قرارات ولكن...
ضياء خليل
24 يونيو 2018
حدثان مهمان ارتبطا هذا العام بمنظمة التحرير الفلسطينية، الأول في بدايته حين عقد المجلس المركزي دورته الـ28 في 14 و 15 يناير/كانون الثاني الماضي في مقر المقاطعة برام الله، والثاني في المكان ذاته للمجلس الوطني في الثلاثين من إبريل/نيسان، ولثلاثة أيام.
وصدر عن الاجتماع الأول سلسلة مهمة من القرارات للمجلس المركزي المنبثق عن المجلس الوطني، لكن أي منها لم يطبق حتى الآن وبقيت حبراً على ورق، رغم حساسية الظروف المحيطة بالقضية الفلسطينية، والأهمية التاريخية لهذه القرارات.
وجرى في الاجتماع الأول تكليف اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بتعليق الاعتراف بإسرائيل إلى حين اعترافها بدولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران 1967، لكن ذلك لم ينفذ حتى الآن، وإنّ تحدث كثيرون عن صعوبات تطبيقه.
ذهب المجلس المركزي كذلك إلى التأكيد على أنّ الفترة الانتقالية التي نص عليها اتفاق أوسلو وما نتج عنه وعن غيره من الاتفاقيات من التزامات على الفلسطينيين لم تعد قائمة، إضافة إلى الانتقال من مرحلة الحكم الذاتي إلى مرحلة الدولة تحت الاحتلال التي تناضل من أجل استقلالها.
ولم يتوقف التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل رغم قرار المجلس المركزي بوقف كافة أشكال التنسيق الأمني وهو قرار مشابه لما اتخذ في مارس/ آذار 2015 ولم ينفذ الأمران للآن، والانفكاك من التبعية الاقتصادية للاحتلال التي أنتجتها اتفاقية باريس الاقتصادية.
وأعلن المركزي الفلسطيني تبنيه لحركة مقاطعة إسرائيل محلياً ودولياً، مع الدعوة لفرض عقوبات على دولة الاحتلال لوقف انتهاكاتها، واستمرار العمل من أجل دفع المزيد من الدول في العالم لمقاطعة المستوطنات الإسرائيلية، ورغم ذلك فإنّ المنظمة أو السلطة لا تدعم مباشرة هذه التحركات حتى الآن.
ورغم قرار المجلس المركزي بتفعيل قرار قمة عمّان في 1980 الذي يلزم الدول العربية بقطع علاقاتها مع أي دولة تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنقل سفارتها إلى المدينة المحتلة، إلا أنّ هذا القرار أيضاً لم يطبق ولم ينفذ منه شيء على أرض الواقع.
داخلياً، كان لإنهاء الانقسام مقررات مكملة لما سبق، حيث أكدّ المجلس المركزي التمسك باتفاقية المصالحة في مايو/آيار 2011، ودعم تمكين الحكومة في غزة، لكن لم يكن للمنظمة أو أطرها المختلفة أي دور فعلي في عملية المصالحة المتعثرة.
أين المنظمة من مبادئها؟
أحمد عبد الهادي
24 يونيو 2018
نجحت الحركة الوطنية الفلسطينية في استيعاب النكبة بعد 16 عاماً واستدركت الأمر بإعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية وهي الاصطلاح أو التوصيف الذي كان عليه استيعاب كل المقتضيات والمطالب والتطلعات الفلسطينية، فالمنظمة كان منوطا بها أن تكون هي حركة التحرير من أجل تحرير فلسطين، وكانت هي الدولة الحلم بالنسبة للفلسطينيين وهي الكيان المعنوي لهم الذي يجتمعون تحت سقفه بعدما تهجر ثلثا الشعب الفلسطيني في الشتات، وكانت هي التعبير الأبرز عن استقلالية القرار الوطني الفلسطيني عن الوصاية العربية. كانت المنظمة كل شيء بالنسبة للفلسطينيين، هي التحرير وهي الدولة وهي الكيان وهي الشرعية وهي الممثل الشرعي والوحيد، وكان عليها القيام بكل المهام التي ينشدها شعب محتل.
لكن السؤال أين هي منظمة التحرير الفلسطينية من كل الرهانات والتطلعات بعد نصف قرن؟ وما الذي حدث حتى تلاشت المنظمة عن المشهد ومنه؟
متغيرات داخلية وخارجية
يتشعب عن السؤال السابق مجموعة تساؤلات أخرى مشروعة يُفضي إليها الواقع الحاصل الآن ومتغيراته الداخلية والخارجية، أحد أهم هذه التساؤلات بعد نصف قرن على قيام وتأسيس وإعلان ونشأة منظمة التحرير ماذا أنجزت من التحرير؟ بعد نصف قرن أين المنظمة ككيان معنوي؟ ككيان مؤسساتي؟ ككيان شرعي وككيان قانوني؟ أين المنظمة وهياكلها ومؤسساتها وجيشها؟ أين المنظمة كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني؟ وهل فلحت المنظمة بالفعل في أن تكون ممثلاً شرعياً ووحيداً للشعب الفلسطيني؟ هل استوعبت المنظمة كل مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية؟ هل حافظت المنظمة على مبادئها وميثاقها؛ هل تماسكت المنظومة الفكرية للمنظمة التي تُعبر عن الثورة الفلسطينية وتعبر بها في وجه التحديات والمتغيرات؟ إذا لم تفلح المنظمة في تحقيق أهدافها هل حافظت على مسببات ودوافع نشأتها؟ إذا لم نفلح في بناء الدولة هل حافظنا على المنظمة كدولة معنوية احتوت الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات؟
تعكس التساؤلات السابقة واقع المشهد الفلسطيني عموماً وواقع منظمة التحرير الفلسطينية بوجه خاص وتجيب بعد نصف قرن عن هذا الواقع أكثر مما تفضي لتساؤلات جديدة قد تتعلق بمستقبل المنظمة ومآلاتها، إن الموضوعية تقتضي القول إنه لم يكن تلاشي المنظمة من المشهد الفلسطيني نتيجة للتسوية السياسية فقط وتحولها من منظمة تحرير إلى كيان خياره الأوحد والوحيد السلام والتسوية والقبول بفتات ما يلقى إليه الاحتلال الإسرائيلي، إذ إن جزءاً أساسياً ومركزياً من تآكل المنظمة وتلاشي حضورها كان صناعة ذاتية فلسطينية بامتياز وقصورا لدى كافة مكونات الحركة الوطنية الفلسطينية التي جعلت من التنازع على المنظمة مدخلا لتغييبها، حتى عندما أدرك الفلسطينيون أن المنظمة تلاشت وتآكلت وأنها بحاجة لاستعادة لم يتفقوا على الآلية المناسبة لذلك وتطور الخلاف والاختلاف حتى بات الجدل هل هو إصلاح لمنظمة التحرير أم إعادة بنائها.
المجلس الوطني
تقرر مؤخرا إحياء أحد هياكل المنظمة وهو المجلس الوطني الفلسطيني، فكان الأمر أشبه باستدعاء ميت، مضى على دفنه أكثر من عقدين من عمر المنظمة وكان الاجتماع الأخير له في عام 1998 من أجل إحداث انقلاب في المنظومة الفكرية لمنظمة التحرير الفلسطينية، انقلاب أفضى لتلاشي آخر مظاهر ودلائل وجود منظمة تحرير فلسطينية وإلغاء ميثاق منظمة التحرير، وكأن منظمات التحرير وحركات التحرير تغير مبادئها وأهدافها، فكانت سابقة فلسطينية تحدث على وقع الاحتلال وما قبل التحرير والدولة وحق العودة.
المجلس الوطني الذي أريد باستدعائه كشاهد زور قطع الطريق على أي تقارب فلسطيني والاستقواء به من أجل مواجهة المجلس التشريعي لمرحلة ما بعد أبو مازن، هو في الأصل مجلس أريد به وله أن يكون مجلساً تمثيلياً لعموم الشعب الفلسطيني فإذا به يتحول لتكية وتصبح عضويته هبة ومنحة والمشاركة فيه حسب الولاء والتزكية والسلامة الأمنية.
بعد عقدين تقرر عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني في بيئة فلسطينية متعثرة وفي ظروف هي الأصعب، وعلى بعد أيام من وقائع نقل السفارة الأميركية للقدس والاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية، التأم المجلس الوطني ليعبر عن واحدة من أعقد مراحل التمزق والانقسام والافتراق الفلسطيني وكأن تغييب المنظمة لم يعد كافيا فأريد لها أن تكون عصا استقواء من أجل تعميد الانقسام ومأسسته أيضا، ولا سيما عندما رفضت ثلاثة من الفصائل الفلسطينية المشاركة والاشتراك في اجتماعات المجلس وهي حماس والجهاد والجبهة الشعبية.
وبدلا من أن يكون اجتماع المجلس الوطني، أحد أهم مكونات منظمة التحرير، مدخلا للوحدة والاتفاق والاصطفاف، لا سيما في ظل الظروف التي تمر بها القضية الفلسطينية، أصبح مدخلا للتراشق والاتهام والانقسام والتفكك، حتى بات الأمر أشبه بجبهة فصائل مشاركة مقابل جبهة فصائل رافضة المشاركة. وبدلا من إحياء المنظمة، أطلق الرصاص على واحد من أهم هياكلها، أي على مجلس تمثيل عموم الشعب الفلسطيني، المجلس الوطني. بعد سبعين عاما على نكبة فلسطين وبعد 54 عاما على تأسيس المنظمة لم يتفق الفرقاء في الحركة الوطنية الفلسطينية حتى بات الأمر كمن يضع العربة أمام الحصان ويريد استنهاض منظمة التحرير على مرأى من الاحتلال وكأن الاحتلال والتحرير يجتمعان معا.
إن الضابط لسلوك المنظمة وتجربتها وأدائها هو الإطار الفكري الذي وضعته المنظمة وأقرته، وهو الميثاق الوطني الفلسطيني الذي أقر في الدورة الرابعة للمجلس الوطني الفلسطيني بالقاهرة في 10 يوليو/تموز 1968 والذي حظي بالإجماع ودون أية معارضة، وبالتالي أصبح الميثاق هو الضابط لأداء المنظمة وهو البرنامج الاستراتيجي الشرعي لنضال الشعب الفلسطيني من أجل التحرير، تحرير فلسطين كل فلسطين وفق ما ذهب إليه الميثاق في حينه.
قبل تحقيق التحرير الكامل أو حتى الجزئي انقلبت المنظومة الفكرية لمنظمة التحرير، فذهبت إلى التسوية إلى أوسلو وقبلت بغزة أريحا أولا ثم تلاشت الثوابت والحقوق وأصبحت مجرد لاءات، وتلاشت هذه الأخرى وأصبحت اشتراطات فقط، واستكمل المشهد بانقلاب كامل في أروقة المنظمة بتغيير ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية وشطب 12 مادة من أصل 30 مادة وغُير جزئيا نص 16 مادة أخرى. وعلى الرغم من أن إقرار الميثاق حدث بإجماع فلسطيني ودون أية معارضة، فان تغيير الميثاق تم من خلال عملية تدليس وإرضاء للإدارة الأميركية وبحضور الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلنتون في غزة عندما صوت ثلثا أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني على تغيير وتحريف وتبديل الميثاق الوطني الفلسطيني وبهذا انتفت وانتهت أول وأهم أسباب قيام منظمة التحرير الفلسطينية.
بعد نصف قرن لم تتخل المنظمة عن مبادئها فقط لكنها أصبحت مدخلاً للاختلاف وللانقسام الفلسطيني- الفلسطيني، تلاشت المنظمة وتلاشى معها المشروع الوطني الفلسطيني برمته، في وقت هو الأصعب والأخطر
السلطة وتغييب المؤسسات
ثابت العمور
24 يونيو 2018
يتقاطع النظام السياسي الفلسطيني في كونه جزءاً من المنظومة العربية بجل تركيباتها ومكوناتها، وإن كانت الحالة الفلسطينية تعكس واقعاً مصغراً رغم خصوصيتها كونها ما زالت تحت وقع الاحتلال، لكن ما يجمع بين المنظومة العربية والفلسطينية هو الفردانية والشخصنة واحتكار القرار، وكلا المنظومتين لا تعترفان بالنظريات السياسية المتعلقة بعملية صنع واتخاذ القرار سواء فيما قاله "دافيد ايستون" أو ما قاله "غابريل الموند" أو غيرهما من علماء النظرية السياسية، ولست بمعرض التنظير هنا لواقع صناعة القرار السياسي فلسطينيا كان أم عربيا، ولكن التجربة الفلسطينية استطاعت في العام 2006 أن تقدم نموذجا لمظهر من مظاهر التحول الديمقراطي ممثلا في الانتخابات التشريعية التي بُترت بعد عام واحد أو أقل من حدوثها، وبالتالي تم وأد واحدة من أهم التجارب التي كان يُمكن البناء عليها والتأسيس لها، حتى بات احتكار القرار وشخصنته وتغييب المؤسسة واحداً من أهم المواضع التي أقرتها الحالة الفلسطينية ومررتها وقبلتها.
وكشف مرض الرئيس محمود عباس مؤخراً الكثير من الحقائق المسكوت عنها داخلياً، أهمها أن هناك تشخيصاً بالفعل وإدراكاً مسبقا بعملية الاحتكار والشخصنة، فالرجل أقر بذلك فور اجتماعه باللجنة المركزية لحركة فتح في رام الله عقب خروجه من المستشفى منتصف شهر رمضان وقال متوعدا ومتعهدا بأنه "سيعمل على إرساء نظام المؤسسات، بدل نظام الفرد الواحد". وأضاف في أول مهمة له بعد خروجه من المستشفى: "إذا المؤسسة تعمل، فإن كل الأمور تكون بخير ولا داعي للقلق، لأنه بصراحة نحن لا نريد أن تبقى ثقافة الفرد، بل نريد ثقافة المؤسسة... من العيب أن نقول إن المؤسسة دولة واقفة على شخص، البلد عامرة برجالها".
تشابهت الظروف التي مرض فيها الرئيس أبو مازن مع تلك الأجواء التي تزامنت مع سقوط طائرة الرئيس الراحل الشهيد ياسر عرفات في السابع من إبريل/نيسان من العام 1992، حينها تساءلت قيادات فتح كيف ستدفع رواتب الحركة؟!، ليكتشفوا جميعا أنهم لا يعرفون شيئا ولا توجد حسابات مصرفية واضحة، وما أشبه حالة اليوم بالبارحة فالراتب حتى اللحظة هو مربط الفرس، فكل السلطات كانت وما زالت مركّزة بنص القانون وغير القانون بيد الرئيس.
لا توجد مؤسسات -باعتراف الرجل- ترعى انتقال السلطة، ولا نائب للرئيس يمكن أن يشغل منصب الرئاسة حال شغوره حتى هذه سكت عنها المُشرع الفلسطيني، والآن بعد مضي أكثر من عقد على وجود أبو مازن في رئاسة السلطة ورئاسة فتح ورئاسة المنظمة يريد استدراك ما فاته ويبني دولة المؤسسات التي لا تزول بزوال الأفراد، لا بدافع مهني ولكن لأن المرض غيب الرجل لثمانية أيام، فاكتشف أن بطانته ومقربيه كانوا يتربصون بالكرسي ويتقاسمون الرئاسات بينهم.
لست بمعرض الخوض في حيثيات مرض الرئيس والروايات التي تزامنت مع الحدث وتعلقت بخليفته وبمن سيرثه، خاصة أنه لا خليفة ولا نائب للرئيس وهو ما سكت عنه المُشرع في القانون الأساسي الفلسطيني، فعلى الرغم من أن المُشرع لم يُغفل الحالات التي يغيب فيها الرئيس ومن يحل محله، إلا أنه لم يتطرق من بعيد أو قريب إلى نائب الرئيس وأسقط الحديث عنه، وأقصد هنا رئيس السلطة الفلسطينية، فالحالة الفلسطينية واستغراقا في الاحتكار والشخصنة أقرت أن يكون الرئيس رئيس السلطة ورئيس المنظمة ورئيس حركة فتح، وحدث أنه اقترح في بعض الأحيان ولتجاوز عقدة تسمية رئيس الحكومة بين حماس وفتح أن تطوع الرجل - الرئيس- بأن يكون هو أيضا رئيس الحكومة وربما وزير الداخلية والخارجية أيضا.
هكذا بدت الحالة الفلسطينية قبل التحرير والاستقلال وبناء الدولة وهي حالة ممتدة ومتجذرة ولا تتوقف عند تسمية رئيس فلسطيني بعينه، الاحتكار صناعة فلسطينية بامتياز ومحمية قانونية والانقسام جاء ليُكمل ما ينقص لاحتكار القرار، وبالتالي نحن أمام عملية تكامل ما بين القانوني والسياسي في إجازة وتمرير الاحتكار وشخصنة القرار، بدليل نص القانون الذي أعطى للرئيس بغض النظر عن شخصه واسمه صلاحيات مفتوحة حتى أن من حق الرئيس أن يُسن تشريعات لها قوة القانون، وبالتالي المشكلة ليست في شخص الرئيس الراحل ياسر عرفات ولا في شخص أبو مازن ولا في شخص الرئيس القادم، لكن القانون الأساسي الفلسطيني يُقر الفردانية ويؤسس لشخصنة القرار والتفرد به، وهو ما أفضى للواقع الحاصل الآن في اختطاف المشروع الوطني الفلسطيني.
احتكار القرار الوطني لا يتعلق بقيام السلطة فقط ولا باحتكار شخص الرئيس لصناعة القرار فقط، احتكار القرار مرض مزمن في الحالة الفلسطينية ويمتد من احتكار الفرد للقرار إلى احتكار التنظيم أو المؤسسة للقرار، فحركة فتح منذ نشأتها وهي تحتكر القرار الوطني وتحتكر توصيف وتسمية الحزب الحاكم ولم يُعرف عنها منذ نشأتها أن كانت فتح يوما في موقع المعارضة مثلا أو مارستها.
إن الموضوعية تقتضي القول إنه قبل الحديث عن الديمقراطية والتعددية والحرية والصلاحيات والمساءلة والشفافية وتجاوز مرحلة احتكار القرار والفرد القائد والقائد الرئيس وقبل الذهاب بعيداً في وعود بناء دولة المؤسسات قبل ذلك كله تجب إعادة النظر في ما خصصه القانون الأساسي للرئيس من صلاحيات تقر كلها وتقنن احتكار القرار، واكتفي بعرض عينة فقط، تقول المادة (36) مدة رئاسة السلطة الوطنية هي المرحلة الانتقالية، ويتم انتخاب الرئيس بعد ذلك وفقاً للقانون. (لم يُعرف المشرع ما هي المدة الانتقالية)، وتنص المادة (39) رئيس السلطة الوطنية هو القائد الأعلى للقوات الفلسطينية. (هو هنا رئيس وقائد). وتنص المادة (40) يعين رئيس السلطة الوطنية ممثلي السلطة الوطنية لدى الدول والمنظمات الدولية والهيئات الأجنبية وينهي مهامهم، كما يعتمد ممثلي هذه الجهات لدى السلطة الوطنية الفلسطينية. (الرئيس هنا هو وزارة الخارجية أيضا)، وتنص المادة (42) لرئيس السلطة الوطنية حق العفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها، وأما العفو العام أو العفو عن الجريمة فلا يكون إلا بقانون.( هو السلطة القضائية هنا).
وتذهب المادة (43) لرئيس السلطة الوطنية في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي، إصدار قرارات لها قوة القانون، ويجب عرضها على المجلس التشريعي في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات وإلا زال ما كان لها من قوة القانون، أما إذا عرضت على المجلس التشريعي على النحو السابق ولم يقرها زال ما يكون لها من قوة القانون.( الرئيس هو السلطة التشريعية هنا أيضا). وتقول مادة (45) يختار رئيس السلطة الوطنية رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل حكومته وله أن يقيله أو يقبل استقالته، وله أن يطلب منه دعوة مجلس الوزراء للانعقاد.
تلك عينة من مواد القانون الأساسي الفلسطيني التي تُقر الاحتكار وتقننه، ويُكمل الانقسام المفضي لتغييب المجلس التشريعي باقي حلقات التفرد والاحتكار، وبهذا يُقر الفلسطينيون التفرد قبل إقرارهم وبنائهم للدولة وغُيبت المؤسسات بنص القانون وبمزاجية صانع القرار وبالاتفاق على إدامة الانقسام.
وفي الوقت الذي تواجه فيه القضية الفلسطينية عموماً جملة من المخاطر غير المسبوقة والتي تستهدفها والثوابت الوطنية، تتطلب الشراكة والاتفاق والوحدة والتكامل يُصر كل فريق أن يكون هو الحزب الحاكم ليتفرد بالقرار بعدما ارتضت باقي المؤسسات الغياب والتغييب.