على جعل المُرسل أو القائمين على العملية الاتصالية، والمستقبِل للمادة المرسلة، ومادة الاتصال، على موجة واحدة، أو خط واحد، من أجل إرسال واستقبال رسالة محددة.
لذلك، عُدّ الاتصال وسيلة تستخدم أساساً لتبادل المعلومات بين طرفين أو أكثر، بحيث يكون جميع المشاركين فيه قادرين على مساءلة الآخرين ومناقشتهم، فيما يقولون من حيث ما في كلامهم من صدق ودقة وواقعية ومعنى واضح ومفهوم.
من هنا أكد كولن شيري Cherry أن الاتصال يمثل عنصراً أساسياً في الحياة الاجتماعية، ومشاركة الأفراد في الرمز والمعنى والإشارة واللغة، وكل أنواع العلاقات الاجتماعية، التي تحدث في الحياة اليومية. والاتصال، بهذا المعنى، يجعل الأفراد والجماعات يفهمون بعضهم بعضاً، ويجعلهم في وحدة واحدة، ربما تكون الجماعة أو المجتمع أو الثقافة ككل.
إن الاتصال بين الثقافات، وما يترتب عليه من استعارات وتأثيرات متبادلة، هو مصدر ثري لكل ثقافة منها على حدة. وهو يمثل عاملاً مهماً في تعميق الثقافة وتوسيع آفاقها، ما دامت هذه الاتصالات تتم بشكل طبيعي، ولا تخُفي وراءها نزعات للهيمنة أو أي أهداف أخرى، أو تقصد عمداً إلى مسخ وتشويه معالم الثقافات الأخرى، أو القضاء عليها إن أمكن.
ومن ثم فالاتصال الثقافي المتكافئ يعني الاتصال التبادلي والتفاعلي، بين مرسل ومتلقي أو القائم على نقل أو إرسال أو استقبال مضمون رسالة ما (أفكار،ـ آراء،ـ معارف، مواقف وتصورات، وقيم ورموز معينة) وذلك عبر وسائل أو وسائط وآليات خاصة، كالصوت والصورة والكتابة... إلخ. وسواء كان طرفا هذا الاتصال أفراداً أو جماعات أو مجتمعات، ومضمون المُرسَل واعياً ومقصوداً ومعلناً، أو كان ضمنياً غير مقصود، ما يختلف حسب ظروف وملابسات وأهداف هذا الاتصال المعني.
إن عملية الاتصال ليست فقط اتصال بين طرفين، بل هي عملية دينامية جدلية وتفاعلية منتجة، يتم فيها وبواسطتها استيعاب وتمثل مضمون الاتصال، وكذلك ما يثيره هذا المضمون من استجابة ورد فعل وتغذية رجعية Feed back.
وهذا يعني أن الثقافة لا توجد في فراغ؛ وإنما ترتبط دائماً بكل النُظم والأنساق الاجتماعية السائدة في المجتمع، بحيث أنها لا تكون أبداً في عزلة تامة عن غيرها من الثقافات الأخرى؛ بل هي العكس من ذلك تماماً؛ لأنها تُقيم علاقات وصلات قوية ومستمرة مع ثقافات المجتمعات والشعوب الأخرى المجاورة. وقد ساعدت ثورة الاتصالات الإلكترونية الحديثة من إمكان الاتصال، بكل ثقافات العالم بغير عناء. وهذا الاحتكاك بين الثقافات، وما يترتب عليه من استعارات وتأثيرات متبادلة، هو مصدر غنى وثراء لكل ثقافة منها على حدة.
ويعني ذلك أن "الاتصال الثقافي" هو اتصال ثقافة أو حضارة بثقافة أخرى، أو بيئة ثقافية أخرى، أو بحضارة أخرى، أو بيئة حضارية أخرى، بغض النظر عن مستوى الثقافة أو درجة التطور الحضاري للمتصِل (بكسر الصاد) أو المتُصَل به (بفتح الصاد). وهو اتصال متبادل ومتفاعل بين الطرفين.
لذا، يُعرف الاتصال الثقافي بأنه تبادل الثقافات الرئيسية أو فروعها وأنساقها، والاتصال بعضها ببعض، تحاوراً أو تعارفاً وتلاحقاً. وهذا الاتصال قد يكون تواصلاً واتصالاً أفقياً، يتم بين ثقافات متزامنة، أو بين أقاليم ثقافية معينة؛ أو قد يكون اتصالاً رأسياً بين الأجيال المتعاقبة لثقافة ما، أو بين فئاتها وطبقاتها المتراتبة اجتماعياً.
وهكذا، نجد أن عنصر التفاعل يُعد من أهم العناصر الأساسية، التي تتكون منها عملية الاتصال الثقافي؛ فمن طريق التفاعل تظهر خاصية المشاركة وتبادل المؤثرات، أو الاهتمامات المتبادلة نحو حقيقة الاتصال ذاتها.
إن المجتمع البشري لا تسوده ثقافة واحدة بعينها، وإنما تنتشر فيه أنماط عديدة ومتنوعة من الثقافات الإنسانية؛ ولذا يُجمع المهتمون بالثقافة والعاملون في حقولها، على اختلاف مشاربهم ومدارسهم، على أن الثقافة ظاهرة إنسانية تتعلق بالإنسان وحده دون سائر المخلوقات. كما يمكن أن توجد "الثقافة" دون وجود المجتمع، وبتبادل الاتصالات بين جميع المجتمعات الإنسانية الأخرى.
وعلى هذا، فإن الاتصال الثقافي هو عملية تفاعلية دينامية مستمرة، تتم بين مجتمعين أو أكثر، من خلال التلاقي والحوار فيما بينهم من طريق قنوات فردية أو جماعية، منظمة أو غاير منظمة، مثل السفراء والتجار والسياح، والبعثات الدراسية والمعارف والكتب، ووسائل الاتصال، والشبكة العالمية للاتصال... إلخ.
أهمية الاتصال الثقافي وفوائده
تنبع أهمية الاتصال من أنه هو نقطة البداية في تحقيق التواصل والتفاعل، بين بني الإنسان؛ فمن طريقه ومن خلاله يتم تناقل الأفكار والمعتقدات والاتجاهات والآراء والمنافع المختلفة، فيما بينهم. كما يتم من خلاله، أيضاً، إشباع مختلف حاجات الإنسان؛ فالاتصال هو أداة تحقيق التواصل الحي والمتنامي.
ولهذا أكد جورج اليوت Eliot، أن شعوب العالم تتعرف على بعضها من خلال عملية الاتصال، وأنه من دونه يصبح العالم كأنه مجموعة من الجزر المتباعدة. ولذلك يجب الاهتمام بعملية الاتصال.
ويُعد الاتصال الثقافي من أهم العوامل في إثراء الثقافات؛ لأنه يفتح مجالات جديدة للتفكير والإبداع لا تتاح، في الأغلب، لأي ثقافة إذا ظلت مغلقة على نفسها، وعاشت بمعزل عن غيرها من الثقافات الأخرى.
فالاتصال الثقافي يعزّز نمو الثقافة ويطورها ويجددها، من خلال تبادل الأفكار وتشجيع الإبداع، ويؤمّن التراكم أو تواصل البناء الثقافي، ويتيح تأصيل ما هو جديد ومبتكر، تأكيداً للتناسق الثقافي. ومن خلال النمو والتجدد والتأصيل، تتمكن الثقافة من مقاومة عوامل الفناء والزوال، وتتنامى قدرتها على البقاء والاستمرار، من خلال احتفاظها بالقدرة على الإيفاء باحتياجات أهلها، ومن ثم يعود الاتصال الثقافي بفوائد عديدة، من أهمها:
· أنه يعزز المشترك الثقافي بين الأطراف المشاركة، وهو ما يسهم في تعزيز تماسك المجتمع ووحدته، وتقارب المجتمعات الإنسانية وتعايشها.
· أنه عملية حضارية متكاملة، تفتح العقول والنفوس على آفاق جديدة وإمكانات حديثة، ومن ثم فهو الطريق الفعال لتحقيق إنسانية الإنسان، وإبراز قوى الخير في نفسه. كما أنه وسيلة استيعاب منجزات الآخرين، والتعرف على ثرواتهم المعرفية وإمكاناتهم الثقافية.
· أنه يساعد على تحقيق التلاقي الفكري والحضاري، الأمر الذي يقود إلى الارتقاء بالتفكير والسلوك البشري؛ فهو يساعد في توسيع دائرة الخصوصيات المحلية والوطنية أو القومية، ويجعلها قادرة على التفاعل مع مقومات سوسيو ثقافية وحضارية مغايرة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:44 pm | |
| العولمة
Globalization
تُعد العولمة من أعقد المفاهيم في العلوم الاجتماعية؛ لأنها تنطوي على أبعاد معقدة ومتشابكة؛ فضلاً عن تعدد تعريفاتها وتنوع مظاهرها، والتي تتأثر أساساً بإنجازات الباحثين الأيديولوجية واتجاهاتهم إزاء العولمة، رفضاً وقبولاً. وتُعرف العولمة، عموماً، بأنها: تشكيل ملامح العالم كله، بوصفه موقعاً جغرافياً واحدا، وظهوراً لحالة إنسانية عالمية واحدة.
ويمكن إرجاع مصطلح العولمة، على وجه الخصوص، إلى المفهوم الذي استحدثه مارشال ماكلوهان عن القرية الكونية، في أوائل الستينيات من القرن العشرين. وبناءً على هذا التصور يمكن القول إن العولمة تشير إلى إضفاء الطابع الكوني والرسمي، في الوقت نفسه، على مختلف أشكال الفكر والاتصال، كنتيجة مترتبة على توحيد طرق الإنتاج والعرض والتسويق والتوزيع، وتنظيم العلاقات التجارية. وبهذا المعنى ترتبط العولمة ارتباطاً وثيقاً بمجال الاقتصاد، ومن ثم ظهرت التجليات الأولى لهذه السمات في حرص الشركات العالمية العملاقة والقوية، على توسيع الأسواق القائمة.
وفي هذا الإطار رأى بعض الباحثين أن تعريف العولمة، يجب أن يستند إلى ثلاثة معايير أساسية، وهي: الوضوح Clarity، ويتصل بإحكام استخدام المفهوم كأداة للتواصل العلمي عبر تحديد عناصره ومتضمناته؛ ثم معيار النطاق Scope، ويعني مدى شموله للمواقف والوقائع التي يتضمنها؛ وأخيراً معيار الصدق Truth، ويتعلق بمدى قدرته على الإشارة إلى وقائع ملموسة.
بناءً على ذلك يمكن تعريف العولمة بوصفها محصلة التوظيف الرأسمالي للنتائج، التي أرستها مسارات الصراع في جوانبه المختلفة، وكرستها الأشكال التنظيمية البالغة التقدم لرأس المال، ممثلة في الشركات الكونية، ودعمها احتكار التكنولوجيا، وتوجيه التفاعل المعقد بين الاقتصاد والسياسة والثقافة، بواسطة خلق شبكات ومجموعات مصالح، ومنظومة من الأفكار والقيم والقوانين، بهدف تحقيق مزيد من الاستقطاب لصالح المراكز الرأسمالية.
لذا عدّها أحد الباحثين حقبة التحول الرأسمالي العميق للإنسانية جمعاء، في ظل هيمنة دول المركز وبقيادتها وتحت سيطرتها، وفي ظل سيادة نظام عالمي للتبادل غير المتكافئ. وبهذا المعنى هي "رسملة العالم" على مستوى العمق، بعد أن كانت تحت رسملته على مستوى سطح النمط ومظاهره قد تمت.
ومن ثم يتطابق مفهوم العولمة مع مفهوم الكوكبة الرأسمالية، في مرحلة ما بعد الرأسمالية في مرحلة ما بعد الإمبريالية، حيث تتداخل أمور الاقتصاد والاجتماع والسياسية والثقافة والسلوك، دون اعتداد يُذكر بالحدود السياسية للدول ذات السيادة أو الانتماء إلى وطن محدد، أو لدولة معينة، ودون حاجة إلى إجراءات حكومية.
ومعنى ذلك أن العولمة في مجملها: عملية متفاعلة كما هي رؤية ونظرة تنعكسان على قرارات تؤثر في حياة وحظوظ دول وأفراد وجماعات، من وجهة النظر الاقتصادية؛ لكن من الصعب تحديد مظهر معين للعولمة. فهي تتخذ مظاهر عدة، وكذلك من الصعب إرجاعها إلى عامل واحد بعينه. ليس هذا فحسب، بل إن الأسباب والنتائج تختلط؛ بمعنى أن النتيجة تعد سبباً لمزيد من العولمة، والسبب يُعد مظهراً آخر من مظاهر العولمة.
إن صياغة تعريف شامل للعولمة لا بد أن يضع في اعتباره ثلاث عمليات مهمة، تكشف عن جوهرها:
· العملية الأولى: تتعلق بانتشار المعلومات، بحيث تصبح مشاعة لدى جميع الناس.
· العملية الثانية: تتعلق بتذويب الحدود بين الدول.
· العملية الثالثة: تتصل بزيادة معدلات التشابه بين الجماعات والمجتمعات والمؤسسات.
وكل هذه العمليات قد تؤدي إلى نتائج سلبية في بعض المجتمعات، وإلى نتائج إيجابية في مجتمعات أخرى. وعلى هذا فإن جوهر عملية العولمة يتمثل في سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع، بين الدول على النطاق الكوني.
لذا، حددها رونالد روبرتسون Robertson كنقلة حضارية بوصفها تحويل العالم إلى مكان واحد، يتسم بدرجات من الاعتماد الحضاري والمجتمعي المتبادل، ومن الوعي بمشكلاته؛ بما يعني أنها ليست مجرد الانكماش الموضوعي للعالم على صعيدي الزمان والمكان، وإنما بالأساس وعي وإحساس الأفراد في كل مكان بأن العالم يتقلص ويتقارب.
ولعل الجدير بالذكر الإشارة إلى أن العولمة كواقع ملموس، تنامت مع توسع الرأسمالية وانطلاقها خارج حدود أسواقها الوطنية في أوروبا، إلى المستعمرات وأشباهها، ثم في العالم الثالث عقب الاستقلال السياسي. وقد ازدادت مظاهر تبلورها واكتسابها أهم ملامحها الحالية، مع اتساع نفوذ الشركات متعددة الجنسيات وسيطرتها، وتنوع وتطور آليات بالغة التقدم، في حين استخدمتها هذه الشركات في سبيل السيطرة على الأسواق العالمية، أسواق المال والنقد والاستثمار والأسهم والسندات والتجارة والإعلام والإعلان والدعاية والإنتاج الفني.
وترتيباً على ذلك، فقد وضع ثومبسون Thompson الشركات متعددة الجنسيات في موقع القلب من عملية العولمة، ويصفها بأنها المثال الحر لرأس المال العالمي.
وفي ضوء ذلك يمكن تعريف العولمة في هذا السياق بأنها: "عملية الاندماج في إطار السوق الرأسمالي العالمي، وإذابة الحدود والموانع بين الدول، عبر حرية التجارة وتدفق رؤوس الأموال وانتقال التكنولوجيا، وانتشار شبكات الاتصال والهيمنة الثقافية، على نحو يؤدي إلى سهولة حركة الناس والمعلومات والسلع والأموال بين الدول، على النطاق الكوني".
وبهذا المعنى جرى الترويج لمنظومة اقتصادية واجتماعية وثقافية وسياسية وتكنولوجية متكاملة، يتبعها العالم متجاوزة الحدود الدولية والخصوصيات الثقافية، بالتزامن مع بروز مستجدات اقتصادية وظواهر سياسية وتطورات تكنولوجية، دفعت كلها في اتجاه ترابط العالم وتشابكه. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:45 pm | |
| المواطنة
Citizenship
يُقصد بالمواطنة في اللغة الفرنسية، المساهمة في حكم دولة ما، على نحو مباشر أو غير مباشر. ومن ثم، فإن مصطلح "المواطنة" يعني الفرد الذي يتمتع بعضوية بلد ما، ويستحق بذلك ما ترتبه تلك العضوية من امتيازات. وفي معناها السياسي، تُشير المواطنة إلى الحقوق التي تكفلها الدولة لمن يحمل جنسيتها، والالتزامات التي تفرضها عليه؛ أو قد تعني مشاركة الفرد في أمور وطنه، ما يشعره بالانتماء إليه. ومن المنظور الاقتصادي الاجتماعي، يُقصد بالمواطنة إشباع الحاجات الأساسية للأفراد، بحيث لا تشغلهم هموم الذات عن أمور الصالح العام، وفضلاً عن التفاف الناس حول مصالح وغايات مشتركة، بما يؤسس للتعاون والتكامل والعمل الجماعي المشترك. ومن ثم تتكون المواطنة من ثلاثة عناصر أساسية، هي:
1. العنصر المدني: ويتضمن الحرية الفردية، وحرية التعبير والاعتقاد والإيمان، وحق التملك، والحق في العدالة، وتحقيق العنصر المدني في المواطنة في المؤسسات القضائية.
2. العنصر السياسي: ويعني الحق في المشاركة في الحياة السياسية بوصف المواطن عنصراً فاعلاً في السلطة السياسية، من خلال البرلمان.
3. العنصر الاجتماعي: ويعني تمتع المواطن بخدمات الرفاهية الاجتماعية وإشباع حقوقه الاقتصادية، والتي تتضمن التعليم، وحسن الرعاية الصحية، على سبيل المثال لا الحصر.
ولهذا يُقال عن كل كائن بشري أنه يتمتع بالمواطنة، إذا كان يتمتع بخصائص اجتماعية معينة، لها معناها السياسي المعتد به قانوناً، مثل الحقوق والواجبات، والالتزامات، والحرية في اتخاذ القرارات، التي تمثل شأناً يتصل بمصلحته الخاصة، وفي المشاركة في المصالح العامة، وكذلك المشاركة في المجتمع المدني. ويُصطلح على تسمية هذه المواطنة "بالمواطنة الأساسية أو الفعلية"، وذلك في مقابل التمتع بالمواطنة الرسمية، وهو المصطلح الذي أصبح من المعتاد في هذا العصر أن يقتصر معناه على كون الفرد عضواً في دولة قومية.
ويقتضي تمتع الفرد بالمواطنة في معناها الأول، أن يشكل هذا الفرد جزءاً من كيان سياسي اجتماعي، وأن تلك الحقوق والواجبات وغيرها من الأمور، التي من حق الفرد، أن يحوزها في صورتها الحسية الملموسة Concrete، وكذلك في صورتها المعنوية، استناداً إلى كونه عضواً في هذا الكيان.
ولا تكون صفة المواطنة إلا لمن يكون ــ طبقاً للدستور والقانون ــ له الحق في المشاركة في حكم بلاده، من خلال مؤسسات الحكم السياسية والقانونية والدستورية. أما الأفراد المقيمون على أرضٍ ويُجبرون على الانصياع للأوامر الصادرة إليهم دون أن يسهموا، بشكل ما، في إعدادها أو إصدارها، مثل الأجانب، مع إمكانية تمتعهم بالحقوق المدنية، فهذه الفئة لا يعدون مواطنين، أي أعضاء أصلاً في الجماعة السياسية يسهمون في توجيه حياتها. ويعد وعي الإنسان بأنه مواطن أصيل في بلاده وعي أصيل بالمواطنة وبأنه ليس فقط مُقيماً يخضع لنظام معين، دون أن يشارك في صنع القرارات داخل هذا النظام.
يُعد هذا الوعي بالمواطنة نقطة البدء الأساسية في تشكيل نظرة الفرد إلى نفسه، وإلى بلاده، وإلى شركائه في صفة المواطنة. وعلى أساس هذه المشاركة يكون الانتماء إلى الوطن. ومن خلال المشاركة تأتي المساواة؛ فلكل مواطن الحقوق نفسها وعليه الواجبات ذاتها. فلصفة المواطن ثلاثة أركان: الانتماء للأرض، والمشاركة، والمساواة أي الندية.
ومن ثم يأتي جهد الشخص في إطار الجماعة السياسية لممارسة صفة المواطنة، والتمسك بها، والدفاع عنها؛ وحينما تنجح الجماعة في استخلاص حقوق الوطن والمواطن، تظهر اللحظة الدستورية؛ فتتحول الأرض إلى وطن، والإنسان، الذي يحيا عليها ويشارك في صياغة حياتها، إلى مواطن.
وعلى ذلك فالوطن هو ما يؤسس فكرة المواطن، وثم من بعدها فكرة المواطنة. فالمواطنة في حقيقته التامة ــ الجماعة الوطنية التي تستكمل التعبير عن شخصيتها وإرادتها بالدولة الواحدة المستقلة. والمواطن في حقيقته التامة هو الفرد بوصفه عضواً بالفعل في دولة وطنية. وهنا يجب التمييز بين الوطنية والمواطنة:
الوطنية
ظاهرة نفسية اجتماعية مركبة، قوامها حُب الوطن أرضاً وأهلاً، والسعي إلى خدمة مصالحه. أو بعبارة أخرى: ظاهرة نفسية فردية وجماعية، تدور على التعلق بالجماعة الوطنية وأرضها ومصلحتها وتراثها والاندماج في مصيرها.
المواطنة (المواطنية)
ظاهرة مركبة محورها الفرد، من حيث هو عضو مشارك في الجماعة الوطنية، وفي الدولة التي هي دولتها. وهذا الفرد وهو بهذه الصفة خاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات. وبعبارة أخرى: الوطنية والمواطنة وجهان متباينان من وجوه الارتباط بالجماعة الوطنية، ووجودها السياسي.
وفي الحقيقة حينما نتحدث عن المواطنة، كنظام حقوق وواجبات، فإننا نعني، في الوقت ذاته، حقوق المواطن وواجباته في الدولة، وواجباتها للمواطنين؛ فحقوق المواطنين هي واجبات على الدولة، وحقوق الدولة هي واجبات على المواطنين.
لذا، حدد مارشال TH. Marshall المواطنة بوصفها المكانة التي تيسر الحصول على الحقوق والقوى المرتبطة بها. وفي محاولة توضيح هذه الحقوق يرى أنها تتشكل من الحقوق المدنية، التي تضم حرية التعبير والمساواة أمام القانون، والحقوق السياسية، التي تشمل: الحق في التصويت والحق في الانضمام إلى أي تنظيمات سياسية مشروعة، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، التي تحتوي على الرفاهية الاقتصادية والأمان الاجتماعي.
شروط المواطنة ومقوماتها الأساسية
توجد بعض الشروط والمقومات الأساسية، التي لا غنى عنها في اكتمال وجود المواطنة، ويُشار إليها على النحو التالي:
1. يعد اكتمال نمو الدولة ذاتها بُعداً أساسياً من أبعاد نمو المواطنة، ويتحدد نمو الدولة بامتلاكها لثقافة تلك الدولة، التي تؤكد على المشاركة والمساواة أمام القانون. وعلى هذا النحو، فإن الدولة الاستبدادية لا تتيح الفرصة الكاملة لنمو المواطنة؛ لأنها تحرم قطاعاً كاملاً من البشر من حقهم في المشاركة، أو أن الدولة ذاتها قد تسقط فريسة حُكم القلة التي تسيطر على الموارد الرئيسية للمجتمع، ومن ثم تحرم بقية الأفراد من حقوقهم في المشاركة، أو الحصول على نصيبهم من الموارد. الأمر هذا يدفعهم، بداهة، إلى التخلي عن القيام بواجباتهم والتزاماتهم الأساسية، وهو ما يعني تقلص مواطنتهم بسبب عدم حصول المواطن على جملة الحقوق والالتزامات الأساسية، التي ينبغي أن تتوافر له. وهذا يوضح أن ثمة رابطة عضوية بين اكتمال نمو الدولة واقترابها من النموذج المثالي للدولة الحديثة، والمجتمع القوي المتماسك، وبين اكتمال المواطنة في مستوياتها غير الناقصة.
2. المقوم الثاني للمواطنة هو ارتباط المواطنة بالديموقراطية، وذلك بوصف أن الديموقراطية هي الحاضنة الأولى لمبدأ المواطنة. وفي هذا الإطار تعني الديموقراطية التأكيد على لا مركزية القرار، في مقابل اختزال مركزية الجماعة. كما تعني أن الشعب هو مصدر السلطات، إضافة إلى التأكيد على مبدأ المساواة السياسية والقانونية بين المواطنين، بصرف النظر عن الدين أو العُرف أو المذهب أو الجنس. وحتى تكون المواطنة فعالة، فمن الضروري أن يتوافر لها قدر من الوعي المستند إلى إمكانية الحصول على المعلومات من مصادرها المختلفة، بحيث تُصبح هذه المعرفة قاعدة القدرة على تحمل المسؤولية، كما تشكل أساس القدرة على المشاركة والمساءلة.
3. يتحدد المقوم الثالث للمواطنة في أنها تستند إلى تمتع المواطنين، بكافة الحقوق السياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وهذا يعني قيام عقد اجتماعي يؤكد على أن المواطنة في الأمة، هي مصدر كل الحقوق والواجبات، وأيضاً مصدراً لرفض أي تحيز فيما يتعلق بالحقوق والواجبات وفق أي معيار، سواء الجنس أو الدين أو العرق أو الثروة أو اللغة أو الثقافة. في نطاق ذلك، فإنه من الضروري تأكيد التلازم بين الحقوق والواجبات القانونية والسياسية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وذلك حتى تتحقق الديموقراطية الكاملة. وفي هذا الإطار يتطلب التأكيد على المواطنة التأكيد على المساواة والعدل الاجتماعي، فيما يتعلق بتوزيع الفرص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وبطبيعة الحال السياسية.
4. يُعد الفرد البالغ العاقل أحد المكونات الأساسية للمواطنة، وذلك بوصف أن هذا الفرد يخضع لعملية التنشئة الاجتماعية والثقافية والسياسية، التي تقوم بها مؤسسات المجتمع المختلفة، بإشراف الدولة وسيطرتها. وتساعد عملية التنشئة ــ في حالة اكتمالها ــ الفرد على أن يستوعب أهداف الجماعة وتراثها، ويعبّر عن مصالحها، ويتعايش مع الجماعة، دون أن يذوب في إطارها.
5. يُعد إشباع الحاجات الأساسية للبشر، في أبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية، أحد المقومات الرئيسية للمواطنة. وفي هذا الإطار تواجه المواطنة أزمة إذا تخلت الدولة عن القيام بالتزاماتها المتعلقة بتهيئة البيئة الملائمة لتحقيق الرفاهية الاجتماعية والاقتصادية للبشر. ومن الطبيعي أن يؤدي عدم إشباع الحاجات الأساسية للبشر إلى ظواهر عديدة، تُشير في مجملها إلى تآكل الإحساس بالمواطنة. وتبدأ هذه الظواهر بالانسحاب من القيام بالواجبات، مادامت الحقوق قد تآكلت مروراً بعدم الإسهام أو المشاركة الفعالة على كافة الأصعدة، وحتى الهروب من المجتمع، والبحث عن مواطنة جديدة، أو التمرد على الدولة والخروج عليها، والاحتماء بجماعات وسيطة، أو أقل من الدولة. وتؤدي كل هذه الظواهر إلى تآكل المواطنة، بسبب تآكل إشباع الحاجات الأساسية. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:45 pm | |
| مجتمع المعرفة
Knowledge Society
مجتمع المعرفة هو مفهوم صاغه روبرت لان R. Lane، ليُشير به إلى المجتمع المدني الذي يزداد فيه الاعتماد على المعرفة وأدوات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، والتطوير في مجال البحث العلمي، وتنمية وتوجيه أجزاء ضخمة من موارد المجتمع، نحو الاستثمار في مجال المعلوماتية، وهو مجتمع يقوم على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي، وهو المرحلة التالية لما يُسمى بمجتمع المعلومات.
وقد أدت النقلة الخاصة بمعرفة عصر المعلومات، إلى تغيرات جذرية في الدورة الكاملة لاكتساب المعرفة، والتي تشمل المهام الرئيسية التالية:
1. النفاذ إلى مصادر المعرفة.
2. استيعاب المعرفة وتبادلها.
3. توظيف المعرفة واستثمارها.
4. توليد المعرفة الجديدة وإعادة إنتاجها.
5. إهلاك المعرفة المتقادمة، وإحلال المعرفة الجديدة بدلاً منها.
ازدادت أهمية ثقافة المعرفة في ظل الثورة التقنية الكبيرة، التي تشهدها المجتمعات البشرية في الوقت الراهن. وتأسيساً على ذلك فإن مجتمع المعرفة يتوافق مع عصر المعلومات، الذي نعيشه اليوم، ونجد فيه أن المعلومات سلعة يتم تبادلها، في العادة، وإنتاجها أو تعبئتها بأشكال يُتفق عليها. ومن ثم يمكن الاستفادة منها تحت ظروف معينة في التعليم والإعلام، أو توافر مصدر مفيد وثري، لاتخاذ قرارات مهمة في مجالات معينة.
وتتسم المعلومات في مجتمع المعرفة بمجموعة من الخصائص، التي تمنحها أهميتها القصوى على مستوى المجتمع المعاصر، الذي لا غنى عن المعلومات في تسييره بكافة المجالات. ولعل أهم تلك الخصائص التي يمكن الإشارة إليها ما يلي:
1. السيولة: فالمعلومات ذات قدرة هائلة على التشكل؛ فيمكن تشكيلها في صورة قوائم أو أشكال بيانية أو رسوم متحركة.
2. قابلية نقلها عبر مسارات محددة، أو بثها على المشاع لمن يرغب في استقبالها.
3. قابلية الاندماج العالية للعناصر المعلوماتية، فيمكن بسهولة ضم عدة قوائم في قائمة، أو تكوين نص جديد من فقرات سابقة.
4. تتميز المعلومات بالوفرة، ولذا يسعى منتجوها إلى وضع قيود على انسيابها لخلق نوع من (الندرة المصطنعة)، حتى تصبح المعلومات سلعة تخضع لقوانين العرض والطلب، ولذا ظهر للمعلومات أغنياؤها وفقراؤها وسماسرتها.
5. لا تتأثر موارد المعلومات بالاستهلاك، بل تنمو، عادة، مع زيادة استهلاكها.
6. سهولة النسخ للمعلومات.
7. إمكانية استنتاج معلومات صحيحة من معلومات غير صحيحة، من خلال تتبع مسارات عدم الاتساق والتعويض عن نقص المعلومات غير المكتملة، وتخليصها من التشوش.
وهكذا يتضح من خصائص المعلومات في مجتمع المعرفة، أنها المحرك الرئيسي للحياة الاجتماعية المعاصرة التي تسيرها مجموعة من آليات العولمة، وتكاد تتحكم في شتى مساراتها. كما أن المعرفة ذات قوة دفع ذاتي لتوليد معرفة جديدة، سواء بدافع الحاجة لحل إشكاليات عجزت المعرفة القائمة عن حلها، أو حتى بغير هذا الدافع. فما أكثر ما ظهرت معارف جديدة، لم تتضح قيمتها في حينها، وظهرت الحاجة إلى تطبيقها فيما بعد. وستظل المعرفة تتعطش إلى مزيد من المعرفة، وسنظل دوماً في حاجة إلى ذلك، لحل مشكلاتنا الاجتماعية والاقتصادية والنفسية والبيئية. من هنا جاءت أهمية المعرفة للأسباب التالية:
· المعرفة غير العلمية، وفض الخلاف بين الدين والنظريات العلمية.
· المعرفة مدخل لتأصيل الخطاب التنموي، وتوسيع آفاق الرؤى لعملية الإصلاح السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وذلك من منظور إقامة مجتمع المعرفة.
· المعرفة وسيلة إلى تسريع حركة التنمية حتى يمكن من خلالها استحداث بدائل مبتكرة لتعويض التخلف.
· المعرفة أداة لتطويق عدم الشفافية وهتك أسرار التضليل الإعلامي.
· المعرفة وسيلة لترشيد التوجيه الفكري، الذي ينادي ببناء صروح معرفية خاصة بمجتمعاتنا والاتجاه نحو الاستفادة من المعارف، التي وصلت إليها الحضارة الإنسانية.
إن مجتمع المعرفة مفهوم يتجاوب مع ما حدث للمعرفة من توسع وانتشار في كل مكان. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم كان مستخدماً منذ سبعينيات القرن العشرين، إلا أنه حظى بشعبية ورواج، وينتشر استعماله في وقتنا هذا في مجال السياسة الاجتماعية والسياسية. وقد أدى النمو المتسارع والمستدام لوسائل الإعلام، وتوافر التعليم والإقبال عليه، بجانب نمو تكنولوجيات الاتصالات وشبكة المعلومات العنكبوتية. كل ذلك دفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأن هذا الانفجار المعلوماتي، الناشئ يميز حقبة زمنية جديدة؛ فمجتمع المعرفة هو مجتمع تكون فيه المعلومات هي السمة المحددة.
وفي مجتمع المعرفة تلعب المعرفة دوراً حاسماً ومتعاظماً في تشكيل بناها المجتمعية، وأدائها في مجالات الاقتصاد والمجتمع المدني والسياسي. وفي حياة أفراد هذا المجتمع يزداد المدخل المعرفي، ويتعاظم في الحياة اليومية، بشكل عام، وفي مجال العمل، بشكل خاص. ويزداد عدد العاملين في منظومة المعرفة ونصيبهم في قوة العمل، وترتفع نسبة وقت العمل المخصصة للنشاطات المعتمدة على كثافة المعرفة. وعلى ذلك، فإن مجتمع المعرفة يُزاد الاعتماد فيه على المعرفة وأدوات تكنولوجيا الاتصال والمعلومات، ويترافق مع ذلك تطوير في مجال البحث العلمي، وتنمية وتوجيه أجزاء مقدرة من موارد المجتمع، نحو الاستثمار في مجال المعلوماتية، أو تكنولوجيا الاتصال والمعلومات.
وبمفهوم الاقتصاد، فإن مجتمع المعرفة يعني تأسيس إنتاج المعرفة، عوضاً عن هيمنة نمط الإنتاج الريعي، الذي تشتق القيمة الاقتصادية فيه أساساً من استنضاب المواد الخام، القائم الآن في أغلب البلدان العربية النفطية، أو اشتقاقها من غيرها، نتيجة للاعتماد على المعونات وتحويلات المغتربين في الدول النفطية أو غيرها. وعلى وجه الخصوص تتعدد في مجتمع المعرفة المؤسسات المجتمعية، التي تنتمي إلى منظومة المعرفة نشراً وإنتاجاً، وتتناغم ضمن مجتمعات المعرفة سياقاً مجتمعياً مواتياً لنشاط منظومة المعرفة، يتأسس فيها ما يمكن أن يسمى "بثقافة المعرفة"؛ شاملة قيمة الحفز على اكتساب المعرفة وتوظيفها، وسُبلاً فعالة لإثابة نشر المعرفة وإنتاجها.
أبعاد مجتمع المعرفة
يتسم مجتمع المعلومات بأبعاد مختلفة، تُشكل في مجملها العوامل الرئيسية المؤثرة في كافة الأنشطة داخل المجتمعات الإنسانية، والتي يمكن الإشارة إليها فيما يلي:
1. البُعد الاقتصادي
تعد المعلومة في مجتمع المعرفة السلعة أو الخدمة الرئيسية والمصدر الأساسي للقيمة المضافة، وخلق فرص العمل، وترشيد الاقتصاد. وهذا يعني أن المجتمع الذي ينتج المعلومة ويستخدمها في مختلف شرايين اقتصاده ونشاطاته، هو المجتمع الذي يستطيع أن ينافس ويفرض نفسه.
2. البُعد التكنولوجي
يعني مجتمع المعرفة انتشار وسيادة تكنولوجيا المعلومات وتطبيقها، في مختلف مجالات الحياة، في المصنع والحقل والمدرسة والمكتب والمنزل... إلخ. وهذا يعني ضرورة الاهتمام بالوسائط الإعلامية والمعلوماتية وتكييفها وتطويعها، حسب الظروف الموضوعية لكل مجتمع فيما يتعلق بالبرمجيات. كما يعني البُعد التكنولوجي لثورة المعلومات توافر البنية اللازمة من وسائل اتصال وتكنولوجيا الاتصالات، وجعلها في متناول الجميع.
3. البُعد الاجتماعي
يعني مجتمع المعرفة سيادة درجة معينة من الثقافة المعلوماتية في المجتمع، وزيادة مستوى الوعي بتكنولوجيا المعلومات، وأهمية المعلومة ودورها في الحياة اليومية للإنسان. والمجتمع هنا مطالب بإيجاد الوسائط والمعلومات الضرورية، من حيث الكم والكيف ومعدل التجدد وسرعة التطوير للفرد.
4. البُعد الثقافي
يعني مجتمع المعرفة إعطاء أهمية مقدرة للمعلومة والمعرفة، والاهتمام بالقدرات الإبداعية للأفراد، وتحقيق حرية التفكير والإبداع والعدالة، في توزيع العلم والمعرفة والخدمات بين الطبقات المختلفة في المجتمع. كما يعني نشر الوعي والثقافة في الحياة اليومية للفرد والمؤسسة والمجتمع ككل.
5. البُعد السياسي
يعني مجتمع المعرفة إشراك الجماهير في اتخاذ القرارات، بطريقة رشيدة، وعقلانية مبنية على استعمال المعلومة. وهذا بطبيعة الحال لا يحدث إلا بتحقيق حرية تداول المعلومات وتوافر مناخ سياسي مبني على الديموقراطية والعدالة والمساواة، وإشراك الجماهير في عملية اتخاذ القرارات، والمشاركة السياسية الفعالة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:46 pm | |
| الليبرالية
أصبح مصطلح الليبرالية، كمفهوم سياسي، مستقراً خلال الربع الأول من القرن التاسع عشر. ويرجع المصطلح إلى تقليد سياسي كان يمثله جون لوك Lock، وهو يشير إلى حركات أو أحزاب سياسية تدعو للحرية، في إطار التصور الفردي individualism. وتدعو الليبرالية، بالتحديد، إلى إقامة أنظمة دستورية تضمن لرعاياها بطريقة شرعية مختلف الحقوق والحريات، مثل سلامة الشخص والممتلكات (فلا حرمان من الحياة أو الحرية أو الملكية دون قانون) ، والوضع القانوني (حق اللجوء إلى محاكم القانون)، وحرية الرأي والتجمعات والصحافة. وتخول الليبرالية للدولة فقط مهمة القيام بوظائف حماية الجباه وأعضاء الإنسان والممتلكات، وتترك للأفراد أن يفعلوا ما يشاءون مما لا يحول دونه القانون.
ومن ثم فمبادئ الليبرالية، كانت ومازالت، تتمثل في الآتي:
1. الإيمان بالقيمة العليا للفرد وحريته وحقوقه.
2. الاعتقاد في النزعة الفردية بصورتها الميتافيزيقية.
3. الإيمان بأن للفرد حقوقاً طبيعية مستقلة عن الحكومة، وعلى الحكومة أن تحمي هذه الحقوق، ضد الاعتداء من الآخرين، وأيضاً من ذاتها.
4. الاعتراف بالقيمة العليا للحرية، أو القدرة على تأمين ما يحققها للفرد؛ فمن واجب الحكومة منح الحرية لكل مواطن.
وهنا يُثار تساؤل مهم: هل يمكن تصور النزعة الفردية لمفهوم الليبرالية، دون وجود النزعة الجماعية لها؟
في الواقع، أن ثمة تماس لا بد وأن يحدث مع النزعة الجماعية، عند الحديث عن النزعة الفردية، ليس بوصفهما متضادين ولكن بوصفهما كلمتين متضايفين، يلزم كل منهما الآخر. فعند الحديث عن الخاص يطرح العام، ويدفعك ما هو فردي إلى ما هو جماعي.
ويرى توماس هل جرين، أحد الليبراليين الذين اهتموا بهذه القضية وتوضيح كيفية قيام علاقة بين الاثنين، أن الشخصية الفردية تتحقق من خلال الدور المهم، الذي تلعبه في حياة المجتمع. وقد عرّف جرين الحرية بوصفها القدرة الإيجابية على الفعل، أو التمتع بشيء ما له قيمة أكبر من كونه فقط فعل أو متعة، وكذلك مشاركة الآخرين لنا في هذا الشيء، الذي نفعله أو نتمتع به. كذلك أدرك جرين أن الليبرالية المبكرة لم تفهم بالقدر الكافي طبيعة البشر الاجتماعية، أو أنها لم تعط انتباهاً لهذا الأمر. فنظرية لوك عن الحقوق الطبيعية للإنسان، لم توضح تطور الإنسان مقترناً بالمجتمع، كذلك جاء اقتران الحرية بالملكية الخاصة، لدى الليبرالية المبكرة، دون اعتبار اجتماعي، أي ملكية الفرد من خلال مجتمع يشجع هذه الملكية، دافعاً للفصل بين مفهوم الحرية الليبرالية، والحرية في نطاقها الاجتماعي الأشمل.
لكن الفرد عند المفكرين الليبراليين له الأسبقية على كافة الاهتمامات السياسية الأخرى، أي أن الحرية الفردية لها الأولوية على كافة القيم الأخرى، كقيمة المساواة مثلاً. وهذا يبدو واضحاً في كتاب جون ستيوارت ميل، بعنوان "الحرية". ويتمثل الهدف الذي يرمي إليه ميل في استكشاف طبيعة القوة وحدودها، التي يمكن للمجتمع أن يمارسها على الفرد بصورة شرعية، في سياق الصراع الاجتماعي بين الحرية والسلطة.
ويرى ميل وجود توتر سياسي متأصل بين دائرة الحرية ودائرة السلطة، وبين توتر الحرية الفكرية للفرد والرأي الجمعي (والذي يظهر في أسوأ صورة في شكل طغيان الأغلبية)؛ فالفرد عند ميل كائن مستقل، له حق ملازم لهذا الاستقلال، وأن استقلاله هذا استقلال مطلق تماماً. ويظهر الفرد عدداً من القدرات (كالقدرة على التفكير والقدرة على الاختيار بين البدائل). ومع هذا فإن تصور ميل للشخصية الفردية والسلطة السياسية، يدل على تأكيده مفهوم معين للحياة الثقافية؛ فالثقافة الأكثر تقدمية يمكن عدّها مرادفاً للثقافة السياسية الليبرالية، وهي الثقافة التي ترعى الفرد بوصفه القيمة الأساسية الرئيسية، ومن ثم، فإن رعاية الاعتبارات الفردية واستحضارها يجب أن يتم داخل الحدود التي تفرضها حقوق الآخرين، ومن ثم تعني حرية الفرد في التصرف وفقاً لرغباته؛ ولكن بشرط ألا ينتهك حريات الآخرين في تصرفاته.
أما المضمون الآخر لليبرالية، فهو مفهوم الحرية في الديموقراطية، حيث تُعد الديموقراطية نظاماً ليبرالياً في محتواها. كما أنها تجسيد واقعي لإمكانية ممارسة الحرية السياسية، وفقاً لقواعد التطبيق الليبرالي للحرية؛ فالديموقراطية هي صوتك الذي يمنحك حريتك. ويوجد معنيان رئيسيان للديموقراطية:
· الأول: حُكم الأغلبية، وأن للأغلبية السيادة والحكم النهائي فيما يتصل بالصواب سياسياً. وقد نما هذا المفهوم على يد روسو.
· الثاني: وهو معنى أوسع، وحدّد بتعاليم جون لوك حول الحرية الفكرية.
وبهذا المعنى تتطابق الديموقراطية مع الليبرالية، ومن ثم فإن الحكم العادل هو الحكم المحدود للسلطة. وعلى الرغم من أن الديموقراطية تظل الأمل المنشود للجماهير، تحت وطأة الحكم المُستبد، إلا أنها تحمل في طياتها إمكانات التلاعب بهذه الجماهير وفرض الهيمنة عليها، وبأسلوب ديموقراطي أيضاً. ومع ارتباط الديموقراطية بالمبادئ الليبرالية، صارت الأساليب الملتوية واحدة مع الاحتفاظ بلافتة ثابتة، دون مساس بحرية العمل وحق التصويت، وحرية التعبير، وحرية الرأي، والتسامح... إلخ.
فالديموقراطية في صورها المُثلى نفي لكل امتياز أو انحياز لفرد أو لطبقة أو جماعة؛ ولكنها تفصح واقعياً عن تلك الممارسات الليبرالية المطوعة لخدمة مصالح معينة لذوي الامتيازات.
ولكن في إطار أن الديموقراطية الليبرالية هي مجال التطبيق الليبرالي، فإنه لا يمكن تصور الليبرالية الديموقراطية، دون توضيح العلاقة بين المبدأ الليبرالي للحرية، كأساس نظري، والديموقراطية، كمجال تطبيقي لمفهوم الحرية الليبرالية.
وعلى هذا، فقد جاء الالتقاء بين الليبرالية والديموقراطية من خلال ثغرة المساواة، ومن خلالها استطاع كل منهما أن ينفذ إلى الآخر؛ لكن يظل البرنامج الديموقراطي كقيمة أساسية (مع الحرية والمساواة) في التقليد الليبرالي، كسد منيع ضد تدخل الدولة، بسبب أن اقتصاد السوق القائم على المنافسة، والذي يمثل الروح الليبرالية الخالصة، ليس لديه تصور معين عن المساواة، ومع ذلك ظلت المساواة شعاراً ترفعه الديموقراطية، على الرغم من كل السوءات، إذ يحمل هذا النهج الديموقراطي تناقضه الداخلي عند الممارسة. ويبدو الأمر أكثر وضوحاً لليبرالية، في إيمانها بقيمة المساواة. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:47 pm | |
| حقوق الإنسان
Human Rights
أصبح مفهوم "حقوق الإنسان" من المفاهيم شائعة الاستخدام، في الأدبيات السياسية والاجتماعية والقانونية الحديثة، وفي الخطاب السياسي المعاصر، وإن كانت الكتابات العربية، التي استخدمت هذا المفهوم، لم تهتم بتأصيله؛ بل أصبح، من شدة استخدامه وشيوعه، يُستعمل دون تمحيص وكأنه لا مجال لمراجعته. لذا، فمن المهم قراءة المفهوم في أصوله، ومقارنته بوضع الإنسان وحقوقه وواجباته.
ومفهوم "حقوق الإنسان" لغوياً مشتق من مفرده "حق"، التي تعني العدل والصواب، ونقيض الباطل والظلم. وحق الأمر حقوقاً، صح وثبت وصدق.
ويعني مفهوم الحق اصطلاحاً: الحكم المطابق للواقع، ويُطلق على الأقوال والعقائد والأديان، والمذاهب، بوصف اشتمالها على ذلك، ويقابله الكذب. وقد يفْرق بينهما أن المطابقة ترى الحق من جانب الواقع، وفي الصدق من جانب الحكم؛ فمعنى "صدق الحكم" مطابقته للواقع، ومعنى حقيقته مطابقة الواقع إياه.
وترجع فكرة الحقوق إلى مراحل تاريخية قديمة، وإن كان التصور الغربي المعاصر للحقوق يمكن إرجاعه إلى وثيقة الماجنا كارتا الإنجليزية، مروراً بإعلان الاستقلال والدستور في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتهاءً بالإعلان الفرنسي لحقوق الإنسان والمواطن، إلى أن اهتمت بها الهيئات الدولية، من خلال ما أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة، في العاشر من ديسمبر 1948، بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
وتضمن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الحق في الحياة والحرية والأمن، وأن يُنظر للإنسان، في أي مكان، بوصفه إنساناً أمام القانون، له الحق في حرية الحركة والتنقل، والحق في أن تكون له جنسية، وحرية الفكر والضمير والاعتقاد، وحرية الارتباطات والتجمعات السلمية، وحرية المشاركة في إدارة مجتمعه.
أما في مجال علم الاجتماع، فيُنظر إلى الحقوق بوصفها تنبع من مجتمعات بعينها؛ فهي إبداعات اجتماعية تلعب دوراً مهما ونضالياً في الحياة السياسية. ويمكن التمييز بين اتجاهين فيما يتعلق بتعريف الحق، وهما:
· الاتجاه الأول: يذهب إلى تعريف الحق بأنه قدرة أو سلطة إرادية، يخولها القانون لشخص معين ويرسم حدودها، أي أن هذه الإرادة هي معيار وجود الحق؛ فإن الحق، إذاً، صفة تلحق بالشخص، فيصبح قادراً على القيام بأعمال معينة، تحقق له، في الغالب، مصلحة يريدها.
· الاتجاه الثاني: يذهب أصحابه إلى تعريف الحق على أنه مصلحة يحميها القانون. وهذه المصلحة قد تكون مادية (كحق الملكية) ، وقد تكون مصلحة معنوية (كالحقوق الشخصية كالحق في الحرية).
يرتكز مفهوم حقوق الإنسان على ثلاثة محاور أساسية؛ أولها، المنتفع بالحقوق وهو الإنسان، وثانيهما نوع الحقوق، وثالثهما حماية الحقوق. ويمكن توضيح ذلك على النحو التالي:
1. أن المنتفع بالحقوق هو الإنسان الذي يختلف عن الفرد؛ لأن كلمة (الفرد) تجعل من الشخص مجرد ذات جسدية، في حين أن كلمة (إنسان) تنطوي على الجسد والفكر والكرامة.
2. نوع الحقوق، يمكن القول إن هناك اختلافاً حول أهمية حقوق الإنسان وأنماطها، تبعاً للتوجهات الأيديولوجية للدول؛ فمثلاً تركز الدول الغربية على الحقوق السياسية والمدنية، مثل حق التعبير والانتخاب والحرية والمساواة، في حين كان هناك تركيز من جانب الدول ذات التوجه الاشتراكي، على الحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وخاصة تلك التي تطالب بإشباع الحاجات الأساسية للإنسان، كالمأكل والملبس والمسكن والرعاية الصحية وحق العمل والتعليم، وعدت هذه الحقوق هي الأولى بالرعاية والاهتمام؛ لأنه من دون إشباع تلك الحاجات الأساسية للإنسان، فإن معظم الحقوق السياسية والمدنية تتحول إلى شعارات بلا مضمون.
3. يُشير مفهوم حقوق الإنسان إلى ضرورة تنظيم المجتمع لتلك الحقوق الطبيعية، بوضع التشريعات والقوانين، التي تحمي الحقوق من أخطار الانتهاكات، التي يمكن أن تتعرض لها.
وعلى هذا صاغ رينيه كاسان مفهوماً محدداً لحقوق الإنسان، بوصفها: "فرع من فروع العلوم الاجتماعية يختص بدراسة العلاقات بين الناس، استناداً إلى كرامة الإنسان"، ويضع رينيه مجموعة أساسية من القواعد لمفهوم حقوق الإنسان، وهي:
· حقوق الإنسان بمثابة علم اجتماعي Social Science.
· أساس هذا العلم هو الكرامة الإنسانية Human dignity.
· موضوع هذا العلم هو الحقوق، التي تحقق هذه الكرامة.
أي أن حقوق الإنسان علم خاص بالإنسان، هدفه تحقيق طموحات الإنسان وحماية كرامته.
والجدير بالذكر أن حقوق الإنسان لا يُقصد بها تلك المعاني المبهمة، عن الخير والفضيلة والعدل التي تشيع لدى العامة؛ وإنما حقوق الإنسان هي تلك القواعد ذات المحتوى القانوني والدستوري، والتي لها انعكاسات فعلية على حياة الأفراد والشعوب، والمتضمنة في الوثائق الدولية، التي التزمت بها الدولة، وفي نصوص الدستور بوصفه الوثيقة القانونية الكبرى، التي تحدد حقوق المواطنين وواجباتهم. ووفقاً لذلك تُصنف هذه الحقوق إلى:
1. حقوق الإنسان لا بد أن تُحترم فوراً وعلى الدوام، ولا يُقبل من المجتمع أو الدولة الحيدة عنها، وهي الحقوق اللصيقة بالشخصية الإنسانية وبدونها لا تستقيم هذه الشخصية.
2. الحقوق الأخرى المرتبطة بالشخصية الإنسانية، والتي تترك للمشرع الداخلي أن يقيد ممارساتها في ظروف معينة ومؤقتة، مثل حرية الرأي والتعبير والاعتقاد والاجتماع والتنقل، والحق في الخصوصية، والحق في المشاركة السياسية وإدارة الشؤون العامة، وغير ذلك من الحقوق.
3. الحقوق المرتبطة بالمجتمعات الإنسانية، بوصفها إرشادات للسلوك العام، ومُثلاً ونماذج عُليا على المجتمع أن يحتذيها في حركته إلى الأمام، مثل الحق في التعليم المجاني، وحق المشاركة في الحياة الثقافية، وحق التمتع بفوائد التقدم العلمي وتطبيقاته، والحق في مستوى مناسب لمعيشة الفرد وأسرته، وحق الأسرة في دعم المجتمع لها، والحق في شروط عمل عادلة... إلخ.
وبهذا فإن حقوق الإنسان، عدا الحقوق اللصيقة بشخصية الإنسان كحرمة جسده وحريته المادية وشرفه، ليست بالحقوق المطلقة؛ وإنما هي حقوق نسبية لا يُقاس تحققها بمعايير عامة مجردة من محددات الزمان والثقافة والمجتمع، وإنما يُقاس بموضعها من مُجمل قيم المجتمع وثقافته، ودرجة تطوره الاجتماعي.
الخصائص الأساسية لحقوق الإنسان
في ضوء الخبرات الدولية والوطنية المختلفة لتشريعات حقوق الإنسان ومواثيقها، يمكن القول بوجود سمات رئيسية لحقوق الإنسان، على النحو التالي:
1. المساواة وعدم التمييز؛ فهذه الحقوق مقررة للناس كافة من غير تفرقة بين ما هو وطني وأجنبي.
2. عالمية حقوق الإنسان؛ فحقوق الإنسان صادرة عن جهة دولية (منظمة الأمم المتحدة)، على الرغم من أن الأصل في حقوق الإنسان أنها مسألة داخلية تتعلق بسلطة الدولة؛ لكن مع تراجع دور الدولة في العديد من الوظائف التقليدية للحدود السياسية الدولية ــ بحيث لم تعد هذه الحدود تمثل حواجز فصل بين أقاليم الدول المختلفة ــ أخذ الاهتمام الدولي بحقوق الإنسان يتعاظم شيئاً فشيئاً. وقد ساعد على ذلك التقدم الكبير في أساليب الاتصال وانتقال المعلومات، وانتشار قيم الديموقراطية.
3. حقوق الإنسان ذات طبيعة كونية، وغير قابلة للتصرف فيها أو نزع ملكيتها من الأشخاص، في جميع أرجاء العالم، ولا يملك أي إنسان التنازل عنها، كما لا يمكن للآخرين أن يسلبوه إياها.
4. حقوق الإنسان غير قابلة للفصل أو التجزئة، لأنها متداخلة ومتشابكة. كما أنها غير مستقلة الواحدة عن الأخرى؛ لأنه لا يكفي احترام حق من حقوق الإنسان دون الآخر. وبناءً عليه يتعين النظر إلى كافة الحقوق بوصفها تحظى بالأهمية ذاتها، وبكونها تحتل المكانة نفسها لاحترام كرامة كل شخص وقدره.
5. أنها ذات طابع شمولي وغير استثنائي؛ فلا يجوز التهميش أو الاستثناء فيما يتعلق بنص معين، أو قاعدة ما، أو فيما يتعلق بالتمييز بين حقوق وأخرى، لفئة أو جماعة من البشر.
6. تتسم حقوق الإنسان بالموضوعية والحيدة؛ فهذه الحقوق موجهة إلى صفة البشر، رجل كان أم أنثى، سواء كان في ظل نظام قانوني معين، أو في إطار فئة أو أقلية أو شعب معين.
7. حقوق الإنسان لا يجوز الحجز عليها ولا تسقط بالتقادم.
8. تتسم حقوق الإنسان بالتنوع والتعدد الشكلي، فهي حقوق فردية وجماعية.
9. ترتبط حقوق الإنسان بالمرحلة التي تجتازها؛ فهذه الحقوق في البداية أخذت صفة العالمية، وثم في المرحلة الثانية الاهتمام بالحقوق الفردية، وتميزت المرحلة الثالثة بضرورة إلزام الدول وضمانها، والمرحلة الرابعة تميزت بوضع الآليات القانونية من أجل ضمان احترام هذه الحقوق. كما تميزت الخامسة والحالية بالحماية الجنائية لحقوق الإنسان، وإنشاء أجهزة دولية لمعاقبة منتهكي هذه الحقوق.
10. المشاركة والشمول، فلكل شخص حق المشاركة والتمتع بالتنمية المدنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، بفاعلية وحرية وكفاءة.
11. المحاسبية وسيادة القانون، حيث أصبحت الدول والمؤسسات مسؤولة من قِبل الجهات المعنية بمراقبة حقوق الإنسان. وعلى هذه الدول والمؤسسات الخضوع للمعايير والقواعد القانونية المتضمنة في مواثيق حقوق الإنسان. وفي حالة المخالفة، تتخذ الإجراءات المناسبة للانتصاف أمام المحكمة المختصة.
12. حقوق الإنسان ذات طبيعة دينامية ومتطورة ولها طبيعة حركية، حيث تطورت حقوق الإنسان من نطاق الاختصاص الداخلي للدولة، إلى حقوق أكثر اتساعاً تصطبغ بصبغة عالمية، كما تطورت من حيث أنواعها.
أنواع حقوق الإنسان وأنماطها
على الرغم من وجود تصنيفات مختلفة لحقوق الإنسان، إلا أن أكثرها شيوعاً وانتشاراً هو هذا التقسيم:
· حقوق مادية: هي تلك الحقوق المتعلقة بالاحتياجات المادية للإنسان في حياته اليومية، وتشمل حرية الإنسان الشخصية، وحق الملكية الخاصة، وحرية المسكن، وحرية العمل، وحرية التجارة والصناعة.
· حقوق معنوية: هي تلك الحقوق المتعلقة بالفكر الإنساني، مثل حرية العقيدة، وحرية الرأي والفكر، وحرية الاجتماع وتكوين الجمعيات، وحرية الصحافة، وحرية تقديم العرائض والشكاوى.
وعلى كلٍ يصعب الفصل بين ما هو مادي ومعنوي؛ فحرية الإنسان الشخصية، على سبيل المثال، تتطلب لتحقيقها حقوقاً معنوية، وبالتالي يفتقر التقسيم إلى التحديد والفصل الدقيق. |
|
| |
ابراهيم الشنطي Admin
عدد المساهمات : 75523 تاريخ التسجيل : 28/01/2013 العمر : 78 الموقع : الاردن
| موضوع: رد: " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 الجمعة 10 يونيو 2016, 3:48 pm | |
| الاغتراب
Alienation
يُعرف الاغتراب، بشكل عام، بوصفه إحساس الأفراد بالغربة عن بعضهم بعضاً، أو عن موقف، أو عملية معينة.
والاغتراب، كمفهوم فلسفي، يقترن، عادة، بالفكر الماركسي، ونجده مهيمن على كل كتابات ماركس؛ إلا أن المناقشات الاجتماعية للمفهوم ترتبط بقدر أكبر بما ذهب إليه، من أن الغربة إنما هي نتائج للبناءات الاجتماعية التي تقهر الناس، وتنكر عليهم جوهرهم الإنساني؛ فالاغتراب ظرف موضوعي متأصل في البناءات الاجتماعية والاقتصادية للرأسمالية.
وبهذا المعنى، فإن الأهمية المحورية للعمل المغترب هي التي تعبر بأكبر قدر من الوضوح عن مفهوم الاغتراب؛ فقوة العمل تحدد الإنسانية، والاغتراب هو الشكل المشوه، الذي يتخذه تحول الإنسان إلى شيء (موضوع) في ظل الرأسمالية. ففي النظام الرأسمالي تنتمي ثمار الإنتاج إلى صاحب العمل، الذي ينتزع الفائض المنتج بواسطة الآخرين، وهو بذلك يخلق العمل المغترب.
ويعزو ماركس أربع خصائص أساسية إلى هذا النوع من العمل:
· اغتراب العامل عن جوهر وجوده النوعي ككائن إنساني، وانحداره إلى الوجود الحيواني.
· اغتراب العمال عن بعضهم، حيث إن الرأسمالية تختزل العمل إلى سلعة، يتم تبادلها في سوق العمل بدلاً من كونه علاقة اجتماعية.
· اغتراب العامل عن نتاج عمله، الذي تنتزعه الطبقة الرأسمالية، وبذا يفقد العامل السيطرة عليه.
· وأخيراً، الاغتراب عن العملية الإنتاجية في حد ذاتها، إلى الحد الذي يُصبح العمل معه نشاطاً غير ذي معنى لا يزود العامل إلا بقدر ضئيل من الرضا الداخلي. ويولد هذا العنصر الأخير حالة ذهنية قابلة للتحديد ذاتياً تنطوي على مشاعر العجز والعزلة، وعدم الرضا عن العمل.
وعلى هذا، فالاغتراب في اللغة الاصطلاحية الماركسية، حالة يمكن التحقق منها موضوعياً، تكون متأصلة في العلاقات الاجتماعية النوعية للإنتاج الرأسمالي.
ومع هذا اتجه الباحثون إلى إهمال الاعتبارات البنائية، وحاولوا وضع تعريفات إجرائية للاغتراب، في ضوء عدد من الخصائص المعرفية والاتجاهية المحددة. فقد ذهب ميلفن سيمان في مقاله المعنون "حول معنى الاغتراب"، إلى القول بأن الحالة النفسية للاغتراب تشتمل على أبعاد فقدان القوة Powerless، وفقدان المعنى Meaningless، والعزلة Isolation، وعدم المعيارية Anomie، والغربة عن الذات.
وهذا ما يوضح اعتراف علماء الاجتماع، سواء كانوا ماركسيين أو غربيين، بوجود ظاهرة الاغتراب، وإن اختلفوا في تحديد أسبابه. فالاغتراب قد ينشأ عن الوعي بأوضاع اجتماعية معينة يرفضها العامل، ويشعر بالعجز أمامها؛ فهي، من جهة أخرى، منشطة للإنسان، لكي يجدد كيانه وتعبّر عن وعيه بالسلبيات، التي تحيط به. قد يأخذ الاغتراب شكلاً سلبياً يتمثل في سلوك سلبي، أو تمرد، أو هروب من النفس، بتعاطي المخدرات أو المسكرات أو التحلل الأخلاقي. وقد يأخذ أيضاً شكلاً إيجابياً، يتمثل في الدعوة إلى التجديد والابتكار، ما يستحدث أدوات جديدة أو أفكاراً جديدة أو علاقات جديدة.
ومن ثم، فالاغتراب يمكن عدّه شعوراً يعاني منه الأفراد العاملون في المجتمع، أو في أنظمة اجتماعية معينة، وهو يعكس تأكيدهم لرفض الواقع، على الرغم من إحساسهم الفعلي بوقوعهم في قبضة هذا الواقع، وعدم انتمائهم إلى قيمه ومثله ومعاييره. كما يعبر، أيضاً، عن عدم مشاركتهم في الأنشطة التنظيمية المختلفة.
وفي هذا الصدد يقدم إيريك فروم Erich Fromm، في كتابه "المجتمع السليم"، مجموعة من الصفات خاصة بمفهوم الاغتراب، وبأنه تلك الحالة التي لا يشعر فيها الإنسان بأنه المالك الحقيقي لثرواته وطاقاته؛ بل يشعر بأنه كائن ضعيف يعتمد كيانه على وجود قوى خارجية، لا تمت لذاتيته بصلة. إلا أن جميع البحوث المعاصرة، التي تتناول مفهوم الاغتراب، تبدأ بأفكار سيمان Seeman، لأن سيمان أراد التخلص من الغموض والارتباك الذي أحاط بمفهوم الاغتراب، من خلال فصله عن الاستعمالات المتعددة لهذا الاصطلاح، وتوضيح معاني هذه الاستعمالات ليتيسر استعماله في البحوث العلمية، دون أي ارتباك أو غموض أو تشويش.
فأول استعمال للاصطلاح عزله سيمان عن المعاني الأخرى، هو عدم وجود القوة عند الفرد المغترب، أي أن الاغتراب هو شعور ينتاب الفرد فيجعله غير قادر على تغيير الوضع الاجتماعي، الذي يتفاعل معه.
والاستعمال الثاني للاغتراب، هو عدم وجود الهدف عند الشخص المغترب، أي أنه لا يستطيع توجيه سلوكه ومعتقداته وأهدافه.
والمعنى الثالث للاغتراب، هو عدم وجود المقاييس، أي أن الفرد المغترب، غالباً، ما يشعر بأنه لو أراد تحقيق أهدافه، فعليه عدم التصرف بموجب المقاييس المتعارف عليها اجتماعياً وأخلاقياً.
والمعنى الرابع والأخير للاغتراب، هو الشعور بالعزلة، أي شعور الفرد المغترب بأنه غريب عن الأهداف الحضارية لمجتمعه.
والواقع أن جميع هذه المعاني للاغتراب يجب أن تكون مستقلة الواحدة عن الأخرى، حسب آراء سيمان، واستقلاليتها لا يمكن أن تتحقق دون استعمال قياسات للمواقف لتمييزها وتشخيص بعضها عن بعض. لذا، فقد انصبت النظريات الحديثة لموضوع الاغتراب حول دراسة المستوى الموقفي للسلوك الاجتماعي، وهذا يتعلق بالمزايا الجوهرية للتركيب الاجتماعي؛ فالظروف الاجتماعية، حسب آراء ماركس، هي التي تبعث شعوراً بالاغتراب عند الفرد، وهذه الظروف تتجلى في أنظمة وعمليات الإنتاج الصناعي.
بينما يرى علماء آخرون أن العامل الأساسي لظهور حالة الاغتراب هو تضخم المجتمعات، وتحول العلاقات الاجتماعية فيها إلى علاقات رسمية. ويرى آخرون أن الاغتراب يقع في المنظمات الرسمية والبيروقراطية، ويختفي خارج هذه المؤسسات. |
|
| |
| " الموسوعة المصغّرة للمصطلحات الاجتماعية " 5 | |
|