سيمفونية القتل اليومي
صحف عبرية
قبل ثلاث سنوات وضعت الولايات المتحدة سقفا زمنيا لنظام الأسد كي يمتنع عن استخدام السلاح الكيميائي، وهددت بضربه بعد قتل أكثر من ألف مواطن إثر هجوم بالسلاح الكيميائي لنظام الأسد، حيث استخدم مواد من نوع سارين في أحد أحياء دمشق. وبتدخل من روسيا (وقرار مجلس الأمن رقم 2118) تم الاتفاق على تفكيك السلاح الكيميائي السوري، وانضمام سوريا إلى ميثاق السلاح الكيميائي «سي.دبليو.سي». وفي أعقاب ذلك امتنعت الولايات المتحدة عن تنفيذ تهديدها. وخلال عام 2014 تم استكمال عملية تفكيك سلاح سوريا الكيميائي بموافقتها. وقد أعلنت هي عن ذلك، وتم تدمير حوالي ألف طن من المواد الكيميائية وكذلك البنى التحتية لانتاج هذه المواد. هذه العملية تعتبر انجازا استثنائيا استراتيجيا.
التهديد باستخدام القوة العسكرية، أضافة إلى خطوات سياسية منسقة من قبل الدول العظمى ـ الولايات المتحدة وروسيا ـ أدت إلى القضاء على قدرة نظام الأسد لاستخدام السلاح الكيميائي على مستوى واسع. ويعتبر هذا الإنجاز ملفتا على ضوء الفائدة المتوقعة من البدائل العسكرية لهذا الإنجاز وثمنها.
الى جانب النجاح الملفت لهذه الخطوة العسكرية السياسية، أبقى الحل الذي تحقق عدة ثغرات حقيقية برزت منذ البداية: على مستوى الإمكانيات في سوريا بقيت قدرات الانتاج والتسليح، والتي لم يتم الإعلان عنها. وعلى المستوى العملي استمرت، بل وازدادت، التقارير حول الاستخدام المتكرر للسلاح الكيميائي من قبل النظام السوري. وعلى المستوى المطلوب بقي بشار الأسد على كرسيه بعد أن قام بالإخلال بميثاق دولي وقع عليه واستخدم السلاح الكيميائي ضد شعبه، حيث يقوم بقتلهم بعدة وسائل أخرى. وازداد عدد اللاعبين الذين يعتبرونه جزءا من الحل. وفي نهاية المطاف، على المستوى الاستراتيجي نشأت سابقة إشكالية. في أعقاب امتناع الولايات المتحدة عن فرض الانضباط تجاه الخط الأحمر الذي تم اختراقه بشكل متكرر، توجد لهذه السابقة تأثيرات على صورة الولايات المتحدة الردعية، سواء في الشرق الأوسط أو في ساحات أخرى، مثل اوروبا وآسيا والباسيفيك.
منذ بداية الأزمة (بداية العام 2013) كانت الإدارة الأمريكية حذرة في هذا الموضوع. ومن اجل الحفاظ على حرية القرار والعمل امتنعت عن المصادقة بشكل حاسم على التقارير حول استخدام النظام للسلاح الكيميائي. وفي بداية حزيران 2016 نشرت وزارة الخارجية الأمريكية تقريرا حول موضوع الإرهاب، جاء فيه أن «الولايات المتحدة لا يمكنها المصادقة على أن سوريا تؤدي واجبها حسب ميثاق السلاح الكيميائي. وهي تعتقد أن سوريا قد استخدمت السلاح الكيميائي بشكل متكرر ومنهجي في كل سنة منذ وقعت على الميثاق. لذلك فانها تخل بالتزامها بالميثاق. وإضافة إلى ذلك، تعتقد الولايات المتحدة أن سوريا لم تعلن عن خطة السلاح الكيميائي بشكل كامل. ويحتمل أنها ما زالت تحتفظ بالسلاح الكيميائي حسب تعريف الميثاق».
وقد جاء في تصريحات المتحدث بلسان البيت الأبيض في 24 آب أنه «لم يعد هناك مجال لنفي أن النظام السوري عاد واستخدم الكلور الصناعي كسلاح ضد شعبه، وهو بهذا يكون قد أخل بميثاق الأمم المتحدة حول السلاح الكيميائي وقرار مجلس الأمن رقم 2118. إن الولايات المتحدة ستعمل مع شركائها في العالم من اجل طلب العقاب بالطرق الدبلوماسية المناسبة». تقرير صحيفة «التايمز» في 14 أيلول تحدث عن 161 هجوم موثق بالسلاح الكيميائي في سوريا منذ بداية عام 2015، ومعظمها بواسطة الكلور.
وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، تحدث في جنيف في 11 ايلول بشكل واضح عن هجمات الغاز كجزء من حالة المعاناة التي تحدث في سوريا.
على الرغم من هذه الاخلالات والاعتراف العلني والرسمي بها، استمرت ادارة اوباما في الامتناع عن فرض القانون على نظام الأسد أو العمل بشكل مباشر ضده، لاعتبارات سياسية وايضا بسبب الرغبة في تقليص التدخل العسكري للولايات المتحدة والتورط البري. ايضا إظهار الثمن الباهظ لفرض مناطق حظر للطيران في سماء سوريا. ومن المتوقع استمرار هذه السياسة حتى نهاية ولاية ادارة اوباما.
هناك تأثيرات سلبية على مكانة الولايات المتحدة نتيجة لاستمرار هذه السياسة، وكذلك على قدرة تأثيرها في سوريا، وفرضها على نظام الاسد احترام الاتفاقات بما في ذلك وقف اطلاق النار. وهناك تأثير ايضا على موقفها أمام القوى العظمى الأخرى، ولا سيما روسيا. وفي سوريا، ووراء الشرق الأوسط (حيث أن هناك قلقا متزايدا في اوروبا من روسيا) وعلى مكانتها وصورتها لدى حلفائها كشريكة تحترم التزاماتها، ولا ترتدع عن استخدام القوة من اجل تحقيق ذلك.
على خلفية ذلك، فإن الادارة الحالية وايضا الادارة المقبلة، وبناء على اعتبارات واسعة، واعتبارات الإرث، هناك ضرورة للبحث عن بدائل أخرى، من اجل انهاء قضية السلاح الكيميائي في سوريا وتحقيق أهداف استراتيجية أخرى.
أولا: مطالبة نظام الأسد وروسيا الكف عن الاستهداف المقصود للمواطنين مع التشديد على عدم استخدام السلاح الكيميائي.
ثانيا: مواصلة جمع وتوثيق المعطيات حول استخدام السلاح الكيميائي من قبل نظام الأسد. والمطالبة بوجود رقابة على المواقع المشتبه فيها بالانتاج والتخزين والاستخدام للسلاح الكيميائي.
ثالثا: إعادة النظر في الموقف من استمرار حكم بشار الأسد، بما في ذلك محاكمته دوليا بسبب جرائم الحرب ضد الإنسانية، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي ضد المواطنين. وهذه الخطوة لها أهمية اخلاقية.
رابعا: دراسة إمكانية ضرب قوات النظام السوري. ومن الأفضل فعل ذلك بالتدريج من اجل التأكيد على نوايا الولايات المتحدة إذا لم يغير الأسد طريقه. في البداية يجب تدمير بعض المروحيات التي تشارك في قصف المدنيين، وفيما بعد استهداف سلاح الجو بشكل عام.
لأن سلاح الجو يقيد حرية الحركة الجوية للولايات المتحدة، وكذلك قصف اهداف السلاح الكيميائي. ويجب فعل ذلك في السياق الصحيح، أي ردا على اعادة استخدام السلاح الكيميائي من قبل نظام الأسد، خصوصا إذا كان هذا يعرض قوات الولايات المتحدة للخطر. هذه الأعمال ستعزز مواقف الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة عن طريق الضغط على نظام الاسد من أجل الاستجابة للمطالب الدولية. وهذا ايضا سيثمر نتائج استراتيجية وإنسانية. إن تطبيق الخيارات الواردة أعلاه سيؤكد مصداقية تهديدات الولايات المتحدة واستعدادها لاستخدام القوة لفترة طويلة من اجل تحقيق الأهداف السياسية، وليس فقط استهداف أعدائها (الدولة الإسلامية والقاعدة)، وهذا سيعزز مكانة الولايات المتحدة وحلفائها في جهود وقف الحرب في سوريا، سواء أمام نظام الاسد أو أمام روسيا، ويشكل إشارة واضحة لنظام الاسد وحلفائه مثل إيران وحزب الله من جهة، وروسيا من جهة اخرى. ويثبت لروسيا أنه ليس فقط المتمردون، حلفاء الولايات المتحدة، هم الذين يتعرضون للقصف الجوي. على الولايات المتحدة أن تعمل بحذر من اجل عدم التورط العسكري الواسع.
توجد لإسرائيل مصلحة في تحقيق هذه السياسة من قبل الولايات المتحدة. على ضوء قربها من ساحة المعركة والسلاح الكيميائي. وكذلك تقليص تأثير إيران وشركائها على الحدود الشمالية الشرقية، حتى لو اقترن ذلك بأخطار معينة إزاء رد مؤيدي النظام تجاه اسرائيل:
أ ـ على اسرائيل الاستمرار في الامتناع عن التدخل في الحرب الأهلية السورية. ولكن الاستمرار في فرض الخطوط الحمراء التي حددتها: الدفاع عن مواطنيها وسيادتها وعن قواتها. منع نقل السلاح العسكري المتطور لحزب الله، ومنع وصول السلاح الكيميائي إلى جهات إرهابية.
ب ـ دعم الجهود الاستخبارية للولايات المتحدة والغرب مثلما في السابق، من اجل إثبات وجود السلاح الكيميائي واستخدامه في سوريا.
ج ـ مساعدة الولايات المتحدة في تطبيق الخيارات التي تم ذكرها.
د ـ على اسرائيل إسماع صوتها الأخلاقي والسياسي من اجل تقليص الأضرار بالمدنيين في سوريا والاستمرار في تقديم المساعدة الإنسانية للسوريين القريبين من الحدود في هضبة الجولان.
إن المكان الذي كان في السابق يسمى سوريا، يضع أمام المجتمع الدولي عدد من التحديات التي تسبب كارثة انسانية واسعة، وتضعضع النظام الاقليمي والدولي: الدولة الإسلامية، الحرب الأهلية، الدمار الكبير، الجوع، اللاجئون والمشردون. الصراعات الاقليمية والصراعات بين القوى العظمى. كل ذلك لا يكفي من اجل توقف القوة العظمى الأولى عن السعي لتحقيق نهاية أفضل، لقضية السلاح الكيميائي في سوريا، والعودة للعب دور قيادي أمام عاصفة الدمار والقتل التي تحدث أمام ناظرينا.
أساف أوريون
باحث إسرائيلي