قراءة وإضاءة حول المعيار الشرعي رقم 32 بشأن التحكيم (1)
1. يتناول هذا المقال المعيار الشرعي بشأن التحكيم، قراءة وإضاءة، ويتضمن المعيار أربعة عشر بندًا عدا تاريخ الإصدار والنبذة التاريخية. وتتناول هذه البنود: نطاق المعيار، تعريف التحكيم، صور اللجوء إلى التحكيم، ومشروعية التحكيم، وصفة التحكيم، أركان عقد التحكيم، مجال التحكيم، صفات المحكم وتعيينه، مستند التحكيم، طرق الحكم، والإجراءات والإثبات في التحكيم، وإصدار قرار التحكيم، إبلاغ قرار التحكيم ونفاذه، وتنفيذ الحكم أو نقضه، مصروفات التحكيم وأجور المحكم. وطبقًا للنطاق يتناول المعيار التحكيم في المعاملات المالية والأنشطة والعلاقات التي تتم بين المؤسسات، أو بينها وبين عملائها، أو موظفيها أو أطراف أخرى سواء كانوا في بلد المؤسسة أم في بلد آخر ويتناول هذا المقال القضايا النقاشية في تلك البنود.
2.القراءة: تعريف التحكيم وصوره: اتفاق طرفين أو أكثر علــى تولية من يفصل في منازعة بينهم بحكم ﹸملزم، والتحكيم إما أن يصار إليه باتفاق حين نشوء النزاع، وإما أن يكون تنفيذا لاتفاق ســابق على اشــتراط المصير إلى التحكيم بدلًا من اللجوء إلى القضاء، وقد يصار إلى الاتفاق على التحكيم بإلزام قانوني. ويجب النص على وجوب الرجوع إلى التحكيم الإسلامي في الاتفاقيات التي لا يمكن تقييد الرجوع فيها للقوانين بعدم التعارض مع الشريعة الإسلامية.
3.الإضاءة: التحكيم أحد أهم البدائل التي يجب أن تلجأ إليها المؤسسات المالية الإسلامية في ظل عدم ملاءمة الإطار القانوني الحكم للعقود المالية الإسلامية سواء في داخل الدولة، أو تلك العقود العابرة للحدود كالصكوك وعمليات التمويل الجماعي. وقد أحسن المعيار بالنص على الوجوب.
4.وحسب التطبيق لا يمكن الجزم بأن العقود الإسلامية المطبقة قد نصت على شرط التحكيم، بل إن الغالب هو التزامها بالتحاكم إلى المحاكم القائمة في البلد أو تلك المحاكم الوضعية في حالات العقود العابرة للحدود كالمحاكم الإنجليزية أو الأمريكية، مع الحرص على التقييد بضوابط الشريعة. غير أنه لا ضمان لتطبيق هذا القيد عند التحاكم الفعلي، لأن القاضي الإنجليزي أو الأمريكي يحكم بتقديره للموقف وليس بالضرورة لضوابط الشريعة؛ خاصة في ظل عدم تحديد دقيق لمرجعية الشريعة الإسلامية، رغم وجود مطالبات وممارسات بشأن النص على مرجعية المعايير الشرعية لأيوفي. ولكن هذا الأمر ليس متاحًا دائمًا خاصة أن بعض العقود العابرة للحدود أو حتى المحلية لا تتوافق مع المعايير الشرعية لأيوفي. وهذه المخاطر تؤكد من جديد على ضرورة النص على التحكيم وفق الشريعة، وأنه الحل الأكثر ملاءمة في واقعنا اليوم، مع إدراكنا للعوائق تجاه هذا الموضوع والتي تتمثل بتعنت الأطراف الأخرى على وجه الخصوص وتمسكها باللجوء للمحاكم الوضعية.
5.صفة التحكيم: التحكيم لازم في الحالات التالية: إذا نص في العقد على اشتراط التحكيم. إذا اتفقا على التحكيم بعد نشوء نزاع وتعهدا بعدم الرجوع عنه. التحكيم غير لازم في حق المحكم بغير أجر، فيجوز للمحكم أن يعزل نفســه بعد قبوله. أما إذا كان التحكيم بأجر فهو لازم للمحكم فإن عزل المحكم نفسه وترتب على ذلك ضررٌ فعلي فإنه يتحمل مقدار الضرر.
6.الإضاءة: من الملائم أن يكون التحكيم في المؤسسات المالية الإسلامية بأجر تحقيقًا لاستقرار التقاضي في حالات النزاع، ومن الملائم النص ابتداء على التحكيم لدى المركز الإسلامي الدولي للتحكيم التجاري في دبي حصرًا، حيث يضم في قائمته خبراء في التمويل الإسلامي يجمعون بين الشريعة والقانون والفهم المصرفي والمالي. وعلى المؤسسات المالية الإسلامية أن تعزز مرجعية المركز في حالات النزاع وأن تساهم بالقدر الممكن بتفعيل هذا المركز وتعزيز حضوره في نزاعات الصناعة المالية الإسلامية عالميًا.