مدارس منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت
مقدمــــة
لقد رأيت من واجبي أن أضمن كتابي هذا ملحقا عن مدارس منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت، لأسجل للتاريخ محاولة رائدة قام بها الشعب الفلسطيني لحل مشكلة من المشاكل العديدة التي واجهته بعد نزوحه عن الوطن والتي استطاع أن يحلها متغلباً على كافة العقبات التي وقفت في طريقه. وهذه المشكلة هي مشكلة تعليم الآلاف من أبناء فلسطين الذين وفدوا للكويت للالتحاق بأولياء أمورهم إثر نكسة عام 1967. وتمكن شعبنا من حل تلك المشكلة بانشاء مدارس منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت.
ولابد لي من أن أشير هنا إلى أن الأخ بلال الحسن قد قام بالحديث عن تعليم الفلسطينيين ومدارس المنظمة في الكويت وذلك في الكتاب الذي صدر عن مركز الأبحاث الفلسطينية عام 1974 وعنوانه “الفلسطينيون في الكويت”. ولكن ما سأثيره هنا يتضمن نقاطاً عديدة لم يشر إليها الأخ بلال لأنها كانت إلى حد ما خارجة عن بحثه أو معلومات شخصية من ذاكرتي.
وقد توفرت لي هذه المعلومات والبيانات لأني كنت مؤسس تلك المدارس حيث كنت حينئذ مدير مكتب المنظمة في الكويت كما كنت أيضاً مديراً للمشروع في السنة الأولى من إنشاء تلك المدارس أي في السنة الدراسية 1967-1968 واستطعت ولله الحمد في تلك السنة، وبصعوبة بالغة، أن أجمع بين المنصبين أي منصب مدير مكتب المنظمة ومنصب مدير مدارس المنظمة معتمداً على خبرتي في التعليم باعتباري كنت فيما مضى مدرسا لمدة خمسة عشر عاماً في فلسطين والكويت. هذا وقد أشار الأخ بلال الحسن مشكوراً إلى جهودي الشخصية التي بذلتها لإنشاء تلك المدارس..
وأرى من واجبي الآن أن أذكر أنه لم يكن من الممكن أن تنشأ تلك المدارس وتنجح في تأدية رسالتها إلا بالجهود الجبارة التي بذلها معي أصدقاء وزملاء من الموجهين في وزارة التربية الكويتية آنذاك وهم حسين نجم ونايف خرما ومحمود سعد الدين وحسام سويد وجميل الصالح وزهير الكرمي ومحمود عبد الفتاح. كما أنه من واجبي أن أشير هنا بفخر إلى الدعم الذي قدمه للمشروع أحمد الشقيري أول رئيس لمنظمة التحرير واللجنة التنفيذية للمنظمة. إذ سمح الشقيري لنا وبدون تردد بالصرف على تلك المدارس من الأموال التي جمعناها في الكويت قبل النكسة في حملة مستشفى الميدان.
فلولا عون هؤلاء جميعاً لما قامت تلك المدارس والتي استمرت تعمل تسع سنوات وحلت مشكلة تعليم آلاف الطلبة الفلسطينيين وبأقل الإمكانيات.
وليعذرني القارئ الكريم إذ أعرض هذه المعلومات المتوفرة لدي عن مدارس المنظمة دون تحليل لمضمونها لأن ذلك يتطلب جهداً لا أملكه الآن. كما أن موضوع تعليم الفلسطينيين في الكويت يستلزم دراسة متأنية ومعلومات إضافية غير متوفرة لدي في الوقت الحاضر. وإنما أردت أن أقدم هذه المعلومات لتكون إضافة نوعية إلى البحث الذي كتبه بلال الحسن عن مدارس المنظمة خصوصاً وأن كتاب بـلال الحسن المشار إليه صدر قبل إلغاء تلك المدارس في نهاية العام الدراسي 75/76 وتضمن إحصائيات عن تلك المدارس لغاية السنة الدراسية 71/72 فقط.
هذا وقد اعتمدت في بحثي على معلوماتي الشخصية التي احتفظت بها في ذاكرتي بعد تأسيس المدارس عام 1967 وحتى الآن. كما اعتمدت فيه على الجداول والمعلومات التي زودني بها مشكوراً الصديق حسام سويد والذي كان مديراً لمدارس المنظمة لمدة سبع سنوات أي منذ عام 69-70 وحتى اغلاقها.
وأخيراً فإني أعتقد أن بحثي هذا والبحث الذي قدمه الأخ بلال الحسن عن تلك المدارس سيشكلان معاً المرجع الوحيد عنها في المكتبة العربية.
والله ولي التوفيق
خيري أبو الجبين
مدارس المنظمة باختصار
أبدأ باعطاء القارئ الكريم فكرة اجمالية عن مدارس المنظمة والتي أنشأها مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في الكويت عام 67. وللتعرف على تلك التجربة الرائدة أنقل للقارئ الكريم ما كتبته عن تلك المدارس في “مذكرات خيري أبو الجبين” والتي نشرت في الكويت عام 1999 وهذه المذكرات كانت باللغة الدارجة لأنها فحوى أحاديث سبق أن وجهتها لابني نادر وإخوانه وكانت مسجلة على أشرطة تسجيل. وليعذرني القارئ لاتباعي هذا الأسلوب توفيراً للجهد. علماً بأنني أبقيت بعض الجمل في المذكرات على حالها حتى لا تفقد حرارتها كما أجريت تعديلاً طفيفاً فيها تسهيلاً لقراءتها:
“مدارس المنظمة يا نادر تجربة رائدة للشعب الفلسطيني تستحق التسجيل لأن الشعب أثبت أنه يستطيع أن يعمل الكثير رغم عدم وجود الإمكانيات.
كان عندنا في سنة 67 آلاف الطلبة الذين قدموا من الضفة الغربية وقطاع غزة بعد النكسة للالتحاق بأولياء أمورهم ممن كانوا يعملون في الكويت آنئذ تاركين أسرهم في بلادهم توفيراً للنفقات.
وقد رفضت حكومة الكويت في البداية تعليم أولئك الطلاب في مدارسها لعدم وجود أماكن حيث كانت السنة الدراسية قد بدأت.
“طيب هؤلاء الطلاب إيش بده يعلمهم؟ فوقتها الحكومة ما قدرت تاخدهم وكان بادي الدوام. راجعت أنا المسؤولين بخصوصهم وقالوا ما بنقدر. قلت إحنا بنعلمهم، وتعبت كتير لما أقر المبدأ. وكان يعارضني وزير التربية صالح عبد الملك واستعملت معاه التصريحات الصحفية لإحراجه وكنت أروح آخذ موافقة من الخارجية لأن المسؤولين في وزارة الخارجية كانوا مؤيدين لي بهالطريق. وكنت كلما أصدر تصريح يقول لي وزير التربية: “إنت شنو تنطي تصريح مينو إنت؟”. وكنت أقول له أنا مدير المنظمة. يعني عارضني كتير. وبعدين جاء له أمر من فوق، فوافق. فصارت المدارس. ألفنا لجنتين؛ لجنة لإدارة المشروع هذه فيها المفتشين من أصدقائي رجال التعليم إللي بيشتغلوا بالوزارة، مثل جميل الصالح، وزهير الكرمي، حسين نجم ومحمود سعد الدين، حسام سويد، ومحمود عبد الفتاح، ونايف خرما. وكنت أنا معهم باعتباري مدير المنظمة وأفهم بالتعليم.
وأنا كنت مدير المدارس كلها، لأنه لي الصفتين. يعني أول سنة أنا مدير المشروع ومدير المدارس يعني مدير التعليم بالإضافة إلى مركزي. وفي السنة التالية، صرت مش قادر، فعينا مدير للتعليم إللي هو خليل عويضة. ولما راح خليل عويضة السنة الثالثة عين حسام سويد. يعني خليل عويضة صار هو مدير التعليم في السنة الثانية 68-69 وأنا كنت مدير التعليم بالسنة 67-68، وأخذ التعليم كل وقتي. وعينا خليل عويضة 68-69. وفي الـ 69 طلعت من المكتب في شهر 4 بعد أن استلمت منظمة فتح المنظمة. وعين حسام سويد لادارة المشروع اعتباراً من السنة الدراسية 69-70 أما الشؤون المالية لمدارس المنظمة فبقيت باستمرار من اختصاص مدير المكتب فضلاً عن الاتصالات الخارجية المتعلقة بتلك المدارس.
واللجنة الثانية التي ألفناها فاوضت وزارة التربية على الحصص والبرامج والإتفاق. وهذه اللجنة كان منها خليل دهمش لأنه من المعلمين العتق، وخالد الصادق وخليل السالم وكم واحد من إللي كانوا معلمين بالمعارف سابقاً. فاوضنا وإتفقنا وعملنا إتفاقية بيننا وبين التربية أنه المدارس تتبع بالمناهج وزارة التربية وأنه نعلم بعد الظهر. وأن التربية تعترف بشهاداتنا وأن ما ندخلش إلا الفلسطينية وفق السن المقرر وشئ من هذا القبيل.
يعني عملنا إتفاقية على كل الأمور التي تتبع في المدارس. وبعدين أعلنا عن فتح المدارس وهجموا الناس هجوم. حوالي عشرة آلاف تلميذ مالهمش مكان في المدارس الحكومية والخاصة ونظمناهم، طبعاً المعلمين اللازمين بدهم معاش، مين بده يعطيهم؟ فعملنا رسوم رمزية والجداول عندي محفوظة يعني إللي معاشه عشرين دينار يدفع ستة دنانير، وإللي معاشه ثلاثين دينار يدفع عشر دنانير بالسنة وهكذا. وكنا نطلب من الناس يجيبوا شهادات رواتبهم وبموجبها يدفع الناس، الولد الثاني يخفض له القسط، والولد الثالث نعفيه وشئ من هذا القبيل. وإللي مش قادر يدفع، كنا نروح للأغنياء الفلسطينيين نقول لهم إدفعوا عنه. مثلاً أقول لعبد المحسن القطان إدفع عن خمسين ولد وهكذا بس علشان الصندوق يغطي لأن وزارة التربية لما رفضت قالت لمجلس الوزراء هذا المشروع بيكلف مليونين دينار. لكن إحنا عملناه بأقل من مائة ألف دينار بالسنة الأولى ودفعناها من الأقساط ومن ما بقي عندنا من إللي كنا جمعناه لمستشفى الميدان. واستأذنا اللجنة التنفيذية وقلنا لهم الناس بدها تعليم. وقالوا توكلوا على الله.
وكنا ندرس أربع حصص بعد الظهر لأننا كنا نستعمل المدارس بعد ما يروحوا طلاب الحكومة. فتحنا مدارس في النقرة والفروانية، وفي الفحيحيل، وفي كل الأحياء التي يزدحم فيها الفلسطينيون. كل المراحل الإبتدائي والمتوسط والثانوي. وكان الطلاب ينشدون في الدوام في طابور الصباح “نشيد عائدون”. كان هو النشيد إللي طبقناه في البداية. وكنا في السنة الأولى ننقلهم بالباصات برسوم زهيدة بعد أن اتفقنا مع شركة المواصلات الكويتية وخفضت لنا أجور الباصات. وعينا معلمين لأنه كان في بطالة فلسطينيين في الكويت، وكنا نعطي المعلم 40 دينار حامل الثانوية العامة. والجامعي أظن 55. بس الشرط ما ندفعش في الصيف. وإلا كيف بدنا نوفر وكان المعلم يعلم بـ 40 دينار أربع حصص بعد الظهر. فيه ناس قالوا لنا إعملوها بالتبرع قلنا إذا عملناها بالتبرع بنضمنش لأن المدرس ببلاش يمكن ييجي يوم واليوم الثاني ما يجيش، بينما المعاش الـ Nominal بيربط. حتى منظمة فتح قالت لي يا أخي أجلوا بلاش شغلة التعليم علشان الثورة، واقترحوا ناس ننصب خيام. أما كيف تجيب خيام وأديش حق الخيام؟ مش مهم عندهم!! يعني كله منشان التعطيل. بعدين لما طلعت أنا من المنظمة استلموها فتح. بعدين أقفلت وما قدروا يستمروا فيها. والحكومة بدهاش إياها.
تجربة المدارس تجربة رائدة جداً. استمرينا بيطلع عشر سنوات. وكنا ماخدين مدرستكم هذه الدعية الثانوي للبنين، وثانوي البنات في طليطلة وكنا نقدم الإمتحانات مع الحكومة يعني طلابنا يقدموا نفس امتحانات الحكومة وهي تصلح يعني وزارة التربية تصلح. والحقيقة كانت تجربة المدارس يفتخر بها الشعب الفلسطيني، إلى أن أقفلت بنهاية سنة 75-76 بكل أسف ونقلوا الطلاب لمدارس الحكومة. هذه هي تجربتنا في الـ 67 حيث إنشغلنا كتير وصار مكتب المنظمة كخلية نحل لأن الناس صاروا يدخلونه من أجل الحاق أبنائهم بالمدارس.” .. انتهى
تطور أعداد طلاب مدارس منظمة التحرير الفلسطينية
بدولــة الكويـــت
عدد الطلاب العام الدراسي
4721 1967 / 1968
8726 1968 / 1969
12597 1969 / 1970
13817 1970 / 1971
14957 1971 / 1972
14847 1972 / 1973
14942 1973 / 1974
16616 1974 / 1975
15728 1975 / 1976
..... يتبع